إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

عالم (الفودو)...

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عالم (الفودو)...



    رحلة الى جزر الكاريبي..
    إلى الشمس الاستوائية والجو الحار المشبع برطوبة خانقة..
    إلى المزارعين البسطاء ذوي الوجوه السمراء الباسمة وسط مزارع الموز..
    وقد التمعت جباههم بقطرات العرق التي بدت مع انعكاس أشعة الشمس عليها كحبات اللؤلؤ..
    إلى رقصة (الكاليسبو) على دقات الطبول في ضوء القمر..
    دمى ليست كأي دمى..
    إلى الموتى الأحياء..
    إلى عالم ساحر لن تنمحي ذكراه من مخيلتكم ابدا ..

    عالم (الفودو)...


    =


    الزمن (أميركا) نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر..

    (أميركا) الغضة البكر..التي كانت بحق وقتها أرض الأحلام..والجنة الموعودة
    مخطوطات (كريستوفر كولومبس) و (أمريجو فيسبوتشي) وكلماتهم عن الجنة الموعودة المليئة بالكنوز الغضة داعبت خيال الكثير من الأوروبيين الذين كانوا يقاسون شظف العيش ويطمعون في الثراء السريع..

    لذا..كان القرار الأصوب بالهجرة إلى هناك..
    وانطلق الأوروبيون أفواجا وجماعات صوب جنة الله في أرضه كما كانوا يعتقدون..
    في البداية فوجئوا بسكان (أميركا) الأصليين من الهنود الحمر..الذين انطلقوا يدافعون عن أرضهم أمام المستعمر الجديد..
    كانوا يجابهون بصدورهم العارية بنادق (ونشستر) في أيدي المستعمرين..غير آبهين بالموت في سبيل الدفاع عن الأرض وكنتيجة حتمية..حصدت البنادق أرواح الآلاف..وتناثرت جثث القتلى في طول البلاد وعرضها.. ودانت الأرض للمستعمرين.. وبدؤوا يخططون للحياة الجديدة..
    وبدؤوا يفكرون في تعمير الخرائب التي خلفتها الحروب الطويلة.. ولكن ظهرت مشكلة جديدة..
    كان الأوروبيون قد أنهكتهم الحروب هم أيضا..

    فمن ذا الذي سيقوم بالتعمير؟..
    ومن ذا الذي سيقوم بما لا يقدر عليه الأوروبيون؟..
    من ذا الذي سيقوم على خدمة السادة الجدد؟..
    باختصار..من ذا الذي سيلعب دور العبيد في المجتمع الجديد؟؟

    وظهر الحل الأمثل الذي تفتقت عنه عقول السادة..
    انطلقوا إلى ساحل (أفريقيا) الغربي..(أفريقيا) التي كانت ومازالت تمتلك أكبر ثروة بشرية في تاريخ الأرض.. وهكذا انطلقت السفن مرة أخرى ولكن هذه المرة صوب سواحل (أفريقيا) الغربية..
    انطلقوا صوب (ساحل الذهب) (الاسم القديم لغانا) و(ساحل العاج) (الاسم القديم لكوت ديفوار) و(الكاميرون) و(فولتا العليا) (الاسم القديم لبوركينا فاسو)..و(بنين) و(توجو) و(نيجيريا)..
    وازدهرت تجارة العبيد..



    كانت السفن تعود محملة بآلاف البشر الحالمين بالجنة الموعودة التي وعدهم بها السادة..
    حتى إذا حطوا رحالهم فوجئوا بأنهم تعرضوا لأكبر خدعة في تاريخ البشرية..
    فلا جنة ولا ثراء..بل شظف عيش أقسى بمراحل مما كانوا يعانون منه في بلادهم..
    عمل يمتد لساعات طوال .. يستغرق كل النهار وشطرا كبيرا من الليل في خدمة السادة ..ينهكهم أيما إنهاك..
    لا راتب يتقاضونه..بل فتات خبز يلقى به السادة إليهم في نهاية اليوم الشاق يقيمون به بالكاد أودهم..فيكونون والحيوانات سواء..
    لا بيوت بل أكواخ انتشر العطب في جذوع أشجارها وصارت رائحته تزكم الأنوف وتخنقهم..
    لا أسرة ينامون عليها..بل يفترشون الأرض ويلتحفون السماء
    والعبد المطيع منهم الذي يرضى عنه السادة ربما يحظى بفراش من قش يقيه صلابة الأرض وخشونتها..
    أما من يخطئ فأبشع وسائل التعذيب في انتظاره..وكان أقلها الضرب بالسياط على جسده العاري..أو ربطه في الجواد وسحله لمسافة طويلة ثم يترك ليموت وحيدا..حيث لا وزن لحياة العبد..
    لا رعاية صحية..فمن يمرض يتم عزله عن بقية القطيع حتى لا ينشر الوباء..
    فإن برأ فبها ونعم..وإن قبض أحرقت جثته على مرأى من الجميع..
    وبالطبع كانت طريق العودة مغلقة..فكيف يسمح السادة لهم بالعودة..ومن ذا الذي سيقوم على خدمة السادة إن عادوا هم لأوطانهم؟؟..



    كان العبيد يعاملون بمنتهى القسوة



    فأنى لهم والعودة وهم يفصلهم عن أوطانهم آلاف الأميال من المياه في بحر الظلمات (الاسم القديم للمحيط الأطلسي)
    أما من يحاول الهرب..فكان بانتظاره طلقة أو ربما طلقتين من بندقية تذهب بروحه إلى العالم الآخر..
    أو ربما إمعانا في إذلاله..يترك - برضا السادة - فارا ولا يجهدوا أنفسهم بالبحث عنه..فقط عليه أن يواجه الصحراء بشمسها الحارقة وحيواناتها البرية المفترسة وحيدا بلا زاد ولا ماء ولا سلاح..
    فيكون الموت هو النتيجة الحتمية المنتظرة لمغامرة كهذه..وبعدها ينطلق السادة على جيادهم في رحلة (سفاري) لاصطياد جثته ومن ثم تعليقها على باب كوخه وتركها للنسور والجوارح لتتسلى عليها ليكون عبرة لمن يفكر في الهرب مثله..
    وسط هذا الخضم من العذاب..لم يكن أمام العبيد من تسلية إلا سويعات يقضونها سويا مجتمعين ومتحلقين حول النار في الليل يثرثرون ويتذكرون أيامهم الخوالي ويتندرون بقصصهم وقصص أهليهم..ويمارسون شعائر دينهم..
    كانت هذه هي تسليتهم الوحيدة التي وجدوها لمواجهة قسوة حياتهم..والمحافظة على تراثهم في مجتمعهم الجديد
    كانت تلك العقيدة التي يؤمنون بها هي (الفودو) وكان هذا هو أول ظهور للفودو..في (أميركا)

    ولكن هل كان هذا هو الظهور الأول للفودو على وجه الأرض بالفعل؟؟
    بالطبع لا..لقد ظهر (الفودو) قبل ذلك بقرون قدرها العلماء بعشرة آلاف عام..مع بداية البشر على الأرض..
    ولكن قبل أن أشرح عقيدة (الفودو) دعوني أولا أعرفكم أصل كلمة (فودو)
    ....


    =

    كلمة(فودو)(Voodoo ) مشتقة من كلمة(Vodun ) وتعني (الروح) وهو مذهب ديني عقائدي انتشر في ربوع قارة (أفريقيا)..ومع انتقال الأفارقة كعبيد إلى (أميركا) انتقلت معهم طقوس (الفودو) إلى (أميركا) و(هاييتي) وجزر (الكاريبي)..
    وكأي دين غريب اقتصرت ممارسته على أتباعه دون غيرهم..
    وكانوا يمارسونه كما أسلفت في تجمعاتهم الليلية بعد انتهاء يوم العمل الشاق..
    كانوا يوقدون النار ويتراقصون حولها نصف عراه على دقات الطبول مطلقين الصيحات والصرخات..

    ولكن ويا للأسف.. حتى تلك التسلية لم يسمح بها السادة..
    فكيف يسمحون بتجمعات قد تفضي إلى إرهاصات ثورة هم في غنى عنها..
    لذلك..منع السادة تلك التجمعات وسعوا إلى تشتيت تلك العقائد..وذلك بعدة وسائل
    فكانوا يرغمون العبيد على تعلم الإنجليزية والفرنسية.. ويحرمون عليهم التعامل بلغتهم الأصلية حتى فيما بينهم..
    كما أرغموهم على اعتناق المسيحية..ونسيان دينهم..
    كما أصدروا القوانين التي تجرم ممارسة (الفودو) وتحكم على من يمارسها بالجلد والسجن بل وربما الإعدام في كثير من الأحيان..فمن ذا الذي يقيم وزنا لروح عبد ؟

    والأخطر من ذلك أنهم أطلقوا الشائعات على (الفودو) من أنه مذهب بربري يحض على العنف وممارسة السحر الأسود والإيذاء والقتل..
    حيث قام من يدعى (القديس سانت جون) بتأليف كتاب يدعى(هاييتي الجمهورية السوداء) عام 1884م..
    ادعى فيه أن عقيدة (الفودو) تقوم على السحر الأسود وتشمل تقديم القرابين البشرية للآلهة ..بل وأكل لحوم البشر..
    وتجدر الإشارة هنا أن كل هذه المعلومات مغلوطة بالطبع ولا أساس لها من الصحة..
    حيث تم استقائها من الكهنة الذين أجبروا على كتابة اعترافات بخط أيديهم بذلك تحت وطأة التعذيب..
    كان غرضهم من هذا هو تفريق جماعات العبيد وتحويلهم إلى أفراد يسهل السيطرة عليهم..
    ولكن.. وكما لكم أن تتوقعوا.. فقد جاء ذلك بنتيجة عكسية..





    فقد ازداد خوف الأفارقة على عقيدتهم..واجتمعوا مرارا لتوحيد الطوائف ودمج المذاهب في مذهب واحد يجتمع عليه الكل..
    بل ودمجوا طقوسهم بالديانة المسيحية التي أجبروا على اتباعها..وذلك حتى يتمكنوا من ممارستها دون أن يتعرضوا للعقاب..
    حيث كانوا يحضرون القداس في الكنيسة بانتظام وفي ذات الوقت يمارسون عقيدتهم ولكن في الخفاء بعيدا عن أعين المتطفلين...
    من ثم انتشر (الفودو) بشكله الجديد بانتشار الأفارقة في شتى بقاع الأرض..
    وبهذا لم تندثر عقيدتهم ولا طواها النسيان..
    حتى عائق اللغة انتصروا عليه بإيجاد كلمات بديلة تعبر عن معتقداتهم بالإنجليزية والفرنسية..
    وكان لهم ما أرادوا..
    فقد انتشر (الفودو) كالنار في الهشيم في ربوع الأمريكتين وجزر الكاريبي بل وحتى في أوروبا..حتى وصلنا على صورته الحالية..
    وفي العصر الحديث تعرضت عقيدة (الفودو) لأبشع وسائل الاضطهاد على يد النظام الماركسي..
    ولكن كالعادة..ولد الأمل من رحم المعاناة..واعترف الجميع بعقيدة (الفودو)..
    بل إن بعض الدول رخصت ممارسته قانونيا..
    ففي (البرازيل) يطلقون عليه (كاندومبل)(Candombel )..
    وفي الكاريبي يطلقون عليه (أوبيه)(O'ieh )..
    بل إن حكومة (هاييتي) اعترفت به كدين رسمي كباقي الأديان يحق لأتباعه ممارسة طقوسهم علانية دون أي حظر...
    وفي (بنين) كان يمارس بحرية منذ انتخاب حكومة محلية عام 1989م ..ثم قامت حكومة (بنين) بالاعتراف به كدين رسمي عام 1996م
    إذن فالفودو ديانة وعقيدة..وليست كما وصمها المستعمر الأوروبي من أنها مجرد طقوس سحر أسود ..


    يتبع

  • #2


    ما هي عقيدة (الفودو)





    تجدر الإشارة أولا أن هناك أكثر من 60 مليون شخص حول العالم يعتنقون ديانة (الفودو)..
    ويتركز أغلبهم في (بنين) و(توجو) و(هاييتي) و(جمهورية الدومينيكان)..حيث يمارسون (الفودو) كدين..
    تقوم عقيدة (الفودو) على ثلاثة مفاهيم أساسية هي :
    1-الكون كله عبارة عن كيان واحد..وكل جزء فيه منتمي إليه..
    فلا توجد كيانات منفصلة..
    لا يوجد أنا وأنت..بل كل منا جزء من الكيان الكبير يؤثر ويتأثر بالآخرين بل ويؤثر في الكون ذاته
    2-الإله في ديانة (الفودو) هو إله غيبي غير معلوم يسمونه (أولورون)(Olorun ) وقد خلق هذا الإله إلها أصغر يتخذ شكل أفعى ضخمة يسمونها (أوباتالا)(Obalata )..
    وقد وكل إليها خلق الأرض وأشكال الحياة عليها..
    ولكن (أوبالاتا) حاولت التمرد والاستئثار بالحكم مما حدا بـ (أولورون) لنفيها والقضاء عليها ..
    ثم خلق إلها جديدا يسمونه (داهومي)(Dahomy )..وكل إليه شئون البشر..
    يساعده أعدادا هائلة من أرواح الآباء والأجداد التي يسمونها (رادا)(Rada )..ولهذه الأرواح قادة منهم يسمونها(بترو)(Petro )..
    تلك الأرواح منتشرة في الفضاء حولهم..تعاقبهم أو تساعدهم في أمور حياتهم ..كل حسب إيمانه وإخلاصه..
    لذلك نرى أنهم يقدسون أرواح الموتى ويسعون لإرضائها ..
    لأن الأرواح في معتقداتهم قد عرفت الحقيقة الكاملة والسر الأعظم وصارت في خدمة الإله..
    لذلك تراهم ينسبون كل الأحداث حولهم لأفعال تلك الأرواح..فمثلا :
    الروح المسئولة عن البحر يسمونها(أجوي) (Agwi )
    الروح المسئولة عن قوس قزح يسمونها(آيدا ويدو) (Aida Wedo )
    الروح الحامية يسمونها(آيزا)(Ayza )
    روح الشر تتخذ لديهم شكل حيوان ويسمونها(باكا)(Baka )
    حارس القبور يسمونه(البارون ساميدى)(Baron Samedi )
    الروح المسئولة عن الحب يسمونها(إيزيلي أو إرزولي) Or Ezili) Erzulie )
    روح الإبداع يسمونها(ماويو ليزا) (Mawu Liza)
    روح الشفاء يسمونها(أوجيو بالانيو) (Ogou Balanjo)
    روح الحرب يسمونها(أوجون بوداجريس) ( Ogu Bodagris )
    روح الشفاء يسمونها(أوسون)(Osun )
    روح العواصف يسمونها (سانجو أو شانجو) (Sango OR Shango )
    روح المياه(ييمانيا) (Yemanja)
    روح الزراعة(زاكا أو أوكو)(Zaka or Oko )
    روح الغابات (إيرينل)(Erinle )




    الموسيقى والرقص جزء مهم من ديانة الفودو

    والموسيقى والرقص في عقيدة (الفودو) هما الوسيلة المثلى للاتصال بال(رادا) ..
    لذلك يقيمون الحفلات الصاخبة ويرقصون فيها بجنون على إيقاعات معينة بغية الانفصال عن العالم المادي والوصول لحالة روحانية تمكنهم من التواصل مع الموتى..(تماما كما يحدث في حفلات الزار عندنا بمصر)..
    يسمون تلك الرقصات (الكاليسبو)..
    وأثناء الرقص تتجسد ال(رادا) في أجساد بعض الراقصين..
    وفي هذا دليل أكيد على مدى تدينهم وإيمانهم..
    من ثم يتحولون إلى أشخاص (مبروكين) ويقومون بالنصح والإرشاد والتحذير من أخطار المستقبل..ويسمونهم (لوا)..
    وحفلات الرقص تلك لا ترتبط بوقت معين(كيوم معين في الشهر أو حسب منازل القمر أو الشمس مثلا..
    وهي أيضا ليست يومية..بل ترتبط بمناسبات معينة كالولادة والموت والزواج..
    أو إرضاء لأرواح الأجداد الغاضبة التي ألمتهم بوباء ما أو قحط وجدب..
    3- كأي ديانة أخرى..فللفودو كهنة يطلقون عليهم اسم (الأب)(هونجان Hungan ) و (الأم)(مامبوMambo )..
    أما معابدهم فيطلقون عليها اسم(هونفور أو هامفورت)(Hounfour OR Humfort ) ..يزينون جدرانها برموز متصلة بأرواح الأجداد وكذلك بصور القديسين من المسيحيين..
    وفي منتصفها يوجد عامود حيث يتجسد فيه الإله وأرواح الأجداد..وأسفله يوجد المذبح المقدس المزين بالشموع حيث تقدم الأضاحي إرضاء للإله وأرواح الأجداد..
    والكاهن في عقيدة (الفودو) هو حاكم القبيلة وطبيبها أيضا..
    ويقوم بعلاج أفراد القبيلة بخلطات سرية من الأعشاب تعلمها من أرواح الأجداد ومن الإله كما يقولون..
    وختاما..فقد أسلفت أن معتنقي (الفودو) قد قاموا بدمج ديانتهم بالمسيحية لذلك نجد أن هناك نقاط تشابه عديدة بين (الفودو) والمسيحية منها على سبيل المثال :

    1-كلتا الديانتين تقران بوجود الإله الأعظم الغيبي خالق كل شيء في هذا الكون
    2-كلتا الديانتين تؤمنان بوجود الحياة الآخرة بعد الموت
    3-ال(لوا) عند (الفودو) تشبه (القديسين) في المسيحية..الذين عاشوا حياة استثنائية وكانوا مسئولين عن هداية البشر
    4-تتشابه الديانتين في بعض الطقوس الخاصة بالتضحية وتحريم شرب الدم وتحريم أكل الميتة
    5-كلتا الديانتين تؤمنان بوجود الأرواح الشريرة والشياطين
    6-لكل أصحاب مذهب من معتنقي (الفودو) قديس يتبعونه ويهتدون بخطاه وتلك تطابق فكرة (الراعي الصالح) وقديسي المذاهب المختلفة في المسيحية..
    7-يؤمن أتباع (الفودو) مثل المسيحية أن على روح كل شخص ملاكين حارسين:
    الملاك الحارس الأكبر(جروس بون أنجي ) والملاك الحارس الأصغر(تي بون أنجي)
    الملاك الحارس الأصغر يترك الجسم عند النوم أو أثناء طقوس (الفودو) في الحفلات الراقصة..
    ولذلك يكون الشخص دوما معرضا للهلاك بواسطة قوى الشر أو التلبس بالأرواح طيلة وجوده خارج الجسد..
    وفكرة الملاك الحارس الأكبر و الأصغر موجودة في المسيحية أيضا..

    والآن..
    لقد وصلتني دعوة لحضور إحدى حفلات (الفودو)..
    ((يتشرف (الأب ميشيل).بدعوة سيادتكم لحضور حفل (الفودو) والمقام بمناسبة زواج الابن(ماركوس) والابنة (سيرينا) وذلك في ليلة البدر في قريتنا(فيلاند) ..وبحضوركم تتم المسرات))..
    أنا قررت أن أذهب..فكما ترون أنها فرصة لا تعوض لمشاهدة طقوس (الفودو) عن قرب..
    ماذا؟؟..تريدون الذهاب معي؟؟..هذا أفضل بالتأكيد..حتى إذا تهت وسط الأحراش لا أتوه بمفردي
    ولكن ينبغي عليكم أن تلتزموا بآداب الدعوة..
    فقط اصمتوا وانضموا إلى زمرة الجالسين..
    ماذا؟..
    تريدون أن تشاركوا في الرقص؟؟
    لا طبعا هذا ممنوع تماما على الغرباء..أما من يجلس منهم صامتا يراقب فقط فهم يرحبون به في منتهى المودة..
    يبدو أنكم ستثيروا المتاعب..ما يجعلني أفكر جديا في عدم تلبية الدعوة..
    فليكن..كيفما شئتم..لا تغضبوا..سنذهب..
    ولكن أرجوكم عدوني أن تلتزموا بآداب الدعوة..
    والآن وقد وعدتموني..عليكم أن تتزودوا بكثير من الزاد لأن الرحلة طويلة بحق..
    فسنقطع سويا مئات الأميال لنصل إليهم وسط غابات وأحراش الكاريبي..
    آه..كدت أنسى..لا تنسوا البوصلة..إنها أهم شيء..فبدونها ضياعنا وسط الأحراش محتم..
    والآن وقد أحضرتموها ماذا ننتظر إذن؟؟..
    هيا بنا...



    جانب من طقوس الفودو


    نحن في المكان الصحيح..أنا متأكد..لقد قطعنا مئات الأميال سويا لنصل إلى هنا مسترشدين بالقمر والنجوم والبوصلة.. لا يمكن أن نكون قد ضللنا الطريق..بل لقد اقتربنا كثيرا
    تقولون إننا نسير منذ ساعات دون أن نصل إلى دليل يخبرنا أننا في الطريق الصحيح..فلا رأينا نارا ولا سمعنا صراخا وقرعا للطبول..
    أنا معكم..ولكني متأكد أننا اقتربنا..فقط سنجتاز تلك الأكمة..وستظهر لنا القرية..
    تقولون أني تعمدت إحضاركم هنا لأسلمكم لقمة سائغة لأصدقائي (الفودو) ليلتهمونكم وقد تعمدت إفساد البوصلة بمغناطيس خفي؟؟..
    يا لكم من أوغاد..لست أنا من يفعل ذلك بالتأكيد..
    ثم إن احتمال التهامي معكم ليس ببعيد..(فساعة البطون تتوه العقول)
    تقولون نراك تتحدث عنهم باستفاضة وتعلم خبايا طقوسهم فلا ريب أنك واحد منهم..
    حسبي الله ونعم الوكيل..لن أرد على اتهامكم إلا بجملة واحدة..
    (الفودو) يا سادة ليسوا(زولو)..فهم لا يأكلون لحم البشر أبدا..
    ولكني أراكم متأثرين بالترهات التي تقدمها هوليوود عن (الفودو)..
    ثم إن قبائل(الزولو) لا يقطنون جزر الكاريبي أبدا وإنما يملئون أحراش أفريقيا وغابات السافانا حيث ترتع الأسود والنمور..
    ربما سأحدثكم عنهم في مقال قادم إن شاء الله .. وآخذكم في رحلة إلى هناك..
    وعندها..لن أتردد أبدا في تقديمكم لهم لقمة سائغة جزاء ما اقترفتموه في حقي الآن..
    دعونا من كل هذا الآن..
    لقد اجتزنا الأكمة..
    نعم نعم..ها هي ذي القرية..
    هيا حثوا الخطى حتى نصل سريعا..
    تسألون أين سكان القرية؟؟
    ها هم أولاء جالسين في دائرة حول النار في صمت مترقب..
    هيا بنا نتخذ مجالسنا..
    ماذا؟؟..مندهشون من الصمت المطبق وتقولون لا ريب أننا وصلنا لاحتفال خاطئ؟؟
    لا تتعجلوا..فهو الاحتفال المقصود ولكن من حسن حظنا أنه لم يبدأ بعد..
    هيا اتخذوا أماكنكم وكفوا عن الثرثرة..
    الآن يدور على الجالسين شخصا يحمل (صينية) عليها أطباق فخارية عديدة..فيمد كل جالس يده ويأخذ واحدا ويبدأ في التهام محتواه بنهم..
    هيا نأخذ مثلهم..لا ترفضوا الدعوة وإلا اعتبروها إهانة لا تغتفر..
    تقولون بقرف ما هذا العجين خبيث الرائحة؟؟..
    إنها وليمة ما قبل الاحتفال..ويسمونها(فيفي)(Veve ) ويقولون إنها لذيذة بحق..فالكاهن هو من يشرف على إعدادها بنفسه..
    وهي تتكون من دقيق الذرة بالإضافة إلى خليط خاص من الأعشاب يضيفه الكاهن بنفسه ليجعل منها لذيذة المذا....إنها مقرفة بحق..أكاد أقيء كل ما بجوفي..أنتم كذلك؟..
    تماسكوا وإياكم أن تظهروا الاشمئزاز وإلا صرنا جميعا في خبر كان..
    تجلدوا وازدردوا ما بأطباقكم كاتمين أنفاسكم..فكروا في أي شيء يخرجكم من هذه الحالة..
    الآن تناسوا كل شيء وركزوا معي..
    لقد قام الجالسون..
    بعضهم اتخذ مكانه خلف طبول عملاقة كتلك التي اعتدنا رؤيتها لدى الأفارقة..
    وبعضهم تحلق في دائرة يتوسطها (الأب) و(الأم)..مع عدد منهم..
    الآن بدأ قرع الطبول في إيقاع ساحر..وبدأت الأجساد تتمايل في تناغم رائع..
    يتزايد قرع الطبول..ويتزايد معها تمايل الأجساد في حركات بديعة..
    يتعالى قرع الطبول..ومعه تتعالى الصرخات..وتتزايد الرقصات والحركات المجنونة..
    تشعر أن الكل قد خرج عن نطاق ما حوله..وانفصل عن الدنيا..وصار يرقص على إيقاع الطبول..ويرقص..ويرقص..
    لقد خرج ال(تي بون أنجي)..
    وفجأة تتهاوى إحدى الراقصات على الأرض مغمي عليها..
    وعندها فقط يكف الجميع عن الرقص ويتوقف قرع الطبول..
    ويسود الصمت المطبق..
    لقد حددت أرواح الأجداد مبتغاها..واختارت أكثر من في الجمع إيمانا واحتلت جسدها..
    لقد صارت تلك الفتاة (لوا) مباركة..
    ويا له من شرف..
    الآن يتقدم (الأب) و (الأم) من الفتاة المسجاة على الأرض لإفاقتها..
    تقوم الفتاة..تخترق الطريق في خطوات وئيدة..والجميع يفسح لها الطريق وينحني لها إجلالا وتعظيما..
    تدلف مع (الأب) و(الأم) إلى المعبد..يتحلقون حول المذبح..يتلون الصلوات تمجيدا للإله وأرواح الأجداد..
    تحضر الأضحية والتي عادة ما تكون إما من الماعز أو الغنم..وفي بعض الأحيان تكون كلبا أو دجاجة..فتنحر على المذبح..ويجمع قليل من دمها في كأس قد تشربه ال(لوا)..ثم تطهى فتأكلها..
    وعندها فقط تشبع أرواح الأجداد وتهدأ غضبتها..وينتهي الاحتفال..
    وينعم الجميع بالسلام والأمان...



    يتبع

    تعليق


    • #3




      غالبا ما يتم الربط بين الفودو والسحر

      والآن يبرز سؤال هام :
      بما أن (الفودو) ما هي إلا ديانة كما رأينا..فما علاقتها بالسحر الأسود؟؟..ولماذا توصم دوما بعلاقتها الوطيدة بطقوس السحر والشعوذة؟؟
      هذا ما سنجيب عنه في السطور القادمة :
      تجدر الإشارة هنا أن (الفودو) في البداية كانت مجرد ديانة بريئة من السحر..
      قد تكون غريبة الطقوس والمعتقدات..ولكنها لم تكن يوما تستخدم السحر..
      وكم يعج العالم حولنا بديانات ومذاهب غريبة الأطوار..لا يتسع المجال هنا لحصرها..
      ولكن في النهاية..ومن كثرة وصمها باستخدام السحر وهي منه براء..وتحت ضغط الحاجة..استخدم معتنقيها السحر بالفعل..بل وبرعوا فيه أيضا..لدرجة أن الجميع تناسى أنها دين بالفعل وصارت تعني للجميع معنى واحد فقط..السحر الأسود
      وبالواقع أيضا فهي شأنها شأن بقية الديانات الأخرى لا تخلو من استخدامات السحر والتعاويذ
      فالفودو ديانة روحية..لذلك نجد الإيمان المطلق لدى كل معتنقيها بالتعاويذ والأحجبة وتأثيرها على البشر..
      فهناك تعاويذ للزواج..وتعاويذ للشفاء..وتعاويذ للإنجاب..فهذا هو الجانب الإيجابي
      والملاحظ هنا أن (الأب) أو(الأم) يستخدمان معارفهما في السحر(الأبيض)..
      وذلك كما أسلفت لإرضاء الأرواح..وجلب الحظ السعيد..وشفاء الأمراض..
      أما من يستخدم معارفه في السحر الأسود فيسمونه (كابلاتاس أو بوكر أو ساحر الفودو الأعسر) (Caplatas OR Bokor OR Left-Handed vodun )..وهؤلاء الأشخاص عادة يكونون منبوذين من القبيلة..لذلك نادرا ما تجدون مثلهم..
      وهذا يدل على أن عقيدة (الفودو) هي عقيدة مسالمة بالفعل..
      وفي الواقع هناك أسباب كثيرة أدت إلى ربط عقيدة (الفودو) بالسحر الأسود..من أهمها :

      1- الإسقاطات التاريخية التي أوردتها في مقال سحر عن انتشار ما يشبه سحر (الفودو) في شعوب شمال أفريقيا من البربر والأمازيج قبل آلاف الأعوام..حين كانوا يصنعون للشخص المراد إيذاؤه دمية من الشمع ثم يقومون بغرس الدبابيس بها
      2-قيام السادة بنشر الإشاعات المشينة عن ارتباط (الفودو) بالسحر الأسود..وذلك كي يسهل القضاء على ذلك المعتنق وتفتيته بترهيب الناس منه وإثارة غضبهم على معتنقيه ومن ثم سهولة السيطرة على العبيد بانسلاخهم من هويتهم الأصلية..
      ولا ننسى قديما دور كتاب(هاييتي الجمهورية السوداء) وما أحدثه من ترسيخ لفكرة ارتباط(الفودو) بالسحر الأسود والقتل والتدمير وتقديم القرابين البشرية على مستوى العالم..
      هذا غير مئات أخرى من الكتب والروايات على مستوى العالم رسخت الفكرة أكثر وأكثر..
      وكذلك حديثا ما فعلته (هوليوود) من إنتاج مئات الأفلام والمسلسلات والبرامج عن (الفودو) وربطه بالسحر الأسود..
      وترسيخ صورة (الزومبي) بأنه كيان مرعب ومجرد أداة للقتل..
      يقتات لحم البشر ويشرب الدم..ولا تؤثر فيه طلقات الرصاص ولا القنابل ..
      ويكفي أن تكتب في أي محرك بحث جملة (أعمال فنية وكتب تناولت ظاهرة الفودو أو الزومبي) لتجد المئات منها..
      3-كره العبيد للسادة بل ومقتهم والرغبة في الانتقام منهم وإذاقتهم من نفس كأس العذاب الذي يسومونه ليل نهار
      ..لذلك ظهر الجانب الآخر..الجانب السلبي..وظهر السحر الأسود بالفعل
      ظهرت تعاويذ للإيذاء..وتعاويذ للمرض..بل وتعاويذ للقتل..
      وفي الواقع فالفودو ليست ديانة بريئة تماما..
      وإنما يوجد بها تعاليم للسحر الأسود وكذلك الأبيض..
      وهنا تبرز التيمة التي لا ريب أن كلكم يعرفها وفي انتظار الحديث عنها :

      (دمية الفودو)




      تقديم القرابين

      والآن ما رأيكم في زيارة (الأب ميشيل)..
      أعتقد أنه من الذوق أن نفعل..فلا يصح أن ننصرف قبل أن نسلم عليه ونشكر له دعوته الكريمة..
      الآن ها نحن واقفون أمام كاهن (فودو) عتيد..
      ها هو يجلس أمام النار..وسط غرفة مغلقة..تفوح منها روائح غريبة هي مزيج من البخور والعطن..
      ها هو يمسك بين يديه دمية..دمية بدائية الصنع للغاية..إن هي إلا عصيات من قش وقد ارتدت أسمالا..وعلت رأسها خصلة من شعر بشري..
      وما فتئ منكبا عليها يهمس في أذنها بكلمات بلغة عجيبة ما أنزل الله بها من سلطان..
      أعلم أنكم تجهلون ما يحدث..وأعلم أنكم ستقولون في سركم :
      ما هذا الهراء؟ ما الذي أتى بنا إلى هنا لنشاهد عجوز مخرف رده الكبر طفلا وقد أمسك بدمية لا تستحق شروى نقير..ما هذا الجنون المطبق؟..أين أهل هذا العجوز؟..ولماذا لا يودعونه مصحة عقلية؟؟
      أعلم أن هذا هو ما سيجول بخاطركم وسيصيبكم الحنق وأنتم تشاهدون معي هذا المشهد..وستتمنون لو تنصرفوا الآن مغضبين..ولكن إن أردتم نصيحتي فلتبقوا وتشاهدوا صامتين ما سيحدث..ولتحمدوا الله أن جعلكم تحظون بمثل تلك اللحظات المثيرة..
      ولكن فلتدعوا الله ألا يكون أحدكم صاحب تلك الدمية..فما يحدث هنا خطير..خطير بحق...
      الآن وقد فرغ العجوز مما يقول..تراجع بظهره على مقعده..وإن بقي خافضا عينيه مركزا إياهما على الدمية..
      وفي هذا الخير الكثير إن كنتم تدرون..لأني لا أنصحكم برؤية هاتين العينين في هذه اللحظات..فقد تصيبكم لعنة لا يعلم عواقبها إلا الله..فتوخوا الحذر واكتموا أنفاسكم ذاتها إن استطعتم..
      الآن يمسك العجوز بحفنة دبابيس..يقربها بتؤدة من الدمية.. ثم يغرس إحداها في جانب الدمية..
      مالي أراكم مندهشون هكذا؟؟..
      نعم لقد رأيت ما رأيتموه..وسمعت ما سمعتموه..
      نعم..نعم..لم يخيل إليكم شيء البتة.. لقد سمعت ذات الصرخة المعذبة..ورأيت مثلكم الدمية تتلوى من الألم وكأنما دبت فيها الحياة..
      ألم أقل لكم أن الأمر خطير بحق؟..
      لا لا..لا تخافوا..لا تحاولوا الهرب مذعورين كالفئران..يا لكم من جبناء..
      أعلم أنكم مذهولون ومشمئزون في ذات الوقت..وقد اعتراكم رعب عظيم..ولكن أرجوكم لا تحاولوا لفت نظر العجوز إلينا حتى لا يصب علينا جام غضبه..
      ألم أقل لكم اكتموا أنفاسكم إن استطعتم؟..ألم أقل لكم أن تدعوا الله ألا يكون أحدكم صاحب الدمية؟..
      أرجوكم لا تحاولوا الهرب..فستطالكم يدي العجوز أينما ذهبتم..فلا تنسوا أننا في أرضهم..
      فقط التزموا الصمت وادعوا الله في سركم أن تمر تلك اللحظات الرهيبة على خير..
      ولنر الآن ماذا يفعل العجوز..
      ها هو يمسك الدمية بكلتي يديه..يقترب بها من النار..ينعكس اللهب على صفحة عينيه فيزيد الأمر رعبا مع الظلال الكئيبة المنتشرة حوله..
      ينفرج فمه عن أسنان نخرة مدببة ويتعالى صوته بتعاويذ مبهمة..
      ثم يلقي بالدمية في النار..
      وتنطلق من فمه ضحكة مجلجلة قادمة من أعماق الجحيم..
      فيبدو كالشيطان..
      وعندها فقط نسمع تلك الصرخة المدوية..
      صرخة إنسان يحترق...
      والآن وقد تملككم الذعر الحيواني..
      هيا فروا من هنا سريعا..
      فروا وكأنما يطاردكم ألف شيطان..
      لقد رأيتم ما يكفي..
      وأقسم أن ما رأيتموه لن ينمحي من ذاكراتكم ما حييتم..
      أما أنا.. فقد أغمي علي!!!...
      ......



      دمية الفودو


      الدمية في سحر (الفودو) تصنع من أي شيء..
      قش..قماش..شمع..خشب...إلخ..
      ولكن المهم أن تزودها بشيء من الشخص المراد إيذاءه..
      كخصلة شعر..أو أظافر..أو قطرات من دمه..أو شيء من مقتنياته الشخصية كملابسه الغير نظيفة أو نظارته ...إلخ..(وهذا يذكرني بالسحرة العرب عندما يطلبون شيئا من (أثر) الشخص المراد سحره)..ويسمونها (الفتيش)..
      وكما ذكرت تمارس عقيدة (الفودو) في بقاع شتى من الأرض..
      وقد ساهم اضطهادها في نشرها وزيادة أتباعها..

      1-ففي قبيلة (أوجيبواي) الهندية نجدهم يصنعون دمية خشبية لمن يريدون إيذاءه..ثم يبدؤون في غرس الإبر فيها أو قذفها بالسهام..فيشعر الشخص بآلام رهيبة في جسده في ذات اللحظة..
      أما إن أرادوا قتله..فإنهم يلقون بالتمثال في النار..أو يدفنوه وهم يرددون تعاويذ معينة..

      2-أما في (الملايو) فيقومون بصنع دمية من شمع العسل ويزودونها بشيء من الشخص المراد إيذائه كالعادة..
      ثم يبدؤون في تعريضها للهب لسبع ليال متوالية..
      وفي كل ليلة يردد الكاهن كلمات من نوعية :
      (أنا لا أحرق الشمع..أنا أحرق كبد فلان أو قلبه أو عينيه..إلخ..)
      وفي الليلة السابعة يحرقون الدمية بإلقائها في النار ..فيموت صاحبها...

      3-في (هاييتي) و(جزر الكاريبي) وبعض دول (أميركا الجنوبية) يقوم الكاهن بعمل الدمية كما أسلفت ثم يقوم بغرس دبابيس في كافة أنحاء جسدها ويبقيها هكذا..ما يعني أن صاحبها سيلبث أبد الدهر في العذاب المقيم

      4-وبرغم بشاعة ما سبق..فإن سحر (الفودو) له جانب أبيض أيضا..فليس كله سحر أسود..
      فكما أسلفت.. تصنع الأحجبة والتعاويذ والتمائم لتزويج العانس أو لشفاء الأمراض أو لإنجاب العاقر والعقيم..
      أو لتسهيل عملية الولادة..فمثلا :
      يصنعون للمرأة العاقر في قبيلة (الباتاكا) في (سومطرة) دمية طفل خشبية..تبقيها السيدة في حجرها طوال الوقت على أمل الإنجاب..

      يتبع



      تعليق


      • #4

        لا يقتصر السحر الأسود لدى (الفودو) على الدمى فحسب..
        بل إن الدمى تتوارى خجلا إذا ما قورنت بما سأذكره الآن..
        ذلك أن أشهر عقائد السحر الأسود لدى كهنة (الفودو) هو...

        (الزومبي)(Zombie )
        أو كما يطلق عليه العامة..(الموتى الأحياء)...
        ويا له من اسم...




        صورة لزومبي حقيقي من هاييتي


        ماذا ستفعل لو كنت سائرا في السوق لتجد من يربت على كتفك..
        تلتفت لترى الهول ذاته..
        شخص ذو جسد نصف متحلل..تآكلت أطرافه وبرز عظم قفصه الصدري بوضوح..وقد سقطت إحدى عينيه مخلفة مكانها تجويفا أسود...
        سيغمى عليك بالتأكيد..
        أما إن كنت شجاعا بما يكفي لتحتمل مثل تلك الصدمة وتتماسك وإن أصابك الغثيان..
        فحتما ستفقد وعيك أو ربما حياتك كلها عندما يقول لك ذلك (الشيء) بكلمات خافتة..بطيئة..ومرتعشة :
        أنا أخوك المتوفى منذ 18 عاما!!!
        لا تتعجبوا..
        فهذا هو ما حدث بالفعل ل(إنجلينا نارسيسا) في سوق مدينة(لاسترا) في (هاييتي) عام 1980م من أخيها (كلارفيس) الذي مات ودفن عام 1962م...
        ليس هذا فحسب..
        ف(هاييتي) تعج سنويا بمئات الحالات من (الزومبي)..مما دفع الحكومة هناك لإصدار قانون بتجريم تحويل الشخص إلى (زومبي) ومعاقبة من يفعل ذلك بالحبس والغرامة..
        لذلك يحرص السكان في (هاييتي) على دفن موتاهم بطرق شديدة التعقيد وفي أعمق أعماق الأرض..ويهيلون عليها أطنانا من التراب..
        ليس هذا فحسب..بل إنهم يسدون القبر بصخور أسمنتية ثقيلة..
        وأيضا يتناوبون على المكوث بجوار القبر وحراسته لعدة أيام بل ربما لشهر كامل حتى يتأكدوا من تحلل الجثة..
        بل إن البعض يقومون بتشويه جثث ذويهم بأنفسهم قبل دفنهم من باب (لا يضير الشاة سلخها بعد ذبحها)..
        كل ذلك نتيجة الخوف من أن يسطو (بوكر) على الجثة ويحولها إلى (زومبي)..
        ذلك أن (البوكر) (ساحر الفودو الأسود كما أسلفت) حسب معتقداتهم يحتاج إلى جثة غير متحللة أو متعفنة تماما ليحولها إلى (زومبي)..
        بل إن الأكثر من هذا..
        عندما حدث انقلاب عسكري في (هاييتي) أطاح بالحكومة هناك في بداية التسعينيات من القرن الماضي..
        فاستنجدت الحكومة المقالة ب(الولايات المتحدة الأمريكية) التي جيشت جيشا وأعدته لاجتياح (هاييتي) لإعادة الأمور لنصابها..
        ليخرج المتحدث الرسمي للمجلس العسكري ببيان غريب كان نصه :
        (لن يستطيع جيش (الولايات المتحدة) فعل شيء..سيواجهون الهول والموت على أراضينا..لقد أعددنا لمجابهتهم جيشا من (الزومبي) سيسحقهم سحقا..الويل لهم)
        وبالطبع لم تأبه (الولايات المتحدة) بتلك التهديدات الخرقاء واجتاحت (هاييتي) بالفعل عام 1994م وأنهت الانقلاب وأعادت الحكومة المقالة...
        وبالطبع لم يكن هناك أي أثر لجيش (الزومبي) المزعوم...
        ولكن ما هو (الزومبي)؟ :
        كلمة(زومبي) بلغة سكان (هاييتي) المحلية تعني(الميت الحي)..
        وهو شخص مات ودفن ثم تم نبش قبره واستخراجه وأعيدت له الحياة من جديد بواسطة (البوكر)...
        ولكنه يكون مسلوب الإرادة..مغيب الذاكرة..يأتمر بأمر سيده (البوكر) ويطيعه طاعة عمياء..
        وبالطبع نظرا لبقائه في القبر لعدة أيام فيكون جسده متحللا ومتفسخا نسبيا..وتفوح منه روائح العطن والتعفن..
        وهنا يبرز السؤال الذي أراه يتقافز على ألسنتكم :
        هل (الزومبي) حقيقة؟؟..
        أو بمعنى آخر :
        هل يمكن لبشر إعادة الحياة إلى بشر ثم التحكم فيه بعد ذلك تماما ك(الروبوت)؟؟
        بالطبع هذا محض هراء وافتراء..فهذا لا يكون إلا لله ويحدث يوم القيامة فقط..
        وهذا ما أكدته جميع الأديان السماوية..بل وفطرة الإنسان السليمة كذلك..
        إذن ما تفسير ذلك؟؟..لابد أن في الأمر سر..
        وهذا هو ما عكف العلماء على دراسته ومحاولة تفسيره طيلة العقود الماضية..
        ليخرجوا علينا في النهاية بنظريات مقبولة وجيدة أذكر منها :




        هناك نظريات عدة حول الزومبي

        1-نظرية العالم د.(وايد دافيز)( Wide Davis ):
        يقول د.(دافيز) : ببساطة الأشخاص الذين تمت إعادتهم للحياة لم يكونوا موتى من الأساس بل تعرضوا للعبة قذرة من ساحر (الفودو)..
        حيث يقوم الساحر بإعطاء الشخص جرعة مركزة من مادة شديدة السمية اسمها العلمي (داتورا) (Datura )..
        من آثار هذا السم تدمير الجهاز العصبي تماما والدخول في غيبوبة عميقة مع توقف مؤقت للوظائف الحيوية للجسم..
        فيعتقد الأهالي البسطاء بوفاة الشخص ويقومون بدفنه..
        وبعد أيام..يقوم (البوكر) بنبش القبر تحت جنح الظلام واستخراج الشخص..
        ثم يحقنه بترياق هذا السم ويعمل على إفاقته..
        فيفيق الشخص ولكنه يكون بلا ذاكرة..وبلا إرادة..وقد بدأ جلده في التحلل فيعطيه المنظر المميز لميت بعث من قبره..
        بعدها يكون طوع أمر (البوكر) الذي يعمل على إعطائه جرعات مخففة ومستمرة من هذا السم..
        ليضمن بذلك الانصياع والانقياد التام له..
        ولكن عالم الأنثروبولوجي الفرنسي د.(ألفريد ميتروكس) (Alfred Mythrox )قام بدراسة ظاهرة (الزومبي) في (هاييتي) وتوصل إلى بعض الحالات التي تضحد نظرية د.(دافيز)..



        2-نظرية العالم د.(مارك دوريان) (Mark Dorian ):
        وهو رئيس مركز (بورتو برنس) للأمراض العصبية..
        حيث قام على مدى أكثر من ربع قرن بدراسة ظاهرة(الزومبي) دراسة مستفيضة..
        بل و سافر إلى (هاييتي) وأجرى بنفسه حوارات مع 15 شخص ممن يدعي الأهالي أنهم (زومبي)..
        وقد خلص إلى نظرية نشرتها مجلة (تايم) مفادها :
        أن هؤلاء جميعا مصابون بحالات تخلف عقلي وإعاقات ذهنية متفاوتة نتيجة الإدمان المفرط للكحوليات والمخدرات..
        وقد قام د.(دوريان) بدراسة حالة (كلارفيس) نفسه..
        خلص د.(دوريان) إلى أن الرجل الذي يفترض أنه عاد من بين الأموات لم يكن ميتاً بالفعل..
        بل كان ضحية سم يقوم بإخفاء المؤشرات الحيوية للبشر بشكل يجعلهم يبدون وكأنهم أموات كي يتم دفنهم وهم أحياء ولكن في غيبوبة عميقة..
        لينبش (البوكر) قبره ويستخرجه في وقت لاحق..
        واعتمد د.(دوريان) في استنتاجاته على تحليل المادة التي يستخدمها سحرة (الفودو) لذلك _سرقها خلسة من أحدهم_ في مختبرات (الولايات المتحدة) حيث اتضح أنها تتضمن مجموعة من الأعشاب المحلية التي تسبب تهيج الجلد، إلى جانب بقايا من ضفدع (بوفو مارينوس) الذي يفرز مواد تسبب الهلوسة وتشل الجهاز العصبي.. والقليل من سمكة (النفيخ) التي تحمل سماً عصبياً قاتلاً يدعى (تيترادوتكسين)..
        وذكر د.(دوريان) أن هذه السمكة تعيش أيضاً على سواحل (اليابان).. حيث تصنع منها وجبة باهظة الثمن وشديدة الخطورة.. لأنها قادرة على تسميم من يأكلها إن لم يتم إعدادها بصورة جيدة تقضي على سم السمكة..
        وأضاف أن مستشفيات (اليابان) تستقبل سنوياً عدة حالات لضحايا التسمم بسمكة (النفيخ) حيث تظهر عليهم أعراض (الزومبي) إذ تختفي مؤشراتهم الحيوية مثل التنفس ودقات القلب..
        ولكن غالباً ما يعودون إلى الحياة قبل دفنهم بساعات.. ولكنهم يعانون من أعراض تستمر لفترة طويلة وتظهر عبر ضعف في قدراتهم الجسدية والحسية وضعف ذاكراتهم أو فقدانها بصورة مؤقتة..
        ويقول د.(دوريان) إن بعض حالات (الزومبي) تتم في (هاييتي) بهدف استعباد الأشخاص الذين تتم إعادتهم إلى الحياة..
        ففي حالة (كلارفيس) الذي ترك عائلته لأعوام.. اتضح أنه عمل كعبد في مصنع لقصب السكر..حيث كان يقتات على البطاطا وال(داتورا) التي تسبب بدورها الهلوسة وتضمن انقياد )الزومبي ( للبوكر..
        ويعتقد د.(دوريان) أن عملية تحويل الشخص إلى (زومبي) في (هاييتي) غالباً ما تتم لمعاقبة الذين يخالفون إرادة عائلاتهم أو مجتمعهم..
        حيث كان ) كلارفيس) على سبيل المثال مختلفاً مع عائلته حول بيع قطعة أرض..
        في حين تعرضت سيدة أخرى للتجربة نفسها بسبب رفضها الزواج من رجل اختارته عائلتها لها
        3-نظرية الجذام :
        تبنى بعض العلماء هذه النظرية..
        وفحواها أن (الزومبي) ما هم إلا مرضى بمرض الجذام ولكن في حالات متقدمة جدا منه..
        حيث يتركون بلا علاج ولا رعاية طبية..
        فتتآكل أطرافهم..وتتساقط أعينهم..ويفقدون ذاكراتهم..
        وكالعادة أيضا يتم إعطائهم جرعات مستمرة من مخدر قوي يسلب إرادتهم ويجعلهم منقادين..
        ولا ننسى أن الجذام كان وما زال من الأمراض المتوطنة في الكاريبي..
        وكانوا قديما يقيمون له مستعمرات طبية يعزلون فيها المرضى عن العالم الخارجي..
        ويعالجونهم بتعريضهم للشمس والهواء النقي (تماما كما كان يحدث مع مرضى السل)..
        وكم من ملايين من البشر هلكوا من جراء هذا الوباء قبل أن يقدم لنا العلم العلاج الناجع لهذا المرض..

        أقراص (دابسون) ( Dapson )

        لنثبت فقط في كل زمان ومكان أننا مهما أوتينا من العلم فلم نؤت منه إلا قليلا..
        وقد تناول هذه النظرية د.(أحمد خالد توفيق) في روايته (الموتى الأحياء)..






        الفودو .. عقيدة دينية مسالمة

        وفى النهاية فكما ترون:
        (الفودو) ما هي إلا عقيدة دينية مسالمة..
        حولها أعداؤها ومضطهديها إلى شيء بشع هي أبعد ما تكون عنه..
        وزاد في تأصيل الأفكار المغلوطة عنها جهل العامة..
        ولا يخفى على أحد دور كتاب (هاييتي الجمهورية السوداء) في تشويه صورة (الفودو) والكثير من سوء الفهم الذي حدث لدى الناس..

        وكذلك دور (هوليوود) التي وجدت في ذلك مادة خصبة لإنتاج الكثير من الأفلام التي تتحدث عن (الفودو) بداية من 1930م كما أسلفت..
        ولم تتضح الفكرة الصحيحة عن (الفودو) كعقيدة دينية مسالمة إلا مع حلول عام 1950م عندما قام علماء الأنثروبولوجي بنشر معلومات دقيقة عنها..
        وأعلم أنني مهما كتبت وكتب غيري..
        فسيبقى المشهد الذي يتراءى للجميع عندما يسمعون كلمة (فودو) هو :

        حشد من الأفارقة السود عاريي الجذع يتحلقون حول النار يصرخون ويتراقصون في جنون على قرع الطبول..
        ثم تنمحي تلك الصورة لتحل محلها الصور الأشهر..
        دمية (الفودو) الملعونة..و(زومبي) يسير مترنحا وقد فقد الإدراك بما ومن حوله..

        وهذا لعمري يذكرني بصديق ألماني دعوته لزيارة مصر ورؤية آثارها الفرعونية ثم التمتع بنزهة نيلية ففوجئت به يقول:
        لا لا ..أنا أخشى أن أكون وجبة شهية للتماسيح التي يعج بها نيلكم..

        نظرت إليه مليا..
        ولم استطع الرد...
        نسيت أن أقول لكم إن هذا الصديق هو أستاذ جامعي مرموق في جامعة (برلين)...


        انتهت الرحلة..
        وأرجو أن تكون قد نالت إعجابكم..
        وإن كنت لن أنسى لكم فراركم وتركي وحيدا مع الأب (ميشيل) وكأنه لم تكن بيني وبينكم عشرة ومقالات سابقة..




        ولولا القدر ومعرفة الأب (ميشيل) لي لربما كنت قد صرت مجرد (زومبي) آخر..

        فهل هانت عليكم العشرة؟؟..

        ما علينا..المهم أننا جميعا عدنا بخير..
        سأتظاهر بالنسيان..ولكني حتما لن أنسى لكم هذا الموقف..

        ويبقى السؤال..
        هل أستمر في هذة النوعية من المواضيع ؟
        أم انتقل إلى موضوع آخر..
        في انتظار مقترحاتكم..


        بابا

        المصادر:
        الموسوعة الحرة (Wikipedia )

        رواية (الموتى الأحياء) سلسلة (ما وراء الطبيعة)
        بعض المواقع والمنتديات العربية والأجنبية

        التعديل الأخير تم بواسطة محمدعامر; الساعة 2012-09-24, 12:53 AM.

        تعليق


        • #5
          مواضيعك كلها شيقه اخى العزيز وتعجبنا لما فيها من اثاره وتسليه ومعلومات
          حياك الله وتسلم الايادى

          قال إبن القيم
          ( أغبي الناس من ضل في اخر سفره وقد قارب المنزل)

          تعليق


          • #6



            سحر الزومبي


            ظاهرة (زومبي zombie):

            قد تكلمنا فيما سبق عن تحكم الجن في الأحياء، وذلك بالسيطرة على أجهزة الجسم الداخلية، بقي أن نتعرف على إمكانية تحكمهم في أجساد الموتى، وسيطرتهم عليها، وهذا يذكرنا بما سيقوم به المسيح الدجال بما يشبه إحياء الموتى (وإن من فتنته أن يقول لأعرابي أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك فيقول: نعم، فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولانيا بني اتبعه فإنه ربك)، وتمثل الجن كما شرحته في موضع سابق أن يرى الشخص الجني ولا يراه من حوله، فمن الواضح أن الدجال هنا سيكون منفردا بهذا الشخص، فلو أنكر أحد المحيطين رؤيتهما لأدرك الرجل أن هذا سحر.

            ففي مناطق كثيرة من العالم يوجد نوع من أنواع السحر الأسود اسمه الفودو voodoo) يعرفه الزنوج في أمريكا وسكان جزر الهند الغربية وأيضا دولة هايتي حيث ظهر هذا السحر أساسا.

            أحد سحرة الفودو يمارس طقوسه السحرية



            الاغتسال في الوحل أحد طقوس سحرة الفودو

            عقيدة (الفودو) تلك مثل جميع العقائد الوثنية، تؤمن بوجود وسيط بين الرب أو الأرباب وبين العبيد، وحيث أن هناك نوعين من الأرباب، أرباب خيرة وأرباب شريرة، فهناك أيضا كهنة طيبون وأشرار، الطيبون هم همزة الوصل مع الأخيار، والأشرار هم همزة الوصل مع الأشرار، والكهنة الطيبون يطلق عليهم اسم (هانجان)، أما الأشرار فيطلق عليهم اسم (بوكور)، وعلى الهانجان أن يستوعب جيدا جميع فنون السحر الشريرة، وأساليب إحياء الأموات التي يمارسها (البوكور) الشرير، حتى يستطيع أن يبطل سحره إذا اقتضى الأمر، وهؤلاء السحرة الكهان الذين يطلق عليهم اسم (البوكر) باستطاعتهم من خلال طلاسم وتعاويذ سحرية معينة تسخير الموتى، وإعادتهم للحياة كجثث شيطانية تعمل وفقا لرغبة الساحر، ويطلق على هؤلاء الأموات الأحياء في تلك العقيدة السوداء اسم (الزومبي)، والكلمة لها أصول أفريقية، ومعناها الميت الذي يمشي على الأرض، حيث أن السحرة الذين يمارسون هذا النوع من السحر الأسود يملكون المقدرة كما ذكرنا على تسخير الموتى لخدمتهم، ويؤكد سكان (هايتي) أن هناك علامات معينة يمكنهم عن طريقها التعرف على (الزومبي)، فهو يترنح أثناء سيره، ويؤدي الوظائف الجسدية بطريقة ميكانيكية، عيناه شاخصتان، لا يستطيع التركيز في شيء معين، وصوته يبدو وكأنه صادر من الأنف، ويؤكد السكان على أن السحرة يسيطرون على أعداد كبيرة من (الزومبي) بأنفسهم.









            أشكال مبتكرة من سحر الفودو
            صنع فيها السحر على شكل صليب مما يدل على امتزاج السحر بالصليب


            .
            (وليام سيروك) وهو صحفي أمريكي اهتم بدراسة عالم (الزومبي)، أحد هؤلاء الين رصدوا حوادثهم، وهي كثيرة وشائعة في (هايتي)، وسجل العديد من قصص الضحايا في مؤلف شهير له، روى فيه أن شركة (هاسكو) وهي شركة مشتركة بين هايتي وأمريكا، طلب يوما عمالا لجني محصول قصب السكر، وعلى الفور توجهت أعداد كبيرة من العمال إلى مكاتب تشغيل الشركة للانضمام للعمل، وكان من المعتاد في هذه المناطق أن يعمل العمال في جماعات، ويتم دفع أجرهم إلى الملاحظ الذي يقوم بتوزيع الأجر، ويحصل على نسبة معينة منه، وذات يوم جاء أحد السحرة وزوجته مصطحبين معهما تسعة رجال يرتدون خرقا بالية، وتوجهوا إلى مكتب تأجير العمال بالشركة ،وقال الساحر أنهم مزارعون بدائيون يسكنون التلال والمناطق النائية، وأنهم يتحدثون بلهجة ريفية غير مألوفة، ولا يفهمون الفرنسية، وأنهم على الرغم من ذلك أقوياء ويعملون بجد واجتهاد، وقد وافق رئيس العمال على اقتراح الساحر، وكان اسمه (جوزيف)، بأن يعملوا في معزل عن العمال الآخرين، لأنهم يخجلون ويضطربون من الغرباء، ولكن السبب الحقيقي وراء اقتراح الساحر كما أكد سكان المنطقة للصحفي الأمريكي، كان خوف الساحر من أن يتعرف أحد أقارب هؤلاء العمال عليهم لأنهم كانوا من (الزومبي).




            الزومبي صارت مصدر إلهام لكثير من أفلام الرعب السنيمائية

            ويواصل الصحفي الأمريكي روايته فيقول؛ أن عمال الساحر (جوزيف) الغامضين بدأوا يعملون بجد خلال ساعات النهار، إلا في أوقات راحة قليلة كانوا يتناولون فيها وجبة من الخبز غير المملح لماذا ؟ لأن تقاليد سحر (الفودو) تؤكد أنه إذا تناول (الزومبي) طعاما مملحا أو لحوما فسوف يدرك حالته الحقيقية، ويتوجه إلى قبره حيث مكانه الطبيعي، (لذلك هناك معتقد سائد بأن الملح له تأثير في السحر، وهذا قد يجدي مع السحرة لكنه من سحر السيمياء، وبكل بد لن يجني في العلاج الشرعي)، وفي أحد الأيام مرض الساحر (جوزيف)، فترك لزوجته مهمة الذهاب بالعمال، وأثناء توجههم إلى الحقل التقت بهم سيدة شعرت بالرثاء نحوهم، واعتقدت أن إعطائهم بعض الأطعمة سوف يسعدهم، وبمجرد أن قاموا بمضغ الطعام المملح أدرك (الزومبي) أنهم ينتمون للقبور المظلمة، وليس لعالم (هايتس)، فقاموا بإطلاق صيحات حزينة، وتوجهوا تجاه قبورهم في الجبال البعيدة عبر الغابات، وعندما وصلوا إلى هناك تعرف عليهم أقاربهم وأصدقاؤهم الذين سبق وقاموا بدفنهم منذ شهور مضت، وعندما وصلوا للمقابر أزاحوا الصخور التي تغطيها، ونزلوا بداخلها متحولين إلى جثث متحللة.

            وقد نقل الصحفي الأمريكي تلك الرواية عن صاحب مزرعة في (هايتي) يؤكد أنه لا يؤمن بالخرافات المنتشرة في (هايتي)ن ولكن بالنسبة له كان (الزومبي) حقيقة لا تحتمل الشك، ويشاركه في الإيمان كل سكان (هايتي) الذين يخشون كهان (الفودو) الشريرين، والذين يعيشون معظم حياتهم بين القبور وجثث الأموات، ويؤكدون أن قمة السحر لديهم (إحياء الموتى)، وأن كان كاهن (الفودو) الشرير لا يزعم بأن لديه القدرة على إعادة الروح (المقصود بالروح هنا القرين من الجن، وليس الروح التي بخروجها يموت الإنسان) إلى الجسد فقط، هو يؤكد بأن لديه القدرة على إعادة الروح إلى داخل الجسد الميت، فيتحرك ويمشي ويتكلم قليلا، إلا أن هذا الجسد يصبح عبدا لهذا الكاهن، وحيث إنه شرير فإن الكاهن يسخر الميت الحي في أغراض شريرة، فيمكن أن يقتل له شخصا على سبيل المثال، أو أن يبيع الكاهن (الميت الحي) الذي لا يملك من نفسه شيئا إلى أحد أصحاب المزارع، فيعمل في السخرة بدون أجر وإلى الأبد.

            ويتفنن كهنة (الفودو) الشريرون في إيذاء من يريدون عن طريق سحرهم الأسود وبطرق عجيبة، وعلى سبيل المثال؛ فإنهم حينما يختارون ضحيتهم، تبدأ هذه الضحية في الشعور بعلامات ضيق شديدة واكتئاب أشد، ثم تشعر الضحية بعد ذلك برائحة عفن تتصاعد تدريجيا مع مرور الوقت، حتى يشعر الشخص الضحية بأن جسده يتحلل كالجثة الميتةن ويهيم الشخص الضحية على وجهه كالمجنون وتنتهي المأساة، إما أن يصبح الضحية مجنونا رسميا، أو يتخلص من حياته، كيف؟ سؤال يجيب عنه المتخصصون في سحر (الفودو) والمهتمون بدراسة ظاهرة (الزومبي) فيقولون؛ أن ذلك يتم من داخل إحدى المقابر، حيث يجلس الكاهن الشرير بجوار جثة الضحية المستهدفة، ثم يمارس طقوسا سريعة على الجثة، وبمرور الوقت وكلما ازدادت الجثة تحللا زاد شعور الضحية بالعفن والجيفة حتى يجن أو يموت.

            طقوس مرعبة في تلك العقيدة السوداء عقيدة (الفودو)، حيث أنه من المعروف في تلك العقيدة أن يقوم كاهن (الفودو) الشرير ببيع أرواح الآخرين إلى قوى الشر (الشيطان)، وحيث أن قوى الشر في تلك العقيدة الوثنية تختلف عن بقية العقائد الأخرى، فهي تشترط على الكاهن أن يبيعها أرواح أقرب الناس إليه، وكذلك أحبهم لنفسه، وعندما تموت الضحية المسكينة فإنها تتحول إلى (زومبي) أو (ميت حي)، ولكن ماذا بعد أن يفنى جميع أقرباء وأحباء الكاهن؟ الاتفاق هو الاتفاق، ويكون الاتفاق أنه عندما تفرغ أرواح المقربين والمحبين يأتي الدور على الكاهن الشرير فيقدم روحه لقوى الشر لتتحول جثته هي الأخرى فيما بعد إلى (زومبي).

            والسؤال كيف يتم أو يحدث ذلك؟ وذلك يتم بأن يختار الكاهن منزل الضحية التي قرر أن يبيع روحها إلى الشيطان والمرشحة جثتها لأن تكون (زومبي)، حيث يصل الكاهن الشرير ويضع فمه على فجة من الباب، ثم يستنشق الهواء بقوة من غرفة الضحية المسكينة، وخلال استنشاق الكاهن الهواء يسحب روح الضحية، ثم يفرغها في زجاجة، ويحكم عليها الغطاء، بعد ذلك بأيام قليلة تشعر الضحية بضعف شديد وهزال لا يعرف الأطباء سببا له، ينتهي بوفاة سريعة، وحينما تدق الساعة منتصف الليل يتسلل الكاهن إلى قبر الضحية ليلة دفنها .. ويفتح التابوتن وينادي على الميت باسمه، حيث أنه طبقا لعقيدة (الفودو) فإن الكاهن يمسك بروح الضحية الميت من زجاجة محكمة الغطاء، ومن ثم فإن الميت بمجرد سماع اسمه ينادى فإنه يرفع رأسه على (الفودو)، ويتقدم الكاهن ويفتح غطاء الزجاجة، ويضع فوهتها تحت أنف الميت لمدة ثلاث ثوان فقط، فيقوم الميت متعثرا، وعقب ذلك يقوم الكاهن بتقييد الجثة المتحركة بالسلاسل من الرسغين والرقبة، ثم يقوم بضرب الميت فوق كفيه وأسفل رأسه لمزيد من استعادة الوعي، وفي أغلب الأحيان فإن الكاهن الشرير يتعمد أن يصحب الميت الحي معه بالقرب من منزله حتى يتأكد من أنه لم يتعرف به، ولن يعود إليه مرة ثانية، حيث يقوم بعد ذلك بتسخير ذلك الميت الحي لخدمة أغراضه الشريرة.

            ويصف المتخصصون في عقيدة (الفودو) الحالة التي يوصف بها (الزومبي) بأنها أقرب إلى أن تكون حالة تنويم مغناطيسين فهو يتحرك ويفعل ما يؤمر به دون نقاش .. وطبقا لمعتقدات (الفودو) فإن (الزومبي) محكوم عليه بالبقاء في هذه الحالة (لا موت ولا حياة إلى الأبد)، إلا في حالة تناوله كميات من الملح عدة مرات حسبما ذكرنا من قبل، حيث يعيد الملح (الزومبي) إلى وعيه لكي يدرك فقط حقيقة أنه ميت قبل أن يعود طواعية مرة أخرى ليرقد في قبره للأبد.

            على أية حال فقد أثارت ظاهرة (الزومبي) اهتمام العديد من الكتاب والصحفيين والعلماء ورجال الدين، وهؤلاء تمكنوا من رصد العديد من حالات (الزومبي)، وبعض هؤلاء كما ذكرنا رجال دين أقاموا الصلاة على أموات ودفنوهم بأيديهم، وأغلقوا عليهم القبرن ليفاجئوا بهؤلاء الأموات بعد بضعة أيام يتجولون في حالة أقرب إلى الجنون، ومن تلك الحالات حالة سيدة شابة اسمها (فاليشيا فيلكس) ماتت ودفنتن وبعد وفاتها بأعوام طويلة كانت شقيقتها التي أصبحت عجوزا تقف أمام منزلها، وإذا بها ترى شقيقتها الميتة والتي دفنتها بيديها تهيم أمامها في الحقل المواجه للمنزل، عارية كما ولدتها أمهان وفي حالة صحية في منتهى السوء، فصرخت، وهكذا فعل جميع أفراد العائلة الذين تعرفوا على ابنتهم التي توفيت ودفنت من قبل، وها هي ترقد الآن على الفراش أمامهم، لا تقوى على الكلام أو استيعاب ما يقال لها، وتأكل بصعوبة فهي ليست سوى جثة متحركة.

            وتصف (زوراهورستون) الكاتبة الأمريكية والمتخصصة في دراسة عقيدة (الفودو) وهي واحدة ضمن قليل من المتخصصين الذين التقوا بالحية الميتة (فاليشيا) فتقول كان المنظر مرعبا .. كان الوجه خاليا من أي تعبير .. العينان .. لا تعكسان أي ردود أفعال .. وكانت هناك هالات بيضاء غامضة حول عينيها حيث يحسب الناظر للوهلة الأولى أن الجفون قد ذابت بفعل حامض قوي .. كانت حطاما حيا أو ميتا لا ادري .. لا استطيع أن اجزم بشيء حيث أنني لم أستطع أن أواجه ذلك المشهد المرعب أو أواجه الفكرة اكثر رعبا لمدة ساعة فقط.

            وفي كتابه (غير المرئيين) يسجل (فرانسيس هوكسلي) عالم الأجناس البريطاني البارز عددا من أغرب حالات (الزومبي) ويقول أنه زار جزيرة (هايتي) في أحد الأعوام، وهناك أقام بجوار كنيسة كاثوليكية كبيرة في العاصمة، وفي غحدى الليالي استدعاه راعي الكنيسة، ليفاجأ بأحد هؤلاء (الزومبي) جالسا في الفناء الخلفي للكنيسة، وعلى الفور قرر (هوكسلي) وراعي الكنيسة ضرورة تسليم (الزومبي) التعيس إلى مركز الشرطة بصفتهم الجهة الرسمية التي يمكن أن تتصرف حيال هذا الموقف، إلا أن البوليس أصابه الرعب من مجرد دخول الميت الحي إلى قسم الشرطة.

            وأخيرا وجدت الشجاعة طريقها إلى قلب أحد الأشخاص الذي قدم محلولا ملحيا لهذا (الزومبي)، الأمر الذي ساعده على استعادة بعض من وعيه وأخيرا نطق باسمه، وتعرفت عليه عمته وأكدت والرعب ملء عينيها أنه مات ودفن من أربع سنوات، وعلى الفور تم استدعاء أحد كهنة (الفودو) الطيبين! الذي نجح بوسائله الخاصة في معرفة اسم الكاهن الشرير الذي أيقظ ذلك الميت المسكبن من نومته الأخيرة، كما اكتشف أن الساحر الشرير فعل نفس الشيء مع عشرات الأموات لكي يعملوا بالسخرة في مزرعته للأبد.
            وبالرغم من كل ذلك رفضت الشرطة مدفوعة برعبها إلقاء القبض على الكاهن الشرير، وبعد يومين بالضبط تم العثور على جثة (الزومبي) المسكين وهذه المرة جثة بلا روح ولا حركة، بعد أن قتله الكاهن الشرير للمرة الثانية بسبب الفضيحة التي سببها له، وبسبب ما يمتلكه هؤلاء الكهنة الشريرون من قدرات مرعبة فإن سحرهم الذي يطلق عليه (الفودو) قضية لا تناقش في (هايتي)، حيث يخشى السكان هؤلاء السحرة لأنهم يخافون أن يتحول أقاربهم الموتى إلى جثث متحركة تعمل لحساب هؤلاء الكهنة الأشرار، لذلك يحرص سكان (هايتي) حتى اليوم على بناء غطاء حجري متين لتغطية قبور أقاربهم المتوفين، حتى لو باقتراض المال لبناء مثل هذه القبور.

            وهناك من يخشون أعمال الكهنة الشريرون وحرصا منهم على عدم دخول موتاهم عالم (الزومبي) يقومون بحقن الأموات بسم، أو يشوهن أجسادهم بالسكين، ويطلقون عليهم الرصاص، أو يضعوا إبر خياطة بجون ثقب مع كرات من خيوط الصوف في القبر، وكذلك الآلاف من حبوب السمسم، حيث يعتقد أهالي (هايتي) أن أرواح الموتى ستكون مشغولة بمهام مستحيلة، مثل إدخال الخيط في الإبر المسدودة، أو عد الحبوب، وبذلك لن ينتبهوا لصوت الكهنة الأشرار وهم يستدعونهم.

            مما سبق يتبين لنا قدرة الجن على تحريك جثث الأموات، رغم ما تمر به من عمليات تحلل كلما تقادم عليها الزمن، ولكن كما أن للجن قدرات فائقة فإن علومهم متطورة سابقة على علوم ومعارف الإنس، فمن الممكن لهم الوصول إلى تقنية تخفى علينا تمكنهم من الاحتفاظ بالجثث غضة طرية، فنجد أن الحضارات القائمة على السحرة تعاملت مع جثث الموتى بطرق تختلف من حضارة إلى أخرى، وأشهر هذه الطرق وأعقدها كان تحنيط جثث الموتى، خاصة في حضارة الفراعنة الغابرة، ولا تزال أسرار التحنيط مبهمة حتى يومنا هذا، والسبب أن الممارسات السحرية كان لها دور في تحنيط جثث السحرة، وهذا ما تثبته البرديات الفرعونية، ولأن نظرة الباحثين عن أسرار التحنيط قاصرة على جانب العلم البشري، فلن يصلوا إلى سر التحنيط ما لم يعترفوا ويقروا بدور السحر في تحنيط جثث الموتى، ودور السحر هنا يعني بالضرورة تدخل الجن في احتفاظ الجثة بهيئتها على مدار آلاف السنين.

            والتحنيط ما هو إلا ندية من الشيطان لله عز وجل، فالله تبارك وتعالى يحفظ جثامين رسله وأنبياءه من أن تبلى، وكذلك الشيطان يحتفظ بطريقته الخاصة بجثث السحرة من الإنس، ليس إكراما لهم بقدر ما هو تحدي وندية منه لله تبارك وتعالى، فإن كان إكرام الميت دفنه، فإن من إهانته تحنيط جثته، فيبقى احتفاظ الأرض بجثامين الأنبياء (معجزة) وتكرمة لهم، وتحنيط الشيطان لجثث أولياءه (فائقة) وإهانة لهم، فالتحنيط هو تسخير من الشيطان لجثث أولياءه من الإنس، فكما باعوا أنفسهم للشيطان إبان حياتهم، فقد باعوا له أجسادهم في آخرتهم، لتكون دليلا على نديته لله تبارك وتعالى، فهم قاتلهم الله يحاربونه أحياءا وأمواتا، إذا فالساحر مسخر للشيطان حيا وميتا.

































































































            














































            التعديل الأخير تم بواسطة محمدعامر; الساعة 2012-10-29, 10:06 PM.

            تعليق

            يعمل...
            X