إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

اديب وقصة ....

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اديب وقصة ....


    اديب وقصة



    البداية مع الاب الروحى لادب الرعب ( إدجار آلان بو )



    ولد إدجار آلان بو" في بوسطن .. من الأب "ديفيد بو" والأم "اليزابيث" ، واللذان كانا يعملان كممثلين مغمورين ، في مسارح الدرجة الثالثة ليوفرا – بالكاد – رزقهما ورزق أطفالهما..
    كان "إدجار" هو ثاني ابنائهما ، وإذ جاء الطفل الثالث ، مات الأب ليترك أسرته الصغيرة مهب الريح ، مما دفع الأم "اليزابيث" للانتقال الى "ريتشموند" حاملة معها أصغر طفليها ، وتاركة الابن الأكبر "ويليام" لدي أقاربه في "بالتيمور" لتبدأ هي رحلة الكفاح لإيجاد قوت طفليها ، بينما السل ينهش صدرها كل يوم أكثر وأكثر..
    وعندما أتم "إدجار" العامين من عمره ، ماتت أمه ، لتكمل دائرة يتمه هو وأخته الصغيرة "روزالى" حتي قررت زوجة التارج الشهير مسز "فرانسيس آلان" أن تأخذ "إدجار" ليعيش معها عوضاً عن الأطفال التى حرمت منهم لعقمها بينما تبنت أسرة أخرى الطفلة "روزالى"..
    كان هذا في عام 1811
    ورغم محاولات مسز "آلان" المستميتة لتبني الطفل "إدجار" إلا أن الزوج "جون آلان" رفض هذا رفضاً قاطعا ، لما كانت لسمعة التمثيل من احتقار وجلب للعار ، فكيف يمنح اسمه لابن ممثلين ؟!
    لكنه في الوقت ذاته تعهد بالإنفاق على "إدجار" ورعايته ، خاصة مع وسامته وذكاءه الملحوظ ..
    وفي السادسة من عمره ، انتقل "إدجار" مع أسرته الجديدة إلى سكوتلاندا ثم إلى إنجلترا ليقضي فيها خمس سنوات ، حيث درس في مدرسة "مانور" في "ستوك نوينجتن" والتى كانت عبارة عن قصر قديم ، يحتوي على متاهة من الممرات ، جعلت مجرد الوصول إلى إحدي الغرف ، مغامرة غامضة غير مأمونة العواقب...
    وربما كانت هذه المدرسة هي المسئولة عن القصور المظلمة في قصص "بو" بعد ذلك .. من يدري ؟!


    وعندما بلغ "إدجار" الحادية عشر ، عاد مع أسرته إلى "ريتشموند" التى كانت – على الرغم من جمالها – اخانقة بالنسبة لـ "إدجار" خاصة مع الجو الأرستقراطي السائد هناك ..
    فهذا الجو دفه بالمرارة إلى روح "إدجار" مع رفض "جون آلان" تبنيه أو منحه اسمه ، وجعلته هذه المرارة عصبياً ، كثير الشجار ، الأمر الذي اعتبرته أسرته نكراناً للجميل ودفع الزوج لتذكيره بأصله الوضيع مقيماً حدود العداء بينهما ..
    ولكن هذا العداء لم يمنعه من إرسال "إدجار" إلى الجامعة في "فيرجينيا" حيث بدأت آفة "إدجار" الكبرى ..
    إدمان الخمر والقمار ..
    ولم يقبل الزوج بهذا ، فأخرجه من الجامعة ، ومنحه وظيفة متواضعة ، زادت من شعور "إدجار"بالمرارة ، وجعلته متواضعة ، زادت من شعور "إدجار" بالمرارة ، وجعلته يترك منزله لينتقل إلى "بوسطن" ، حيث أصدر أولى مجموعاته الشعرية ، قبل أن يلتحق بالجيش تحت اسم "إدجار بيري" ولكنه لم يحتمل الجيش طويلاً ، فأرسل رسالة ندم إلى الزوج ، الذي قرر مسامحته ، ودفع لإخراجه من الجيش كما كان سائداً في ذلك الوقت ..
    ثم طرح " بو " ثاني مجموعاته الشعرية في "بالتيمور" قبل أن يعود ليلتحق بالأكاديمية العسكرية بعد أقل من عام لتعود المشاكل..
    امتناعه عن مواظبة الدراسة ، ووفاة صديقته وراعيته الوحيدة مسز " آلان" قطع أى صلة له بالزوج ، الذي تزوج وقرر التخلي عن "إدجار" نهائياً..
    وهكذا انتقل "إدجار" للعيش مع عمته "كليم" والتى كانت خياطة فقيرة في "بالتيمور" والتى استقبلت "إدجار" بحرارة ، وقامت برعايته ، فأقام معها وبدأ في كتابة القصص القصيرة ، دون فرصة لنشرها ، شاعراً بالإضطهاد ومسمياً نفسه "الذي تهوي عليه الكوارث بسرعة"..
    ولكن في عام 1833 أعلنت مسابقة للقصة القصيرة والشعر ، بمكافأة قدرها خمسون دولاراً تدم إليها "إدجار" لتفوز قصته "رسالة في زجاجة" بالجائزة ، وكاد يفوز بجائزة الشعر أيضا ، لولا أن قرر الحكام عدم منح الجائزتين للشخص ذاته ..
    وكان أحد هؤلاء الحكام "جون كبندي" الذي منح "إدجار" فرصة للعمل في مجلة ريتشموند الأدبية ، وعمل فيها "إدجار" لتفةر ، قبل أن يصبح رئيس تحريرها..
    وهكذا انتقل "إدجار" مع عمته "كليم" وابنتها "فيرجينيا" التى تزوجه بعد ذلك ليؤسس أسرته أخيراً..


    لكن لعنة الخمر عادت مجدداً ، لتتسبب في طرده من المجلة ثم العودة ثم الطرد مجدداً مما دفعه للانتقال الى "نيويورك" حيث تكفلت العمة "كليم" بالإنفاق عليه وعلى ابنتها..
    وفي عام 1837 نجح "بو" في نشر أول روية له تحت اسم "حكاية آرثر جور دون" ثم بعد ذلك بعامين انتقل إلى "فيلادلفيا" مع أسرته ليبدأ في تحرير مجلة "بيرتون جنتلمان" وبدخلها طرح أولى مجموعات قصص الرعب عام 1840 ..
    ثم انتقل "بو" ليصبح رئيس تحرير مجلة في أمريكا ، والتى طرح فيها روايته البوليسية "جريمة قتل في المشرحة" والتى ترجمت للفرنسية ، وتناولتها الجرائد الفرنسية..
    ثم وفي عام 1843 حصدق قصة "الحشرة الذهبية" جائزة جريدة "فيلادلفيا" وقدرها مائة دولار ، ثم وفي العام التالى ترك "بو" مجلة "جرا هام" وعاد إلى "نيويورك" لينشر قصيدته "الغراب" والتى كانت سبب شهرته في جميع الأوساط الأدبية ..
    العجيب أن هذا كله لم يجلب الثروة له ولا سرته بل وأضاف إلى هذا إدمانه الخمر ليجعلانه شخصاً لا يطاق ، إلا من عمته المحبة له والتى كانت تسميه "إيدي المسكين"..
    ثم سقطت زوجته "فيرجينيا" ضحية السل..
    وفي الشتاء ماتت بين ذراعية ، دون أن يملك لها شيئاً ,, ومع موت زوجته فقد "بو" آخر دافع للحياة ، وأنكب كالمحموم ليكتب كتابه "وجدتها" والذي كان يعتقد أنه يعبر عن الحقيقة المطلقة ..
    وأخيراً عاد "بو" ليهيم من مدينة إلى مدينة حتي عاد إلى "بالتيمور" يموت هناك في هدوء..


    ( اشهر اعماله )

    القلب الواشي

    حقا ! _ عصبي _ جدا، كنت عصبيا بشكل فظيع جدا ومازلت: ولكن لماذا ستقول عني أنني مجنون ؟ لقد جعل المرض أحاسيسي حادة _لم يدمرها - لم يجعلها بليدة فوق كل هذا كانت حاسة السمع قوية. سمعت أشياء كثيرة في السماء والأرض. سمعت أشياء كثيرة في الجحيم. إذن كيف أكون مجنونا؟ أنصت ! ولاحظ كيف أستطيع بدقة _ وبهدوء أن أحكي لك القصة كاملة.


    من المستحيل أن أقول كيف داخلتني م الفكرة الأولى لأول مرة: لكني مع ذلك متيقن، أنها اقتنصتني ليل نهار. لم يكن هناك هدف، لم لا تكن هناك عاطفة. أحببت الرجل العجوز. فهو لم يخطئن مرة. ولم يداهمني بالتوبيخ أبدا. لم تكن لدي رغبة في ذهبه. أعتقد أنه - الذهب _ كان عينه ! عينه، كان هكذا! كانت إحدى عينيه تشبه عين النسر _ عين زرقاء شاحبة، يعتريها غشاء رقيق. ففي كل حين تقع علي أشعر بهروب دمي؟ وهكذا بالتدريج _ تدريجيا جدا مسر عزمت على أن آخذ حياة الرجل العجوز، وبهذا أخلص نفسي من تلك العين للأبد.


    الآن تلك هي المسألة. أعتقد أنني مجنون. المجانين لا يعرفون شيئا لكن لابد وأنك فهمتني. لابد وأنك أدركت كيف بحكمة تناميت - بأي حرص.بأي بعد نظر - بأي قناع كنت أذهب للعسل ! لم أكن أبدو عطوفا على الرجل العجوز أكثر من عطفي عليه خلال الأسبوع الذي قمت فيه بقتله. وفي كل ليلة، تقريبا في منتصف الليل كنت أمضي صوب المزلاج وأفتحه - آه، بلطف شديد! وحينئذ، عندما أفتح مسافة كفاية لرأسي، أطفي، مصباحا خافت الضوء، كله مغلق، مغلق، حتى لا يكون هناك أي شعاع من الضوء، عندئذ أتسلل برأسي، آه، ربما تضحك إذا ما أدركت نحيف بخبث كنت أدخل رأسي ! كنت أحركه ببط ء جدا جدا، حتى لا أزعج الرجل العجوز وهو نائم. كنت أستهلك ساعة من الوقت حتى أدخل رأسي كاملا ل فتحة الباب لدرجة أنني استطعت أن أراه ممددا على سريره. ها ! _ هل هناك رجل مجنون يتسم بكل هذه الحكمة ؟ بعد ذلك حين يصبح رأسي في الغرفة تماما، كنت أقوم بفك المصباح بحرص - آه، بحرص جدا _ بحرص (لأن المفصلات كانت تصدر صوتا ) _ كنت أفتح المصباح قليلا جدا حتى يسمح لشعاع واحد رفيع من الضوء أن يسقه على عين النسر. وهكذا فعلت لليال سبع طوال - في منتصف الليل تماما في كل ليلة _ غير أني كنت أجد العين دائما مغلقة: لذا كان من المستحيل أن أتمم المسألة: لآن الرجل العجوز لم يكن يضايقني بل ما كان يضايقني عينه الشريرة، وفي كل صباح، عند حلول النهار، كنت أدخل غرفة النوم بجرأة، وأناديه باسمه في نغمة ودودة، وأسأله كيف قضيت الليلة. لتدرك أنه كان رجلا عجوزا متعمقا، في الحقيقة، لتشك أني في كل ليلنة، في تمام الساعة الثانية عشرة، كنت أطل علية أثناء نومه.


    في الليلة الثامنة، كنت حذرا أكثر من المعتاد عند فتح الباب. عقرب الدقائق في ساعة اليد كان يتحرك أسرع من يدي. لم أشعر أبدا بقواي الخاصة قبل هذه الليلة _ قوى الذكاء والتحكم عندي. استطعت بالكاد أن أسيطر على مشاعر النصر التي داخلتني لاعتقادي أنني كنت أفتح الباب رويدا رويدا، وهو لا ا يحلم حتى بأفعالي أو أفكاري السرية. الى حد ما ضحكت سرا على هذه الفكرة، وربما يكون قد سمعني، لأنه تحرك على السرير فجأة، كما لو كان قد ذهل. الآن ربما تظن أنني تراجعت _ لكن.. كانت غرفته سوداء معتمة كالقطران بسبب الظلام الحالك (لأن النوافذ كانت مغلقة بالمزاليج خشية السطو)، هكذا أدركت أنه لم يستطع أن يرى فتحة الباب، وظللت أحافظ عل وضع الباب بثبات، بثبات.


    كان رأسي بالداخل، وكنت على وشك أن أفتح المصباح، عندما انفلت إبهامي على المزلاج، وانتفض الرجل على سريره صارخا من هناك ؟".


    ظلت ماكثا في مكاني وقلت لا شي ء. لساعة كاملة لم أحرك عضلة واحدة وفي نفس الوقت، لم أسمعه يستلقي، كان لم يزل جالسا في سريره منصتا: تماما كما كنت أفعل ليلة بعد أخرى، منصتا لساعات الموت على الحائط.


    بعد قليل سمعت أنينا خافتا وأدركت أنه أنين فزع مميت، لم يكن أنين الألم أو الأسى _ آه، لا لقد كان صوتا منخفضا مختنقا يأتي من قاع الروح عندما يثقلها الكرب. كنت أعرف هذا الصوت جيدا. في ليال كثيرة في منتصف الليل تماما، حيث كان العالم كله نائما، كان هذا الصوت ينبجس من صدري، عميقا، بصداه الصاخب، تلك هي المفازع التي كانت تربكني الى حد الجنون. أقر أنني كنت أعرف هذا الصوت جيدا. كنت أعرف ما كان الرجل يشعر به، وأشفقت عليه، بالرغم من أنني قهقهت من أعماقي. كنت أعرف أنه كان يستلقي يقظا منذ أن سمع أول حركة إزعاج، عندما تقلب في السرير. كانت مخاوفه تتفاقم عليه منذ ذلك الحين. كان يحاول أن يوهم نفسا أن هذه الجلبة الخافتة بلا سبب، غير أنه لم يستطع. كان يقول في نفسه – "لا شيء، فقط هي الريح تعبث في المدخنة - فقط هو فأر يمر على الأرض "، أو "لعله مجرد مرصور يصأى" نعم، كان يحاول أن يريح نفسه بهذه الافتراضات: لكنه وجد ذلك كه بلا جدوى. كل هذا بلا جدوى؟ ذلك أن الموت، عندما اقترب منه، خطا متشامخا بظلاله السوداء أمامه، وغطى الضحية، وكان هذا هو الأثر المبكى لهذه الظلال الخفية التي شعر بها - بالرغم من أنه لم يسمع ولم ير _ ليشعر بوجود راسي في الغرفة.


    عندما انتظرت وقتا طويلا بمنتهى الصبر، دون أن أسمعه يستلقي ثانية على السرير _ اضطررت أن أفتح شقا ضئيلا، ضئيلا جدا في المصباح هكذا فتحته _ لا يمكنك أن تتخيل كيف حدث ذلك خلسة وبخفة حتى انطلق في النهاية شعاع خافت وحيد يشبه خيط عنكبوت وسقط على عين النسر.


    كانت مفتوحة _ مفتوحة باتساع، باتساع. وأصبت بالهياج عندما حملقت فيها. رأيتها بوضوح تام، كلها زرقة كئيبة يعتريها حجاب مفزع أطلق الرجفة في عظامي، غير أنني لم أستطع أن أرى شيئا من وجه الرجل أو جسده: لأنني وجهت الشعاع، كأنما بالغريزة، على البقعة الملعونة وبدقة.


    والآن ألم أخبرن أنك مخطيء إذ تظن أن الجنون أي شيء سوى الرهافة المفرطة في الحواس ؟ الآن، أقول هناك صوت خفيض، كئيب وسريع يتردد في أذني مثل الذي تصدره بالساعة الملفوفة في القطن. أعرف هذا الصوت جيدا أيضا. كانت ضربات قلب الرجل العجوز. لقد جعلت هياجي يتزايد، كما تزيد ضربات الطبول الشجاعة عند الجنود.


    لكنني حتى رغم ذلك التزمت الثبات ونادرا ما كنت أتنفس. جعلت المصباح ثابتا تماما وظللت بثبات أحاول كيفية إسقاط الشعاع تماما على العين. في نفسر الوقت تزايدت الضربات الشيطانية للقلب. وأصبحت أسرع وأسرع، وسارت أعلى وأعلى مع مرور كل برهة من الوقت، أقر أنها كانت أعلى في كل لحظة - هل تفهمني جيدا؟ قد أخبرتك أنني عصبي: هكذا أكون. والآن في الساعة الحاسمة من الليل: أعني الصمت المهيمن على هذا المنزل القديم، أثارني إزعاج غريب جدا ودفع داخلي بفزع لم استطع السيطرة عليه. مع ذلك ظللت ثابتا لعدة دقائق أطول. ولكن النبضات صارت أعلى وأعلى - ! اعتقدت أن قلبي يجب أن ينفجر. والآن اقتنصني قلق آخر _هو أن صوت النبضات سيسمعه أحد الجيران ! لقد حانت ساعة الرجل العجوز ! بصرخة عالية، ألقيت المصباح مفتوحا وقفزت داخل الغرفة. صرخة واحدة، واحدة فقط أطلقها الرجل العجوز. وفي لحظة واحدة، سحبته على الأرض، وقلبت السرير الثقيل عليه. حينئذ ابتسمت بابتهاج، عندما أدركت أنني نفذت ما أريد. رفعت السرير وفحصت الجثة. نعم لقد كان حجرا، حجرا ميتا وضعت يدي على القلب وتحسسته لدقائق عديدة. لم يكن هناك ثمة نبض. كان الرجل يشبه حجرا ميتا. لن تزعجني عينه بعد ذلك.


    لو أنك مازلت تعتقد أنني مجنون، فسوف تكف عن هذا الاعتقاد عندما أصف لك الاحتياطات المتعقلة لاخفاء الجثة. كان الليل قد بدأ في التناهي وأسرع في إنهاء الأمر ولكن في صمت. قمت أولا بفصل الأطراف عن الجثة. قطعت الرأس والأذرع والأرجل.


    بعدئذ اقتلعت ثلاثة ألواح خشبية من أرضية الغرفة وأودعت الجميع في الفراغات. وثانية أعدت الألواح بمهارة وذكاء شديدين، لدرجة تمنع عين إنسان - وحتى عينيه - من امكانية اكتشاف أي خطأ. لم يكن هناك أي شيء يمكن ازالته -أي نوع من التلوث - أي بقع دم أيا كانت. كنت حريصا جدا في هذه المسألة. فقد جمعت كل هذا في وعاء كبير-ها! ها!


    حينما انتهيت من كل هذه الأعمال، كانت الساعة قد دقت الرابعة - لم يزل الظلام دامسا كمنتصف الليل. عندما دق جرس الرابعة سمعت طرقا على الباب الخارجي. نزلت لأفتح الباب بقلب هاديء - أي خوف يداخلني الآن ؟ ثلاثة رجال دخلوا، قدموا أنفسهم بتهذيب شديد على أنهم ضباط شرطة لقد سمع أحد الجيران صرخة أثناء الليل ؟ ووردت شكوك بالاشتباه ل جريمة، وتمت التحريات في مكتب الشرطة، وقد أوفدوا (ضباط الشرطة ) لتفتيش المبنى وملحقاته.


    ابتسمت - مم أخاف ؟ رحبت بالشرطيين. قلت أنا الذي أطقت الصرخة وأنا أحلم. وأكدت لهم، أن الرجل العجوز غائب لأنه في القرية أخذت زواري في جميع انحاء المنزل. وتركت لهم حرية التفتيش - التفتيش بعناية. أرشدتهم الى غرفة النوم، في النهاية. رأوا أن خزائنه آمنة ولم يمسها أحد. وفي حماسة واثقة، أحضرت بعض المقاعد للغرفة، وأظهرت لهم رغبتي في أن يستريحوا من التعب هنا، بينما وضعت لنفسي مقعدا عل المكان الذي دفنت تحته جثة الضحية، في جرأة كبيرة يتوجها انتصار تام.


    أقنعهم سلوكي معهم، لذا شعر الضباط بالارتياح. كنت أشعر بارتياح غير عادي. جلسوا، بينما كنت أجيبهم ببشاشة، ثرثروا في أشياء اعتيادية. لكن بعد فترة شعرت بالشحوب يعتريني وتمنيت لو غادروا. أصاب الألم رأسي، وتخيلت أن هناك رنين أجراس في أذني ! لكنهم ما زالوا يجلسون ويثرثرون: أصبح رنين الأجراس أكثر وضوحا: استمر وأصبح أكثر وضوحا: تحدثت بمرونة أكثر لأقني على هذا الشعور: لكنه استمر وصار له إيقاع منتظم - حتى وجدت في النهاية أن هذه الضوضاء ليست داخل أذني.


    لا شك أنني الآن قد صرت شاحبا جدا - غير أنني كنت أتحدث بطلاقة أكثر وبصرت مرتفع. مع ذلك تزايد الرنين -وماذا أستطيع أن أفعل ؟ لقد كان صوتا خفيضا، كئيبا وسريعا - كثير من هذا الصوت يشبه صوت الساعة وهي ملفوفة في القطن. تنفست في لهاث _ مع ذلك لم يسمع الضباط لهاثي. تحدثت بسرعة أكبر - وبعنف أكثر: لكن الرنين تزايد بثبات. نهضت وتحاورت معهم في تفاهات بتوتر شديد وبايماءات عنيفة لكن الرنين تزايد بثبات لماذا لا يرحلون ؟ بخطوات وئيدة قطعت الغرفة جيئة وذهابا كما لو كانت ملاحظاتهم لي قد أثارتني الى حد الغضب _ لكن الرنين تزايد بثبات. يا إلهي ! ماذا أستطيع أن أفعل ؟ أصبت بالغثيان - صرت أهذي.أهلقت السباب ! لوحت بالمقعد الذي كنت أجلس عليه وضربت به الأرض، لكن صوت الرنين ارتفع في كل انحاء المكان واستمر في التزايد. صار أكثر ضجيجا - أكثر ضجيجا ! وما زال الضباط يثرثرون بامتنان وابتسموا. هل من الممكن أنهم لم يسمعوا كل هذا ؟ يا إلهي العظيم: لا، لا ! لقد سمعوا: - لقد شكوا ! - إنهم يعرفون ! إنهم يسخرون من فزعي ! هكذا اعتقدت، وهكذا أعتقد. لكن أي شي ء كان أحسن من هذا العذاب ! لا بأس بأي شيء سيىء إلا هذه السخرية ! لم أعد قادرا على تحمل هذه الابتسامات المنافقة: شعرت أنني لابد أن أصرخ أو أموت ! - والآن _ ثانية - انصت ! أعلى ! أعلى ! أعلى ! أعلى !


    صرخت "كفى تظاهرا بالجهل أيها الأوغاد انني أعترف بما فعلت ! اخلعوا الألواح ! هنا - هنا: - إنها نبضات قلبه الفظيع !
    التعديل الأخير تم بواسطة محمدعامر; الساعة 2013-12-08, 04:09 PM.

  • #2
    عميد ادب الرعب فى القرن العشرين هـ. ب. لافكرافت H. P. Lovecraft


    كاتب وروائي أميركي اشتهر بكتابة قصص الرعب والخيال العلمي .. ولد في مدينة بروفيدنس في ولاية رود أيلند في عام 1890 وعاش معظم فترات حياته فيها .. وبسبب مرضه المتواصل لم يكمل لافكرافت تعليمه واضطر إلى ترك المدرسة ، ولكنه استطاع كسب المعرفة والعلوم من خلال القراءة الذاتية في المنزل ..

    كتب العديد من المقالات والقصص القصيرة وانصب تركيزه على كتابة قصص الرعب .. بدأ بنشر قصصه في عام 1923 عن طريق مجلة قصص عجيبة .. ورغم أن مجموعته القصصية صغيرة نسبيا - 3 روايات و 60 قصة قصيرة - فإن كتابات لافكرافت قد ألهمت وأثرت على العديد من الكتاب الأميركيين والعالميين .. توفي بعد معاناة من مرض السرطان في مسقط رأسه في عام 1937 عن عمر يناهز 47 عاما ..


    ومع احد اعماله
    الـشـجـرة

    عند منحدر تغطيه الأعشاب من جبل (مينالوس) في (أركاديا)، توجد أيكة زيتون جوار أطلال دارة قديمة. جوار الأيكة ذاتها قبر كان بهي الجمال فيما مضى، و عليه آيات من النحت الساحر، لكنه الآن تحلل كما المنزل. و عند طرف القبر نمت شجرة زيتون، استطاعت جذورها أن تخترق الرخام اختراقاً، شجرة زيتون منفرة المنظر، كأنها رجل مخيف أو جسد انسان شوهه الموت، حتى أن القرويين يخشون المرور جوارها ليلاً حين يبزغ القمر بين الأغصان المهشمة.

    إن جبل (مينالوس) مكان مسكون بـ (بان) المخيف الذي يتبعه كثيرون، ويشك القرويون في وجود علاقة بين الشجرة و هؤلاء، لكن أحد مربي النحل الذي يعيش في كوخ مجاور حكى لي قصة تختلف.

    منذ أعوام حين كانت تلك الدارة جديدة متألقة، عاش فيها نحاتان هما (كالوس) و (موسيدس)، و كان عملهما يُمتدح من (ليديا) إلى (نيابوليس)، و لم يجسر واحد أن يقول أن أحدهما كان يفوق الآخر مهارة. كان كل الناس يمتدحون النحاتين، ولم يخطر لأحد أن الغيرة الفنية قد تعكر صفو صداقتهما الأخوية.

    لكن طباع (كالوس) و (موسيدس) لم تكن متماثلة؛ فبينما كان (موسيدس) يعربد ليلاً وسط ملاهي (تيجيا)، كان (كالوس) يبقى في داره ينعم بالجلوس في الأيكة، و هناك يتأمل في الرؤى التي تفعم عقله، ويصمم الروائع التي سيخلدها من الرخام الذي يتنفس. وقال البسطاء إنه يستلهم الوحي من الأرواح التي تسكن الأيكة؛ لأنه لم يكن يتخذ أي ملهمة حية معروفة، و قيل إنه يستلهم حوريات الغابة بارعات الحسن.

    مشهوران هما (كالوس) و (موسيدس) حتى أن أحداً لم يندهش حين أرسل طاغية ( سيراكوزا) رجاله إليهما، ليتفقوا على تمثال (تايك) الذي أراد أن يشيده في المدينة. يجب أن يكون التمثال هائل الحجم بارع الصنع؛ لأنه سيكون عجيبة البلاد ومقصد المسافرين، ومن أجل هذا الشرف طلب من (كالوس) و (موسيدس) أن يتنافسا، و طلب منهما ألا يخفي أحدهما عمله عن الآخر، بل يمنحه النصح و الرأي، وهكذا سيكون لدى المدينة تمثالان أجملهما يذوي أمامه خيال الشعراء.

    رحب النحاتان بعرض الطاغية، و لأيام لم يسمع الخدم إلا ضربات الأزاميل، و لم يخف (كالوس) و (موسيدس) ما صنعاه عن بعضهما، لكنهما أخفياه عن العالم .. ذلك الجمال الذي كان حبيس الصخر منذ الخليقة، بانتظار إزميل بارع يحفره.

    و في الليل – كما في الماضي – كان ( موسيدس) يقصد ملاهي (تيجيا)، بينما (كالوس) يهيم في أيكة الزيتون. و لكن إذ مضى الوقت لاحظ الناس في (موسيدس) افتقاراً إلى المرح، و بدا لهم هذا غريباً. ومر الوقت، لكن في وجه (موسيدس) لم يبد ذلك الحماس المتوقد المتوقع..

    ثم ذات يوم، تكلم (موسيدس) عن مرض أصاب (كالوس)، عندها فهم الجميع سر اكتئابه؛ لأن صداقة الرجلين كانت قوية مقدسة. ذهب كثيرون ليروا (كالوس)، و بالفعل كان وجهه شاحباً لكنه كان سعيداً، مما أعطى نظرته سحراً يفوق نظرة (موسيدس)، الذي كان شارداً مشتتاً، و قد أبعد كل العبيد عن صديقه ليتفرغ للعناية به، وخلف الستائر كان تمثالان لـ (تايك) لم يمسهما المريض و صاحبه منذ زمن.

    و ازداد وهن (كالوس) برغم محاولات الاطباء الحائرين، و عناية صديقه (الفائقة) به، و مراراً تمنى أن يحملوه إلى الأيكة التي يحب..

    و جاءت النهاية ليرحل (كالوس) عن عالمنا هذا، وبكى (موسيدس) كثيراً، ووعد صاحبه بضريح رخامي أجمل من قبر ( موسولوس)، لكن (كالوس) منعه من الكلام عن الرخام ثانية ، و لم يطلب إلا شيئاً واحداً : أن تُدفن فروع من أشجار زيتون معينة جوار قبره لصيقة برأسه .. وسرعان ما مات.

    جميل بما يفوق الوصف، ذلك الضريح الذي بناه و نحته (موسيدس) لصديقه الحبيب، و لم ينس أن يزرع غصن الزيتون كما طلب (كالوس).

    و ما أن انتهى الحزن حتى بدأ (موسيدس) يعمل في تمثال (تايك)، الآن صار المجد مجده بالتأكيد، و راح يعمل بلا انقطاع، أما في الليل فكان يسهر جوار قبر صاحبه، حيث نمت شجرة زيتون قرب رأس النائم. كان نمو الشجرة سريعاً للغاية، و كان شكلها غريباً يوحي بالافتتان و النفور معاً.

    بعد ثلاثة أعوام من وفاة (كالوس) أرسل ( موسيدس) رسالة إلى الطاغية، و تهامس القوم في أسواق (أثينا) أن التمثال العظيم قد انتهى. في الآن ذاته كانت الشجرة قد بلغت حجماً خرافياً يفوق أي شجرة أخرى .. و جاء كثيرون ليروا الشجرة و ينعموا بنحت (موسيدس)، بهذا لم يعد الفنان وحيداً قط، لكنه لم يتضايق لهذا، بالأحرى كان يهاب الوحدة بعدما انتهى العمل الذي شغف حواسه.

    كانت السماء سوداء في الليلة التي جاء فيها رسل الطاغية إلى (تيجيا) و عرف الجميع أنهم جاؤوا ليحملوا تمثال (تايك) العظيم، و يجلبوا المجد لـ (موسيدس).

    كان الرجال سعداء، وقد راحوا يتحدثون عن الطاغية المتألق،و عن عاصمته العظيمة، ثم تكلم رجال (تيجيا) عن طيبة قلب (موسيدس) وصلاحه ، و مدى حزنه من أجل فقد صاحبه.

    تزايد عواء الريح فشعر رجال (سيراكوزا) و (أركاديا) بالتوتر، وصلّوا ..

    و في الصباح اتجه رسل الطاغية إلى المنحدر ليروا التمثال، لكن ريح الليل كانت قد فعلت أشياء غريبة .. كان صراخ العبيد يتعالى من بين الخرائب، و لم يبد أثر لغرفة نحت (موسيدس)، لأن فوق هذا البناء السخي المترف قد سقط غصن ثقيل من الشجرة الجديدة، ليحيل تلك القصيدة البارعة المنحوتة من الرخام إلى حطام قبيح. ووقف الغرباء و سكان (تيجيا) يرمقون تلك الشجرة العجيبة التي تمتد جذورها إلى أعماق قبر (كالوس)، و التي بدت بشرية تماماً في هذه اللحظة. أصابهم الهلع و ازداوا هلعاً حين راحوا يبحثون عن(موسيدس) وسط الحطام، فلم يجدوا له أثراً.

    حزن الفريقان، أهل (سيراكوزا) حزنوا لأنه لم يعد تمثال يحملونه إلى الوطن، و أهل (تيجيا) لأنه لم يعد عندهم فنان يتوجونه، و انصرفوا كاسفي البال.

    إلا أن أيكة الزيتون مازالت هناك، كما مازالت الشجرة التي تخرج من قبر (كالوس) ..

    و قال لي مربي النحل العجوز أن الأغصان تهمس لبعضها مراراً و تكراراً في رياح الليل :

    - " أويدا أويدا ! ( أنا أعرف .. أنا أعرف! ) ".




    تعليق


    • #3
      جميل جدا يا اخ محمد
      اضافة بسيطة
      هذا الكاتب هو ايضا صاحب قصيدة الاعراف . المبنية على سورة الاعراف .
      [CENTER][SIZE=4][COLOR=#000080] [B]"وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ "[/B][/COLOR][/SIZE]
      [/CENTER]

      تعليق


      • #4


        علم فى سماء ادب الرعب
        ستيفن كينج




        • سيرة ذاتية :

        المشكلة أنه لا يمكننا التحدث عن أي شخص دون أن نذكر المعلومات الأساسية في سيرته الذاتية , لذا سنمر بهذه المعلومات سريعًا , ثم سنبدأ في القسم الممتع في الموضوع ..

        ولد ( ستيفن إدوين كينج ) في مدينة ( مين Maine ) في الواحد و العشرين من سبتمبر لعام 1947 , لكل من ( دونالد ) و ( نيللي كينج ) الذان انفصلا و ( ستيفن ) لا يزال طفلاً – لم يكن الأمر انفصالاً بالمعنى المفهوم .. لقد خرج الأب لشراء السجائر كما قال , و لم يعد بعدها أبدًا ! - و ليفقد ( ستيفن ) إحساسه بالعائلة مبكرًا , و لتبدأ رحلة انتقاله مع والدته عبر الولايات المتحدة , حتى انتهى به الأمر في ( مين ) حيث أخذت الأم تعمل كطاهية في مؤسسة لذوي الإحتياجات الخاصة , بينما تفرغ ( ستيفن ) للدراسة و لهوايته الأثيرة .. القراءة ..

        التحق ( ستيفن ) بمدرسة ( Lisbon Falls ) و تخرج منها ليلتحق بجامعة ( مين ) , و يذكر عنه أنه كان طالبًا نشيطًا في تلك الفترة , إذ انضم لإتحاد الطلاب , و أخذ يكتب سلسلة مقالات أسبوعية في مجلة الكلية تحت اسم ( بوصلة مين Maine Campus ) هاجم فيها الحرب ضد فيتنام , رافضًا أن تدخل أمريكا حربًا لا حق لها فيها كما كان يقول , و وواصل نشاطه هذا حتى تخرج من الجامعة عام 1970 , ليتحول من طالب إلى مدرس في الجامعة , و قد حصل على بعض التغيرات منها ارتفاع ضغط الدم و ضعف البصر و ثقب في طبلتي الأذن !!

        لكن الجامعة لم تترك له كل هذه الأمراض فحسب , بل تعرف فيها على الفتاة الرقيقة ( تابثا ) التي أخذ يعمل من أجلها طوال فترة دراسته في محل للملابس , و أخذ يبيع بعض القصص القصيرة للمجلات , حتى تمكن من الزواج منها في 1971 و مازال يحيا معها حتى الآن في منزلها في ( مين ) , و رزق منها بثلاث أطفال حتى الآن ..
        لم تطل السيرة الذاتية كما وعدتك .. الآن يمكننا أن نتعرف أكثر على الأديب .. على الملك ..



        أول قصة قصيرة باعها ( ستيفن كينج ) كانت ( الأرض الزجاجية The Glass Floor ) و باعها لمجلة (Startling Mystery Stories ) و كان ذلك في عام 1967 , لكن أول رواية كتبها كانت ( كاري Carrie ) و التي تتحدث عن فتاة غريبة الأطوار تمتك قدرة تحريك الأجسام عن بعد , و كان يكتب هذه الرواية كوسيلة لقتل وقت الفراغ لديه , لكنه حين عرضها على دار نشر (Doubleday ) في ربيع 1973 , قامت الدار بنشرها على الفور , و أمام آراء النقاد المنبهرة بهذه الرواية , عرض عليه مدير تحرير الدار ( بيل تومبسون ) ترك مهنته في الجامعة كمدرس , وأن يتفرغ للكتابة تمامًا ..
        لكن الصعوبات بدأت في مطارد ( ستيفن ) إذ اضطر للإنتقال بعائلته إلى جنوب ( مين ) بعد أن أصيبت والدته بالسرطان , و ظلّ يراعاها طيلة النهار , بينما كان يقضي الليل في غرفة صغيرة في جراج المنزل , يكتب في روايته الثانية التي أسماها ( العودة الثانية ) قبل أن يقرر تغيير اسمها إلى ( حشد سالم Salem's Lot ) و فيها يحكي عن قرية من مصاصي الدماء يقوم بزيارتها رجل و طفله الوحيد ..

        و حين انتهت الرواية توفيت والدته أخيرًا عن عمر يناهز التاسعة و الخمسين , فعاد ( ستيفن كينج ) ينتقل بعائلته , و عاد لتفرغه التام للكتابة , لينتهي في في أوائل 1975 من روايتي ( الصمود The Stand ) و ( منطقة الموت Dead Zone ) , وكانت روايته ( كاري ) قد نشرت لتحقق نجاحًا مذهلاً , أكدّ له و للناشر أن قرار تركه للجامعة و تفرغه للكتابة كان قرارًا حكيمًا بلا شك ..

        و الواقع أن حمى الكتابة انتابت ( ستيفن كينج ) , فأخذ رواياته تتلاحق بغزارة غير مسبوقة – لاحظ أننا نتحدث عن روايات من القطع الكبير و لا يقل عدد صفحات الرواية عن السبعمائة صفحة إلا نادراً – فكتب رواية ( البريق The Shining ) و التي تتحدث عن كاتب مجنون يقضي الشتاء مع عائلته في فندق مهجور , ثم رواية ( كريستين Christine ) التي تتحدث عن سيارة مسكونة , ثم بدأ في جمع قصصه القصيرة لينشرها في مجموعات قصصية من أشهرها ( وردية الليل Night Shift ) ثم ( أربع دقائق بعد منتصف الليل Four Past Midnight ) , و مع النجاح المتواصل , قرر المخرج الشهير ( برايان دي بالما ) تحويل رواية ( كاري ) إلى فيلم سينمائي , قامت ببطولته ( سيسي سباسيك ) و ( جون ترافولتا ) , فحظى الفيلم بنجاح مذهل خاصة مع أداء ( سيسي سباسيك ) العبقري للفتاة المضطربة ذات القدرات الخارقة , حتى أنها رشحت لجائزة الأوسكار عن دورها في هذا الفيلم .
        و هكذا دخل ( ستيفن كينج ) عالم السينما من أوسع أبوابه , فمع توالي رواياته , توالت افلامه , فقام المخرج العبقري ( ستانلي كوبريك ) عام 1980 بتحويل روايته ( البريق ) إلى فيلم كابوسي مخيف , قام ببطولته ( جاك نيكلسون ) – لم يعجب الفيلم ستيفن كينج فقام بإعادة إخراج الفيلم 1997 في صورة حلقات تلفزيونية قام بجمعها فيما بعد – ثم قام المخرج ( جون كاربنتر ) الذي اشتهر بسلسلة أفلام ( هالويين ) بتحويل رواية ( كريستين) إلى فيلم عام 1983 و حصل به على جائزة أوسكار أفضل مؤثرات بصرية .. من رأى منكم الفيلم و رأى المشهد الذي تقوم في السيارة بإصلاح ذاتها , سيعرف أن هذا المشهد يستحق الجائزة .

        و هكذا أصبح ( ستيفن كينج ) علامة مميزة للرعب سواء على مستوى الروايات أو الأفلام , حتى أن النقاد أخذوا يلقبونه ( ملك الرعب ) و بدأت الملايين تنهال على ( ستيفن ) فبنى قصره الخاص في مدينته الأثيرة ( مين ) – غالبًا ما تدور أحداث رواياته في هذه المدينة – و أخذ يكتب بلا توقف , ثم قرر استغلال وقته , فتعلم الإخراج , ليقوم هو أيضًا بتحويل قصصه إلى أفلام , لكنها لم تكن بجود كتابته , فتفرغ لإخراج الحلقات التلفزيونية .
        ثم و في عام 1994 قام المخرج ( فرانك دارابونت ) بتحويل قصته القصيرة (Rita Hayworth and Shawshank Redemption ) و التي نشرها ( ستيفن ) في مجموعته القصصية ( الفصول المختلفة Different Seasons ) إلى واحد من أشهر الأفلام في تاريخ السينما على الإطلاق تحت اسم ( وداعًا شاوشانك Shawshank Redemption ) و كانت هذه نقلة تاريخية في حياة ( ستيفن كينج ) فهذا الفيلم لم يكن له أي علاقة بالرعب , لكنه كان يعكس قدرة ( ستيفن ) و تمكنه كأديب من طراز خاص .. و هكذا نال احترام الجميع , حتى ممن لا يؤمنون بالرعب كأدب .

        و عن هذا الفيلم نذكر حادثة طريفة , رواها ستيفن كينج في مقدمة مجموعته القصصية ( Everything Eventual ) إذ كان يقف ذات مرة في السوبرماركت يثرثر مع سيدة لم تكن تعرفه , و حين ذكر لها اسمه , امتعضت و قالت ( أنا لا أحب قصص الرعب , أرى أنها سخيفة ) , فسألها ( ستيفن ) مبتسمًا ( و مالذي تفضلينه إذن ؟! ) , فأجابت السيدة ( الأفلام الإجتماعية .. وداعًا شاوشانك مثلاً .. هل رأيته ؟! ) , و هنا اتسعت ابتسامة ( ستيفن ) أكثر و هو يجيب ( لم اره فحسب .. بل كتبت قصته كذلك ) !!

        و مع النجاح تتوالى الملايين , و قد ذكر ( ستيفن كينج ) نفسه أن رصيده يزداد بمقدار عشرة ملايين دولار أسبوعيًا , من أرباح إعادة طبع رواياته .. الرجل باع أكثر من 300 مليون نسخة حتى الآن , و تترجم رواياته بأكثر من خمس و ثلاثين لغة , أي أنه لم يتحول إلى كاتب , بل إلى ظاهرة تستأهل الدراسة .

        لاحظ أن أدب الرعب يصنف على أنه ( أدب مسلي Pop Art ) و هذا في الغرب , بينما نحن العرب , لا نتعامل معه إلا على إنه أدب أطفال , لكن هذا الرجل – و بأدب الأطفال !! – ارتقى بأدب الرعب ليقف به إلى جوار كبار الكتاب , بروايات تجاوزت الاثنان و أربعون رواية , و عدد لا ينتهي من القصص القصيرة و المجموعات القصصية , و السيناريوهات التلفزيونية .
        و لكن الرياح تأتي بما لا تتشتهي السفن , فهناك ذلك الحادث الذي غيّر الكثير في حياة هذا الرجل ..

        حدث هذا عام 1999 حين صدمت شاحنة ( ستيفن كينج ) , لتلقيه مهشم العظام , غارقًا في دماءه على قارعة الطريق .. بالطبع تم نقله إلى المستشفى , و هناك تلقى العلاج اللازم لكنه خرج منها بكسور صعبة الإلتئام و بضعف شديد في العصب البصري , يهدده بالعمى في أية لحظة .
        العجيب أنه لم يقضي وقته في المستشفى للراحة فحسب , بل كتب هناك روايته القصيرة ( The Plant ) و نشرها اليكترونيًا على أحد المواقع , على أن تكون قابلة للتحميل مقابل دولار واحد .. يقال أن ارباح هذه الرواية فحسب كانت كافية ليشتري المستشفى التي يعالج فيها !!
        لكنه لم يشتري المستشفى , بل اشترى الشاحنة التي صدمته و أحرقها في احتفال مهيب طلبًا للراحة النفسية !

        و كأنما يخاف من العمى ازداد حماسه للكتابة , حتى أنه انتهى مؤخرًا من سباعيته التي تحمل اسم ( برج الظلام Dark Tower ) و موقعه على الانترنت يعلن أن هناك روايات و مجموعات قصصية له ستطرح و حتى عام 2007 .
        و صحيح أنه نال عشرات الجوائز حتى الآن من الجمعيات النقدية على مستوى العالم , لكن أهم جائزة كانت ميدالية الإستحقاق التي قدمتها له جمعية الكتاب الوطنية , لإسهامه الذي لن ينسى للأدب , و كان ذلك عام 2003 , و بهذه الجائزة توّج ( ستيفن كينج ) كواحد من أهم و أشهر كتاب القرن العشرين على الإطلاق .

        و بينما تتوالى أفلام و روايات هذا الملك , سننهي المقال بواحدة من أفضل الجمل التي قالها هو , و هي تلك التي وضعها في مقدمة كتابه ( On Writing ) و الذي يتحدث فيه عن فن الكتابة :


        واحده من اروع قصصه :
        مخلب القرد
        (1)

        بالخارج كان الليل بارداً و رطباً ، لكن في ردهة فيلا (لابرنام) كانت الستائر مسدلة و النيران تشتعل ساطعة بينما الابن يلعب الشطرنج مع الأب ، الذي كان يمتلك أفكاراً تتضمن تغييرات جذرية بشأن اللعبة ، و يضع ملكه في مواقف خطيرة وغير مرغوبة ، كانت تستفز السيدة ذات الشعر الأشيب التي تحيك بهدوء بجانب النيران لتدلي بتعليقها .
        - " أصغيا للريح " قال السيد (وايت) وقد اكتشف خطأً قاتلاً بعد فوات الأوان ، محاولا منع ابنه من ملاحظته .
        - " إنني مصغ " قالها الأخير ، ماسحاً الرقعة بينما يمد يديه " كش " .
        - " كان ينبغي أن أعرف أنه سيأتي الليلة " قال الأب متوازناً بيديه فوق الرقعة .
        - " مات ! " رد الابن .
        - " هذه هي أسوء معيشة على الإطلاق " قال السيد (وايت) " من بين كل الأماكن الكريهة الموحلة النائية ، هذا هو الأسوأ . الممر عبارة عن مستنقع و الطريق عبارة عن سيل . لا أعرف ما يفكر الناس بشأنه . أعتقد أنه بسبب تأجير هذين المنزلين على الطريق فهم يفكرون أنه لا مشاكل " .
        - " لا تهتم يا عزيزي " قالت زوجته بهدوء " ربما ستكسب المرة القادمة " .
        - " ها هو ذا " قال (هربرت) بينما البوابة تغلق بعنف ، و بدا صوت خطوات ثقيلة تقترب من الباب .
        هرع الأب ليفتح الباب ، فدخل شخص طويل و بدين ، ذو عينان براقتان و وجه أقرب للحمرة .
        - " رقيب أول موريس " قال الأب مقدماً الرجل .
        صافحهم الرجل و أخذ مقعداً بجانب النيران ، مراقباً مضيفه بينما يحضر الخمر و كأسين و يضع براد شاي نحاسي صغير في النار .
        بعد الكأس الثالث بدت عيناه ألمع ، و بدأ يتكلم . تحلقت العائلة حول هذا الزائر القادم من الأماكن النائية ، بينما تراجع هو بظهره على المقعد و تحدث عن مشاهد غريبة و أفعال شجاعة .. عن حروب و أوبئة و شعوب غريبة .
        - " واحد و عشرون عاماً " قال السيد (وايت) لزوجته و ابنه " عندما ذهب كان شاباً يعمل في مستودع . انظرا له الآن "
        - " لا يبدو أنه تأذى بشدة " قالت السيدة (وايت) بدماثة .
        - " أعتقد أنني أنا شخصياً سأحب الذهاب للهند " قال الرجل العجوز " للسياحة فقط ، أنت تعرف "
        - " الأفضل لك أن تظل هنا " قال الرقيب هازاً رأسه . وضع الكأس الفارغ و تنهد بهدوء ، ثم هزها مرة أخرى .
        - " سأحب أن أرى المعابد القديمة و المشعوذين " قال الرجل العجوز " ماذا كنت تخبرني بالأمس عن مخلب قرد أو شيء من هذا القبيل ، موريس ؟ "
        - " لا شيء " رد باقتضاب " لا شيء يستحق سماعه "
        - " مخلب قرد ؟ " تساءلت السيدة (وايت) بفضول .
        - " حسناً .. إنه واحد من هذه الأشياء التي يسمونها سحر ، ربما " قال الرقيب .
        مال مستمعيه الثلاثة بفضول ، بينما رفع الزائر شارداً الكأس الفارغ لفمه ، ثم أنزله مرة أخرى ، ليملأه مضيفه .
        - " انظروا " قال الرقيب عابثاً في جيبه " إنه مجرد مخلب صغير عادي مجفف لمومياء "
        أخرج شيئاً من جيبه و عرضه فتراجعت السيدة (وايت) بخوف ، بينما تناوله الابن و تفحصه باهتمام .
        - " و ما الشيء الغريب بشأنه ؟ " تساءل السيد (وايت) بينما يتناوله من ابنه ليتفحصه بدوره ، ثم يضعه على المائدة .
        - " هناك لعنة صنعها أحد السحرة القدامى " قال الرقيب " ساحر قوي جداً . أراد أن يبين أن القدر يحكم حياة الناس ، و أن من يحاول تغييرها إنما يفعل ليلقى حتفه . فجعله يحقق ثلاث أمنيات لثلاث رجال مختلفين "
        كان منفعلاً و هو يتحدث ، فأدرك مستمعوه أنهم آذوه بضحكهم الخافت .
        - " حسناً ، و لم لَم تصنع أمنياتك الثلاث يا سيدي ؟ " قال (هربرت) متذاكياً .
        آخذاً في الاعتبار كيف يتحدث الشباب باندفاع ، قال موريس بهدوء " لقد فعلت " و شحب وجهه .
        - " و هل تحققت الأمنيات ؟ " سألت السيدة .
        - " تحققت أماني الرجل الأول " أجاب " لا أعرف عم كانت الأمنية الأولى و الثانية ، الثالثة كانت الموت ، و هكذا حصلت على المخلب "
        كانت نبرات صوته قوية واثقة حتى أنهم سكنوا تماماً .
        " إذا كنت قد حصلت على أمانيك الثلاثة ، فإنه غير مفيد لك الآن ، موريس " قال الرجل العجوز " فلم تحتفظ به حتى الآن ؟ "
        هز العسكري رأسه قائلاً " الولع ربما ! " قال ببطء .
        - " إذا كان بإمكانك تمنى ثلاث أمنيات أخرى " قال المضيف مراقباً إياه باهتمام " هل ستتمناها ؟ "
        - " لا أعرف " قال الآخر " لا أعرف "
        ثم أخذ المخلب بين الإبهام و السبابة ، و فجأة رماه في النيران ، فأطلق المضيف صيحة استنكار ، و انحنى بسرعة لينتزعه من بين النيران .
        - " دعه يحترق أفضل " قال العسكري بمهابة .
        - " إذا لم تكن تحتاجه يا موريس ، فاعطني إياه "
        - " لا " قالها بعناد " لقد رميته في النيران . لو احتفظت به فلا تلومن إلا نفسك لما سيحدث . اقذفه في النيران مجدداً كرجلٍ عاقل "
        هز الآخر رأسه رافضاً ، و تفحص المخلب عن قرب " كيف تفعلها ؟ "
        - " امسكها في يدك اليمنى و تمن بصوتٍ عالي .. لكنني أحذرك من العواقب ".
        - " تبدو مثل ألف ليلة وليلة " قالت السيدة (وايت) بينما تنهض لإعداد العشاء " ألا تعتقد أن بإمكانك أن تتمنى لي أربعة أزواج من القفازات ؟ "
        أخرج الزوج المخلب من جيبه ، ثم انفجر الثلاثة في الضحك بينما أمسكه الرقيب بقوة ، و نظرة انزعاج على وجهه .
        - " إذا كان لا بد من التمني ، فتمن شيئا مهماً " قالها بفظاظة .
        أعاد السيد (وايت) المخلب لجيبه ، ثم دعى صديقه للمائدة ، و نسوا جميعاً كل شيء عن المخلب أثناء إعداد العشاء .. و بعد العشاء جلس الجميع للاستماع إلي باقي مغامرات موريس في الهند بافتتان .
        - " إذا كانت القصة بشأن مخلب القرد مثل باقي الحكايات التي أخبرنا بها " قال (هربرت) لنفسه بينما الباب ينغلق خلف الضيف الذي غادر مبكراً ليلحق بقطاره الأخير " فلن نستفيد منه بأي شيء "
        - " هل أعطيته أي شيء مقابل المخلب ؟ " سألت السيدة (وايت) زوجها .
        - " بندقية " قال " لم يكن يريدها ، لكنني أصررت ، و قد طلب مني أن أتخلص من المخلب مرة أخرى "
        - " لحسن الحظ " قال (هربرت) برعب مصطنع " لِمَ ؟، سنكون أثرياء و مشهورين و سعداء . تمن أن تكون إمبراطوراً يا أبي كبداية ، فلا يمكن لأحد أن يسيطر عليك بعدها "
        ثم لف حول المائدة ليقنع السيدة (وايت)
        أخذ السيد (وايت) المخلب من جيبه ، و تفحصه بشك ، ثم قال ببطء :
        -" لا أعرف ما أريد أن أتمناه ، هذه حقيقة .. أعتقد أن لدي كل ما أريد "
        - " لو أنك نظفت المنزل ، فستكون سعيداً ، أليس كذلك ؟ " قال (هربرت) و يده على كتفه " حسناً . تمن مائتي جنيه . هذا سيقضي الغرض "
        خاجلاً من سذاجته ، حمل الأب المخلب بينما غمز الابن متظاهراً بالجدية لوالدته ، ثم جلس على البيانو ليؤدي بعض النغمات المؤثرة .
        - " أتمنى مائتي جنيه " قال الأب بوضوح .
        انطلقت من البيانو نغمة محيية للكلمات ، قوطعت بصرخة مرتعشة من الرجل ، فهرع الابن و الأم نحوه .
        - " لقد تحرك " قال و هو يرمق الشيء الملقى على الأرض باشمئزاز " لقد تحرك عندما نطقت الأمنية "
        - " حسناً ، لا أرى المال " قال الابن ملتقطاً المخلب ليضعه على الطاولة " و لا أظن أنني سأراه "
        - " لابد أنه خيالك يا عزيزي " قالت الأم .
        هز رأسه و قال " لا عليكما ، لم يحدث أذى على الأقل "
        جلسوا بجانب النيران ثانية بينما ينهي الرجلان الغليون ، و بالخارج كان صوت الريح أعلى من السابق ، و بدا الأب عصبياً مع سماع صوت الباب في الدور العلوي . و استمر الصمت حتى قام الرجلان للنوم .
        - " أعتقد أنك ستجد النقود في حقيبة محزومة على سريرك " قال الفتي بعد أن تمنى لهم ليلة سعيدة " و ستجد شيئاً بشعاً يراقبك من أعلى الدولاب بينما تضع النقود الغير مشروعة في جيبك "
        جلس الشاب وحيداً في الظلام محدقاً في النيران المحتضرة ، متخيلاً أنه يشاهد وجوهاً فيها . كان الوجه الأخير لقرد بشع حدق فيه بذهول حتى أصبح زاهياً جداً ، فأطلق ضحكة قلقة ، و مد يده للمائدة لكي يمسك بكوب الماء و يلقيه على النيران ، لكن يده أوقعت المخلب . مسح يده في معطفه و ذهب للنوم .

        التعديل الأخير تم بواسطة محمدعامر; الساعة 2013-12-08, 04:12 PM.

        تعليق


        • #5

          (2)

          و بينما تدفقت أشعة شمس الشتاء اللامعة حول مائدة الإفطار ، سخر (هربرت) من مخاوفه . كان المخلب المتسخ ملقى على الخزانة بإهمال دلل على عدم إيمان بأهميته .
          -" أعتقد أن كل هؤلاء الجنود المسنون متشابهون " قالت السيدة (وايت) " إن فكرة استماعنا إلى هذا الهراء مرعبة ! كيف يمكن للأماني أن تتحقق هذه الأيام ، و لو تحققت ، فما الضرر القادم من مائتي جنيه ؟ "
          - " ربما تسقط على رأسه من السماء فتؤذيه " قال الابن مستظرفاً
          - " موريس قال أن الأشياء تحدث بشكل طبيعي " قال الأب " حتى أنك قد تعزوها للصدفة "
          - " حسناً ، لا تستخدما المال حتى أعود " قال الابن بينما ينهض من على المائدة " أخشى أن تحولك النقود إلى رجل طامع بخيل ، و قد نتبرأ منك "
          ضحكت والدته ولاحقته إلى الباب مراقبةً إياه على الطريق ، ثم عادت للمائدة . كانت سعيدة لخيبة آمال زوجها ، و لم تنس أن تشير إلى خرافات الجنود القدامى المتقاعدين المخمورين عندما تلقت فاتورة الخياط .
          - " سيكون له المزيد من النكات حول هذا عندما يعود " قالت بينما تعد العشاء .
          - " أعتقد هذا " قال الرجل و هو يصب لنفسه بعض البيرة " و لكن برغم كل شيء ، فقد تحرك الشيء في يدي ، أقسم على هذا "
          - " لقد توهمت هذا فقط " قالت المرأة مهدأةً إياه
          - " أقول لكِ أنه تحرك " كرر الرجل " ليس من وهمٍ بالأمر ، لقد .. ماذا حدث ؟ "
          لم تقدم زوجته رداً إذ كانت مشغولة بمراقبة رجل غريب بالخارج يحدق بالمنزل بشكل متردد ، و بدا أنه يفكر في الدخول إليه . فكرت بمائتي جنيه ، لكنها لاحظت أن الرجل لم يكن مهندم الشكل و يرتدي قبعة حريرية ذات لمعة حديثة .
          توقف ثلاث مرات أمام البوابة متردداً في الدخول ، ثم تقدم للمرة الرابعة ، و وضع كفه على البوابة ، و فجأة فتحها و خطى للداخل عبر الممر . مدت المرأة يدها خلف ظهرها و فكت حبال مريلة المطبخ ، ثم وضعتها تحت وسادة المقعد . ثم أسرعت تفتح الباب للغريب الذي بدا محرجاً ، و جلبته للحجرة معتذرة عن عدم ترتيبها ، ثم انتظرت أن يطرح ما يريده ، لكنه كان صامتاً .
          - " طلب مني المجيء " قال أخيراً ثم توقف متردداً ، و استكمل " أنا مندوب شركة (ماو و ميجينز) "
          بادرته المرأة بهلع " هل حدث شيء ؟ " قالت و أنفاسها تتلاحق " هل حدث شيء لهربرت ؟ ماذا حدث ؟ "
          قاطعها زوجها " صبراً يا عزيزتي " قال بتعجل " اجلس من فضلك ، و لا تقفز إلى نهايات ، أنت لم تحضر أخباراً سيئة ، أنا متأكد يا سيدي " و تطلع إليه بلهفة .
          - " أنا آسف " قال الزائر ..
          - " هل تأذى " قالت الأم .
          حنى الزائر رأسه في أسف ، و هزها في موافقة " إصابة بالغة " قال بصوت خافت " لكنه لا يشعر بالألم الآن "
          - " الحمد لله " قالت الزوجة متنفسة الصعداء " شكراً لله ، شكراً .. "
          ثم توقفت فجأة إذ فهمت المعنى المقبض ، و رأت تأكيد مخاوفها الفظيعة في تجنب الغريب لنظراتها . التقطت أنفاسها المتسارعة ، و التفتت لزوجها بطيء الفهم واضعة يدها المرتعشة على يده .
          - " لقد أطبقت عليه الآلة " قال الزائر بعد فترة بصوت خفيض .
          - " أطبقت عليه الآلة " كرر الأب في ذهول ، ثم التفت إلى النافذة يحدق فيما خارجها بذهول تاركاً يده تضغط يد زوجته كما كان يفعل منذ أربعين عاماً .
          - " كان الشيء الوحيد الذي تبقى لنا " قال ملتفتاً نحو الزائر
          سعل الزائر ، ثم نهض و تقدم نحو النافذة ببطء " ترغب الشركة في أن أنقل تعاطفهم الصّادق معكم في مصابكم " قال بدون أن يلتفت " أرجو أن تتفهما أنني مجرد خادمهم و علي فقط إطاعة الأوامر "
          لم تكن من إجابة ، كان وجهه المرأة شاحباً و كانت تحدق به بينما تحاول التقاط أنفاسها ، و على وجه الزوج كانت نظرة مثل نظرة صديقه الجندي بالأمس .
          - " أريد أن أقول أن (ماو و ميجينز) يتنصلان من أي مسئولية " استمر الغريب " ليسوا مسئولين على الإطلاق عما حدث ، لكن نظير خدمات ابنكم يرغبون بتعويضكم بمبلغ معين من المال "
          ترك الأب يد زوجته ، و هب واقفاً محدقاً برعب في وجه الزائر ، و بصعوبة خرجت الكلمات من شفتيه الجافتين " كم ؟ "
          - " مائتي جنيه " كانت الإجابة
          أطلقت الزوجة صرخة بينما رفع الرجل يده بضعف ثم سقط فاقداً الوعي .


          (3)

          في المقبرة الضخمة الجديدة على بعد ميلين ، دفنت العائلة المكلومة فقيدها ، و عادا إلى بيت يلفه الصمت و الظلال . تم كل شيء بسرعة بالغة حتى أنهما لم يستطيعا استيعاب ما حدث ، و ظلا في انتظار أن يحدث شيء جديد .. شيء يخفف الحمل القاسي على القلبين العجوزين .
          لكن الأيام مرت ، و حل اليأس محل التوقع ، اليأس الذي يطلق عليه أحياناً بطريق الخطأ : الفتور . أحياناً كانا يتبادلان الكلمات بصعوبة ، و الآن لم يعد لديهما ما يتحدثان عنه .. كانت أيامهم طويلة لحد الإرهاق .
          بعد أسبوع تقريباً استيقظ الرجل فجأة في منتصف الليل ، و مد يده متحسساً ليجد نفسه وحيداً في السرير . كان صوت البكاء الخافت قادم من جانب النافذة ، فرفع نفسه في السرير و استمع ..
          - " أغلقي النافذة " قال بلطف " ستصابين بالبرد "
          - " البرد أشد عليه " قالت المرأة ، و بكت من جديد .
          تلاشى صوت بكائها من أذنه مرة أخرى . كان السرير دافئاً و عينيه مثقلة بالنعاس ، فنام بشكلٍ متقطع حتى استيقظ على صرخة متوحشة من زوجته .
          - المخلب ! " صرخت " مخلب القرد ! " .
          - " أين ؟ أين هو ؟ " قال بقلق .
          تقدمت نحوه بخطوات مرتعشة " أريده " قالت بخفوت " أنت لم تدمره ، أليس كذلك ؟ "
          - " إنه في نفس المكان الذي تركناه فيه " قال بتعجب " لم ؟ "
          ضحكت و بكت في نفس الوقت ، و مالت نحوه لتقبله ، ثم بدأت تتحدث بهستيريا ..
          - " لم أفكر به سوى الآن .. لِمَ لَم أفكر به من قبل ؟ لماذا لم تفكر به أنت ؟ "
          - " أفكر في ماذا ؟ " تساءل
          - " الأمنيتان الباقيتان " ردت بسرعة " لقد تمنينا مرة واحدة فقط "
          - " ألم يكن هذا كافياً ؟ " قال بوحشية
          - " لا " صرخت " سنتمنى مرة أخرى . اذهب و أحضره بسرعة ، و تمن أن يعود ابني حياً "
          اعتدل الرجل في الفراش ، و قذف الغطاء من على أطرافه المرتجفة " يا إلهي ، لقد جننت " قال مذهولاً .
          - " أحضره " قالت لاهثة " أحضره بسرعة و تمن .. آه ، ولدي .. ولدي ! "
          أشعل الرجل ثقاباً ، و أضاء به شمعة " عودي للفراش " قال في غير ثبات " أنت لا تعرفين ما تقولين "
          - " لقد تحققت أمنيتنا الأولى " قالت المرأة كالمحمومة " لم لا تتحقق الثانية ؟"
          - " مصادفة " رد بارتباك
          - " اذهب و أحضره و تمنى أن يعود هربرت " صرخت المرأة و هي ترتعش من البكاء .
          استدار الرجل و نظر إليها ، و قال بصوت مرتعش " لقد مات منذ عشرة أيام ، بالإضافة لأنه .. لم أرد إخبارك ، لكن .. لقد تعرفت عليه من ملابسه . إذا كنت لم تقدري على رؤيته بهذا الشكل ، فكيف الآن ؟ "
          - " أعده " صرخت المرأة و جرته نحو الباب " هل تظن أنني سأخاف من الطفل الذي مرّضته ؟"
          هبط في الظلام ، و تحسس طريقه لغرفة الضيوف ، و من ثم إلى الرف . كان المخلب في مكانه ، و خالجه خوف من الأمنية غير المنطوقة التي ستعيد ابنه المشوه قبل أن يترك الحجرة ، و التقط أنفاسه عندما شعر أنه فقد الإحساس باتجاه الباب . غمر العرق جبينه بينما يتحسس طريقه عبر المائدة ، و يتلمس الحائط حتى وجد نفسه في الممر الصغير باللعنة الصغيرة في يده .
          حتى وجه زوجته بدا متغيراً بينما يخطو إلى الحجرة . كان وجهها شاحباً و متطلعاً ، و بدا له أن هناك شيء غير طبيعي بشأنها . كان خائفاً منها .
          - " تمن " صرخت بقوة .
          - " هذه حماقة .. ليس هذا صحيحاً " قال متداعياً ..
          - " تمن " كررت الزوجة .
          - " أتمنى أن يعود ابني حياً " قالها رافعاً يده بالشيء .
          سقط المخلب على الأرض ، و رمقه الرجل بنظرة مرتعبة . ثم تداعى مرتجفاً على مقعده بينما مشت المرأة و عيناها تلمعان إلى النافذة لترفع الشيش . جلس حتى شعر بالبرد يحيط به ، محدقاً بين الحين و الآخر نحو شكل الزوجة المتطلعة من النافذة . انتهت الشمعة التي احترقت حتى نهايتها ملقية ظلالها النابضة الأخيرة على الجدران ، ثم التمعت لمعة أخيرة قوية ، و انطفأت بعدها تماماً . شعر الرجل براحة خفية لفشل التعويذة ، و دلف للفراش ، و بعد دقيقة أو اثنان انسلت زوجته بجانبه بفتور صامت .
          غرقا في صوت الساعة الرتيب ، و لم ينطق أحدهما بحرف . ثم أحدثت درجات السلم صريراً ، و انسل فأر مزعج عبر السور . كان الظلام عميقاً ، و بعد الاستلقاء لمدة ، استجمع الزوج شجاعته ، و أخرج عود ثقاب من العلبة و أشعله ، ثم هبط السلم لإحضار شمعة .
          في نهاية السلم انتهى الثقاب ، فتوقف ليشعل آخر ، و في نفس اللحظة تناهى لسمعه صوت طرقة خافتة لا تكاد تسمع على الباب الرئيسي .
          سقطت العلبة من يده ، و تجمد في مكانه صامتاً حتى دوت الطرقة من جديد . هرع صاعداً السلم حتى وصل حجرته ، فأغلق الباب خلفه ، ثم دوت طرقة ثالثة عبر البيت .
          - " ما هذا " صاحت الزوجة و انتصبت واقفة .
          - " فأر " قال الرجل في صوت مرتعش " فأر مر أمامي على درجات السلم "
          جلست الزوجة في فراشها منصتة ، و دوت طرقة عالية عبر جدران البيت .
          - " إنه ابني " صرخت " إنه ( هربرت ) "
          ركضت نحو الباب ، لكن زوجها لحق بها و أمسكها بذراعيه مطوقاً إياها بإحكام .
          - " ماذا ستفعلين أيتها الحمقاء " همس في أذنها .
          - " إنه ولدي .. إنه ( هربرت ) " صاحت مقاومة إياه " نسيت أنه على بعد ميلين .. لماذا تعوقني ؟ دعني .. يجب أن أفتح الباب "
          - " بحق السماء لا تدخليه " صاح الرجل بصوتٍ مرتعش
          - "أتخشى ابنك ؟ " صاحت مجاهدة للتحرر منه " دعني .. أنا قادمة يا ( هربرت ) .. أنا قادمة "
          دوت طرقة أخرى ، و أخرى . تحررت المرأة أخيراً بالتواءة مفاجئة ، و هرعت عبر الحجرة . لاحقها الزوج حتى الباب منادياً عليها بينما تهرع عبر السلم . سمع جلجلة السلسلة ، و المزلاج السفلي يسحب ببطء نحو النهاية . ثم دوى صوتها متوتراً و لاهثاً .
          - " المزلاج " صاحت بصوتٍ عال " تعال ، لا أستطيع الوصول إليه "
          لكن زوجها كان منحنياً على يديه و ركبتيه يبحث بوحشية عن المخلب . فقط لو يجده قبل أن يدخل الشيء بالخارج إلى البيت . تردد وابل من الطرقات في أرجاء البيت ، و سمع صوت مقعد يجر بينما زوجته تضع المقعد أمام الباب . سمع صوت المزلاج يقترب من نهايته ، و في نفس اللحظة وجد المخلب ، و بهستيرية همس بأمنيته الثالثة و الأخيرة .
          توقف الطرق فجأة و إن ترددت أصداؤه عبر أرجاء البيت ، و سمع صوت المقعد يجر للخلف و الباب يفتح . نسمة باردة فرت عبر الباب أعلى السلم ، و دوت صرخة بائسة عالية و طويلة من زوجته أعطته الشجاعة ليلحق بها حتى البوابة ، حيث مصباح الشارع المتذبذب يسطع بهدوء على طريق هادئ و مهجور !

          تعليق


          • #6
            برام ستوكر
            مبدع شخصية دراكولا



            لاشك أن أبراهام ستوكر (1847 – 1912) يحظى بمكانة ممتازة وسط رعايا عالم الرعب و الغموض لا تقل عن المكانة التي حظي بها إأدغار آلان بو فيما قبل ، أو ستيفن كنج فيما بعد .. فمن هو هذا المبدع العظيم الذي نال شهرة مستحقة وخلق من بين سحب الزمن شخصية أدبية قل أن يجود الزمان بمثلها !


            ولد " أبراهام" أو" برام " ستوكر في 8 نوفمبر 1847 في مدينة دبلن عاصمة أيرلندا وقد ولد بمرض غير معروف منعه من الاعتماد على نفسه في المشي أو الكلام حتى سن السابعة ، كما أثر أيضاً على
            مقدرته على الكلام .. و لكن يبدو أن " أبراهام " كان عنيداً مصراً على التحدي لذلك فلم يكتفي بتجاوز مرضه فقط .. بل تحول بإصراره إلى رياضي و بطل من أبطال كرة القدم في كلية ( ترينتي ) !


            ولم يكتفي " أبراهام " الشاب بالتفوق الرياضي بل أضاف إليه التفوق العلمي في الرياضيات و العلوم
            والتاريخ واللغة وتخرج من الكلية حائزاً على مرتبة الشرف وعمل موظف مدني في قلعة ( دبلن ) لمدة ثماني سنوات ويظهر أن هذا العمل الروتيني الممل هو أكثر أمر يكرهه من أوتي موهبة أدبية ؛ حيث كانت محاولة من " أبراهام " لإرضاء والده ليس إلا.

            و لكن هذه الفترة شهدت بدايات نشر القصص الأولى ومنها قصة « كأس الكريستال » التي نشرت عام 1872، و« سلسلة القدر » عام 1875، و« لعنة الروح » عام 1880.. كذلك عكف الأديب الناشئ على النقد لصالح إحدى المجلات الأدبية بدون أجر.. و قد كان من الأشياء المؤثرة في حياة " برام ستوكر " صداقته القوية بالممثل البريطاني الشهير سير " هنري أيرفينغ " .. الذي عمل مديرا لأعماله، كذلك فقد صار مديراً لمسرح ليسيوم الخاص بالسير " إيرفنج " ، واستمر في وظيفته مدة سبعة وعشرين عاماً حتى وفاة صديقه في عام 1906.


            و
            قد كان من حسن حظ " ستوكر " تعرفه على عدد من أشهر الأدباء في هذه الفترة من خلال اختلاطه بالأوساط الفنية .. ومن هؤلاء الذين أسعد " ستوكر " الحظ بتعرفه إليهم " آرثر كونان دويل" و " ألفريد لورد تينيسون " والساخر الكبير " مارك توين " و " أوسكار وايلد " .. و كان الأخير هو المنافس لأديبنا العظيم علي حب الفتاة الجميلة "فلورنس بالكومب" التي فضلت " ستوكر " وتزوجا في عام 1878.


            كان " برام ستوكر " شعلة من النشاط ، واعتاد القيام بعدة أنشطة مختلفة فلم يكتفي بعمله كمدير للمسرح بل أعتاد أن يقدم المحاضرات ، ويسافر في رحلات متعددة مع فرقة المسرح إلى الولايات المتحدة وكتب الكثير من المقالات والمواضيع عن صديقه أيرفينغ وأعمال الفرقة المسرحية.

            و لكن كل ذلك لم يثني " ستوكر " عن اقتحام مجال الكتابة الأدبية الإحترافية بما تتطلبه من مشقة و تركيز
            جاءت روايته الأولى رومانسية الطابع وهي بعنوان « درب الثعبان » ونشرت في عام 1890، ثم لم يكد ينتهي منها حتى شرع في تحفته الخالدة ( دراكولا ) التي يبدو أنها استغرقت منه وقتاً وجهداً كبيراً ؛ حيث لم ينتهي منها إلا في عام 1897 .. و قد اكتسحت ( دراكولا ) كل الأسواق وحققت أعلى المبيعات في
            زمنها .. و أجرؤ على الزعم بأنها ما تزال من أكثر الأعمال الأدبية قراءة في كل أنحاء العالم.


            و
            يبدو أن " ستوكر " كان رقيق المشاعر فقد أثرت عليه وفاة صديقه سير " إيرفينج " تأثيراً شديداً وصل إلى حد إصابة "ستوكر " بنوبة قلبية.

            وخلال مرحلة نقاهته من المرض عمل على كتابة السيرة الذاتية لحياة هذا الممثل من خلال الصداقة التي ربطتهما، وتم نشر الكتاب في 1906.

            ويذكر أنه قام بنشر روايتيه « لغز البحر » و « الرجل » في عامي 1902 و 1905 على الترتيب أي قبل إصابته بالمرض .

            ولكن تميز " ستوكر " و شهرته الحقيقية حققها من خلال روايات الرعب التي لم تكن ( دراكولا ) آخرها .. فمن أعماله العظيمة في هذا المجال رواية « جوهرة السبع نجوم » التي نُشرت عام
            1903 وتدور أحداثها في مصر، ورواية «سيدة الخمار» ونُشرت عام 1909، و« مخبأ
            الدودة البيضاء » ونُشرت عام 1911 و هناك أيضاً عملين له لم يحظيا بالانتشار اللازم و هما ( دفن الجرذان ) و ( منزل القاضي ) .

            توفي " برام ستوكر " في 20 ابريل عام 1912 ، ويبدو أن الأديب الكبير قد عاني حالة مرضية بالغة في أواخر عمره ، وأذيع في السنوات الأخيرة أنه توفي بالشلل العام المرتبط بالجنون ، و قيل أن هذه الحالة من مضاعفات مرض ( السفلس ) .. و إن كان هذا التفسير ليس مؤكداً بعد !



            مولد شخصية ( دراكولا ) ؟
            يحلو لبعض ضعاف الخيال أن يتصورا أن رواية ( دراكولا ) ليست إلا اجترار لأحدث و ذكريات مرتبطة بشخصية الأمير الروماني فلاد دراكول الذي كان أميراً على ترانسلفانيا الرومانية إبان الفتح العثماني لشرق
            أوروبا و الذي أشتهر بالقسوة والتوحش والذي يقال أنه أعدم مائة ألف إنسان على الخازوق قبل أن يلقي حتفه على يد العثمانيين البواسل في ديسمبر 1476

            الحقيقة أن هذه الرؤية قاصرة جداً.. فالرواية كما خطتها يد " ستوكر " البارعة لا علاقة لها بفترة حياة
            الأمير " دراكولا " على الأرض بل بالفترة التي تلي موت " دراكولا " و تحوله إلى مصاص دماء ..

            و لكن هل أسطورة مصاص الدماء سابقة على فترة وجود " دراكولا " الحقيقي أم مرتبطة بها أم أن " ستوكر " هو الذي أبتدع هذه الأسطورة العجيبة ؟!

            مرض بورفيريا

            الحقيقة أن قصة أو أسطورة مصاص الدماء هي نتاج الثقافة الشعبية في شرق أوروبا .. و كان سبب نشوء هذه الأسطورة الجامحة هو انتشار لمرض حقيقي يسمي (بورفيريا ) وهو مرض عضوي قابل للتوارث نادر الحدوث ناجم عن اختلال تنظيم الحديد في الجسم ، و قد عرف باسم ( الداء الملكي ) لأنه أصاب الملكة " ماري" ملكة اسكتلندا و كذلك الملك " جيمس " الأول ، و الملك " جورج" الثالث و أعراض هذا المرض هي :
            المغص و البول الأسود ونادراً ما تستطيل الأظفار وتبرز الأنياب و يتجعد الجلد ، تصير الحواجب كثيفة و الشفاه مشققة و العينان حمراوان و يتجنب المريض الشمس لأنه لا يتحملها.
            و هذا المرض من الأمراض التي يعجز فيها الجسم عن الاستفادة من أحد العناصر الغذائية اللازمة له ، وفي مرض البورفيريا يعجز الجسم عن تمثيل عنصر الحديد و الاستفادة منه مما يؤثر على وظائف الجسم عامة وعلى ملامح المريض خاصة ، فيشحب لون المريض و تتحدب أذناه ومع تطور المرض تصبح الشمس الحادة من العوامل السلبية بالنسبة لمريض بورفيريا الذي يحاول تجنبها قدر الإمكان .. و هكذا فمن الطبيعة دخلنا إلى ما وراء الطبيعة ، ومن حالة مرضية إلى أسطورة مرعبة ! ، طبعاً في عصر خلا من الأطباء المهرة أو العلماء المنهجيين كان لابد أن تتطور الأمور بهذا المنحي الأسطوري
            ( وسبق اكتابة موضوع عن سبب نشوء أسطورة المذؤب ) .

            كيف عرف ستوكر بهذه الأسطورة ؟


            طبعاً انتشرت هذه الأسطورة في جميع أنحاء أوروبا و عبرت الأطلنطي إلى الولايات المتحدة مع المهاجرين إلى العالم الجديد كما يشهد على ذلك حكاية "ميرسي بروان " .

            و قد تعرف ستوكر على هذه الأقاصيص من خلال صداقته لأستاذ من جامعة ( بودابست ) المجرية وقد حكي
            الأستاذ المجري لصديقه ستوكر عن أساطير مصاصي الدماء في ترانسلفانيا ويبدو أن هذه الأسطورة لقيت اهتمام كبير من ستوكر ، وعليه فقد توجه " ستوكر" إلى أهم المكتبات في لندن ودرس جميع المواضيع والأبحاث التاريخية عن مصاصي الدماء في ترانسلفانيا، وكذلك في مختلف أنحاء أوروبا.. كذلك درس طائر
            الخفاش مصاص الدماء الذي يعيش في أمريكا الجنوبية .. و إذا أردنا أن نحصر (مصادر ) رواية ( دراكولا ) أو لنقل عناصر الخلطة السحرية التي أستخدمها " ستوكر " لخلق هذه الشخصية الأسطورية الخالدة لوجدناها كالتالي :


            1- شخصية الأمير " فلاد دراكول " أو " فلاد " الثالث الملقب بالمخوزق حاكم ترانسلفانيا.

            2-شخصية الكونتيسة " إليزابيث باثوري " ملكة مصاصات الدماء التي عرفت بـ ( كونتيسة الدم ) و التي قتلت 50 فتاة قروية و استنزفت دماءهن و شربتها لتعطيها الخلود وتمنحها الجمال الدائم الذي لا يشيخ و قد لقيت حتفها حبيسة بين أربعة جدران عام 1614

            3-الأعراض المرضية لمرض حقيقي نادر هو مرض ( بورفيريا )

            4- الأساطير الشعبية المنتشرة في تراث شرق أوروبا ( خاصة في رومانيا و المجر ) عن مصاصي الدماء.

            تدور أحداث الرواية في أواخر القرن التاسع عشر على شكل مذكرات يرويها " جوناثان هاركر" المحامي الشاب وبطل الرواية الذي يكلف بمهمة الذهاب إلى ترانسلفانيا للقاء الكونت " دراكولا "المقيم في قلعته في منطقة نائية لإنجاز الأوراق الرسمية الخاصة بملكيته الجديدة في بريطانيا.

            و بعد وصوله إلى القلعة وقضائه بضعة أيام برفقة الكونت، يبدأ " هاركر " بالتنبه إلى بعض الوقائع الغريبة
            في القلعة، ومنها عدم وجود أية مرآة وكذلك عدم تناول الكونت للطعام أو الشراب، بالإضافة إلى غيابه الدائم خلال النهار وعدم نومه في غرفته وغير ذلك من دلائل تجعل القارئ يتابع الأحداث برفقة البطل الذي يتوحد معه.وتنتقل الأحداث بعد ذلك إلى بريطانيا، وبالتحديد إلى مقاطعة وايتبي حيث تصل إليها خطيبة هاركر وتدعى مينا للقاء صديقة عمرها لوسي، وحينما تصل سفينة غريبة مرفأ المقاطعة في ليلة عاصفة يستحيل فيها تمكن أية سفينة دخول المرفأ بسلام، تفقد المنطقة أمنها وسلامتها.

            ويجمع الأصدقاء وهم بالإضافة إلى "مينا " و " هاركر" الدكتور "جون سيوارد " وهو مدير لمصحة للأمراض العقلية و" آرثر هولموود " خطيب " لوسي " وكوينسي موريس " الثري الأميركي ،
            والدكتور" أبراهام فان هيلسينغ " المحامي والضليع بالتاريخ والفولكلور والأساطير، هدف الانتقام من الكونت دراكولا الذي حول صديقتهم" لوسي " إلى مصاصة للدماء أسوة بالكثير من سكان المنطقة.وبعد العديد من المغامرات والمطاردات التي تثير الرعب في القارئ، ينجح الأصدقاء أخيرا في اللحاق بسفينة الكونت الهارب إلى ترانسلفانيا، والتمكن بعد معركة مع الغجر الذين يقلون تابوته من قتله بغرز وتد في قلبه وفصل رأسه عن جسده وحشوه بالثوم حيث يتحول حينها الجسد إلى رماد.

            و هناك من يري أن الرواية ترمز للصراع الطبقي المحتدم في عصر " ستوكر " حيث كانت الطبقة الأرستقراطية ( تمتص دماء الآخرين و تعيش على موتهم ) بينما تمثل مجموعة الأصدقاء الهادفة
            لتخليص العالم من شر " دراكولا " الطبقة الوسطي بمثاليتها و نبلها و سعيها لإقامة العدالة الاجتماعية .


            قبر الكونت فلاد دراكولا


            أهم أعمال " برام ستوكر "
            1- دراكولا 1897
            2- لغز البحر 1902
            3- جوهرة النجوم السبعة 1903
            4- الرجل 1905
            (5) سيدة الخمار 1909
            (6) مخبأ الدودة البيضاء 1911

            تعليق


            • #7
              أستاذ الرعب
              ريتشارد ماثيسون



              اليوم نتحدث عن أستاذ جديد من أساتذة الرعب المرموقين , بل و يمكننا أن نصفه بأنه أستاذ العديد من كتاب الرعب المعاصرين باعترافهم هم , على رأسهم ( دين كونتز ) الذي وصفه ( إنه لشرف أن يكون ماثيسون بيننا .. كلنا تعلمنا منه ) و ( ستيفن كينج ) الذي قال عنه : ( لقد اتجهت إلى كتابة الرعب من فرط تأثري به ) .. كما أن ( راي برادبوري ) كاتب الرائعة ( 451 فهرنهايت ) وصفه قائلاً : ( إنه واحد من أهم كتاب القرن العشرين على الإطلاق ) .
              إذن فالموضوع مهم , و يبقى قبل أن نبدأ أن نطرق بعد الأجراس في ذهنك .. هل سمعت عن المنزل المسكون ؟ .. منطقة الشفق ؟ .. كابوس على ارتفاع 20 ألف قدم ؟ .. الرجل الأخير على الأرض ؟؟
              حسن .. اليوم سنقترب من هذا كله , وسنعرف كل شيء ممكن معرفته عن هذا الرجل , و لنبدأ كالعادة بتاريخه ..

              ولد ريتشارد ماثيسون يوم 20 فبراير من عام 1926 في ولاية نيويورك , حيث تلقى تعليمه ليتخرج بعد سنوات كصحفي نشط , و ليقاتل في الحربالعالمية الثانية , التي عاد منها و قد قرر أن يتفرغ للكتابة هوايته التي بدأها منذ عمر الثامنة , و التي لم تنتقل إلى مرحلة الإحتراف حتى عام 1950 , ففي ذلك العام نشر أولى قصصه القصيرة ( مولود من رجل و سيدة Born of Man & Woman ) , و التي كانت تحكي عن طفل يتعرض لمعاملة قاسية من والديه حولته إلى وحش آدمي , محبوس في قبو المنزل , تلك القصة التي وجهت أنظار النقاد إليه كواحد من الكتاب الجدد ذوي الموهبة الطاغية .
              و هكذا بدأت رحلة ( ماثيسون ) في عالم الأدب فكتب العديد من القصص القصيرة التي كان ينشرها في مجلة (The Magazine of Fantasy and Science Fiction ) , قبل أن يكتب رواية ( I Am Legend ) عام 1954 و التي تحكي عن طبيب اخترع مصل واق جربه على نفسه , ليصبح هو الناجي الوحيد , من الحرب الفيروسية التي قضت على جميع البشر في كوكب الأرض , و ليجد هذا الطبيب نفسه الوحيد في عالم من الموتى الأحياء و مصاصي الدماء .. عن هذه الرواية يقول ( ماثيسون ) : ( كنت قد شاهدت فيلم دراكيولا و أنا صغير .. تلك النسخة التي قدمها ( بيلا لوجوسي ) و التي أثارت خوفي في ذلك الوقت و جعلتني أتساءل .. إذا كان مصاص دماء واحد يثير كل هذا الفزع .. ماذا لو أصبح هناك عالم كامل من مصاصي الدماء ؟؟ )

              هذه الرواية حققت نجاحًا ساحقًا , و قفزت باسم ( ماثيسون ) إلى قوائم أعلى المبيعات لفترة طويلة , حتى أعقبها برواية ( The Shrinking Man ) عام 1956 ثم رواية ( آثار الصدى Stirs Of Echo ) عام 1958 , ليصنف ( ريتشارد ماثيسون ) كواحد من أهم كتاب الرعب في عصره , و لتبدأ مشكلة ( ماثيسون ) الشخصية مع التصنيف ..
              فـ( ريتشترد ) كان من ألد أعداء تصنيف الأدب و الأدباء , و طيلة عمره و هو يردد ( يجب على الكاتب أن يحطم كل قولب التصنيف ) , فلا وجود لرواية رعب أو كاتب , بل توجد رواية جيدة أو لا .. و ليثبت للنقاد أنه لا يخضع لأي تصنيف , كتب ( ماثيسون ) رواية ( Beardless Warriors ) عام 1960 و التي تتحدث عن الحرب العالمية الثانية , تلك الحرب التي رأى فيها أهولاً حفرت نفسها في ذاكرته , لتخرج في صفحات هذه الرواية ..

              و هنا نزع النقاد قبعاتهم احترامًا للرجل , الذي قد لهم أدبًا خالصًا لا يخضع لأي تصنيف , ليواصل ( ماثيسون) كتابته للعديد من الروايات نذكر منها هنا (The Night Stalker ) و ( What Dream May Come True ) و ( Hell House ) التي تعد أقسى رواية قصر مسكون كتبت على الإطلاق .. على أي حال لا يمكننا هنا حصر جميع الروايات التي كتبها هذا العملاق , و لا الكم الهائل من القصص القصيرة التي نشرت في مجموعات , لكننا سننتقل إلى المرحلة الثانية التي بدت حتمية مع ( ريتشارد ماثيسون ) .. السينما ..

              بدأت رحلة ( ماثيسون ) مع عالم السينما عام 1957 حين كتب سيناريو (The Incredible Shrinking Man ) المأخوذ من روايته , ليخرجه له (جاك أرنولد ) , و هذا لم يكن ليحدث لولا إصرار ( ماثيسون ) على هذا شرط أن يكون هو كاتب السيناريو حين باع حقوق الرواية إلى شركة ( Universal ) , فلقد كان مغرمًا منذ صغره بالسينما , و حين عرضت عليه الشركة شراء روايته , قرر أن تكون هذه هي بوابته إلى عالم السينما .

              الفيلم حقق نجاحًا ملحوظًا في ذلك الوقت , رغم ضعف المؤثرات البصرية , إلا أنه كان الأول من نوعه , لكن ( ماثيسون ) قضى بعدها فترة لا يكتب إلا بعض الحلقات التفلزيونية , قبل أن يعود للسينما بقوة بسيناريو ( منزل آشر ) المأخوذ من قصة العبقري ( إدجار آلان بو ) و المسماة ( سقوط منزل آشر ) , و أخرج الفيلم هذه المرة ( روجر كارمن ) , و كان النجاح ساحقًا مما دفع بـ ( ماثيسون ) إلى تحويل قصص أخرى لـ( إدجار آلان بو ) إلى سيناريوهات مثل (PIT AND THE PENDULUM ) سنة 1961 و (TALES OF TERROR ) سنة 1962 و (THE RAVEN ) سنة 1963 .

              و في ذات السنة 1963 كاد ( ماثيسون ) أن يحصل على فرصة عمله مع مخرجه المفضل ( ألفريد هيتشكوك ) , الذي أوكل إليه مهمة كتابة سيناريو ( The Birds ) , و كاد الأمر يتم لولا أن اختلف ( ماثيسون ) معه حول بعض التفاصيل و منها كثرة الطيور في الفيلم , و أن لقطات خوف البشر من الطيور و هم يحتمون في منازلهم هي الأهم , و بالطبع لم يرق هذا لهيتشيكوك , و ضاعت الفرصة من ( ماثيسون ) لكن حين عرض الفيلم ثبت أنه على حق ..

              و أخيرًا جاء عام 1964 ليحول روايته ( I An Legend ) إلى فيلم رعب إيطالي متوسط المستوى , لم يحظ على رضى ( ماثيسون ) على الإطلاق , لكنه كان الفيلم الذي أوحى للمخرج ( جورج روميرو ) بفيلم (Night of the Living Dead ) الذي يعد اقتباس تام لرواية ( ماثيسون ) كما قال هو بنفسه ..
              و في عام 1976 حول روايته ( The Beardless Warriors ) إلى فيلم بعنوان ( Young Warriors ) الذي لم يحظ هو الآخر بالنجاح المتوقع , و للمرة الثانية كتب سيناريو مأخوذ من روايته (I An Legend ) , ليحوله المخرج ( بوريس ساجال ) إلى فيلم بعنوان ( Omega Man ) عام 1971 من بطولة النجم ( تشارلتون هيوستن ) , و ليحقق به نجاحًا لا بأس به لكن هذا العام لم يمر هباءً ففيه تحولت قصته القصيرة ( مبارزة Duel ) إلى فيلم تلفزيوني هائل النجاح , على يد المخرج الشاب حينها ( ستيفن سبيلبرج ) كأول فيلم طويل يعمل على إخراجه .. القصة كانت تحكي عن تحدي بين سائق مهذب , و سائق شاحنة يطارده على الطريق السريع , ليتحول الأمر بينهما إلى مبارزة حتى الموت , هي مأخوذة من واقعة حقيقية تعرض لها ( ماثيسون ) حين كان يقود سيارته ذات مرة ليبدأ سائق شاحنة مخمور في مطاردته فجأة ! .. القصة حولها ( سبيلبرج ) إلى تحفة فنية , لتصبح هي بدايته في عالم السينما , و تنبأ له حينها ( ماثيسون ) بنجاح باهر كمخرج .. و قد كان ..

              و يستمر النجاح السينمائي إذ حوّل روايته ( Hell House ) إلى سيناريو أخرجه له ( جون هوج ) عام 1973 , ليحقق نجاحًا ساحقًا , رشح به لجائزة أفضل فيلم رعب لهذا العام ..
              لاحظ أنني أذكر لك أهم أفلامه , أما حصرها هي و الكم الهائل من الحلقات التلفزيونية التي كتبها قد يستغرق أيامًا طويلة , فلقد كان ( ماثيسون ) نشطًا أكثر من اللازم , و هو الدرس الذي تعلمه منه ( ستيفن كينج ) فيما بعد .. لا تتوقف عن الكتابة أبدًا ..
              و بعيدًا عن الرعب , قام المخرج ( فينسنت وارد ) بتحويل رواية (What Dreams May Come ) عام 1998 إلى فيلم يحمل ذات الإسم , و قام بدور البطولة فيه ( روبين ويليامز ) , و فيه نرى رحلة زوج عبر الجنة و النار بحثًا عن زوجته المنتحرة ..

              الفيلم حمل طابعًا رومانسيًا أكثر من الرواية , و حصل على أوسكار أفضل مؤثرات بصرية , لكن ( ماثيسون ) لام صناع الفيلم على عدم الإلتزام المطلق بروايته , إذ كان يرى أن على من يريد أن يحول قصصه إلى أفلام , أن يلتزم بها حرفيًا و في هذا لمسة غرور لا بأس بها !
              الذي التزم بالرواية حرفيًا كان المخرج ( ديفيد كوب ) الذي حول رواية ( Stirs Of Echo ) إلى فيلم يحمل ذات الإسم عام 1999 من بطولة النجم ( كيفين بيكون ) , و في نرى هوس زوج بالحفر أرضية منزله , بعد تعرضه لتجربة تنويم مغناطيسي عجيبة , ليكتشف جثة فتاة مدفونة في جدار قبو منزله .
              الفيلم حقق النجاح المنتظر منه , و ليؤكد على أن قصص ( ماثيسون ) صالحة لإثارة الفزع مهما طال بها الزمن .. و من المتوقع هذا العام أن نرى فيلمين مأخوذين من قصصه ( ريتشارد ماثيسون ) أحدهما إعادة لـ (The Incredible Shrinking Man ) و الآخر هو ( The Box ) المأخوذ من أحد قصصه القصيرة ..

              و لا يزال ( ماثيسون ) يعيش بيننا حتى لحظة كتابة هذه السطور , و إن كان قد توقف عن الكتابة ليتفرغ لدراسة الميتافيزيقيا و علوم ما وراء الطبيعة , بعد خمسين عامًا كتب خلالها 19 رواية و 25 كتابًا و ست مجموعات قصصية , و كم لا يحصى من سيناريوهات السينما و التلفزيون , و بعد أن حصل على العديد من الجوائز في مجال الأدب , و عشق و احترام القراء و الكتاب على حد سواء ..
              و نختتم حديثنا عنه بالنصيحة التي يقدمها ( ماثيسون ) للكتاب الجدد : ( لا تحاول أن تخضع لأي تصنيف .. بل حاول دائمًا أن تحطم بما تكتب كل القوالب المتعارف عليها و ليكن همك الوحيد هو أن تكتب رواية ممتعة ) .


              تعليق

              يعمل...
              X