إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

علوم الحقيقة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • علوم الحقيقة



    (1)



    علوم الحقيقة
    في هذا الوقت من تاريخنا ، و وسط هذا التقدم الحضاري الكبير ، لا زال الكثير منا يتعرّضون لفكرة قديمة سائدة بين العامة تقول أن الواقع الذي ندركه من خلال حواسنا التقليدية ، ليس هو الواقع الحقيقي ، إن ما نراه قد لا يكون الحقيقة .
    قال الفلاسفة القدماء " إن الأشياء متغيّرة على الدوام ، مهما كانت درجة صلابتها".. و علّم سقراط تلاميذه أن يتساءلوا عن كل شيء ، حيث قد لا تكون الأشياء كما تبدو عليه .. و أحد تلاميذه ، أفلاطون ، أعطانا المثال المشهور عن "الكهف" حيث قال أن الناس التي تقطنه تنخدع بظلال الأشياء و تظن أن تلك الظلال هي الحقيقة ، بينما الأشياء الحقيقية هي وراء ظهورهم لكنهم لا يرونها . و

    في الفلسفة الشرقية ( الهندية عامة ) ، علّموا أن الواقع الذي يدركه الإنسان ليس سوى " وهم" ، حيث أن العالم المادي هو "حلم" و يجب على الإنسان أن يصحوا منه .
    و الأديان السماوية علّقت أهمية كبيرة على "الجنة" بدلاً من "الدنيا". فالجنة هي الواقع الأبدي الذي يجب علينا أن نجتهد من أجله . بينما البحث عن الشهوات الدنيوية يضعنا في موقع "الخطيئة".


    بالرغم من كل هذه الأفكار التي سمعناها على مدى التاريخ ، يبدو أننا لازلنا نجد صعوبة في أن نصدّق بغير أن العالم هو كما نراه من النظرة الأولى ، مهما حاولت الأفكار العصرية و التقليدية أن تذكّرنا بأن " لا ننخدع بالمظاهر". لكن يبدو أننا نشعر بارتياح أكثر في عيش حياتنا اليومية ، و العالم الذي ندركه بحواسنا الخمسة (المحدودة) ، هو في نظرنا الواقع بحدّ ذاته .
    يمكن أن نتقبّل ، كأفراد عقلاء ، ما يقوله العلم و الفلسفة و حتى التعاليم الصوفية ، التي تتحدّث جميعها عن الواقع من زاوية مختلفة تماماً . و قد نسلّم بهذا الكلام على أنه الحقيقة ، لكن تبدو هذه الأفكار غير عملية في حياتنا اليومية ، حيث الصراع المستمر للبقاء ، مثل تأمين لقمة العيش ، دفع الضرائب ، علاقات غرامية ، حروب ، الانشغال بإيجاد وساءل جديدة للتقدّم والارتقاء في الحياة ، و غيرها من هموم دنيوية متعددة . فلا يهمنا إذا كان الضوء هو موجة أو جزيء كما يتجادل عليه العلماء ، أو ما يقوله لنا الفيزيائي ديفيد بوهم بأن العالم هو هولوغرام ، متعدّد الأبعاد . مهما كانت حقيقة هذه الدنيا ، فنحن وجدناها كما نراها الآن . جئنا إلى هذه الحياة و وجدنا الكثير من المشاكل الحياتية بانتظارنا ، ففرض علينا أن نكون عمليين أكثر ، واقعيين أكثر ، دنيويين أكثر . فلا وقت للتأمّل أو التعمّق في خفايا هذه الدنيا و غموض معانيها .
    قد يكون الكلام السابق صحيح ، لكن بنفس الوقت ، يمكن أن يكون توجّه خاطئ . فليس هناك مشكلة في أن نفعل ما بوسعنا من أجل البقاء ، و حتى الارتقاء في هذا العالم . لكن المشكلة هي أننا ، خلال هذا الصراع الدنيوي المرير ، ننسى بأنه هناك واقع آخر ، شيء خفي عميق يتجاوز الواقع الملموس . و نتيجة لذلك ، نصبح سطحيين في تفكيرنا و سلوكنا . و إن لم نخترق هذا الحاجز الفكري الوهمي و نتعمّق في خفايا الحياة الغامضة ، سوف نبقى دون عمق . و عن طريق اكتشاف أعماقنا نجد أنفسنا و أرواحنا التي هي وراء المادة ، و هذا لو أنّكم تعلمون ، هو الأهم .

    الحقيقة

    الناس لا يعرفون الحقيقة ولا يفطنون لها أبداً ، و قليلاً ما يستخدمون وعيهم بشكل كامل في خوضهم معترك الحياة . فالعقل الواعي لديه القدرة على التفكير ، و الإرادة ، و المنطق الذي يقوم بتحليل الأشياء ، و يتخذ القرارات على أساسها . الناس مخطؤن في اعتبارهم أن أفعالهم واعية ، و هي في الحقيقة ليست سوى أفعال و ردود أفعال أوتوماتيكية صادرة من عقولهم الباطنة ، المبرمجة منذ ولادتهم . إنهم لا يستخدمون قوة الإرادة لحثّ أنفسهم لفعل ما يجب فعله عندما لا يشعرون بفعله . إنهم لا يأبهون بتحليل الأشياء ، و إيجاد الحلول الجديدة لصالحهم . إنهم يفضلون الاقتناع بما تقوله عاداتهم و تقاليدهم المهترءة ، و ما تمليه عليهم السلطة الاجتماعية الفولكلورية بجميع مظاهرها و أشكالها ، بالإضافة إلى المنهج العلمي السائد ( الذي يبحث في نصف الحقيقة فقط ) ، و نادراً ما يتخذون القرارات الجديدة .
    إنهم يسمحون ، بكل بساطة ، للقناعات المبرمجة في عقولهم الباطنة بإدارة شؤونهم اليومية . مع أن بعض البرمجات لا تعكس قناعات الشخص الحقيقيّةً ، لكنه يطيعها دون وعي أو تفكير . فهو لا يعرف و لا يريد أن يعرف أساساً ، أن هذه القناعات التي تبرمج عليها ، و كذلك آباؤه و أجداده من قبله ، هي ليست سوى برمجة شاملة للعقول ، و غالباً ما كانت لصالح المبرمِج الذي كان يمثّل سلطة اجتماعية أو علمية معيّنة في فترة من فترات التاريخ ، فتوارثتها الأجيال عبر الزمان ، إلى أن أصبحت مسلّمات لا يمكن تجاوزها أبداً . و الويل لمن يحاول أن يتعرّض لها ..!.

    هناك حقيقة معروفة عند العاملين في مجال السياسة و الإعلام و غيرها من مجالات تتعامل مع المجتمعات و ليس الأشخاص بالمفرد . هذه الحقيقة تقول :
    قد يظهر الفرد أحياناً بعض من الحكمة و الذكاء في سلوكه و توجهه ، لكن المجتمعات و الشعوب دائما ما أظهرت الغباء !.
    يعلم المختصّون جيداً أنه يمكن لفكرة معيّنة أو اعتقاد ما أن ينتشر بين الشعوب كما ينتشر الوباء , فتحكم هذه الفكرة عقول الناس دون أي محاولة منهم للنظر بمدى مصداقيتها فيتداولوها و يتعاملوا معها كحقيقة واقعية مسلّم بها . و مهما حاول بعض العقلاء من الناس في تكذيب هذه الفكرة أو مناقشتها ، سوف لن ينجحوا بذلك أبداً ، لأن هذه الفكرة قد انتشرت و سادت و رسخت في العقول ، و تشبه محاولة تفنيدها أو دحضها كالوقوف بوجه نهر جارف لا يمكن مقاومته أو صدّه ، حتى أن هؤلاء العقلاء قد ينجرفون مع تيار هذا النهر فيما بعد . أليس هكذا تنتشر الإشاعات ؟. و قد أصبحت صناعة الإشاعات علماً قائما بحد ذاته تعتمد عليه جهات مالية و أمنية و تجارية و إعلامية و إعلانية وغيرها من مؤسسات تتعامل مع الشعوب و الجماهير بشكل عام ..

    لكن الخطر يتجسّد عندما تكون هذه الفكرة مدعومة من قبل السلطات السائدة ( روحية أو سياسية أو علمية أو غيرها ) . فحينها لا يمكن لأي عاقل أن يحاول التطرّق لها أو طرح فكرة جديدة مناقضة لها ، لأن هذا قد يعتبر تهديداً لمسلمات هذه السلطة التي يعمل رجالها دائماً على مواجهة الأفكار الجديدة بشراسة قد تكلّف أصحابها حياتهم أحياناً !. ( كما سوف نرى فيما بعد ) .
    و بعد مرور سنين طويلة على فرض هذه الأفكار ، و بعد ظهور أجيال جديدة نشأت عليها و تشرّبت منها حتى الثمالة ، تدخل هذه الأفكار تلقائياً في وعي الشعوب ثم في التركيبة الاجتماعية ، فتصبح فيما بعد عبارة عن مسلمات لا يمكن تجاوزها أبداً .
    و بدلاً من أن تستمرّ السلطة السائدة بعمل الرقيب الذي يحاسب الخارجين عن المنطق المفروض ، يصبح المجتمع بكامله هو الذي يدير هذه العملية تلقائياً ، فيقوم بمعاقبة الخارجين عن هذه الأعراف و المسلمات بشكل تلقائي !.


    و بما أن الإنسان الذي نشأ على إعطاء أهمية كبيرة لرأي المجتمع المحيط به ، فهو بالتالي يعتمد على هذه الآراء اعتمادا كبيراً ، فلا يستطيع أن يخرج عن القطيع و يسبب لنفسه النفور الاجتماعي بسبب إعلانه عن قناعته بفكرة معيّنة شاذة عن العرف الاجتماعي السائد . فيفضّل مسايرة التيار وليس السير بعكسه .
    لقد تطرّق عالم النفس "كارل جونغ" لهذا الأمر بمفهوم " القـناع " PERSONA ، و هو القناع الذي نرتديه ، أو الشخصية المصطنعة التي نظهر بها أمام الناس . يقول جونغ أنه ما من مشكلة في وضع هذا القناع ، بل أنه ضروري إذا أردنا أن نتماشى مع التيار الاجتماعي . يجب علينا أن نستخدمه كي نتماشى مع القوانين و العادات و التقاليد الاجتماعية ، و كأننا متحمسين لذلك ، فهذا ضروري لنا إذا أردنا العيش المريح نفسياً و معنوياً ، و البقاء في تناغم كامل مع المنظومة الاجتماعية . لكن المشكلة تبدأ بالتفاقم عندما يبدأ الإنسان بتقمّص شخصية ذلك القناع فعلاً ، أي يبدأ الإنسان بالإيمان بأن تلك الشخصية التي اتخذها كوسيلة للتماشي مع المجتمع هي تجسيد حقيقي لشخصيته .
    بمعنى آخر : "يبدأ هذا الإنسان بخداع نفسه".


    يتبع

  • #2
    (2)

    هكذا تترسّخ المعتقدات و القناعات ، بصرف النظر عن مدى صدقيتها . و الذي يجعلنا ندافع عن تلك القناعات التي نشأنا عليها هو ليس لأنها صحيحة ، أو ليس من الضرورة أن تكون صحيحة ، بل السبب يعود إلى أننا نشأنا عليها منذ ولادتنا و تعوّدنا عليها و لم نتعرّف على الجانب الآخر من القصّة . لقد اعتدنا على النظر إلى الحياة من زاوية واحدة فقط و لم تسنح لنا الفرصة للنظر من الزوايا الأخرى .. و من سيجرؤ على إعطائنا هذه الفرصة طالما أنها تعتبر خروج عن المسلمات ؟.

    و هذا الواقع الأليم جعل الكثير من الناس ، مهما كانت مستوياتهم الفكرية و الثقافية
    والعلمية ، يواجهون صعوبة في تقبّل ظواهر أو حقائق غير مألوفة لديهم ، و لا تناسب المنطق الذي نشؤ عليه .
    و نلاحظ أحياناً أن هذا النفور أو المقاومة التي يبديها الإنسان تجاه الأفكار الجديدة هي عملية لاواعية خارجة عن إرادته . و سبب هذا لا يعود لعوامل اجتماعية أو فكرية فحسب ، بل يبدو أنه هناك عامل نفسي أيضاً !.. و السبب هو أن للعقل قسم خفي سماه علماء النفس بالعقل الباطن و هو مخزون تجاربنا اليومية التي تتكرّر يومياً ، و هو المسئول أيضاً عن بعض الأفعال اللاإرادية (الأوتوماتيكية) . لكنه بنفس الوقت يعمل كرقيب ، يمنع الأفكار الغير مألوفة من الدخول إلى مخزونه ألمعلوماتي الذي يختزن أفكار مبرمجة منذ الطفولة . فلا يمكن أن نستوعب فكرة معيّنة إلا إذا توافقت مع ما هو مبرمج مسبقاً في عقلنا الباطن . فهناك حاجز غير ملموس في ذهننا يسمّونه "حاجز العقل" أو "العقلية الناقدة" أو " الحاجز الحرج" Critical Faculty ، و لا يمكن للأفكار أن تخترقه بسهولة .

    عندما يولد الطفل ، يكون هذا الحاجز غير موجود تقريباً ، فيقوم الطفل خلال نموه مع الأيام ، بامتصاص جميع الانطباعات و المعلومات المحيطة به كقطعة الإسفنج ، كل شيء يكون مقبولاً له ، فيسجّله العقل الباطن ، و هذا هو السبب الذي يمكّن الطفل من تعلّم كل ما استحوذ على اهتمامه بسرعة و سهولة كبيرة .

    لكن خلال خوض هؤلاء الأطفال في مرحلة التعلّم ، واستيعاب المعلومات المختلفة من محيطهم ، يكون "الحاجز" الذي تكلّمنا عنه في حالة نمو تلقائي . و في سن السابعة تقريباً يكون هذا الحاجز قد اكتمل نموه ، فبينما يكمل الطفل بعدها مسيرته في التعلّم و التعرّض لكميات كبيرة من المعلومات و المفاهيم و العادات و غيرها ، يبدأ حينها بعملية التصفية ، أي يتقبّل منها فقط المفاهيم و المعلومات التي سبق و تقبّلها قبل اكتمال "الحاجز الحرج"، أما المعلومات الأخرى فيرفضها تماماً .

    المشكلة تكمن في الاعتياد على نظرة محدّدة للحياة ، و هو السبب في عدم استطاعة الأشخاص البالغين ، بجميع مستوياتهم العلمية و الثقافية ، استيعاب المفاهيم الغريبة عن أعرافهم و معارفهم التقليدية .

    يمكن أن نشبه دماغ الإنسان في هذه الحالة كجهاز الكمبيوتر ، و عقله هو البرنامج الذي زوّد به هذا الجهاز ، فمهما كانت درجة الذكاء و الوعي الذي اتصف به هذا الإنسان لا يمكنه تجاوز حدود هذا البرنامج الذي زوّد به . و إذا كان هذا البرنامج يحتوي على معطيات خاطئة سوف يخرج الكمبيوتر دائماً بأجوبة خاطئة !.. فالمشكلة ليست بالكمبيوتر و قدرته الهائلة على معالجة المعلومات ، بل بالبرنامج الذي زوّد به .

    إذا افترضنا أن هناك مجتمع مثلاً ، يتعلّم فيه الطفل الصغير من والديه الحنونين بأن 2+2=3 ، و يتعلّم هذه المعادلة ذاتها في المدرسة ، من الحضانة مروراً بالابتدائية ثم الثانوية إلى أن يصل إلى الجامعة حيث يسمع البروفيسور المرموق ذات الثقافة العالية يصرّ على أن 2+2=3 ، و يسمعها في أجهزة الإعلام ، في الراديو و التلفزيون و الصحف و غيرها ، و القانون النافذ في هذا المجتمع يعتمد على هذه المعادلة و يدعمها ، فليس مستغرباً إذا رأينا في هذا المجتمع أشخاص نافذين يحتلون مناصب عالية ، علمية سياسية اجتماعية ، يعتقدون بكل جديّة بأن 2+2=3 ! و يعتبرونها حقيقة مسلّم بها ، و يقرّون سياساتهم على هذا الأساس !.

    و إذا نظرنا إلى التاريخ الإنساني الطويل ، نرى الكثير من الأمثلة الموجودة على أرض الواقع . وغالباً ما نرى أيديولوجيات و أفكار خاطئة حكمت عقول الناس لآلاف السنين !
    و شعوب بكاملها أبيدت باسم تلك الأفكار ! أبيدو بمئات الملايين ! . أهم تلك الأفكار
    وأكثرها وقعاً على الشعوب هي أفكار العهد القديم !...... الم تزل أفكار "العهد القديم" ( التوراة) تحكم الشعوب التي تعتبر الأكثر تقدماً بمستواهم الفكري العلماني الراقي ؟ ...
    "العهد القديم" الذي يروي لنا كيف أن أبطال رواياته المقدّسين ، يعرضون زوجاتهم على الملوك و الفراعنة مقابل سلامتهم . و الملك المقدّس الذي يرسل قائد جيشه للموت في المعركة من أجل الاستفراد بزوجته و الحصول عليها ، ثم أنجبت له ولداً مقدساً أصبح له باع طويل فيما بعد . و المرأة التي تتنكّر بشخصية (بائعة الهوى) و تنام مع الوالد المقدّس لزوجها (العقيم) من أجل أن تلد منه ولداً مقدّساً ، و ذلك للمحافظة على "السلالة المقدّسة" . و الإبن الذي يتآمر مع والدته على أبيه المقدّس الأعمى كي يحصل على بركته الإلهية التي هي من استحقاق أخيه الآخر . و الفتاة القديسة التي جندوها حكماء شعبها المقدّسون في مهمة تآمرية خطيرة ضد الملك الذي كان يأسر شعبها ، فأغوته بجمالها الساحر ، فأحبها ، و ..... , و من أجل عينيها ، قام بتحرير شعبها من الأسر ، فعاد و انتشر في الأرض ( و انتشر معه الفساد من جديد ) .

    هؤلاء هم شعب الله المختار ..! الشعب المقدّس الذي دعا إلى إبادة الشعوب و بقر بطون النساء الحاملات و قتل الأطفال تعذيباً ( ضرباً على الصخور حتى الموت ! ) و حرق الأشجار و قتل المواشي و الدواجن و كل ما له صلة بالأعداء !.

    هذه الأفكار حكمت أوروبا منذ ألف وخمسمائة عام !.
    لكنكم ربما تتساءلون : كيف يمكن أن تحكم هذه الأفكار عقول الشعوب ؟
    أليس هناك بينهم عقلاء و حكماء يستطيعون استئصالها و محوها من العقول ؟.
    الجواب هو السيف !. و المحرقة !. و قطع الألسن !. و بقر البطون !. و حرق العيون !. و .. و .... و غيرها من أعمال كان يتعرّض لها الفلاسفة و المفكرين ، مجرّد أن فكروا بمناقشة هذه المسلمات المقدّسة !.

    و بعد عدة عقود من هذا الحكم الأيديولوجي الأكثر استبداداً في تاريخ الشعوب ، راحت أوروبا تفرّخ أجيالاً من المؤمنين بهذه الأفكار إيماناً مطلقا ً!.
    حتى الذين كانوا يعتبرون الأكثر ثقافة و علماً ! و راحوا ينظرون إلى الشعوب الأخرى معتمدين على تلك الأفكار !. و بعد ألف عام ، حمل المكتشفون الأوروبيون ( في عصر الاكتشافات ) هذه المبادئ المقدسّة لنشرها بين الشعوب "البدائية" في العالم الجديد , و استلهموا من تلك الحكايات و التعاليم المقدّسة أخلاقهم الإنسانية و رحمتهم المطلقة ، فقاموا بإبادة ما يقارب " ثلاثمائة مليون " رجل و طفل و امرأة ، بين أستراليا و أمريكا الجنوبية و الشمالية و أفريقيا و مناطق أخرى في العالم
    (بحجّة القضاء على الكفار و نشر الإيمان ! ) .

    وأصبح "العهد القديم " هو الأكثر انتشارا في العالم ، مفروض على الشعوب ، على الصغار و الكبار ، رجال و نساء ، حكومات و جماهير ، و يستخدم هذا الكتاب لأداء القسم و الحلفان أمام القضاة ! .. بينما كتاب " الأخلاق" للفيلسوف أرسطو ، لازال يكسوه الغبار على رفوف المكتبات و لا يلتفت إليه سوى القلّة القليلة من المثقفين ( للمطالعة فقط ! ) .
    البحارة الأوروبيون يكتشفون العالم الجديد

    و ها نحن الآن ، في هذا العصر الحديث ، في القرن الواحد و العشرين ، زمن العلمانية و التحرر الفكري ، نستمع إلى رئيس أرقى دولة في العالم ، القوّة الوحيدة في الساحة الدولية ، يتحدث عن معركة ( أرماجادون ! ) و جيش يأجوج و مأجوج ! و شعب إسرائيل المقدّس ! و جبل صهيون ! و هيكل سليمان ! و المعركة الفاصلة بين الكفار
    والمؤمنين ! .. هكذا بكل بساطة !. و لماذا نستغرب ما نسمعه ؟
    ألم تستلهم الحكومات التي سبقته الوحي المقدّس الذي ألهمها بإسقاط القنابل الذرية على اليابان ( بلد الكفار ! ) ؟
    و قتل أكثر من 150.000 إنسان خلال دقائق معدودة ؟...
    دون أن يرمش للفاعلين جفن !..دون أن يهتزّ فيهم واعز ضمير ..!
    و لماذا يتأثرون وهم ينفذون كلمة الله ..؟
    هذا مثال واضح على أنه ليس من الضرورة للفكر السائد أن يكون فكر ذات مصداقية أو له أساس صحيح .


    هناك فرق كبير بين الفكر السائد و الفكر الصحيح

    فالتفكير الواعي هو الأداة التي تسمح لنا بخلق حياة مناسبة لاختيارنا الشخصي . و لكي يتمكن عقلنا الواعي من اتخاذ قرار منافي للقناعات المبرمجة ، يجب بالتالي أن نحصل على معلومات جديدة ، لفهم تلك الزاوية من الحياة التي لازالت غامضة بالنسبة لنا . لهذا السبب ، فإن العلم و المعرفة هما عاملان مهمّان جداً في هذا المجال . لكن أي علم و أي معرفة ؟ ... كيف نستطيع الحصول على العلم الصحيح ؟ من الذي سيرشدنا إلى الحقيقة ؟.. كيف نستطيع معرفة الحقيقة في الوقت الذي يتم غربلتها و تنقيتها و معالجتها و إخضاعها لعمليات جراحية عديدة من قبل سلطات عديدة قبل أن تصل إلى الشعوب . تصل الحقيقة إلينا مشوّهة لا شكل لها و لا لون ، مفرغة من محتوياتها تماماً ! فنرميها جانباً و نكمل السير في الحياة معتمدين على القليل من ما حصلنا عليه من معرفة و حكمة متوارثة من أسلافنا الجهلاء .

    منذ ولادتنا في هذه الدنيا ، نبدأ الخوض في معترك هذه الحياة ، و نبدأ بتعلّم أشياء كثيرة . فنتعلّم كيف نمشي ، و كيف نتكلّم ، و كيف نتصرّف و كيف نكتب و نقرأ .. ، و كيف نحل المسائل الرياضية و فيزيائية ، و غير ذلك من تعاليم تحضيرية مختلفة ، ثم نجد أنفسنا و قد دخلنا على منهج علمي محدّد ، يعتمد على أيديولوجيا محدّدة ، مفاهيم علمية محدّدة ، و منطق محدود لا يمكن تجاوزه أو الخروج عن حدوده المرسومة بعناية . يطلعنا المدرّسون على علوم مختلفة و نتعرّف على حقائق مختلفة ، تاريخية و علمية و غيرها ، كل ذلك من أجل التقدم و الارتقاء في هذه الدنيا الزائلة ! لكن لا أحد يعلّمنا كيف نستخدم عقولنا...! لا أحد يطلعنا على الحقيقة ..! كيف نتعلّم ، و ليس هناك من يعلّمنا ؟!..

    إننا مخدوعين برجال العلم ! مهما ارتقت مستوياتهم العلمية و الأكاديمية ! و نسير ورائهم ظناً منا أن الحقيقة هي في حوزتهم ، و أنهم لا يخطؤن أبداً ! مع أن أقوالهم لا تمثّل الحقيقة ! فهي ليست سوى قناعات و مفاهيم محدودة تبرمجوا عليها في مراحل دراستهم للمنهج العلمي الذي سلكوه من قبلنا ، و هذا المنهج هو عبارة عن برنامج يخضع لقوانين محدّدة و أيديولوجيات محددة و حقائق محددة ، لا يمكن تجاوزها أبداً !.. فهذا البرنامج لا يظهر الحقيقة كاملة . إن ما نتعلمه و نهضمه من علوم و معارف مختلفة هي عبارة عن منطق يمثّل جزء من الحقيقة ، منطق مفروض علينا من قبل بيروقراطية علمية متسلّطة لا تقبل الأفكار الجديدة . و شاءت الأقدار لهذا المنطق أن يسود في إحدى فترات التاريخ بعد أن انتصر رجاله على رجال منطق آخر ( و ليس من الضرورة بأن يتحقّق هذا الانتصار نتيجة قوة الحجّة و الإثباتات التي قدمها رجال المنطق المنتصر ، بل قد تكون نتيجة مؤامرات و اغتيالات و عمليات تزوير و إخفاء و تحريف في المفاهيم ! ) . إن الأمر هو عبارة عن صراع مؤسسات علمية و ليس صراع حقائق علمية ! و المؤسسة العلمية السائدة هي التي تفرض منطقها على الجميع ، بغض النظر عن مدى مصداقيتها ! هكذا تضيع الحقيقة ! فليس من الضروري أن يكون المنطق السائد هو منطق صحيح .


    يتبع

    التعديل الأخير تم بواسطة محمدعامر; الساعة 2013-09-20, 01:46 AM.

    تعليق

    يعمل...
    X