إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

قرأت لكم

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قرأت لكم

    مخطوطات البحر الميت

    مخطوطات البحر الميت تضم ما يزيد على 850 قطعة مخطوطة، بعضها مما سمي لاحقا (الكتاب المقدس) وبعضها لم تكن تعرف أو كانت مفقودة، أول من عثر عليها الراعي (محمد الديب) خلال بحثه عن ماعز ضلت منهم، اثرها باعوا المخطوطات لـ (دكان الانتيكات) فاشتراها سوريون ثم حملوها لمطرانهم الأرثوذكي الذي حملها بدوره إلى الولاياتالمتحدة الامريكية عام 1948. واكتشف بعدئذ المزيد من المخطوطات بين عامي 1947 و 1956 في 11 كهف في (وادي قمران) شمال البحر الميت، فأثارت هذه اهتمام الباحثين والمتخصصين بدراسة نصوص (العهد القديم) لأنها تعود لما بين القرن الثاني قبل الميلاد والقرن الأول منه. وتعرف ايضا ( لفائف قمران) وتعود لطائفة (الأسينيين) اليهودية التي أنعزلت وبنت مدينة صغيرة في هذا المكان لكنها تحطمت بزلزال حدث عام 31 ق م وأعيد بناء الموقع عام 4 ق م الا ان الرومان أحرقوا البناء عام 68 م والمرجح أن أفراد هذه الملة لم يكونوا يعيشون في هذه الأبنية، بل في الكهوف المجاورة وفي أكواخ أو خيام من الجلود أوالطين. عندما احتلت اسرائيل القدس والضفة الغربية عام 1967م، حملوا المخطوطات الى (المدرسة التوراتية الفرنسية) و (متحف روكفلر) أو (المتحف الوطني) في القدس المحتوي على بقية المخطوطات وهي لم ترحل لأمريكا اذ بقيت تحت السيطرة الإسرائيلية. كتبت بعض المخطوطات المكتشفة المكتوبة على البردي وبعضها على جلود الماعز وبعضها على صفائح نحاسية وكانت قد وضعت في جرار فخارية ودفنت في كهوف منطقة صحراوية. عثروا على من أكثر من 800 نص مخطوط وتقسم النصوص إلى 30% منها من التوراة بالعبرية وقطع من كل الأسفار عدا (سفر استر) و 25% منها نصوص يهودية ليست من الكتاب المقدس، كـ (سفر اخنوخ) و (شهادة لاوي). و 30% منها من تفاسير (الكتاب المقدس) اي (العهد القديم). و 15% منها من نصوص لم تترجم أو لم تعرف هويتها بعد.أغلب النصوص كتب بالعبرية بعض منها الآرامية وقليلها باليونانية.

    في العثور على المخطوطات قصة مثيرة، فقبل نهاية الحرب العالمية الثانية عثر على الكهف الأول في ربيع 1947 بالقرب من البحر الميت وكان الكهف في المنطقة الفلسطينية يوم كانت تحت الحماية البريطانية منها القدس والضفة الغربية، ففي يوم ضاعت معزة الراعي الحدث (محمد الديب) الذي ينتمي إلى (قبيلة التعامرة) التي تتجول في المنطقة الممتدة بين بيت لحم والبحر الميت. وصعد الصبي فوق الصخر باحثا على معزته، فشهد فتحة صغيرة مرتفعة في واجهة سفح الجبل، وعندما ألقى (محمد الديب) حجرا داخل الفتحة سمعها تصطدم بمادة فخارية في الداخل، فأعاد الكرة وألقى بعدة أحجار أخرى فكان في كل مرة يسمع ذات الصوت الذي يحدث عند ارتطام الأحجار بالفخار. عندها تسلق (محمد الديب) سفح الجبل وأطل برأسه داخل الكوة وفي ظلام الكهف شاهد عددا من الأوعية الفخارية مصفوفة على أرضية الكهف. وفى صباح أليوم التالي عاد (محمد الديب) ومعه أحد أصدقائه إلى موقع الكهف، الذي ساعده على الصعود إلى الكوة وعند دخول الكهف عثروا على عدد من الأوعية الفخارية وبداخلها لفافات سبع. بعد حين ظهرت اللفافات المخطوطة للبيع عند احد بائعي الأنتيكات في بيت لحم فاشتراها احد السوريين السريان ثم اشترى منهم اربع منها (مار أثاناسيوس صموئيل) رئيس (دير سانت مارك للكاثوليك) واشترى الأستاذ (إليعازر سوكينوك) الثلاث الباقية لحساب الجامعة العبرية بالقدس. وباشتعال الحرب العربية الإسرائيلية أثر إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948 خشي (مار أثاناسيوس صموئيل) على مصير المخطوطات التي اشتراها، فأرسل المخطوطات الأربع إلى الولايات المتحدة لعرضها للبيع فبيعت بربع مليون دولار اذ اشتراها (إيغال يادين) ابن الأستاذ (سوكينوك) للجامعة العبرية في القدس. وبهذا غدت المخطوطات السبع الأولى ملكا للجامعة العبرية. [/font]

    عندما اعلنت الهدنة مع إسرائيل عام 1949 عادت منطقة قمران والثلث الشمالي من منطقة البحر الميت للمملكة الأردنية. فبدأ الأردنيون ينقبون عن المخطوطات في الكهوف، كانت (عشيرة التعامرة) تحفظ موقع الكهف سراً الا ان الأردن عرفت الكهف. اثرها نظم الأردنيون عمليات تنقيب بإشراف الخبير البريطاني (هاردنك) مدير الآثار الأردنية، والكاهن (رولآند دى فو) الذي كان مدير (الإيكول بيبليك دى فرانس) بالقدس الشرقية. اثرها عثر الأثريون على مئات القصاصات الصغيرة داخل الكهف مع قطع من الفخار والقماش والخشب، مما ساعد على تحديد تاريخ المخطوطات. عمليات التنقيب الأثرية بدأت في بقايا خربة قمران الواقعة في أسفل الكهف عام1951 اذ عثر على أطلال القرية القديمة التي عاش فيها (العيسويون) وبها بقايا رومانية من بينها عملات نقدية، يشير تاريخها على ان هذا الموقع كان مسكوناً إلي ان قامت حركة التمرد اليهودية ضد الرومان في الفترة ما بين 66 و 70 ميلادية، والتي انتهت بحرق مدينة القدس واخراج اليهود من المنطقة المحيطة بها. انتشرت (عشيرة التعامرة) في كل وديان البحر الميت بحثا عن مخطوطات أخرى قد تكون مخبأة في الكهوف العديدة الموجودة في هذه المنطقة الجبلية طمعاً في الحصول على الربح ، وفى عام 1952 استطاع البدو العثور على كهف أخر به العديد من المخطوطات التي تحللت إلى قصاصات صغيرة باعوها إلي السلطات الأردنية واتبعت سلطات الآثار الأردنية الطريقة التي اتبعتها (عشيرة التعامرة) في البحث داخل كهوف البحر الميت عن المخطوطات، اثرها في عام 1956 اكتشفوا مجموعة في 11 كهفا في منطقة قمران وابناء (عشيرة التعامرة) عثروا على أربعة كهوف منها رقم 1، و 4، و 6، و 11، اما الآثار الأردنية فقد عثرت على السبعة الباقية. (المار أثاناسيوس) في المدرسة الأمريكية للدراسات الشرقية في القدس وجماعته صوروا ونشروا المخطوطات الأربع التي يملكونها بين 1950 و 1951 كي يستطيع الباحثين الإطلاع عليها ثم نشروا ترجمتها الإنكليزية. كذلك فعلت الجامعة العبرية بنشر صور المخطوطات التي حصلت عليها مع ترجمة لها عام 1954.
    كان الحصول على مخطوطات عبرية وآرامية قديمة في كهوف قمران حدثا تاريخيا بالغ الاهمية للتعرف على أحداث التاريخ القديم في الفترة بين القرن الثانى ق . م ونهاية القرن الأول الميلادى وهي فترة انتهاء يهودية الكهنة وبدأية يهودية الأحبار والتلمود وهي الفترة التي ولدت المسيحية فيها وساد الاعتقاد بميلاد تعاليم المسيح. وهي قضايا شكلت ألغازا لألفى عام. بعد نشر المجموعة الأولى من المخطوطات توقفت التخمينات الأخرى. حدث الصمت حول المخطوطات وأسرار جماعة قمران. وفى هذا الجو انتشرت الشائعات ودبرت المؤامرات ولا شك أن الجماعة المشرفة على إعداد المخطوطات قد ساعدت على حدوث هذه التطورات السلبية. بعد ان سيطرت عليها جماعة (الإيكول بايبليك – مدرسة الكتاب القدس) الفرنسية نشب صراع خفي بين لجنة المخطوطات وبين سلطة الآثار الإسرائيلية منذ اليوم الأول لسقوط متحف القدس تحت سلطة الاحتلال الاسرائيلى بعد حرب 67 إلا أن الأمور استمرت على ما كانت عليه لأكثر من عشرين عاما حتى اخذتها سلطة الأثار الإسرائيلية مكانها عام 1991. فى هذا العام نشر في لندن كتاب (خداع مخطوطات البحر الميت) للكاتبين (مايكل بيجنت) و (ريتشارد لى) اعتمد المؤلفان في أدلتهما على التأخير الذى زاد على أربعين عاما في نشر مخطوطات كهف قمران رقم (4) ..فمن بين 500 نص عثر عليها في هذا الكهف لم ينشر منها إلا مائة فقط. ثم بدأت حملة إعلامية كبرى في أواخر عام 90 وأوائل عام 1991 م خاصة في الصحف الأمريكية مثل (النيويورك تايمز) و (الواشنطون بوست) تهاجم مجموعة الباحثين المسئولين عن ترجمة ونشر المخطوطات وتتهمهم بالاشتراك في مؤامرة لمنع نشر بعض ما ورد بنصوص قمران. كما انتشرت شائعات بوجود مؤامرة لإخفاء بعض محتويات مخطوطات قمران لأن محتوياتها سيكون لها تأثير سلبى على بعض المعتقدات اليهودية والمسيحية, ولم تكن لجنة المخطوطات تضم بين أعضائها أيا من اليهود أو المسلمين أو حتى المسيحيين التابعين للكنائس الشرقية!!!. أصبح الأب (دى فو) المسؤول عن عمليات البحث الأردنية عن مخطوطات قمران، و بالتالي عن عمليات إعداد وترجمة ونشر النصوص التي عثر عليها، فأوكل قصاصات الكهف رقم 1 إلى (دومينيك بارثيلمى) و(ميليك) فنشرت الترجمة الإنكليزية من جامعة أكسفورد عام 1955. الحكومة الأردنية بدورها شكلت عام 1953 لجنة عالمية من ثمانية باحثين ليس بينهم عربي لتولى عملية إعداد المخطوطات ونشرها برئاسة (دى فو) وكان الاعضاء من فرنسا وانكلترا والولايات المتحدة والمانيا حيث دعوا الى القدس للعمل. استخدمت بعض الترجمات الإنكليزية الحديثة للكتاب المقدس لتنقيح النص الكتابي للعهد القديم، بفضل مخطوطات البحر الميت كما في الترجمة العالمية الحديثة. وهذا ليس مثالا على تحريف متعمد للنصوص بل يظن المختصون خطأ في نقل النسخ غير مقصود، والاية محفوظة في الترجمة السبعينية والارامية ويمكن قرائتها في الترجمة الكاثوليكية العربية (الرَّبُ أَمين في كُلَ أَقْوالِه وبار في جَميعَ أَعمالِه).
    الخلاصة ان أثار اكتشاف مخطوطات عبرية وآرامية قديمة بمنطقه قمران حمس الباحثين في تاريخ الكتب المقدسة، للعثور على معلومات تزيل الغموض عن مرحلة هامة من التاريخ الإنساني. ذلك أن أقدم نسخة عبرية موجودة الآن من كتب العهد القديم ترجع إلى القرن العاشر بعد الميلاد، كما أن المعلومات التي وصلتنا عن المسيح جاءت كلها من كتابات كتبت بعد نصف قرن من الوقت الذي حددته لوفاته. وازداد الحماس عندما تبين أنها تنتمي إلى جماعة (العيسويين) اليهودية - المسيحية. كانت الخلافات بين اليهود والمسيحيين الأوائل تتعلق بتفسير ما ورد في كتب العهد القديم، تحتوى مكتبة قمران على ثلاثة أنواع من الكتابات: كتابات توراتية من أسفار العهد القديم، وكتابات لأسفار لم تدخل في قانون العهد القديم، وكتابات جماعة قمران (العيسوية). عندما انشأ الملك بطليموس الثاني (فلاديلفيوس) مكتبة الإسكندرية استحضر مجموعة من كتبهَ القدس إلى الإسكندرية خلال القرن الثالث قبل الميلاد، الذين جلبوا معهم كتبهم وترجموها إلى اليونانية، وتعرف بـ (النص السبعيني) وفي ذاك العهد استخدمت الكنيسة المسيحية اليونانية النص السبعيني للعهد القديم وجميع الكنائس المسيحية حتى القرون الوسطي، وهناك نص عبري ترجم إلي اللاتينية واللغات الأخرى في القرن السادس عشر. تبين وجود عدة خلافات بينه وبين النص السبعيني فى أسماء الأعلام والتواريخ.[/font]
    خلاصة الخلاصة ان النصوص الي اكتشفت في (كهوف قمران) كانت هزة تاريخية في الاسفار اليهودية بشكل خاص والمسيحية. النصوص محت معلومات واوردت معلومات جديدة لم تكن في الحسبان عرفنا منها ان الجرة كانت رفا من رفوف المكتبات الحديثة حفظت عبر ألف عام او اكثر ماكان فيها من لفائف البردي او جلود الحيوانات او صفائح النحاس وكانت بالعبرية والآرامية وقليل منها باليونانية. وظهر منها آنذاك تواجد فرقة (العيسويون) وهم يهود تنصروا وليس هذا بالغريب ففي التاريخ نجد يهودا تنصروا وبقوا على بعض معتقداتهم منها كانوا يرون المسيحيين من الاقوام الاخرى (نجسون) الا ان تلميذ المسيح (بولص) وحد المسيحية. الاكثرية من هذه المخطوطات في حيازة الجامعة العبرية في اسرائيل واكثرها لم ينشر بسبب تعارضها مع الاسفار اليهودية القائمة الآن رغم ان الجامعات الغربية كاكسفورد تطالب بنشرها. على اي حال فان مخطوطات (كهوف قمران) لا تزال تحمل معلومات غير مكشوفة.
    توما شماني – تورونتو
    عضو اتحاد المؤرخين العرب
    التعديل الأخير تم بواسطة الامير; الساعة 2008-11-11, 12:02 AM.
    [CENTER][B][COLOR=blue]مع حبي واحترامي[/COLOR][/B][/CENTER]
    [CENTER] [/CENTER]
    [CENTER]:rolleyes::(:mad::)[/CENTER]

  • #2





    اكمل بارك الله فيك

    واخبرنا بكل التفاصيل
    [CENTER] [/CENTER]

    تعليق


    • #3
      سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
      قال الله تعالى(هوالذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمنا مع إيمنهم ولله جنود السموات والارض وكان الله عليما حكيما)[B][/B]

      تعليق


      • #4
        الله يبارك فيك اخي الامير على هذا الموضوع المفيد
        sigpic
        https://www.facebook.com/aborakkan

        تعليق


        • #5
          مشكور أخوي الأمير على موضوعك الممتاز...

          و فعلا أن مخطوطات قمران قد قلبت التاريخ اليهودي رأسا على عقب, و أثرت في المسيحية ايضا...
          إن أدركت معنى الحقيقة, ستدرك حينها وهم الحياة...

          تعليق


          • #6
            علم الاثار

            اخواني الكرام
            منقول للفائدة


            علم الآثار


            تعريف علم الآثار

            كانت مسألة تحديد تعريف لعلم الآثار يشمل مفهوم دراسة القديم من الموضوعات التي أرقت المهتمين بذلك النوع من الدراسة .
            وتبدأ تلك المسألة عندما كان العالم الفرنسي " جاك سبون" في القـرن السـابع عشر حائراً أمـام لفظين "أركيولوجي Larchaeologie للتعبير عن علم الآثار قاصدا ذلك العلم الذي يهتم بدراسة جميع الأشكال المادية والملموسة التي تحفظ لنا آثار النشاط البشري سواء أكانت هذه الآثار جميلة أم لم يهتم الإنسان بتجميلها ، فكان منه أن رجح استخدام كلمة أركيولوجي والتي اصطلح عليها ـ فيما بعد ـ في سائر اللغات الحديثة لتنسحب على ذلك العلم الذي يهتم بدراسة الحضارات القديمة مزدهرة كانت أم مندحرة،عظيمة كانت أم بدائية ، فإن كهفا أو كوخا بسيطا سكنه إنسان ، أو حفرة بسيطة دفن فيها موتاه هي أثر لنشاط كائن يدل على حضارة بعينها ، كما أن قصرا أو معبدا ضخماً زين أو مومياء حنطت أو رصعت وزينت هي أيضاً أثر يدلل على حضارة أخرى بمستوى آخر في حقبة زمنية تعكس مدى التقدم الذي حققه هذا الإنسان.

            مجمل القول :" إن كل ما خلفه نشاط إنساني في مكان ما خلال حقبة ما من الزمن هو أثر يخضع لدراسة علم الآثار " أي أن علم الآثار هو ذلك العلم الذي يهتم بدراسة كل ما خلفه لنا الإنسان من قبيح وجميل في مكان ما خلال حقبة ما.

            واقع الأمر إن قوام ما خلفه لنا الإنسان بصفة عامة ينقسم إلى قسمين رئيسيين الأول منهما تلك المخلفات المادية الملموسة ، والثاني منهما هو تلك الكتابات والنصوص التي تركها لنا الإنسان ، لذا جاء علم دراسة الأشياء المادية وهو علم الآثار توأما لدراسة اللغة والنصوص والكلام والذي يصطلح عليه باسم فيلولوجي philology، ويأتي تلازم هذين العلمين لدراسة نواحي الحضارة المختلفة أمراً ضروريا فمن المستحيل دراسة العمارة الرومانية القديمة دونما الرجوع للكتاب الذي تركه لنا المهندس الروماني "فيتروفياس Vitrovius" بعنوان "عن العمارة " De Architectura" كما أنه يتحتم لدراسة النحت اليوناني الرجوع لما كتبه المؤرخ الروماني" بليني الأكبر" في كتابه التاريخ الطبيعي والذي خصصت فيه أجزاء للمعادن والفنون كما أدرج به جدولاً بالفنانين الإغريق القدامى وأعمالهم التي ذاع صيتها في العالم القديم.

            ويظهر التداخل بين علمي الآثار واللغة جليا في كثير من الأعمال الفنية والمعمارية التي تحمل نقوشا وكتابات كتلك التي تغطي جدران المعابد المصرية أو شواهد القبور أو اللخافات Ostraca التي دونت عليها كتابات بالحبر الملون أي أن المعبد هو أثر معماري لا تنفك طلاسمه إلا بقراءة الكتابات المدونة عليه وكذلك الحال بالنسبة لشواهد القبور وغيرها من الآثار التي تحمل نقوشاً أو كتابات فغالباً ما تفسر هذه الكتابات تاريخ الأثر أو الشخص الذي بناه أو الذي أهداه.

            ولا يقتصر علم دراسة اللغة على هذه النقوش فقط بل يشمل أيضاً علم الكتابات على قراطيس البردي المعروف اصطلاحاُ باسم البابيرولوجي Papyrologyوالذي يهتم بجوانب الحياة المختلفة من عقود وقوانين ومراسلات وتسجيلات وغيرها من مظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وأحياناً أخرى يلقي الضوء على مجالات الفنون والعمارة وغالباً ما كان يعثر على قراطيس البردي منفردة في المقابر أو المنازل أو المعابد وأحياناً كانت تلف بها المومياوات كغلاف مقوي لحمايتها وغالباً ما تكون البرديات غير ذات فائدة عند استخدامها كلفائف للمومياوات لكنها تبقى مصدراً للمعلومات الهامة للأثريين الآن.

            ويدخل علم دراسة النقوش في نطاق علم اللغويات (وعلم النقوش يعرف اصطلاحاً بعلم الأبيجرافي Epigraphy) وهو يهتم بدراسة أنماط الخط والكتابة وأشكال الحروف الهجائية وتطورها ومحاولات تجميل الخطوط المختلفة ولا يمكن لعالم الآثار أن يغفل هذا العلم بل هو في المقام الأول أحد وسائل التأريخ الهامة.

            إن التعبير عن علم الآثار بمصطلح "أركيولوجي archaeology" " صار أسيراً للمعنى الذي استخدمه الفرنسي جاك سبون في القرن السابع عشر حتى أنه صار يستخدم للتعبير عن دراسة القديم وصار موصولاً بأصله ويتعدى نطاق دراسة تاريخ الفنون ليشمل سائر نشاطات الإنسان وكافة مظاهر حضارته المختلفة ،ولعل تطور الحضارات واندحارها واختفاء الأعمال الفنية الجميلة فضلاً عن العوامل الطبيعية وفعل الزمن وعواديه ذات التأثير السيئ والمدمر أحياناً على الآثار فلا تترك مجالاً لدراسة تاريخ الفن بل تبقى الأطلال والخرائب مادة درسها علماء الآثار في مختلف المجالات.

            إن علم الآثار لا يقتصر على عمليات البحث والتنقيب بل يمتد إلى مجال النشر العلمي للمكتشفات الأثرية والدراسات المتخصصة التي تميط اللثام عن ماضي مجهول وتقدم معلومات جديدة من المادة القديمة ، وتعتبر عملية التسجيل العلمي الدقيق لمراحل الكشف الأثري أهم مراحل التنقيب وهي الذاكرة الحقيقية لهذا العمل، فإن علمية التنقيب هي في الواقع تدمير للطبقات لا يمكن إعادتها لشأنها الأول ولا تحتمل الخطأ ذلك لأن الخطأ يدمر حقبة من تاريخ أمة وحضارتها لذا فانه على الأثري أن يكون على دراية وعلم يؤهلانه للحفاظ على هذه الأمانة التي أودعتها الأمة إياه وتعتبر مهمة المنقب من أسمى وأجل الوظائف البشرية التي تستوجب النزاهة والخبرة.

            مجمل القول إن علم الآثار هو العلم الوحيد الذي يجمع بين المعول والحاسب الآلي ماراً بعلوم أخرى كثيرة وعلى الرغم من ان علم الآثار مفرد اللفظ إلا أنه يشمل عدة علوم في آن واحد. فهو يضم العديد من علوم الآثار ذات المساحة الزمنية والمكانية المحددة منها على سبيل المثال:

            - علم آثار ما قبل التاريخ Prehistoric Archaeology
            - وعلم الآثار المصرية القديمة (المصريات) Egyptology
            - وعلم الآثار الكلاسكية Classical Archaeology
            - وعلم الآثار الإسلامية Islamic Archaeology
            - وعلم الآثار الهندية Indian Archaeology
            - وعلم الآثار الشرق الأدنى Near East Archaeology
            - علم الآثار المكسيكية Mexican Archaeology

            وغيرها من علوم الآثار .. التي تنسب إلى شعوب قطنت أماكن بعينها واستقرت فيها وتفاعلت مع بيئتها إيجابياً فأفرزت حضارة ذات طابع خاص خلال مرحلة زمنية بدأت فيها من المرحلة البدائية وتدرجت إلى أن بلغت قمة الحضارة ثم ما لبثت أن تهاوت لتعود إلى الصفر من جديد.

            كان انتشار الإنسان معمراً وقاطناً وتاجراً ومرتزقاً في شتى أنحاء المعمورة ، واستقراره هنا وهناك في آونة متزامنة مطوراً أساليب حياته باحثاً عن الأفضل ولم تكن مظاهر نشاطاته ثابتة أو مكررة فحينما كان نظيره في أوروبا بربرياً مرتحلاً لذا فليس من الضروري أن تتزامن مرحلة حضارية لشعب ما مع شعب آخر.

            علوم الآثار التخصصية:

            يأتي التقسيم التاريخي أو المكاني كأحد المساحات التي تحدد مجال دراسة علم الآثار والتي ينبغي على المنقب أن يكون ملماً بالمعلومات الأساسية عنها وعن مميزات كل حضارة وفن لتساعده على فهم المكتشفات والطبقات . وفي كثير من الأحيان تأتي التقسيمات الزمنية متوافقة بين حضارة وأخرى لكنها يتعذر أن تتزامن بينهما . ويأتي علم آثار ماقبل التاريخ كقاسم مشترك بين شتى علوم الآثار . ثم تأتي بعد ذلك العصور التاريخية والتي تبدأ بمعرفة الكتابة وغالباً ما مايوصم هذا العلم بالزمان والمكان لتحديد مجال هذا العلم . فمثلاً علم الآثار المصرية القديمة يقصد به كافة المراحل الحضارية التي شهدتها مصر بحدودها السياسية والطبيعية عبر العصور ـ منذ عصر ما قبل الأسرات حتي نهاية العصر الروماني .

            علم آثار ما قبل التاريخ Prehistoric Archaeology :

            يشمل هذا العلم بالدراسة مخلفات الإنسان في مراحل ماقبل معرفة الكتابة ، لذا يفتقد هذا العلم علوم اللغات ويعتمد على وسائله الخاصة ولما كانت مراحل الاستقرار البشري في مختلف الحضارات تختلف زمانياً إلا أنها تتشابه من حيث المظاهر وسبل الحياة ووسائلها فهدف علم آثار ما قبل التاريخ هو إعادة رسم تطور الحضارات المبكرة من بداياتها في خطوط عريضة غالبا ما تفتقد الدقة ولكنها تأتي بشكل تقريبي لذا فإن علم آثار ما قبل التاريخ يدرس سلسلة حضارات بشرية تبدأ بأول ظهور للإنسان منذ العصور السحيقة حتى ماقبيل التاريخ history ـ proto ووصولا إلى العصر التاريخي مع معرفة الكتابة .
            ومن العسير الفصل بين عصر ما قبل التاريخ history ـ pre من الناحية التاريخية ومظاهر فصول كل حضارة كما انه يصعب تحديد أي منهما زمنياً فبداية التاريخ في مركز حضاري ما تختلف عن نظيرتها في مكان آخر فالعصر التاريخي في مصريبدأ قبل العصر التاريخي في بلاد الغال بألفي عام كما انه ليس بالضرورة أن تأتي نفس العصور لترتيبها النمطي في كل حضارة فالتقسيمات الكبرى لما قبل التاريخ المعروفة بالترتيب التالي : -

            العصر الحجري القديم Paleolithic -
            العصر الحجري الوسيط -
            العصر الحجري الحديث
            العصر النحاسي
            العصر البرنزي
            العصر الحديدي

            و هى ليس لها نفس الترتيب والتسلسل التاريخي لكل مركز حضاري بل أن تحديد بدايات ونهايات كل عصر لم يكتب لها الاستقرار حتى الآن لدى علماء الآثار بل لازال هناك جدل كثير حولها .

            ويتسم علم آثار ما قبل التاريخ بطول حقبته التاريخية ومساحته الزمنية والمكانية كما تتنوع حضاراته وتتميز مخلفاته عن بقية علوم الآثار الأخرى خاصة إنها تفتقد للوثائق المكتوبة والأدلة الدامغة ، ولعل اتساع نطاق علم آثار ما قبل التاريخ قد جعل من سبر أغواره في شتى أنحاء المعمورة أمراً لا يزال يحتاج لعديد من الأيادي البيضاء لتسهم في كشف النقاب عن هذه الحضارات لهذا فإن هذا العلم يعتبر في مرحلة النمو ولم يكتمل بعد و فيما يلى نبذة عن كل عصر من عصور قبل التاريخ .

            أولاً : العصر الحجري القديم :

            واقع الأمر إن دراسة حضارات العصر الحجري القديم تحتاج إلى إلمام بعلم الجيولوجيا والأنثروبولوجيا نظراً لطبيعة المواقع التي توجد بها بقايا هذا العصر فهي عبارة عن كهوف في الجبال أو الصحاري حيث كان إنسان العصر الحجري يتخذ من الكهوف مسكناً له مثال ذلك كهف هوى فطيحة في ليبيا وكهوف الدوردوني في فرنسا . نظرا لأن آثار هذا العصر تعرضت لعوامل بيئية وطبيعية غيرت الكثير من معالمها أو تسببت في اختفاء مداخلها بأكوام الصخور أو الكتل الحجرية المتساقطة بسبب التآكل بفعل الزمن ، أو قد تترسب طبقات من الجير أو الرمال أمام المداخل فتخفيها عن الأعين ، وفي بعض الأحيان قد تتكلس الترسبات وتكون كتل حجرية ، أما إذا كانت الكهوف في منطقة ممطرة أو تتعرض للسيول أو تجتاحها الأعاصير فإن ما تجرفه هذه الأمطار من سفوح التلال قد يمطر أجزاء من الكهوف أو يغطي أرضياتها وفي بعض الأحيان قد يملأه عن آخره ويردمه.

            لذا فإن مخلفات إنسان هذا العصر غالبا ما تختفي وفق المتغيرات التي تعرض لها الموقع بتأثير العوامل الطبيعية ، ولعل أهم ما يعثر عليه في الكهوف هو الهياكل العظمية وعلى المنقب في المواقع من هذا العصر أن يفحص الرديم المتخلف من الحفائر جيداً بحثا عن الأدوات التي كان يستخدمها إنسان هذا العصر لأنها غالبا ما توجد على عمق كبير ولأنها من الحجر وغير جيدة التشكيل فقد تغيب عن الملاحظة ، لذا فإن المنقب في هذه المواقع لابد أن يكون متخصص في آثار هذا العصر .

            ومن المشكلات التي تواجه الأثري في حفائر هذا العصر وجود فتحات تنزل رأسيا في الأرض تعرف باسم " فوهات الآنية " وهي تختلف عن الكهوف ولا تصلح للسكنى ، لكنها بمثابة دليل على وجود إنسان هذا العصر في هذا المكان مثال ذلك الفتحات التي عثر عليها في " وندي بتس " windy pits " في مقاطعة يوركشاير بانجلترا وغالباً ما توجد مخلفات هذا العصر في المناطق المكشوفة التي تتعرض لعوامل طبيعية فتغير من طبيعتها مثل عوامل التعرية المختلفة أو عوامل جيولوجية أو عوامل بشرية .

            ومثلما كانت المياه هي عنصر الاستقرار الأول للانسان في العصور المبكرة كانت المياه ايضا هي العامل الرئيسي في جرف مخلفاته بعيداً عن أماكنها ، وفي أحيان أخرى تكون عوامل التعرية سبباً مباشراً في تغيير معالم تلك المخلفات بالتآكل أو الطمس أو قد تؤدي لتحللها أو تفكك عناصرها ومخلفات هذا العصر غالبا ما تكون عبارة عن رؤوس فئوس حجرية ورسومات جميلة في الكهوف وعلى الأحجار , مثال ذلك رسومات جبارين بليبيا.

            ثانياً : العصر الحجري الوسيط (الميزوليثي ) :

            تتميز مخلفات هذا العصر بصغر حجمها بالنسبة لفئوس الباليوليتي السابق كما أن رؤوس السهام غير سميكة كما صنعت المكاشط من الخيرزان والصوان وأشهر المراكز الحضارية لهذا العصر موقع "ماجلي موز " maglemosa في جزيرة زيلاند بالدانمرك ، ويمثل هذا الموقع نموذج يتفق مع حضارة حوض البلطيق ويغلب عليه الطابع الساحلي . وقد وجد هذا الاتجاه في المناطق التي سادت فيها المستنقعات وموقع " فير أن تاردنواز fere en tardenoise ويمثل نموذجا للحضارة اليابسة في فرنسا ويلاحظ أن هذا النوع يرتبط بتوافر الماء والشمس الدافئة .

            ثالثا : العصر الحجري الحديث (النيوليثي ):

            يتميز هذا العصر بآثار ثابتة كما تتميز مخلفاته بأدوات وصناعات جديدة وحرف تتمشى مع معرفة الإنسان للزراعة واستئناسه للحيوان فيغلب على الأدوات صغر الحجم ودقة الصقل وتختلف عمارته باختلاف البيئة التي عاشها الإنسان .

            علم الآثار المصرية Egyptology :


            يهتم هذا العلم بدراسة آثار مصر القديمة وهو من العلوم التي تتميز بحدود مساحته المكانية والزمنية إذ يشمل تلك المساحة المكانية التي يحدها من الشمال البحر المتوسط ومن الشرق البحر الأحمر ومن الجنوب بلاد النوبة العليا ومن الغرب الصحراء الليبية أي أنه يضم وادي النيل وصحاريه الشرقية و الغربية بدروبها ومسالكها التجارية وعلاقات مصر بجيرانها تجاريا وعسكريا تلك هي حدود هذا العلم أما مساحته الزمنية فهي تمتد من عصر ماقبل التاريخ حتى الفتح العربي لمصر .

            وعلى الرغم من سهولة تحديد مساحة علم الآثار المصرية القديمة زمنيا ومكانيا إلا أنه ليس مجالا منغلقا فهو يدرس حضارة راسخة لها كينونتها وشخصيتها المميزة وقد ظلت تعطي نتاجا حضاريا متميزا طوال العصر الفرعوني وخلال العصرين اليوناني والروماني دونما توقف وبطابع متميز ويقصد بعلم الآثار المصرية القديمة جغرافية مصر المكانية وتاريخها الممتد منذ عصور ماقبل التاريخ وخلال العصر الفرعوني ومرورا بالعصر اليوناني وانتهاء بالعصر الروماني.

            ويمكن تقسيم المساحة التاريخية لعلم الآثار المصرية القديمة على النحو التالى :

            العصر الباليوليتي ( حتى عام 10000 قبل الميلاد )
            العصر النيوليتي - عصر ظهور الفخار- ( من 10000 قبل الميلاد إلى 6000 ق. م . أو 5000 ق.م.)
            العصر النحاسي من 6000 ق .م. أو 5000 ق.م . حتى 3000 ق.م. )
            العصر الفرعوني (حتى 332 ق.م.)
            العصر اليوناني ـ البطلمي ـ ( حتى 31 ق.م.)
            العصر الروماني ( حتى 642م.)

            وتمثل الحضارة المصرية منذ أول توحيد لها تحت لواء حكومة واحدة في الألف الرابعة قبل الميلاد حتى الغزو الفارسي
            ( عام 525 ق.م.) سلسلة من العصور التاريخية بين أفول وبزوغ ، وركود وازدهار ، وصعود وهبوط .

            علم الآثار الكلاسيكية Classical Archaeology :

            يهتم هذا العلم بدراسة آثار الحضارتين اليونانية والرومانية ، ونظرا لتنوع آثار تلك الحضارتين وتعدد تنوع التنقيب ونتائج الحفائر الهامة وظهور مشكلات في عملية البحث والتاريخ والخلط بين اليوناني والروماني أدى إلى ضرورة تقسيم هذا العلم إلى قسمين الأول يهتم بدراسة الآثار الإغريقية والثاني:يهتم بدراسة الآثار الرومانية ، مما يؤدي إلى وجود علوم متخصصة في كل فرع مما كان له بالغ الأثر في ظهور دراسات مقارنة توضح التأثيرات المتبادلة والامتزاج الحضاري وأوجه الشبه والاختلاف والفروق الجذرية بينهم في العصور المبكرة ثم الامتزاج الأخير خاصة في العصر الروماني حينما امتدت السيطرة الرومانية لتشمل كل مراكز الحضارة اليونانية نفسها .

            أولا : علم الآثار الإغريقي Graeco Archaeology :

            لعل الاهتمام المبكر بعلم الآثار الإغريقي أدى إلى تقدم هذا العلم عن سائر علوم الآثار الأخرى وكشف النقاب عن كثير من ميادين هذه الحضارة ويشمل هذا العلم مساحة مكانية وزمانية مختلفة وإن كان يمكن حصرها في ثلاثة ميادين أساسية :

            - الحضارة الميناوية

            ومركزها كريت وتنسب للميناويين سكان هذه الجزيرة وتمتد مساحتها الزمنية من 3000 ق.م. حتى 1200 ق.م.

            - الحضارة الهللينية

            ومركزها بلاد اليونان الأم وتنسب الى هيللاس hellas اسم البلاد القديمة .

            - الحضارة السيكلادية cycladic

            وهي مجموعة جزر أرخبيل اليونان واستمدت اسمها من cycle أي الدائرة لأنها تمثل دائرة حول ديلوس وأندروس وزيا وناكسوس وباروس .

            - الحضارة الميناوية :

            عندما كانت الحضارة الفرعونية وحضارات مابين النهرين في أوج فترات ازدهارها نشات في حوض بحر إيجة أولى الحضارات الميناوية في كريت وكان من أهم مراكزها مدن كنوسوس وفايستوس وهاجيا تريادا وماليا وغيرها من المدن . ثم تبعتها الحضارة الميكينية وهي التي حدثنا عنها هوميروس في ملحمتي الإلياذة والأوديسا وتشمل منطقة شبه جزيرة البلوبونيز (شبه جزيرة المورة ) وحضارة طروادة . إبان الألف الثالثة ق . م. قامت الحضارة الميناوية واتسع نطاقها بمرور الوقت لتشمل إيجة ورودس وقبرص وشبه جزيرة اليونان والجزر الأيونية ، وتفرعت عنها فروع وروافد في سوريا الشمالية وصقلية وغربي البحرالمتوسط ، وأقامت علاقات مع مصر وفلسطين .

            واستمدت الحضارة اسمها من مينوس minos الذي ورد ذكره في الأساطير الإغريقية ويذكر ثيكوديدس أنه كان سيد البحار وواضع القوانين وصديق زيوس . سكان كريت كانوا من سلالات البحر وكان موقعها المتوسط بين الحضارات القديمة سببا في تحولها إلى مركز تجاري وبحري قوي ، وبلغت الحضارة الميناوية أوج ازدهار لها عند بداية الألف الثانية ( الفترة الميناوية الثانية ) عندما كانت الأسرة الثانية عشر تحكم مصر ، ثم عاودت ازدهارها مرة في عصر لاحق ( الفترة الميناوية المتأخرة ) إبان ما كانت الأسرة الثامنة عشر تحكم مصر وعلى هذا ظل ازدهارها قرابة ستة قرون .

            وقد دللت الكشوف الأثرية في فايسوس وأفسوس على المستوى العالي الذي وصلت إليه الحضارة الميناوية من ثقافة ورقي وازدهار ، تتمثل هذه الكشوف الأثرية في القصور الملكية رائعة الزخارف ، إذ تحمل جدرانها صورا ونقوشا ملونة ، كما تحوي أعمالا فنية متميزة من المشغولات المعدنية من الذهب والبرنز والنحاس ، كما تضم مجموعة من الحلي رائعة الصياغة والتشكيل . وأعمالا فخارية تنم عن مهارة صانعيها ، كما إن قصر التيه ( اللابيرنث) بما يضمه من غرف عديدة وتعدد طوابقه يعد شاهدا على روعة هندسة البناء عند الميناويين .

            وكان الكريتيون أول شعب أوروبي يعرف الكتابة فقد وجدت نقوشا تشبه الهيروغليفية وحروفا خطية ، ومن المنتظر أن تسهم تفسيرات هذه النقوش في معرفة تفصيلات كثيرة عن التاريخ التقدم لحضارات البحر المتوسط حيث تركزت هذه الحضارات في السواحل عدا مدن كريت التي كانت تبعد عن الساحل ، لذا فهي تبدو للمنقب الأثري كخرائب وتلال تبدو ظاهرة للعيان فوق سطح الأرض ، ولم يكن لهذه المدن أسوار وكان تخطيطها عبارة عن قصر عظيم للملك حيث تنتشر المباني الحكومية والمخازن في تكوين مترابط .

            - الحضارة الهللينية :

            يكتنف الغموض حياة الشعب اليوناني خلال القرون المبكرة من الألف سنة الأولى ، غير أن الهللينية امتدت خارج نطاق الأراضي اليونانية بدءا من القرن الثامن ق.م. إلى أن وصلت إلى حدود البحر الأسود وساحل شمال إفريقيا وجنوبي إيطاليا وصقلية ، وأصبحت إيطاليا الجنوبية تعرف للإغريق "هيللاس ماجنا". وقد أضفت طبيعة بلاد اليونان الجغرافية طابعا خاصا على المجتمع اليوناني حيث يحيط البحر ببلاد اليونان من ثلاث جهات وتتعرج سواحلها كما إن مناخها معتدل يجمع بين طقس الجنوب الدافيء وطقس الشمال البارد ، كما أن طبيعة تضاريسها يغلب عليها الطابع الجبلي مما أضفى على اليونانيين حب المغامرة واستهواء ركوب البحر.

            كما أن التكوين الجيولوجي لبلاد اليونان وماتمتاز به من وجود محاجر للرخام في باروس وناكسوس وماله من سمات خاصة جعل اليونانيين يحرصون على استخدامه في عمارتهم وأعمالهم النحتية وكان الرخام من أهم المواد المستخدمة في بناء وتكسية العمائر الدينية بصفة خاصة ومنذ بدايات القرن الثامن تخلت الملكيات عن مكانها للطبقة الإرستقراطية وأصبح الكيان السياسي عبارة عن دولة مدينة لها سيادة مستقلة وبدأ ظهور القوانين والدساتير ، ولم تتوحد اليونان في دولة واحدة بل كان الرباط المشترك بين المدن الدول هو السلالات العرقية واللغة المشتركة ولكن دونما اتحاد سياسي .

            ومن الخطأ أن نقرن الحضارة اليونانية ببلاد اليونان الأصلية دون غيرها لأنها لم تكن سوى مركزاً من عدة مراكز تنتشر في البحر المتوسط فعلى سبيل المثال كان ساحل آسيا الصغرى الغربي يمثل مركزاً حضارياً هاماً في العالم اليوناني رغم أنه لا ينتمي لبلاد اليونان ، ومن ناحية أخرى فإن الجزء الشمالي المنتمي لقارة أوروبا لم يندمج اندماجا تاما في العالم الهلليني حتى القرن الرابع قبل الميلاد كما امتدت الهجرات اليونانية لتصل إلى الشمال الإفريقي وتأسست مدن ومستعمرات ، ومع نشر الفكر الهلليني خارج حدود بلاد اليونان على يد الإسكندر الأكبر وصل المد الإغريقي ليشمل معظم دول حوض البحر المتوسط .

            ثانياً : علم الآثار الرومانية Roman Archaeology :

            هذا العلم هو القسم الثاني من علم الآثار الكلاسيكية والذي نشأ باحثا في عصور الحضارة الأوروبية ويهتم هذا العلم بالعديد من الحضارات التي سكنت شبه الجزيرة الإيطالية أو التي امتدت إليها السيطرة الرومانية فيما بعد ويأتي في مقدمة هذه الحضارات الحضارة الاتروسكية ثم حضارات المدن اليونانية والفينيقية في الجنوب مثل صقلية وسردينيا التي استقبلت الإغريق والفينيقييين وكانت المدن التي أسسوها ذات تأثير واضح في تشكيل وصياغة الحضارة الرومانية مع التأثير الاتروسكي الواضح .

            أما المرحلة الثانية فهي تشمل كافة الأماكن التي سيطرت عليه جيوش روما ونقلت إليها مظاهر الحضارة الرومانية في العمارة والفنون والعبادات والعملة والمقاييس والأوزان ويسري هذا على الإسهامات الرومانية في شمال أفريقيا مثل ليبتوس ماجنا لبدا الكبرى وصابرا تا وقرطاج وتمجاد وجميلة وغيرها من المدن وهنا يجب أن نوضح أن تلك المدن أفرزت فنا مختلطا يحمل سمات محلية تخص شعوب تلك البلدان والعناصر الحضارية الرومانية بصفة عامة وخاصة في مجال العمارة والفنون الزخرفية المعمارية .

            أما آخر هذه المراحل فهي الحضارة البيزنطية نسبة إلى بيزنطة عاصمة الإمبراطورية الشرقية عقب تقسيم الإمبراطورية الرومانية ويشمل هذا العلم دراسة النتاج الحضاري لشعوب المناطق التي شملتها الإمبراطورية البيزنطية أثناء الفترة التي عاشتها تلك الإمبراطورية والتي غالبا ما تنتهي بالفتح العربي لهذه البلدان .

            مجمل القول إن علم الآثار الكلاسيكية لا يشمل فقط بلاد اليونان والرومان بل يغطي مساحة مكانية تشمل حوض البحر المتوسط الذي كان يوما بحيرة حضارية كلاسيكية انصهرت فيها الحضارات القديمة الراسخة مع الحديثة الفتية .



            علم الآثار الإسلامية :
            علم الآثار الإسلامية يشغل مساحة مكانية متسعة النطاق تشمل المنطقة من الهند شرقا إلى المغرب غرباً على الرغم من ثراء مادته الأثرية وانتشارها في ربوع هذه المنطقة الشاسعة من العالم إلا أنه لم يلق نفس الاهتمام الذي لاقاه علم الآثار الكلاسيكية ولعل أهم الخصائص التي يتميز بها علم الآثار الإسلامية عن سائر علوم الآثار الأخرى أنه الأكثر ثراء في مجال الفنون والصناعات الزخرفية .

            ويشغل علم الآثار الإسلامية مساحة زمنية تبدأ بالفتح العربي للمناطق المجاورة لموطن البعث المحمدي وهي تتباين من بلد إلى أخرى فعلى سبيل المثال يبدأ العصر الإسلامي في مصر عام 642 م. وهنا تجدر الإشارة إلى أن هناك علم آثار عربي يخضع لدراسة الآثار العربية قبل ظهور الإسلام ومساحته المكانية تشمل شبه الجزيرة العربية وعلى الرغم من أن علم الآثار الإسلامية يبدأ مكانيا من شبه الجزيرة العربية وأن الإسلام بدأ من هناك إلا أنه تخطى كل الحدود وفاق كافة حدود علوم الآثار الأخرى بما فيها علم الآثار العربي .

            المراحل والعصور الإسلامية : -

            المرحلة الأولى : عصر الولاة
            المرحلة الثانية :الدولة الطولونية .
            المرحلة الثالثة :الدولة الإخشيدية
            المرحلة الرابعة :الدولة الفاطمية .
            المرحلة الخامسة :الدولة الأيوبية
            المرحلة السادسة : الدولة المملوكية.
            المرحلة السابعة : الدولة العثمانية .

            علم آثار الشرق الأدنى :

            يهتم هذا العلم بدراسة حضارات الشرق الأدنى الأسيوي ، وهو أكثر العلوم تعقيدا ، حيث يفتقد للاتصال والتواصل الزمني بين حضاراته كما تتسع مساحته المكانية ومجالات البحث مما أضاف كثيرا من التعقيدات وعلى الرغم من هذا إلا أن هذا العلم شهد تطورا ملحوظا في الآونة الأخيرة أسفر عن كثير من المكتشفات التي أدت إلى وضع إطار عام لهذا العلم ، وتأتي تقسيمات العالم الألماني( ف.أندريا ) أصوب تقسيمات هذا العلم وهي على النحو التالي : -

            عصر ما قبل السلالات
            عصر الأوروك uruk ويتميز بعمارته وازدهاره إبان عصر الأمراء ( 3500 ق.م. ـ 3100 ق.م.)
            عصر الفن (3100 ت 1700 ق.م.)
            عصر جوديا و ولاجاش والذي جاء بعد (2300 ق.م )
            عصر السلالة الأولى في بابل ( حمورابي 2000 ـ 1700 ق.م.)
            عصر الشعوب (الكاشيون والأشوريون والحيثيون والفرس والسلوقيون والبارثيون )(1900 ـ 300 قزم .)

            ويلاحظ أن هذا التقسيم أغفل الفينيقيون وفلسطين (العبرانيين) والمساحة المكانية لهذا العلم تضم المنطقة الغربية في آسيا التي تحدها إيران من الشرق والبحر المتوسط من الغرب وجبال القوقاز شمالا والخليج الفارسي جنوبا و رغم تنوع الحضارات في الشرق الأدنى إلا أنها تلتقي عند مصدر ثقافي واحد .

            علم آثار الشرق الأقصى :

            يهتم هذا العلم بدراسة آثار الهند واليابان والصين القديمة ، وعلى الرغم من التباين الواضح بين هذه الحضارات إلا أن اتساع حدود بعضها مثل الصين وانحسار مساحة الأخرى المكانية مثل اليابان إلا أنها تكتسب سمات حضارية محلية نابعة من بيئتها وحدودها الطبيعية خاصة الجزر اليابانية وشبه الجزيرة الهندية حيث توالت الاكتشافات الأثرية في الصين مما كان له بالغ الأثر في تغيير المفاهيم الحضارية وتعديل الجداول التاريخية خاصة فيما يتعلق بمجالات ما قبل التاريخ وما قبيل التاريخ.

            علم الآثار المكسيكية:

            يهتم هذا العلم بدراسة الحضارة المكسيكية ومراحل التطور البشري والحضاري في أمريكا، ومساحة هذه الحضارة المكانية محدودة بطبيعة منطقة أمريكا الوسطى والجزء الشمالي من أمريكا الجنوبية أما مساحته الزمنية فهي متسعة نسبياً ويغلب عليها الطابع المحلي مع وجود بعض التأثيرات الغريبة عليه، إذ يعتقد البعض بوصول الفراعنة إلى تلك المناطق وتأسيس أهرامات هناك .

            علم الآثار الهندوأمريكي:

            يهتم هذا العلم بدراسة الحضارة الخاصة بسكان أمريكا الجنوبية الأصليين أي أن مساحته المكانية تشمل قارة أمريكا الشمالية في أجزائها الوسطى والجنوبية بينما تشغل مساحته الزمنية كل الحقبة السابقة لاكتشاف أمريكا على يد كريستوفر كولومبوس وما قبيل الحروب الأهلية الأمريكية.

            علم الآثار الأفريقي:

            يهتم هذا العلم بدراسة الحضارتين الإفريقية بسماتها المحلية في شتى بقاع القارة السمراء، ويهدف إلى البحث عن آثار القبائل المختلفة في الكهوف وتحديد مواقع هذه المدن المفقودة ذلك على الرغم من الطابع الترحالي لمعظم هذه القبائل ، وذلك بهدف إبراز دور المدنيات والحضارات الإفريقية في الثقافة الإنسانية، وإسهاماتها المحلية وأحياناً على الحضارة المصرية القديمة نفسها.

            الحضارات الإفريقية:

            عندما وصل الملاحون الأوروبيون الأوائل إلى خليج غينيا ورسو في فيدا تملكت الربابنة دهشة بالغة عندما وجدوا شوارعها منظمة ومعبدها يحفها صفان من الأشجار بمسافة عدة أميال واجتازوا خلال أيام بأكملها ريفا تزينه حقول رائعة ويقطنه أناس يرتدون ملابس باهرة نسجوا قماشها بأنفسهم وفي مملكة الكونغو إلى الجنوب كان كثير من الناس يرتدون الحرير والخمائل والحياة رغدة والحكام أقوياء والصناعة مزدهرة والسلوك حضاري وكانت هناك ظروف مماثلة تسود البلاد الواقعة على الساحل الشرقي للقارة.

            ان جميع الدراسات التي تناولت تاريخ الآثار السواحل الإفريقية تؤكد صحة تلك الحقائق فالساحل الغربي المعروف بخليج غيني- المنطقة الواقعة بين خطي طول 15غرباً و10شرقاً- ويسودها مناخ استوائي ورطوبة عالية وتتعرض إلى رياح تجارية ممطرة هذا الساحل يتعذر على السفن أن ترسو عليه بسبب الجرف الذي يعوق دخوله ولا يصلح للاستقرار والذي يطلق عليه اسم المقبرة ورغم ذلك فإن هناك حضارة بالغة الرقي قامت في بنين على سبيل المثال حيث كشفت أعمال التنقيب التي قام بها فروبنيوس في إيفا Ife في بداية هذا القرن عن آثار دقيقة الصنع من الطين المحروق تمثل رؤوس الزنوج وحلي على هيئة بوم وتماسيح وآلهة وأواني من الحجر مزججة من الداخل وخرز ملون وكرات زجاجية وتماثيل ضخمة وغيرها من الآثار.

            تدل هذه الآثار على حضارة راقية تعتبر اللبنة الأولى التي مهدت الطريق أمام حضارات بنين وأوبو وأدنسى ودنكييرا والأشانتي وغيرها ، ومن هنا يتضح أن هذه الحضارات لا تدين للبحر لكنها ولت وجهها نحو الداخل حيث نشأت على السواحل الشرقية على المحيط الهندي حضارات السواحليين وهي مزيج من حضارة البانتو والحضارة الإسلامية وفي تلك المنطقة توطدت أواصر العلاقات مع حضارات الشرق وخاصة الحضارة الهندية، وكان مما أثار دهشة البرتغاليين عندما بلغوها أنهم وجدوا هناك مدناً ودولا لا تقل ثراء عن الحكومات التي عرفوها في أوروبا ومدنا مزدهرة شيدت مبانيها بالحجارة ومواني غاصة بالسفن التجارية والتقوا بأناس ألفوا السفر في البحار الشرقية ولديهم من المعرفة من شئون الملاحة ما يفوق معرفتهم.
            لقد دمر الجانب الأكبر من هذه الحضارة التي ازدهرت على الساحل الشرقي وفيما عدا الشمال لم يبق من معالم ازدهارها المادي شئ يذكر، ويرجع تاريخ معظم المدن التي عثر على بقاياها على الشواطئ الغربية للمحيط الهندي إلى القرن السابع عشر أو الثامن عشر ، وقد تعددت وتنوعت الحضارات و الثقافات التي أسهمت في تشييد حضارة في شرق إفريقيا عمرت طويلاً ومما يثبت ثراء وتنوع الاتصالات التجارية مع الشرق وثيقة يرجع عهدها إلى نحو سنة 100م، ويصف فيها كاتبها موانيء شرق إفريقيا و على هذا يكون سكان الساحل الشرقي قد مارسوا تجارة منتظمة وسلمية مع مدن البحر الأحمر وجنوب شبه الجزيرة العربية والخليج والهند وسيريلانكا( سيلان) قبل مجئ الأوروبيين بنحو ألف وخمسمائة عام ، وما من شك في أن حضارة السواحلية أو حضارة الساحل تدين بالكثير للمحيط الهندي إذ عن طريق التجارة البحرية استطاعت هذه الحضارة أن تنشأ وتزدهر.

            نشأة علم الآثار:-

            بدأ علم الآثار وصفاً مجرداً يذكر الماضي وكان الدافع وراءه سير أغوار الماضي ومعرفة الحضارات السابقة فكان يحركه الفضول بلا منهج أو إطار يحكمه كما تركز الاهتمام بأعمال فنية قديمة بمجرد ذكرها ووصفها و يعتبر الشاعر الملحمي اليوناني "هوميروس" هو المؤسس الحقيقي لعلم الآثار ،فقد قدم في ملحمتي الإلياذة والأوديسا وصفاً لبعض الأماكن والأحداث التي سبقت عصره ، تنقل القارئ أو المستمع إلى خارج الزمن حيث الماضي السحيق بعبقه وشذاه وسحره الذي يأخذ الألباب.

            يأتي بعد هوميروس المؤرخ الإغريقي "ثيكوديدس" الذي قدم وصفاً لتاريخ الإغريق منذ البدء في كتابه عن الحروب البلوبونيزية وفي الفصول الأولى لهذا الكتاب أشار بإيجاز إلى البحرية اليونانية وهندسة البناء وطرز الملابس وأنواعها والأثاث الجنائزي وفي واقع الأمر هناك بعض الكتابات الكلاسيكية تعتبر مصدراً هاماً في دراسة الآثار وفي نفس الوقت رغم كونها لا تتحدث عن الحضارة القديمة فقط إلا أنها تقدم وصفاً دقيقاً ومعاصراً لبعض المدن وبعض آثار بعينها، مثل ما قدمه بلوتارك الذي كتب عديد من المؤلفات مثل The Parallel Lives الحياة المقارنة والأخلاق Moralia وهذا الكتاب متعدد الموضوعات الاجتماعية والطبيعية والفنية والأثرية.

            وتأتي كتابات سترابون Strabon والذي يسبق بلوتارك حيث عاش في الفترة من 64 ق.م حتى عام 19م. أحد الخطوات الهامة لوجود علم الآثار الوصفي إذ قدم في كتابه الجغرافياGeographica الذي يقع في سبعة عشر كتاباً وصفاً كاملاً لتاريخ واقتصاد وجغرافية البلدان التي تقع في نطاق الإمبراطورية الرومانية معدداً التطور التاريخي والاقتصادي وكل ما هو مميز في عادات الشعوب وتقاليدها وطبيعتها وحيواناتها وكان كتابه هذا يدرس في مدارس أوروبا في العصور الوسطى، ولا يزال هذا الكتاب يمثل حجر الزاوية للأثريين المحدثين في دراسة آثار بلد بعينها لما به من وصف دقيق.

            وتأتي كتابات الرحالة الإغريق في المرحلة الثالثة للنشأة الأولى لعلم الآثار ، ومن بين هذه الكتابات تأتي كتابات الرحالة "بوزانياس" وهو الذي عاش في القرن الثاني الميلادي حينما اهتم الإغريق بتراثهم باحثين عن إنجازاتهم وإسهاماتهم في الحضارة بعد أن فقدوا مركز الصدارة الذي تبوأته روما ويعتبر كتاب "وصف اليونان"Helladus Periegesis بمثابة دليل للسياح الأجانب الذين يفدون لبلاد اليونان، وقد قدم فيه بوزانياس وصفاً لكثير من بلاد اليونان وحدد فيه الأماكن التي تستحق الزيارة خاصة التماثيل والصور المرسومة والمقابر وأماكن العبادة والأساطير التي حيكت من حولها ، كما يذكر أيضاً الأنهار والقرى والطرق بل ويتطرق لوصف المنتجات المحلية دونما التعرض للجوانب الاقتصادية و لعل أهم ما يميز كتابات بوزانياس أنه يصف ما يراه بعينه خلال رحلاته وقدم فيها وصفاً للآثار الباقية من حضارة اليونان وجاء محايداً في وصفه وواقعياً خاصة في وصفه لرسومات الفنان "بوليجنوتوس Polygnotus وتماثيل مايرون وفيدياس وإن ما ذكره عن الفنان براكستليس لا يتفق مع ما قدمه ومكانته بين فناني اليونان كما أنه لم يهتم أيضاً بمن جاءوا بعده من الفنانين.

            كما قدم وصفاً لمسرح ابيداوروس ومعبد باساي Bassae كما أنه خصص كل كتاب من كتبه العشر لإحدى المدن أو المقاطعات ، الكتاب الأول خصصه لإقليم أتيكا ، والثاني لميجارا Megara والثالث لكونث Corinth، والرابع لميسينا Messinia والخامس والسادس لأليس Elis والسابع لآخايا Achaia، والثامن لأركاديا Arcadia والتاسع لبؤشياBoetia، والعاشر لفوكيس Phocis ، ومما لا شك فيه أن ما كتبة بوزانياس هم بمثابة اللبنة الأولى الحقيقية في صرح علم الآثار فضلاً عن كونها أحسن ما وصل إلينا من كتابات الأقدمين عن شبه الجزيرة اليونانية.
            بنفس المنـظور والمنهج الوصفي الذي بـدأ به علم الآثـار جاءت الكتابات الرومانية الكلاسيكية ويأتي على رأس الكتابات ما كتبه الكاتب الروماني فيتروفيوس Vitrovius حيث كتب كتاباً عن العمارة De Architectura يقع في عشرة كتب ، استعرض فيه تطور هندسة البناء من مواد وطرق بناء وتقنيات ، كما تناول أيضاً نظم تغذية وصرف المياه والميكانيكا والساعات المائية والمزاول ، كما تعرض أيضاً للمباني المختلفة وعمارتها مثل المسارح والمنازل والمعابد والمواقع وغيرها من المعلومات التي تتعلق بالبناء والعمارة.

            وما قدمه الكاتب الروماني بليني الأكبر في كتابه التاريخ الطبيعي يأتي في نفس الإطار إذ قدم فيه موضوعات متعددة من بينها الفنانين وأعمالهم الفنية في مجالات النحت والفنون الصغرى والرسم وقد اعتمد في كتاباته على كتابات سابقه له مثل مؤلفات "فارون" التي ضاعت ولم يصلنا منها شئ وإذا كان هوميروس هو أبو علم الآثار فإن الإمبراطور الروماني هادريان هو أول من أسس متحفاً في العالم حيث بنى قصره على الطراز اليوناني كما بنى مدرسة وأكاديمية ورواقاً لحفظ الرسومات ومسرحاً إغريقياً وملعباً محاكياً سائر مظاهر العمارة الإغريقية التي كان شغوفاً بها وزارها فعشقها ، كما بنى متحفاً حيث جمع العديد من الأعمال اليونانية الفنية الأصلية والتي استطاعت البعثات الأثرية في العصور الوسطى العثور عليها عندما اهتم بجار العاديات باقتناء الأعمال الفنية والاتجار فيها لمن يرغب في أرجاء الأرض ، فكان أن تفرقت هذه الآثار في متاحف العالم خاصة في أوروبا.

            بدأ الاهتمام بعلم الآثار يزداد خلال القرن الرابع عشر وأن كانت بدايته من أفراد وتركز الاهتمام بالآثار الكلاسيكية ويمكننا القول إن هذه الفترة كانت فترة اهتم فيها أفراد بعلم الآثار دونما منهج علمي ينظم عملهم ،أي أنه كان هناك أثريون ولم يكن هناك علم للآثار وفي مقدمة هؤلاء يأتي الخطيب الإيطالي "كولاديريانزو"(1310ـ1354) الذي كان يبتغي توحيد إيطاليا اعتماداً على الثقافة اللاتينية القديمة ومخلفات الحضارة القديمة من عمارة وفنون ووثائق. جاء بعده سيرياك دانكون(1397-1451) وكان يجوب المراكز الحضارية القديمة في اليونان و إيطالياوكان شغوفاً بالكتابات والنصوص القديمة وقد سجل ما وجده في ست مجلدات جميع ملاحظاته وترجمة وشرح كل ما رآه لكن وللأسف الشديد احترق مع مكتبته.

            بينما في القرن السادس عشر ساد اهتمام في الأوساط الراقية في المجتمع الايطالي باقتناء مجموعات من العاديات والتحف الفنية التي صارت فيما بعد نواة للمتاحف المختلفة ، كما شهد هذا القرن اهتماما بالغا بطبوغرافية روما القديمة . تبقى الريادة الفعلية في هذا القرن للعلماء الفرنسيين ، وكانت أولى الاسهامات الفعلية على يد " نيكولا كلود فابرن يرسيك"(1580 ـ 1637 ) والذي كان مهتما بشتى فروع العلم والمعرفة فهو قانوني بارع عضو برلمان يهتم بالعلوم الطبيعية وعلم الآثار ، وكان من أرقى أفراد المجتمع الفرنسي .

            أنفق الكثير على البعثات العلمية التي سافرت إلى اليونان وقبرص وآسيا الصغرى وإفريقيا خاصة مصر وبلاد الحبشة . تأتي بعد ذلك البعثة الفرنسية التي أرسلها "لويسالثالث عشر ملك فرنسا إلى بلاد اليونان برئاسة العالم الفرنسي "لويس ديشاي "والتي ظلت تعمل حتى عصر لويس الرابع عشر ولعل أبرز الاسهامات الفرنسية في مجال الآثار تلك الرسومات التسجيلية النحت الجداري على معبد البارثنون وإن كان لم يبق منها غير بعض الكروكيات كما رسمت خرائط تسجيلية لمدينة أثينا .

            في القرن السابع عشر الفرنسي الشهير "جاك سبون" (1647 ـ 1658 ) الذي كان مولعا باقتناء العاديات والمتاجرة فيها ، وقام برحلة كبرى إلى الشرق بمرافقة عالم إنجليزي يدعى "ويلر "سجلا خلالها ماشاهداه وجمعاه في رحلتهما إلى الشرق . وكان عنوان كتابه "رحلة إلى إيطاليا ودلماسيا واليونان والشرق " ويعزي إلى جاك سبون إنه صاحب الاصطلاح Archaeologie أركيولوجي "في كتابه مزيج من علوم الآثار ، والذي اقترح فيه تقسيم الدراسات القديمة إلى ثمانية أنواع وهي أول دراسة تصنيفية نوعية معروفة في التاريخ .

            وجاء بعده الراهب " مونتوكون " صاحب كتاب العصور القديمة قدم فيه شرحا وصورا وهو اول مؤلف يجمع الحضارتين اليونانية والرومانية معا ويعتبر اللبنة الأولى في مجال علم الآثار الكلاسيكية .


            الصراع بين الكنيسة وعلم الآثار المصرية :

            شهد القرن التاسع عشر صراعا حامي الوسيط بين الكنيسة الأوروبية وعلماء الآثار المصرية كان الشغل الشاغل لأوروبا كلها ، وكان مبعث هذا الصراع خطأ وقعت فيه الكنيسة حيث ألبست الصراع العلمي ثوبا دينيا بأن جعل قساوسة الكنيسة منه عقيدة من يخرج عليها فهو كافر ومارق على الكنيسة ففي ذلك الوقت كانت الأبحاث العلمية في يد القساوسة يتحكمون فيها وكل ما يخرج عنهم حق يقيني لا يقبل الشك .

            وكان موضوع الصراع بين القساوسة وعلم الآثار المصرية تحديدا أنه في كتب العهد القديم تسلسل للأجيال منذ آدم عليه السلام إلى نوح عليه السلام في الاصحاح الخامس من سفر التكوين واعتمد القساوسة على عدد السنين التي ذكرت في الاصحاح وعلى الرغم من وجود ثلاث نسخ من التوراة عبرية وسبعينية وسامرية إلا أنها اعتبرت مقدسة على الرغم من الاختلاف فيما بينها ، إذ في النسخة العبرية مجموع الأعمار من آدم إلى إبراهيم 2023 سنة وفي الثانية يبلغ مجموع هذه الأعمار 3389 سنة وفي السامرية 2324 أما المدة من إبراهيم إلى عيسى عليه السلام فهي 2200 سنة وطبقا لتقديرات الكنيسة فإن أقصى مدة لبدء الخليقة هي 5589 سنة وأصبح هذا التقدير مسلما به وعندما درس عالم فرنسي يدعى Derpuis عام 1793 البروج المصورة على المعابد المصرية استنتج أن عمر البروج المصرية يبلغ 13 أو 15 ألف سنة وأنه يلزم وقتا قبل ذلك حتى يمكن أن يخترع شعب مثل هذه البروج .

            ثم جاء من بعده علماء الحملة الفرنسية ودرسوا هذه البروج واستنتجوا أن ترتيب الأبراج إنما يدل على زمن بناء المعبد ، فأبراج دندره تبدأ ببرج الأسد وبالتالي فإن معبد دندره يرجع على 4000 سنة بينما يبدأ ترتيب الأبراج فيه ببرج العذراء وبالتالي فإنه يرجع تاريخه إلى سبعة آلاف سنة .

            وبمجرد أن تداولت الأوساط العلمية مانشره الفرنسيون مؤكدين أن من يرسم أبراجا بهذه الدقة يجب أن يكون صاحب حضارة واسعة تسبق السبعة آلاف سنة وهنا تبادر التساؤل هل كان رأي دبوي صادقا ؟ وهبت الكنيسة للدفاع عن حساباتها وتقويمها وأصدر علماء الكنيسة وقساوستها كتبا تقول أن هذه المعابد لا ترجع على أكثر من القرن الثالث قبل الميلاد لذا لم تذكر في التوراة .

            وأمام الاهتمام المتزايد بهذه الأبراج استطاع " ليلورين "وأعوانه أن ينتزعوا أبراج معبد دندرة ووصلوا بها إلى فرنسا سالمة وأذاعوا لهل كثيرا في المجتمعات والصحف وفحصتها لجنة متخصصة لتحدد حقيقتها التي تأكدت فعلا وعقب نشر الفرنسيون مجلدهم " وصف مصر " فرغ القساوسة لدراسة النقوش والأسماء اليونانية على معبدي دندرة واسنا والتي ذكر فيها اسم هادريان وأنطونينوس بيوس وتيبيريوس وفي نفس الوقت كان شامبليون قد فك طلاسم اللغة المصرية واطلع على وصف المعابد موضوع النزاع وأثبت أن جزءا من معبد دندرة بنى في عهد كليوباترا وجزء آخر بنى في عصر أغسطس ، أما معبد اسنا فمن عصر الإمبراطور كومودوس وان هذه الأبراج ترجع للعصر الروماني وسقطت دعوى علماء المصريات وكسبت الكنيسة الجولة الأولى .

            لكن سرعان ما فقدت الكنيسة حلاوة النصر على الرغم من الحملة الشرسة التي شنها روشيه الذي ألبس ثوب الحق بالباطل لما كان يتمتع به من ملكة رائعة في الكتابة فزعم أن التاريخ المصري من أوله إلى آخره ليس سوى تخليط في الأحداث التي تسودها التوراة فالملك منا الذي يذكره مانيتون السمنودي ليس سوى نوح وأن خلفاءه الثلاثمائة وثلاث وثلاثين ملكا ليسوا سوى أبناء نوح الثلاثة وأن الفرعون موريس الذي ذكره سترابون الذي أنشأ بحيرة موريس في الفيوم ليس سوى مصراييم حفيد نوح واستطاع أن يجرد مصر من تاريخها وحوله إلى التوراة والقصص الديني .

            بيد أن شامبليون صاحب انتصار الكنيسة في الجولة الأولى هو نفسه الذي قاد انتصارعلم المصريات في الجولة الثانية فقد استطاع معرفة الخطين الديموطيقي والهيراطيقي وقرأ جميع الكتابات على المعابد وأوراق البردي بعد أن هادن الكنيسة التي ساورها القلق من أبحاثه وسافر إلى تورين قرأ كثيرا عن الكتابات المصرية خاصة ما يتعلق بسلسلة الملوك حكام مصر ثم انتقل إلى روما حيث تسابق إليه الباباوات ورجالات المجتمع وتحدثوا معه عن مصر والكتابات المصرية ، وهناك ألقى العديد من المحاضرات صارت معها مصر حديثا للناس تاريخا وآثارا ، وتنبه بعض القساوسة وحاولوا التصدي له مدعين أن هذا العلم يخالف التوراة ، لكن شامبليون استطاع أن يهادن البابا وأن يقنعه بان هذا الهجوم على شخصه دافعه حقد شخصي ، ثم رحل شامبليون إلى مصر وقابل إليها آنذاك : محمد علي " وطاف بآثارها وقرأ الكتابات والنقوش المدونة عليها ، وأيقن أن أمامه عدة براهين كل منها يهدم ادعاءات الكنيسة لكنه لم يعلن عن هذا بل أرسل خطابا لأخيه بهذا المعنى ، وتوفى شامبليون قبل أن يصدر كتابه عن مصر .

            وجاء "إيمانويل دي روجيه" عام 1846 م . وقدم ترجمة لبردية محفوظة في برلين جعل عنوانها " قصص من أربعة آلاف سنة " وهاجمته الكنيسة ولكن إصراره ورده وتفنيده لادعاءات الكنيسة في نفس الوقت كان تيار الاهتمام بالمصريات قد ازداد في انجلترا حيث ظهر لي بيج رينون وفي ألمانيا ليبسيوس ثم عزز الحملة لي نورمان في فرنسا لم تجد الكنيسة بدا من الاعتراف بخطئها وعاد القساوسة إلى التوراة واعادوا بحث هذه الأرقام التي بنوا عليها نظرياتهم اعتمادا على سببين رئيسيين : أولهما ان اختلاف نسخ التوراة ينفي قدسيتها . وثانيهما أن ماجاء من أن النبي فلان قد انجب فلانا لا يعني يالضرورة أنه لا توجد بينهما أجيال بل المقصود أمنه من نسله فقط .

            لذا فمن الخطأ أن تجمع هذه الأرقام لتنتج الزمن الذي انقضى من آدم إلى نوح ثم بين إبراهيم وعيسى لنصل في النهاية إلى الزمن المنقضي منذ بدء الخليقة فكان هذا التفسير الأخير للكنيسة تغيير في موقفها من علم المصريات أعلنت خطأها وهزيمتها أمام هذا العلم وانتهت المعركة الشرسة التي دامت زهاء المائة عام . ليبدأ علم المصريات عهدا من الحرية في الأبحاث وشيوعا واهتماما من الناس يزداد كل يوم ليبهر الناس بسحره وغموضه .

            فروع علم الآثار والعلوم المساعدة له والاصطلاحات الدالة عليها:

            يخضع لدراسة علم الآثار كل ما أبدعه عقل الإنسان ونفذته يداه ، سواء بالقول أو العمل ، فدراسة كل ما خلفه إنسان ما في مكان ملهو في الواقع قراءة في حضارة هذا الإنسان ومقدار الرقي الذي حققه عبر مراحل تلك الحضارة وينسحب هذا على منازله ودور العبادة والمقابر وشتى الأدوات والآلات والوسائل التي استخدمها منذ مولده حتى يواري الثرى . وسائر الفنون التي أبدعها ليحقق بها زخرف العيش ويستمتع بحياته أو ليصل بها إلى الحياة الآخرة .

            أولاً : فروع علم الآثار :-

            ومع تطور علم الآثار وتطور التقنيات الحديثة وبهدف الوصول لأدق النتائج في هذا العلم ، تشعبت مجالات الدراسة وصار لكل مجال فيها متخصصون ومنها العمارة بكل أنواعها الدينية والجنازية والمدنية . ومنها الفنون المختلفة من نحت وتصوير وزخرفة . كما يندرج أيضا النظام النقدي من عملة ومسكوكات في هذه المجالات .

            علم العمارة Architecture :

            يشمل هذا المجال دراسة تطور العمارة التي شيدها الإنسان او نحتها في الصخر سواء لإستخدامها في حياته او بعد مماته .

            علم الطبوغرافية Topography :

            يهتم هذا العلم بدراسة وضعية وتوزيع و أسماء السكان من الناحية اللغوية والتاريخية ,والدراسات المعملية للمباني بكافة طرزها وأنواعها المدني منها أو الديني أو الحربي,ودراسة كافة مخططات المدن وتطورها كما يهتم هذا العلم بدراسة جميع المشكلات السكانية في العالم القديم.

            علم دراسة فن الرسم Fresco-Painting :

            يدرس هذا العلم فنون الرسم والتصوير القديمة على الجدران الملونة من حيث الطرز والتقنيات ومراحل التطور والموضوعات المصورة وغيرها من الموضوعات التي تسهم في إلقاء الضوء على مراحل تطور تاريخ هذا الفن في حضارة بعينها والثقافات المؤثرة فيه


            علم دراسة فن النحت Sculpture :

            يدرس هذا العلم فن تشكيل المواد الصلبة مثل الخشب والعظم والعاج والأحجار والصخور بل والمعادن مثل البرنز ........إلخ .من حيث التقنية والموضوعات والطرز وأساليب الصياغة وغيرها من الموضوعات ويشمل هذا العلم النحت المستدير والنحت الجاري بطرازيه الغائر والبارز المستخدم في تزيين المباني المعمارية بكافة أنواعها .

            علم دراسة الفن التشكيلي Plastic Art :

            يهتم هذا العلم بدراسة المواد سهلة التشكيل مثل الشمع والفخار والطين بتقنية واحدة وهي تشكيل المادة دونما استخدام قوالب ، أما استخدام القوالب في التشكيل فيدخل في نطاق فن النحت .

            علم دراسة النحت على الأحجار الكريمة Glyptic Art:

            يهتم هذا العلم بدراسة فن النحت علي الأحجار الكريمة بإستخدام النحت الغائر أو البارز وتلك الأحجار تعرف اصطلاحا بالفصوص Gems & Cameos وهي غالبا ما تحمل موضوعات متميزة لطبيعة مستخدمي الفصوص من الملوك والأباطرة والنبلاء وأفراد الطبقات العليا .

            علم دراسة الاختام Sigillography :

            يدرس هذا العلم الاختام الرسمية أو التجارية بموادها المختلفة سواء من الفخار أو الأحجار أو المعادن والموضوعات والنقوش المسجلة عليها سواء بالنحت أو النقش.

            علم دراسة المسكوكات Numismatics :

            يدرس هذا العلم النقود القديمة والنظام النقدي وكافة الجوانب الاقتصادية الخاصة بالعملة كما يدرس الموضوعات المصورة على العملة والرموز والصور الشخصية وغيرها من الموضوعات التي تصور على العملة كما يدرس النظام النقدي الخاص بكل حضارة والمعادن المستخدمة في السك ودور السك والاصدارات المختلفة وغيرها من الجوانب التي تلقى الضوء على الحياة الاقتصادية النقدية .

            علم دراسة النقوش Epigraphy

            يدرس هذا العلم النصوص القديمة المنقوشة والمدونة على مواد صلبة من أحجار ومعادن ، وكذلك الكتابات المدونة على اللخافات الفخارية المعروفة اصطلاحا ostraca .كما يدرس طرز وتطور الأبجديات وأنماط الحروف وتطور الأبجدية زيادة أو نقصانا .

            علم دراسة أوراق البردي Papyrology:

            يدرس هذا العلم النصوص المدونة على أوراق البردي التي يعثر عليها منفردة أو تكسو المومياوات ، وهذا العلم يعتمد على غزارة المادة الأثرية التي عثر عليها في مصر من العصر الفرعوني والعصرين اليوناني والروماني وغالبا ماتسجل معلومات هامة تلقي الضوء على مختلف جوانب الحضارة المصرية الاجتماعية والاقتصادية .

            علم قراءة الكتابات القديمة Paleography :

            يدرس هذا العلم حل رموز الكتابات القديمة وأفضل تطبيق لمجال هذه الدراسات هو صكوك القرون الوسطى .


            علم دراسة الموازين والمقاييس MetroLogy:

            يدرس هذا العلم الأوزان والموازين والمعايير والمكاييل والمقاييس القديمة وتطورها وقيمها ومقارنتها وكافة وسائل القياس القديمة ،ويدخل في نطاقه دراسة علامات الطرق القديمة Mile Stones والمحطات التجارية Mile Stations . وهكذا فإن وسائل القياس وأدواته في العالم القديم هي مادة دراسة هذا العلم من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية . فضلا عن الدراسات الفنية والمعمارية لما كانت عليه المحطات التجارية وعلامات الطرق .

            ثانياً : علوم مساعدة لعلم الآثار :-

            هناك علوم مساعدة لعلم الآثار لها دور فعال في مجال دراسة الإنسان وحضارته ،منها علوم إنسانية ومنها علوم تطبيقية معملية وتتعاون هذه العلوم مع علم الآثار من أجل الحصول على معلومات وافية عن الإنسان وحضاراته في شتى بقاع الأرض.

            ويأتي في مقدمة هذه العلوم علم دراسة الإنسان " الأنثروبولوجي Anthroplogy" ولعل أفضل تعريف لهذا العلم ما كتبته الباحثة الأمريكية مارجريت ميد M.Medوتقول: "نحن نصف الخصائص الإنسانية البيولوجية والثقافية للنوع البشري عبر الزمان وفي سائر الأماكن ، ونصف ونحلل الصفات البيولوجية والثقافية المحلية كأنساق مترابطة ومتغيرة ، وذلك عن طريق نماذج ومقاييس ومناهج متطورة ،كما نهتم بوصف وتحليل النظم الاجتماعية والتكنولوجية ونعني أيضا ببحث الإدراك العقلي للإنسان وابتكاره ومعتقداته ووسائل اتصاله".

            يكشف هذا المفهوم الأمريكي لمجالات الأنثروبولوجيا والتي تعني من وجهة نظرهم دراسة النواحي البيولوجية والثقافية على حد سواء ويستخدم الأمريكيون مصطلح الأنثروبولوجيا العضوية Biological Anthropology للإشارة إلى دراسة الجانب العضوي أو الحيوي للإنسان ، بينما يستخدمون مصطلح الأنثروبولوجيا الثقافية Cultural Anthropology للتعبير عن دراسة النواحي الاجتماعية والثقافية للإنسان ويدخل في نطاقها كل ما يتعلق بحضارات الإنسان القديم وهو ميدان علم الآثار ، لذا كان علم الآثار في مضمونه هو جزء من الأنثروبولوجيا الثقافية كما يندرج علم دراسة اللغات القديمة philologyفي النطاق نفسه.

            ويدخل في إطار علم الأنثروبولوجيا الثقافية - وفق المفهوم الأمريكي – مجالان دراسيان على نفس الدرجة من الأهمية وهما الأثنوجرافي Ethnography ويعني دراسة وصفية للأنماط الحياتية والعادات والتقاليد والقيم الدينية والفنون لجماعة أو شعب معين خلال حقبة زمنية محددة، والأثنولوجي Ethnology وهو المجال الذي يهتم بالدراسة التحليلية والاستنباطية لسائر مواد الدراسة الأثنوجرافية.

            بينما يختلف المفهوم الأوروبي لعلم الأنثروبولوجي ومجالاته عن المفهوم الأمريكي إذ يقتصر المفهوم الأوروبي على أن علم الأنثروبولوجي يطلق على مجالات التاريخ الطبيعي للإنسان والسلالات البشرية جنساً ونوعاً وخصائص تشريحية وعمليات بيولوجية وعلاقة هذا بتحديد الوظائف والأدوار الاجتماعية لكل نوع.

            وإزاء تلك التعقيدات لمفهوم علم الأنثروبولوجيا انحصر معناه تدريجيا ليقتصر مفهومه على علم دراسة الأعراق البشرية من الناحية الطبيعية وهو ما يتمشى مع المفهوم الأوروبي وعلى الرغم من هذا فإنه يمكن الاستفادة من علم الأنثروبولوجي في مجال علم الآثار من خلال الهياكل العظيمة البشرية والتعرف على السلالات البشرية أو الأعراق صاحبة المكتشفات الأثرية . كما يمكن تحديد جنس وعمر وحالة صاحب الهيكل العظمي من خلال الدراسة الأنثروبولوجية .

            العلوم التطبيقية :

            على الرغم من أن علم الآثار من العلوم الإنسانية إلا أنه يحتاج لكثير من العلوم التطبيقية مثل الكيمياء والهندسة والطبيعة والجغرافيا والجيولوجيا وغيرها من العلوم التطبيقية ، فعلى سبيل المثال يعتمد علم الآثار على الكيمياء في تحليل الكربون المشع (كربون 14 )لتقدير العمر الزمني لمكتشفات بعينها كما سنوضح بالتفصيل فيما بعد كما تستخدم الهندسة في الرسم المعماري للمباني المكتشفة لتسجيلها ونشرها بينما تستخدم الفيزياء في مجالات المسح الجيوفيزيقي لتربة بعينها في ظروف خاصة قبل إجراء عملية التنقيب وأثناءها بينما تستخدم المساحة قبل وأثناء عملية التنقيب كما سنوضح بالتفصيل .

            ولعل انتشار الإنسان وتعدد حضاراته واختلاف ثقافاته زمنيا ومكانيا أدى إلى نشأة علوم لآثار تبحث في مظاهر كل حضارة على حدي نظراً لأن كثافة الآثار التي خلفتها الحضارات المختلفة ليس هي نفسها في كل مكان بل إنها تتوقف على المكان والشعب الذي سكنه حيث تختلف إسهامات كل شعب عن بقية الشعوب في التطور البشري والرقي الحضاري .

            علم الآثار الغارقة والتنقيب تحت الماء :

            إذا كان هدف علم الآثار هو كشف المسار الحضاري للإنسان عبر العصور من خلال الكشف عن مخلفات الإنسان إلا أن المعنى الحقيقي لعلم الآثار يتمثل في تعريف عالم الآثار "سير ليونارد وولى"الذي يقول فيه " إن عالم الآثار ببحثه عن كل ما هو إنساني يتمتع باكتشاف كل ما هو نادر وجميل ، وزيادة على ذلك فهو يريد أن يعرف كل شيء عنها وعلى كل فهو يفضل تحصيل المعلومات عن المقتنيات أكثر من المقتنيات في حد ذاتها ، إن الحفر بالنسبة له يعني الملاحظة والتسجيل والتفسير" .

            ان هذا الهدف والتطور الذي شهده علم الآثار في مجال التنقيب من تقنيات وأهداف ووسائل وقواعد وقوانين يندرج أيضا على علم الآثار الغارقة ، فمجال العمل تحت المياه يعني أيضا الملاحظة والتسجيل والتفسيرمع التباين الواضح في ظروف العمل فبدلاً من الشمس المحرقة يوجد ضغط المياه الذي يتزايد في الأعماق البعيدة وقد تشاركه أسماك القرش والباراكودا وغيرها من الوحوش البحرية مجال عمله وبدلا من الرمال والأحجار يتعامل مع الأصداف والقواقع البحرية والشعاب المرجانية والأحجار المتصلبة والأسماك وغيرها من مظاهر البيئة البحرية .

            ويجب أيضا عليه أن يلتزم بالقواعد العامة التي يلتزم بها المنقب في مجال الحفائر الأرضية من نظام العمل ودقة الملاحظات والتسجيل بكافة الوسائل من وصف وتصوير ورسم خاصة تلك القطع التي توجد في مجال تيارات بحرية أو في البحار المفتوحة أو التي يتحتم انتشالها ويجب علينا ألا نغفل المخاطر التي يتعرض لها الأثري الغطاس تحت الأعماق وكيف لأن حياته بأسرها تتوقف على مصدر الأكسجين الذي يتنفس منه تحت الماء .

            أنواع الآثار الغارقة :

            يمكن تقسيم الآثار الغارقة إلى نوعين أساسيين طبقا لموقع الأثر ونوع الأثر ذاته ، النوع الأول هو الآثار الثابتة وتشمل المناطق الساحلية والجزر ، أما النوع الثاني فهو الآثار المنقولة ويشمل السفن وما عليها من منقولات .

            أولاً الآثار الثابتة :-

            يشمل هذا النوع المدن الغارقة والجزر والمناطق الساحلية المهجورة التي طغى عليها البحر وآبار القربان المدن الغارقة وسواحل البحر المتوسط من أغنى السواحل التي تعرضت لتغيرات من طغيان البحر وانحساره مما أدى إلى اختفاء مدن بأكملها تحت مياهه مثل مدينة كانوب ومينوثيس وهراكليوم شرق الإسكندرية ومدينة قيسارية بفلسطين وغيرها من المدن التي كانت منتشرة على سواحل البحر المتوسط مثل ليوكاثبيس بين الإسكندرية وبرايتونيوم( مرسى مطروح حالياً). كما قد يكون الطوفان سبباً في اختفاء مدن بأكملها مثل مدينة "سادوم" ومدينة "عمورة" اللتان ورد ذكرها في الإنجيل ويعتقد البعض أن الأرض قد مادت بهما وغمرتهما مياه البحر الميت ،وهناك أيضاً مدينة Ys التي تقع بالقرب من السواحل البريطانية ، وقارة أتلانتيس الأسطورية التي ورد ذكرها في الأساطير اليونانية والتي غمرتها مياه البحر وظل اكتشافها حلماً يراود الإنسان منذ عصر أفلاطون وحتى اليوم.

            يعتبر النوع الثاني من الآثار الثابتة هو المناطق الساحلية التي هجرت ثم غمرتها مياه البحار من أهم أنواع الآثار الغارقة ، ففي بعض الأجزاء يتراجع البحر يكشف ما كان يغمره ثم لا يلبث أن يسترد ما فقده في موقع فيطغى بقوة ويغمر أجزاء أخرى وتعتبر المناطق الساحلية التي يغرق جزء منها مثار اهتمام الأثريين لسهولة العمل بها عن المدن أو الجزر التي تختفي بالكامل.

            وقداستطاع الأثريون اليوم تحديد موقع ثلاث مدن تقع إلى الشرق من مدينة الإسكندرية وهي مدن كانوب وهيراكلينيوم ومينوثيس وجميعها تقع حالياً في أعماق خليج أبي قير ، وفي نفس الوقت كان الأثريين قد تمكنوا من تحديد موقع الحي الملكي وجزيرة أنتيرودس في الميناء الشرقي بالإسكندرية ولا زال هناك العديد من المدن الواقعة بين الإسكندرية وبرايتونيوم( مرسى مطروح حالياً) لم يتحدد موقعها على وجه الدقة لكنها لا تزال تقبع في قاع مياه الساحل الشمالي غربي الإسكندرية.

            هناك نوع آخر من الآثار الثابتة الغارقة وهو آبار الأضاحي والقرابين ، وتختلف نوعية الاثار الملقاة في تلك الآبار طبقاً لاختلاف المعتقدات التي يدين بها شعب ما ، فلا زال حتى يومنا هذا من يلقي بالعملات المعدنية في النافورات والآبار لجلب الحظ السعيد، لكن هناك مثلاً قبائل المايا التي تلقي بأضاحي وقرابين للآلهة في الآبار مع قرابين ذهبية ، وقد استطاع "أ.هـ طومسون" أن يعثر على أدوات معدنية ثمينة في أعماق بئر القرابين في ندينة تشيتشان أتنزا بالمكسيك.

            ثانيا الآثار المنقولة :

            لما كانت السفن والمراكب هي وسيلة النقل والانتقال الوحيدة المعروفة لعبور البحار فإن السفن التي كانت تحمل السلع التجارية بين العالم القديم ، وكان الإبحار نوع من المغامرة المحفوفة بالمخاطر فإذا ما هبت عليها الأنواء وعصفت يكون مصيرها أعماق البحر بما تحمل وتعتبر بقايا هذه السفن وحمولاتها أهم ما يستثير علماء الآثار كما قد تكون الحروب البحرية أيضاً سبباً مباشراً في غرق السفن بما تحمل ولعل الحروب والمواقع البحرية اليونانية ضد الفرس أحد أشهر هذه الحروب كما لا يغيب عنا موقعة أبي قير البحرية التي جرت بين الإنجليز والفرنسيين في خليج أبي قير وكانت السفن الحربية الفرنسية تحمل إلى جانب المدافع كميات كبيرة من الآثار المصرية كانت في طريقها إلى فرنسا قبل أن يهجم أسطول نلسون على الأسطول الفرنسي.

            كان البحر المتوسط يعج بالسفن في العصرين اليوناني والروماني وكانت تلك السفن غالباً ما يكون مصيرها قاع البحر إما لتهالكها أو لتصادمها أو لغدر البحر ، لذا فإن قاع البحر المتوسط يزخر بالعديد من الآثار وحطام السفن مما دعا أحد الأثريين الفرنسيين في بدايات هذا القرن لقول مأثور ينم عن ثراء البحر بالآثار" لا زالت أغنى المتاحف الأثرية في العالم بعيدة المنال ؛لأنها تكمن في قاع شرق البحر المتوسط ومع إننا قادرون على اكتشاف الأرض والهواء بدون صعوبة تذكر إلا أننا أبعد ما نكون عن منافسة الأسماك في الماء وبينما نحن في انتظار هذا اليوم الذي يسمح لنا فيه تطور العلم بأن ندلي بدلونا في هذه الاكتشافات " بيد أن هذا القول صار أملاً من الماضي تحقق الكثير منه بعد التطور السريع الذي شهده علم الآثار الغارقة في الآونة الأخيرة وتزايد الاهتمام به على المستويين الرسمي والأكاديمي فبدأ العقد الماسي الذي كان يتحلى به البحر في الانفراط وأخذ الأثريون يجمعون منه الحبة وراء الحبة

            . كيف نشأ علم الآثار الغارقة ؟ صيادو أنتيكثيرياAntikthera :

            بينما كانت هناك سفينتان يونانيتان في طريق عودتهما من الساحل التونسي محملتان بصيد الإسفنج في بدايات القرن العشرين هبت عاصفة بحرية شديدة الأنواء على شرقي البحر المتوسط واضطرت السفينتان إلى اللجوء إلى مكان آمن ، وكان أن استقرتا عند مرفا هادئ عند نهاية الأرخبيل اليوناني على مبعدة خمسة وسبعين قدما من الساحل ولما طال أمد العاصفة طرأت فكرة اقتصادية على كابتن إحدى السفينتين يدعى ديمتريوس كوندوس وهي البحث عن الإسفنج حتى تنقشع العاصفة وهبط أول غواصوه في بقعة من المياه الصافية وكانت المفاجأة أن رأى تحت الماء تماثيل لرجال ونساء وليصدقه الآخرون جذب ذراع تمثال من البرنز وصعد إلى أعلى السطح ليقص روايته ويقدم الدليل وهنا نزل كوندوس إلى الموقع وقام بتسجيل مقاسات التماثيل وحدد موقعها بدقة وغادرت السفينة بعد أن تأكد لهم صعوبة انتشال ونقل التماثيل.

            وبمجرد أن نقل كوندوس روايته لأثينا جهزت سفينة من سفن الأسطول اليوناني وانطلقت إلى موقع انتيكثيريا حيث ترقد الآثار واستمر عمل البعثة لمدة تسعة شهور في ظروف مناخية وأمنية صعبة حتى أن أحد الغواصين قد توفى أثناء العمل كما أصيب آخران إصابات بالغة رغم هذا كله فقد أمكن للبعثة أن تنتشل رأس تمثال من البرنز وتمثالين من الرخام وبعض القطع الصغيرة. وتعتبر هذه البعثة غير المؤهلة هي اللبنة الأولى الحقيقية في نشأة علم الآثار الغارقة، رغم ما تفتقر إليه من المنهج العلمي في التسجيل والتوثيق وغيره من القواعد التي تتبع في مجال الحفائر الأرضية.

            بعثة ميرلين واستكشاف الساحل التونسي :

            ثاني الاكتشافات الأثرية الغارقة بالقرب من مدينة المهدية التونسية التي تأسست على يد الفينيقيين وكانت ميناء هام استقرت به سفن الإغريق والرومان، وكانت الصدفة أيضاً وراء هذا الاكتشاف إذ بينما كان صيادو الإسفنج يغوصون على مبعدة ثلاثة أميال من الشاطئ فى عمق لا يزيد عن عشرين قدما أدركوا أعمدة رخامية وتماثيل رخامية وهموا بانتشال ما أمكنهم منها وباعوه لتجار العاديات لكنها تجارة بائرة تغل من المال لكنها تهدر الحضارة وتدمر التراث فمن وجهة نظر الأثريين أن الآثار لا تقدر بمال بل هي الثروة التي لا تبلى وواقع الأمر أن الاتجار في الآثار هو المصيبة الحقيقية التي تصيب علم الآثار ولعل هذا ما دفع عالم آثار فرنسي يدعى "الفريد ميرلين" كان يتجول في تونس ووجد العديد من القطع الأثرية اليونانية تباع لدى التجار على الأرصفة بأسعار زهيدة فسألهم، وعرف مصدرها وبدأ على الفور في حماية ما تبقى من هذه الآثار للكشف عنها بالطرق العلمية الدقيقة والصحيحة وأعلن للغواصين اليونانيين أن تلك الآثار ملك للحكومة التونسية وأنه لن يسمح بنهبها بعد الآن.

            استطاع ميرلين أن يقود حملة بجمع التبرعات من أثرياء أمريكا وفرنسا ومن الحكومة التونسية لتغطية تكاليف بعثة أثرية علمية لانتشار تلك الآثار، واستطاع ميرلين أن يحدد موقع سفينة رومانية غارقة بكامل حمولتها من التماثيل التي يبدو أنها كانت منهوبة لصالح روما وأن الحمولة الثقيلة وحادث كانا وراء غرقها معتدلة دون أن تنقلب وتعتبر بعثة ميرلين في المهدية التونسية حجر الزاوية في تاريخ الاكتشافات الأثرية وعلم الآثار الغارقة في القرن العشرين ، رغم تلك الصعوبات التي واجهته من أنواء وعواصف وارتفاع التكاليف والمخاطر التي تواجه الغطاسين وتعتبر هذه المجموعة المنتشلة من المهدية هي قوام متحف "باردو" في تونس والتي قال عنها "ريناك" لم يحدث أن توصلنا إلى شئ يمكن مقارنته بهذه الآثار منذ أن اكتشفنا بومبيي وهيراكلينيوم".

            بعثة كارو في كاب أرتميشن :

            لم تكن الصدفة وراء اكتشاف المهدية فقط بل تكرر الأمر مع صياد يوناني كان يصطاد سمك في منطقة "كاب أرتميشن" عام 1925وكان أن ألقى بشبكته وعندما هم بلمها وقعت أغرب مصادفة في حياته ألجمته وأرعبته حتى أنه تمتم بصلواته على روح ما في شبكته إذ توهم للوهلة الأولى أنه اصطاد جثة متفحمة بيد أنها تمثال من البرنز مغطى بطبقة كثيفة من الأعشاب والطحالب البحرية، وسلم التمثال للمسؤولين الذين أجزلوا له العطاء وأخذوا التمثال إلى متحف أثينا، وهو تمثال "أثينا إيفيبي" المعروض حالياً بالمتحف ورغم أن الحكومة اليونانية أجزلت العطاء للصياد إلا أن هذه السياسة نبهت الصيادين إلى قيمة تلك التماثيل فجابوا منطقة"كاب أرتميشن" والمياه المحيطة بجزيرة يوبويا وباعوا غنائمهم لتجار العاديات بسعر أعلى ومن هنا عرفوا قيمة ما كانوا يعثرون عليه بيد أن الحكومة اليونانية تدخلت بالقوة للحفاظ على التراث الموجود تحت الماء وشكلت بعثة برئاسة "جورج كارو"من معهد الآثار الألماني بأثينا وقد تمكنت تلك البعثة وفي ظروف عصيبة أن تكتشف تمثال زيوس كبير آلهة الأولمب المصنوع من البرنز وهو أروع الأعمال البرنزية التي عثر عليها حتى الآن هذا بالإضافة إلى تمثال لفارس صغير يمتطي جواداً.

            جماعة أبحاث ما تحت البحر :

            بعد أن توقفت أعمال الاستكشاف في المهدية منذ الحرب العالمية الأولى إلى أن بدأ العلم البحري الفرنسي الشهير "جاك إيف كوستو" مؤسس جماعة أبحاث ما تحت البحر بالاشتراك مع فيليب تاييه وفردريك دوماس بالغوص في شمال إفريقيا بالقرب من مدينة قرطاجنة القديمة ،وسمعوا بما قام به ميرلين قبل أربعين عاماً واتصلوا به وعرضوا عليه استئناف النشاط بيد أنه كان قد بلغت من الشيخوخة فاعتذر وتمنى لهم الحظ ولم يستطيعوا أن يحددوا الموقع واستمرت عملية البحث الدقيق في أعماق البحر المتوسط خمسة أيام دون جدوى إلى أن استطاع أحد الغواصين تحديد موقع عامود تحت الماء وكان ذلك بمثابة إعادة اكتشاف السفينة.

            لم تعد المشكلات التي كانت تواجه ميرلين من تقنيات وأنواء وتيارات بحرية معاكسة وغيرها من مشكلات مدة الغوص والإضاءة تزعج علماء الآثار الغارقة بعد التطور الذي شهدته التقنيات توفير أكسجين ورئة مائية حتى أمكن في ذلك الوقت للغواص أن يبقى تحت الماء مدة تزيد عن ربع الساعة وهي التي كانت في حدود الخمس دقائق قبل أربعين عاماً ،وتعتبر بعثة "كوستو" في المهدية هي النقلة الثالثة في تاريخ علم الآثار الغارقة لأنها المرة الأولى التي تستخدم فيها الرئة المائية في أعمال الكشف الأثري.

            استخدام مضخة في التنقيب تحت الماء :

            كانت سفينة شحن يونانية قديمة قد غرقت بكامل حمولتها من الأمفورات المليئة بالخمر اليوناني بالقرب من "جران كونجلوية "بفرنسا وكانت الصدفة وصيادوا الإسفنج وراء اكتشاف حطام هذه السفينة عندما كان غواص فرنسي يغوص عند منحنى حجري طبيعي على عمق مائة قدم ،بعيداً عن اللسان الغربي لجزيرة "جران كونجلوية" فوجد كمية كبيرة من الجرار القديمة تبرز من بين الطين في القاع وأصيب الغواص ونقل قصته إلى جماعة البحث عن الآثار تحت الماء" وجهز كوستو سفينة "كاليبسو" واتجهوا إلى جران كونجلويه في أغسطس 1952ورافق السفينة مدير متحف الآثار بمرسليا واستقرت السفينة على مسافة عشرة أميال من الشاطئ

            وتحقق كوستو من رواية الغواص واستطاع أن يلتقط عددا من الأواني الفخارية وهي عبارة عن أواني شراب صنعت في إيطاليا خلال القرنين الثالث والرابع قبل الميلاد، واستطاع غواصو الكاليبسو انتشال العديد من الأواني والجرات ثم واجهتهم صعوبة انتشال الجرات التي طمر معظمها في طين القاع لأنها كانت تنكسر إذا ما حاولوا نزعها أو جذبها ، ولأول مرة استخدم المنقبون مضخة شفط كبيرة مثبته على سارية خشبية ثبتت بدورها على الجزيرة وكان الهواء المضغوط يشفط الطين المتجمد بالإضافة إلى الجرات وكسر الفخار وينقلها إلى السطح حيث تفصل الجرار عن الطين ومياه البحر بواسطة شبكة كبيرة بسرعة 12جالون في الدقيقة بينما يقوم عالمان أثريان بفحص ما ترفعه المضخة من منقولات وبقايا أثرية ثمينة.

            صادفت بعثة الكاليبسو صعوبات عديدة واجهتها البعثات السابقة فقد كان عدد الأثريين قليلاً وعدد الغطاسين قليلاً أيضاً ورغم الخبرة التي اكتسبها كوستو ورفاقة إلا أنه لم يكن أكاديمياً لذا كان لعدم درايتهم الأكاديمية بأهمية ما ينتشلون فقد كان الإهمال قد يدمر أثراً هاماً لعدم درايتهم بتلك الأهمية ، وكان عدم وجود الأثري المتخصص بين الغواصيين في الماء سبباً وراء تلك السلبيات ، وكان استخدام المضخة رغم سرعته في إنجاز العمل إلا أنه كانت له سلبيات منها تهشم الكثير من الجرات والأواني وربما كانت وفرة أعداد الأواني والأمفورات الغارقة هي العزاء الوحيد لتلك السلبية لكن يبقى أن تلك هي المرة الأولى التي تستخدم فيها المضخة في أعمال التنقيب تحت الماء.

            استخدام الدوائر التليفزيونية في توجيه الغواصين :

            للتغلب على الصعوبات التي واجهت الكاليبسو خاصة في عدم دراية الغواصين بأهمية الآثار التي ينتشلونها وافقت شركة "طوسن هستون الإلكترونية" على إعارة كاميرات تليفزيونية وكابلات وخبراء فنيون وصممت عدسة ذات زوايا رؤية متسعة وقمرة بمكبر صوت وبها مكيروفون يتصل بغرفة المتابعة على ظهر السفينة كاليبسو ليتمكن علماء الآثار من متابعة ما يحدث في الأعماق وتوجيه الغواصين وقد نجحت التجربة الأولى لهذه الكاميرا في متابعة الحفر على عمق
            65 قدماً.

            الزورق المجهز لحفائر تحت الماء:

            كانت مدينة "بورت رويال" ملاذاً للقراصنة ومخبأ لكنوز الهنود الغربيين وسوق مستمرة تجد بها كل البضائع المنتقاة المستوردة على الدوام ، وبلغ بأهلها الفجور ونمت أموالهم من الكسب الحرام حتى أنها وصفت وأهلها بأنهم أكثر الشعوب دعارة وفجورا وبعداً عن الله وتقع المدينة على لسان من الأرض في البحر الكاريبي وأراد الله أن يحيق بها دماراً جزاءا بما فعل أهلها وكان أن مادت بها الأرض وزلزلت زلزالها الأقوى وانقسمت المدينة بالأخاديد المخيفة واختفى ثلثي المدينة ومات ما يزيد عن ألفي شخص من سكانها وغاص معظم المدينة في البحر.

            كانت المدينة حلما يراود الأثريين فالمدينة تقبع في الأعمال وتزخر بذهبها وأموالها وثرواتها ولكن لم يحاول أحد من الأثريين أن يذهب إلى هناك حتى عام 1956 عندما ذهب مستكشف ومخترع وغواص أمريكي يدعى"إدوين أ.لينك" في قاربه ليستكشف المدينة الغارقة وكان في مخيلته أنه يمكنه رؤية المدينة من خلال الماء الصافي الذي تشتهر به سواحل جامايكا لكنه صدم للظلام التام الذي يحيق بالقاع بسبب تيارات الجداول الجبلية في موقع بورت رويال التي حملت أطناناً من الطمي إلى الميناء فتراكمت عليها الرواسب الطينية. حاول لينك أن يطهر بعض المساحات من القاع بحفر عمق ياردتين ووصل لحصن جيمس لكنه تبين أن أدواته لا تصلح لتلك العملية وأنه من المستحيل رفع أي شئ من أنقاض المدينة من الأعماق وحدد احتياجاته قبل أن يرحل ليعود من جديد بعد إعداد التجهيزات اللازمة.

            صمم لينك أول مركب للبحث خصيصاً عن آثار تحت الماء صنعه من المعدن باطنه من الزجاج المصفح ويبلغ طوله 91 قدماً له سواري وقوائم وأوناش كهربائية لرفع الأشياء الثقيلة من الأعماق وزود القارب الرادار وآلات سماع صدى الصوت وكل ما توصل إليه العلم من آلات وأدوات الاستكشاف وجهز حجرة خاصة للغوص ومخزناً للرئات المائية وأقنعة الوجه والزعانف كما جهز أيضاً لنش غواص للشعب المرجانية والصخرية زوده بأجهزة يدوية لتحديد الموقع بارتجاع صدى الصوت.

            وتعتبر تلك هي المحاولة الأولى في تاريخ علم الآثار الغارقة لإجراء مسح أثري تحت الماء باستخدام أجهزة الموجات فوق الصوتية حيث قام بحار شهير بمساعدة لينك في المسح الأثري وكانت المناطق الضحلة تعنى المباني بينما المناطق العميقة يكون رجع الصدى فيها بطيئاً واستطاع لينك أن يرسم خريطة للمدينة في محاولة ناجحة لاستخدام العلم الحديث في خدمة الآثار الغارقة. كما استخدم لينك جهاز الكشف عن المعادن عن بعد ويعتبر هذا الكشاف المعدني أحد أهم التطورات التي شهده علم آثار تحت الماء والذي حقق نتائج باهرة جعلته من الأدوات التي لا يمكن أن يستغني علم آثار تحت الماء.

            كما استخدم لينك مصعد هوائي بحيث يستخدم ضغط الهواء في الكشف عن الآثار ولكنه كان يثير زوابع من الطمي ويعكر الماء ويمنع الرؤية واستطاع لينك التغلب على تلك المشكلة بإنزال غواصين يتحسسون مواضع الآثار قبل أن يعمل المصعد الهوائي. كما يعزى لينك الفضل في ملاحظة التغيرات التي تلحق بالآثار وتدمرها إذ استخرجت فجأة الماء حيث تتفتت بعض المواد لذا كان يضعها في ماء من نفس البيئة التي استخرجت منها وأصبح ذلك قاعدة تتبع في كافة أعمال انتشال الآثار الغارقة.

            مدن تتنفس تحت الماء :

            تطور علم الآثار تحت الماء تطوراً سريعاً في العشرين عاماً الماضية رغم أنه لا يزال علم وليد بالمقارنة مع علم الآثار الأرضية فلا زال هناك العديد من المدن الغارقة تنتظر من يكشف عنها أو يستكملوا ما سبق وكشفوا بعضاً منه مثل بورت رويال والمهدية وغيرها.

            هناك مدن نسمع عنها أنها غرقت بالكامل تحت مياه البحار مثل مدينة Ys "إس" على ساحل بريتاني بفرنسا والتي حيكت حولها أساطير جعل منها لغزاً باهراً والتي يرجع تاريخها للعصر الروماني إذ توجد خريطة يرجع تاريخها للقرن الرابع الميلادي تظهر فيها مدينة إس على حافة البحر في خليج الدونارنيز ويحتمل أن المدينة تعرضت لفيضان مدمر عام
            395 أو فيضان عام 441 المدمر ، ولما كان الساحل البريتاني عميقاً لذا فيتعذر حالياً الكشف عن هذه المدينة.

            هناك أيضاً مدينة "هلايك" والمعروفة باسم "بومبيي الغارقة" وهي مدينة يونانية ورد ذكرها في الإلياذة وقد حاق بها دمار مفاجئ عندما ضربها زلزال قوي وغمرها فيضان شديد مدمر عام 369 قبل الميلاد، إذ يحدثنا بوذانياس عن تلك الكارثة قائلاً : في بادئ الأمر اهتزت الأرض بالمدينة حتى الأعماق بواسطة زلزال وحينئذ انشقت فجأة وانهار كل شئ بنى عليها. ساقطاً في الأعماق ولم يبق لها أثر بعد ذلك ويقال إن الزلزال أعقبته مصيبة أخرى أحدثتها هذه المرة الفيضان الموسمي العالي للبحر غمر المدينة والريف ،إن غابة بوسيدون المقدسة غمرت لدرجة أن المرء لا يستطيع أن يرى قمم الأشجار المغمورة إلا بصعوبة ، إن غضب الرب قد حاق بهذه المدينة المنكوبة خلال عاملين أولهما أنها دكت ثم بعد ذلك ابتلت بكل سكانها".

            وقد ذكر الكثير من الكتاب الكلاسيكين أنهم شاهدوا أنقاض هذه المدينة تحت الماء وربما يرجع السبب وراء اختفاء تلك المدينة عن الأنظار أنها غرقت ، أما مصب نهرين فلا شك أن ترسيباتهما الغرينية قد غطتها تماماً حتى بلغ سمك الطمي المتماسك فوقها عشرين متراً حتى إن مدمرة ألمانيا غرقت في نفس الموقع غرست في الطين. نسمع أيضاً عن مدن أخرى لا زالت تحت الماء مثل مدن بورا وآحيا تنتظر الخروج للنور لكن ليس هناك أهم من الإسكندرية بين مدن العالم القديم الذي لا يزال برج فنارها القديم "فاروس" راقداً تحت الماء حتى الآن رغم الجهود التي بذلها علماء آثار تحت الماء المصريين والفرنسيين فقد كان هذا الفنار إحدى عجائب الدنيا السبع القديمة شيده بطليموس الثاني عام 279 ق.م على الركن الشمالي الشرقي لجزيرة فاروس ويبلغ طوله خمسمائة قدم وكان يعلوه تمثال ضخم لإله البحر بوسيدون وظل الفنار يعمل هاديا للسفن ونصب طيلة ألف عام ثم ضربه زلزال تلو الآخر حتى زلزال القرن الرابع عشر الذي هدمه تماماً وغرقت معظم أجزاء الفنار عدا الطابق الأسفل الذي أعيد استخدام أحجاره في بناء قلعة قايتباي عام 1480.

            علم آثار تحت الماء في مصر :

            بدأ جاستون جونديه والذي كان يعمل في مصلحة الموانيء والمنائر بمصر الاهتمام بآثار مصر الغارقة ، حيث استطاع أن يحدد بقايا ميناء من العصر الفرعوني في منطقة الأنفوشي بالقرب من قصر رأس التين ، كما استطاع أن يحدد بعض أجزاء من أرصفة ميناء فاروس ثم جاء الأمير عمر طوسون – والذي كان ينتمي للأسرة المالكة في مصر خلال العصر الملكي – وكان شغوفا ومولعا بعلم الآثار بصفة عامة –وحب اقتناء القطع الأثرية التي كانت تعتبر أحد مظاهر الثراء والارستقراطية في مصر قبل صدور قانون حماية الآثار بها.

            وبمجرد أن وصل إلى مسامعه وجود آثار غارقة في مياه الميناء الشرقي كون بعثة أثرية تكفل بكل نفقتها تستهدف الكشف عن آثار أخرى في خليج أبي قير لعلمه بوجود مدينة كانوب القديمة بهذا الموقع وكان له ما أراد واستطاع الكشف عن بقايا هذه المدينة وتحديد موقعها لم يقتصر الأمر على المشتغلين بعلم الآثار بل امتد إلى الهواة وكان الغطاس السكندري
            " كامل أبو السعادات " صاحب فضل كبير في لفت انتباه هيئة الآثار المصرية إلى وجود آثار على مبعدة ياردات قليلة من الشاطيء على عمق 24 قدما حيث راى تمثال بلا رأس من الجرانيت ضخم يبلغ طوله عشرين قدما وإلى جواره تمثالا آخر أصغر وتمثال على هيئة أبو الهول .

            ساد اعتقاد لدى مدير المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية أن التمثال ربما يكون تمثال بوسيدون الذي كان يقبع فوق منار الإسكندرية وربما كانت أنقاض الفنار نفسه إلى جوار التمثال مدفونة في مكان قريب واهتمت الحكومة المصرية وأرسلت غواصين البحرية المصرية وأكدوا قصة أبو السعادات وهنا قال هنري رياض " لدينا خبرة طويلة في الآثار الموجودة في الصحراء ولكن العمل تحت بحر متقلب أمر جديد وغريب علينا " وكان لزاما أن يؤجل المسح الأثري لحين قدوم فصل الخريف حينما يكون البحر أكثر هدوءاً وبعد ذلك يمكن استئناف الاستكشاف بعد المسح .


            وعلى هذا قامت القوات البحرية المصرية بانتشال التمثال الذي يبلغ وزنه 25 طناً وطوله سبعة امتار ويمثل الإلهة إيزيس ويبدو أنه كان واقفا في معبد إيزيس فاريا الذي كان يقع بالقرب من فاروس والمعروف أن إيزيس فاريا كانت الإلهة الحامية للبحارة كما انتشلت القوات البحرية أيضا بانتشال تمثال آخر لرجل مصنوع من الجرانيت الوردي في حالة جيدة من الحفظ على الرغم من بقائه خمسة عشر قرنا تحت الماء .

            وأشار الضباط في تقريرهم إلى وجود أطلال معبد متهدم وأعمدة متناثرة وجدار صور عليه أبو الهول يبلغ طوله أربعة أمتار وعرضه ثلاثة أمتار ومجموعة تماثيل بدون رؤوس وأبو الهول يبلغ طول التمثال حوالي مترين وقد قامت البعثة الفرنسية التابعة لمركز الدراسات السكندرية الفرنسي بتأكيد تلك المعلومات فضلا عن مزيد من الاكتشافات التي تمت مؤخراً. اهتمت منظمة اليونسكو بتلك الأنباء عن وجود آثار غارقة في الميناء الشرقي وأرسلت خبيرة متخصصة في الآثار الغارقة هي الدكتور هنور فروست Frosst H . ورافقها الجيولوجي نستروف V.Nestrof وشاركهما من الجانب المصري الغطاس الهاوي كامل أبو السعادات وتم عمل أول مسح أثري للمنطقة وإعداد خريطة دقيقة سجل عليها 17 قطعة أثرية .

            وقام المعهد الفرنسي بإيفاد بعثة للبحث عن أسطول نابليون الذي غرق في خليج أبي قير عام 1901 في موقعة أبي قير البحرية الشهيرة أمام الأسطول الإنجليزي بقيادة نلسون وقد أمكن للبعثة الفرنسية التي رافقها من الجانب المصري الغواص الهاوي الغاوي كامل أبو السعادات أن تحدد وتنتشل بعض أجزاء سفينة القيادة الفرنسية وقطع عملة ذهبية يرجع تاريخها لعصر الحملة الفرنسية على مصر ومدافع فرنسية وملابس وأزرار وتم تحديد مواقع الأسطول ونتيجة لفيلم تسجيلي قامت به مخرجة مصرية عن المنطقة تنبه المجلس الأعلى للآثار للمنطقة مرة أخرى وعهد للمركز الفرنسي للدراسات السكندرية بعمل حفائر إنقاذ وبدأ العمل مرة أخرى في أكتوبر 1994م وأعدت خريطة طبوغرافية لتحديد مساحة الموقع وتصوير كل الآثار الواقعة في المنطقة تحت الماء وعرض الصور الفوتوغرافية على المجلس الأعلى للآثار لتحديد أي الآثار التي سيتم إنقاذها حيث تحددت مساحة الموقع 22.5 كيلومتر مربع وعمق يتراوح من 6-8 أمتار وأمكن تسجيل حوالي ثلاثة آلاف قطعة أثرية معمارية من الجرانيت الوردي والأحمر والباقي من الحجر الجيري والرملي والبازلت ، كما تضم أيضاً تماثيل بطلمية أخرى من العصر الفرعوني والروماني ومجموعة أخرى من تماثيل أبي الهول وآلهة مصرية ولوحات عليها نقوش بالكتابة الهيروغليفية واللغة اليونانية.

            استمرت نشاطات البعثة في مواسم متتالية حيث تقوم بتسجيل وتنظيف الآثار تحت الماء، بين تلك المجموعات عمود ضخم يشبه عمود السواري من حيث مقاسات القطر من أعلى كما أمكن تسجيل صف من الكتل الجراتينية شمال يتراوح وزن الواحدة منها ما بين 50-70 طناً ويبدو أنها تنتمي لمبنى مرتفع تفككت أوصاله إثر هزة عنيفة ربما كانت جزء من الفنار القديم ، كما انتشلت البعثة تمثال ضخم لملك بطلمي ( ربما كان بطليموس الثاني) يبلغ طوله 1.5م كما انتشلت تماثيل لأبي الهول عليها نقوش وكتابات وخراطيش بأسماء الملوك الفراعنة بسماتيك الثاني وسيتي الأول ورمسيس الثاني.

            وقام المعهد الفرنسي بإعداد كوادر بشرية من الأثريين المصريين وتدريبهم وتأسست لأول مرة إدارة مصرية للآثار الغارقة بالمجلس الأعلى للآثار عام 1996، انضم إليها عدد من شباب الأثريين المتخصصين في مجال المصريات والآثار الكلاسيكية والإسلامية وشاركوا منذ ذلك الحين المتخصصين الفرنسيين في نشاطاتهم في الميناء الشرقي وخليج أبي قير خاصة عندما كانت هناك بعثتان مشتركتان من الجانب الفرنسي والمصري تعملان في آن واحد في أبي قير والميناء الشرقي. اهتمت البعثة المشتركة من المعهد الفرنسي للدراسات السكندرية والمجلس الأعلى للآثار بأعمال المسح والتسجيل والتنظيف لمجموعات آثار الميناء الشرقية وبصفة خاصة منطقة القلعة بينما تقوم البعثة المشتركة من المجلس الأعلى للآثار والمعهد الفرنسي للآثار الغارقة بمنطقة الحي الملكي وجزيرة أنتيرودس الغارقة بالميناء الشرقي وبالآثار الغارقة في خليج أبي قير.

            ومجمل القول إن مدينة الإسكندرية قد أخذت تبوح بأسرارها التي كانت قد وارتها في البحر عمداً أو قسراً ولا زالت تنكشف أمامنا هذه الأسرار يوماً بعد يوم وفي أقصى الشرق في خليج أبي قير أبت الأقدار إلا أن تهبنا واحدة من أعظم الاكتشافات الأثرية في تاريخ علم الآثار بصفة عامة والآثار الغارقة بصفة خاصة فقد استطاع الأثريون تحديد مواقع ثلاث مدن مصرية غارقة هي مدن كانوب ومينوثيس وهيراكليوم و ورد ذكر مدينة كانوب في المصادر الكلاسيكية عند أميلينوس أنها تقع عند الفرع الكانوبي عند المصب وكانت تتمتع بكونها مركزاً تجارياً وممر الدخول والخروج الملاحي من وإلى مصر ويبدو أنها أصابت مركزاً مرموقاً وأنها كانت تسبق مدينة الإسكندرية تاريخياً إذ يرجع تاريخها إلى العصر الفرعوني بما يؤكد أهميتها التاريخية والاقتصادية والأثرية ومدينة هيراكليوم تقع بالقرب من مدينة كانوب يبدو أنها كانت على الجانب المقابل من الفرع الكانوبي وكانت ميناء ً تجارياً هاماً قبل تأسيس مدينة الإسكندرية وأنها كانت محطة بحرية أساسية في تجارة مصر مع بلاد اليونان في العصور المبكرة.

            التنقيب عن الآثار ( الحفائر) وسيلة وليس غاية من الأفضل ألا نغفل تعريف الآثار الذي يقول إنه علم دراسة القديم ومن الأجدى دائماً أن نفرق بين علم الآثار والآثار إذ إن تعريف الأثر بكل ما خلفه الإنسان من قبيح وجميل في مكان ما خلال زمان ما يجعل التعريف الأعم لعلم دراسة الآثار بالعلم الذي يبحث فيما خلفه لنا الإنسان بصفة عامة أينما حل واستقر وترك دليلاً على وجوده مهما كان هذا الدليل بسيطاً ، أي إن الهدف المرتجى من عملية التنقيب عن الآثار هو في واقع الأمر كشف النقاب عن الحضارات الغابرة وينبغي أن نغير المفهوم الخاطئ بأن الآثار كنوز وثروات مادية فقيمتها ليست في المعادن أو الأحجار النفيسة بل هي في الواقع قيمة أدبية حضارية في المقام الأول ومن هنا يمكننا أن القول أن معول الأثري ليس للتنقيب عن كنوز مدفونة بين الأنقاض بل هو وسيلة المعرفة الحقيقية للكشف عن إسهامات الإنسان في صرح الحضارة البشرية سواء أكانت من الذهب أو الطين والعظام أو بقايا الإنسان أو الحيوان .

            مجمل القول إن التنقيب هو وسيلة علم الآثار الأساسية في المعرفة ،وأن ما تكشف عنه الحفائر هو المادة الخام التي يستمد علماء الأثريين منها الجديد من المعلومات في تطور تاريخ البشرية وآدابها وفنونها لذا فإن الهدف الأساسي لعملية التنقيب هو الكشف عن الغث والثمين ، فالاكتشافات الأثرية الثمينة مثل مجموعة توت عنخ آمون المحفوظة حالياً في المتحف المصري بالقاهرة ومدينة بومبيي بكامل عمارتها وآثارها وغيرها من المباني الضخمة في مختلف أنحاء العالم لها مدلولها وقيمتها بقد الجهد الذي بذله الإنسان في تشكيلها وأن المواد التي استخدمتها ليست سوى درجة من درجات الرقى والرخاء الاجتماعي والاقتصادي أي إن الآثار نتاج معادلة عناصر المادة والقيمة إذا صح هذا التعبير.

            بالإضافة إلى الجانب الفني للأثر فهو يمثل العقيدة التي آمن بها صاحبها وتحدد بوضوح علاقة الإنسان بالبيئة التي يعيش فيها والمكان والمجتمع بل الحضارات المجاورة ، وأسوق مثالاً على هذا ما كشفت عنه أعمال التنقيب الحالية في الواحة البحرية بالصحراء الغربية عن أعداد كبيرة من المومياوات المموهة بالذهب والمحلاة بصدريات صنعت بدقة بالغة تدل على انتشار عقيدة الإيمان بالبعث بعد الموت حتى في العصر الروماني واستمرار العقيدة المصرية والتي اجتذبت إليها الأجانب والإغريق والرومان ، كما تبين لنا أهمية المواقع ذاته في العصرين اليوناني والروماني وازدهاره ، كما أن عملية انتشال الآثار الغارقة بالميناء الشرقي بالإسكندرية وأبي قير لها مدلولها الخاص للأثريين في فهم التطورات التي لحقت بطبوغرافية الإسكندرية عبر العصور كما تميط اللثام عن مدينة كانوب شرقي الإسكندرية وآثارها ومعابدها وفي نفس الوقت إن النشاط العلمي في كلا من الموقعين له هدف آخر غير الدراسات الطبوغرافية وهو إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الآثار الغارقة وتحديد موقعها بدقة للإفادة منها سياحياً بعد دراستها رغم تلك العوامل الطبيعية الصعبة.

            إذا كان التنقيب هو الوسيلة الأساسية لعلماء الآثار في معرفة أخبار الماضي وفك طلاسمه فإن عملية تسجيل مراحل التنقيب تسجيلاً علمياً دقيقاً هي الأهم في جوهر عملية التنقيب ذاتها ، فالتنقيب يشمل جمع وفحص ودراسة كل ما خلفه الإنسان وقراءة هذه المخلفات قراءة صحيحة تتيح لنا تفسيرها تفسيراً علمياً دقيقاً في محاولة للإجابة على التساؤلات التي يضعها المنقب كهدف لعملية التنقيب وذلك في ضوء ما تسفر عنه عملية التنقيب وواقع الأمر أنه كلما ازدادت خبرة المنقب كلما كانت تفسيراته أكثر دقة ، ولكن الخبرة ليست العامل الوحيد المطلوب في المنقب بل لابد أن يكون دقيق الملاحظة سريع البديهة له عقلية تحليلية استنباطية منطقي التفكير واسع الثقافة والمدارك ملم باللغات إذا وضعنا في الاعتبار أنه يتعامل مع آثار عمرها الزمني قد يتجاوز ألاف السنوات فهو بمثابة الطبيب الذي يتعامل مع كهل أصابته أمراض الشيخوخة أو مع مسن يمكن أن يكون مريضاً أو يكون سليماً ، وهو ما يعتبر غيبا بالنسبة له لذا فلزاماً عليه أن يتسلح بالحذر والحيطة والعلم ليتابع كل ما يظهر بين الرديم وخلال الطبقات المختلفة ويسجله تسجيلاً دقيقاً.

            إن طبيعة عمل المنقب تطلب منه أن يغور في أعماق الطبقات في مواقع مختلفة سواء من العصور التاريخية أو من عصور ما قبل التاريخ أو ما قبل معرفة الكتابة ، ومن هنا فإن عليه مسئولية كبيرة في كتابة تاريخ الحضارة الإنسانية في حياد تام يعتمد فيها على المنهج العلمي ،وتبرز أهمية عملية التنقيب وتفسيرها الصحيح من خلال تجرد الأثري من هواه ونزعته القومية أو تعصبه لحضارة دون سواها ، بل يتعدى الأمر إلى ضرورة تيقنه من صحة كل ما وصله من وثائق حتى وإن كانت تحمل نقشاً أو كتابة وليس أدل على غير محاولات الملك رمسيس الثاني في كتابة اسمه على المعابد والتماثيل لينسبها لنفسه، وتلك المحاولات التي قام بها تحتمس الثالث لطمس اسم حتشبسوت من على جدران المعابد وهذا يتطلب دراية ودقة ملاحظة للتحقق من صحة الوثيقة التي توصل غليها المنقب.

            عوامل اختفاء الحضارات وكيف تتكون المواقع الآثرية :

            على المنقب أن يكون ملماً بطبيعة الأرض التي يعمل بها وأن تكون لديه المعلومات التاريخية عن الموقع ومتفهما للعوامل التي أدت إلى اختفائه واندثاره ، هناك عوامل طبيعية أخرى بشرية تؤدي إلى اختفاء المباني والمواقع وقد يجتمع أكثر من عامل معاً في اختفاء مدينة بأسرها وقد يختفي الموقع فجأة أو على مراحل متدرجة وذلك طبقاً للسبب الرئيسي في اختفاء الموقع ويمكن حصر عوامل اختفاء الحضارات المختلفة في نوعين من العوامل الأول منهما العوامل الطبيعية والثاني العوامل البشرية.

            أولاً: العوامل الطبيعية:

            أ – الزلازل والبراكين :

            تأتي الزلازل والبراكين على رأس العوامل التي تؤدي إلى اختفاء المدن والمباني وبالتالي إلى تكون المواقع الأثرية فمن المعروف أن الزلازل والبراكين تحدث نتيجة للحركة الظاهرية في القشرة الأرضية، إذ إنه نتيجة للغليان والانصهار داخل باطن الأرض تضغط الغازات على القشرة الأرضية فتنفذ من أضعف أجزاء القشرة الأرضية فتنتشر الغازات السامة ثم تتطاير الحمم البركانية وتغطي المواقع القريبة وأصدق نموذج على هذا عندما ثار بركان "فيزوف" القائم بالقرب من مدينة نابولي جنوبي إيطاليا عام 79م فغطى مدينتي بومبيي وهيركولانيوم بالكامل وطمرهما بعد أن أودى بحياة سكانهما بعد أن ظل يضربهما بوابل من الحمم ثمانية أيام متواصلة ،غطت جميع مبانيهما بالكامل ثم سالت عليهما سيول من الطفلة البركانية الممزوجة بالرماد وارتفعت المياه الجوفية على أرضهما حتى نبت عليهما العشب لتبدوان وكأنهما في الوجود أصلاً. أما الزلازل فهي أكثر عنفاً ودماراً للمدن إذا كانت قوتها تزيد عن ست درجات بمقياس ريختر إذ تكون الهزة عنيفة فتتصدع المباني وتتهاوى وغالباً ما تغطي الأنقاض الأحياء من البشر وتكون نهايتها المحتومة بين الأنقاض ، ولعل ما شاهده الجيل الحالي من أبناء مصر وتركيا وإيران من التأثير العنيف للزلزال وما تحدثه من دمار لهو خير برهان على ما يحيق بالمدن من دمار ماحق، فعندما ضرب الزلزال أرض مصر عام 1992متأثر وتصدع وتهاوى العديد من المنازل وتصدعت الكثير من المباني خاصة القديم منها وليس أدل على ذلك من أن أكثر من156 أثراً تأثرت وتصدعت من جراء هذا الزلزال عندما ضرب الزلزال في تركيا في نهاية عام 1999م .

            ورغم تكنولوجيا الإنقاذ المتقدمة ومساعدات الكثير من الدول إلا أن كثيراً من المباني لحق بها الدمار ومات الآلاف من البشر ومن هنا يمكننا أن نتخيل حجم الضرر الذي كان يلحقه زلزال قوته ست درجات بمقياس ريختر في العصر القديم ، ويمكننا أن نستدل عليه من خلال التصدعات المؤثرة على مجموعة المباني الرومانية والبيزنطية بمنطقة كوم الدكة بالإسكندرية حيث إن التصدعات الموجودة بالجدران السميكة في مباني الصهاريج وخزانات المياه والحمامات والمدرج نفسه توحي بقوة ذلك الزلزال المدمر الذي ضرب الإسكندرية في عام 535م كما نسمع أن زلزالا آخر ضرب المدينة في القرن الحادي عشر كان له تأثيره المدمر على فنار الإسكندرية القيمة وأن زلزال القرن الرابع عشر قد أتى على البقية الباقية منه.

            ب - طغيان وانحسار البحر:

            قد تحدث تغيرات ظاهرية في القشرة الأرضية ينتج عنها انخفاض في مستوى أراضي السهول الساحلية مما يؤدي إلى طغيان مياه البحر على المباني القائمة على الساحل أو القريبة منه، ويظهر هذا بوضوح في منطقة الميناء الشرقي بالإسكندرية إذ تختفي تحت مياه البحر جزيرة أنتيرودس ومباني الحي الملكي وأجزاء من رأس لوخياس وموانئ الإسكندرية القديمة التي أسسها الفراعنة عند جزيرة فاروس كما اختلفت جزيرة الماس التي كانت قائمة عند مدخل الميناء الشرقي والتي تحدث عنها سترابون ، كما تختفي معابد ومباني مدينة كانوب تحت مياه خليج أبي قير.

            وقد يحدث أن يثور البحر ويهيج وترتفع أمواجه وتشتد بفعل الأعاصير أو البراكين أو الزلازل ويرتفع منسوب مياه البحر فيغطي الجزر وبعض السواحل بما عليها من مباني وفي ثورته غالباً ما يبتلع السفن بحمولتها ومثال ذلك ما حدث لجزيزة "ثيرا" اليونانية ومدينة أغادير المغربية وعندما ابتلع البحر تمثال زيوس الذي كان واقفاً عند مدخل جزيرة رودس إن التغيرات التي تحدث بالبحار من الممكن أن تحدث أيضاً في البحيرات فقد يرتفع منسوب مياه البحيرة عاما بعد عام فيغطي الأجزاء القريبة منها أو الأرصفة التي بنيت عليها مثال ذلك ما حدث في بحيرة مريوط ثم مع انخفاض منسوبها ظهرت ألسنة ممتدة في البحيرة في منطقة كوم الطوال التي تقع بها مدينة ماريا التي كشف عنها غربي الإسكندرية وترجع للعصر البيزنطي.

            ج - فيضان الأنهار وتغير مجراها:

            لما كانت المياه مصدر الحياة الدائم لذا أقيمت المدن على ضفاف الأنهار أو بالقرب منها مما كان له من السلبيات أيضاً عليها فإذا ما فاض النهر غمرت مياهه الأراضي القريبة منه ومبانيها مثلما كان يحدث عندما كان نهر النيل يفيض في فصل الصيف وتغمر مياهه المدن الواقعة على ضفته الشرقية قبل بناء السد العالي فكانت المعابد تغطيها المياه وعند انحساره يتم تطهيره ذلك لأن المعابد كانت تبنى من الحجر القوي الذي يتيح له مقاومة عوادي النهر ، مثال ذلك ما كانت تتعرض له معابد فيلة قبل نقلها وبناء السد العالي، وهناك العديد من النصوص الهيروغليفية التي يذكر فيها الملك أنه أسهم في تطهير بيت الإله عقب الفيضان.

            كما يحدث أن يتغير مجرى النهر أو أن يجف النهر فيهجر السكان مدنهم ليسودها الخراب بعد الرواج ، مثال ذلك ما حدث لمدينة أور العراقية عندما أخذ النهر يرسب طبقات من الطمي تدريجياً وابتعد مساره عنها ففقدت المدينة أهميتها التي استمدتها من موقعها ، كما تؤكد الدراسات الجغرافية أن نهر النيل كان يمر في الصحراء الغربية ثم تغير مساره إلى المسار الحالي مما يعني أن كل مظاهر الحياة انتقلت إلى الوادي الحالي.

            د - العواصف والأعاصير والرياح:

            في المناطق الصحراوية والمناطق الجافة تهب رياح موسمية جافة محملة بالرمال مثل رياح الخماسين التي تهب على مصر ورياح الطوز التي تهب على الكويت ورياح الهبوب التي تهب على السودان ، وتحمل هذه الرمال لترسبها على الجدران عند اصطدامها بها أو عندما تضعف قوتها ولك أن تتخيل ما يمكن أن تؤدي إليه العواصف الرملية إذا علمت أن تمثال أبي الهول الشهير كان مختفياً بكامله تحت الرمال في القرن الخامس ق.م ما إن الطريق الواصل بين معبدي الأقصر والكرنك والتي تزينه تماثيل أبي الهول كان أيضاً مختفياً أيضاً تحت الرمال وأن الجيش الذي أرسله قمبيز الفارسي لتدمير معابد آمون بالصحراء الغربية دمرته عاصفة رملية بكامل قوته وعتاده ولا زال دفيناً إلى اليوم بين الرمال في انتظار الكشف عنه.

            هـ - الأوبئة والمجاعات:

            إن ما يحدث عقب مواسم الجفاف المتتالية يؤدي إلى انتشار المجاعات وتفشي الأمراض والأوبئة، كما تسبب العوامل الطبيعية التي سبق ذكرها انتشار الأمراض والمجاعات خاصة إذا ما اشتعلت المخازن أو دمرت المواني وانقطع وصول العون "الإمداد" فيكون على السكان هجر مدنهم بحثاً عن العيش ووسائل الحياة إذا ما انتشر وباء وتفشت مجاعة فإن الحياة تنقضي ليحل الموت محلها وسرعان ما يؤدي الزمن فعلته بعواديه فيصيب الإهمال المباني وتتصدع وتتهاوى وتتعرض لعوامل الطبيعة المختلفة فتتوارى تحت الترسيبات الرملية أو تتساقط عليها الأمطار فتتماسك التربة فوقها وهنا إن كان هناك بذور بين الرديم سرعان ما تنمو النباتات والحشائش وتتوارى للأبد حتى يتم الكشف عنها.

            ثانياً : العوامل البشرية :

            تكون العوامل الطبيعية سبباً مباشراً في اختفاء المواقع والمباني وتكون المواقع الأثرية حينما تجبر السكان على هجر مدنهم وقد يكون العمل الاقتصادي وتدهور الأحوال الاقتصادية سبباً في أفول نجم مدينة وأحياناً اندثارها ، مثال ذلك ما حدث لمدينة الإسكندرية في عهد السلطان يوسف صلاح الدين عندما خشى وزيره قراجا من التهديد العثماني بغزو الإسكندرية بحريا فجمع كل الأعمدة الضخمة من منطقة عمود السواري وألقى بها في الميناء الشرقية المنفذ البحري الوحيد للمدينة منذ تأسيسها فخرب الميناء وبار الاقتصاد وتدهورت أحوال الناس وضاق بهم العيش فهجروها إلى رشيد التي شهدت طفرة اقتصادية إلى أن جاء محمد علي باشا وأعاد تخطيط الإسكندرية ووفر لها الميناء الغربي فعادت إليها الحياة مرة أخرى.

            1 – الحروب :

            يعرف العسكريون جيداً أن الحرب تعني الدمار ومن هنا كانت الحروب من العوامل المؤثرة في اختفاء المدن والمواقع التس تشهد حروباً ويحيق بها الدمار ،ومثال ما حدث لمدينة طروادة عندما أشعل الهلينيون فيها النيران فهرب سكانها باحثين عن مأوى لهم أو مثلما فعل الرومان في مدينة قرطاجنة التونسية حينما دمروها وأتوا على الأخضر واليابس ونكلوا بأهلها وسبوا نساءهم وقتلوا رجالها وقد يحاول الآهلون حماية كنوزهم وثرواتهم من النهب أثناء الحروب فكانوا يتعمدون إخفاءها بدفنها في المناطق المقدسة بمدينتهم مثلما فعل الأثينيون بتماثيل آلهتهم ودفنوا في أكروبول أثينا عندما غزا الفرس أراضيهم في بدايات القرن الخامس وظل الكثير منها دفيناً حتى العثور عليها في مكانها حديثاً .

            2 - السكنى والتطور العمراني :

            مثلما كانت الحروب والدمار سببا في اختفاء المدن والمواقع الأثرية كان النشاك العمراني والسكاني المستمر سبباً في اختفاء المباني القديمة ، فعلى سبيل المثال ما حدث عند تخطيط الإسكندرية الحديثة في عهد محمد علي باشا فأعاد استخدام الأحجار الموجودة في المباني القديمة الأثرية منها والتي سبقته كما أنه عند حفر ترعة المحمودية نقل الرديم الناتج عن الحفر إلى عدة مواقع نتج عنها تلال داخل المدينة مثل تل كوم الدكة وتل كوم وعله وانتفى ما تحتهما من آثار كما أن إعادة استخدام المواد المختلفة من المباني القديمة التي تصدعت مثل الأعمدة الرخامية والطوب الآجر والحجر الجيري توفيراً للنفقات وتكاليف المباني من العوامل التي اسهمت في اختفاء مباني من الوجود وإن بقيت أساسياتها .

            وقد يكون عدم وفرة الأراضي داخل المدينة إذا تعذر امتدادها العمراني الطبيعي سبباً آخر في البناء فوق المباني الأقدم ، مثال ذلك مدينة الإسكندرية التي كانت تنحصر بين البحر شمالا وبحيرة مريوط جنوباً ، والجبانتين شرقا وغربا فكان لزاما أن تظل البقعة المسكونة ثابتة ، فإذا ما فكر أحد في بناء منزل فوق بقايا المنزل القديم كان يعمل على تسوية ما بقي من المبني القديم وحجرات الطابق السفلى وترميمها لإقامة المبنى الجديد مثال ذلك مجموعة المنازل السكنية الموجودة في كوم الدكة بالإسكندرية من العصر البيزنطي والتي تقوم على أنقاض المنازل الرومانية والتي كشفت البعثة البولندية عن أرضياتها المكسوة بالفسيفساء كما أن مداخل الورش الصناعية التي كانت تطل على شارع R4 تم تعليتها ثلاث مرات آخرها في العصر البيزنطي .

            ولما كانت المناطق المقدسة تتوسط مراكز المدن وتظل مستخدمة على مدى العصور فإذا ما تهدم معبد أعيد بناء معبد مكانه بنفس المواد تقريباً إذا تيسر ذلك مثال ذلك معبد البارثنون ومعابد قوريني في لبدة بليبيا وغيرها.

            التربة والطبقات الأثرية :

            يعرف هذا النوع من الدراسة اصطلاحاً بعلم دراسة الطبقاتStratigraphy ، ولكي ندرك مغزى هذه الدراسة يجب أن نتفهم كيف تتكون الطبقات الأثرية والفارق بينها وبين الطبقات الجيولوجية وذلك للتمييز بين الطبقات المختلفة.

            طبقات التربة :

            إن مجموعة العوامل الطبيعية والبشرية التي جاء ذكرها في الفصل السابق هي التي تكون الطبقات في المواقع الأثرية وفحص ومراقبة هذه الطبقات بدقة وعناية شرط أساسي لنجاح عملية التنقيب إذ أنها عملية تقوم على الهدم وتغير الواقع من هنا يجب على المنقب متابعة التغيير الذي يحدث أثناء الحفر وتغير شكل خط الطبقة وجمع كافة اللقى والمخلفات التي يصادفها لأنها بمثابة السجل التاريخي لهذه الطبقة أو تلك ، وبهذا يمكن للمنقب أن يحدد بشكل دقيق المظاهر المختلفة لكل حضارة أو العصور التي تنتمي إليها الطبقات خاصة إذا ما أدرك الأسباب الحقيقية وراء تكون هذه الطبقات خاصة إذا كانت هناك خلفية تاريخية أو حدث معين تسبب في تكوينها.

            إن مجموعة الأسباب الطبيعية والبشرية التي تؤدي لاختفاء المدن والمباني هي ذاتها أسباب تكون الطبقات إذ إنه عقب هجر السكان للمكان تطوله عوادي الزمن فتترسب الرمال والأتربة التي تحملها الرياح أو يطوله فيضان ويرسب عليه طبقات من الطمي أو ربما يصبح ملازاً للحيوانات والوحوش أو مرمى للمخلفات فتتكون الطبقات وإذا ما هبط المطر وداسته الأقدام تماسكت الطبقات أو غير ذلك من الأسباب التي ورد ذكرها.

            إن أهمية دراسة الطبقات في مناطق الحفائر والتنقيب تنبع من الأهمية التاريخية للموقع وتعتبر الوسيلة الأساسية في تأريخ المكتشفات على وجه الدقة إن أمكن ، أو التقريب وتحديد العلاقة بين الحضارات البشرية بشكل دقيق لمتابعة تطورها بشكل دقيق لذا فمن الواجب على المنقب تسجيل هذه الطبقات تسجيلاً دقيقاً لأنها تعتبر مقدمات ومعطيات تؤدي إلى النتائج. ما من شك في أن المواد المؤرخة في الطبقات تعتبر سجلاً موثقاً لتتبع الطبقات وأن الدراسة المتأنية لهذه المواد تؤكد أن تراكم الطبقات رأسيا يجعل الأقدم أسفل الأحدث أي إن أحدث الطبقات لا تكون مستوية ولا متساوية بل قد تتعرض الطبقات لعوامل طبيعية مثل جرف الأمطار لها من مكان وترسيبها في مكان آخر أو تمتد إليها يد الناس ليحفروا فيها لدفن شيئا أو تثبيت شيئا وربما لتمهيد طريق أو لخفض مستواها لأهداف معمارية لذا على المنقب أن يتابع بدقة خصائص ومخلفات كل طبقة ومتابعة التغيرات الظاهرية التي تطرأ عليها أثناء الحفر.

            إن هذه العوامل تجعل من العسير وضع قانون ثابت للطبقات فهي متغيرة من مكان لآخر طبقاً للتطورات والأحداث التي شهدتها فمثلا إن المباني البطلمية في مدينة الإسكندرية تقع على عمق يزيد على ثلاثة عشر متراً بينما وفي أوروبا مستوى الأرضيات الرومانية على عمق عشرين قدما من مستوى الشوارع في لندن وبين الطبقات الحديثة والمباني القديمة طبقات لعصور لاحقة. التمييز بين الطبقات ليس المهمة الوحيدة للمنقب بل إن تفسيره لها يأتي على نفس القدر من الأهمية في ضوء قراءته الدقيقة لها إذ لا بد من وضع تساؤلات تهدف للتفسير الصحيح من خلال الإجابة عليها مثل العمر الزمني للطبقة وكيفية تراكمها خاصة إذا ما كانت هناك عوامل بشرية واضحة مثل نقل الرديم من مكان لآخر.
            قراءة الطبقات تستلزم عمل قطاع لها في جوانب المربع الذي تجري به الحفائر لتوضيح الفارق بين العوامل المختلفة في تكوين الطبقات لتيسير الأمر يمكننا القول بأن الطبقات لا تلتحم عند أطرافها إلا إذا كانت المسببات من العوامل البشرية وهنا يمكننا التمييز بين الطبقات الطبيعية في الموقع وغيرها. ومن اللازم أن يتنبه المنقب للفارق بين البقع الطبقية Loci التي تصادف والطبقات Strata إن البقع التي تعترض طريق المنقب قد تكون ناتجة عن رماد حريق أو تحلل مواد عضوية ولكنها تكون محدودة في المساحة والعمق أما إذا استمر لون البقعة لمساحة واسعة لتشمل أو تنتشر في عدد من الحجرات مثلا فهي تصبح طبقة Strata، لذا فمن الأصوب للمنقب ألا يستخدم لفظ طبقة إلا بعد انتهاء عملية التنقيب وتحديد الطبقات والبقع الطبقية بدقة شديدة.

            على المنقب أن يدرك جيداً العصور التي مر بها المبنى أو الموقع من خلال مواد وطرق البناء ومن الطبقات التي يتكون منها مع الوضع في الاعتبار المؤثرات والعوامل الطبيعية التي قد تكون غيرت منها أو من ترتيبها وتكوينها وألا نهمل المخلفات واللقى التي تضمنها طل طبقة لأنها وسيلتنا في التأريخ وتقدير العمر الزمني للطبقة والمبنى والموقع والمراحل الحضارية التي مر بها.

            أنواع طبقات التربة :

            تتباين تركيبات ومكونات الطبقات حسب الموقع ونوع الترسيبات ويمكننا أن نفرق بين الأنواع المختلفة للمواد المكونة لهذه الطبقات بالعين المجردة من خلال اللون والملمس والشكل وأهم أنواع هذه الطبقات:

            1 - التربة والطبقات الرملية :

            لما كانت الرمال التي تتقاذفها الرياح أحد أهم العوامل في تكوين الطبقات كما سبق وبينت فهي تعتبر من أكثر أنواع التربة شيوعاً خاصة في المناطق الصحراوية أو القريبة منها، ويعتبر الحفر في هذا النوع من التربة من أصعب التقنيات وذلك لعدم تماسك التربة وسهولة انهيارها الدائم مما يحتم استخدام ألواح خشبية لتدعيم جوانب المجس أثناء الحفر وإذا ما تعذر ذلك فلابد من أن تكون الجوانب مائلة نحو الداخل بزاوية مقدارها 45درجة وعدم حفر مجسات أو خنادق عميقة.

            المعروف أن الرمال عنصر نشيط التفاعل مع المواد العضوية خاصة في المناطق الساحلية أو القريبة منها إذ غالباً ما تتآكل هذه المواد وتصبح مجرد عروق رملية بلون مخالف للون الرمال لذا فإن انسب طريقة للتنقيب في التربية الرملية هي رفع الرمال أفقيا حتى يتسنى لنا تحديد موقع المخلفات.

            2 - التربة والطبقات الطينية :

            لما كانت الحضارات تقوم على ضفاف الأنهار وفي وديانها فإن المباني والمواقع الأثرية غالباً ما توجد في التربة الغرينية وتعتبر الحفائر في هذه التربة من أصعب أنواع الحفائر خاصة تلك التي تضم مباني مكن الطوب الني الذي غالبا ما تتحلل حوافه بفعل عوامل التعرية من مطر وحرارة خاصة في دلتا مصر ، لذا فإن العمل في هذه التربة يتطلب وقتا مناسبا من العام وأنسب الأوقات هو فصلي الربيع والخريف ولا يصلح الشتاء أبدا للحفر كما يستلزم الحفر بدء العمل مبكراً عقب الفجر مباشرة حيث إن ابتلال الأرض بالندى يحدث تباين بين الطوب اللبن والرديم هنا يمكننا أن نحدد امتداد الجدران من على سطح التربة قبل أن يجف الندى ويفضل أن يرش الموقع بقطرات المياه من حين لآخر أثناء العمل حتى لا ندمر المباني اللبنية وقد انتهجنا هذا الأسلوب في حفائر الطلية بتل الفراعين "بوتو".

            3 - الطبقات الجيرية :

            يمكن تمييز التربة الجيرية من مكوناتها التي تشبه الطباشير في مكوناتها غير أنها غالباً ما توجد مختلطة بالرمال ذلك لأن الحجر الجيري يتكون من الرحل والجير بنسبة 2/1وبخار ماء فإذا ما تبخر الماء يبقى الجير والرمل بنفس نسبتهما في الطبيعة والجير إذا ما وجد بالقرب من السطح ولم يكن هشاً خاصة إذا لم يكن مخلوطاً بالرمال أما إذا كان مخلوطاً بالرمال ووصلت الرطوبة فيبدو وكأنه أحجار من أو أرضيات مما يحير المنقب لذا عليه أن يحتاط ويتابع عمله بانتزام ختى يتسنى له قراءة هذه الطبقة القراءة الصحيحة ويتخذ قراراً بشأنها خاصة وأنها قد تظهر أكثر من مرة في المجس الواحد.

            4 -الطبقات والتربة الحصوية :

            تظهر هذه الطبقات عقب بدء التنقيب وهي سهلة التمييز لأنها تتكون من الحصى والزلط وتوجد على هيئة شريط متجانس قد تخللها بعض الحفر من فعل الإنسان أو نتيجة لتحلل الجيوب تسمح بنمو الحشائش والنباتات فتظهر كاملة في الصور الجوية.

            5 - التربة والطبقات الطباشيرية :

            هناك نوعان من التربة الطباشيرية الأول ما يعرف بالتربة الطبيعية وأهم ما مميزاتها أنها توجد مشققة بفوالق على شكل خطوط والثاني التربة الطباشيرية الصناعية وهي تلك التي يستخدم فيها مسحوق الطباشير النقي مخلوط بالماء وتستخدم في أرضيات المباني. الطباشير الذي يتخلل الرديم غالباً ما يكون هشاً لذا يجب التعامل معه بدقة والتأكد من كونه طبقة أرضية أم مخلفات تخلل الردم وهو من المواد القلوية التي تحافظ على الكالسيوم مثل العظام والأصداف ويحافظ على المعادن والكهرمان الأسود.

            آليات عملية التنقيب:

            تقوم عملية التنقيب على جانب علمي وآخر مادي وقوام الجانبين هو العنصر البشري مهما تطورت الوسائل التقنية في تحديد المواقع الأثرية وتسجيلها ، لذا فإن المنقب عن الآثار يجب أن يكون على دراية جيدة بمهمته مسلحا بالعلم والخبرة والثقافة ليستطيع أن يتحمل أعباء العمل الذي لا يقبل الخطأ.

            يجب ألا يسمح بالتنقيب إلا لمن كانت له الخبرة السابقة في أعمال الحفائر كعضو ضمن البعثات بما يضمن اكتسابه للخبرة والارتقاء بمهارته العلمية وفي واقع إن هذا الحديث لا ينطبق على المنقب دارس الآثار فقط بل يمتد ليشمل كل أعضاء الفريق الأثري من عمال وفنييين ومرممين وأثريين وإداريين .

            فالعمل الناجح يستلزم فريق متكامل مدرب تدريبا جيدا غالبا ما ينظم القانون شروط الحصول على تصاريح بالتنقيب لما لهذه العملية من أهمية في الكشف عن التراث القومي وإضافة الجديد دائما للثقافة والمعرفة عن الحضارات البشرية على مر العصور .

            لذا جاءت القوانين في كل دول العالم التي قامت بها حضارات قديمة لتضع الإطار القويم لتنظيم تلك العملية والسماح فقط للعلماء المتخصصين بالقيام بعمليات التنقيب ذوي السمعة الطيبة والثقافة الواسعة وأصحاب التاريخ العلمي .

            ولما كانت عملية التنقيب لا تقتصر على العمل الميداني فقط بل تمتد للعمل المكتبي والمعملي والتعامل مع العمال والفنيين لذا هناك سمات محددة يجب أن تتحلى بها شخصية المنقب ألا وهي أن يكون من الأشخاص الأذكياء اجتماعيا له من الجاذبية والقبول ما يجعله يكتسب ثقة ومحبة الآخرين يعرف فكيف يخاطب الناس على قدر عقولهم بشوشا وحازما وأن يكون أمينا ومثقفا وواعيا ومدركا لطبيعة عمله التي لا تنتهي بانتهاء عملية التنقيب بل هي في الواقع تبدأ عقب انتهاء موسم الحفائر فدراسة نتائجه وتحليلها ونشرها وإعداد التقارير هي امتداد لطبيعة عمله لذا يجب أن يكون دؤوبا له عقلية تحليلية والأهم من هذا كله ألا يكون متعصبا لتخصصه فيهمل التخصصات الأخرى فمن غير المعقول أن يقوم عالم الآثار مصرية بالتنقيب في موقع فرعوني فيدمر الطبقات والآثار الإسلامية والرومانية واليونانية التي تقابله في الطبقات الأعلى فهذا يعتبر تدميرا للتاريخ .

            إن العمل المتميز الذي يؤديه المنقب يتطلب مرونة وسعة أفق وتفكير بناء ودقة متناهية وقوة ملاحظة وسرعة بديهة مع الإدراك والوعي الكاملان واليقظة التامة أثناء والمتابعة الدقيقة للعمل مع التفكير الورى في حل المشكلات التي تواجه سير العمل واستمراره ، كما يتطلب العمل الحياد العلمي والتسجيل الفوري لمراحل العمل والاكتشافات مع الحرص الشديد على نظافة الموقع والنظام في العمل أساس نجاحه كما يجب أن يتسم بروح القيادة والشخصية القيادية وحسن التصرف وهي من سمات الإداري الناجح .

            وواقع الأمر أن يقول إن علم الآثار لايدرس تاريخ الفن فقط بل يدرس النشاط الإنساني بصفة عامة لذا كانت ثقافة المنقب الأثري لابد أن تشمل جوانب المعرفة المختلفة خاصة في علوم التاريخ والجغرافيا والأنثروبولوجيا والجيولوجيا والإثنولوجي (علم دراسة الأديان ) وجانبا من الفكر والفلسفة القديمة بل ولابد أن يكون ملما باللغات وبفروع علم الآثار المختلفة فإذا كان متخصصا في المصريات يجب أن يعرف عن الشرق الأدنى وعلم الآثار الكلاسيكي خاصة تلك الحضارات التي أثرت وتأثرت بصر والعكس أيضا صحيح هذا فضلا عن أن يكون ملما بعلم التشريح الإنساني وأنواع التربة ومميزاتها وخصائصها ومعرفته بأنواع النباتات ومناطق ومواسم نموها ولابد من إلمامه باللغات القديمة .

            كما إن الثقافة الحرفية والصناعات اليدوية والتقنيات القديمة والأعراف والتقاليد الاجتماعية لابد أن تكون من بين اهتمامات المنقب لأن هذه الثقافات تتيح له فهم وتفسير المكتشفات المختلفة مهما كانت بدائية أي الذكاء والمعرفة الواسعة أحد أهم السمات التي يجب أن يتحلى المنقب .

            كما إن سعة الأفق والتصور المتوقع لطبيعة المبنى الذي ينقب عنه وصدق الحس من الصفات التي يجب أن يتحلى بها المنقب كأن يتوقع مكان مدخل المبنى أو امتداده واتجاهه إلى جانب ذلك تلك السمات هناك مهارات خاصة لابد أن يتعلمها الأثري وهي في الواقع تتعلق بعلوم أخرى مثل التصوير الفوتوغرافي واستخدام كاميرات الفيديو والحاسب الآلي وعلى دراية بالبرامج التي تخدم مجالات عمله ، كما يجب أن يعرف قراءة الخرائط بأنواعها والمخططات المعمارية ، وأن يكون ملما بأساسيات علوم الترميم المعمارية والدقيقة .

            أما أهم المهارات فهي الدراية الفائقة لكيفية استخدام أدوات وأجهزة التنقيب بالأسلوب الأمثل حتى يستطيع أن يدرب العمال أو يصحح أخطائهم ، ويجب ألا تفارقه أدواته الشخصية التي تتيح له متابعة العمل ويأتي على رأس تلك الأدوات مثل فرشاة صغيرة ومسطرين وكراسة اليومية أو مفكرة وقلم رصاص إلى جانب اللياقة الذهنية يجب يكون المنقب لائقا بدنيا وصحيا للقيام بمهمته مستعدا للممارسة اليدوية في أي لحظة يرتدي الملابس المناسبة للعمل ولا يتوانى عن الاعمال التي تمكنه من الجلوس على الأرض أو دخول دهليز ضيق أو استكشاف نفق ضيق أو يجثو بركبتيه ليتابع عمله خاصة إذا كانت بعض الاكتشافات تطلب مهارة خاصة لرفعها كأن يكون هناك تمثال مهشم أو عظاما هشة أو غير ذلك .

            مرحلة الإعداد للحفائر :

            تقوم عملية التنقيب على ركنين أساسيين : الركن الأول - بشري ويتضمن جميع أعضاء بعثة التنقيب من أثريين وفنيين ومرممين ومهندس ومشغلو حاسب آلي ومصورين ورسامين وإداريين وعمال وسيأتي التعريف بهم لاحقا .
            والركن الثانى - مادي ويعني تغطية التكاليف المادية من أجور وأجهزة وأدوات وآلات لكل العناصر البشرية فضلا عن أماكن إقامتهم ووسائل إعاشتهم أما الإعداد للحفائر فيبدأ قبل بدء الحفائر بوقت كاف للحصول على التصاريح اللازمة لإجراء الحفائر وطبقا لقانون حماية الآثار في مصر يتطلب الحصول على تصريح للحفر والتنقيب أن تقوم به جهة علمية معروفة تتقدم للجنة الدائمة بالمجلس الأعلى للآثار بطلب مصحوبا بخريطة موقعا عليها الموقع المراد الحفر فيه وتشكيل الأعضاء موضحا تخصص كل منهم ويمكن للأجانب الحصول على التراخيص إذا قدموا سيرة كل أعضاء البعثة العلمية الذاتية بالإضافة إلى تصاريح الأمن .

            كما يبدأ الإعداد العلمي قبل الشروع في إجراء الحفائر وذلك بتجميع كافة المعلومات عن الموقع المزمع الحفر فيه ومعاينة الموقع على الطبيعة ويفضل الحصول على صور جوية أو صور أقمار صناعية للموقع فضلا عن دراسة تاريخ البلد ولغة أهله – خاصة إذا كانت لغة أجنبية – كما يدرس جغرافية المكان وكل التقارير السابقة إذا كان قد سبق العمل فيه في هذا الموقع من قبل وقد يقوم بهذه المرحلة كافة أعضاء الفريق الذي يشارك في الحفائر أو يقوم رئيس البعثة منفردا ولكن الأفضل أن يشارك فيه أعضاء الفريق كل في تخصصه الدقيق

            . تشكيل بعثة التنقيب الأمثل : -

            1 - رئيس البعثة :

            يبدأ عمل رئيس البعثة قبل بدء الحفائر كما سبق وأشرت ، وواقع الأمر إن مهمة رئيس البعثة تبدأ من مرحلة الإعداد وتنهي بالنشر العلمي لنتائجه بل ومتابعة الدراسات التالية له . وهو الشخص الوحيد الذي تقع عليه مسؤولية الفشل أو ينسب إليه النجاح ، فهو غالبا الذي يقترح موقع الحفائر ويعد لعملية علميا ، ثم ينقي أعضاء البعثة ويناقش معهم الهدف من الحفائر ، وهو بلا شك لابد من توافر كافة السمات الشخصية للمنقب الأمثل فيه والتي تحدثت عنها سابقا . ويجب على رئيس البعثة التواجد المستمر في الموقع ومتابعة أعمال التنقيب وتسجيلها بدقة ، وإن كان هناك من أعضاء فريقه من يقوم بها فلابد أن يتأكد دائما من سلامة هذه العملية ويصحح الأخطاء أولاً بأول وعليه متابعة أعمال كافة معاونيه من رسامين ومصورين ومساحين بل ويتأكد من العينات التي تجمع من الموقع من اللقى الأثرية المختلفة وأهميتها التاريخية والتأريخية للطبقات . ولعل أهم المسؤوليات التي تقع على عاتقه هي اختيار معاونيه الذين يتوسم فيهم عناصر إنجاح للعمل ، ويتسمون بصفات شخصية تؤهلهم ليكونوا مكلين لعمله .

            كما إن مهمة اختيار العمال المهرة و الحفارون تقع على عاتقه ، ومن هناك يجب تكون لديه الفراسة في اختيار العمال رغم أن هناك بعض القرى تخصصت في العمال المهرة مثل فقط والفيوم ، إلا إنه يجب أن يتخير الأمين منهم وهو الأمر الذي يحتاج إلى فراسة . كما يجب أن تكون له شخصية قيادية تجمع بين الحزم والمرونة يعرف كيف يدير العمل بدون مشاكل .

            2 - نائب رئيس البعثة :

            إن نائب رئيس البعثة يضطلع بالمهام الإدارية من تحديد فئات الأجور ويوميات العمال وتكاليف الإعاشة وكل ما يتعلق بإقامة أفراد البعثة ، كما إن من مهامه الإشراف على المعامل والمسكن أو المخيم الخاص بأعضاء البعثة وصيانة وأعداد الآلات والأدوات والأجهزة والتأكد من صلاحيتها حتى لا يتعطل العمل .كما إنه ولابد من أن يجهز أدوية إسعاف أولية للكسور والحروق والجروح ، ويحدد أقرب مستشفى تحسبا للطواريء كما يجب أن يجهز سيارة ممونة بالموقع وياحبذا إن تيسر وجود هاتف نقال (Mobil محمول) لسهولة الاتصال بأقرب مستشفى متى توافرت هذه الخدمة .

            3 - الأثريون المتخصصون :

            يفضل أن تضم البعثات الكبيرة أساتذة متخصصون في مجالات علم الآثار المختلفة ، كأن يكون بينهم عالم اللغات القديمة والمتخصص في النحت وآخر في العمارة وهكذا في باقي التخصصات وإن لم يتيسر يفضل أن تضم فريقا من التخصصات العامة بحيث يكون بينهم متخصصا في علم الآثار الكلاسيكية وآخر في علم الآثار الإسلامية وذلك إذا كان الموقع متعدد العصور والطبقات .

            4 - الأثريون المساعدون :

            يقوم هؤلاء المساعدون بمتابعة أعمال التنقيب بتفصيلاتها الدقيقة وحركة كل معول بحيث يخصص مساعد لكل مجلس يجري الحفر فيه تكون مهمته الأساسية تسجيل كل صغيرة وكبيرة في الموقع ومتابعة التغير في لون الطبقات ، وجمع العينات الخاصة بكل طبقة في دلو خاص يدون عليه الطبقة ورقم المربع والتاريخ وكافة البيانات اللازمة للتسجيل مع عمل الرسومات الكروكية التوضيحية في دفتر اليومية ورسم قطاعات الطبقات في المجلس من جوانبه الأربعة وتسند إليه مسؤولية العمال المشاركون في الحفر دون تغيير في المجموعات كلما أمكن ليتآلف معهم ويتفهم قدرات كل منهم فيستطيع أن يتخير العمل الذي يناسب قدرات كل فرد في مجموعته.

            يستحسن أن يقوم بهذا العمل شخص مدرب تدريبا جيدا ويرافقه آخر ليعده ويكسبه الخبرة فيكون هناك صف ثان لمتابعة العمل باستمرار ويفضل أن يكون من الطلاب الدارسين للآثار ليعد إعدادا سليما . المهمة الثانية للأثريين المساعدين هي التسجيل الأثري في سجل الحفائر وإعداد الكروت الخاصة بكل قطعة وإرسال ما يحتاج منها للعمل للترميم ، ويقوم بكتابة رقم التسجيل على القطعة الأثرية بحبر خاص بنفس الرقم الذي سجلت فيه في السجل وغالبا ما يكون العمل هنا كثيرا فيجب توفير معاونين للمسجل تكون مهمته فرز وتصنيف الفخار الناتج من الموقع وغسل ما يمكن أن يغسل منه .

            5 - الرسامون :

            يجب أن تضم البعثة أكثر من رسام نظرا لأن عملية التسجيل والنشر تقوم على الرسومات بكافة أحجامها ، ويفضل أن يكون من بين خريجي الفنون الجميلة ودارسي التاريخ الفن لأنهم يتمتعون بالحس المرهف والرؤية الفنية التي تمكنه من عرض الأثر بأنسب جانب له بما يعين على النشر العلمي الجذاب ولما كان من المتوقع غالبا ظهور نقوش وكتابات ونحت غائر أو بارز أو رسومات على الفخار والجدران لذا فإن وجود الرسامين من ضروريات إنجاح العمل . لذا فدور الرسام يكون نسخ الرسومات المصورة على الفخار أو العملة أو الجدران ونسخ النقوش والمنحوتات بمقياس رسم مناسب حسب حجم كل قطعة . ويجب أن يراعي الإخراج الفني لكل لوحة من حيث الرسم والإطار الخارجي والكتابة والبيانات المدونة عليها .

            6 - المصور :

            نظرا لأهمية الكاميرا في التسجيل الأثري إذ تعتبر الذاكرة الحية لكافة مراحل العمل ، فإن وجود المصور في ضمن أعضاء البعثة أمر حتمي ويفضل المصور المحترف الذي يستطيع دراسة الضوء في الموقع لاختيار التوقيت المناسب للتصوير في ضوء التوجيهات التي يصدرها رئيس البغثة بشأن الموضوعات المراد تصويرها ، وجب أن المصور ملما بتاريخ الفن ويفضل أيضا خريجي الفنون الجميلة إن تيسر ذلك ويحسن أن يكون على دراية بالتقنيات الحديثة والتصوير بكاميرات الفيديو والكاميرات الفوتوغرافية الرقمية وكاميرات التصوير على الأقراص الصلبة ويحسن أن تكون له دراية بالحاسب اللآلي ونحويل الصور من الفيديو لإلى الحاسب وتثبيتها للإفادة منها عند الضرورة .

            7 - المساح المعماري :

            مهمته الأساسية أعمال المسح الكنتوري والمعماري وتخطيط موقع الحفر وتحديد الاتجاهات الأصلية واستخدام متميز للأجهزة المساحية في تحديد المستويات وتحديد مستوى سطح البحر وارتفاع النقطة المحددة التي تستخدم في تحديد أعماق اللقى الأثرية ومواضع العثور عليها . كما إن من مهامه أيضا إعداد الرسومات المعمارية لتسجيل المباني المكتشفة وعمل قطاعات لها وفي نفس الوقت يقوم برسم قطاعات الطبقات وتحيد مقاساتها وارتفاعاتها ومنسوبها للمساهمة في دقة المقاسات لتكون الدراسات الأثرية أكثر دقة .

            8 - المرممون :

            يجب أن تجهز البعثة بمعمل صغير أو تخصص حجرة أو خيمة كمعمل للترميم السريع خاصة إذا ظهرت لقية تحتاج للترميم السريع قبل أن تتفتت ،كما ويفضل أن يزود المعمل بجهاز تنظيف العملة لأهميتها القصوى في التاريخ ، والمرمم له دور آخر أكثر أهمية أثناء استخراج أثر من الموقع إذ إن درايته بالمواد وطبيعتها وحالة الأثر ومايحتاجه من حرارة أو رطوبة أو غيرها من الظروف ليتكيف مع البيئة الجديدة تجعل وجود مرمم في الموقع أمر حيوي .يعرف هؤلاء هم المرممون بمرممي الآثار الدقيقة .

            هناك النوع الآخر من المرممين مطلوب وجودهم في الموقع وهو المرممون المعماريون وهو غالبا من خريجي كلية الهندسة أو الفنون تخصص عمارة وتكون مهمته الأولى في الموقع إجراء لأعمال الترميم المعماري السريع والحماية وتدعيم المباني أو الجدران المتهالكة ، كما يعهد إليهم بعمل الدراسات الإستاتيكية اللازمة عند نقل تمثال ضخم أو رفعة أو مجرد تنصيبه في الموقع لتحديد قوة الرفع اللازمة .

            9 - رئيس العمال :

            غالبا ما يكون رئيس العمال من العمال الفنيين الذين اكتسبوا خبرة طويلة من المشاركة في البعثات والحفائر حيث يمكنه من تنظيم العمل ومواقيت الراحة واستئناف العمل وتوجيه العمال وقيادتهم ، ويظهر دوره الفعال عند الكشف عن الآثار ويبدي مهارته خاصة إذا كان الأثر المكتشف ضعيفا ويحتاج معاملة خاصة لاستخراجه سليما

            10 - العمال :

            يعتبر العامل الترس المحرك في عجلة التنقيب إذ أنه من يقوم باستخدام المعول وينقل الرديم وينظف الأثر في الموقع ، كما انه ينظف مكان الإقامة ويشتري الطعام بل يكون منهم الطباخون أحيانا إذا لم يكن هناك طباخا خاصا .
            هناك فئتان من العمال تحتاجهما الحفائر الأول منهما العامل الفني المدرب تدريبا جيدا وهو ذلك الذي يسند إليه الأعمال الدقيقة في عملية التنقيب أما النوع الثاني فهو العامل العادي الذي يؤدي عمليات رفع الرديم وأعمال النظافة في الموقع ومعسكر البعثة ويقوم بأداء الخدمات المعاونة من شراء مستلزمات وخلافه . يفضل أن يكون عدد العمال يتناسب مع مساحة الموقع وألا يكون الموقع مزدحما ، أما إذا كان مكان إلقاء الرديم بعيدا نسبيا عن موقع الحفر فيجب زيادة أعداد العمال

            11 - الطبيب :

            تحتاج البعثات التي تعمل في مواقع نائية بالصحراء وتبعد أكثر من ساعتين بالسيارة عن أقرب مستشفى أو مدينة إلى طبيب مقيم لمعالجة الحوادث الطارئة والأمراض المفاجئة للعمال أو أعضاء البعثة على أن يكون مجهزا بحقيبة أدوية تساعده على إجراء الإسعافات السريعة وتخطى مراحل الخطورة لحين نقلها للمستشفى دون خطورة إذا استلزم الأمر . وإذا تعذر وجود طبيب فلا بأس من وجود مسعف متدرب .

            12 - مشغل الحاسب الآلي :

            شهدت الآونة تطورا خطيرا وسريعا في استخدام الحاسب الآلي بمجموعة برامج مختلفة تصلح لكافة أغراض الحفائر ، لذا أصبح من الضروري وجود مهندس كمبيوتر متخصص بالموقع من الأمور التي تضمن دقة ونجاح العمل ، فكل الأعمال المنوط بها للأفراد من توثيق وتسجيل وفهرسة ورسم معماري وأثري وتخزين المعلومات أصبح من اليسير الآن حفظها واستعادتها متى أردنا على جهاز حاسب آلي وإن كان يفضل أن يتدرب الأثريون على الحاسب الآلي ، وإن تعذر فيجب أن يكون هناك مهندس متخصص .

            يعتبر هذا التشكيل الأمثل لبعثة الآثار التي تعمل في مناطق بعيدة عن العمران ، لكن ليس بالضرورة أن تتضمن كل البعثات هذا التشكيل خاصة إذا كانت هناك حفائر محدودة المدة أو محصورة في مكان ضيق ، فقد كان لي الشرف أن أشارك في حفائر داخل ورش السكك الحديد بالحضرة في الإسكندرية وكانت المساحة ضيقة فكان أعضاء البعثة اثنان من الأثريين ورئيس العمال ومجموعة العمال ، وكنا نقوم بأعمال الرسم والتصوير والتسجيل رغم كميات الفخار الكثيرة التي كشفنا عنها .

            ولأننا كنا بداخل المدينة قريبون من كافة الخدمات والمتحف اليوناني الروماني لذا لم يكن هناك داعي لبقية العناصر التي أشرت إليها .

            أدوات وأجهزة التنقيب:

            تختلف مجموعة الأدوات التي تلزم لأعمال الحفر من موقع لآخر حسب طبيعة التربة التي يتم التنقيب فيها ، فالأدوات التي تصلح للتربة الرملية لا تصلح جميعها في التربة الطميية والعكس صحيح .

            أدوات الحفر في التربة المتماسكة :

            الحجاري والفؤوس الكبيرة والصغيرة ( تستخدم لتفتيت التربة المتماسكة أو عن وجدت أحجار في التربة الحصوية ، ويجب ألا يكون استخدامها عنيفا حتى لا تتهشم الآثار التي قد تكون أسفل التربة المتماسكة والصلبة ، لذا يجب توخي الحذر أثناء تفتيت تلك التربة .) الجاروف باحجامه وأنواعه المختلفة وذلك لاستخدامه في تعبئة الرديم الناتج عن عملية الحفر أو تكويمه تمهيدا لنقله .

            المسطرين بأحجام مختلفة أيضا وهو يعتبر من أدوات المنقب الأساسية التي يجب ألا تفارقه في الموقع ويفضل أن يكون من الصلب الجيد وصغير الحجم ليمكن تعليقه بحزام المنقب ، أما بقية الأحجام فيجب أن تكون من الصلب ونظيفة دائما وهي غالبا تستخدم في عملية الكشف عن الأثر واستخراجه لذا يجب أن يتناسب الحجم المستخدم مع حجم الأثر .

            القواطع وهي مجموعات السكاكين المدببة والعريضة الحادة وغير الحادة والمنجل ، ومناشير لقطع الأشجار ومقص معادن ، وسكاكين طوى (مطواة ) . تستخدم كل سكين حسب حجمها وشكلها وحدتها فالسكاكين غير الحادة تستخدم في الأعمال الدقيقة عند الكشف عن هياكل عظيمة أو فخار هش ويمكن الاستعاضة عنها بشريط من الصلب أو منشار حدادي قديم غير حاد . والأفضل تصنيع السكاكين في ورشة حدادة بحيث يكون عرضها من 2 سم حتى 5سم والأفضل توفير أكثر من سكين من كل مقاس وتوزيعها في الحفرات المختلفة حتى لا يتعطل العمل في أي مربع .

            أدوات رفع الرديم الناتج عن الحفر وتتمثل في السلال المطاطية أو المجدولة بأحجام متوسطة وصغيرة ولا يفضل استخدام الحجم الكبير لأنه لا يتناسب مع طبيعة العمل الذي غالبا ما يكون ناتج الحفر غير كثير ، بينما يمكن استخدام الكبير منها في حفظ الفخار الخاص بكل طبقة . ويمكن الاستعاضة عنها بالدلاء البلاستيكية أو العربات ذات العجلتين المعروفة باسم (البراويطة ) خاصة إذا كان إلقاء الرديم غير قريب من موقع الحفر . ولرفع الرديم من أسفل إلى أعلى إذا تعمق المجس وتعذر عمل درج هابط على حافة المربع أو ضاق الجس يجب عمل سببه ( وهي عبارة عن ثلاث قوائم معدنية لا يقل قطر الواحدة منها عن خمس بوصات ويتراوح ارتفاعها بين ثلاث وخمس أمتار تربط معا من أعلى برباط معدني بحيث يمكن تحريكها من لأسفل لتثبيتها على شكل مثلث أو حامل الكاميرا ويثبت فيها من أعلى بكرة يثبت فيها حبل وخطاف لرفع الرديم ويحل محلها رافعة معدنية إذا كان المطلوب رفع تمثال أو كتلة حجرية ) .ويمكن استخدام رافعة خشبية معرفة باسم البكارة وهي تشبه السبية المعدنية لكنها لا تستخدم في رفع الأجسام الثقيلة . وسيارة بصندوق لنقل الرديم خارج منطقة الحفائر إذا لزم الأمر أو دمبر لنقلة داخل منطقة الحفائر وإذا كان الموقع الأثري كبير ويحتاج العمل فيه عدة مواسم فالأفضل توفير الديكوفيل وهو عبارة عن عربات صغيرة معدنية تسير فوق قضبان حديدية تستخدم أساسا في المحاجر . ويفضل وجود غربال كبير في موقع رمى الرديم لغربلته حتى لا نفقد لقى صغيرة قد لا تراها عين العمال مثل التمائم والعملة وغيرها من الأعمال الفنية الصغيرة .

            مطارق وأدوات نجارة مثل مجموعة من المسامير بأحجام مختلفة من الصلب ومن الحديد وشواكيش وقواديم ومطارق بأوزان مختلفة وعتلة كبيرة من الحديد وألواح وعوارض خشبية ويفضل وجود قوائم مستديرة لاستخدامها في جر التماثيل والكتل الضخمة على زحافات . وسلم خشبي أو معدني ويفضل(واحد كبير مزدوج وآخر صغير ). مجموعة كبيرة من الأوتاد الخشبية مربعة الشكل يتراوح طولها لبين الثلاثين والأربعين سنتيمترا مربعة لها نهاية مسطحة للكتابة عليها ونهاية مدببة للتثبيت في الأرض .

            فرش من مقاسات مختلفة ناعمة لتنظيف اللقى الدقيقة ويفضل استخدام منفاخ معها لنفض الأتربة العالقة بالآثار الدقيقة والضعيفة وخشنة قصيرة وطويلة لتنظيف التربة عقب كل تغير في اللون تمهيدا لتصويرها . وهنا يجب توفير رشاش مياه لتندية التربة قبل التصوير . ويجب توفير شوكة من نفس الذي يستخدم في تنظيف الحدائق من الحصى والأحجار الصغيرة .

            أدوات التسجيل والتصوير :

            نظرا للتقدم التقني السريع الذي شهده نهاية القرن العشرين خاصة في مجال الحاسبات الآلية أصبح من الممكن الآن أن تصطحب معك حاسب شخصي إلى الموقع بل في مكان الحفر ، فهناك حاسب نقال فينا يشبه الحقيبة الدبلوماسية متوسطة او صغيرة الحجم وهناك حاسب الوحدات والأفضل طبعا أن تجهز البعثة بحاسب من النوع الأخير والمعروف بالحاسب الشخصي ويكون له مواصفات تساعد على حفظ المعلومات التي تعتمد في الغالب على الصور وهي التي تشغل مساحات كبيرة من الذاكرة ، لذا يجب أن يكون القرص الصلب (الهارد ديسك Hard desk)كبير السعة حوالي مائة وعشرون جيجا بايت (نظرا للتطور السريع في زيادة سعة الهارد ديسك يفضل دائما تطوير الهارد كلما سنحت الظروف بذلك ) ومعالج سريع وذاكرة احتياطية لا تقل عن 512 كاش والذاكرة الحقيقية 132 رام . ويراعي أن تكون سرعة المعالج مناسبة لآخر الابتكارات في المعالجات تصل سرعته 3 جيجا . هذا فضلا عن كاميرا تصوير رقمي ذات سعة عالية وقابلة للتوسيع . ويفضل أن يكون الجهاز مزودا بجهاز مشغل أقراص يكتب ويقرأ لتخزين المعلومات والصور أول بأول .

            رغم أن الحاسب الآلي وملحقاته من الطابعة Printer و(الأسكنر Scaner ) الماسح الضوئي والأقراص والبرامج المختلفة تكفي كافة احتياجات أعمال التسجيل بالموقع ، إلا إننا لا نستطيع أن نهمل الأدوات التقليدية من أنواع الورق المختلفة مثل ووراق مضاد للماء وورق نشاف وورق كلك وورق وكشاكيل ملليمترية ومربعات وورق أبيض ومساطر وأقلام مختلفة وماسك الورق والمساطر والبطاقات الكرتونية Cards والأدوات الهندسية والمبراة والممحاة ومفكرات وكشاكيل بغلاف مقوى ومتين فضلا إعداد نماذج لبطاقات التسجيل على الحاسب الآلي وطبعها لتستخدم في التسجيل كالتي سنعرضها في الجزء الخاص بالتسجيل الاثري . كما يفضل استخدام حافظات بلاستيكية ولوحات رسم هندسي وأباجورة ووسائل إضاءة مناسبة ومكتب رسم هندسي . وريش وأقلام بحبر سريع الجفاف أو فرش كتابة وألوان دهانات سوداء لكتابة أرقام التسجيل على الآثار . حبال بأقطار مختلفة كتانية وبلاستيكية وشرائط قماش حمراء وبيضاء ، ومساطر مقاييس ومنحنيات وسكوير square T وكاليبر ومشط رسم فخار معدني متحرك من الجانبين وشرائط ورقية وبلاستيكية لاصقة ومواد لاصقة .

            أفلام تصوير سلبية للصور الفوتوغرافية وموجبة لعمل الشرائح مختلفة درجات الحساسية لتناسب التصوير في كافة أنواع درجات الإضاءة المكشوفة والمظلمة ، ويحسن توفير الملون منها والأبيض والأسود . أما بقية أدوات التصوير فسيأتي الحديث عنها بالتفصيل في الفصل الخاص بالكاميرا واستخداماتها في مجال الآثار .

            يفضل أن يلحق بالحفائر معمل صغير لتحميض وطبع الصور في الموقع للتأكد من سلامة الصور ووضعها في السجل مباشرة . لضمان الدقة ، وإن كانت الكاميرات الرقمية تغني عن وجود المعمل في الموقع إذ يمكن بواسطتها التحكم في الصورة وجودتها وطباعتها فور التصوير إذا ما لحق بالكمبيوتر طابعة .

            أدوات تحديد وجس الموقع الأثري :

            تعتبر الأجهزة المساحية أهم العناصر المفروض توافرها مع البعثة الأثرية وكذلك المساح المدرب جيدا أو أن يكون من بين الأثريين من لديه الخبرة الكافية في التعامل مع هذه الأجهزة ، مثل التيودليت مع الملحقات والحامل والليفل مع الحامل وملحقاتها . والشاخص والقامة ، وجهاز الرنين والصدى Bosing apparatus والقضبان النحاسية ذات المقابض الخشبية وشرائط مدرجة للقياس من المعدن أو الكتان أو الجلد ن وكاميرا بملحقاتها ونظارة ميدان وتليسكوب فضلا عن أدوات التسجيل التي أشرت غليها . وسيارة دفع رباعي وخرائط للموقع بمقاس رسم كبير . وبوصلة جيب وبوصلة منشورية وشوك معدنية لتثبيتها بدلا من الأوتاد وأوتاد مربعة وطويلة وميزان ثقاله (ميزان خيط ) وميزان مائي . أدوات وأجهزة الصيانة والترميم بالموقع : يجب توفير مصدر للمياه في الموقع المختار للمعمل ويجهز بأحواض أو أوعية كبيرة لغسل الفخار وكتان أو قش للتجفيف و مجموعة من المواد المذيبة مثل الأسيتون والبنزين والتنر وأحماض مثل حمض الفورميك وحمض الكبريتيك وحمض الترتاريك وحمض الهيدروكلريك وحمض الستريك وحمض الأزوتيك وخلات السيلولوز وإيثير وقلويات مثل هيدروكلوريد الصوديوم ومواد لا صقة للفخار والزجاج وحوامل وموقد وميزان ذهب وأملاح ويفضل الحصول على جهاز تحليل الصدأ بالموجات الكهربائية لتنظيف العملة وإن لم يتيسر يمكن الاستعاضة عنه بالأحماض وفرشاة من النحاس . وماء مقطر مشارط مختلفة وملقات ومنظفات قلوية ومساحيق تبييض ، وجبس وأسمنت ونترات الفضة وقماش خفيف شاش ودمور ومحلول حافظ للمواد العضوية فورمالين ومجموعة من الزيوت والدهون اللازمة للعزل وشمع ودبابيس ونشادر وكحول وفلين ورمل وأنابيب وسحاحات وماصة وقوارير قطن طبي وقواطع ومنفاخ ومطرقة خشبية وشاكوش مائة جرام وآخر 25 جرام ومثقاب كهربي وآخر يدوي وغيرها من أدوات النجارة . ويفضل وجود أحد الكيميائيين للترميم الدقيق .


            كيفية تحديد الموقع الأثري

            شهدت الفترة الأخيرة من هذا القرن تقدما سريعا في مجالات علم الطبيعة واستحداث أجهزة الجس بالموجات فوق الصوتية وتطورها المستمر بعد والتطور السريع في مجال الحاسبات الآلية والاتصالات والتي أمكن تسخيرها في مجال تحديد المواقع الأثرية خاصة تلك التي يصعب الاهتداء غليها في المناطق النائية أو تلك التي يتعذر تحديد موقعها لاختفائها داخل المدن ضمن حركة هجر وإعادة عمران مثال قبر الإسكندر الأكبر في مدينة الإسكندرية الذي صار مشكلة تحتاج للبحث منذ القرن الثامن عشر .

            ويمكن تقسيم المواقع الأثرية إلى نوعان أساسيين : الأول منهما تظهر أطلاله على سطح الأرض ويمكن التعرف عليه من خلال الأحجار القديمة التي تتناثر على السطح وقد يكون هناك جزء من جدار يبرز من بين الأنقاض . غالبا ما يكون الفخار أو الطوب الآجر والحمرة من العلامات المميزة للمواقع الرومانية . أو تكون في هيئة تل تحيط به المخلفات الأثرية . وهذا النمط يطلق عليه التلال الأثرية . والنوع الثاني لا يمكن تمييزه بالعين المجردة وهو غالبا ما يكون قد تعرض للعوامل الطبيعية شديدة التدمير كالبراكين والزلازل والأعاصير والكشف عن هذا النوع إما يكون بطريق الصدفة مثل معظم الآثار الهامة بمدينة الاسكندرية التي كشف عنها بطريق الصدفة مثل المدرج الروماني ومقبرة كوم الشقافة .

            ويمكن تحديد مواقع هذا النوع بالوسائل العلمية طبقا لطبيعة الموقع والإمكانات المادية المتوفرة لكل بعثة . واهم هذه الوسائل :

            التصوير من الجو وبالأقمار الصناعية :

            يعزي الفضل في استخدام التصوير الجوي في مجال اللآثار إلى عضوان من فريق سلاح الطيران الانجليزي إبان الحرب العالمية الأولى حينما كان كروفورد O.G.S.Crawford يطير فوق انجلترا وشاهد بعض مناطق الآثار الرومانية وهو كان قد سبق دراسة الآثار الكلاسيكية .وأعلن نتائجه فكانت البداية التي استطاع منها علماء الآثار أن يحددوا مواقع الآثار المختلفة .

            تظهر هذه النوعية من الصور مخطط المبنى شكل أفقيا بشكل شبه واضح إلى حد كبير ، ويمكن قراءته سواء أكان الموقع في منطقة سكنية أو منطقة نائية خاصة إذا كانت الصور بها ظلال للمباني أو صورت والشمس مائلة عند الشروق أو عند الغروب . وبعد القراءة الصحيحة للصور والتأكد من وجود الآثار في المنطقة تبدأ عملية التحديد المساحي من خلال المقاييس بالنسبة للطبيعة والمناطق المعروفة في الصور .

            وتنبع فكرة تحديد المواقع على الصور الجوية بالتضاد بين الظلال والضوء واختلاف قوة انعكاس الأسطح المصورة على الأرض ، حتى وإن كانت غير مرتفعة فيمكن التصوير قبيل الغروب أو عند الشروق حينما تكون الشمس بمحاذاة الأرض .

            والأماكن البارزة يكون لها ظلال ممتدة حتى الزراعات الطويلة تلقى بظلالها على الزراعات القصيرة ويمكن التفرقة بين الارتفاعات والانخفاضات من خلال الداكن والفاتح وتعرف هذه المواقع بمواقع الظل Shadow Sites أي المباني لها ظلال على الأرض .

            أما إذا كانت المواقع مختفية تماما وليس لها ظلال على الأرض وتختفي تحت زراعات فإن الزراعات تتباين في أطوالها نظرا لاصطدام جذورها بالمباني ومن فإن الزراعات الطويلة تنمو في التربة التي ليس بها جدران وتلقى بظلالها على الزراعات القصيرة ومن هنا يمكن قراءتها بسهولة في الصور المأخوذة من الجو .

            كما يمكن تمييز التربة الحصوية في الصور المأخوذة من الجو إذ أن الأجزاء الداكنة تشير لوجود حفرات ترسب بها التراب فأخذت اللون الداكن . كما يمكن أيضا تمييز التباين في أنواع التربة من الجو فالتربة الجيرية دائما باهتة أما الغرينية فهي دائما داكنة ويبدو هذا التباين واضحا إذا تم التصوير عقب سقوط الأمطار أو عند الشروق .

            إذا كانت الأمطار تظهر التباين فالعكس أيض صحيح إذ إن الجفاف يبين المواقع والطرق القديمة عند حرث الأرض . لكن هنا بعض السلبيات لهذه الطريقة وهي إذا حدث اختلاط بين أنواع التربة المختلفة كان يمتزج الجير بالرمل او بالحصى خاصة وإن الطبقة الطباشيرية إذا اختلطت بلأي تربة تضفي عليها اللون الفاتح فتصبح القراءات مضللة .

            كما يحدث أن تختلف حساسية المحاصيل الزراعية إذ يخفي النجيل ما تحته إلا عند جفافه واصفراره ، بينما الحبوب أكثر شفافية وتكشف عما تحتها .

            ففي الواقع إنه لا يمكن الاكتفاء بهذه الصور كدليل وحيد على وجود الموقع من عدمه بل لابد من المعينة الشخصية للموقع ز والتأكد من صحة القراءات وتحقيق الموقع على الطبيعة .



            التقنيات الحديثة في مجال البحث الأثري

            المسح الجيوفيزيقي:

            تعتمد فكرة المسح الجيوفيزيقي على قياس مقاومة عناصر التربة المتنوعة للموجات الكهرومغناطيسية أو الكهربائية أو الصوتية . إذ إن الصخور أكثر مقاومة لهذه الموجات والترددات مثل الجرانيت والبازلت ، والأحجار أقل مقاومة منها . لذا جاءت الطرق الحديثة لتجس التربة بمظاهرها الجيولوجية التحتية والتي يندر أن تكون متجانسة .

            شهدت الأبحاث الأثرية المختلفة التي تمت في الاسكندرية خلال العقدين الأخيرين تطبيقا لأحدث التقنيات في مجال المسح الأثري والتسجيل ، مع تعدد المدارس التي استخدمت تلك التقنيات إلا انها جاءت بنفس الاسلوب ، نظرا لطبيعة طبوغرافية مدينة الاسكندرية الخاصة حيث أن المدينة الحديثة تقوم فوق المدينة القديمة بعصورها المختلفة ، كما أن تغيير طبيعة ساحل المدينة وغرق واختفاء مجموعة مباني الحي الملكي والقصور كان لزاما ضرورة الاستفادة من تلك التقنيات التي تسمح بعمل خرائط وتصورات للآثار المختفية تحت باطن الأرض . كما استخدمت نفس التقنيات في مناطق الواحات والصحراء الشرقية بما يتناسب مع طبيعة تلك المناطق وقد أدت إلى نتائج دقيقة .

            استعانت بعثة التنقيب لمصرية التي كان يقوده العالم المصري فوزي الفخراني في منطقة الشاطبي بالاسكندرية بفريقين مختلفين أحدهما من جامعة باتراس اليونانية والآخر من ألمانيا وهي شركة متخصصة في ليبزيجGeophysik GGD .

            البعثة اليونانية:

            قامت بعثة جامعة باتراس عام 1998 في ضوء اقتراح من العالم الدكتور فوزي الفخراني بهدف التعرف على طبيعة الموقع الطبوغرافية تمهيداً لأعمال التنقيب بحثا عن الجبانة الملكية بالإسكندرية ، كان الفريق اليوناني أكاديمي في المقام الأول يتكون من علماء متخصصين في أعمال المسح الجيوفيزيقي يتكون من أربعة أفراد أحدهم متخصص في GEO RADAR والثاني متخصص في قياس الترددات الكهربية والثالث متخصص في القياس بالموجات الصوتية والكهرومغناطيسية والرابع متخصص في المغناطيسية والجاذبية.

            بدأ الفريق اليوناني بأبحاث اختبار للتربة في المنطقة التي تمتد من شارع أبي قير جنوباً حتى شارع الإسكندر الأكبر شمالا وتنحصر بين الشارع الفرعي في جبانة اللاتين وشارع كلية الزراعة وقد كان لزاماً قياس مقاومة الصخور والأحجار والظاهرة مثل المقبرة المرمرية وواقع الأمر إن اختبار التربة كان على درجة كبيرة من الأهمية لفهم طبوغرافية الإسكندرية في هذا المكان وتحديد الأجزاء الصلبة التي تقف عليها مباني الإسكندرية الرومانية والهللينستية وقدرت بعمق يتراوح بين 3و9أمتار ، وأظهرت النتائج أن الطبقة الرملية سمكها 9 متر تخللها كسرات فخارية ويظهر حجر جيري بسمك 3أمتار ويظهر منسوب المياه الجوفية على عمق 11 مترا في معظم الأجزاء عدا الجزء الشمالي الذي يظهر فيه حجر رملي 12 م وقد استخدمت أجهزة قياس الموجات الكهربائية والرادار الأرضي وأجهزة قياس الجاذبية وأجهزة قياس الموجات الصوتية وقد استخدم الفريق اليوناني جهاز قياس الكهرومغناطيسية من نوع GEONIC EM34 ويتميز هذا الجهاز بنظام مزدوج بطرفي توصيل يتجاهل هذا الجهاز أي موجات قصيرة تظهر على عمق ستة أمتار لكنه يسجل الترددات العالية التي تختلف في مكوناتها عن التربة الموجودة بها.

            لقياس الجاذبية استخدم جهازscintrex وهو جهاز دقيق للغاية تبلغ دقة قياسه واحد ميكروجال ، بينما استخدم القياس للموجات الكهربائية بتوصيل أقطاب متعددة الأطراف على HYBRID WENNER-SCHLUMBER ، وقد وزع 25 قطباً كهربائيا بسلك متعدد الأطراف ويتحكم جهاز كمبيوتر محمول في جهاز قياس المقاومة الكهربائية حيث تظهر النتائج في خلال 30دقيقة وهو الوقت اللازم من لحظة إطلاق التردد الكهربائي نحو الأرض ، وتختلف القياسات الكهربائية عن قياسات المقاومة الكهربائية ذلك لأنها تعطي نتائج بالصور على عكس المقاومة التي تعطي نتائج في شكل خطوط وتموجات وبصفة عامة فإن استجابة التربة في الموقع تظهر متباينة من منخفضة جداً إلى متوسطة ثم عالية جداً في حدود مئات وآلاف الأومميترز فالتربة زراعية تظهر مقاومة منخفضة جدا، والتربة التي توجد بها أحجار ومخلفات بشرية تظهر مقاومة متوسطة ، بينما جاءت المقاومة العالية في التربة التي تضم بقايا مباني خاصة في المنطقة حول المقبرة المرمرية حيث أظهرت النتائج وجود مقاومة أفقية بامتداد 36م على عمق 4م، وبعرض 20م ، وقد جاءت نتاج الكمبيوتر لحساب تلك المقاومة في هذا الجزء أظهرت وجود تكونات عالية التردد وأعد نماذج تصورية لها ، وقد حال وجود سور يحيط بالمنطقة دون استكمال هذا التصور وقد نصح التقرير بالتنقيب في هذا الجزء.

            كانت الخطوة التالية استخدام جهاز التصوير الراداري الأرضي والذي بوجود مستقبل هوائي بقوة 80ميجا هيرتز، وقد أظهر الجهاز التكوين الطبقي للتربة خاصة المنحدرات في الجزء الصلب والذي يتراوح بين 4م أعلى نقطة حتى 16 م في أقصى انحدار ومن الصخر الرملي ويؤكد أن ذلك المستوى هو الذي بنيت عليه المدينة .

            قياس الموجات الصوتية:

            استخدم جهاز سيسموجراف GERMETRIC E&EG2401 في قياس الترددات والانعكاسات الصوتية بحيث توضع ميكروفونات أرضية بامتداد أفقي ويتم إرسال الموجات الصوتية لقياس الانعكاس الناتج المياه الجوفية أو من أقرب جسم أو مبنى، وتبلغ دقة هذا الجهاز أقصاها كلما... في التربة التي تتخللها تجويفات أو تكوينات معمارية.

            ويمكن إجمال نتائج هذا المسح بقياس الترددات المختلفة المغناطيسية والكهربائية والجاذبية والصوتية على وجود آثار هامة شرقي المقبرة المرمرية لاختلافها عن التربة الموجودة بها ، وتجدر الإشارة هنا إلى أنه حتى اليوم لم يتم التنقيب في تلك المنطقة.

            البعثة الألمانية Geophysik GGD :

            في عام 1999 قام الفريق الألماني بأعمال المسح الجيوفيزيقي لمنطقة مقابر اللاتين حول المقبرة المرمرية بباب شرقي بهدف إعداد خريطة لباطن الأرض في تلك المنطقة تظراً لأهميتها الأثرية فضلاً عن صعوبة إخلاء المنطقة لإجراء حفائر بها لما تحويه من مقابر لجاليات أجنبية دون ضمان الكشف عن آثار بها، وقد غطت أعمال المسح الجيوفيزيقي منطقة مربعة يبلغ طول ضلعها 600مترا ، بدأت أعمال المسح بقيام عالم جيولوجي بمعاينة الموقع والتربة على الطبيعة لتحديد نوع الأجهزة التي تصلح لأعمال المسح ، وقد قرر في ضوء تلك المعاينة استخدام جهاز مسح رداري GPR GROUND PENETRATING RADAR وجهاز قياس مقاومة كهربائية التربة D2

            . وقد تم أولا إجراء مسح تصويري راداري أرضي باستخدام جهاز GPR وهو نوع SPG.AB سويدي الصنع ومن أحدث الأجهزة وأدقها في هذا المجال وضلك تطلب تخطيط المنطقة شبكيا وتقسيمها إلى مربعات لضمان دقة النتائج والتسجيل مع عمل خريطة موضح عليها المقبرة المرمرية والمباني الحديثة بالمنطقة ، وتعتمد فكرة هذا الجهاز على قياس صدى الصوت من الموجات الصوتية التي كانت تستخدم من قبل ،إذ يتم إرسال موجات كهرومغناطيسية ترسل إلى باطن الأرض وتنعكس هذه الموجات عند اصطدامها بمقاومة أرضية والتي تتباين درجة صلابتها مما ينجم عنه انعكاس تلك الترددات في شكل تموجات نتيجة لهذا الاصطدام مع عناصر أو طبقات جيولوجية ويظهر في هذه الترددات الآثار الصغيرة والمنقولة بينما تظهر الآثار الكبيرة نسبياً في هيئة فقاعات ،ويعتمد جهاز GPR على وحدة قياس صدى صوت 100/1000 ومستقبل هوائي (إيريال) بترددات 50ميجا هيرتز ، و100ميجا هيرتز و250ميجا هيرتز ومستقبل آخر بتردد 225ميجا هيرتز وعمق يتراوح بين 50سم و250 سم، ومسافة تتراوح بين متر و209سم بين مصادر الصوت ، ويتم إرسال التردد كل ثانية أو ثانيتين بحيث تمدد الأسلاك في خطوط متوازية وقد بلغ مجموع أطوال هذه الأسلاك 9كم، وأرسلت 4381ذبذبة صوتية أي ما يعادل 60.3ميجا بايت من المعلومات.

            وعقب ظهور النتائج تم استخدام جهاز قياس المقاومة الكهربية الأرضية GEO ELECTRICAL RESISTIVTY المعرف ب2d وذلك للمساعدة في تحديد الأعماق والتجويفات والدهاليز الموجودة في باطن الأرض ، ويتميز هذا الجهاز بقدرته على قياس المقاومة الأرضية على عمق 15 متراً وبفواصل مسافات كهربائية تبلغ المترين.ويسجل التكوينان الصخرية والمباني والتجويفات مبينا عمقها ويعتمد هذا الجهاز على تثبيت الكابلات فوق كتل من الطمي لضمان دقة النتائج لعمل رسومات باستخدام برامجي البعد الثلاثي 3d في جهاز الحاسب الملحق بجهاز القياس.

            لتحسين نتائج البحث تم قياس الجاذبية الأرضية لأنها ترصد التغيرات في التربة الرملية تحت الأرض ويحتاج قياس الجاذبية الأرضية لمسافة تباعد 2.5متر بين نقاط القياس أفقيا على الأقل ، وخمسة أمتار رأسيا.

            وقد أسفرت نتائج البحث الجيوفيزيقي على قراءات حددت وجود تجويفات وقوالب ومباني على أعماق مختلفة وقد حدد جهاز GPR مواقع عدد من التجويفات والتكوينات الصخرية خاصة في منطقة المشتل التابع لكلية الزراعة شرقي المقبرة المرمرية والتي لم يتم التنقيب عنها بعد.

            كما أسفرت قياسات المقاومة الأرضية 2d على نتائج أكثر دقة وحددت أماكن لتكوينات على عمق 7م وقد أمكن قراءة وتفسير تلك النتائج وعمل خريطة طبوغرافية لتلك المنطقة.

            على الرغم من أن أعمال المسح الجيوفيزيقي لأرض مقابر اللاتين بالإسكندرية قد تمت مرتين بتقنيات مختلفة إلا أن النتائج لم تكن مؤكدة فعند متابعة الحفر جنوبي المقبرة المرمرية وفي ضوء النتائج التي أعطت مقاومة مخالفة لطبيعة التربة إلا أن نتائج التنقيب أثبتت عدم صحة القياس ومن هنا يمكن القول إنه رغم التكاليف الباهظة لإجراء مثل هذه الأعمال إلا أن نتائجها تظل غير مؤكدة إلا في بعض المناطق الصحراوية أو الأراضي الزراعية ذات التكوينات الرسوبية ، لذا فإن الشركات المنتجة لأجهزة القياس الجيوفيزيقية تعمل على تطوير الأجهزة لخفض تكاليفها من ناحية وتحسين دقة نتائجها ، لذا ستظل الوسائل الأخرى المساعدة للأثري المنقب تمثل دعما له.

            أولاً : المسح بالموجات الكهربائية :

            تعتمد أقطاب كهربائية على جهاز الجراديوميتر أو البليبر وتقوم فكرته على حفر أربع حفرات في التربة على خط مستقيم وأبعاد متساوية وتوضع أقطاب كهربائية في الحفرة الأولى والأخيرة وتوصل بتيار متقطع ويقدر فارق الجهد في الحفرتين الخاليتين إذ إن الجهد يتناسب عكسيا مع عمق كل حفرة والمسافة بينهما . وبتغيير المسافات يمكن تقدير مقاومة الأجسام غير المتجانسة مع التربة وعمقها على وجه التقريب ، تطورت هذه الطريقة للتغلب على المشكلات التي واجهتها وهي اختلاف الرطوبة في المواقع المختلفة مما جعل القراءات غير دقيقة ، لذا يجب تسجيل القراءات على جدران المبنى فالقراءة العالية تبين ارتفاع نسبة الرطوبة مما يبرهن على وجند خندق أو حفرة خالية من المباني .

            المسح المغناطيسي :

            يعتمد هذا النوع من المسح على جهاز الماجنوميتر البريتوني الذي يسجل القراءات المختلفة للمجال المغناطيسي أي أنه يمكن بواسطته قياس المجال المغناطيسي داخل التربة ، فإذا كانت التربة متجانسة وتخلو من الآثار فإن قراءات الجهاز تكون بنفس الدرجة أما إذا اختلفت القراءة فيعني هذا وجود مواد لها مجال مغناطيسي في هذه التربة .

            ولتطبيق هذه الطريقة تقسم الأرض على مربعات وعند كل تقاطع يقاس التردد المغناطيسي وتسجل لمقارنتها ببقية المربعات وبالتباين يمكن تحديد موقع الأثر وامتداده .

            ولكن يجب توخي الحذر عند استخدام هذا الجهاز فإن أي مادة لها مجال مغناطيسي بالقرب منه تجعل قراءاته غير صحيحة .

            الجس باستخدام البريسكوب :

            كان بريسكوب نستري وهو عبارة عن حفار أسطواني في نهايته كاميرا تصوير فوتوغرافي هو الوسيلة المستخدمة في معرفة محتويات حفرة أو حجرة مجوفة أو مقبرة منذ أن استخدمته مؤسسة :ليرتشي" التابعة لجامعة ميلانو في الكشف عن مقابر تاركويني بجنوب إيطاليا إلى أن تطورت التقنية الحديثة واستطاع معهد ستامفورد بالولايات المتحدة استخدام البريسكوب المزود بكاميرا تصوير فيديو تتصل بجهاز عرض أمكن من خلالها معرفة محتويات حفرة ضخمة بجوار مراكب الشمس بالجيزة ووجدوا أجزاء مركب آخر لم يتم استخراجه لحين إعداد متحف خاص به وحتى لا يضار إذا استخرج دون التجهيزات المسبقة .

            التحليل الكيميائي لعناصر التربة :

            يمكن بتحليل عينات التربة تحديد ما إذا كانت توجد بها عناصر تبرهن على الوجود الإنساني في هذه المنطقة من خلال نسبة فوسفات الكالسيوم والنتروجين والكربون الموجودة في عظام الحيوانات وفضلاتها وعظام الإنسان . كما أن حبوب اللقاح تبين أنواع النباتات التي كانت تنمو في المنطقة قديم ويمكن فحصها بالميكروسكوب .


            المسح الأثري

            قبل القيام بالمسح الأثري يجب تجهيز خرائط مساحية وكنتورية وطبيعية عن الموقع لا يقل مقياسها عن 1/20000 أو 1/25000 لفائدتها في تحديد الطرق القديمة والسدود والمواقع بشكل واضح . وخرائط قديمة إن توفر ذلك .

            تجميع كل ما كتب قديما وحديثا عن الموقع سواء كانت كتابات مباشرة أو غير مباشرة ، خاصة الكتابات الكلاسيكية وتقارير الحفائر السابقة إن كان قد جرى به حفائر . وإعداد كافة التي سبق ذكرها في الفصل الخاص بها ويجهز فريق للمسح الأثري حسب مساحة المكان المقترح فإن كانت المساحة كبيرة يمكن تجهيز مجموعتين أو ثلاث واستخدام عداد السيارة كوسيلة قياس .

            يتم البحث عن مقومات الاستيطان من مياه ومناجم أو مراعي أو غيرها من مقومات الحياة دون أن يضع في اعتباره الحدود السياسية كحد للاستقرار وكذلك عليه أن يفكر في وسائل التنقل القديمة البرية والنهرية والبحرية ليربط بين أماكن الاستقرار قديما ويضع في اعتباره تأثير التضاريس وأن منها ما يمكن أن يكون مستقرا قديما ولا يصلح حديثا .

            إن عملية المسح الأثري تقوم على جمع المخلفات الأثرية من سطح الأرض ومعاينة المباني وتوقيعها على الخرائط إن كانت أطلالها باقية أو ظاهرة للعين المجردة . مع الوضع في الاعتبار تأثير عوامل التعرية والظروف الطبيعية المناوئة للأثر .

            تبدأ عملية المسح أولا بالتصوير الفوتوغرافي ثم تقسيمه إلى مربعات لتسجيل اللقى الخاصة بكل مربع ووضعها في كيس واحد مع بياناته ، وعمل نسخ مطاطية شفافة ثم مادة اللاتيكس لكل نقش وتصويره ويحسن استخدام كاميرا الفيديو إلى جانب التصوير الفوتوغرافي أهم المخلفات التي يتم جمعها هي الفخار والزجاج والعملة والجص الملون وعينات من المونة وأحجار البناء والمعادن والفحم الكربوني والخشب والعظام دونما إهمال لصغيرة أو كبيرة وتسجيلها في الموقع لضمان الدقة في قراءة هذه المخلفات وتحديد أكثر المربعات أهمية واحتمالاته من حيث الآثار التي يحويها .

            يجب أيضا اصطحاب دليل من سكان المنطقة خاصة في المناطق النائية ويحسن التعرف بأهل المنطقة ومناقشتهم للحصول على معلومات عن الموقع يمكن الاستفادة منها فمثلا في منطقة بوتو خارج المنطقة المقدسة توجد منطقة يطلق عليها الآهلون كوم الذهب وبمناقشة الأهالي ذكروا أن أجدادهم كانوا يحفرون بها ويستخرجون تماثيل من الذهب .

            إذا كان المسح لمنطقة من عصر ما قبل التاريخ فيجب أخذ عينات من التربة لتحليلها .



            تخطيط موقع الحفائر

            يتحكم نوع وهدف الحفائر في حجم البعثة وتخطيط الحفائر ومنهاج العمل فيها ، فمثلا إذا كان الهدف من الحفائر إنقاذ تهدده الأخطار مثل الغرق أو مشروع حديث يتهدها فهنا تكون البعثة قليلة العدد يكفي عضوان لهما خبرة من الأثريين ويتم عمل مجسات لجمع أكبر قدر من المعلومات في أقصر وقت مع تبسيط طريق الحفر .

            أفضل نظام لحفر هذه الحفائر هو تخطيط الخنادق المتبادلة بحيث يتم تخطيط الموقع على شكل سلسلة متوازية متساوية في المساحة من الخنادق المجاورة لبعضها بحيث يلقى الرديم الناتج عن حفر خندق في الخندق الذي يليه .

            أما إذا كان الهدف الحصول على معلومات أساسية عن حضارة بعينها فيكون نظام العمل بالحفائر محدودا من الوقت والتكاليف وهذا النوع من الحفائر يعرف بالحفائر المنتقاة Selective أما الحفائر المنظمة الكاملة فيجب جمع المعلومات عن الحضارة التي نبحث عنها وهنا يتأتى الهدف ونظام العمل للإجابة عن كل التساؤلات التي يحيط بها الغموض عن هذه الحضارة .

            هنا يجب أن ندرك ما الهدف من عملية التنقيب وكيف يمكن تحقيقه دونما إخلال بالقواعد العامة في التنقيب ، وهي من التي أصبحت بديهيات تقنية مثل متابعة تغير لون كل طبقة وحفظ وتسجيل مخلفاتها أولا بأول وبدقة تضمن التفسير الصحيح وتؤمن عدم ضياع التراث البشري . وهنا يجب ألا نغفل القاعدة الأساسية وهي لابد من أن تكون للمنقب الخبرة والثقافة التي تؤهله لتنفيذ هذا العمل . ويجب أن يكون مرنا في فكره ليحل المشكلات التقنية في التنقيب ، رغم أنه لا توجد طريقة مثالية أو نموذجية للإحتذاء بها في تخطيط الموقع إلا إن هناك ضرورة لوضع نظام لتحقيق القواعد التي تضمن دقة وسلامة العمل .

            إن طبيعة الموقع تفرض على المنقب أحيانا نظما بعينها لكن المنقب الخبير يستطيع التغلب على هذه العقبات دونما الحاجة إلى كسر قواعد التنقيب الصحيحة . قبل البدء في العمل وعند الشروع فيه لابد من اختيار الموقع المناسب لرمى الرديم الناتج عن الحفائر بحيث لا يكون في مهب للرياح فيردم الموقع عند هبوب الرياح ولا يجب أن يكون من الأماكن التي توجد بها آثار مما يضطرنا لرفعة ثانية عندما تمتد الحفائر إليه وفي نفس الوقت يجب ألا يكون بعيدا جدا فيرهق العمال ويبطيء العمل .


            أنماط تخطيط مواقع الحفائر

            النظام الشبكي Grid System:

            يتم تحديد الموقع وتحديد الاتجاهات الأصلية ومستوى سطح البحر وإن لم يتيسر يجب تحديد أعلى نقطة في الموقع يمكن رؤيتها من جميع الجهات لتكون مقياسا وتعرف بالنقطة المحددة Datum Point وتوضع أربعة أوتاد عند أركان الموقع لتحديده مساحيا ثم يقسم الموقع إلى مربعات طول ضلعها يتناسب مع المساحة الكلية المراد تنقيبها والمدة المقترحة والتمويل الكافي لها . وإن يفضل أن تكون في حدود عشرة أمتار إذا كان المتوقع العثور على مباني متوسطة والأمر متروك للمنقب . يراعي ألا يخرج التخطيط عن الأركان الأربعة المحددة للمربع الأصلي . تفصل بين المربعات ممرات لمرور العمال في دود المتر ليسير عليها العمال الذين يحملون الرديم .

            النظام الشبكي المتقطع Interrupted Grid System :

            يخطط الموقع على شكل مربعات أو مستطيلات أبعادها متران طولا ومتر عرضا وفصل بين كل مربع وآخر متر كممر للعمال ولا يزيد الحفر عن متر عمقا ويمكن حفر الممرات للحصول على رؤية كاملة للقطاع ولكن الهدف من هذا النظام جس أكبر مساحة ممكنة على عمق متر.

            نظام النقطPoint System :

            يقسم الموقع نقطياً إلى مربعات بواسطة إشارات أو أوتاد ليكون كل وتد كعلامة لعمل مجسات مربعة طول ضلعها متر ونصف بهدف إجراء مسح سريع لمساحة كبيرة مع ضرورة أن تكون المربعات قريبة من بعضها حتى لا نفقد أثرا تحت الأرض ويرجع تقدير المسافة بين كل مربعين إلى طبيعة الموقع ونتائج جس المربعات الأولى .

            نظام التخطيط الصندوقي Box System :

            يستخدم هذا النظام إذا كان الهدف دراسة مخلفات الطبقات بغرض تأريخ المنطقة إذ أن هذا النظام يهدف إلى الوصول الصخر البكر virgin rock ،ويتم فيه تقسيم الموقع إلى مربعات بواسطة أوتاد طول ضلع المربع من 5 أمتار إلى 8 أمتار بداخله مربع أصغر يبعد نصف المتر عن الوتد من كل جانب فتصبح هناك ممرات عرضها مترا . تصلح لمرور العمال وعربات اليد كما يمكن أن نحدد قطاعات كل مربع لدراسة طبقاته.


            كيفية تخطيط الموقع الأثري للتنقيب

            تعتمد عملية التنقيب على عدة قواعد واعتبارات أساسية لضمان دقة النتائج وتطبيق النظام الأمثل في التنقيب ، ويجب أن يقوم بها المساح المعماري عضو البعثة في إطار تلك القواعد بعد أن يقوم بتحديد الموقع على الخريطة وعلى الطبيعة في ضوء مدة الحفائر وطبيعة الموقع المقترح ونوع الحفائر والعمق الذي سيتم حفره .

            عند تخطيط الموقع يجب مراعاة عدة أساسيات أن يكون التخطيط مربعا او مستطيلا ويتم تقسيمه في نطاق الخطة الموضوعة للتنقيب ويحسن وضع علامات واضحة عند الأركان الأربعة قبل التقسيم ثم يتم تقسيم الموقع إلى مربعات قائمة الزوايا باستخدام الأوتاد الخشبية والدوبار وإن استخدام الجير مثل ملاعب الكرة وإن كانت التربة من النوع المتماسك على السطح يمكن إذابة الجير في الماء مع قليل من الملح وتخطيط الموقع به وذلك حتى نضمن ثبات التخطيط على التربة السطحية طوال الموسم .

            تقسيم المربعات للتنقيب :

            ليست هناك مقاسات ثابتة لتقسيم المربعات أو بالأحرى إن عملية تقسيم المربعات تتم بناء على مساحة الموقع الكلية والعمق المتوقع فيها ستة أمتار ، ومن هنا فلابد للمربع المتوقع حفره ستة أمتار أن يكون عرضه ثلاثة أمتار تجنبا للمخاطر وحتى يمكن حفر الموقع بسهولة في العمق المقترح . أي أن النسبة بين العرض والعمق يجب تكون 1/2.

            يجب مراعاة الدقة في تخطيط المربعات والممرات الفاصلة بينهما وترقيمها أفقيا ورأسيا على المخططات بحيث يمكن تسجيل العمل بسهولة دون أخطاء .

            تقسيم الموقع الأثري ككل :

            يقوم المساح بعمل المخطط بطريقة بسيطة يفضل أن يعرف الثرى كيف يؤديها بنفسه . أولاً: يتم تنصيب التيودليت وضبطه أفقيا بواسطة ميزان الفقاعة المثبت في قاعدة الجهاز ثم يقف شخصان أو أكثر على خط واحد يمسك كل واحد شاخص ويتم توجيههم بحيث لا يظهر سوى الشاخص الأمامي عندئذ يثبت مكان كل شاخص وتحت مركز حامل التيودليت وتد أو إشارة معدنية أو مسمار كبير ثم يشد بينها دوبار وينثر فوق الدوبار الجير حتى يمكن رؤية الخط بوضوح . يلف التيودليت نحو الجانب المراد تخطيطه داخل الموقع بزاوية قائمة وتكرر العملية الأولى مرة ثانية . ثم ينقل التيودليت إلى أي طرف من طرفي الخطين ويثبت ويضبط بزاوية قائمة على الخط المثبت فوقه وتكرارا العملية لينشأ خط موازي للخط الأول . وتثبت الأوتاد أو المسامير ويخطط الخط بالجير أو يشد عليه الدوبار والأوتاد .

            : تقسيم المربع الكبير إلى مربعات صغيرة

            يكون الأمر سهلا إذ يقسم كل خط إلى مسافات متساوية في حدود خمسة لأمتار أو يزيد طبقاً للمعايير التي أوردتها سلفا . ثم توصل كل نقطة بنظيرتها فتنشأ شبكة من المربعات .



            التنقيب مهارة وعلم يكتسب

            يختلف التنقيب عن الآثار عن غيره من عمليات الحفر إذ هناك أسلوب علمي في التنقيب يهدف إلى تسجيل التراث الإنساني بكل دقة وأمانة لا يمكن للشخص العادي القيام بها فلا بد من توافر عنصر الخبرة والعلم ، ويتخلص منهج الحفر في عدم حفر عدة طبقات في وقت واحد وضرورة متابعة العمل لحظة بلحظة للوقوف على كل تطور أو تغير يحدث في لون ومخلفات الطبقة . ولكن كيف تسير خطوات العمل لتنفيذ هذا المنهج ؟

            وإذا أردنا أن نسير العمل بلا مشكلات ولتنفيذ عمل ناجح بكل المقاييس فهناك عدة أسس وقواعد يجب مراعاتها :

            أولاً : يجب تنظيف الموقع من كافة المخلفات الحديثة قبل العمل ، ويظل الحرص على أن يبدو الموقع نظيفا أثناء العمل فيه



            ثانياً : وضع نظام للعمل بحيث يتلاقى الحوادث والأخطاء والعوامل المؤدية إليها ، مثال ذلك تحديد مسار للعمال داخل
            وخارج المربع وعدم السماح لأي من العمال أن يسير أمام العامل الذي يضرب بالفأس أو الذي يستخدم الحجاري
            حتى لا يصاب .

            ثالثاً: تنظيم العمل داخل المربع لضمان دقة العمل والنتائج وإمكانية ومراقبة كل ضربة فأس بالمربع .

            رابعاً: تنظيم العمل داخل المربع يبدأ بتحديد أحد جوانب المربع بعرض متر أو أكثر على حسب عرض المربع لبدء الحفر
            فيه ثم تكرر العملية حتى يحفر المربع كله في مستوى واحد لكل طبقة . وينظف الجزء المحفور مباشرة للحفاظ
            على نظافة الموقع .

            خامساً: يتم الحفر بعمق متساو في حدود عشرة أو خمسة عشرة سنتيمترا بشكل منتظم في كل مربع.

            سادساً: إذا حدث خطأ ولاحظنا أن التربة تتغير على عمق أقل مما نحفر يجب تدارك الأمر مباشرة ويقلل العمق بحيث
            نحافظ على بداية ظهور البقعة الجديدة حتى وإن كانت على عمق خمس سنتيمترات ، في أي جزء من المربع مع
            متابعة العمل بحفر نفس العمق في كل مربع . فالحفاظ على كل طبقة يضمن عدم اختلاط الطبقات ويحافظ على
            الترتيب الزمني لها بما يضمن دقة العمل وسلامة النتائج .

            سابعاً : يجب متابعة كل تغيير يطرأ على التربة من حيث التكوين واللون والمخلفات والتوقف عند كل تغير حتى تتم أعمال
            التسجيل للطبقة .

            ثامناً : يجب وضع نظام لعملية الحفر داخل المربع بدءا من أول ضربة معول ، مثال ذلك تقسيم المربع إلى عدة أقسام
            بطول المربع ويقوم العامل بتفتيت الطبقة العليا بعمق لا يزيد عن خمسة عشر سنتيمترا بطول واحد متر ثم يفحص
            التراب جيدا وينقل مباشرة خارج الموقع عبر الممر الفاصل بين مربعين ، ومن هنا يبدأ مسار العامل ليحفر الطبقة
            بامتداد طول المربع.

            تاسعاً: إذا كانت مساحة المربع تسمح بوجود مجموعتين من العمال يجب ألا يتعارض عملهما ويوزع العمال بحيث لا
            يزدحم الموقع ولا تقع حوادث وحتى يمكن متابعة تطور الحفر بدقة .

            عاشراً: يجب تنظيف كل طبقة بعد الانتهاء من حفر كل مستوى في كل قسم من أقسام المربع ونقل الرديم بمجرد الحفر
            حتى يمكن الاستمرار في حفر بقية الأقسام .

            حادي عشر : يجب التحقق دائماً من أن جوانب المربع قائمة الزاوية وقطاع كل جانب واضح ويمكن قراءته بسهولة
            خاصة إذا لم يكن العمق قد وصل ضعف طول المربع وإذا اضطررنا للتعمق أكثر من ضعف طول المربع
            يجب أن تميل جوانب المربع نحو الداخل قليلا حتى لا تنهار .

            ثاني عشر : لا يجب ان تتعدي حدود المربع بأي حال من الاحوال عن ذلك يفسد عملية التسجيل ويخلط اللقى بما يربك
            تأريخ ونسب تلك اللقى والموقع بالكامل ز حتى لو كان هناك لقى أثرية نصفها في المربع ونصفها تحت
            الممر فالأجدى تركها لحين تصفية الممرات لتسجل في طبقتها لتستقيم العملية التأريخية .

            ثالث عشر : يجب استخدام الأدوات المناسبة من حيث الشكل والحجم بما يتناسب مع الطبقات وتكوينها وأنواعها فليس
            هناك داعي لاستخدام الأدوات الثقيلة في التربة غير المتماسكة ، بينما يمكن استخدام الحجاري والفأس في
            الطبقة المتماسكة لكن مع تزايد احتمالات العثور على لقى أثرية يجب أن نكف عن استخدامها ويمكن
            الاستعاضة عنها بالقادوم والمسطرين وعند ظهور آثار دقيقة نتوقف نهائيا عن استخدام الأدوات الصلبة
            ونكتفي بالمسطرين والفرشاة والمنفاخ.

            رابع عشر: عند ظهور عناصر معمارية مثل أجزاء من جدار أو كتل حجرية يجب التروي للتأكد إن كانت معلقة ولا
            تتصل بالمبنى أم أنها تمثل مبنى مستقل مع ملاحظة التغير في التربة جيداً وهل تمثل أرضية أم أنها امتداد
            للبقعة التي يجري العمل فيها

            خامس عشر: يجب التنبه للحفرات التي تقوم فوقها أساسيات الجدران وتلك الحفرات التي يقوم بها الإنسان لتثبيت شئ أو
            دفن شئ، فحفرات الأساسات تظهر على شكل قطع يتخلل التربة ويبدو واضحا من لونها المغاير للون
            التربة، الحفرات الحديثة غالبا ما توجد بها مخلفات حديثة في نهايتها

            ويمكن تمييز تلك الحفرات الحديثة والحفرات القديمة من لونها أيضا ونعومة الرديم ، وحفرات التثبيت القديمة
            دائما صغيرة الحجم والرديم الموجود بها ناعم

            سادس عشر: إذا ظهرت تكوينات معمارية يجب تتبع امتدادها ويحس عدم استخدام أدوات صلبة بالقرب من الجدران لأنه
            من الممكن أن تكون مكسية بطبقة الجص عليها رسومات، مع الحرص الشديد على جمع كافة المخلفات
            الموجودة ضمن الرديم لامكانية مساهمتها في تفسير المبنى وتأريخه بالشكل الصحيح.

            سابع عشر: يجب الوصول بالحفر إلى الصخرة البكر التي لم تصلها يد إنسان من قبل ويمكن تمييزها بحبيبات الرمل التي
            تتجمع عند نقطة التقاء الصخرة البكر بالطبقة التي تعلوها وهي خاصية معروفة بظاهرة البسلة الجافة؛لأن
            حبات الرمل المتجمعة تشبه حبات البسلة الجافة وتظهر مع كل أنواع التربة عدا التربة الطينية أما صادفتنا
            أرضية مكسية بالحجارة أو الفسيفساء فيجب متابعة الكشف عنها بالكامل ثم نتابع عملية الحفر لتحديد ما إذا
            كانت عصور سابقة لها وذلك بالحفر خارج حدود الأرضية ويحسن أيضاً الوصول للطبقة البكر.

            ثامن عشر: يجب جمع المخلفات الأثرية من كل طبقة على حدي خاصة الفخار ثم توضع بيانات تشمل رقم المربع والطبقة
            والتاريخ على النموذج المعد سلفاً وإن لم يتيسر يكتب على الدلو المحفظة فيه القطع وينقل إلى المعمل ليغسل
            لتظهر النقوش ولون الطينة وتتم عملية التصنيف والدراسة المبدئية وانقاء العينات التي تلزم لعملية التأريخ
            ويمكن الاستعاضة عن الدلاء بتخطيط مربعات بنفس تخطيط الموقع تنقل إليها المخلفات بنفس الترتيب بحيث
            نضمن عدم اختلاط مخلفات الطبقات ، ويتم وضع المخلفات بترتيب معين بأن توضع مخلفات الطبقة العليا في
            الركن الأيمن العلوي ثم التالية لها في المنتصف والثالثة في الركن الأيسر العلوي وهكذا تكرر العملية بالنسبة
            للطبقات ويقوم أحد العمال بغسل الناتج أولاً بأول، ثم تتم عملية الفرز تمهيداً للتسجيل.

            باتباع تلك القواعد في التنقيب تصبح طريقة الحرف منظمة وتسير بشكل تلقائي ويتحقق الهدف المرجو من الحفائر وهو ليس الكشف عن المباني أو اللقى الأثرية ، بل يشمل الكشف عن حضارة الإنسان في هذا المكان خلال العصور المختلفة وهو المعنى الحقيقي لعلم الآثار. وهنا تجدر الإشارة إلى أن تلك القواعد التي ورد ذكرها تتبع في كافة المناطق والمواقع ولكن تظهر بعض المشكلات الخاصة في التنقيب حسب طبيعة الموقع ونوعية الآثار التي يجب الكشف عنها سواء آثار معمارية أو أعمال فنية أو فخارية .

            مشكلات التنقيب في المواقع المختلفة :

            هناك نوعان من المشكلات تواجه المنقب النوع الأول ، مشكلات خاصة بطبيعة الموقع، والثاني مشكلات تقنية خاصة بطبيعة ونوعية المكتشفات الأثرية و فيما يلى نبذة عن كل نوع:

            - صعوبات خاصة بطبيعة الموقعو منها :

            أ – التنقيب في التلال الأثرية وتصفيتها:

            التنقيب في التلال الأثرية تعتريه بعض المشكلات خاصة إذا كانت تلك التلال تضم مباني أثرية حيث تكثر التكوينات الحجرية وغالبا ما تكون قمم التلال مناطق السكنى ثم تمتد لتشمله ، لذا على المنقب التيقن تماما من أبعاد تلك المشكلة ويدرك جيدا أن التل الأثري لا يجب التعمق في الحفر فيه من القمة، بل يكتفي بالتوقف عند ظهور المباني في أعلى التل ثم يجري تتبع امتداد تلك الطبقة على بقية التل ، فإن الترتيب الطبقي في التل يمتد أفقيا .

            كما توجد بعض المشكلات الفنية التي تعترض المنقب منها على سبيل المثال تحديد أساسات المبنى خاصة إذا كان المبنى قد تعرض لتعديلات وتحويرات أو سلب لأحجاره عبر العصور، كما تنشأ بعض المشكلات من جراء تفكك المباني خاصة تلك التي بنيت من كتل حجرية غير منتظمة ، إذا كانت المراحل المتتالية التي مر بها المبنى قريبة من بعضها البعض ولا يمكن تحديدها بدقة ، كما تحدث بعض المشكلات في تعقب بعض المباني من العصر البيزنطي المبنية من كتل حجرية صغيرة غير منتظمة خاصة إذا ما تهدمت وتناثرت أحجارها . لذا يجب أن يكون الهدف الأساسي في الحفر في التلال الأثرية ربط العلاقة بين الجدران والمباني المختلفة ، ومن الجائز أيضا إجراء دراسة لطبقات التل بحفر مجس من أعلى التل إلى قاعدته وصولا للتسلسل الحضاري في التل . وللتغلب على كل مشكلات التنقيب من البداية يجب تخطيط الموقع إلى مربعات بطريقة الصندوق لإمكانية الوصول للعمائر الموجودة بتكويناتها المختلفة ، ويجب ألا يقل عمق المربع عن ثمانية أمتار تحسبا للتعمق في الحفر بما يضمن عدم حدوث انهيارات مع مراعاة أن تكون الممرات عريضة وآمنة.

            عند ظهور جدران يجب أن يكون الحفر رأسيا بمحازاة الجدار وبدقة شديدة حتى لا نهشم طبقة الجص إن وجدت ويجب ملاحظة الحفرات التي تخلل الطبقات سواء القديم منها أو التي حفرها الباحثون عن الثراء غير المشروع لتحفر مع الطبقة التي حفرت بها ومع ظهور أرضيات متماسكة من التراب أو التربة الصناعية يجب الكشف عن كل المبنى أولا وتحديد ماهيته وأهميته وتقرير ما إذا كان سيزال أم لا والأفضل هنا أن يكون القرار مدروسا على أسس علمية أحيانا يكون المبنى صغير لكنه صغير ونادر وإذا كان من الضروري الاستمرار في العمل فيجب تسجيل المبنى تسجيلا دقيقا ثم ترقيم كل كتلة حجرية وفكه بنظام وتسلسل بحيث يمكن إعادة بناؤه مرة أخرى في موقع آخر.

            لمتابعة العمل في التنقيب بالتل الأثري عقب تسجيل المبنى وفكه وتقطيع الأرضيات الهامة مثل الرخام أو الفسيفساء أو حتى الأحجار المشكلة بأشكال هندسية ثم نتابع التنقيب عن الطبقات التالية والمراحل السابقة لما كشف عنها ولمواجهة مشكلة تداخل المباني المتعاقبة في التل الأثري يجب أولا تحديد العناصر الأصلية ثم العناصر المتداخلة والتي يجب فكها ورفعها بعد تسجيلها بالكتابة والرسم والتصوير ، ثم نختبر أساسات تلك العناصر بعمل مجس اختباري نجمع فيه كل المخلفات وصولا لعمق الحفرة التي حفرت لبناء الأساسات .

            عند إزالة الحفرات المستحدثة على الموقع يجب إزالة الرديم الناعم غير المتماسك مع ملاحظة المخلفات الموجودة فيه وتجميعها لتحديد متى حفرت تلك الحفرات والطبقة التي تنتمي إليها. يجب توفير سير متحرك يعمل بموتور يعمل ببطارية السيارة لنقل الرديم الناتج عن الحفائر أو توفير مولد كهربائي لتشغيله وإن لم يتيسر ذلك يمكن استخدام مواسير قطرها كبير تثبت فوهتها أعلى التل وتنتهي أسفل التل حيث توجد عربات نقل الرديم أو يمكن أن يشكل جانب من التل بدرج يسمح للعمال بالنزول والصعود أما إذا كان الهدف تصفية التل من الآثار واستخدام الأرض لأغراض حديثة كالزراعة أو إقامة مشروع أو مبنى فالأفضل الاحتفاظ بالرديم الناتج بحيث يوضع بالقرب من الموقع لإعادة الردم وتسوية الموقع عقب انتهاء عملية التنقيب.

            ب – مشكلات الحفر في المواقع الطينية:

            غالبا ما تواجه المنقب مشكلة في التنقيب بالتربة الطينية خاصة إذا كانت المباني مبنية بالطوب اللبن وتعرضت لعوامل التعرية فيصعب التفرقة بينها وبين الرديم وللتغلب على مشكلة التنقيب في التربة الطينية يجب أن تكون الحفائر في الاعتدالين ولا يفضل أن تكون في شهري يوليو وأغسطس وذلك لارتفاع درجات الحرارة والتي تؤثر على المباني اللبنية وتفتتها كما أن شهور الشتاء يستحيل العمل فيها لأن الرديم يتحول إلى كتل من الطمي يصعب السير فيه كما قد تضيع اللقى الأثرية ضمن الرديم. ومن الناحية التقنية في التنقيب يجب أن يبدأ العمل عقب الفجر مباشرة حتى تكون الأرض منداة بالرطوبة فيسهل التمييز بين المباني والرديم ، كما يجب أن يفتت الرديم ويفحص جيدا حتى لا نفقد أيه لقية كما يفضل غربلة الرديم في الموقع يفضل أيضا استخدام الفأس والقادوم والمسترين العريض طبقا لمقتضيات العمل ويحسن تنظيف الأدوات أولا بأول حتى لا تعلق بها الطينة وتفسدها كما أنها تكون أثقل وزنا وأصعب في الاستخدام فضلا عن الأضرار التي يمكن أن تلحق بالأثر.

            ج - مشكلات الحفر في التربة الجيرية والحصوية:

            تتمثل مشكلة تواجد كتل وحصى جيرية في هذه التربة وهي تستوجب حرصا شديدا والتأكد من الأحجار التي لا تنتمي لمباني ولا توجد عليها زخارف أو نقوش ، ولعلاج المشكلات الناتجة عن هذه التربة أو يجب تفكيك الرديم باستخدام الحجاري مع الوضع في الاعتبار أن تهشيم أي حجر تحسبا لكونه جزء من مبنى أو ينتمي إلى مبنى ثم رفع الرديم وتنقل الأحجار غير المنتظمة بالقرب من الموقع أما الأحجار المنتظمة فمن الأفضل ترقيمها وكتابة الطبقة التي عثر عليها فيها لإمكانية استخدامها في الترميم ، أما الأحجار التي تحمل نقوش أو زخارف فيجب نفلها بعيدا عن عوامل التعرية والاحتفاظ بها في المخازن الملحقة بمعسكر البعثة أما إذا كانت تنتمي إلى مبنى وسقطت منه فالأفضل إعادتها إلى مكانها مباشرة استرشادا بتكملة الزخارف.

            صعوبات خاصة بطبيعة المكتشفات الأثرية :

            أ - الكشف عن العناصر المعمارية:

            تواجه المنقب مشكلات متعددة في التنقيب عن الآثار المعمارية أولى هذه المشكلات والتي تطلب الخبرة والعلم هو تصور الأثري المنقب لماهية المبنى وتخطيطه وإعمال الذهن في مقارنته بمباني مشابهة في البلد الذي يحفر به أو أي حضارة أخرى مع وضع عدة تساؤلات للإجابة عليها يمكن من خلالها وضع الخطة المناسبة للكشف عن المبنى وتأتي على رأس هذه التساؤلات كما ذكرت ماهية المبنى ومخططه وطريقة بنائه وتاريخه والعصور التي مر بها وهل تعرض تعديلات وتحويرا وما هي الإضافات وغيرها من الأسئلة التي تجيب عن تساؤل أهم وهو ما أهمية هذا المبنى؟ .


            هناك طريقتان للإجابة عن تلك التساؤلات الأولى تعتمد على علم وثقافة وخبرة المنقب وهي وضع التصور الصحيح في ضوء الشواهد الأثرية وهو أمر نسبي بين منقب وآخر ، أما الطريقة الثانية وهي الأكثر شيوعا وانتشارا – رغم أخطائها- هي تتبع ما يظهر من جدران والكشف عن المبنى بما لحق به من تغييرات وتحويرات وإضافات ، ثم تأتي بعد دراسة المبنى لتحديد العناصر الأصلية من دونها ويمكن التوصل لتلك العناصر بالكشف عن أساسات المبنى وتحديد أي الجدران تتصل بها ومن هنا فإن كل الجدران التي تتصل بالمبنى تكون إضافات لاحقة غير أساسية لكن هناك مشكلة أخرى يجب التنبه إليها وهي أن الجدران الأصلية من الممكن أن تكون قد أعيد بناؤها في فترات لاحقة لتأسيسه أو تكون شهدت تعديلات مثل إغلاق مدخل أو نافذة أو فتح فتحة لتغيير الغرض منها ومثل هذا الموقف تعرضنا له أثناء حفر المبنى ذي الثلاث صلات المعروف بالمدرسة في حفائر كوم الدكة بالإسكندرية أذ عند الكشف عنه وجدنا طبقة من الدفنات الإسلامية يرجع تاريخها للقرن الثامن وبعد إزالتها وتجميع الكتل الحجرية كشفنا عن المبنى وكانت القاعة الأمامية والوسطى تنتهي بجدار على نصف دائرة تتخللها صفوف المقاعد ولكن عند متابعة الحفر لدراسة المبنى والكشف عن الأساسات تبين أن الجدار الأصلي في نهاية الصالة الوسطى كان مستقيما فتبين لنا ان المبنى أعيد استخدامه في مرحلة لاحقة وتم إضافة الحنية ربما لزيادة سعته أو للاستفادة من القاعة المسقوف في فصل الشتاء وفي نفس المرحلة تم إغلاق المدخل الواصل بين القاعدتين الأولى والثانية حيث يبدو الاختلاف واضحا في المونة وحجم كتل الأحجار.

            من الناحية التقنية الفنية في التنقيب والكشف عن المباني:

            أولاً : يجب تحديد وجود مبنى من عدمه وذلك بعمل مجس اختباري فإذا ما تيقن المنقب من وجود جدران يجب عليه أن
            يحدد الحجرات للتنقيب بداخلها والحصول على مخطط المبنى ويمكن الكشف عن امتداد الجدران بمجرد تحديد اتجاه
            أول جدار يظهر ثم نحفر مربعات على نفس المحور بحيث تتقاطع مع الجدران وعندئذ يمكن تحديد مخطط المبنى
            وتحديد مناطق الحفر وتعديل مساحة المربعات في ضوء الشواهد والنتائج التي توصلنا إليها .

            ويمكن استخدام تقنيات حديثة في تحديد مخطط المبنى وذلك باستخدام أجهزة السونار أو الرنين المغناطيسي أو
            الطرق على القضبان النحاسية وتعتبر أجهزة السونار أحدث وأسرع وأدق ويمكن الاعتماد عليها في تخطيط
            المربعات بحيث تصبح الحجرات هي نفسها وحدات الحفر . كما إن هذه التقنيات تساعد أيضا في جس الطبقات
            التالية أسفل المبنى وتحديد ما إذا كان يمكننا الاحتفاظ به أم متابعة العمل بعد تسجيله وفكه .

            وإذا لم تتوفر تلك الأجهزة يجب اختبار أساسات المبنى من الخارج ودراسة المخلفات الأثرية بها لتأريخ فترة
            التأسيس ثم تبدأ إزالة المبنى بالقواعد والأسس العلمية دونما تدمير ، وتستأنف عملية التنقيب بالتعمق في الطبقات
            التالية مع ترك عينات من الطبقات العليا ليمكن دراسة كافة المراحل التي مر بها الموقع .

            ثانياً يجب عدم تغيير ملامح المبنى إلا إذا كان الهدف من الحفائر تصفية المنطقة أو دراسة التطور التاريخي الكامل لها

            ثالثاً: يجب عدم الكشف عن جزء من مبنى في نهاية موسم الحفر بل يجب أن يكون هناك الوقت الكافي والميزانية للكشف
            عنه خلال موسم وواحد أو في المدة المتبقية من الموسم وإذا كانت المنطقة تضم مجموعة من المباني المتجاورة
            فيحسن أن توضع خطة للكشف عنها بالكامل أفقيا ورأسيا في فترة واحدة متصلة وتحديد العلاقة بينها أما إذا كان
            الموقع مساحته واسعة ويستحيل العمل فيها وتغطيتها في موسم واحد مثال مدينة بوتو أو كوم الدكة بالإسكندرية
            والتي تحتاج للعديد من المواسم تمتد لعشرات السنوات فيجب وضع خطة للتنقيب والترميم السريع وعمل الصيانة
            الدورية حتى يمكن الحفاظ على الآثار بحالة جيدة من أول أثر عثر عليه إلى أحدث أثر كشف عنه .

            رابعاً: عند الحفر في الجبانات والمقابر في أنواع التربة المختلفة تظهر بعض الصعوبات التي على المنقب التغلب عليها
            بعضها يتطلب العلم والخبرة مثل التعرف على نوع وطريقة الدفن والعقائد والطقوس المصاحبة لها أثناء وبعد الحفر
            والمستوى الاجتماعي لصاحب المقبرة وطرازها وغيرها أما الصعوبات الأخرى فهي تقنية في المقام الأول فالمقابر
            المبنية والمنحوتة في الصخرغالباً ما تضم أكثر من دفنه ومن هنا يجب أن نضع في الاعتبار استخدام المقبرة على
            فترات متتالية أما الجبانات فهي تظل مستخدمة لفترات طويلة لذا فإن التنقيب في الجبانات يقتضي عدم استخدام
            أدوات ثقيلة ويفضل الحفر باستخدام الفرشاة والمسطرين والمنفاخ ، ويحسن أن يقوم بالتنقيب من لديه دراية بعلم
            التشريح ولديه القدرة الفائقة على التمييز بين الطبقات . وللتنقيب الصحيح في المقابر يجب أن يبدأ الحفر عند الحافة
            ويمتد نحو الداخل ولا يزيد عمق الحفر عن 5 سم ، أما دفنات الحفرات فيجب أن تراعي مساحة الحفرة وعدد العمال
            والفني والمنقب ويفضل أن يقتصر العدد على عامل فني ومراقب فقط ولا تستخدم أدوات ثقيلة

            وتصلح هذه الطريقة في مقابر قبل التاريخ ومقابر الفقراء والمقابر الإسلامية ، أما مقابر التلال أو المعرفة بالمقابر
            المستجيرة فهناك طريقتان لحفرها وبتكرار العملية حتى ظهور الدفنات والهياكل العظيمة أما الطريقة الثانية يقسم فيها
            التل أربعة أقسام بممرين متقاطعين ويتم الحفرفي كل قسم طبقة ثم تنتقل للتالي وهكذا ببقية الأقسام الأربعة ويبدأ العمل
            فيها في الحافة الخارجية ونتجه نحو المركز .

            وبالنسبة للمقابر المنحوتة في الصخر فتعتبر مقابر الفتحات Loculi أسهل في التنقيب وليس هناك مشكلات تقنية فيها
            إذ إنه بفتح اللوحة الغالقة لها يتم استخراج الرديم منها بالمسطرين وبعدها يمكن استخراج أواني حفظ الرماد أو التابوت
            بينما النوع الثاني من المقابر والمكونة من صالة أمامية وحجرة الدفن فمجرد تحديد مدخل المقبرة يصير الأمر ميسرا
            للمنقب إذ إن هذا النوع غالبا ما يحتوي على أكثر من تابوت أو مجموعة من الفتحات وهو غالبا ما يعاد استخدامه عبر
            العصور فتلزم الحيطة في تحديد المراحل المختلفة للاستخدام وهو الأمر الذي يتطلب معلومات عن أساليب الدفن
            والعادات الجنائزية والعقائد الدينية حتى يمكن التميز بين كل طراز وآخر .

            التنقيب عن الآثار المعدنية والفخارية المتهالكة :

            غالبا ما توجد أثناء التنقيب آثار مصنوعة من الفخار أو المعادن تأثرت بعوامل الطبيعة أو تآكلت نتيجة تأكسدها ربما بسبب المياه الجوفية أو الرطوبة وتبدأ أول مراحل العمل بترك تلك الآثار لتتخلص من نسبة الماء وتجف ثم تزال الأتربة من حولها وتبدأ بعدها مرحلة العزل والقوية ثم الاستخراج .

            تقوم فكرة عزل الآثار بتنديتها بمناديل ورقية مبللة بالماء ولفها بها ثم تعمل جبيرة من الجبس حول الأثر وذلك بلف الجزء الظاهر بطبقة سمكها 1 سم من القطن أو الشاش المغموس في الجبس السائل بينما والجزء السفلى يستند على كتلة من التربة وبعد أن يجف الجبس يقلب الأثر برفق بكتلة التربة العالقة به ثم تنظف برفق وتستكمل الجبيرة وبعد أن تجف كلية توضع في صندوق وحولها فللين أو فوم أو ورق أو قش وتنقل للمعمل للمعالجة والترميم .

            من الممكن صهر شمع وصبه فوق الأثر ليتجمد عليه ثم ينقا للمعمل وهذه الطريقة تناسب الآثار الصغيرة والتي يخشى عليها من التلف السريع وهي طريقة اقتصادية إذ يمكن أن يصهر الشمع بالتسخين في المعمل ويعاد استخدامه وسائل .

            التقويم الزمني للآثار - التأريخ علم وخبرة :

            يستخدم علماء الآثار وسائل متعددة لتأريخ المكتشفات الأثرية طبقا لنوع الآثار المكتشفة ، ويمكن تقسيم تلك الوسائل إلى قسمين رئيسين الأول منهما الوسائل المعملية والثاني هو الوسائل الحقلية ، ولبيان أهمية التأريخ الصحيح في علم الآثار علينا أن نتذكر التعريف العلمي للآثار وهو كل ما هو قبيح أو جميل خلفه الإنسان في مكان ما في زمن ما أي أن الزمن وهو التأريخ في العمل الميداني شطر الآثار ومن ثم تبرز أهمية الوسائل المستخدمة في التأريخ ودقتها بنوعيها.

            أولاً: الوسائل الحقلية :

            تعتمد الوسائل الحقلية على دراسة المعالم الفنية للأثر من خلال ثلاثة عناصر أساسية أولها المادة المصنوع منها الأثر ، ثانيها الموضوع الذي يصوره أو يمثله وثالثها التقنية التي نفذ بها ومكان صناعته ن وتجتمع هذه العناصر لتحدد الطراز الفني وبالتالي زمن صناعته واستخدامه كما تعتمد الوسائل الحقلية على علم دراسة الكلام Philology في قراءة النقوش والكتابات من خلال النص نفسه وسطر الكتابة وشكل الحروف وجميع تلك الوسائل تخضع للإمكانيات العلمية وتخصص المنقب العام والدقيق .

            دراسة الطبقات Stratigraphy :

            تنقسم دراسة الطبقات إلى نوعين أساسيين الأول منهما الترتيب الجيولوجي والثاني دراسة ترتيب طبقات التربة ومخلفاتها الأثرية بالتحليل والمقارنة مع مناطق مشابهة في ذات الحضارة أو حضارات مشابهة .

            أ – دراسة الترتيب الجيولوجي لطبقات الموقع :

            لا تصلح هذه الدراسات إلا في المناطق التي ترجع حضاريا للعصر الحجري القديم ، نظرا لطبيعة تكوين التربة الجيولوجي في هذا العصر ، فعقب التنقيب في الطبقات المترسبة نتيجة لعوامل التعرية في هذا المناطق تظهر الطبقة الطبيعية بتكويناتها الجيولوجي ، وهي غالبا ما تكون بنفس التكوين الطبيعي مثل التربة الحصوية التي عثر فيها على آثار من عصر البلايستوسين في مناطق وسط أوروبا ،والتربة الطينية بالقرب من مجرى النهر خاصة في المناطق السهلية شبه المستوية حيث تتيسر وسائل الحياة ، وتمثل المواقع من هذا النوع وسيلة سهلة في تحديد تأريخ تقريبي للموقع للجيولوجي المتخصص .

            ب- دراسة الترتيب الطبقي للتربة :

            في المناطق التي تكونت تربتها بفعل العوامل الطبيعية مثل ترسيبات الأنهار وقت الفيضان أو ترسيبات الرياح الموسمية في المناطق الصحراوية والمهجورة إذ إن هذه العوامل متغيرة وغير ثابتة على قوة واحدة وغير منظمة سنويا لذا جاءت التقديرات لعمق هذه الطبقات خلال فترة ما في مكانين مختلفين غير دقيقة وأحيانا غير صحيحة .

            أما إذا كان الظروف المناخية مستقرة هنا فقط يمكن الاعتداد بهذه الطريقة لأن الترسيبات ستكون بنفس السمك مع كل تغيرتعتمد هذه الدراسة على قانون ستينو لترتيب الطبقات بأن الطبقات الأحدث تعلو الأقدم ، ويصلح هذا القانون في الطبقات الناتجة عن العوامل البشرية والطبيعية على حد سواء لكنه على المنقب أن يدرك جيدا أن لكل موقعه ظروفه التاريخية الخاصة لذا فليس من الضروري أن تكون الطبقة التي سمكها نصف متر مثلا وتمتد لمائتي عام أن كل نصف متر يساوي مائتي عام ، بل ومن الممكن أن تكون طبقة سمكها ثلاثة أمتار تمتد لفترة زمنية تعادل نفس العمر الزمني للطبقة التي سمكها نصف متر عن عمر الطبقة لا يقر بعمقها وإنما بموادها ومخلفاتها الأثرية في الطبقات الناتجة عن النشاط العمراني والإنساني .

            ومن هنا كانت الدراسات الأثرية للمخلفات المختلفة وسيلة في تحديد عمر كل طبقة زمنياً تعتمد هذه الدراسة على تطور الفنون البشرية عبر العصور إذ إن الفن يعبر عن العصر الذي وجد فيه فهو مرآة تعكس أحوال المجتمع ، لذا فإن دراسة المخلفات الأثرية من خلال تاريخها الفني هي في الواقع تأريخ لعمر التي وجدت فيها .

            تبرز أهمية المكتشفات الاثرية في إمكانية تطبيق تطور الطرز الفنية في كافة فروع الفن من رسم وتصوير ونحت وفخار ، ويأتي الفخار في مقدمة المواد التي يعتمد عليها في تأريخ الطبقات نظرا لأن طريقة صناعته تكسبه صلابة تساعده على البقاء على نفس الحالة التي صنع عليها ويحتفظ بآثار استخدامه ، إذ يمكن التمييز بسهولة بين المصابيح الفخارية التي استعملت وتلك التي لم تستعمل من خلال آثار الحرق عند فتحة الفتيل .

            ولعل طبيعة استخدام الفخار وقابليته للكسر تجعل مه مادة متطورة بشكل مستمر عبرالعصور فجاء فخار كل عصر ومكان بسمات خاصة تجعل منه مادة خصبة أساسية في التأريخ عكف الكثير من الأثريين على دراسة الفخار وتصنيفه لوضع قواعد للتأريخ بطرز الفخار ، وكان سير فليندرز بتري صاحب الفضل في تأسيس هذه المدرسة في بداية القرن العشرين حوالى عام 1901 من خلال الزخارف والرسوم المصورة على الفخار الذي كشف عنه في ديوس بوليس بارفا Diospolis Parva ، لكن التأريخ من الزخارف فقط قد ينتج عنه بعض الأخطاء إذ من الممكن أن يعاود طراز فني الظهور مرة أخرى بعد أن يتداول لفترة .

            لذا يجب أن يستند الطراز الفني إلى عوامل أخرى لتسانده وتؤكد صحته مثل المادة المصنوع منها مصدرها وطريقة صناعتها وحجمها وشكلها ويسري هذا على كافة فروع الفن والطريقة المثلى لتأريخ المكتشفات الأثرية بصفة عامة تتمثل في تغطية أربعة تساؤلات ،ماهية للأثر ومادته ويقصد بها التعريف بالأثر والسؤال الثاني مصدره وهنا يكون المقصود أين صنع والثالث كيف صنع أو بالأحرى التقنية الحديثة في تنفيذه ورابع التساؤلات ما هو الطراز الفني والإجابة عن هذه التساؤلات تؤدي إلى الإجابة المطلوبة عن تحديد الفترة الزمنية التي ينتمي إليها أي تاريخ الأثر ومن ثم يمكن تفسيره التفسير الصحيح فعلى سبيل المثال كان الفخار في عصور ما قبل التأريخ غير جيد لحرق بل يمكن قياس جودة الفخار بجودة الحرق وصلابته ودرجة لمعانه ، ويجسد الفخار اليوناني نموذجا للتطور ويمثل خصائص يمكن الإفادة منها في التاريخ وفخار فترات المبكرة كان لها حمراء عليها زخارف سوداء ثم في القرن الخامس قبل الميلاد أصبحت الأرضية سوداء والرسوم حمراء ثم في القرن الرابع أصبحت الزخارف بارزة ثم منذ العصر الهلينستي وخلال العصر الروماني بظهور ذلك النوع المعروف التراسيجيلاتا ثم شهد العصر البيزنطي تصوير رموز دينية مسيحية مثل الصليب .

            رغم ذلك فعلينا التنبه جيدا للطينة المصنوع منها لتحديد مكان صناعته حسب لون الطينة فالتربة الطميية السوداء مصدرها بالقرب من النهر بينما الطفلة الصفراء والبيضاء مصدرها المناطق البركانية ز بل قد تختلف الطينة في البلد الواحد إذ إن الطين في قنا يقدم فخارا داكنا صلبا وهو أجود أنواع نظرا لارتفاع نسبة أكسيد الحديد في الطمي ز أما الفخار الفيومي فلونه بني فاتح لاختلاط الطمي بالرمال في منطقة الفيوم ن أما الفخار الصحراوي فلونه أصفر .

            كما يمكن تمييز نسبة وجود الشوائب أو العوالق الجيرية في الفخار عند أخذ مقطع منه ن كما يمكن تمييز رداءة الفخار من هشاشته ووجود فقاعات هواء متفاوتة في الطين . المواد المستخدمة في الفنون المعمارية والنحت ومدلولها التاريخي وأهميتها في التاريخ لا تقل في أهميتها عن الطراز الفني والموضوعات المصورة منها ، مثال ذلك حجر البورفير المصري الذي أصدر الامبراطور كلاوديوس مرسوما بحظر استخدامه لغير الأغراض الامبراطورية ، ومن هنا يتأكد لنا أن جميع الأعمال التي صنعت من البورفير في عصر كلاوديوس كانت أعمالا رسمية ، ومثال آخر نجده في مصر إذ لا يوجد في مصر محاجر رخام أبيض وكان الرخام المادة المفضلة للإغريق لذا جاء الفن السكندري متميزا بأحجام التماثيل الصغيرة نسبيا إذا ما قورنت بمثيلتها في بلاد اليونان وآسيا الصغرى .

            وعلى النقيض من ذلك فلم يعرف الإغريق ولا الرومان استخدام الأحجار المصرية الصلبة مثل الجرانيت والبازلت إلا عندما وفوا إلى مصر وهكذا فإن المادة المستخدمة لها مدلولها التاريخي والحضاري وعلينا أن نستخدمها كأحد عوامل التاريخ للمكتشفات الأثرية ومن الأسس التي يمكن الاعتماد عليها الطراز الفني للمكتشفات الأثرية ، فعلى سبيل المثال تميز كل فنان بطرز وخصائص وبالتالي يمن نسبها إليه وتاريخها بعصره ، فالفنانون الإغريق أمثال بوليكلايتوس وغيره من الفنانين في القرن الخامس وقعوا فلك آلهة الأولمب وصورتهم الرياضية المثالية وعمدوا على تصوير موضوعات مستوحاة من الأساطير وليسبوس في القرن الرابع قبل الميلاد كان له طرازه الخاص وأسلوبه من حيث التقنيات والمواضيع والأعمال ، ويعتبر المصور الشخصي للإسكندر الأكبر ومن بعده عرف الإغريق التصوير الشخصي وامتد للعصر الروماني ويمكن أن مراحل تطور الشخصية في النحت الروماني في تلك التقسيمات التي قام بها بيانكوفسكي

            التأريخ بالنقوش والكتابات :

            تعتبر النقوش والكتابات القديمة من أهم الوسائل الحقلية وأكثرها دقة إذا كشف عنها في الموقع ، ففي بعض الأحيان يكون النقش المكتوب يحمل تاريخا أو حدثا مؤكدا وهنا بمجرد قراءة وترجمة النص يتأكد التاريخ . وفي بعض الأحيان لا يذكر النص أي من الأحداث المعلومة أو الملوك أو الشخصيات لكنه أيضا لا يمكن إهماله إذ يمكن استقاء معلومات من سياق النص أو التأريخ بشكل الحروف والطريقة المكتوبة بها ، مثال ذلك الحروف التي أضيف للابجدية المصرية القديمة في العصر البطلمي أو تطور شكل الحروف اليونانية من عصر لآخر .

            ويمكن ايضا التأريخ بطريقة الكتابة إذ قد تكون أفقية أو رأسية أو من اليمين لليسار إلى اليمين أو بطريقة سير الثور المعروفة باسم ( بوستروفيدون) حيث يبدأ السطر الثاني من نفس اتجاه انتهاء الفصل السطر الأول أي إذا كان السطر الأول ينتهي في اليمين فالسطر الثاني يبدأ في اليمين وينتهي في الشمال والثالث يبدأ في الشمال وهكذا .

            العملة القديمة وسيلة هامة في التاريخ الحقلي لا تقل في اهميتها عن النقوش التي تحمل تاريخا لأنها تحمل نقوشا محددة التاريخ والمصدر وسنة السك ةدار السك وأسماء من صدرت في عهدهم أو على شرفهم ، لكن لا يمكن الأخذ بالعملة بسنة إصدارهاكتأريخ للموقع بل يؤخذ بفترة استخدامها فالعملة قد تظل مستخدمة لفترات طويلة لذا فإنه يجب على المنقب أن يضع في اعتباره عدد العملات ونسبة كل فئة وعصرها بالمقارنة مع الإصدارات الأخرى التي عثر عليها معها ، فمن المحتمل أن يعثر على لقية أو خبيئة من عدة إصدارات لذا يجب تصنيفها لمعرفة الأحدث والأقدم وبذلك يمكنه التأريخ الصحيح ومعرفة مدة استخدام العملات الأقدم في مجموعته.

            التأريخ بواسطة حلقات الشجر :

            يعتمد هذا الأسلوب على مبدأ Denderchronology دندركرونولوجي على أساس عدد الحلقات السنوية في جذوع الأشجار المعمرة إذ أن كل سنة من عمر الأشجار تتكون فيها حلقة في جذعها ومن هنا عند قطع جزوع الأشجار يمكن حصر هذه الدوائر المتداخلة وبعددها يمكن تحديد عمر الشجرة بالسنوات ، بل أمكن أيضا تحديد نوع الطقس السائد في فترة نموها فالحلقات الواسعة الكبيرة تنتمي للمناطق المطيرة ، ورغم دقة هذا الأسلوب في التاريخ إلا إنه يمكن الاعتماد عليه في المناطق التي توجد بها أشجار معمرة ولا ينطبق هذا بالتأكيد على مصر والمناطق المجاورة لها أثبتت هذه الطريقة نجاحها ودقتها في مجالات التاريخ للمناطق ذات الأشجار المعمرة وأمكن من خلالها عمل خريطة طقسية لأمريكا الشمالية للثلاثة آلاف عام الماضية .

            الوسائل المعملية التحليل - الذري للكربون المشع :

            ليس في الامكان تقدير مدى أهمية التاريخ باستخدام الكربون المشع (14) في مجال الآثار منذ اكتشاف هذا الكربون عقب الحرب العالمية الأولى ونال مخترعها ويلاردف ليبي جائزة نوبل للسلام على هذا الاختراع والأساس الذي تقوم عليه هذه الطريقة هو أن الأرض تتعرض باستمرار لإشعاع كوني ،وينتج كربون 14 من رد الفعل الذي يترتب على ذلك في طبقات الجو العليا بين النيوترونات وذرات الازوت ولما كان تفق النيوترونات ثابتة طيلة آلاف السنوات الأخيرة فإن نسبة الكربون على هذا النحو لم تتغير أيضاً.

            وفي الهواء الجوي تتفاعل ذرات الكربون 14 كيميائيا مع الأكسجين فتكون غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يختلط بالتالي مع ثاني أكسيد الكربون العادي (ذراته التي تحتوي على 6 نيوترونات خاملة ليس لها نشاط و6 بروتونات) وينفذ هذا الغاز الكربوني الجوي في الأنسجة الحية عن طريق النبات فالحيوانات آكلة العشب ثم الحيوانات التي تتغذى عليها ...إلخ ومن ثم تحتوي الحيوانات على كربون 14 وعلى ذلك فإن كل كائن حي يحتوي على كربون 14 بالتركيز الذي يوجد فيه هذا الكربون في الهواء الجوي في الزمن الذي يعيش فيه الكائن الحي، وعندما يموت الكائن الحي وتنقطع صلته بالهواء الجوي لا يتخذ الكربون 14 الذي يحتويه بإضافة من كربون 14 الآتي من السلسلة الغذائية ، ومن ثم يبدأ تركيز كربون 14 في التناقص من الأنسجة

            وتبعا لقوانين النشاط الإشعاعي تختفي المادة المشعة بمعدل النصف كل حقبة أو "نصف العمر" وتساوي حقبة الكربون 14 حوالي 6000سنة تختفي نصف الذرات الباقية بدورها أي أن الرقم البدائي يستهلك ثلاثة أرباعه. وحتى عام 1900 كان تركيز الكربون 14 في الهواء المحيط بنا يعطي لكل جرام من الكربون نشاطا إشعاعيا يقدر بحوالي 15انحلالا في الدقيقةDPM دي بي إم وتسمى هذه الطريقة للتعبير عن النشاط الإشعاعي "النشاط النوعي "بعبارة أخرى فإن 15انحلالا في الدقيقة للجرام الواحد في حالتنا هذه يعني أن بين الخمسين ألف مليون مليون مليون ذرة كربون 12في جرام واحد يوجد حوالي 650مليار ذرة من كربون 14 يختفي منها 15كل دقيقة بفقد النشاط الإشعاعي ،وعلى هذا فبعد انقضاء 6000سنة على موت الكائن الحي يصير النشاط النوعي للكربون 14 حوالي 7.5دي بي إم للجرام الواحد وبعد 12 ألف سنة لا يزيد عن 3.75 دي بي إم للجرام الواحد وهكذا دواليك.

            وباستخدام عينات كبيرة إذا تيسر ذلك وأجهزة فعالة القياس للنشاط الإشعاعي وأمكن مثلا تأريخ أشياء خشبية ترجع إلى 5000سنة مضت ومع ذلك يطبق التاريخ باستعمال الكربون 14 على أشياء لم يمض عليها ما يتراوح بين 10000سنة و15000سنة ومعظمها من الخشب ولكن يمكن استخدام هذه الطريقة أيضا مع العظام والأنسجة والعاج والحديد (يحتوي الحديد على نسبة قليلة من الكربون الناتج من العينات القديمة من الخشب.

            اختبار التألق الحراري:

            التألق الحراري المستحث طريقة أخرى لتأريخ الأواني الخزفية والفخارية و هذه الطريقة استخدمت لأول مرة عام 1960على يد جورج كيندي وأصبحت بالتالي بعد أن طواها الباحثون في جامعتي اكسفورد وبنسلفانيا أداة مفيدة للغاية وذات أهمية كبيرة بسبب كثرة وجود الفخار في المواقع الثرية والحفائر وتعتمد هذه الطريقة على تأثر الإشعاع بتغير التأثير الإلكتروني للمواد العازلة فتخزن كمية الطاقة فإذا سخنا المادة إلى درجة حرارة معينة تبدأ بالقوى التي تحتجز الألكترونات التي تغير وضعها في الانطلاق ويرتخي البنيان وتتحرر الطاقة المختزنة في هيئة انبعاث ضوئي حيث يصدر جزء كبير من الإشعاع الذي يستثير هذا التغيير من عناصر مشعة طبيعية موجودة بمقدار ضئيل في الفخار مثل اليورانيوم والنيوريوم والبوتاسيوم وتحتوي التربة المدفون فيها الخزف أيضا على عناصر مشعة طبيعية تؤثر في الفخار بكيفية مماثلة وتسهم الأشعة الكونية أيضا في التلفيات المترتبة على الإشعاعات .

            وبمرور الزمن تختزن المادة مزيدا من الطاقة ويعمل الجهاز عندئذ عمل الكرونوميتر - مقياس الوقت - ونقطة الصفر فيه تقابل آخر تسخين للمادة إلى درجة الحرارة التي تتيح للجهاز أن ينطلق وهي بالنسبة للفخار تمثل تاريخ إحراقة في المرحلة النهائية من صنعه فإذا أريد تأريخ جزء فخارى باستخدام هذا الكرونوميتر فانه يتعين معرفة عناصر هامة وقياسها مثل جرعة الإشعاع التي سجلها الكرونوميتر منذ أن بدأ يعمل ويمكن الحصول على هذا بقياس المركبات المشعة من هذا الجزء والتربة المدفونة فيها ويمكن تقدير الإسهام الضئيل للأشعة الكونية وحساب المقدار السنوي للإشعاع و كمية الطاقة المختزنة في العينة ولقياسها يجب أولا بسط وتثبيت طبقة رقيقة من مسحوق دقيق جدا مأخوذ من العينة فوق كتلة معدنية ويوضع أمامها جهاز لقياس الضوء( مضاعف ضوئي) ثم تسخن الكتلة المعدنية تسخينا إلاكترونيا بحيث ترتفع درجة حرارتها (وكذا درجة حرارة العينة ) بالتدريج وانتظام وتقاس درجة الحرارة والضوء المنبعث وتسجلان باستمرار لإعطاء منحنى للتألق الحراري الصناعي وكل مادة تسخن تبدأ من درجة حرارة معينة في انبعاث الضوء، والمطلوب إذن في هذه الحالة قياس الضوء الإضافي الذي يشعه الفخارو حساسية العينة بالنسبة إلى الإشعاع المستحث وتقدر بقياس التألق الحراري الصناعي المستحث بتعريض العينة للإشعاع بكمية معينة من الأشعة حين يبلغ القياس الأولى نهايته.

            وبجمع هذه العوامل الثلاثة في معادلة نحصل على عمر الجزء الفخارى وتتطلب عملية التأريخ بهذه التقنية عملا متقنا وعناية شديدة من ذلك أنه يجب طحن العينة باحتراس وإذا طحنت طحنا سريعا وعنيفا فإنها قد تسخن بسرعة وتبعث الضوء قبل الأوان ومع ذلك فقد أصبحت هذه التقنيات دقيقة ومضبوطة وتتيح إجراء عددا كبيرا من التأريخات التي كانت حتى وقت قريب مشكوكا في صحتها وهناك فضلا عن الاجزاء الفخارية أشياء خزفية أخرى أمكن تأريخها فقد أجريت تحليلات لتماثيل من طين محروق وفخار كشف أحيانا أنها مزيفة.

            اختبار نسبة الفلورين في العظام:

            يقوم هذا التحليل على أساس أن العظام تمتص مادة الفلورين من التربة الرملية والحصوية التي دفنت فيها والفلورين عنصر غازي على شكل فلوريدات موجودة بكثرة في المياه الجوفية عادة بنسبة جزء واحد في المليون ، ولذلك فعندما تتصل أيونات الفلورين مع فوسفات الكالسيوم الموجودة في العظام والأسنان وآلاف السنين في أرض رطبة أو رملية أوحتى في بعض أنواع الطين فإنها تمتص أيونات الفلورين من المياه الجوفية ، وعندما تدخل هذه الأيونات في العظام تبقى (إلا إذا أصبحت التربة حمضية تتحلل بسببها العظام) وتستمر هذه العملية بصفة مستمرة وتزداد كمية الفلورين في العظام مع مرور السنين.

            هذه الطريقة لا تنجح إلا مع المناطق المكشوفة الشاسعة التي تكون التربة فيها دائما رطبة ولا تصلح للمناطق الجافة وتحتاج العظام الفارق الزمني بينها طولا في نفس المنطقة.

            قياس القوة المغناطيسية للفخار:

            تعتمد هذه الطريقة على قياس القوة المغناطيسية الناتجة عن وجود 5% من أكسيد الحديد وعند حرق الطين توجه دقائق أكاسيد الحديد المغناطيسية في اتجاه المجال المغناطيسي الأرضي ويظل هذا الوضع حتى بعد أن يبرد الفخار وبقياس قوة المغناطيسية في الكرة الأرضية في أقصى قوة لها وأضعف قوة لها مقارنة مع القوة الحالية واستطاع العلماء بناء على تغير اتجاه المجال المغناطيسي في كل مكان به فرن حرق ثابت عبر العصور أن يوضحوا العلاقة بين اتجاهات المجال المغناطيسي والسنين لكن جدوى هذه العملية تقتصر على تحديد زمن آخر حرق في الفرن الثابت.

            أهمية التسجيل الأثري:

            تكمن أهمية عملية التسجيل الأثري للموقع تسجيلا عمليا دقيقا بكل الوسائل من وصف ورسم وتصوير وراء أسباب مختلفة فإذا ما تمت هذه العملية بشكل دقيق دونما إغفال لمظاهر التباين في الطبقات المختلفة وموضع اكتشاف الأثر وحالته و وقت الكشف عنه فانه يمكن حينئذ فقط إعادة ترتيب وبناء الموقع الأثري على حالته قبل الحفر على الورق كما يمكن أيضا استنتاج حقائق عملية من واقع البيانات الدقيقة للسجل إذ يمكننا من خلال تحديد موضع العثورعلى الأثر وطبيعة الطبقة التي كشف عنه فيها وعلاقة المكتشفات معا أن نقرأ هذه الطبقات قراءة صحيحة وتبرز أهمية التسجيل الأثري في كونها ذاكرة ثابتة تسجل كل ظروف الكشف الأثري ومراحله ومحتوياته وغيرها من البيانات التي قد تفقدها الذاكرة الآدمية مما يعتبر صيانة لترتيب الطبقات التي لا يمكن إعادته إلى أصله الأول .

            وتقوم عملية التسجيل بدور هام لدارسي الآثار المتخصصين بما تتيحه لهم من فرصة دقيقة للتعرف على كافة البيانات اللازمة للدراسة بما يحقق الهدف الأصلي من ميدان علم الآثار ألا وهو التعرف على الحضارات البشرية الغابرة ، كما يستطيع دارسي الآثار من خلال التسجيل الدقيق أيضا أن يصححوا أو يعيدوا تقييم استنتاج المكتشفات بما يعود بالفائدة على الهدف الأصلي الذي أجريت من أجله الحفائر.

            وسائل التسجيل الأثري:

            أ - الخرائط ومساقط ومقاطع المجسات:

            وتستخدم هذه الخرائط في مرحلة المسح الأثري وأثناء الحفائر ، ويمكن للأثري بقليل من مبادئ المساحة والرياضيات أن يجيد استخدام هذه الخرائط وأن تكون دقيقة بالدرجة الكافية وإن كان من الأفضل وجود مساح متخصص في مرحلة المسح الأثري.




            ب – التصوير الفوتوغرافي:

            يبدأ استخدام الكاميرا من اللحظة الأولى لعملية المسح الأثري وقبل بدء الحفائر ويستمر استخدامها أثناء الحفر في كل لحظة قبل بدء العمل اليومي وأثناء عملية الحفر، وعند الاكتشاف وعقب الاكتشاف وعقب انتهاء العمل اليومي، يجب أن يكون لدينا سجلا كاملا من الصور لكل مجس وموقع أثري من أكثرمن زاوية وبأنواع من السلبياتNEGATIVES والشرائح POSITIVES يمكن من خلالها إعادة بناء الموقع مرة أخرى.

            ويجب أن يكون هناك أرشيفا خاصا بالبيانات يحمل أرقاما وموضوعاته تسجل عليه حتى يمكن إعادة طبعها عند الضرورة وأن يكون هذا الأرشيف في ظروف ضوئية مناسبة للحفاظ عليه أطول فترة ممكنة.

            ج – التصوير بالفيديو:

            يمكن استخدام كاميرات الفيديو والوسائل المرئية الحديثة في عملية التسجيل الأثري إلى جانب التصوير الفوتوغرافي ، ويمكن الإفادة من التكنولوجيا الحديثة والمتقدمة باستخدام (الحاسب الآلي ) في التصوير بكاميرات الفيديو وطبع صور فوتوغرافية منها.

            د – الحاسب الآلي " الكمبيوتر" :

            قدمت التكنولوجيا الحديثة برامج خاصة تستخدم في عملية التسجيل الأثري من حفظ معلومات وفهرسة ورسم معماري وإعداد تصورات متكاملة للأصول القديمة للمكتشفات بل وإعداد الدراسات التحليلية البيانية اللازمة في حينها ،لذا يمكن الاعتماد على هذا الجهاز الحديث ولكن يجب أن تكون هناك نسخ متعددة من الأقراص "الديسكات".
            هـ - مذكرات تسجيل اليومية :

            تدون في المذكرات اليومية كافة الملاحظات والأحداث منذ اللحظة الأولى لإعداد الحفائر ، يراعى الأمانة والدقة وقوة الملاحظة عند تدوين كافة المشاهدات لتصبح حقائق واقعية يمكن الرجوع إليها، وهذا الجزء يتم بصورة آلية دونما استنتاج أو تفسيرأما عند كتابة ملاحظات خاصة أو استنتاجات بعينها يجب أن تكون منفصلة عن المشاهدات والمتغيرات التي تحدث في الحفر.

            ح ـ السجلات الخاصة بالقى الأثري:

            تنقسم هذه السجلات بدورها إلى قسمين الأول هو سجل عام يضم كافة المكتشفات الأثرية التي عثر عليها أثناء الحفر ويأخذ كل أثر رقما خاصا بالحفائر وتوضع في هذا السجل عدة بيانات تضمن موضع العثور عليه ، والطبقة التي عليه فيها ، والعمق ، المادة المصنوع منها، ومقاساته، وحالته عند الكشف ، تاريخ الاكتشاف رسم المكتشف، وصف دقيق للأثر.

            أما النوع الثاني من السجلات فهو السجل الخاص ويتم فيه عمل سجل خاص حسب نوعية مادة الآثار كالفخار ، المعدن ، الأحجار ، الصخور أو أن تكون حسب نوع الأثر كالمسارح ، العملة ، النحت ، الأواني، الأدوات، التوابيت ، والجعارين ...إلخ.

            ويجب أن يتضمن هذا السجل نفس بيانات السجل العام بالإضافة لرقم خاص حسب النوع بالإضافة لرسم وصورة من مختلف الجوانب قبل وبعد الترميم إن حدث، ومكان حفظ الأثر ويفضل أن تكون هناك خانة خاصة بالمتابعة بالنسبة للمواد التي قد تتفاعل مع البيئة الجديدة التي تحفظ الأثر، وخانة خاصة بالعصر الذي ينتمي إليه ،والنشر إن وجد.

            تسجيل موقع الحفائر:

            يجب تحديد مستوى سطح البحر قبل إجراء الحفائر وإن تعذر ذلك يجب أن تحدد نقطة ثابتة بالقرب من موقع الحفائر معلوم ارتفاعها عن مستوى سطح البحر و يراعى عند اختيار هذه النقطة أن يمكن رؤيتها من جميع زوايا موقع الحفر وإن أعمال التنقيب لن تصل إليها سواء بالرديم أو الحفر و يحسن اختيار النقطة الثابتة على صخر بارز ويكون تحديدها بألوان ثابتة أو سيخ من الحديد يثبت بالأسمنت ، وإذا اتسع نطاق الحفائر يمكن اختيار عدة نقاط ثانوية لها علاقة بالنقطة الثابتة الأصلية من حيث الارتفاع والبعد والزاوية والاتجاه ... إلخ، وتعرف هذه النقطة اصطلاحا Datum point. وعند تسجيل أعمال اليومية في المذكرات يجب أن نحدد موقع هذه النقطة والمعدن المصنوعة منه ووصفها وصفا دقيقا ، كما يجب أن يحدد موقعها على كافة خرائط التسجيل سواء كانت داخل موقع الحفائر أو خارجه، غالبا ما يصطلح عليها في الخرائظ بشكل صليب داخل دائرة.

            التصوير الفوتوجرامتري:

            يتم التصوير الفوتوجرامتري من الجو بحيث تظهر على الورق كما لو كانت رسمت بخطوط تحديدية تسجل كافة العناصر من ارتفاعات وانخفاضات بنسب طبيعية، حيث تؤخذ الصورة من جهاز Stereo Scope بمساعدة جهاز phototheodolite وتخرج الصورة موضحة بخطوط طولية وكافة المقاسات اللازمة للتسجيل.

            و لا يصلح هذا الجهاز إلا للتصوير والتسجيل في الأماكن الواسعة والمكشوفة نظرا لأنه يشغل حجم حجرة كبيرة ولا يصلح لتصوير أماكن مغلقة ضيقة كالمقابر ويفضل استخدام هذه الطريقة قبل الحفر لتسجيل الموقع قبل الحفر ثم في نهاية الحفر لتوضيح نتائج الحفائر.

            كيفية تحديد موقع اللقى الأثرية :

            يجب أولا تحديد ارتفاع أوتاد الأركان الأربعة للمربع ويفضل أن يسجل مستوى الارتفاع كتابة على الوتد وهناك طريقتان لتحديد موقع اللقية الأثرية، الأولى باستخدام مثلث قياس Measuring Triangle وهو مثلث خشبي (من الأبلاكاج) قائم الزاوية مثبت في كل ضلع من ضلعي الزاوية القائمة ميزان مائي يمكن رؤيته من الجانبين وللقياس الدقيق يستخدم ميزان تقاله مع المثلث

            أما الطريقة الثانية فهي أبسط ويمكن صناعتها يدويا في الموقع حيث تتطلب وجود دوبار وثقل ومشبك كبير ومسامير تثبت فوق الأوتاد . بحيث يثقب المشبك عند طرفي الضغط وينفذ منها دوبار يمر بين طرفي المشبك (الماسك) يثبت في نهايته ثقل خفيف ويدلى الطرف بالثقل حتى يلامس اللقى ثم يضغط المشبك مباشرة وبقياس المسافة من موضع المشبك حتى طرف الثقل يكون العمق ويجدر الإشارة أن المشبك يمر بين دوبار يصل بين وتدين أو ثلاث من أوتاد المربع العلوية وهو مستوى القياس. تسجيل الطبقات: تأتي أهمية دراسة الطبقات وتسجيلها تسجيلا دقيقا ، ونظرا لأن الطبقات الأثرية ليست مستوية ولا متساوية وليس بسمك ثابت فمن النادر أن تدمر مدينة ويعاد بناؤها بالكامل في فترة واحدة بل ليس هناك منزل أو مبنى يدمر ويبنى في نفس الوقت ، ويتضح هذا بجلاء في المدن ذات الموقع الثابت والتي تتطور طوبوغرافيتها رأسيا وأفقيا مثال ذلك : مدينة الإسكندرية ، فالمدينة الرومانية تنخفض عن المدينة البيزنطية بحوالي3.5م بينما تنخفض البيزنطية 6.5م عن مستوى المدينة الحديثة بينما تقع المدينة البطلمية على عمق 13م من مستوى المدينة الحديثة وعلى الرغم من هذا فإن بعض الشوارع الرومانية والتي أقيمت فوق شوارع هلينستية ارتفعت بما يزيد عن قامة رجل مرتين خلال عصر واحد بينما هناك شوارع أخرى ظلت على أهميتها ولم يتغير منسوبها.

            يبدأ التسجيل العلمي للطبقات أثناء الحفر منذ بدء العمل ويجب أ ن يلاحظ التغيير الذي يطرأ على لون الطبقة حتى يمكن أن تميز طبقة عن غيرها وعند تغير اللون يجب أن يثبت مسمار وبطاقة في القطاع الرأسي وهكذا كلما تغير اللون تثبت بطاقة جديدة ،ويسجل على هذه البطاقة البيانات التالية:
            1 - منطقة الحفائر:..............................
            2 - موقع الحفر:.............................
            3 - رقم المربع :............................
            4 - اتجاه الجانب الذي ثبتت فيه البطاقة :...................
            5 - الطبقة ووصفها ومكوناتها كأن تكون أحجار أو صخور أو رمل أو زلط أو طين أحمر أوأسمر...إلخ.
            6 - مقاس الطبقة من سمك وامتداد:...........................
            7 - المخلفات الأثرية التي وجدت ضمن الطبقة كأن تكون فخار- زجاج – عظم – صاج- رصاص ... إلخ(أي المادة).
            8 - رقم الطبقة:.................................
            حيث يبدأ الترميم من أعلى أي من بداية الظهور.

            كيفية رسم كسرات الفخار المخصصة للدراسة :

            لعل من أسوأ الأفكار التي تطبق في دراسة الفخار هي السماح بكسر الكسرات الفخارية باستخدام المنشار لمعرفة الطينة ولونها ودرجة الحرق وغيرها من البيانات اللازمة لدراسة الفخار ، أولا يجب أن يراعى أن يكون خط النشر بالمنشار بزاوية قائمة تماما أي عبارة عن خط مستقيم يشطر الكسرة طوليا ، توضع نقاط على الكسرة تحدد خط القطع أو النشر ، ثانيا ترسم الكسرة باستخدام المشط المتحرك بنفس الأسلوب المتبع في رسم أجزاء الأواني ، ويستخدم قلم رصاص سميك نسبيا لتمييز هذا الرسم وفي حالة إعداده للنشر العلمي يجب أن ترسم بقلم رفيع السن .




            تفسير المكتشفات الأثرية

            كيف يستفيد عالم الآثار المنقب من نتائج حفائرة ؟ وكيف يستغل تلك الآثار ؟ هذا السؤال سوف يظل دائما محل اهتمام كل من ينقب عن الآثار فتفسير تلك الآثار وتاريخها من أهم أهداف عملية التنقيب ، وواقع الأمر أن التسجيل الدقيق لكافة مراحل التنقيب بكافة الوسائل المقروءة والمصورة والراية الواسعة بطبيعة الموقع وتاريخه والثقافة الواسعة للمنقب تمكنه من أن يفسر مكتشفاته تفسيرا علميا دقيقا .
            يجب أن ندرك تماما طبيعة عملية التنقيب وكيف أننا نعود بعجلة الزمن إلى الوراء ورب طبقة واحدة تضم مخلفات قرن أو اثنين من الزمان وأنه مهما تعاظمت معلوماتنا عن الماضي فهي محدودة بل هناك العديد من الجوانب التي قد تكون مجهولة تماما وإذا كانت طبيعة دراسة المنقب تنصب على عصور زمنية طويلة فإن القرن يعتبر فترة قصيرة في عرف هذه الدراسة .

            فتصير مشكلة التاريخ والتفسير عسيرة جدا متى اختلطت مخلفات عدة قرون في طبقة واحدة ويزداد الأمر صعوبة متى تباينت جودة وقيمة تلك المكتشفات خاصة إذا كانت داخل مبنى واحد ولعل هذا ما يضفي على علم الآثار نوعا من التحدي الذهني والثقافي فعلم الآثار هو الوحيد الذي يستنطق الحجر فيجعله يبوح بأسراره فهذا هو بالتحديد طبيعة عمل عالم الآثار.

            تعتمد عملية التفسير على دقة التنقيب وتدوين كافة الملاحظات الهامة والثانوية على السواء فقد تكون ملاحظة عابرة مفتاحا لتفسير ماهية مبنى وطبيعة استخدامه فدقة الملاحظة وتسجيل كافة المخلفات واللقى في طبقاتها يساعد على دقة وصحة الاستنتاج وهنا أضرب مثلا أنه أثناء قيام البعثة المصرية البولندية بالتنقيب في منطقة كوم الدكة عام 1986 لاحظت ضمن الرديم وجود صف من أعناق الأواني الفخارية متتالية ومتداخلة ضمن الرديم ولما كانت هذه الظاهرة غريبة تم تصويرها وتسجيلها ثم تابعنا الحفر وتصادف بعد ذلك أن عثرنا على صف آخر في مبنى فيلا في وسط التل يستخدم في صرف مياه الحمام ومن هنا استطعنا تفسير المبنى السابق على اعتباره مرحاضا ملحقا بمبنى البلايسترا ولو كنا أغفلنا هذا الصف من أعناق الأواني الفخارية لظل هذا المبنى مجهول الهوية.

            وتزداد صعوبة التفسير والتأريخ أكثر متى كانت الاكتشافات تخلو من الكتابات والنقوش وهنا فقط تتعاظم أهمية التسجيل الدقيق وتدوين الملاحظات الدقيقة مع خبرة وسرعة بديهة المنقب ومهاراته الأساسية فوسائله الشخصية وشخصيته وثقافته الواسعة هي وسيلته التي تتيح له تفسير تلك المكتشفات فعليه أن يستنتج الترتيب الزمني من ملاحظاته التي سجلها فعلى سبيل المثال إذا كان ينقب في جبانة متعددة العصور عليه أن يدون أولا بأول أوجه الشبه والاختلاف معماريا ومن حيث الأساس الجنائزي والزخارف وطرق الدفن بل وطبيعة الرديم في كل مقبرة وحالة الدفنات وغيرها، فكل اختلاف بين مقبرة وأخرى قد يبرهن به كدليل للتأريخ من خلال الدراسة المقارنة ومن يجب أن يفهم المنقب دائما ويتذكر أن الشيء الذي لا يعرفه يجب ألا يهمله .


            يعتبر منهج الدراسة المقارنة للمكتشفات أحد أهم وأنجح الوسائل في تفسير وتأريخ تلك المكتشفات خاصة إذا لم يتوافر النص القديم فمن المؤكد سيلاحظ المنقب اختلافا في التقنيات والطرز والزخارف بما يبين أن هناك مراحل فنية متدرجة في المستوى وبالتالي يستطيع ترتيبها بين تقدم وتدهور ، أو بدائي ومتطور تبعا لترتيب الطبقات وتعتبر الأمثلة الواضحة لأي عملية من هذا النوع دليلا في تأريخ بعض هذه المقابر ، وقد يتفق التطور الفني والتقني لهذه اللقى الأثرية والأساس الجنائزي مع مواضعها في الجبانة ، ولن يغيب عن فطنة الأثري المنقب انتظام مواضع العثور على هذه اللقى بما يوحي بالاستقرار وهو الأمر الذي ينعكس على تخطيط الجبانة نفسها ولعل خير مثال على هذا جبانة تونا الجبل بصحراء دوره في محافظة المنيا إذ جاء هنا طرازان من المقابر الأول مبنى بالحجر الجيري ويأخذ معبد ويرجع تاريخه للعصر البطلمي أما الثاني فمبنى بالطوب اللبني والمقبرة على شكل منزل وزخارفها ملونة والجنائز صارت أقل انتظاما في التخطيط وهو الأمر الذي يتأكد بمقارنة كافة العناصر الفنية المكتشفة بهذه المقابر .

            يعتبر تخطيط الجبانة هنا هو الخطوة الأولى في التصنيف وهو الأمر الذي ينطبق على كافة مخططات الجبانات سواء كانت مبنية أو منحوتة في الصخر أو في طبقات متتالية ضمن الرديم ومثلما هو الحال في جبانة بوتو بالدلتا ، ولعل تطبيق قانون ستينو في ترتيب الطبقات هو الحقيقة الثابتة حتى الآن والتي تقول أن الطبقة الأحدث هي الطبقة الأعلى وهو الأصوب ما لم تكن تلك الطبقات غير منتظمة أو امتدت إليها أيدي بشرية أدت لخلط تلك الطبقات وهو الأمر الذي يدركه المنقب الخبير لأول وهلة .

            أما الدراسة التحليلية التي تعتبر الوسيلة الثانية والأهم بالنسبة للمنقب في تأريخ وتفسير المكتشفات التي لا توافر معها نصوص ، إذ يجب أن يقوم بتحليل كل ما سجله في سجل اليومية الخاص بالحفائر ذلك عن طريق عمل جداول في أعمدة متوازية يوضح فيها رقم كل مقبرة وعمقها ووصفها واتجاهها والمكتشفات التي عثر عليها بداخلها مع رمز يوضح عدد وطراز كل نوع من هذه المكتشفات ثم عليه تحليل تلك البيانات فيبدأ بمجموعة المقابر الأعمق لأنها الأقدم ثم يقارن بين محتوياتها ليستخلص أوجه الشبه والاختلاف بينها ثم ينتقل على المجموعة الأعلى وهي الأحدث ويكرر نفس المقارنات بين المجموعة ذاتها ثم يقارن بينها وبين المجموعة السفلى ليرصد ظواهر ومخلفات اختفت في المجموعة الأعلى وتظهر فقط في السفلى أو يرصد مستحدثات تظهر فقط في المجموعة العليا ن أو يمكنه أن يلاحظ تطورا في الطراز أو التقنيات أو الفنون وبالتالي يستطيع أن يستقر على جدول زمني في ضوء تلك المقارنات لا ينقصه الصواب .

            ومن خلال هذا الجدول يستطيع أن يفحص بقية المقابر باعتبار أن المقابر الأقدم تاريخيا هي السفلى أو الأعمق وأن الحدث هي العليا وبالتالي فإنهما تمثلان مرحلتي البداية والنهاية لتاريخ تلك الجبانة وبناء عليه فإن بقية المقابر تمثل بقية مراحل التطور الزمني للجبانة ولكن إذا تشابهت أي من بقية المقابر مع إحدى الطبقتين تنسب إليها أما التي تختلط فيها عناصر المستويين فهي تمثل المرحلة الوسطى أي مرحلة التطور من القديم إلى الحديث ، وللتيقن من صحة تلك الاستنتاجات للدراسة التحليلية يمكن ملاحظة ترتيب مقابر كل نوع وعمقها بالمقارنة مع النوعين الآخرين ، ويجب أن يتفق عمق مقابر هذه المجموعة الوسطى مع ترتيبها الزمني وتدعيم تلك النتيجة بمقارنة مكتشفاتها واللقى الأثرية مع المرحلتين السابقة والتالية لها .

            و بمتابعة التحليل للبيانات المدونة بالجدول الذي يعده المنقب يستطيع أن يستخلص نتائج أكثر دقة وذلك بمقارنة مقابر كل مجموعة من كافة النواحي المعمارية والفنية والجنائزية والدينية ليخلص إلى جدول تاريخي يحدد الأقدم والأحدث بين كل مجموعة ومن هنا يستطيع أن يرصد كافة مراحل الجبانة من خلال تلك الدراسة التحليلية و لعل ما يزيد تلك الدراسة والتفسيرات قوة ويضفي عليها مزيدا من الدقة تصل إلى درجة الحقيقة هي الربط بين هذه النتائج ونتائج التنقيب في بقية الموقع سواء كانت المنازل السكنية أو المعابد أو المباني العامة أو غيرها ولعل أفضل هذه المقارنات غالبا ما تكون فمع نتائج التنقيب في المنازل السكنية خاصة إذا كان ترتيب الطبقات يتشابه مع ترتيب طبقات الجبانة ، فيمكن مقارنة مخلفات كل طبقة مع نظيرتها في الأخرى وبالتالي يمكن الربط بين طبقات البناء المختلفة بالعصور المتتابعة في الجبانة واستخلاص خصائص كل مرحلة من حيث ظروف الحياة اليومية متى كشف عن أطلال معابد تلك المدينة .

            أما تفسير المكتشفات التي تحمل نقوشا أو كتابات فالأمر أكثر سهولة إذ إن قراءة النقش وترجمته غالبا ما تعطي معلومة مؤكدة عن هذا الأثر قد يكون النقش اسما أو يشير إلى حدث تاريخي معروف أو يحمل تاريخا محددا أو قد يكون عبارة عن توقيع الصانع أو أي معلومة من المعلومات التي يمكن توظيفها بالشكل الصحيح لتفسير الأثر وتاريخه .

            يجب على المنقب أن يتذكر أن عملية التنقيب عملية جماعية وانه لا يمكن لفرد مهما بلغ علمه أن يقوم بدراسة كل المكتشفات ، فيجب أن يستعين بمتخصصين في كافة فروع مكتشفاته ليتسنى لهم الوصول إلى نتائج دقيقة ومؤكدة ، لذا فإن الواجب على المنقب ـ إذا لم يتوافر له فريق العمل المناسب ـ أن يكتب تقريرا مفصلا ودقيقا عن كافة مراحل التنقيب لا يهمل فيه صغيرة أو كبيرة ولا يخشى أن يصيب القاريء بالملل فإن مثل تلك الكتابات يقرأها المتخصص الذي يحتاج كافة التفصيلات ليكمل عمل المنقب ويحقق الهدف المرتجي من عملية التنقيب وذلك بدراسة تلك المكتشفات من زاوية اهتمامه وبالتالي يميط اللثام عن جانب من جوانب الحياة الاجتماعية أو الدينية أو الاقتصادية أو غيرها من جوانب تلك الحضارة الغابرة .

            يجب على المنقب أن يسجل رأيه ويقدم معه كل المادة التي كشف عنها وسائر الدلائل التي اعتمد عليها ليدرسها المتخصصون ليقولوا كلمتهم في هذا الشأن فعلى سبيل المثال يقوم عالم الأجناس والسلالات البشرية بدراسة الدفنات ومن خلال علمه بالخصائص العضوية للأجناس يستطيع أن يستنتج معلومات عن الجنس والنوع والعمر والمرض الذي أصابه وغيرها من المعلومات التي يتعذر على المنقب أن يستخلصها.

            إن واجب المنقب الأول هو تجميع المادة التي حصل عليها بالتنقيب ثم ينظمها وينسقها وليعلم انه صاحب الكلمة الأولى فقط ولن تكون له الكلمة الأخيرة أبدا لذا فإن نشر تلك المادة مفصلة تفصيلا دقيقا يسمح للآخرين بأن يدلو بدلوهم ليس فقط في تأييد وجهة نظره بل ربما لتفنيد رأيه واستخلاص الجديد ،رغم كل هذا فإن معايشة المنقب للحظة ميلاد الأثر وتلك المشاعر التي تجتاحه أو الانفعالات التي تعتريه وانطباعاته الشخصية وغيرها من الأهازيج قد لا يعبر عتها تعبيرا دقيقا ـ فالمنقب ليس أديبا ـ لكنه يعرف كيف يسجل ويلاحظ وقد يفتقد المقدرة على الاستنتاج وربما كان لا يملك تلك الموهبة التي تجعل منه مؤرخا ، لكنه يظل صاحب أكبر المميزات من خلال معايشه للكشف الأثري فإن ما يدور بخلده في تلك اللحظة وذلك الطوفان من المعلومات التي تتواثب إلى ذهنه في ومضات سريعة تجعله الشخص الوحيد في العالم الذي انصهرت بداخل عقله تجربة لن تكرر مع غيره ومن هنا تأتي أهمية ما يكتبه فهي تسجل لحظة لا تتكرر، أما إذا كان المنقب صاحب خبرة ومهارة وعلم وله ثقله فإن النتائج التي يصل اليها لا بد وأن تكون ذات شأن لها من القوة ما يدعمه من العلم والخبرة والحجج والبراهين التي غالبا ما تستقيم معها النتائج .

            مجمل القول عن تفسير المكتشفات الأثرية يحتاج على عقلية نابهة مثقفة وإنسان له من الخبرة والدراية وسرعة وحضور البديهة وقوة الذاكرة ، يدعمه علم ومتى توفرت تلك الشروط فإن النتيجة حتما تنحو نحو الصواب وتضيف دائما الجديد من تلك المكتشفات البالغة في القدم .




            --------------------------------------------------------------------------------

            أسم المرجع : علم الأثار المغزى والهدف والوسيلة ، أبراهيم سعد ، 2003
            [CENTER][B][COLOR=blue]مع حبي واحترامي[/COLOR][/B][/CENTER]
            [CENTER] [/CENTER]
            [CENTER]:rolleyes::(:mad::)[/CENTER]

            تعليق


            • #7
              معلومات قيمة ومشاركات غنية الشكر لجميع الاخوان على المعلومات المفيدة
              ودمتم دوم
              اللهم لااله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين
              http://www.rasoulallah.net/

              http://www.qudamaa.com/vb/showthread.php?12774-%28-%29

              http://almhalhal.maktoobblog.com/



              تعليق


              • #8
                لله درك

                وفيت وكفيت
                [CENTER][B][COLOR=indigo][SIZE=7]كل عاااام وانتم بخير[/SIZE][/COLOR][/B][/CENTER]

                تعليق


                • #9
                  الله يبارك فيك
                  مشكور اخي
                  إن للـه عبــــادا فطنـــا .. طلقوا الدنيا و خافوا الفتنــا

                  نظروا فيها فلما علمـوا .. أنهـا لـيـست لـحـي مسكنا

                  جعلوها لـجة و اتخـذوا .. صالـح الأعـمـال فيـها سفنـا

                  تعليق


                  • #10
                    موضوع رائع وجميل من شخص رائع وامير
                    الف شكر
                    سبحان الله وبحمده
                    سبحان الله العظيم
                    استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه






                    إن التَجرُبة فِي الحَقيقة
                    ولَيست النَظرية هِي التي تُحقق النتَائج عَادة ..
                    أرسطو

                    تعليق


                    • #11
                      الصحيح انك امير.....فلتحيا.......
                      [INDENT][FONT=Tahoma][SIZE=7][COLOR=seagreen][I]استغفر الله العظيم اللهم فرج هم المهمومين[/I][/COLOR][/SIZE][/FONT][/INDENT]

                      تعليق


                      • #12
                        السلام عليكم
                        جميل جدا ي أمير
                        كمان و كمان

                        تعليق


                        • #13
                          بوركتم جميعا
                          [CENTER][B][COLOR=blue]مع حبي واحترامي[/COLOR][/B][/CENTER]
                          [CENTER] [/CENTER]
                          [CENTER]:rolleyes::(:mad::)[/CENTER]

                          تعليق


                          • #14
                            كفيت و وفيت أيها الأمير موضوع بل مواضيع أكثر من رائعة و لأن كانت الأولى أقصد المواضيع الأولى تجعلنا نرسل الزفرات على الآليات البسيطة التي لدينا فنحن لا نمتلك الأجهزة التي ذكرتها و لا العلم الذي ذكرته لمعرفة الأرض و خباياها فموضوع الحوار و التحاور أثلج صدري و يا ريت يتعامل به الجميع حتى لا تكون تجاوزات و لا يفهم أحدنا الآخر خطآ بوركت على هذه المواضيع و دمت لامعا معطاءا

                            تعليق


                            • #15
                              بسم الله الرحمن الرحيم

                              بارك الله فيك ورزقك علما واسعا ورزقا وافرا

                              موضوع في غاية الاهمية والفائدة للجميع

                              والله ولي التوفيق
                              [COLOR="DarkGreen"][B][FONT="Impact"][FONT="Arial Black"]في السماء رزقكم وما توعدون [/FONT][/FONT][/B][/COLOR]

                              تعليق

                              يعمل...
                              X