إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مقبرة ماكنزي الدموي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مقبرة ماكنزي الدموي




    مقبرة ماكنزي الدموي



    كانت ليلة مجنونة غارت نجومها وتوارت خلف سحب سوداء تجري مسرعة كأنها خيول سماوية جامحة تطارد بعضها بعضا إلى غاية مجهولة . وعلى الأرض عصفت الريح بجنون فانتفضت الأشجار وتمايلت الأغصان كأنها ترقص طربا على وقع تكسر قطرات المطر المنهمر بغزارة على الأسطح الحجرية التي تسربلت بظلام دامس لم يهتك ستره سوى برق ساطع يرمش هنا وهناك في أطراف السماء الغاضبة التي أخذت تزمجر رعودا مدوية جفلت لها قلوب البشر الضعفاء فسكنوا إلى منازلهم الدافئة وخلت منهم الميادين والطرقات .
    لكن ليس كل الناس لديهم منزل . إذ لا تخلو مدينة في العالم من مشردين بائسين اتخذوا من الشارع مسكنا ومأوى لهم .. فأين يذهب هؤلاء في عاصفة كهذه ؟ .

    يبحثون بالطبع عن أي جحر يقيهم برد الرياح ورذاذ المطر ، بعضهم يلجأ إلى الخرائب والبنايات القديمة المهجورة ، فيما يختبأ آخرون داخل مرافق المدينة العامة كأنفاق المترو ومحطات القطار ودورات المياه الخ .

    كن جميع تلك الأماكن لم تكن متاحة بالنسبة لأحد مشردي مدينة أدنبرة الاسكتلندية في تلك الليلة الهوجاء من شتاء عام 1998 ، جميع الأبواب كانت موصدة بوجهه ، فوقف الرجل تحت المطر يتلفت يمنة ويسرة لا يدري ماذا يفعل ، وفيما هو غارق في حيرته إذ ومض البرق فجأة فلاحت له على الطرف الآخر من الشارع شواهد وأضرحة مقبرة جريفرايرز كيركيارد
    (Greyfriars Kirkyard ) ، وهي مقبرة قديمة متروكة تقع في قلب المدينة . المتشرد رأى في تلك الأضرحة الحجرية الشامخة فرصة لا تفوت لاتقاء شر العاصفة ، فتسلق سياج المقبرة الحديدي وطفق يدور على قبورها طارقا أبواب الموتى عل أحدهم يستضيفه! . لكن الموتى لم يكونوا أكثر كرما من الأحياء ، إذ كانت جميع الأضرحة والمدافن مقفلة وموصدة بإحكام ما خلا ضريح واحد دائري الشكل تعلوه قبة حجرية كبيرة مزخرفة بنقوش جنائزية ، كان بابه مفتوحا بالصدفة ، ربما نسى متعهدو المقبرة إقفاله ، فدخل المتشرد إليه بلا تردد واستلقى على أرضيته يرتاح من هول ما عانى من برد وتجوال في تلك الليلة الرهيبة .




    كانت الساعة قد قاربت منتصف الليل ، ولم يكن المكان معتما بالكامل ، فمن خلال كوة صغيرة في قبة الضريح انساب شعاع خافت مصدره الضوء المنبعث من نوافذ المنازل المجاورة ، وبواسطة تلك الإنارة الباهتة أستطاع الرجل أن يستكشف أرجاء المكان الذي يجلس فيه ، وشد انتباهه على الفور وجود فتحة كبيرة في أرضية الضريح ، لكنه لم يستطع تبين ما بداخلها ، فأخرج مصباحا كهربائيا صغيرا من جيبه وسلطه ضوءه على الفتحة فشاهد سلما حجريا ينحدر منها إلى أسفل الضريح ، أي إلى المدفن حيث تقبع التوابيت . ولم يستطع المتشرد مقاومة فضوله فنزل ذلك السلم إلى المدفن حيث كانت تنتظره أربعة توابيت خشبية يكسوها الغبار . المتشرد تصور أن تلك التوابيت القديمة ربما تحتوي على أشياء ثمينة ، فأخرج سكينا صغيرة من جيبه وفتح واحدا منها ، لكن لم يكن في داخله سوى جثة قديمة متيبسة ، غير أن صاحبنا لم ييأس ، دفعه طمعه لفتح تابوت آخر ، وفيما هو يعالج التابوت الثاني بالسكين انزلقت قدمه وهوى إلى حفرة كبيرة تقع أسفل المدفن ، كانت تلك الحفرة مليئة بعظام وجماجم تعود لأناس ماتوا خلال الطاعون الذي ضرب المدينة في العصور الوسطى وجرى دفنهم هنا بصورة جماعية . المتشرد شعر برعب شديد وهو يشاهد هياكل الموتى تحيط به من كل جانب ، وخيل إليه أنها تتحرك ، وهي في الواقع كانت تتحرك فعلا ، لكن ليس من ذاتها ، وإنما بسبب اصطدامه واحتكاكه بها ، وظن بأنها تريد أن تسحبه معها نحو عالمها السفلي المظلم ، فراح يزحف ويرفس بقدميه كمن يطارده وحش كاسر حتى تمكن من الخروج من الحفرة ثم ارتقى السلم إلى الأعلى وترك الضريح وهو يصرخ كالمجنون .



    وقد صادف خروجه مرور احد الحراس برفقة كلبه ، فأزداد المتشرد رعبا فوق رعبه لرؤية الكلب الذي أخذ يطارده وينبح عليه ، ربما ظنه من كلاب الموتى ، فركض هو الآخر مذعورا ، لكن بالاتجاه المعاكس .

    وهكذا بدأت قصة الضريح ، الظاهر أن ذلك المتشرد ، أطلق من دون قصد شيئا شريرا من مكمنه . ومنذ ذلك الحين بدأ زوار المقبرة يتحدثون عن وقوع حوادث غريبة . أولى تلك الحوادث وقعت بعد عدة أيام على حادثة المتشرد . إذ كانت هناك سيدة تزور المقبرة للإطلاع على معالمها التاريخية ، ودفعها الفضول إلى الاقتراب من الضريح ومحاولة رؤية ما بداخله عبر النافذتين الصغيرتين المحفورتين في بابه ، أرادت أن تعرف ماذا يوجد داخل هذا الضريح المخيف الذي يبدو كصومعة من صوامع الجحيم ، وفيما هي تمعن النظر أحست بنسمة هواء باردة قادمة من داخل الضريح تضرب وجهها ، فارتدت عن الباب مرعوبة وغادرت المقبرة على عجل . وفي اليوم التالي صدمت المرأة حين نظرت في مرآتها ، كانت هناك كدمات وبقع داكنة على وجهها كأن أحدا ما أشبعها ضربا .

    حادثة تلك السيدة كانت الأولى لكنها لم تكن الأخيرة ، فخلال الأشهر القليلة التالية تعرض المئات من زوار المقبرة لهجمات مماثلة ، تلك الهجمات تركزت داخل الضريح وبالقرب منه ، لكنها حدثت أيضا في أجزاء أخرى من المقبرة ، خصوصا في الجزء المعروف بأسم السجن .
    البعض أحسوا بشيء بارد وناعم يداعب وجوههم أو أجسادهم ، آخرون تعرضوا للقرص أو الوخز أو الضرب ، وهناك من خارت قواهم فجأة وسقطوا أرضا مغشيا عليهم ، وهناك أيضا من لم يشعروا بشيء لكنهم اكتشفوا تعرضهم للهجوم بعد عودتهم لمنازلهم ، انتبهوا لوجود كدمات على أجسادهم أثناء اغتسالهم أو تغيير ثيابهم . وتم تصنيف الكدمات الناتجة عن الهجمات إلى نوعين ، كدمات باردة ، أي لا تؤلم ، ولا يكتشف الضحية وجودها إلا بعد حين عن طريق الصدفة ، وذلك تمييزا لها عن الكدمات الحارة ، أي تلك التي يشعر بها الضحية فورا وتكون مؤلمة ، وقد تنزف أحيانا ، وتتخذ أحيانا شكل خربشة الأظافر . والعجيب هو أن تلك الكدمات والجروح التي تصيب زوار المقبرة كانت تلتئم بسرعة فائقة ، معظمها يختفي خلال أيام قلائل .
    ولم يقتصر الأمر على زائري المقبرة ، فسكان المنازل التي تقع بالقرب من الضريح كانوا هم أيضا عرضة لحوادث غامضة ، ظهرت الكدمات على أجساد البعض منهم ، واستيقظوا مرات عدة في ساعة متأخرة من الليل على صوت طرق مجهول المصدر على جدرانهم ونوافذهم . وشبت النار بصورة مفاجئة ودونما سبب في بعض تلك المنازل . واقترنت هذه الحوادث غالبا بانتشار رائحة كريهة تزكم الأنوف مصدرها المقبرة .
    وبمرور الوقت تزايدت القصص والشائعات حول ما يجري في المقبرة ، قيل بأنه تم العثور على طيور وحيوانات ميتة بطرز مرموز بالقرب من الضريح ، وتحدث البعض عن ظهور أشباح تتجول في المقبرة ، لكن معظم من تعرضوا للهجوم لم يروا شيئا ، أحسوا فقط بوجود شيء ما يلاحقهم ويتبع خطاهم ، أحيانا يقف جوارهم أو خلفهم ، خصوصا عندما وجودهم داخل الضريح ، وأحيانا يلمسهم ، كانوا يلتفتون فلا يجدون أحدا ، وعندما ينظرون إلى المكان الذي تعرضوا للمس فيه كانوا يجدون كدمات أو جروح وبقع حمراء .
    تزايد الحوادث الغامضة دفع بلدية إدنبرة إلى إغلاق المقبرة ، أقفلوا الأبواب ولم يعودوا يسمحون للعامة بالدخول . لكن كاتبا محليا مغمورا أسمه جان-اندرو هندرسون لم يعجبه ذلك ، كان إغلاق المكان برأيه عملا غبيا يهدر فرصة الاستفادة من شهرة المقبرة في جذب السياح وكسب المال . لهذا تقدم هو نفسه بطلب للبلدية من اجل تأسيس شركة تكون مسئولة عن تنظيم جولات سياحية داخل المقبرة ، وبالطبع وافق المجلس البلدي على الفور مادام قسما من أرباح تلك الشركة ستعود إليه . وهكذا ظهرت إلى الوجود شركة مدينة الموتى
    (City of the Dead ) التي تقوم حاليا بتنظيم جولات يومية ، نهارية ومسائية ، داخل المقبرة .

    ومن أجل الترويج لشركته قام المالك جان-اندرو هندرسون بتأليف كتاب أسمه : الشبح الذي سكن نفسه (The Ghost That Haunted Itself ) ، والمقصود بعنوان الكتاب هو أن الشبح المسئول عن حوادث المقبرة قد سكن في قبر صاحبه على غير عادة الأشباح التي تفضل السكن في الأماكن التي عاش فيها الميت خلال حياتها ، فالناس تعودوا سماع قصص عن منازل وقلاع وقصور مسكونة ، لكنهم لم يسمعوا قبلا عن قبر مسكون . وقد زعم هندرسون في كتابه بأنه هو نفسه كان ضحية لهجمات انتقامية من قبل الشبح أو الكائن الخفي الذي يسكن المقبرة ، حيث تعرض مقر شركته داخل المقبرة لحريق غامض ، وبعد أيام شب حريق مماثل في منزله ، وفي كلا الحريقين عجزت شركة التأمين عن تحديد السبب .
    هندرسون قال أيضا بأن هجمات المقبرة تشهد تذبذبا في وتيرة وقوعها ، أحيانا تزداد ، وأحيانا تتوقف لأيام وأسابيع ، كما أن سلوكها قد يختلف من شخص لآخر ، أحيانا تتركز حول شخص بعينه ، حدث ذلك مع أحد المرشدين الذين عملوا مع الشركة ، إذ تكرر تعرضه للهجوم أكثر من غيره لسبب غير معروف ، وفي بعض الحالات النادرة كانت الهجمات تلاحق الضحايا حتى في منازلهم .
    وشهدت المقبرة محاولتين لتطهيرها وتخليصها من قواها الخفية ، المحاولة الأولى باءت بالفشل وأنسحب مجريها بسرعة قائلا بأن الشبح الذي يسكن المقبرة أكتسب قوة هائلة وأصبح من الصعب التغلب عليه . أما المحاولة الثانية فكانت من نصيب طارد أرواح معروف في إدنبرة أسمه كولين غرانت ، دخل المقبرة ليلا وقام بإجراء طقوس مطولة استمرت لعدة ساعات ، لكنه توقف فجأة وقد تملكه خوف شديد ، قال بأن الكائن الذي يسكن المقبرة هدده بالموت . وفعلا عثروا عليه ميتا في منزله بعد أسبوع! .. مات بالسكتة القلبية .
    وكما في جميع قصص الأشباح ظهر بعض المشككين بحقيقة ما يجري في المقبرة وقالوا بأن الأمر برمته مجرد خدعة وكذبة مبتذلة من اختراع هندرسون من أجل جذب الزوار لشركته وكسب المال . هذا الرأي قد لا يخلو من صحة ، فهندرسون ومرشديه السياحيين بالغوا حتما في قصصهم من أجل ترك أثر أكبر على نفسية الزوار ، لكن إذا كان الأمر برمته مجرد كذبة ، فما تفسير الكدمات والجروح التي تظهر على أجساد الزائرين ، فهناك عشرات الصور والشهادات الحية التي تؤكد حدوثها ، وهذه الشهادات مقدمة من قبل أشخاص ذوي خلفيات ومستويات فكرية مختلفة ، بعضهم لم يكونوا يؤمنون بالغيبيات أصلا ، زاروا الضريح من أجل إثبات كذب القصة ، لكنها خرجوا من تلك الزيارة بدليل غير نظرتهم عن الكثير من الأمور التي طالما أمنوا بها واعتبروها من المسلمات . وبعض تلك الحوادث حدثت لصحفيين ومقدمي برامج وطواقم تصوير أجنبية ، وجرى تصوير بعضها بصورة حية على الهواء .. فهل يعقل بأن كل ذلك كذب ؟ .. هل يعقل أن مئات الحوادث الموثقة خلال السنوات القليلة الماضية كلها ملفقة ؟ . هندرسون يمكنه أن يكذب كما يشاء ، لكن ليس بإمكانه حتما أن يوسم أجساد زوار المقبرة بكل تلك الكدمات والجروح من دون أن يشعر به أحد ، ولا أظن بأن هناك طريقة خفية لفعل ذلك ، فطبيعة تلك الهجمات تجعل من المستحيل تصور بأنها مدبرة .. وإليك عزيزي القارئ بعض الشهادات الحية التي قد تعطينا فكرة أفضل عنها :
    سوزانا شيلدز ، 27 عاما ، تعمل مديرة إعلانات تقول بأنها زارت المقبرة خلال إحدى الجولات المسائية ، وفي اليوم التالي استيقظت لتجد بقعة بحجم إبهام اليد تحت عينها اليسرى وتقول عن ذلك : "لم أشعر بالأذى ولم تكن البقعة مؤلمة ، لكنها أخذت قرابة الأسبوع لتختفي".
    كارين بيرين ، 37 عاما ، من لندن ، تقول بأنها مرت بأسوأ تجربة في حياتها داخل المقبرة ، حدث ذلك حينما كانت تتجول داخل سجن المقبرة .. تقول : "شعرت بالدوار فجأة ، وبوخز في يدي حتى لم أعد أشعر بها ، لكني ظللت أقاوم ، ثم شعرت بالغثيان وأخذ قلبي يخفق بسرعة . وفي أثناء ذلك تلقيت ضربة قوية على رأسي ، ضربة أتت من الداخل ، كأنما دماغي بأكمله قد تعرض لصفعة قوية ، وبدأت أركض كالمجنونة لكي اخرج من ذلك المكان ولم أستطع التوقف عن البكاء".
    أما كيفن ماركس من يوركشاير فكتب يقول : "كنت واقفا وسط الضريح وشعرت بشيء ناعم الملمس يمر فوق عيني ووجنتي ، لم يكن هناك غيري داخل الضريح . في اليوم التالي استيقظت من النوم لأجد كدمة كبيرة حول عيني وجروح تشبه خربشة الأظافر تمتد على وجنتي وعنقي".
    ماري بوغن ، 38 عاما ، من كورنوال كتبت تقول : "كنت داخل الضريح عندما شعرت بألم ، تحديدا فوق صدري ، وبعد أن خرجنا من الضريح فتحت قميصي لأتحرى سبب الألم فرأيت بقعة حمراء داكنة في نفس المنطقة التي آلمتني ، وأريت تلك البقعة لبقية الزوار ، وفيما هم ينظرون إليها ظهرت ثلاث بقع أخرى إلى جوارها ، وفي اليوم التالي كانت جميع البقع قد اختفت!".
    طيب إذا لم تكن الهجمات مفبركة فما تفسير ما يحدث ؟ .. للإجابة على هذا السؤال علينا أولا أن نعرف من هو صاحب الضريح وأن نأخذ فكرة بسيطة عن تاريخ المقبرة .

    ماكنزي الدموي

    مقبرة جريفرايرز كيركيارد هي واحدة من أقدم المقابر في ادنبره ، إن لم تكن الأقدم على الإطلاق ، دفن فيها مئات الآلاف من الناس على مدى قرون ، دفنوا الواحد فوق الآخر إلى درجة أن أرض المقبرة المستوية تحولت بمرور الزمن إلى تل من العظام والجماجم البشرية . والكثير من أولئك الموتى لم يحضوا بقبور ، بعضهم قضوا خلال الأوبئة والمجاعات والقلاقل التي شهدتها البلاد خلال العصور الوسطى وجرى دفنهم جماعيا في حفر كبيرة جرى حفرها وردمها بسرعة ودونما اعتناء . لكن أسوأ ما شهدته المقبرة حدث خلال القرن السابع عشر ، في تلك الفترة تم تحويل جزء من المقبرة إلى سجن مفتوح ، معتقل لمئات الأشخاص ، ومازال الجزء الذي حبس فيه هؤلاء الناس شاخصا للعيان حتى يومنا هذا ، يحيط به سور حديدي وضعت على بوابته لافتة كبيرة كتب عليها التالي :
    "وراء هذه البوابة يقع القسم الجنوبي من جريفرايرز كيركيارد التي استخدمت عام 1679 كسجن لأكثر من ألف شخص من أنصار العهد الوطني الذين تعرضوا للهزيمة من قبل القوات الملكية في معركة جسر بوثويل في 22 يونيو من ذلك العام . ولأكثر من أربعة أشهر تم احتجاز هؤلاء الرجال هنا من دون سقف يظلهم ، كل رجل منهم لم يحصل على أكثر من مئة غرام من الخبز يوميا كطعام ، لكن بعض المواطنين الطيبين كانوا يتكرمون عليهم أحيانا بمزيد من الطعام .
    بعض أولئك السجناء ماتوا هنا ، بعضهم حوكم وأعدم بتهمة الخيانة ، بعضهم تمكن من الهرب ، وبعضهم أطلق سراحه بعد توقيعه على عهد الولاء للملك . كل أولئك الذين تعرضوا للاضطهاد وماتوا من أجل إخلاصهم للعهد الوطني خلال فترة حكم تشارلز الثاني و جيمس السابع تم تخليد ذكراهم بنصب للشهداء موجود عند الجدار الشمالي الشرقي .
    في نوفمبر 1679 تم نفي المتبقين على قيد الحياة ، وعددهم 257 رجلا ، إلى ما وراء البحار . أخذوا إلى الميناء ووضعوا على متن سفينة متجهة إلى المستعمرات الأمريكية؛ تقريبا جميعهم ماتوا غرقا عندما تحطمت السفينة بالقرب من جزر أوركني ، ولم ينجو منهم سوى 48 شخص" .
    المكتوب على هذه اللافتة ليس سوى صفحة واحدة من صفحات صراع دموي طويل راح ضحيته قرابة 18 ألف إنسان من رجال ونساء وأطفال ، الكثير منهم دفنوا في مقبرة كيركلاند . وكان معظمهم ينتمي لطائفة المشيخية المسيحية (Presbyterianism ) التي كانت مذهبا دينيا لشريحة واسعة من سكان اسكتلندا ، عرف بعضهم بأسم المعاهدون (Covenanter ) لأنهم اجتمعوا وتعاهدوا على حماية وحفظ مذهبهم ضد المحاولات التي كانت الحكومة الملكية تبذلها لتحويلهم إلى مذهب الأسقفية الحاكمة (Episcopal polity ) .
    كانت حقبة عنيفة مغرقة بالدماء ، وفيها برز أسم جورج مكانزي (Sir George Mackenzie ) وهو نبيل ينتمي إلى عشيرة مكانزي الاسكتلندية المتنفذة . كان رجلا مثقفا له عدة مؤلفات في السياسة والقانون والتاريخ والدين ، وعمل كمحامي ، كان له حضور بارز في العديد من محاكمات الساحرات التي كانت منتشرة في ذلك الزمان ، لكن حضوره الأبرز كان من خلال عمله كمحامي للملك (إدعاء عام) ، إذ كان هو الذي أوصى بسجن أولئك المساكين الذين ذكرناهم أنفا في مقبرة كيركلاند ، هو الذي أوصى بتعذيبهم وتجويعهم وتعريضهم لبرد الشتاء القاسي من دون سقف يظلهم ، هو الذي أوصى بنفي الناجين القلائل إلى ما وراء البحار لينتهوا غرقى في مياه المحيط . فعل كل ذلك من دون أن يطرف له جفن أو يشعر بأي ندم ، ولهذا أطلقوا عليه أسم مكانزي الدموي (Bloody Mackenzie ) .
    لاحقا في حياته فقد مكانزي حضوته لدى البلاط ، تقاعد وعاش وحيدا منسيا ، كان له ثمانية أطفال ، أربعة أولاد وأربعة بنات ، العجيب أن جميع أولاده ماتوا صغارا من دون عقب ، فيما عاشت جميع بناته وتزوجن وأنجبن ، كأنما قدر له أن لا يبقى من يحمل أسمه . والأعجب في قصة مكانزي هو مكان دفنه ، فحين مات الرجل في الخمسين من عمره أقاموا له ضريحا فخما في مقبرة كيركلاند ، في نفس المكان الذي قضى فيه المئات والآلاف من ضحاياه ! .. كأنما الرجل لم يكفه ما فعله بهم خلال حياته فلاحقهم إلى قبورهم أيضا .. وأظنك تعلم عزيزي القارئ عن أي ضريح نتكلم .. نعم أنه هو .. الضريح الدائري اللعين .. ضريح مكانزي الدموي .
    ويقال بأن تابوت مكانزي ضل يتحرك بعد دفنه ولم يستقر في موضعه لمئات السنين ، كلما ثبتوه عادوا ليجدوه قد تحرك من مكانه ، وفسر البعض هذه الأمر بأن مكانزي يتقلب في الجحيم ! .. ومن الأمور الغريبة الأخرى هو ارتفاع درجة حرارة المدفن قياسا بالطقس خارج الضريح ، ففي عز الشتاء ، حين تكون الأرض مغطاة بالثلوج ، يتصبب المرء عرقا داخل ذلك المدفن الكئيب ! .. ولا احد يعلم لماذا ..

    غني عن القول أن الكثيرين يؤمنون بأن روح مكانزي الملعونة هي وراء ما يجري ، فالأمور والأحداث الغريبة المرتبطة بالمقبرة لم تكن وليدة الحاضر القريب ، إذ تداول الناس لمئات السنين قصصا مرعبة عن المقبرة ، واشتهرت منذ قديم الزمان بأنها مسكونة ..
    لكن لماذا بدء زوارها يتعرضون لهجمات عنيفة في السنين الأخيرة فقط ؟ ..
    هناك تفسيرات روحية ترى بأن ضريح مكانزي هو في الواقع بوابة إلى عالم آخر ، وأن المتشرد الذي دنس الضريح عام 1998 فتح الباب من دون قصد لكائنات ذلك العالم الخفي لكي تدخل إلى عالمنا . وتلك القوى عرفها الناس منذ القدم بأسم الروح الشريرة أوموتى ، ولا تتجلى في هيئة بشرية ، لكنها قد تدل على نفسها من خلال إصدار أصوات أو ضوضاء ، أو تحريك الأشياء ، كأن ترفع الأثاث والأواني وتبقيها معلقة في الهواء ثم تبعثرها في أرجاء المكان ، وفي حالات نادرة تصبح عنيفة كما في حالة ضريح مكانزي . ونحن في بلداننا ننسب هذه القوى الخفية إلى أفعال الجن .
    هناك أيضا من يزعم بأن ما يحدث في المقبرة له علاقة بالجانب النفسي ، فتأثير القصص المخيفة التي سمعها الزوار مسبقا عن المقبرة ، إضافة إلى تخويفهم وإرعابهم من قبل المرشدين السياحيين الذين دأبوا على إخبارهم بأن لا يخافوا إذا سقط شخص ما إلى جوارهم مغشيا عليه .. كل ذلك الترقب والقلق والضغط النفسي أنعكس على شكل طاقات روحية اجتمعت معا لتظهر بهيئة كدمات وجروح على أجساد زائري المقبرة .
    وهناك بعض التفسيرات العلمية التي تفترض أن المقبرة قائمة على حقل مغناطيسي له تأثيرات سلبية على نفسيات وأجساد الزائرين ، ويرى آخرون بأن هناك تيارات كهربائية تنتقل عبر أجواء المقبرة وتتسبب أحيانا بهذه الكدمات .. لكنها تبقى مجرد فرضيات لا يوجد أي سند أو دليل على واقعيتها .
    ما رأيك أنتم هل تصدقون بأن الضريح مسكون ؟ .. أم ماذا ؟ ..


    التعديل الأخير تم بواسطة محمدعامر; الساعة 2013-10-28, 04:22 AM.

  • #2
    سبحان الله
    العالم ملىء بالاسرار

    قال إبن القيم
    ( أغبي الناس من ضل في اخر سفره وقد قارب المنزل)

    تعليق

    يعمل...
    X