إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المراية .... مابين التاريخ والمعتقدات والاساطير

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المراية .... مابين التاريخ والمعتقدات والاساطير






    المراية
    مابين التاريخ والمعتقدات والاساطير

    تعتبر المرآة من مستلزمات الحياة اليومية فمن منا لا يدفعه فضوله لرؤية نفسه في المرآة لتصحيح مظهره أو هندامه الذي هو بدوره إنعكاس شكلي لصورة ذاته أمام الناس وذلك قبل بدء يوم عمل/دراسة جديد أو حضور حفل أو زيارة أو إجتماع ، فرغبة النظر في المرآة لا تقاوم عند معظم الناس وخاصة لدى المرأة حيث تكون بمثابة صديقة لها، ولكن قد تصل تلك الرغبة في بعض الأحيان إلى درجة من الهوس كنتيجة للتعلق الزائد
    بصورة الذات أو القلق المستمر على كل ما قد يؤذي تلك الصورة من نقائص أو
    عيوب خلقية أو تزيينية، وقد يصل الامر في بعض الحالات إلى الإصابة بـ الهلوسة أو الخبل .


    نبذة تاريخية

    المرآة لمائية أو صفحة الماء كانت أقدم مرآة عرفها الإنسان في التاريخ وسبق أن عرفتها الحيوانات من قبل ، ففي حين تدرك فقط الحيوانات التي لديها دماغ كبير وحس إجتماعي كالفيل وقرد الشبمانزي والدولفين بأن إنعكاس صورتها على سطح النهر أو البحيرة ليست سوى إنعكاس لصورتها الذاتية تجد الحيوانات
    الأخرى كالقطط مثلاً صعوبة في إدراك ذلك إذ تعتبر الشكل المنعكس حيواناً آخر في الجانب الآخر خلف سطح المرآة فتتفاعل معه إما بعدائية أوفضول.


    -
    تعتبر المرايا التي ظهرت كأدوات من صنع البشر حديثة العهد إذ بدأ استخدامها كمرايا نحاسية في مصر الفرعونية منذ عهود السلالات الاولى، وكان لها أشكال وتصميمات مختلفة ومنها المرآة ذات المقبض الذي يصنع من عدة مواد كالبرونز أو العاج او الخشب وكانت تحفظ في علب بغرض حمايتها، وقد عثر على
    عدة مرايا بقرص نحاسي مصقول يعود إلى زمن السلالة الـ 12، أما المرآة الزجاجية فقد ظهرت لأول مرة في القرن الـ 16 في مدينة فينيسيا (البندقية) الإيطالية , وكانت آنذاك أعجوبة سحرية افتتن بها سائر الناس وانتشرت بينهم حتى أنها أصبحت موضوعاً استوحى منه الفنانون أعمالهم.


    اساطير قديمة

    في اليونان القديمة كانت تروى أسطورة عن شاب اسمه نرسيس Narcissus ، كان معجباً ومنذهلاً بوسامته وشكله، فكان يتطلع كل يوم في ماء البحيرة الى أن سقط مرة في الماء فتحول الى زهرة النرجس الجميلة ومنها نشأ مصطلح "النرجسية" المعروف والذي يتصل بالغرور وحب الذات المفرط، وكان البدائيين
    أمثال قبائل الزولو وقدماء المصريين والأغريق واليونان ، لا يميزون بين ظل الإنسان (خياله) و روحه، لذلك يتجنبون النظر الى صورهم المنعكسة على صفحة الماء كي لا تلتهمها التماسيح أو الجنيات فتسلب أرواحهم , وربما يكون هذا هو الأصل البعيد لأسطورة نرجس ذلك الفتى الذي هلك من طول تأمل صورته
    الجميلة في الماء و ساد الاعتقاد في المجتمعات البدائية ان الانعكاس يعني الروح، وتعريض شخص لانعكاس المرآة او أي سطح عاكس يجعله مهددا بالخطر والموت .

    -
    كما نجد في الخيال الأسطوري قدرات مزعومة للمرآة منها القدرة على تحويل تشكيل صور الكائنات، خاصة الكائن الإنساني، وقد يصل إلى حد التشوه والمسخ أحياناً أو حتى الى حد الموت والهلاك أحياناً أخرى، على نحو ما نراه في مرايا السحر الأسطورية العديدة، كمرآة نرجس، ومرآة ديونيسوس، ومرآة ميدوسا
    (الميدوسا : كائن أسطوري خرافي من فئة الغورغونات وهي تمسخ من ينظر اليها حجراً ) ، لكن بريسيوس تمكن بمساعدة أثينا من استخدام درع (ترس) لامع مصقول للتعرف إلى مكانها المختبئة فيه من دون النظر اليها مباشرة وبالتالي استطاع جز رأسها وهو ينظر الى صورتها منعكسة في الترس .


    أسطورة ماري الدموية

    لا الحكايات الخرافية عند هذا الحد فمنها ما يثير الرعب في النفوس وأشهرها في بريطانيا حكاية وجه ماري الدامي في المرآة التي يتناقلها الناس بينهم. وتقول الحكاية أنه قبل نحو مائة سنة تعرضت امرأة لحادث فظيع خدش وجهها بشكل سيئ، فنزفت حتى الموت متأثرة بجراحها ووجهها المشوه، لكنها تظهر في شكل شبح شرير يطارد الناس في المرايا، فما ان يقف الشخص امام المرآة ويكرر اسمها ثلاث مرات حتى يرى وجهها المشوه في الظلام، فإن لم يهرب بأقصى سرعة فستحاول ماري الشريرة ان تشوه وجهه.


    - وهناك بعض التفاسير بأن كلمة " ماري الدموية " ما هي إلا تحريف لاسم "مريم العذراء" التي تنطق "ماري" في الغرب، وفي ربط بأساطير طقوس السحر الأسود الذي يرتبط مع الأسطورة بقول بعض كلمات
    الكتب المقدسة بالعكس أمام المرآة وما إلى ذلك من أساليب السحر. لكن كل تلك التفسيرات ما هي إلا محاولات لربط خرافة راسخة في الوجدان الجمعي للبشر ببعض ممارسات السحر الأسود. .
    -
    وفي إحصائية بريطانية عن الخرافات الأكثر تأثيراً في حياة الناس تبين أن وجه ماري المشوه في المرآة هو الأكثر شيوعاً بين الناس، فقد ربط بينها وبين السحرة والمشعوذين اضافة الى أن اسمها ارتبط باسم الساحرة ماري ماجدولين التي تم احراقها في القرون الوسطى.

    مرايا شهيرة

    يذكر التاريخ مرايا كان لها شهرة كبيرة منها:

    1
    - مرآة بابل

    اسم بابل يعني (بوابة الإله) وهي مدينة عراقية تقع على نهر الفرات وكانت عاصمة دولة البابليين حيث كانوا يحكمون أقاليم ما بين النهرين (دجلة والفرات) واستطاع سلالة البابليين الأولى في ظل حكم حمورابي (1792-1750) قبل الميلاد ن الإستيلاء على معظم مقاطعات ما بين النهرين أصبحت بابل عاصمتهم التي اشتهرت بحضارتها. -
    ويروى ان في بابل القديمة 7 مدن تتميز كل منها بميزة سحرية، فالمدينة الرابعة كان فيها مرآة من حديد، فإذاغاب رجل عن أهله وأرادوا ان يعرفوا عن حاله التي هو فيها أتوا بالمرآة ووضعوا أمامها اسمه ونظروا فيها فرأوه على الحالة التي هو فيها. فلقد كان اهل بابل يستخدمون المرآة السحرية لمعرفة احوال الغائبين عن أهلهم فكانوا يذكرون اسم احبائهم او اسم احد افراد العائلة فيستحضر صاحب الاسم وينظر إليه اهله في مرآة بابل العجيبة.

    2
    - مرآة أرخميدس

    طور عالم الفيزياء الإغريقي أرخميدس مرآة خاصة بشكل مقعر تعكس الضوء وتجمعه عند نقطة واحدة (البؤرة Focus ) يمكن له أن يحرق الجسم الذي يكون عندها أمكن استعمالها لأغراض عسكرية لحرق سفن الأعداء المصنوعة من الخشب.



    3
    - مرآة منارة الإسكندرية

    تعد المنارة من عجاب الدنيا السبع، و في أعلى المنارة مرآة يمكن من خلالها مراقبة المراكب التي تقلع من سواحل البحر وقد كان الهدف منها رؤية العدو القادم من البحر فيستطيعون الاستعداد له وردعه و يقال ان من يجلس تحت المنارة وينظر في المرآة يمكنه ان يرى من هو بالقسطنطينية ! ، على الرغم من
    وجود إختلاف في الأصل حول تاريخ المنارة أو من قام ببنائها، حيث يعتقد البعض أن الذي بنى المنارة هو الاسكندر المقدوني بينما يعتقد البعض الاخر أنها ترجع إلى الملكة دلوكة التي كانت أول امرأة نودي بها ملكاً على مصر بعد هلاك فرعون وجنوده في البحر الأحمر والتي دام حكمها 20 عاماً وكان الهدف من بنائها مراقبة الأعداء ويعتقد البعض ان الملك الـ 10 من ملوك هو صاحب المنارة .

    - لكن من الثابت تاريخياً أن منارة الإسكندرية أُنشئت في عام 280 قبل الميلاد أي في عصر بطليموس الثاني و قد بناه المعماري الأغريقي سوستراتوس ، حيث كانت بطول 120 متراً مما جعلها أعلى بناءً في عصره. ويقال أن قلعة قايتباي قد أقيمت في موقع المنارة، وعلى أنقاضها. وفي بداية عهد الدولة الاموية
    الإسلامية قام الخليفة الوليد بن عبد الملك بن مروان بهدم المنارة طمعاً في الكنوز التي تحتها كما زين له أحد اتباع الروم، واختفى بعدها كل أثر للمنارة ما عدا ما نقرأه من أوصاف عجيبة لها في كتب التراث.

    معتقدات وخرافات

    عبر التاريخ ارتبطت المرآة بجملة من المعتقدات والخرافات التي تراكمت في الموروث الشعبي وهي كالتالي :

    1
    - التكهن بالمستقبل

    استخدمت الشعوب القديمة المرايا في السحر والتكهن بالمستقبل وغيرها من الأمور التي اخرجت المرآة من مهمتها العاكسة الى اطار غرائبي يختلف باختلاف المجتمعات خاصة في العصور الوسطى وحتى مطلع القرن الـ 19 في اوروبا، وكانت تعتبر المرايا السوداء بالإضافة إلى الكرة البلورية ادوات جيدة للتكهن حيث استخدمها العراف الذي لا زال يثير جدلاً حتى اليوم وهو نوستراداموس (1503 - 1566 ) نفسه .

    -
    ويعتقد السحرة ان التحديق بالمرآة يمكن ان يكشف الهالة المحيطة بالانسان، واستبدلت المرايا بوعاء ماء صغيرة او كرات بلورية لاعتقادهم انه بامكانها المستقبل وأرض الموتى.
    -
    وعرف عن بعض الملوك والدول استعمالهم لمرايا سحرية نذكر منهم : هنري ملك فرنسا حيث كان يستعين بالمرآة السحرية في اغلب الاحيان للتكهن والملكة اليزابيث الاولى حيث كان الساحر الملكي يستخدم بيضة ومرآة سوداء من الزجاج البركاني للتكهن.
    -
    ففي أوروبا كان فارس الاحلام او العريس المرتقب يشكل هاجساً ملازماً لمعظم النساء في اوروبا قديماً، كونه يظل مجهولاً قبل ان يصبح حقيقة فكن يحاولن معرفته بشتى الطرق ومنها التكهن بالمرايا، فقد كان يعتقد ان البنت التي تحدق في انعكاس القمر في المرآة ستعلم يوم زفافها وكانت الفتاة تقوم بطقوس لذلك المستقبل فتأكل الفتاة تفاحة حمراء وتمشط شعرها عند منتصف الليل أمام المرآة وحينها سترى زوج المستقبل في احلامها.

    - وفي الهند كانت المرايا من الاساليب الشعبية للتكهن في الهند ، وتتضمن طقوسها الصوم وتعطير المرايا وقراءة التعاويذ.

    2
    - نذر الموت

    من العادات الفلكلورية العالمية رفع المرايا من غرف المرضى خشية ان تسرق الاشخاص الضعفاء، وفي الغالب تزال المرايا من البيت بعد موت أحد افراد العائلة طبقاً لخرافة تذهب الى أن من ينظر في المرآة بعد موت صاحبها سيموت قريباً. وقد ارتبطت المرايا بالشر ففي الفلولكلور الروسي اعتقد انها من صنع الشيطان والغرض منها اخذ الارواح من اجسام البشر.
    -
    وكان الحفاظ على المرآة من الامور المهمة حيث اعتقد ان كسر المرآة يكسر لمدة سبع سنين او يحدث كارثة او موتاً، والمرآة التي تسقط من الحائط من دون تدخل احد هي نذير بالموت ، والطريقة الوحيدة لتجنب سوء الحظ هو جمع قطع المرآة المكسورة ودفنها في ضوء القمر، ظهر هذا المعتقد في القرن الـ 15في إيطاليا حيث صنعت أول المرايا في فينيسيا من قطع الزجاج القابل للكسر والمطلي بالفضة ثم انتشر هذا المعتقد في أنحاء أوروبا.
    -
    في بعض الثقافات القديمة عند وفاة شخص في ظروف غامضة سواء أكان ذلك بالقتل ، أو حادث مأساوي فيجب تغطية جميع المرايا في البيت ، حتى لا تبقى روح الميت معلقة في المرآة ، فتطارد أي شخص لتمتلكه من أجل حل بعض القضايا و كشف عن كيفية وفاتها او تقوم بالثار من قاتلها قبل الانتقال كما يتم استحضار أرواح الموتى عن طريق لفظ أسمائهم ثلاث مرات أمام المرآة ، وبعض الأقاويل تستبدل المرآة بسطح مائي .

    3
    - الحسد

    كان يعتقد بأن نظرة الحاسد أو العين الشريرة من الممكن ان تحطم المرآة او تشوه سطحها ومع ذلك هناك خرافات معاكسة استخدمت فيها المرايا للحماية من الشر، يعتقد ان المرايا يمكن أن تعكس العين الشريرة وانتشرت تلك المعتقدات في اوروبا خاصة، فبحلول القرن الـ 17 كان الناس يضعون مرايا صغيرة في قبعاتهم لصد الحسد.

    4
    إنعكاس صورة الشيطان والسحرة

    في الخرافات الاخرى انه اذا نظر احدهم مدة طويلة من الليل في المرآة فإنه الشيطان لذا فمن المستحسن تغطية المرايا في غرف النوم اثناء الليل. ويقال ان الساحرات ومصاصي الدماء ليس لصورهم انعكاس في المرآة وحول علاقة الساحر بالمرآة واستخدامها في السحر

    5
    - المس الشيطاني

    انتشر معتقد لمعرفة فيما اذا كان الشخص ممسوس من طرف الشيطان أم لا ، حيث يطلب منه النظر الى المرآة ويحدق فيها فإذا كان لا يرى انعكاس صورته فيها فهذا نذير شؤم لأن روحه تلفها الظلمة وعليه اللجوء الى الشافي فيقوم هذا الأخير بلف صورة الممسوس بقماش ثم يغطسها في الماء المقدس و تترك بعيداً عن الناس لمدة اسبوع ثم يأخذ الصورة و يدقق فيها جيداً فاذا كانت هناك اجزاء من جسمه
    مخفية فهذا يعني أن اشيطان استحوذ على تلك المناطق ولفها بالظلام .

    6- الأحلام

    يبدو ان أثر المرايا في حياتنا يتجاوز حدود الواقع لنجد كتب تفسير الاحلام تذكر تفسيرات مختلفة لرؤية المرآة في الحلم ، فقد ذكر" ابن شاهين " في كتابه في علم العبارات ان من ينظر في مرآة من حديد او ما شابه ذلك فإن كان متزوجاً يأتيه ولد غلام وان لم ينتظر ولداً فإنه يفارق امرأته ويخلفه غيره وإن كان عازباً فإنه يتزوج . ويذكر" ابن سيرين " ان المرآة تدل على الجاه والولاية بقدر عظمتها وصفائها فمن رأى انه اعطاها لأحد فإنه يدل على ايداع ماله.


    المرآة في الأدب والأفلام

    هناك أمثلة عديدة على مرآة السحر الخرافية في مجال الأدب، فقد استخدم أوسكار وايلد مجازاً هذه المرآة السحرية في روايته " صورة دوريان جراي" ،

    ونرى في التراث الأوروبي من خلال القصة الخيالية سنو وايت تسأل الملكة الشريرة مرآتها فتقول :
    "أيتها المرآة المعلقة على الجدار ..من هي الأجمل على وجه الأرض ؟ "

    ، وفي رواية "خلال الزجاج المنظور "
    Through The Looking Glass
    لـ لويس كارول نجد أفضل إستخدام أدبي في موضوع المرآة

    وكذلك في رواية "مرآة إريسيد " Mirror of Erised من سلسلة روايات
    هاري بوتر..


    التعديل الأخير تم بواسطة محمدعامر; الساعة 2012-11-18, 02:42 AM.

  • #2
    حياك الله يا اخى ... موضوع رائع
    تسلم يا استاذ محمد

    قال إبن القيم
    ( أغبي الناس من ضل في اخر سفره وقد قارب المنزل)

    تعليق


    • #3
      خلال بحثي عن مصادر لهذا المقال وقعت على العديد من القصص التي يزعم أصحابها بأنهم مروا بتجارب مروعة مع المرايا ، فقررت أن أقدم لكم عينتين من تلك التجارب.

      القصة الأولى هي لفتاة تدعى سوزي ..
      حين كانت في التاسعة من عمرها ذهبت إلى حفلة عيد ميلاد لإحدى صديقاتها في المدرسة. كانوا حوالي عشرة فتيات حضروا إلى تلك الحفلة التي أقامها والدا صديقتي لأبنتهم. وبعد أن لعبوا وتناولوا الطعام صعدوا جميعا لرؤية حجرة صديقتي. كانت الساعة قد قاربت العاشرة ليلا حين جلسنا جميعنا في حجرتها الجميلة ورحنا نقص على بعضنا قصص الأشباح والبيوت المسكونة، ثم اقترحت إحدى الفتيات أن نلعب لعبة ماري ورث، وهي فتاة ماتت منذ زمن بعيد ويقال بأن روحها بقيت حبيسة المرآة. وهكذا فقد قمنا بإطفاء جميع الأنوار في الحجرة ثم تجمعنا حول مرآة كبيرة ورحنا نردد معا : "ماري ورث .. ماري ورث .. أنا أؤمن بكِ يا ماري ورث".

      رددنا هذه العبارة عدة مرات، وعند المرة السابعة أرتفع فجأة صراخ إحدى الفتيات التي كانت تقف في المقدمة، أخذت تصرخ وتبكي بشكل هستيري وتحاول دفعنا إلى الوراء، كان صراخها عاليا ومخيفا إلى درجة أن والدة صديقتي هرعت إلى الحجرة التي كنا فيها وأشعلت جميع الأنوار بسرعة. كنا جميعا نرتجف من الخوف، وعلى الأرض أمام المرآة مباشرة تكومت الفتاة التي كانت تصرخ، سألتها والدة صديقتي عن سبب صراخها، لكن الفتاة لم تجب وظلت ممددة على الأرض من دون حراك، فرفعتها والدة صديقتي عن الأرض لترى ما بها، وما أن فعلت ذلك حتى صرخنا جميعنا من الرعب، كان الدم يغطي وجهها، وكانت هناك جروح غائرة على جبهتها ووجنتيها ورقبتها، كأن أحدا ما حاول تمزيق وجهها بأظافره .. كان ذلك منظرا مرعبا لن أنساه ما حييت.

      القصة الثانية يرويها رجل في الأربعين من عمره يدعى مارك .. يقول :
      قبل سنوات طويلة، حين كنت مراهقا في الثالثة أو الرابعة عشر من عمري، كان لدي صديق في مثل سني يدعى جو، كان منزلهم يقع قبالة منزلنا تماما، كنا صديقين مقربين نلازم بعضنا طوال اليوم ولا نفترق إلا من أجل النوم أو الذهاب إلى المدرسة. وفي إحدى الليالي حدثني جو عن خرافة سمعها من زملائه في المدرسة عن شبح امرأة تظهر في المرآة، قال بأنها تدعى ماري الدموية. وكما هو الحال مع معظم المراهقين فقد تباهينا أنا وجو كذبا بعدم الخوف من ماري الدموية، حتى أن جو قال ضاحكا بأنه سيبصق عليها لو ظهرت في مرآته. ثم أقترح علي أن نذهب إلى منزلهم لنقوم بتحضير شبحها في حمامهم الذي توجد فيه مرآة كبيرة.

      وبالرغم من إدعائي الشجاعة أمام جو، إلا أني بصراحة كنت أرتعد خوفا من الداخل، فحاولت التملص من دعوته متحججا بأن الأشباح لا تظهر أمام أكثر من شخص واحد، واقترحت عليه أن يقوم كل منا بتحضيرها بمفرده. وهكذا تعاهدنا تلك الليلة على أن يقوم كل منا بتحضير الشبح على حدة في حمام منزله.
      ولا أخفيكم سرا بأني شعرت برعب شديد منعني من القيام بما عاهدت صديقي جو عليه، بل لم أجرؤ على دخول الحمام أصلا في تلك الليلة من شدة خوفي، وبقيت أتقلب على فراشي حتى ساعة متأخرة من الليل، كلما أغمضت عيني كنت أتخيل ماري الدموية وهي تقف بجوار سريري تحمل بيدها سكينا كبيرا تحاول ذبحي بواسطته، فكنت أنتفض مذعورا وأنا أرتجف.



      وبينما أنا أكابد ما أكابده من الرعب والهلع في حجرتي الصغيرة، إذا بصرخة مدوية تمزق سكون الليل، كان الصوت قادما من منزل صديقي جو فنزلت لأرى ما يحدث. كان أبي وأمي وأخوتي والكثير من الجيران قد سبقوني إلى الشارع، كانوا يقفون في فناء منزل جو، تعجبت لرؤية والدتي تبكي مع بعض النسوة، فيما راح الرجال يهزون رؤوسهم أسفا. وحين سألت أحد المجتمعين عن ما يجري أجابني بنبرة حزينة : لقد مات جو.
      كان ذلك أفظع رد سمعته في حياتي، لازال يدوي في أذني إلى اليوم، لكنه لم يكن سوى مقدمة للرعب الحقيقي الذي سأسمعه لاحقا. فقد علمت بأن جو عاد إلى منزله بعد أن افترقنا تلك الليلة فأخذ شمعة وتوجه بها إلى الحمام عند حوالي منتصف الليل، وبعد فترة قصيرة سمع أهله صراخه وهو يطلب المساعدة من داخل الحمام، لكنهم لم يستطيعوا الوصول إليه لأن باب الحمام كان مقفلا من الداخل، وبعد عدة محاولات تمكن أبوه من كسر باب الحمام، في الداخل كان جو ممددا على الأرض بلا حراك، كان مذبوحا من الوريد إلى الوريد ودماءه تغطي أرضية الحمام، أما رأسه المقطوع فكان يقبع في المغسلة تحت مرآة الحمام مباشرة، والى جواره كانت هناك شمعة ما تزال مشتعلة.

      موت جو ظل لغزا محيرا بالنسبة للجميع، الشرطة قيدت القضية ضد مجهول، أما الناس فقد ظنوا بأنه انتحر، لكن أنا وحدي كنت أعرف حقيقة ما جرى في تلك الليلة المشئومة، وهو سر ما زال يؤرقني ويقض مضجعي بعد كل تلك السنين.

      ماري الدموية تاريخيا




      ماري الأولى ... ملكة انجلترا

      بعيدا عن الخرافات والأساطير يخبرنا التاريخ بأن المرأة الوحيدة التي عرفت واشتهرت بأسم "ماري الدموية" هي ماري تيودور ابنة الملك هنري الثامن وزوجته الأولى كاترين الأرجوانية. ولدت عام 1514 واعتلت العرش عام 1553 تحت أسم الملكة ماري الأولى (Mary I of England ) وذلك بعد موت شقيقها الأصغر الملك ادوارد السادس.
      حياة الملكة ماري لم تكن سعيدة، فقد عانت كثيرا في طفولتها وشبابها. عانت وهي ترى سعي والدها الحثيث لإبطال زواجه من أمها، وعانت لرؤية أمها وهي تصارع بكل ما أوتيت من قوة للحفاظ على كرامتها كملكة قبل أن يتم إرسالها إلى قلعة كمبلتون الموحشة لتموت هناك وحيدة بينما كان زوجها الملك هنري يحتفل بزواجه من عشيقته آن بولين.
      ماري عانت لسنوات طويلة من جفاء والدها الملك الذي حرمها من وراثة العرش، وعانت أيضا بسبب إيمانها الكاثوليكي الذي أصبح بين ليلة وضحاها مذموما منبوذا من قبل الملك والبلاط والدولة، وعانت أكثر في الحفاظ على إيمانها بالرغم من كل الضغوطات التي مورست عليها من قبل والدها وشقيقها لحملها على التحول إلى البروتستانتية.


      حتى في زواجها لم تكن ماري سعيدة، أحبت زوجها الملك فيليب الأسباني بكل جوارحها فيما لم يكن هو سوى طامع في عرشها، وتلهفت لإنجاب وريث للعرش منه إلى درجة أنها تحولت إلى مثار سخرية وتندر الناس بعد أن انتفخت بطنها عدة مرات ثم تبين لاحقا بأنه مجرد حمل كاذب. وأخيرا عانت على فراش الموت وهي ترى عرشها يذهب رغما عن أنفها إلى أختها الغير شقيقة إليزابيث البروتستانتية التي عرفت لاحقا بأسم الملكة إليزابيث الأولى وكانت واحدة من أعظم الذين اعتلوا العرش الانجليزي.
      هذه هي حياة ماري الأولى ملكة انجلترا ... من قال أن حياة الملوك سعيدة؟!.






      لكن الملكة ماري الأولى لم تكن ملاكا بالرغم من معاناتها والظلم الذي وقع عليها، فقد تسببت هي أيضا بمعاناة وموت الكثير من الناس بسبب تعصبها الديني وسعيها المحموم لإعادة شعبها إلى جادة الكاثوليكية وطاعة بابا روما، فنصبت المحارق والمشانق للبروتستانت في أرجاء البلاد، سجنت وعذبت وشنقت وأحرقت المئات منهم خلال عهدها القصير الذي أمتد لخمسة أعوام فقط، لم يسلم منها حتى النبلاء ورجال الدين، ولهذا أطلق الناس عليها أسم ماري الدموية. ولهذا السبب أيضا يحاول البعض أن يربطوا بينها وبين خرافة ماري الدموية.
      الجدير بالذكر أنه هناك ملكة أخرى تدعى ماري حاول الناس ربطها بالخرافة أيضا، وهي ماري ستيوارت التي تعرف بأسم ماري الأولى ملكة الاسكتلنديين (Mary, Queen of Scots )، والتي اعتلت العرش الاسكتلندي لفترة قصيرة خلال القرن السادس عشر، ولم تكن تقل تعاسة عن قريبتها ماري الانجليزية، وانتهت حياتها بحد السيف في عام 1587 في عهد الملكة إليزابيث الأولى.

      أصل الخرافة .. سحر المرايا

      بحسب الباحثين والمختصين بالتراث والفلكلور فأن خرافة ماري الدموية هي من الخرافات الحديثة التي لم تظهر إلى الوجود إلا خلال العقود القليلة المتأخرة، ربما في ستينات القرن المنصرم، وبلغت ذروة شعبيتها خلال السبعينات، أما قبل ذلك فلا يوجد أي ذكر للخرافة، ولا يوجد أيضا ما يؤكد حقيقة القصص التي تربط ما بين نشأة الخرافة وبين ساحرة تدعى ماري أو فتاة تدعى ماري روث، وليس هناك صلة واضحة بين الخرافة وماري الأولى ملكة انجلترا. غير أن حداثة الخرافة لا تعني عدم ارتباطها بأحداث وقصص وخرافات موغلة في القدم تتشابه في بعض جزئياتها مع خرافة ماري الدموية. فلنأخذ مثلا سيرة حياة الكونتيسة إليزابيث باثوري (Elizabeth Bathory ) تلك الأرستقراطية الحسناء التي كانت تقضي ساعات طويلة كل يوم أمام مرآتها تحدق بزهو وخيلاء إلى جمال وروعة صورتها. ثم فجأة تحول ذلك الجلوس أمام المرآة إلى كابوس مزعج حين جاوزت سن الأربعين، أفزعها حقيقة تقدمها في العمر،
      وأرعبتها التجاعيد التي بدأت تغزو وجهها الجميل. ومن أجل التغلب على تلك التجاعيد والخطوط اللعينة بدأت الكونتيسة المجنونة باستدراج الفتيات الشابات إلى قلعتها لكي تقتلهن وتستحم بدمائهن. فقد آمنت بأن الدم سيعيد إليها شبابها وأجهزت في سبيل ذلك على أكثر من ستمائة فتاة. ويقال بأن روح الكونتيسة ظلت حبيسة المرآة بعد موتها، واستمرت في قتل الفتيات والاستحمام بدمائهن، لكن هذه المرة تحت أسم ماري الدموية.



      المرآة الباكية .. تبحث عن ارواح اطفالها ..


      في الفلكلور المكسيكي نجد خرافة النائحة أو المرأة الباكية (La Llorona ) التي تروي قصة امرأة متزوجة أسمها ماريا أقدمت على قتل أطفالها الصغار عن طريق إغراقهم في النهر وذلك من أجل أن تفر مع عشيقها، لكن عشيقها هجرها بعد أن أشمئز من فعلتها الحقيرة. مما دفع ماريا إلى الانتحار. وبحسب الأسطورة فأن روح ماريا منعت من دخول ملكوت السماء ما لم تجلب معها أرواح أطفالها الذين قتلتهم، ومنذ ذلك الحين أخذت روحها الشقية تدور في أرجاء الأرض بحثا عن أطفالها وهي تبكي وتولول قائلة : "أوووه .. أطفالي!". ويقال بأنها لا تتورع عن خطف أرواح الأطفال المشردين وأولئك الذين لا يطيعون والديهم خلال تجوالها بحثا عن أطفالها، وبأن الذين يسمعون صوتها ونحيبها يموتون بعد فترة قصيرة. ويرى بعض الباحثين بأن ماريا هي نفسها ماري الدموية، وبأن إضافة عبارات من قبيل "أن أطفالك معي" أو "لقد قمت بقتل أطفالك" إلى طقوس تحضير شبح ماري الدموية تهدف إلى تحفيز شبح ماريا على الظهور في المرآة.

      يمكننا أيضا تعقب آثار خرافة ماري الدموية في الأدب الأوربي، فنذكر على سبيل المثال المرآة السحرية التي استعملتها زوجة الأب الشريرة في قصة بياض الثلج والأقزام السبعة، وهي قصة قديمة من التراث الألماني. ونذكر أيضا المرآة في رواية "دراكولا" للكاتب برام ستوكر، فالبطل لم يكتشف حقيقة الكونت إلا بعد أن وقف معه أمام المرآة فعجز عن رؤية انعكاس صورته فيها بالرغم من أنه يقف إلى جواره. لأن صورة مصاص الدماء لا تظهر في المرآة، فهو في النهاية شخص ميت، ولهذا تعجز المرآة عن رؤيته.




      سترين وجه زوجك المستقبلي في المرآة !

      في الفلكلور والمعتقدات الشعبية هناك خرافة أوربية يمكن أن نعتبرها الأقرب إلى خرافة ماري الدموية، وقد راجت تلك الخرافة وانتشرت بين الفتيات في القرن الثامن عشر، وبحسب تلك الخرافة فأن الفتيات العازبات يمكنهن إلقاء نظرة خاطفة وسريعة على ما ستكون عليه صورة أزواجهن المستقبليين عن طريق المرآة. أما طريقة عمل الخرافة فقد لخصها الشاعر روبرت بورنز في قصيدة تعود إلى عام 1787 كالآتي :
      "خذي شمعة وأمضي وقفي لوحدكِ أمام مرآة، تناولي تفاحة قبل ذلك، ومن الأفضل أن تجمعي شعركِ إلى الأعلى؛ قفي هناك وسترين وجه الرجل الذي سيكون زوجكِ، سترينه في المرآة يختلس النظر إليك من وراء كتفكِ".

      هناك نسخة أخرى لهذه الخرافة تقول بأن الفتاة الراغبة في رؤية وجه زوجها المستقبلي عليها أن تهبط السلم بصورة معكوسة، أي وجهها للخلف وقفاها للأمام، وعليها أن تحمل بيدها مرآة يدوية تنظر فيها أثناء هبوطها للسلم لكي ترى وجه زوجها المستقبلي وهو ينظر إليها من وراء كتفها.

      طبعا أنا لا أعلم إن كانت هذه الطريقة تعمل فعلا أم لا، يمكنكِ أن تجربيها عزيزتي القارئة لتخبرينا بالنتيجة لاحقا، فهي طريقة سهلة ولا تكلفكِ سوى تفاحة!.

      وأمثال هذه الخرافات عن المرايا منتشرة في كل مكان، حتى في عالمنا العربي. هناك على سبيل المثال وصفة عجيبة لربط الحبيب عثرت عليها في بعض المنتديات العربية أثناء بحثي عن مصادر للموضوع، وتعمل تلك الوصفة كالآتي (باللهجة الدارجة) :

      "اشتري مراية جديدة ما تشوفيش فيها وجهك ...دخلي للدوش وحيدة حوايجك كاملين .. خذي عسل حر وادهني به جسمك.. خذي المراية ومرريها على جسمك وانت تقولي ..اشعلت قلب فلان ولد فلانة على محبة فلانة بنت فلانة .. ..والله مايبقى يشوف غيرك مراة ".


      وصفة عجيبة حقا، الله يستر منها، وهناك وصفة مشابهة أنقلها من باب الطرافة أسمها "جلب الحبيب بالسحر الرهيب"! .. وهي سريعة المفعول .. نتائجها مضمونة ومجربة خلال ليلة واحدة !!! .. وتعمل كالآتي :

      "خدي مرايتين صغار تشتريهم دون السؤال على الثمن أو تري فيهم وجهك .. تأخدي صورة الحبيب تقطعيها على حسب مساحة المرآة .. تحطي مراية تحتك وتكحلي عيونك جيدا وتنظري في المرآة الثانية بعينيك فقط يعني لا يظهر وجهك كلة .. و تجيبي الصورة حطيها على المرأة اللي تحتك .. و حطي فوقها المرآة التانية و شديهم بخيط و خبيهم".




      يا لها من وصفات سحرية! .. ربما نضحك عليها للوهلة الأولى من دون أن ندرك بأن للناس في المرايا عقائد وخرافات غريبة ومتنوعة تعود في جذورها إلى أقدم العصور. وما زالت المرايا تستعمل حتى يومنا هذا من قبل المنجمين والعرافين للتنبؤ بالمستقبل وكشف المستور.

      لكن العرافين لا يستعملون كل أنواع المرايا وإنما يفضلون نوع خاص يطلق عليه أسم المرآة السوداء، وتعرف أيضا بمرآة العرافين (Black scrying mirror )، وهي أداة سحرية محببة لدى معظم السحرة والساحرات، سواء المحترفين أو المبتدأين، يفضلونها أحيانا حتى على كرات الكريستال الشهيرة، ربما لرخص ثمنها وتوفرها في المتاجر وعلى الانترنت.

      وإضافة إلى كشف الغيب تستعمل هذه المرايا في تحضير الأشباح والجن والتواصل معهم.

      وقد رأيت فيما مضى من حياتي شخصا من المشتغلين بالعرافة والسحر كان يستعمل هذا النوع من المرايا.
      كان يأتي بطفل دون السادسة من العمر فيقرأ عليه بعض التمائم والتعاويذ أولا ثم يطلب منه أن يركز نظره إلى نقطة داخل المرآة ويسأله عما يرى داخلها، كان يستعمل هذه الطريقة لكشف خفايا السرقات وجرائم القتل وفضح هوية المتورطين فيها.

      والعجيب أنه كان ينجح أحيانا في فك غموض بعض القضايا التي عجزت الشرطة عن حلها، طبعا هذا ما يقوله الناس فأنا لم أره بنفسي يحل لغزا ولا قضية ولا أظنه إلا دجال، لكن ما قيمة رأيي؟ ..

      فبضاعته رائجة وسوقه عامرة بالأموال والهدايا والنساء .. ليتني كنت مثله!.

      من العقائد الغريبة الأخرى عن المرآة هي تلك التي تتحدث عن قدرتها المزعومة في احتجاز أرواح البشر، ولهذا السبب كان الناس في أمريكا وأجزاء من القارة الأوربية يقومون بتغطية جميع المرايا في المنزل عند موت أحد أفراد العائلة، أو عند وجود جثة داخل المنزل. كان لديهم اعتقاد راسخ بضرورة عدم انعكاس صورة الميت في المرآة لكي لا تحتجز روحه داخلها، كما أمنوا بأن الحي يجب أن لا يرى انعكاس صورة الميت في المرآة لأن ذلك يجلب النحس.
      كان هذا الأيمان راسخا إلى درجة أن بعض الناس كانوا يغطون المرآة حتى أثناء نومهم، كانوا يعتقدون بأن الروح تغادر الجسد خلال النوم، وبأن المرآة يمكن أن تحتجز روح النائم وتمنعها من العودة إلى الجسد مما يتسبب بموته.


      المعتقدات الغريبة حول المرآة لا تنتهي عند هذا الحد، فهناك معتقد قديم آخر في أن كسر المرآة يسبب النحس ويجلب الشر، وبأن الشخص الذي يكسر المرآة سيعاني من سوء الحظ لمدة سبعة أعوام. وتكون الطريقة الوحيدة للتخلص من ذلك النحس هي بلملمة جميع أجزاء المرآة المكسورة ودفنها تحت الأرض. أما طول النظر في المرآة فهو مكروه لدى بعض الناس لأنه على حد زعمهم يمكن أن يسبب الحسد، فالمثل الدارج يقول "ما يحسد المال إلا أصحابه"، وعليه فأن الولع والإعجاب والغرور الزائد عن الحد بانعكاس الصورة في المرآة يمكن أن يتسبب بالمرض والموت!.

      المؤرخ أبن الجوزي يورد لنا في ذلك قصصا غريبة، فيحدثنا في منتظمه عن أشخاص ماتوا لأنهم أعجبوا بصورهم في المرآة، كالخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك بن مروان الذي :" لبس يوما حلة وعمامة خضراء، ونظر في المرآة، فقال : أنا الملك الشاب، فما عاش بعد ذلك إلا أسبوعا"!.
      وأتفق مثل ذلك مع الخليفة العباسي أبو العباس السفاح الذي نظر في المرآة يوما وكان من أجمل الناس وجها فقال : "اللهم إني لا أقول كما قال سليمان بن عبد الملك: أنا الملك الشاب، ولكني أقول : اللهم عمرني طويلاً في طاعتك ممتعاً بالعافية. فما استتم كلامه حتى سمع غلاماً يقول لغلام آخر: الأجل بيني وبينك شهران وخمسة أيام، فتطير من كلامه، وقال: حسبي الله، لا قوة إلا بالله، عليه توكلت، وبه أستعين فما مضت إلا أيام حتى أخذته الحمى، فجعل يوم يتصل إلى يوم حتى مات بعد شهرين وخمسة أيام".

      طول النظر في المرآة قد يورث الجنون أيضا، خصوصا عندما يتحول إلى إدمان، وقد يقود في حالات معينة إلى نشوء نوع من الهوس والمرض النفسي من قبيل اضطراب التشوه الجسمي (Body dysmorphic disorder ) والوسواس القهري (Obsessive–compulsive disorder). ولعل قصة نارسيس الإغريقي الذي شاهد انعكاس صورته على وجه الماء فعشق نفسه إلى حد الموت هي أقدم مثال على ذلك الهوس الجنوني بالمظهر والصورة والنفس عموما، ومنه أشتق مصطلح النرجسية (Narcissism )، أي حب الذات. المفارقة أنه يوجد نوع آخر من الاضطراب النفسي معاكس ومغاير تماما، وهو يدعى الخوف من المرآة (Spectrophobia ) ، حيث يرتعب الأشخاص المصابين بهذا المرض من انعكاس صورتهم في المرآة، ولهذا يتجنبون المرايا إلى أقصى الحدود. وهذه الآفة النفسية قد تكون نتيجة لتجربة شخصية سيئة مع المرآة، كأن يكون المريض مولعا بمشاهدة أفلام رعب، أو يكون قد شاهد كابوسا مرعبا فيه مرآة، أو أن يظن بأنه شاهد شبحا أو شيئا مخيفا في المرآة.

      أخيرا فأن الخرافات المتعلقة بالمرآة لا تقتصر على البشر، فحتى الآلهة مولعة بالمرايا. فالمرآة كانت رفيقة محببة للربة افروديت، ربة الجمال والجنس والخصوبة لدى الإغريق. أما الربة الرومانية فينوس فكانت لا تفارق مرآتها اليدوية التي كانت ترى بواسطتها كل شيء، وقد تحولت تلك المرآة لاحقا إلى رمز (Venus symbol ) لكل ما يختص بالأنوثة، رمز نراه في الكثير من المواقع والمنتديات النسائية من دون أن ندرك أصله وكنهه.

      الحديث عن المرايا يطول .. كأنه بلا نهاية .. وفد كنت من السذاجة بحيث ظننت في بادئ الأمر بأن الكتابة عن المرآة لن تأخذ مني سوى بضعة أسطر. فإذا بي أغوص في بحر زاخر وعالم ساحر يغص بالخفايا والأسرار.

      فأنا بصراحة لم أكن أعلم بأن للمرايا هذا التاريخ الطويل من العلم والخرافة .. والفن والصنعة .. والعشق والجمال .. ابتداء من مرآة فنار الإسكندرية العجيب ومرآة أرخميدس الحارقة .. وليس انتهاء بقاعة المرايا الساحرة في قصر فرساي ومرآة منظار هابل الفضائي. ولا أخفيكم سرا بأن نظرتي للمرآة تغيرت كثيرا بعد هذا البحث القصير، فقد زاد احترامي لمرآتي الصغيرة المعلقة على مسمار يتيم في حائط حجرتي ، وسوف أقوم لألمعها وأنفض عنها الغبار واعثذر لها بعد طول نسيان وإهمال.
      وان وجدت جديدا ساوافيكم بة









      التعديل الأخير تم بواسطة محمدعامر; الساعة 2012-11-19, 06:20 PM.

      تعليق

      يعمل...
      X