إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الإيحاء ... بحث

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الإيحاء ... بحث


    الإيحاء ... بحث
    (1)
    برمجة العقول

    إن مفهوم غسيل المخ أو برمجة العقول , والذي يستخدم في نشر الثقافات والعقائد والمبادئ , وبالتالي دفع الناس لتبني أهداف ودوافع وغايات معينة , وذلك عن طريق الإيحاءات باستخدام كافة أشكال الإعلام , هو أيضاً شكل من أشكال الإيحاء والتنويم المغناطيسي .

    فعن طريق اللغة المتطورة المحكية يكتسب أو يتعلم الإنسان التصرفات والأفكار والقيم من أفراد الجماعة التي ولد ضمنها . فهو يكتسب من أمه لغتها وكافة التصرفات والأفكار والتقييمات الأساسية التي هي اكتسبتها من أمها , و يتابع اكتسابه من باقي أفراد أسرته وعشيرته , وبذلك يتم برمجة دماغه بالأفكار والثقافة الموجودة لدى جماعته , أي يبرمج عقله عن طريق ثقافة مجتمعه , ويتم اعتماد ما اكتسبه دماغه في غالبية تصرفاته .
    وبهذا تنتقل الأفكار والثقافة عبر الأجيال .

    ولكن كانت تحدث في كل فترة قفزة من تغيير في الأفكار المنقولة نتيجة ظهور أحد المفكرين ينتج عقله أفكار جديدة أو يعدل أو يطور بعض الأفكار الموجودة , ويملك في نفس الوقت القدرة كأن يكون رئيس الجماعة أو ذو شخصية قادرة على نشر أفكاره في عقول جماعته ، هذا الرجل أول من استعمل طريقة غسل الدماغ , وهو الذي نجح في أن يبدل أو يطور جزء من الثقافة التي تتوارثها جماعته .

    أما الآن فغسيل الأدمغة أصبح يعتمد على المنجزات التي تحققت في مجال علم الاجتماع وعلم النفس وعلم الدماغ وما تحقق في مجال التواصل والاتصالات إن كانت سمعية أو مقروءة أو مرئية , وتم الاستفادة مما تم التوصل إليه في مجال الإيحاء والتنويم المغناطيسي , ومن تأثير التكرار وتأثير ظاهرة الجمهرة .
    فصار غسيل الدماغ يحدث في كافة المجالات وعلى كافة المستويات إن كان على مستوى فرد أو مستوى مجموعة أو مستوى شعب كامل .

    وطرق غسل الدماغ تنجح بسهولة عندما تطبق على الشبان الصغار فالكبار غالباً يصعب غسل دماغهم , فغسل الدماغ لا يمكن أن يتم بسهولة لدى الكبار , فهو يحتاج إلى وقت , ويمكن تقليل هذا الوقت باستعمال الكثير من الأساليب التي ثبتت صلاحيتها , مثل استخدام الأحاسيس النفسية والجسمية والمشاعر والعواطف القوية إن كانت مؤلمة أو مفرحة ولذيذة , واستعمال الإقناع الفكري , والترغيب والترهيب ولفترة طويلة , بشكل تجبر أغلب الأشخاص على تغيير أفكارهم ومبادئهم وعقائدهم .

    ومعالجة الأمراض النفسية بالتحليل النفسي يمكن اعتباره نوع من غسيل الدماغ .
    ويمكن أن يتم غسل أدمغة الأفراد والجماعات دون أن يدروا أن ذلك جرى لهم , وهذا يتم عن طريق الإعلام بكافة أنواعه وأشكاله المسموعة والمقروءة والمرئية صحف ومجلات وكتب وإذاعات ومحطات تلفزيون ودور عبادة ... , وبواسطة أجهزة التعليم بكافة أشكالها .

    وهذه الوسائل أصبحت تملكها وتتحكم بها الدول والمؤسسات الكبيرة فهي الآن تقوم بغسل أدمغة غالبية الأفراد ووضع الأفكار والدوافع .... التي تريد فى عقول البشر.
    يقول هربرت . أ . شيللر :

    تكتيكان يشكلان الوعي ، تستخدم الأساطير بكافة أشكالها القديمة والحديثة من أجل السيطرة على الأفراد , وعندما يتم إدخالهم على نحو غير محسوس في الوعي الجماعي , وهو ما يحدث بالفعل من خلال أجهزة الثقافة والإعلام , فإن قوة تأثيرها تتضاعف من حيث أن الأفراد يظلون غير واعين بأنه قد تم تضليلهم .

    فالأفكار والعقائد والمبادئ التي يتبناها كل منا ( أي التي دخلت عقله ووضعت فيه ) أوحى له الآخرين بها , فصار ملزم بتنفيذ مضمونها حتى وإن تعارضت مع أقوى الدوافع البيولوجية مثل المحافظة على الذات , فهو يضحي بنفسه من أجل الأفكار التي تبناها

    في النهاية يمكن ان نستنتج ان المؤثرين الأساسيين أو المتحكمون فينا , هم مبدعين و خالقين هذه الأفكار
    " فجلجامش وحمورابي وهوميروس وسقراط وأفلاطون وأرسطو وموسى وعيسى وبوذا و كونفوشيوس
    وزراتشت وابن عربي وابن رشد وكانت وهيوم وماركس وفرويد وأينشتاين . . . والآلاف غيرهم "
    هم الذين خلقوا الأفكار وزرعوها في العقول ..

    سوف يقول الكثيرون أن الدوافع والغايات هي الأساس , وليس الأفكار والثقافة التي يكتسبها الإنسان من مجتمعه , لأنها هي التي ستخدم تأثيرات الأفكار والإيحاءات والإعلام لتحقق نفسها .
    إن هذا هو الواقع فعلاً , ولكن الغالبية العظمى من هذه الدوافع والغايات , صنعتها الأفكار والثقافة والعقائد المنتشرة في المجتمع .

    لقد أدرك الإنسان منذ قديم الزمان ( ودون أن يعرفه بشكل واضح وهو يستخدمه دوما وبفاعلية كبيرة )
    ان المتحكم فينا هو الأفكار المنتشرة في العقول وبالذات التي تنشرها وسائل الإعلام , فهي التي توحي لنا بالكثير من تصرفاتنا وتفرض علينا قوها وتأثيراتها , وبالتالي تفرض علينا غالبية استجاباتنا وتصرفاتنا .
    فالمؤثر الأكبر فينا ليس الأشخاص والمؤسسات والحكومات , بل الأفكار والعقائد .. التي ينشرها الإعلام .



    والى لقاء اخر


  • #2


    الإيحاء ... بحث
    (2)


    التنويم المغناطيسي

    ان استعمال اللغة و كافة أشكال التعبير هي طريقة الدخول إلى عقل الإنسان الآخر والتأثير عليه , فإننا نستطيع بذلك الإيحاء له بأفكار وتصورات ونوايا له عن طريق ذلك . إن هذه المدخلات مهما كانت طبيعتها تفرض تأثيراتها على هذا العقل , فهو مجبر على التعامل معها ومعالجتها والقيام باستجابات لها , وهذا يمكننا من التأثير على هذا الإنسان والتحكم في الكثير من استجاباته وبالتالي تصرفاته .

    إن هذه الظاهرة أو هذه القدرة التي نملكها كان يستخدمها الإنسان منذ القديم عندما أدرك فاعليتها وجدواها .
    وكل منا لاحظ تأثير ذلك على الآخرين وخلق الإيحاءات والاستجابات لديهم وبالتالي التحكم بتصرفاتهم , وذلك عن طريق التكلم معهم بأسلوب وطريقة مناسبة .

    وقد كان للقصص والخطابة والأمثال والشعر ( والآن الإعلام المرئى والمسموع) تأثيرهم الواضح الكبير . وكانت الخطابة أشد تأثيراً لأنها كانت تستغل ظاهرة القطيع (أو الجمهرة ) التي تعتمد على المحاكاة والتقليد الغريزي للآخرين , وكلنا لاحظنا " هتلر" وغيره كيف كانوا يفرضون أفكارهم ودوافعهم وأهدافهم على الآخرين بواسطة الخطابة .

    وت
    أثير الإيحاء يمكن أن يكون ذاتي , " يكذب كذبة ويصدقها " مثل : جحا عندما قال للأولاد الذين يضايقونه . أن هناك وليمة في المكان الفلاني فركض الأولاد إلى هناك , وعندما فكر حجا بما قال , وجد أنه ربما يكون هناك فعلاً وليمة فركض خلفهم . والوسوسة والتردد والتوهم . . هم ناتج تأثير أفكار وإيحاءات دخلت الدماغ وأعطت تأثيراتها . فإن الإيحاءات تشمل كافة مناحي حياتنا الثقافة والفكرية , والعقائدية بشكل خاص .

    والإيحاء هو أساس التنويم المغناطيسي , فإن كل منا يسعى لتنويم الآخر عندما يوحي إليه بأن أفكاره ومعارفه وقيمه هي الأفضل . فنحن نوحي لبعضنا بالأفكار والمفاهيم والقيم التي نعتمدهما ونؤمن بهما , وهذا بمثابة تنويم مغناطيسي نقوم به فنؤثر به عليهم وندفعهم لتبني أفكارنا وقيمنا وثقافتنا , وكذلك لتنفيذ أهدافنا ورغباتنا . وكافة أشكال الإعلام هي إيحاءات فكرية وثقافية وعقائدية وتجارية .

    كثيراً ما وصم التنويم المغناطيسي بالدجل , ولكنه تبين أنه ظاهرة حقيقية لها أسسها الفسيولوجية والعصبية , وقد ثبتت فاعليته في الاستخدامات العلاجية وبشكل خاص في التحكم بالألم . والمكتشفات الحديثة توضح كيف تستطيع قوة الإيحاء من خلال التنويم المغناطيسي ( إذا ما استخدمت بشكل صحيح ) أن تغير حالات دماغية أو فكرية مثل الذاكرة والإحساس بالألم .

    ويفسر د . جون جروز يليير قوة الإيحاء في حالة التنويم المغناطيسي . يكون الفص الأيسر للمخ , وهو الجانب المسؤول عن النطق والتفسير والتحليل يكون محبوساً عن العمل , مطلقاً العنان للفص الأيمن المسؤول عن الخيالات والأحلام . وبينت تجاربه أنه لكي تنوم شخصاً ما يجب " قطع التيار" عن العقل الواعي – الجزء الواعي المحكوم بالفص الأيسر – , لترك الفص الأيمن حراً في الاستجابة لكل إيحاءات المنوم كما لو كان في حلم .

    وحسب نظرية " جروز يليير" فإن الطريقة لتعطيل الفص الأيسر للمخ هي جعله يركز على شيء رتيب , مثل الصوت المتكرر أو الساعة المتأرجحة . . . فبمجرد أن قرر الفص الأيسر أنه لا شيء جدياً يستحق توليته الاهتمام , فإنه يترك الأمر للفص الأيمن , الذي يتعامل مع كل الإيحاءات كما لو كانت حقيقية .

    على مدى السنوات القليلة الماضية وجد الباحثون أن الأشخاص المنومين مغناطيسياً يستجيبون فعلياً للإيحاءات مع أنهم يدركون أحيانا التغيرات المثيرة التي يتعرضون لها في فكرهم وسلوكهم وكأنها تحدث من ذاتها , فكأن الدماغ أثناء النوم المغناطيسي يعلق مؤقتاً محاولاته توثيق المعلومات الحواسية الواردة إليه .

    وهناك فروق بين الناس في قابلية الخضوع للتنويم المغناطيسي , ولا يعرف العلماء حتى الآن أسباب ذلك . ولمعرفة استعداد الشخص للتنويم هناك سلسلة اختبارات تستعمل لتحديد مدى استجابة الشخص للتنويم المغناطيسي , ومن هذه الاختبارات سلسلة من اختبار 12 فاعلية مثل مد الذراع أو تنشق محتويات زجاجة ما . . . لاختبار عمق الحالة التنويمية .

    ففي المثال الأول , يتم إخبار الأشخاص بأنهم يحملون كرة ثقيلة جداً, وهي ليست كذلك , ويحققون درجة نجاح مع بعض الأشخاص الذين لديهم استعداد للتنويم , أو يقولون للمختبرين إنهم لا يملكون حساً للشم ثم تمرر زجاجة نشادر تحت أنوفهم , فإذا لم يقوموا بأي ارتكاس فإنهم يعتبرون سريعي الاستجابة للتنويم , أما إذا كشروا واستدارت أعناقهم , فلا يعتبرون كذلك .

    وتتراوح الدرجات المعطاة في هذه الاختبارات بين صفر للأشخاص الذين لا يستجيبون لأي من الإيحاءات , ودرجة 12 لأولئك الذين ينجحون في جميعها , ويحصل معظم الأشخاص على درجات متوسطة يبن 5 و7 , ولا تقل الدرجة التي يحرزها 95 من الأشخاص عن الواحد .
    هناك مبادئ أساسية يتفق الباحثون عليها , منها أن قابلية شخص ما للاستجابة للتنويم تبقى ثابتة بشكل لافت للنظر بعد سن البلوغ , وأن الاستجابة للتنويم يمكن أن تكون ذات مكون وراثي .
    وكذلك تبقى استجابة الشخص للتنويم ثابتة إلى حد ما مهما تكن خصائص المنوم ( ذكر أم أنثى) وعمره وخبرته لها تأثير ضعيف .

    وكذلك فإن نجاح التنويم المغناطيسي لا يعتمد على ما إذا كان الشخص المنوم محفزاً بشدة أو شديد الرغبة في ذلك , والشخص الشديد الاستجابة للتنويم ينوم بفعل تشكيلة منوعة من الشروط التجريبية خلافاً للشخص الأقل استجابة للتنويم , وذلك مهما كانت الجهود المبذولة لتحقيق ذلك .

    وقد بينت عدة دراسات أن القابلية للتنويم المغناطيسي لا تتعلق بالصفات المميزة للشخص المنوم من سذاجة و هستريا واعتلالات نفسية ووثوق بالنفس وعدوانية وخنوع وتخيل وإذعان , ولكن جرى إلى حد ما ربط هذه القابلية باستعداد الشخص للاستغراق في فعاليات معينة , مثل القراءة والإصغاء وأحلام اليقظة .

    لا يسلك الأشخاص تحت تأثير التنويم المغناطيسي كآلات ذاتية الحركة , بل يكونون عوضاً عن ذلك حلالين إيجابيين للمشاكل يدمجون أفكارهم الثقافية والأخلاقية في سلوكهم أثناء بقائهم على أشد الاستجابة للتوقعات التي يعبر عنها المنوّم .
    ومع ذلك فإن الشخص المنوم لا يعيش السلوك الموحى إليه تنويمياً على أنه شيء بجهد منه , بل يحسبه على العكس تصرفاً نمطياً عفوياً . وغالباً ما يقول من جرى تنويمهم أشياء مثل
    : " لقد صارت يدي ثقيلة ونزلت من ذاتها " أو " وجدت نفسي فجأة لا أشعر بالألم .
    ويعتقد العديد من الباحثين اليوم أن هذه الأنماط من الانفصالات هي لب التنويم المغناطيسي .
    ففي استجابة للإيحاء , يؤدي المنومون حركات من دون وعي ويخفقون في اكتشاف المنبه المؤلم بشدة وينسون بشكل مؤقت إحدى الحقائق المألوفة لديهم .

    وباستخدام التنويم المغناطيسي استطاع العلماء إحداث هلوسات وأشكال من الإكراه وأنماط معينة من فقدان الذاكرة وإثارة ذاكرات زائفة وأوهام لدى المنومين .

    لقد بينت الاختبارات وجود منطقة في الدماغ تدعى القشرة الحزامية الأمامية تنشط أثناء الهلوسة للمفحوصين المتطوعين تماما بقدر ما تنشط لدى سماعهم الفعلي للمنبه .
    وعلى النقيض من ذلك لم تنشط حين تخيل المفحوصين ( دون أن ينوموا )أنهم يسمعون المنبه . فبطريقة ما خدع التنويم المغناطيسي هذه الباحة الدماغية , بحيث سجلت الصوت المهلوس على أنه صوت حقيقي .

    وباستخدام التصوير وجد العلماء أن التنويم المغناطيسي يقلل من نشاط القشرة الحزامية الأمامية ولكنه لا يؤثر في نشاط القشرة الحسية الجسدية التي تجري فيها معالجة الإحساس بالألم .

    التنويم المغناطيسي والذاكرة


    بالنسبة للتنويم المغناطيسي يمكن بسهولة جعل الأفراد المنومين يسردون روايات مفصلة ومثيرة عن الشهور الأولى لحياتهم مع أن تلك الأحداث لم تكن قد حدثت لهم بالفعل ومع أن البالغين ليس لديهم القدرة على تذكر طفولتهم المبكرة .
    وعلى نحو مماثل , فإن الأفراد من ذوي القابلية الكبيرة للتنويم يتصرفون بطريقة شبه طفولية إلى حد ما حين توجه إليهم إيحاءات بالعودة إلى طفولتهم , غالباً ما يكونون انفعاليين جداً وقد يصرون لاحقاً على أنهم بالفعل يعيشون طفولتهم مجدداً .

    ولكن الأبحاث تؤكد أن هذه الاستجابات ليست بحال من الأحوال استجابات طفولية بشكل موثوق , سواء في التحدث أو السلوك أو العاطفة أو الإدراك أو المفردات أو أنماط التفكير . وهذه التصرفات ليست طفولية أكثر من تصرفات الكبار كأطفال , و ليس هناك ما يدل على أن التنويم المغناطيس يتيح للمنوم أن يقفز على الطبيعة الأساسية لذاكرة الإنسان وقيودها . ولا يتيح التنويم المغناطيسي لأي شخص أن ينبش ذكريات مضت عليها عشرات السنين , أو أن يفسد أو يقلب سجل التنامي البشري .

    لقد اعتبر أن للتنويم المغناطيسي قدرة فعالة على تخفيف آلام السرطان والآلام الحادة للحروق والآلام التي يعاني منها الأطفال أثناء " رشف" نقي العظام والآلام التي تعاني منها النساء أثناء المخاض .
    وفي تجربة ظهر أن الإيحاءات التنويمية استطاعت أن تخفف الآلام لدى 75 في المئة من الذين عولجوا بالتنويم المغناطيسي .

    والى لقاء اخر



    التعديل الأخير تم بواسطة محمدعامر; الساعة 2013-12-23, 09:28 PM.

    تعليق


    • #3
      الإيحاء ... بحث
      (3)



      الايحاء الذاتي




      كثير من الدراسات العلمية في مجال علم النفس تبحث عن تأثير التخيل و الإيحاء على جسم و صحة الإنسان، حيث ثبت أن التخيل و الإيحاء الذاتي سلاح ذو حدين يمكن أن يكون سلاح قاتل و يمكن أن يكون سلاح مفيد و جيد.


      في إحدى التجارب العلمية قام باحثون في مجال علم النفس من إجراء تجربة غريبة و فريدة من نوعها على أحد المسجونين المحكوم عليهم بالإعدام، حيث سيتم إعدامه دون اللجوء إلى طرق الإعدام المعروفة و إنما سيجعلون تخيله هو من يقتله باستخدام الإيحاء الذاتي. حيث تحدث إليه أحد القائمين على البحث بأنه سيتم إعدامه من خلال تصفية دمه و ذلك من أجل دراسة التغييرات الفسيولوجية الداخلية للجسم نتيجة نقص الدم المتزايد و قد وافق السجين على هذا بعدما أعطوه ما يريد من مغريات و بعد دفع مبلغا من المال لأهله و أن تسجل مساهمته هذه في مجال خدمة البحث العلمي و البشرية. في الحقيقة لن يقوموا بتصفية دمه و إنما كانت طريقة لجعله متيقنا أنه سيتم اعدامه بهذه الطريقة.


      بدأت ساعة الصفر، تم ربط أيدي و أرجل المجرم على الكرسي، و تم عصب عينيه بإحكام، قاموا بتركيب إنبوبين رفيعين على طول ذراعيه، هذين الإنبوبين متصلين بمصدر ماء دافئ. بعد الإنتهاء من الإجراءات القانونية للحكم بالإعدام تم إعطاء الإشارة لتنفيذ الحكم فقام المشرف على البحث باستخدام إبرة من وخز مفصل كلا من الذراعين كما و كأنهم يوصلون إبرة بشريانه و من ثم قاموا بضخ ماء دافئ عبر الأنابيب المتصلة بيده حيث تتساقط قطرات الماء الدافئ في سطل معدني موجود على الأرض، عند نزول القطرة في السطل تصدر صوتا و كأنها قطرات الدم و بالتالي تم إيهام المجرم بأنه فعلا يتم الآن تصفية دمه ببطء.

      بعد عدة دقائق لاحظ فريق البحث أن المجرم أصبح مصفراً و شاحب الوجه مع إنخفاض شديد في ضغط الدم لديه و في النهاية توقف قلبه عن الخفقان، مع أنه لم يخسر قطرة دم واحدة من جسده.


      من هنا نرى انة بين النفس والجسد تكمن علاقة وطيدة، تستطيع النفس عبرها أن تبث افكارا معينة تحدد بها استجابات الجسد عاطفيا وعمليا

      يعتمد الايحاء الذاتي على رسم أفكار، تصورات ومعتقدات في عقلنا الباطن، يتم ارسالها الى عقلنا الواعي ليقوم بتمثيلها وتحقيقها لنا. هذه الأفكار والمعتقدات توجه جسدنا وعقلنا الواعي الى تنفيذ الأهداف المبرمجة، وتحدد المشاعر التي تنطوي عليها
      الايحاء الذاتي .... قوة سحرية لتحقيق الاهداف ... يستحق التجربة

      هل تذكر مثلا أن قلت لنفسك يجب أن أصحو غدا الساعة السادسة صباحا فوجدت نفسك حقا قد صحوت في هذا الوقت؟ اليوم جميل وفعلا يصبح اليوم جميل

      حين يفكر شخص أنه ليس محبوبا، او انة غير مرغوب به في المجتمع ووجوده بين الناس يسبب له السخرية والاستهزاء، فإن عقله الواعي سوف يستجيب لهذه الايحاءات الذاتية وسيعمل على تكوين مشاعر الخوف والخجل من المجتمع وسيميل الفرد الى الانطواء والعزلة عن الآخرين
      لذا حين يزرع الانسان افكارا في عقله، فإنه سيميل الى التصرف وفقا لها. وحين يؤمن بقدرته على تحقيق أهداف معينة مهما كانت صعبة او غريبة، فإن جسده وقواه كلها سوف تتكاتف من أجل تحقيقها

      اذن، يمكننا ان نقول انه حين نؤمن بشيء ونراه حقيقيا حتى لو لم يكن كذلك فإنه سيصير حقيقيا لا محالة

      إن الانسان مثل قبطان سفينة، حين يعطي الأوامر لنفسه: الأفكار والتصورات الذاتية، فإنه سيقود دفة السفينة الى حيث يريد. لأن التغيير يبدأ من داخله، هو نفسه قادر على توجيه نفسه وسلوكه ومشاعره، وسيكون قادرا على تحقيق رغباته وتحقيق ذاته

      اجلس مع نفسك، كن هادئا متواصلا مع ذاتك، أغمض عينيك وأبلغ عقلك الباطني برسالات تود ارسالها الى عقلك الواعي كي يقوم بتحقيقها، قل مثلا إنك واثق من نفسك، واثق من قدراتك، تحب صفاتك التالية:…… عددها، قل لنفسك إنك سوف تحاول، وسوف تحقق ما تريد

      في حال انزاعجك من بعض الصفات التي تحملها، قم بالاعتراف بها بدل انكارها، اذكرها وقل لنفسك انك ستحاول التخلص منها وانك ستحاول ان تكون افضل ما يمكن

      ولابد ان يكون الايحاء ايجابي ويجب التخلص من اي ايحاء سلبي تسلل لحظة الايحاء الايجابي
      ( فورا على الاطلاق)والاجمل ممارسة الاسترخاء والايحاء ولمدة نصف ساعة كل يوم
      واجعل شغلك السليم في طرد الايحاء السلبي واجعل مغايرته (بالايحاء الايجابي )

      فان استوحيت الفشل فستفشل وان استوحيت المرض فستمرض وان استوحيت الجمال فانت جميل وان استوحيت الثقه فانت واثق الخطى وستمشي ملكا

      ان ناقضت في نفسك كل ايحاء ذاتي سلبي كالفشل واستبدلته بالايحاء الذاتي الايجابي الجد والمثابرة وقول انا ناجح انا ناجح وبتكرار يومي ودائم كل يوم نصف ساعه فستنساق خلف النجاح بجدك وعلمك الجيد باذن الله والان انت قوي والايحاء الذاتي الايجابي اثمر داخل دوحة رياضة النفس عن سلبياتها وزرع اجمل زهرات الايجابية في كل ماتعيشه اليوم وغدا

      طريقة الإيحاء الذاتي الإيجابي

      1- اضطجع على سريرك وتمدد با استرخاء تام جدا.

      2- اكتفِى بضوء خافت . او اذا احببت اطفئ الانوار

      3- لا بد ان تنسحب الى عالم خاص تماما ذو جوهادئ خالي من الضجيج

      4-وتحدث بهمسات وقل انا محبوب والناس طيبون والحياة ماهي الاعبق جميل واصحابي يحبونني وما يفعلوه ما هوالا في مصلحتي وانا احب الكون احب الله احب وابتعد عن التسويف بل قل بثبات يحبونني وحتما هم يحبونني

      5- اجعل تفكيرك إيجابياً تماما خالي من اي تفكير سلبي واذا وجدت نفسك تحتاج كل يوم الى ان تتخلص من ايحائاتك السلبيه فا اسرع واكمل طريقك الى الايحاء الايجابي
      وستصبح طموحا ونفسيتك عاليه في الحياة عامة

      التكرار بثقة شديدة من اسرار نجاح الايحاء الذاتي

      ومع التكرار يترسخ الايحاء في العقل الباطن ويتعامل مع هذه الرسائل على انها حقيقة مسلمة ويسعى لتنفيذها بكافة الطرق .

      الدعاء

      من وسائل التكرار التي تقنع العقل الباطن وتؤثر فيه بشدة اذا دعوت ربي كثيرا وبإلحاح يومي وفي كل صلاة بدعاء ما فان العقل الباطن يتأثر بالدعاء ويترسخ فيه ويقتنع بالفكرة ومع يقيني في الاجابة من الله فان عقلي يساعدني في التنفيذ كرر شعارات سأفعل سينجح الامر بسيط والوصول اسهل كن علي ثقة وتوكل ستجد انك اقوي ، المهم هو ان الطاقة تكمن في داخلك


      التعديل الأخير تم بواسطة محمدعامر; الساعة 2013-12-24, 02:55 PM.

      تعليق


      • #4
        الإيحاء ... بحث
        (4)

        هيمنة المشاعر على العقول
        الدماغ أعظم الأعضاء عملا وأعجبها تركيبا. فيه تولد الفكرة الخلاقة والعاطفة النبيلة، ومنه ينطلق الخيال، وبه تتجلى الرؤية وهو صاحب الحجة والبلاغة والبيان، فيه مراكز النوم واليقظة، وهو مصدر الوعي والحركة وكذلك مواطن الغريزة والذكريات.

        ومن غرائب الدماغ اعتماده على السكر كغذاء ، مع أنه يستطيع أن يحرق مواد أخرى . لذلك فإن نقصا في سكر الدم يلقى الإنسان رأسا في غيبوبة ، إن طالت لربما يخرج منها معتوها أو لا يخرج، فما هو ذلك السر المغلق الذي يجعل من السكر خارج الدماغ وعيا وفكرا في داخله؟؟

        تاريخ الدماغ

        الفراعنة والدماغ:

        وردت كلمة "دماغ" لأول مرة من خلال التاريخ المسجل ، في إحدى الأوراق الهيروغليفية الفرعونية المعروفة باسم " أدوين سميث بابايروس الجراحية" التي يرجع محتواها إلى سنة (3000-2500) قبل الميلاد. قبل اكتشاف هذه الوثيقة لم يعرف علماء اليوم شيئا يذكر من طب الفراعنة فاعتبروه ضربا من السحر والطلاسم، إنما بعد فك رموزها ظهرت الوثيقة مرجعا تشريحيا ضخما للهيكل البشري ، ووظائف أعضاء الجسم ، نرى فيها التبويب ودقة الوصف والتصنيف.
        من أبواب هذه الوثيقة( الحالة رقم 6 في صدمات الرأس) فيه وصف الدماغ وسطحه المتعرج بثناياه وطياته وأغشيته( السحايا) لاحظوا نبض الدماغ وغلافه وسوائله الممزوجة بسوائل النخاع في سلسلة الظهر ثم تذكر الوثيقة بعمق أعمال الجهاز العصبي، وأثر الدماغ في حركات الأطراف، فتربط بين الشلل وعطب الدماغ، وتحدد الطرف المتأثر بحسب مواقع العطب في الدماغ . بعدئذ توجه الوثيقة إلى خلل الحس والحركة من صدمات تضرب فقرات الرقبة. وتسجل مالا يستطاع شفاؤه من صدمات في الجمجمة إذا ما سحقت أجزاء من الدماغ.

        اليونانيون والدماغ:

        فيثاغورس (580-500) ق.م. الذي أسس مدرسة في كروتونا( ميناء في منطقة كالابريا ، جنوب إيطاليا) . عزا فيثاغورس إلى الدماغ قوة النفس العاقلة.ثم جاء تلميذة الكميون(535) ق.م. فربط بين الحس والدماغ، وقال إن الدماغ هو مركز الحس ومقر الفكر.
        أما ابيقراط (370-460) ق.م. الذي قال( إن جرحا في الشق الشمالي من الدماغ يسبب تشنجات في الطرف اليميني من الجسم ، وتنعكس الصورة إذا كان الجرح في الشق اليميني)

        العرب تعيد إلى الدماغ مكانته:

        قام نيميسيوس(390) اسقف حمص في سوريا بتطوير نظرية الدماغ كمقر للروح وصفاتها من خيال وفكر وذاكرة، وأسهب في كتابه( الطبيعة الإنسانية) شرح مناطق الدماغ التي تقوم بالتخيل والتفكر والتذكر.ومن حمص إلى بغداد حيث نجد( المقالات العشر في العين لأسحق بن حنين ) في القرن التاسع، فيكتب في المقالة الثانية( في الطبيعة الدماغ ومنافعه):
        (.... إن الدماغ هو ابتداء الحس والحركة والإرادة والسياسة. والفعل الذي يفعله الدماغ بآلته هو الحس والحركة الإرادية ... أما السياسة فأنه يفعلها بنفسه...والسياسة تعن ثلاثة أشياء: التخيل والفكر والتذكر...فالتخيل يكون في مقدمة الدماغ،والفكر في وسطه والذكر في مؤخره ...)

        بدء العمل العلمي حول الدماغ

        أمتاز القرن الثامن عشر بعمالقة التشريح الذين حددوا معالم الدماغ الظاهرة وميزوا الأعصاب ورقموها، فالجراح الإيطالي انطوان سكاربا(1752-1832) أكتشف أعصاب الشم والسمع، وشرح أعصاب القلب والعين فمهدت هذه الأعمال لاكتشافات خطيرة في وظائف الدماغ

        من أعظم الفتوحات في القرن التاسع عشر هو عمل الجراح الفرنسي بروكا (1824-1880) حين حدد عام 1861م منطقة الدماغ التي تصوغ الكلام وتأمر بالنطق ، وما زالت تحت اسمه حتى اليوم.

        الكهرباء لغة الدماغ

        في عام 1745م استطاع العلماء خزن الشحنات الكهربائية في وعاء ليدن، فمهد هذا الاكتشاف لدخول الكهرباء عالم الفسيولوجيا ، وبعد عشر سنوات استطاع كالديني تحريك أطراف الحيوان بعد إهاجة الدماغ بالكهرباء وبانتهاء القرن الثامن عشر كان لوجود الكهرباء أو توليد التيارات الكهربائية في الجسم . وفي عام 1870م أثبت العالمان فريتش وهيرتزغ وجود مراكز الحركة في قشرة الدماغ . وبعد ذلك بأربع سنوات تمكن كاتن من إثبات وجود موجات كهربائية مولدة في الدماغ.

        بالمنافذ الكهربائية الدقيقة بالجراحة المتطورة استطاع العلماء تحديد المراكز التي تأمر بحركة كل عضلة في الجسم ، والمراكز التي تجعلك تشعر باللذة ، والتي تجعلك تأكل ولو كنت شبعا أو تمتنع عن الماء ولو كنت ظمآن حتى الموت، والمراكز التي تستعيد بها ذكريات الماضي، والمراكز التي تجعلك تخاف وتغضب ( مراكز العاطفة والشعور)

        بعد أن محص العلماء في كل خلية وخططوا الدماغ، وجدوا أن مراكز الحركة والحس ومقر الحواس كلها لا تشغل إلا ثلث الدماغ، أما الثلثان الباقيان فهما مقر العمل المذهل الذي يفرق بين الإنسان والحيوان. هنا مراكز صياغة الأفكار والخيال والربط الشامل بين المحسوس وغير المحسوس . ما بين فلقة الجبين وفلقة الهامة من الدماغ توجد مراكز التعلم التي تجعل الإنسان يسخر طاقاته للخلق والإبداع أو التدمير والإفناء ، بحسب ما يختبره في طفولته لتربيته ونشأته.

        الخلية العصبية

        النسيج العصبي خلايا كالأخطبوط، حساسة، يقظة، تستجيب للمؤثرات الخارجية( منبه محرض) كاللون، والصوت ، والرائحة والمذاق، وتحس الوزن والضغط و اللمس، والألم ، وموقع الأعضاء ووجهتها وحركاتها، وتتأثر بتغيرات باطنية كارتفاع كمية السوائل في الجسم أو انخفاضها، توجد في النسج العصبي خلايا غير عصبية كالخلايا الغروية وخلايا شوان للخلية العصبية جسم يمتد غشاؤه إلى وتر أو أكثر.
        في جسم الخلية نواة، ومولدات للطاقة وحبيبات نسل.وغيرها من آليات ضرورية للحس أو للحركة. القدرة على الحس أو الأمر بالحركة هما صفتا الخلايا العصبية .

        أوتار الخلايا العصبية

        الخلية العصبية وأوتارها قادرة على توليد النبضات الكهربائية السارية في الأعصاب . فالعصب هو الوتر . أوتار الخلية نوعان: محور وشعيرات.
        المحور غالبا مالا يتفرع ، أما الشعيرات فهي شعب دقيقة جدا. الشعيرات هي كل أوتار الخلية ماعدا المحور
        الشعيرات تنقل النبضات إلى جسم خليتها من خلية ثانية
        المحور ينقل النبضات من جسم خليته إلى الخارج
        عدد الأوتار لكل خلية يختلف. خلايا بوتر واحد وغيرها بوترين كما في الخلايا الحسية. وغيرها بأوتار متشعبة كخلايا الحركة. تندر الخلايا الأحادية في الإنسان .


        التعديل الأخير تم بواسطة محمدعامر; الساعة 2013-12-24, 03:21 PM.

        تعليق


        • #5

          الإيحاء ... بحث
          (5)


          أسلحة غير معلنة
          «محاربة قوات العدو في معركة هي أكثر الطرق بدائية لتحقيق النصر! والنصر الحقيقي والمطلق هو أن تقهر قوات عدوك دون أن تضطر للدخول معها في معركة!». الفيلسوف الصيني «صن تسو» الذي عاش قبل ألفين وأربعمائة عام.
          للوهلة الأولى تبدو كلمات فيلسوف الصين صعبة التصديق ومستحيلة التحقيق! ولكن تقارير كثيرة من جهات متعددة تؤكد أن تحقيق النصر دون الدخول في معركة مباشرة هو الهدف الذي تسعى إلى تحقيقه عدة بلدان!
          كيف يمكن دحر قوات عدو دون حرب مباشرة؟! وأي سلاح يمكن استخدامه في هذه الحالة؟!

          بداية القصة

          الظواهر النفسية الخارقة، مثل الإيحاء والتخاطر ومخاطبة عقل لعقل دون كلام، والإدارك بغير حواس، موضوعات طريفة للحديث، تستحوذ على الاهتمام وتثير الإعجاب، ولكنها لا تمضي إلى أبعد من ذلك! وعلى الرغم مما في الظواهر النفسية الخارقة من طرافة، فإن كثيرًا من الناس يعدها من قصص الخيال العلمي، ولا يعلق عليها أهمية من أي نوع!
          لكن العالم الروسي «فلاديمير بختيريف» «Vladimir Bekhetrev» (1857–1927) نظر إلى الظواهر النفسية الخارقة نظرة مختلفة. وجدير بالذكر أن «بختيريف» زامل في الدراسة عالم الفسيولوجيا الروسي المشهور «إيفان بافلوف» Ivan Pavlov (1849– 1936) الذي وصف «الأفعال المشروطة» عند الحيوان، فمهد بذلك لفهم عمل بعض وظائف الجهاز العصبي عند الحيوان والإنسان على السواء. وكما كان لـ «بافلوف» شأن مذكور في علم الفسيولوجيا (علم وظائف الأعضاء) فكذا كان لـ «بختيريف» باع طويل في دراسة وفهم الظواهر النفسية الخارقة عند الإنسان. (علم «الظواهر النفسية الخارقة «Parapsychology» هو فرع من فروع «علم النفس» «Psychology»، يبحث تلك الظواهر (أو التجارب الخارقة) التي تتجاوز حدود ما هو شائع ومألوف، مثل «التخاطر» و«الاستبصار»، والتي لا يمكن تفسيرها في ضوء القوانين الفيزيائية السائدة).يرجع اهتمام «بختيريف» بالظواهر النفسية الخارقة إلى عام 1891، حين شاهد مدرب السيرك الشهير «فلاديمير ديوروف» Vladimir Durov (1863–1934) أحد مشاهير مدربي الحيوان في ألعاب السيرك، وهو يوجه الأوامر إلى حيوانات السيرك بعينيه دون أن ينبس ببنت شفة! وقد أظهر «ديوروف» براعة فائقة في إلقاء أوامره إلى كلاب السيرك وعجول البحر بالإيحاء! وتلك كانت سابقة لم تتكرر في ألعاب السيرك!وقد انبهر «بختيريف» بفكرة توجيه سلوك الحيوان بالإيحاء. وعندما عين رئيسًا لمعهد أبحاث المخ (التابع لجامعة ليننجراد) في عام 1922، شكل لجنة لدراسة تأثير «الإيحاء العقلي» Mental Suggestion في السلوك البشري. وقـد أجرتْ «لجنة بختيريف»، كما كانت تسمى، 269 تجربة، حاولت من خلالها الإيحاء إلى الأشخاص موضع التجربة بأحداث وصور ورسومات مختلفة. ومن هذا المجموع، نجحت اللجنة في مـائة وأربع وثلاثين تجربة نجاحًا جزئيًّا أو كليًّا.

          وقد درست «لجنة بختيريف» كذلك ظاهرة «التخاطر» «Telepathy» (أي اتصال عقل بعقل آخر بطريقة ما خارجة عن المألوف). وقد استدعت اللجنة لهذا الغرض عددًا كبيرًا من مختلف فئات المجتمع ممن لهم تجربة مع ظاهرة التخاطر. وفي عام 1924، عُقد في جامعة «ليننجراد» (بالاتحاد السوفييتي آنذاك) مؤتمر للظواهر النفسية الخارقة. وقـد قدمت «لجنة بختيريف» تقريرًا للمؤتمر عن التجارب والنتائج التي توصلت إليها في حقل دراسـة الإيحاء والتخاطر. وأوصى المؤتمر بضرورة الاستمرار في دراسة الظواهر النفسية الخارقة، ولكن على أسس علمية بحتة. وقد كلف بهذه المهمة «ليونيد فاسيليف» Leonid Vasiliev (1891–1966) أستاذ علم الفسيولوجي في جامعة ليننجراد.
          وقد كرَّس «فاسيليف» سنواتٍ طويلةً من عمله في حقل الظواهر النفسية بحثًا عن دليل مادي لظاهرة التخاطر وتفسير كيفية حدوثها. ومن غير المعروف ما إذا كان «فاسيليف» قد وجد التفسير أو الدليل المادي لظاهرة التخاطر؛ ذلك أن أبحاث الاتحاد السوفييتي في هذا الحقل بدأت تحاط بالسرية منذ عام 1956. وإن كان كثيرون من المهتمين بالظواهر النفسية في الغرب يعتقدون أن «فاسيليف» مات دون أن يتمكن من إيجاد تفسير مادي لظاهرة التخاطر، وقصارى ما استطاع إثباتَه هو أن الإيحاء العقلي يمكن أن يؤثر في السلوك البشري، وأن التخاطر يمكن أن يقع بين أفراد تفصل بينهم آلاف الأميال.

          اهتمامات عسكرية
          عندما مات «فاسيليف» في عام 1966، كان هناك جيل كامل من الباحثين السوفييت في حقل الظواهر غير المألوفة. كما أن نطاق البحث اتسع ليشـمل ظواهر أخرى مثل «القوى الذهنية المحرِّكة» «Psychokinesis» (أي تأثير العقل على مادة «أو جسم آخر» دون وساطةِ «أو تدخلِ» قوةٍ فيزيائية «أو جسمانية». وكذلك البحث في كيفية التأثير في العقل بمؤثرات نفسـية أو خلافه «Psychotropics». ولم يعد الاهتمام بالبحث في الظواهر النفسية الخارقة مقصورًا على «جامعة ليننجراد»، ولا على معهد «أبحاث المخ»، وإنما امتد إلى جامعة «موسكو»، حيث افتتح قسم بعنوان «المعلومات الحيوية» «Bioinformation»، أُلحق بمعهد التكنولوجيا في جامعة موسكو.

          ومن الأسماء الجديدة التي لمعت في حقل دراسة الظواهر النفسية، «إداورد نوموف» «Eduard Naumov» أحد الباحثين في «البيولوجيا» بجامعة موسكو.في ذات الوقت، ظهر أن أوربا الشرقية تولي نفس القدر من الاهتمام لأبحاث الظواهر النفسية الخارقة. ففي كلًّ من تشيكوسلوفاكيا وبلغاريا، ظهرت أبحاث متعددة لعدد من الباحثين والدارسين، دارت تقريبًا في نفس الفلك الذي دارت فيه أبحاث الروس.وفي عام 1968، نظم «إداورد نوموف» مؤتمرًا دوليًّا في موسكو، حضره عدد من المراقبين والصحفيين الغربيين. وكان هدف «نوموف» من المؤتمر تبادل الأفكار والآراء حول ما تم اكتشافه من الظواهر النفسية الخارقة. وقد ذكر «نوموف» في المؤتمر أن الجيش السوفييتي يجري تجارب على استخدام التخاطر بين أفراد الجيش العاملين في الغواصات وأولئك الموجودين على الشواطئ. وأضاف «نوموف» أن باحثي الجيش السوفييتي ابتكروا طريقة لاعتراض التخاطر بين الأفراد.

          ويبدو أن تصريحات «نوموف» في المؤتمر أغضبت السلطات السوفييتية، فانبرت صحيفة «برافدا» «Pravda»، الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الحاكم، للهجوم على المؤتمر والحاضرين فيه، وحتى على الظواهر النفسية الخارقة.ولعل أكثر ما أثار حفيظة السلطات السوفييتية أن صحفيتين أمريكيتين، من الصحفيين الذين حضروا المؤتمر، أصدرتا كتابًا في عام 1970 بعنوان: «اكتشافات نفسية وراء الستار الحديدي». وقد أوردتْ الصحفيتان، وهما «لين شرويد» «Lynn Schroeder» و«شيلا أوستراندر» «Sheila Ostrander»، في كتابهما معلوماتٍ إضافيةً عن وقائع مؤتمر 1968، فضلاً عن مقابلات مع عدد من مشاهير البحاثة في الحقل. وقد أصدرت السلطات في الاتحاد السوفييتي تكذيبًا رسميًّا لكل ما جاء في الكتاب فور صدوره.

          والظاهر من تصرفات السلطات السوفييتية حيال البحث في الظواهر النفسية الخارقة، أن الأمور أخذت منعطفًا جديدًا يقتضي السرية والكتمان. ويدل على صحة هذا الاستنتاج أمران: الأول أن «نوموف» الذي نظم مؤتمرًا دوليًّا ثانيًا في عام 1972، على غرار المؤتمر الأول، أُقصي من منصبه بعـد المؤتمر، وحكم عليه بالعمل عامين في معسكرات سيبيريا. الأمر الثاني أن الصحف السوفييتية نشرت في أكتوبر عام 1973، خبرًا مفاده أن بعض الظواهر النفسية الخارقـة موجود بالفعل، وأن البحث في هـذه الظواهر سيقتصر على «أكاديمية العلوم السوفييتية».وفي عام 1973، ألقى الرئيس السوفييتي (آنذاك) «ليونيد بريجينيف» «Leonid Brezhnev» كلمة في «الكرملين» تكلم فيها عن نوع من السلاح وصفه بأنه «أكثر إثارة للرعب من الأسلحة النووية»! هل كان يعني الأسلحة البيولوجية (حرب الجراثيم) أم الأسلحة النفسية؟!على أي حال، فإن الطبيب التشيكوسلوفاكي «ميلان ريزيل» «Milan Ryzl»، أحد أعمدة البحث في الظواهر النفسية الخارقة في أوربا الشرقية، فرّ إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1974. وفي المؤتمر الصحفي الذي عقد له إثر منحه حق اللجوء السياسي، أعلن أن البحث في الظواهر النفسية في كل المعسكر الشرقي متقدم، وأن سلطات الأمن والمؤسسات العسكرية تولي اهتمامًا كبيرًا لهذا الحقل. كما أضاف أن «التطبيق العملي» كان شغلاً شاغلاً طوال مراحل البحث في تلك الظواهر.

          سلاح رهيب
          تغييرُ أفكار القادة السياسيين والعسكريين بالإيحاء، واستخدامُ التخاطر في التأثير في عقول الناس، واستخدامُ القوى النفسية الحركية (أيْ «القوى الذهنية المحركة») في تعطيل فعالية المعدات العسكرية، أمور قد تبدو أقرب إلى الخيال. ولكنّ تقاريرَ عديدةً تؤكد أن البحث يجري منذ عدة سنوات لامتلاك ناصية هذه الأسلحة الرهيبة. بل أكثر من ذلك، فإن بعض التقارير تفيد بأن هذه الأسلحة قد استخدمت بالفعل.في تقرير أعدته «وكالة الاستخبارات الدفاعية»، إحدى المؤسسات التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، بعنوان: «أبحاث الظواهر النفسية في الاتحاد السوفييتي وتشيكوسلوفاكيا»، يؤكد التقرير أن المعسكر الشيوعي متقدم على الغرب عشرات السنوات في هذا الحقل، وأن التطبيق العملي للظواهر النفسية الخارقة في المجال العسكري ومجال الاستخبار (التجسس) كانت له أهمية خاصة. وجاء في ختام التقرير المذكور، الذي استغرق إعدادُه الفترةَ من عام 1972 إلى عام 1975، أنه من غير المستبعد أن يكون الاتحاد السوفييتي يملك، أو على الأقل بصدد أن يملك، معداتٍ عسكريةً تصلح للاستخدام في حرب نفسية.

          على أن «المعسكر الشيوعي» لم يكن الوحيد الذي يسعى لاستخدام الظواهر النفسية الخارقة كسلاح في حرب غير معلنة. ففي عام 1980، حصل الصحفي الأمريكي «راندي فيتزجيرالد» «Randy Fitzgerald» على وثيقة من وكالة الاستخبارات الأمريكية، في نطاق قانون حرية المعلومات، تشير إلى أن البحث في الظواهر النفسية الخارقة، خصوصًا «الإدراك بغير حواس»، بدأ في الولايات المتحدة في مطلع عام 1952. وتتضمن الوثيقة توصية بضرورة تدريب الجواسيس الأمريكيين على استخدام «الوسائل النفسية». (الإدراك بغير حواس Extra Sensory Perception هو ما يطلق عليه «الحاسة السادسة» ويمكن تعريفه كما يلي: إدراك معلومات (بيانات أو تفاصيل) عن أحداث ماضية أو حاضرة ، وراء نطاق ما يمكن إدراكه من خلال الحواس الخمس).
          وفي عام 1981، أثار المعلق الصحفي الأمريكي «جاك آندرسون» «Jack Anderson»، ضجة واسعة النطاق في أمريكا، عندما كتب أن وزارة الدفاع الأمريكية تقوم بتدريب قوة عمل خاصة على استخدام الظواهر النفسية الخارقة منذ عام 1976. وذكر الكاتب في مقاله أن البحرية الأمريكية بالتعاون مع «معهد ستانفورد للأبحاث» تهتم اهتمامًا كبيرًا بالموضوع.

          وتتوالى المعلومات عن نشاط المؤسسات العسكرية الأمريكية في حقل الظواهر النفسـية الخارقة، فتنشر المجلة العسكرية الأمريكية المشهورة «Military Review» مقالاً لضابط متقاعد في الأسطول الأمريكي، في عددها الصادر في ديسمبر عام 1980، حيث يذكر الضابط واسـمه «توماس بيردن» «Thomas Bearden» أن هناك 26 آلة يملكها الأسطول الأمريكي تستخدم كأسلحة في حرب نفسية. وتتراوح هذه الآلات بين تلك التي تبث بين الناس أصواتًا مرعبة، وتلك التي تصدر ذبذبات تشبه هزات الزلازل، مرورًا بتلك التي يمكنها تقليد أصوات الانفجار النووي. والضابط صاحب التقرير ليس ضابطًا عاديًّا. فهو حاصل على ثلاث درجات جامعية عليا، ولديه خبرة طويلة في حقل «الهندسة النووية»، وعمل فترة في وزارة الدفاع كمحلل للعمليات الحربية، وكمصمم لأجهزة الدفاع الجوية.

          على أن الكاتب البريطاني «ريتشارد ديكون» «Richard Deacon» الذي ألّف عدة كتب عن الجاسوسية الدولية، يذكر في كتابه عن أجهزة المخابرات الاسرائيلية (بعنوان: «The Israeli Secret Service») أنه لا الولايات المتحدة ولا الاتحاد السوفييتي يعتبر الدولة المتفوقة في الظواهر النفسية الخارقة، وإنما إسرائيل! ويذكر الكاتب في نفس الكتاب أن الكيان الصهيوني العنصري يملك أكثر الوسائل تقدمًا في مجال الحرب النفسية.والخلاصة: إن عصر التحكم في العقول من بُعْـد قد بدأ بالفعل! ولم يعـد هناك شك في أن الظواهر النفسية الخارقة خرجتْ من طور الطرافة إلى طور الاستخدام كسلاح فعال في الصراعات الدولية. وبينما تتقدم روسـيا في هذا المجال على الغرب، فالواضح أن استخدام تلك الأسلحة غير المعلنة ليس مقصورًا على «دب الشرق»، فهناك في الحلبة الولايات المتحدة، وهناك إسرائيل.

          ترى، كم تعرف أمتنا عن هذا النوع من السلاح؟!
          وكم تعرف أمتنا عن الحرب النفسية؟!
          وماذا أعدت لذلك في المقابل؟!


          التعديل الأخير تم بواسطة محمدعامر; الساعة 2013-12-29, 04:48 PM.

          تعليق


          • #6

            الإيحاء ... بحث
            (5)


            أسلحة غير معلنة

            «محاربة قوات العدو في معركة هي أكثر الطرق بدائية لتحقيق النصر! والنصر الحقيقي والمطلق هو أن تقهر قوات عدوك دون أن تضطر للدخول معها في معركة!». ا
            الفيلسوف الصيني «صن تسو» الذي عاش قبل ألفين وأربعمائة عام.

            للوهلة الأولى تبدو كلمات فيلسوف الصين صعبة التصديق ومستحيلة التحقيق! ولكن تقارير كثيرة من جهات متعددة تؤكد أن تحقيق النصر دون الدخول في معركة مباشرة هو الهدف الذي تسعى إلى تحقيقه عدة بلدان!
            كيف يمكن دحر قوات عدو دون حرب مباشرة؟!
            وأي سلاح يمكن استخدامه في هذه الحالة؟!

            بداية القصة
            الظواهر النفسية الخارقة، مثل الإيحاء والتخاطر ومخاطبة عقل لعقل دون كلام، والإدارك بغير حواس، موضوعات طريفة للحديث، تستحوذ على الاهتمام وتثير الإعجاب، ولكنها لا تمضي إلى أبعد من ذلك! وعلى الرغم مما في الظواهر النفسية الخارقة من طرافة، فإن كثيرًا من الناس يعدها من قصص الخيال العلمي، ولا يعلق عليها أهمية من أي نوع!

            لكن العالم الروسي «فلاديمير بختيريف» «Vladimir Bekhetrev» (1857–1927) نظر إلى الظواهر النفسية الخارقة نظرة مختلفة. وجدير بالذكر أن «بختيريف» زامل في الدراسة عالم الفسيولوجيا الروسي المشهور «إيفان بافلوف» Ivan Pavlov (1849– 1936) الذي وصف «الأفعال المشروطة» عند الحيوان، فمهد بذلك لفهم عمل بعض وظائف الجهاز العصبي عند الحيوان والإنسان على السواء. وكما كان لـ «بافلوف» شأن مذكور في علم الفسيولوجيا (علم وظائف الأعضاء) فكذا كان لـ «بختيريف» باع طويل في دراسة وفهم الظواهر النفسية الخارقة عند الإنسان. (علم «الظواهر النفسية الخارقة «Parapsychology» هو فرع من فروع «علم النفس» «Psychology»، يبحث تلك الظواهر (أو التجارب الخارقة) التي تتجاوز حدود ما هو شائع ومألوف، مثل «التخاطر» و«الاستبصار»، والتي لا يمكن تفسيرها في ضوء القوانين الفيزيائية السائدة).يرجع اهتمام «بختيريف» بالظواهر النفسية الخارقة إلى عام 1891، حين شاهد مدرب السيرك الشهير «فلاديمير ديوروف» Vladimir Durov (1863–1934) أحد مشاهير مدربي الحيوان في ألعاب السيرك، وهو يوجه الأوامر إلى حيوانات السيرك بعينيه دون أن ينبس ببنت شفة! وقد أظهر «ديوروف» براعة فائقة في إلقاء أوامره إلى كلاب السيرك وعجول البحر بالإيحاء!
            وتلك كانت سابقة لم تتكرر في ألعاب السيرك!
            وقد انبهر «بختيريف» بفكرة توجيه سلوك الحيوان بالإيحاء. وعندما عين رئيسًا لمعهد أبحاث المخ (التابع لجامعة ليننجراد) في عام 1922، شكل لجنة لدراسة تأثير «الإيحاء العقلي» Mental Suggestion في السلوك البشري. وقـد أجرتْ «لجنة بختيريف»، كما كانت تسمى، 269 تجربة، حاولت من خلالها الإيحاء إلى الأشخاص موضع التجربة بأحداث وصور ورسومات مختلفة. ومن هذا المجموع، نجحت اللجنة في مـائة وأربع وثلاثين تجربة نجاحًا جزئيًّا أو كليًّا.

            وقد درست «لجنة بختيريف» كذلك ظاهرة «التخاطر» «Telepathy» (أي اتصال عقل بعقل آخر بطريقة ما خارجة عن المألوف). وقد استدعت اللجنة لهذا الغرض عددًا كبيرًا من مختلف فئات المجتمع ممن لهم تجربة مع ظاهرة التخاطر. وفي عام 1924، عُقد في جامعة «ليننجراد» (بالاتحاد السوفييتي آنذاك) مؤتمر للظواهر النفسية الخارقة. وقـد قدمت «لجنة بختيريف» تقريرًا للمؤتمر عن التجارب والنتائج التي توصلت إليها في حقل دراسـة الإيحاء والتخاطر. وأوصى المؤتمر بضرورة الاستمرار في دراسة الظواهر النفسية الخارقة، ولكن على أسس علمية بحتة. وقد كلف بهذه المهمة «ليونيد فاسيليف» Leonid Vasiliev (1891–1966) أستاذ علم الفسيولوجي في جامعة ليننجراد.

            وقد كرَّس «فاسيليف» سنواتٍ طويلةً من عمله في حقل الظواهر النفسية بحثًا عن دليل مادي لظاهرة التخاطر وتفسير كيفية حدوثها. ومن غير المعروف ما إذا كان «فاسيليف» قد وجد التفسير أو الدليل المادي لظاهرة التخاطر؛ ذلك أن أبحاث الاتحاد السوفييتي في هذا الحقل بدأت تحاط بالسرية منذ عام 1956. وإن كان كثيرون من المهتمين بالظواهر النفسية في الغرب يعتقدون أن «فاسيليف» مات دون أن يتمكن من إيجاد تفسير مادي لظاهرة التخاطر، وقصارى ما استطاع إثباتَه هو أن الإيحاء العقلي يمكن أن يؤثر في السلوك البشري، وأن التخاطر يمكن أن يقع بين أفراد تفصل بينهم آلاف الأميال.

            اهتمامات عسكرية
            عندما مات «فاسيليف» في عام 1966، كان هناك جيل كامل من الباحثين السوفييت في حقل الظواهر غير المألوفة. كما أن نطاق البحث اتسع ليشـمل ظواهر أخرى مثل «القوى الذهنية المحرِّكة» «Psychokinesis» (أي تأثير العقل على مادة «أو جسم آخر» دون وساطةِ «أو تدخلِ» قوةٍ فيزيائية «أو جسمانية». وكذلك البحث في كيفية التأثير في العقل بمؤثرات نفسـية أو خلافه «Psychotropics». ولم يعد الاهتمام بالبحث في الظواهر النفسية الخارقة مقصورًا على «جامعة ليننجراد»، ولا على معهد «أبحاث المخ»، وإنما امتد إلى جامعة «موسكو»، حيث افتتح قسم بعنوان «المعلومات الحيوية» «Bioinformation»، أُلحق بمعهد التكنولوجيا في جامعة موسكو.

            ومن الأسماء الجديدة التي لمعت في حقل دراسة الظواهر النفسية، «إداورد نوموف» «Eduard Naumov» أحد الباحثين في «البيولوجيا» بجامعة موسكو.في ذات الوقت، ظهر أن أوربا الشرقية تولي نفس القدر من الاهتمام لأبحاث الظواهر النفسية الخارقة. ففي كلًّ من تشيكوسلوفاكيا وبلغاريا، ظهرت أبحاث متعددة لعدد من الباحثين والدارسين، دارت تقريبًا في نفس الفلك الذي دارت فيه أبحاث الروس.وفي عام 1968، نظم «إداورد نوموف» مؤتمرًا دوليًّا في موسكو، حضره عدد من المراقبين والصحفيين الغربيين. وكان هدف «نوموف» من المؤتمر تبادل الأفكار والآراء حول ما تم اكتشافه من الظواهر النفسية الخارقة. وقد ذكر «نوموف» في المؤتمر أن الجيش السوفييتي يجري تجارب على استخدام التخاطر بين أفراد الجيش العاملين في الغواصات وأولئك الموجودين على الشواطئ. وأضاف «نوموف» أن باحثي الجيش السوفييتي ابتكروا طريقة لاعتراض التخاطر بين الأفراد.
            ويبدو أن تصريحات «نوموف» في المؤتمر أغضبت السلطات السوفييتية، فانبرت صحيفة «برافدا» «Pravda»، الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الحاكم، للهجوم على المؤتمر والحاضرين فيه، وحتى على الظواهر النفسية الخارقة.ولعل أكثر ما أثار حفيظة السلطات السوفييتية أن صحفيتين أمريكيتين، من الصحفيين الذين حضروا المؤتمر، أصدرتا كتابًا في عام 1970 بعنوان: «اكتشافات نفسية وراء الستار الحديدي». وقد أوردتْ الصحفيتان، وهما «لين شرويد» «Lynn Schroeder» و«شيلا أوستراندر» «Sheila Ostrander»، في كتابهما معلوماتٍ إضافيةً عن وقائع مؤتمر 1968، فضلاً عن مقابلات مع عدد من مشاهير البحاثة في الحقل. وقد أصدرت السلطات في الاتحاد السوفييتي تكذيبًا رسميًّا لكل ما جاء في الكتاب فور صدوره.
            والظاهر من تصرفات السلطات السوفييتية حيال البحث في الظواهر النفسية الخارقة، أن الأمور أخذت منعطفًا جديدًا يقتضي السرية والكتمان. ويدل على صحة هذا الاستنتاج أمران: الأول أن «نوموف» الذي نظم مؤتمرًا دوليًّا ثانيًا في عام 1972، على غرار المؤتمر الأول، أُقصي من منصبه بعـد المؤتمر، وحكم عليه بالعمل عامين في معسكرات سيبيريا.

            الأمر الثاني أن الصحف السوفييتية نشرت في أكتوبر عام 1973، خبرًا مفاده أن بعض الظواهر النفسية الخارقـة موجود بالفعل، وأن البحث في هـذه الظواهر سيقتصر على «أكاديمية العلوم السوفييتية».
            وفي عام 1973، ألقى الرئيس السوفييتي (آنذاك) «ليونيد بريجينيف» «Leonid Brezhnev» كلمة في «الكرملين» تكلم فيها عن نوع من السلاح وصفه بأنه «أكثر إثارة للرعب من الأسلحة النووية»! هل كان يعني الأسلحة البيولوجية (حرب الجراثيم) أم الأسلحة النفسية؟!على أي حال، فإن الطبيب التشيكوسلوفاكي «ميلان ريزيل» «Milan Ryzl»، أحد أعمدة البحث في الظواهر النفسية الخارقة في أوربا الشرقية، فرّ إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1974. وفي المؤتمر الصحفي الذي عقد له إثر منحه حق اللجوء السياسي، أعلن أن البحث في الظواهر النفسية في كل المعسكر الشرقي متقدم، وأن سلطات الأمن والمؤسسات العسكرية تولي اهتمامًا كبيرًا لهذا الحقل. كما أضاف أن «التطبيق العملي» كان شغلاً شاغلاً طوال مراحل البحث في تلك الظواهر.

            سلاح رهيب
            تغييرُ أفكار القادة السياسيين والعسكريين بالإيحاء، واستخدامُ التخاطر في التأثير في عقول الناس، واستخدامُ القوى النفسية الحركية (أيْ «القوى الذهنية المحركة») في تعطيل فعالية المعدات العسكرية، أمور قد تبدو أقرب إلى الخيال. ولكنّ تقاريرَ عديدةً تؤكد أن البحث يجري منذ عدة سنوات لامتلاك ناصية هذه الأسلحة الرهيبة. بل أكثر من ذلك، فإن بعض التقارير تفيد بأن هذه الأسلحة قد استخدمت بالفعل.في تقرير أعدته «وكالة الاستخبارات الدفاعية»، إحدى المؤسسات التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، بعنوان: «أبحاث الظواهر النفسية في الاتحاد السوفييتي وتشيكوسلوفاكيا»، يؤكد التقرير أن المعسكر الشيوعي متقدم على الغرب عشرات السنوات في هذا الحقل، وأن التطبيق العملي للظواهر النفسية الخارقة في المجال العسكري ومجال الاستخبار (التجسس) كانت له أهمية خاصة. وجاء في ختام التقرير المذكور، الذي استغرق إعدادُه الفترةَ من عام 1972 إلى عام 1975، أنه من غير المستبعد أن يكون الاتحاد السوفييتي يملك، أو على الأقل بصدد أن يملك، معداتٍ عسكريةً تصلح للاستخدام في حرب نفسية.

            على أن «المعسكر الشيوعي» لم يكن الوحيد الذي يسعى لاستخدام الظواهر النفسية الخارقة كسلاح في حرب غير معلنة. ففي عام 1980، حصل الصحفي الأمريكي «راندي فيتزجيرالد» «Randy Fitzgerald» على وثيقة من وكالة الاستخبارات الأمريكية، في نطاق قانون حرية المعلومات، تشير إلى أن البحث في الظواهر النفسية الخارقة، خصوصًا «الإدراك بغير حواس»، بدأ في الولايات المتحدة في مطلع عام 1952. وتتضمن الوثيقة توصية بضرورة تدريب الجواسيس الأمريكيين على استخدام «الوسائل النفسية». (الإدراك بغير حواس Extra Sensory Perception هو ما يطلق عليه «الحاسة السادسة» ويمكن تعريفه كما يلي: إدراك معلومات (بيانات أو تفاصيل) عن أحداث ماضية أو حاضرة ، وراء نطاق ما يمكن إدراكه من خلال الحواس الخمس).

            وفي عام 1981، أثار المعلق الصحفي الأمريكي «جاك آندرسون» «Jack Anderson»، ضجة واسعة النطاق في أمريكا، عندما كتب أن وزارة الدفاع الأمريكية تقوم بتدريب قوة عمل خاصة على استخدام الظواهر النفسية الخارقة منذ عام 1976. وذكر الكاتب في مقاله أن البحرية الأمريكية بالتعاون مع «معهد ستانفورد للأبحاث» تهتم اهتمامًا كبيرًا بالموضوع.
            وتتوالى المعلومات عن نشاط المؤسسات العسكرية الأمريكية في حقل الظواهر النفسـية الخارقة، فتنشر المجلة العسكرية الأمريكية المشهورة «Military Review» مقالاً لضابط متقاعد في الأسطول الأمريكي، في عددها الصادر في ديسمبر عام 1980، حيث يذكر الضابط واسـمه «توماس بيردن» «Thomas Bearden» أن هناك 26 آلة يملكها الأسطول الأمريكي تستخدم كأسلحة في حرب نفسية. وتتراوح هذه الآلات بين تلك التي تبث بين الناس أصواتًا مرعبة، وتلك التي تصدر ذبذبات تشبه هزات الزلازل، مرورًا بتلك التي يمكنها تقليد أصوات الانفجار النووي. والضابط صاحب التقرير ليس ضابطًا عاديًّا. فهو حاصل على ثلاث درجات جامعية عليا، ولديه خبرة طويلة في حقل «الهندسة النووية»، وعمل فترة في وزارة الدفاع كمحلل للعمليات الحربية، وكمصمم لأجهزة الدفاع الجوية.

            على أن الكاتب البريطاني «ريتشارد ديكون» «Richard Deacon» الذي ألّف عدة كتب عن الجاسوسية الدولية، يذكر في كتابه عن أجهزة المخابرات الاسرائيلية (بعنوان: «The Israeli Secret Service») أنه لا الولايات المتحدة ولا الاتحاد السوفييتي يعتبر الدولة المتفوقة في الظواهر النفسية الخارقة، وإنما إسرائيل! ويذكر الكاتب في نفس الكتاب أن الكيان الصهيوني العنصري يملك أكثر الوسائل تقدمًا في مجال الحرب النفسية.والخلاصة: إن عصر التحكم في العقول من بُعْـد قد بدأ بالفعل! ولم يعـد هناك شك في أن الظواهر النفسية الخارقة خرجتْ من طور الطرافة إلى طور الاستخدام كسلاح فعال في الصراعات الدولية. وبينما تتقدم روسـيا في هذا المجال على الغرب، فالواضح أن استخدام تلك الأسلحة غير المعلنة ليس مقصورًا على «دب الشرق»، فهناك في الحلبة الولايات المتحدة، وهناك إسرائيل.
            ترى، كم تعرف أمتنا عن هذا النوع من السلاح؟!
            وكم تعرف أمتنا عن الحرب النفسية؟!
            وماذا أعدت لذلك في المقابل؟!



            التعديل الأخير تم بواسطة محمدعامر; الساعة 2013-12-24, 03:38 PM.

            تعليق


            • #7


              الإيحاء ... بحث
              (6)



              المدخل السيكولوجي لمصادرة العقل

              من اكثر المفاهيم شيوعاً بين عامة الناس وبين المتعلمين ايضاً وربما لا نغالي كثيراً اذا قلنا انه بين المثقفين يوجد هذا الاحساس ايضاً،فالايحاء كما عبر عنه(سيجموند فرويد)بقوله:يقال عادة عن شخص انه خضع لايحاء ان خطرت له فكرة او اعتنق عقيدة او شَعر بميل دون ان يدرك ان الفكرة او العقيدة او الميل يصدر في الحقيقة عن فعل خارجي مباشر او عن ارادة مستقلة عنه.
              يلعب الايحاء دوراً مهماً في سلوك الفرد واختيار علاقاته وطرائق تعامله واساليب حياته حتى عد انه المحرك الذي يوجه الفرد الذي يتأثر به،وتعود هذه التاثيرات الى نمط الشخصية الفردية،ويؤكد ذلك عالم الاجتماع الشهير"رالف لينتون"بقوله ليس ثمة شك في ان الثقافة مسؤولة عن الجزء الاكبر من محتوى اي شخصية وكذلك عن جانب مهم من التنظير السطحي للشخصية وذلك عن طريق تشديدها على اهتمامات او اهداف معينة فتكوين الشخصية واستعدادها وتأثير الثقافة لهم الدور الاكبر في استقبال واستلام الايحاءات الصادرة من الاخرين ومدى تقبلها،فيكون الفرد حساساً الى الدرجة التي يدرك بها اية استثارة خارجية حتى تلعب الدور الاكبر في ادارة سلوكه وهذا الايحاء ليس شرطاً ان يكون فردياً،مخصص لفرد بعينه،بل ربما لجمهرة من الناس او حشد من الافراد يكون التأثير السيكولوجي لاية ظاهرة عليهم قوياً وفعالاً حتى ليبدو هذا الايحاء اصلاً للمحاكاة التي يرجع اليها تكون الظواهر الجمعية.وقديماً استخدم التنويم المغناطيسي نوع من الايحاء المتعمد.ان ما يهمنا في موضوع الايحاء هو مدى استخدامه في قوة التأثير على بعض الافراد وخصوصاً التابعين او لدى بعض الجماعات المتطرفة دينياً او سياسياً او مذهبياً،حينئذ يكون استخدام الايحاء مدخلا سيكولوجياً لمصادرة الاستبصار،والاستبصار يعد في علم النفس الحديث،ادراك الواقع كما يريده الفرد وليس كما يصوره الآخر،فحين تتشوه المدركات تغير الصور وتتداخل وتتشابك حتى تبدو محرفة وتقول "ليندا دافيدوف"اننا لا نستطيع سماع الاصوات ذات الطبقات العالية التي يسمعها الخفاش وكذلك لا يمكننا شم رائحة العرق الذي يفوح من النعال والاحذية في حين يمكن للكلاب ذلك ولا نتأثر بالطاقة المغناطيسية والكهربائية مثلما يحدث لبعض الحشرات والاسماك والطيور ولا يمكننا رؤية جزئيات المادة منفردة او اشعة اكس، فالانسان يدرك احياناً مثيرات غير موجودة ولكن بطريقة خاصة ذات تأثير خارجي يكون الاستعداد الداخلي مهيأ لها،وتضيف(دافيدوف)يعتمد الادراك البشري على التوقعات والدوافع والخبرات السابقة ويظهر تأثير التوقعات بسهولة في عملية الايحاء واستغلالها استغلالاً امثل.

              يقول علماء الصحة النفسية ان الافراد الاكثر تأثراً بالايحاء هم الشخصيات الوسواسية التسلطية ومن خصائصها، ان صاحبها في حالة تحفز دائم للشك،وهو يرى ان في ما يعمله هو الصواب،فهو دائم الرجوع الى نفسه ومحاسبتها ويسعى نحو الكمال في كل شئ،وهو عنيد في الرأي وكأنه ملزم على هذا العناد، اذا خطرت له فكرة لم يستقر او يهدأ حتى ينفذ ما اوحت له به، وهنالك بعض الصفات الثانوية التي يتميز بها من اهمها الحساسية والانطواء المشوب بالخجل فضلا عن التشاؤم والمثالية، ونلاحظ على البعض من المتطرفين الدينيين التواضع الزائد على اللزوم والاهتمام بالتفاصيل وعدم التساهل مع النفس او مع الاخرين.
              تتميز الشخصية الوسواسية بالدقة والنظافة الزائدة هذا من جانب الافعال اما من جانب الافكار، فالافكار المتسلطة على صاحب هذه الشخصية تقوده الى قبول الايحاء حتى وان لم يعتقد به في نفس اللحظة، الاانه يظل يراوده في كل اجزاء حياته فاحياناً تستحوذ فكرة معينة من داخل نفسه او ربما ادركها بالايحاء، تتردد هذه الفكرة باستمرار على ذهنه وتتسلط بحيث لا يستطيع ردها او التخلص منها،كأن يسيطر موقف سئ عليه مثل توقع حدوث حادث سيارة او موت مفاجئ او حريق سينشب في العمل او في بيته(داره) وهو غائب عنه،حتى تجعل هذه الافكار المتسلطة حالته النفسية مليئة بالقلق والخوف المستمران.

              ان تقبل الايحاء يربك الاتزان وخصوصاً اذا ما كانت الشخصية بها من التطرف نحو الوسواس فيكون تأثيره فعال جداً،فنراه كثير الشك،كثير التدقيق،كثير البحث عن مبررات وحلول يقتنع بها ولا يطبقها،فيعيش صراع لا منتهي بين ما يراه خطأ وسخيف ويمارسه ويسير وراءه وبين ضياع استبصاره العقلي.
              يعد تأثير الايحاء على البسطاء من الناس اكثر تأثيراً حتى ادى بهم الحال الى مصادرة العقل والجري وراء بعض الشخصيات المؤثرة دينياً او سياسيا او فكريا حتى كان البعض ممن يمارسون الدجل بأسم الدين هم الاكثر تاثيرا على هؤلاء البسطاء وحققوا ثراءاً وسطوة على عقول هؤلاء البسطاء من الناس او الشخصيات الوسواسية فيؤكد (لينتون) على اهمية التأثير البيئي على السلوك والشخصية وهنا يتحدث عن البيئة بشقيها الطبيعي والاجتماعي فيقول: ان البيئة تتحكم في الخبرة ثم يقول ان الثقافة عن طريق تأثيرها على البيئة تؤثر على الخبرة وبالتالي على الشخصية،لان البيئة حتى البيئة الطبيعية التي توفرها منطقة جغرافية معينة لا تؤثر على الفرد الا بعد ان تكون قد ترشحت خلال مرورها من مصفاة تقيمها الثقافة بين الانسان والطبيعة. فظهور عوامل مؤثرة في البيئة مع تدني القوة النفسية والمناعة ووجود عوامل تكوينية تساعد على الايحاء،يجد الايحاء طريقه سالكا الى عقول الناس مهما اختلفت وتباينت ثقافاتهم وبيئاتهم.



              تعليق


              • #8


                الإيحاء ... بحث
                (7)



                الوحي وألأطار ألفكري للإنسان

                أعتمدَتْ ألأديان السماوية وألأديان والمعتقدات ألأخرى لترسيخ أفكارها ومعتقداتها على ألايحاء، فألأذان وألصلاة المتكررين لخمس مرّات في اليوم وألذِكْر وألصوم وألحج من وسائل تثبيت العقائد والافكار في عقول ألبشر، إنَّ ألايحاء ُيحدِث تأثيره بواسطة ألبشر ايضا، فألانسان يستطيع نقل أو ترسيخ أفكاره في عقول ألاخرين بألكلام ألمباشر أو ألكتابة، وحسب المعتقدات ألاسلامية فإنَّ ألشياطين وألجِن لها قابلية ألتأثير على عقول ألنّاس فيسمّى ألايحاء حينئذ بألوسوسة

                ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ* مَلِكِ النَّاسِ* إِلَهِ النَّاسِ* مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ* الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ* مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ* )..... سورة ألنّاس

                ، ونفهم مِنْ هذه السورة أنَّ ألوسوسة يُمكِن أنْ تَحدُث بواسطة ألإنسان أيضا وهنا يكون العامل الحاسم في تحديد ذلك هو نيَّة ألموسْوِس، فإذا كانت نيّته شريرة فعندئذ تسمّى بألوسوسة.

                أمّا ألوحي فهو ألاتصال بين ألله (جلّ جلاله) وألأنبياء بطريقة مباشرة كتكلُّم ألله (جلّ جلاله) مع النبي موسى(ع) أو عن طريق وسيط كإنزال الوحي على ألنّبي محّمد(ص) بواسطة ألمَلَك جبريل(ع). في أسباب نزول ألآيات

                ( قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ* مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ*)....ألآيات 97 و 98 مِنْ سورة البقرة،

                ذَ
                كَرَ بعض المُفسِّرين بأنَّ هذه ألآيات نزلَتْ ردّاً على ألْيَهُودِ الَّذِينَ قَالُوا : إنَّ جِبْرِيل عَدُوّنَا مِنْ الْمَلَائِكَة , وَمِيكَائِيلَ وَلِيّنَا مِنْهُمْ، وفي تفسير ( في ظلال ألقرآن) يذكُر في تفسير هذه ألآيات ما يلي:

                "وفي قصة هذا التحدي نطلّع على سمة أخرى من سمات اليهود . سمة عجيبة حقا . . لقد بلغ هؤلاء القوم مِن الحنق والغيظ مِنْ أنْ يُنزّل الله من فضله على من يشاء من عباده مبلغا يتجاوز كل حد , وقادهم هذا إلى تناقض لا يستقيم فية عقل . . لقد سمعوا أنَّ جبريل يَنزِل بالوحي مِنْ عند الله على محمّد [ ص ] ولمَّا كان عداؤهم لمحمّد قد بلغ مرتبة الحقد والحُنق فقد لجَّ بهم الضغن أنْ يخترعوا قصَّة واهية وحجَّة فارغة , فيزعموا أنَّ جبريل عدوهم , لأنَّه يَنزِل بالهلاك والدمار والعذاب ; وأنَّ هذا هو الّذي يمنعهم مِنْ الإيمان بمحمّد من جراء صاحبه جبريل ! ولو كان الّذي يَنزِل إليه بالوحي هو ميكائيل لآمنوا , فميكائيل يتنزَّل بالرخاء والمطر والخصب !

                إنّها الحماقة المضحكة , ولكن الغيظ والحقد يسوقان إلى كلِّ حماقة . وإلّا فما بالهم يعادون جبريل ? وجبريل لم يكن بشرا يعمل معهم أو ضدهم , ولم يكن يعمل بتصميم مِن عنده وتدبير ? إنَّما هو عبد الله يفعل ما يأمره ولا يعصى الله ما أمره !

                (قل:من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله). .

                فما كان له مِنْ هوى شخصي , ولا إرادة ذاتية , في أنْ ينزله على قلبك , إنَّما هو مُنفِّذ لإرادة الله وإذنه في تنزيل هذا القرآن على قلبك . . والقلب هو موضع التلقي , ويستقر هذا الكتاب فيه ويُحفَظ . . والقلب يُعبَّر به في القرآن عن قوَّة الإدراك جملة وليس هو هذه العضلة المعروفة بطبيعة الحال ."....

                انَّ وحي ألله (جلّ جلاله) غير مقتصر على ألإنسان فقط، فألله (جلّ جلاله) أوحى إلى ألحشرات أيضا

                (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ*).....سورة ألنحل ألآية 68.

                يقول أبن كثير في تفسير هذه ألآية: "المُرَاد بِالْوَحْيِ هُنَا الْإِلْهَام وَالْهِدَايَة وَالْإِرْشَاد لِلنَّحْلِ أَنْ تَتَّخِذ مِنْ الْجِبَال بُيُوتًا تَأْوِي إِلَيْهَا وَمِنْ الشَّجَر وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ هِيَ مُحْكَمَة فِي غَايَة الْإِتْقَان فِي تَسْدِيسهَا وَرَصّهَا بِحَيْثُ لَا يَكُون فِي بَيْتهَا خَلَل" .... .

                إنَّ ألوحي للنحل في هذه ألآية يٌقصَد بها: أنَّ ألله (جلّ جلاله) أودع في فطرة هذه ألحشرة كيفية أتّخاذ الجبال والشجر ومما يبني ألانسان من العروش سكنا لها، وبعبارة أخرى أودع في كروموسومات النحل هذه المعلومات ألّتي تتصرّف ألنحل بهديها. كما أنَّ ألله (جلّ جلاله) يوحي الى الجماد أيضا

                ( أِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا* وَأَخْرَجَتِ الْأَرْض أَثْقَالَهَا* وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا* يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * )..... ألآيات من 1 إلى 5 مِنْ سورة ألزلزلة.

                أي أطاعت ألارض ربّها وتحدّثت عن أخبارها ووصفت حالها وما جرى لها.

                عند ذكر الملائكة يتبادر إلى ألذهن سؤال مُلِّح وهو: نحن نعلم أنَّ ألله (جلّ جلاله) قادر على كلِّ شيء وإذا أراد لشيءٍ أنْ يكون فيقول له كُنْ فسيكون، لذا هل يحتاج ألله (جلّ جلاله) لكي يَغرُس ألآيات القرآنية في قلب محمَّد ( ص ) إلى(جبريل) ؟ إنَّ ألله سبحانه وتعالى قادر على أنْ يوحي ما يشاء إلى ألأنبياء مباشرة، فما ألحكمة إذَنْ مِنْ أستخدام ألملائكة كحلقة للوصل؟

                إنَّ ألقرآن نزل في مرحلة معينّة من تطوّر العقل ألانساني وتطوُّرْ العلوم، لذا فمن المنطقِ أنْ يُخاطِب تلك العقول بكلمات وأسماء وجُمَل يستطيعون منْ إستيعابها وفهمها، وقد تكون الملائكة وأسمائها رموز لوسائل اخرى تُستخدَم للاتصال مع ألله (جلّ جلاله) كالموجات الكهربائية، نحن نعلم اليوم وبفضل تقدّم ابحاث ألباراسيكولوجي أنَّ دماغ ألأنسان يبّث ويتلّقى موجات كهربائية ويستطيع بعض ألاشخاص الموهوبين في هذا المجال مِنْ ألأتصال عن بُعدٍ ( ألتليباثي ) مع عقول اشخاص اخرين وأكبر دليل على ذلك عملية التنويم المغناطيسي. وهنا نوّد انْ نطرح تساؤلا:

                كيف يتم ألأتصال مع الخالق اثناء دُعاء ألأنسان؟
                هل أنَّ الملائكة هم الّذين ينقلون الدعاء، أم أنَّ دماغ او روح الانسان يُرسل الدعاء كموجات كهربائية؟
                نأمل أنْ يكشف التقدّم في العلوم هذه الامور وما خفي على الانسان اكثر منْ هذا بكثير.
                رُبَّ سائل يتسائل ما الحاجة لإرسال ألأنبياء إذا كان ألله (جلّ جلاله) في كلِّ مكان

                (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ).... سورة ألنحل ألآية 40

                ،وهو قادر على كلِّ شيء


                (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ))... سورة ق ألآية 16،

                أي أنَّه يستطيع انْ يمسح مِنْ نفوسنا جميع الشكوك والعصيان والكفر ويغرز فيها ألايمان والطاعة كما نمسح ذاكرة الحاسبة ألألكترونية عندما تُصاب بالفيروسات ألألكترونية ؟

                للأجابة على هذا ألتساؤل لنفترض أنَّ ألله (جلّ جلاله) خَلَقَ ألنّاس جميعا مؤمنين ومتساوين في مستواهم العقلي، ففي هذه ألحالة سيتحوّل جميع ألجنس ألبشري إلى مخلوق مُماثل للملائكة، وينتهي ألتنازع فيما بينهم وبهذا يبطل الغاية مِنْ استخلاف ألبشر على ألأرض.

                أمّا ألتساؤل ألأهم ألّذي يلي ألتساؤل ألسابق فهو: لِمَ خلق ألله ألأنسان؟ و
                ألجواب ألوحيد نجده في ألقرآن ألكريم في سورة ألذاريات ألآيات 55 و 56 و57

                ( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ* وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ*مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ* ).

                ولكن ألتساؤال ألسابق وجوابه يُحيلنا إلى تساؤل آخر وهو: هل يحتاج ألله (جلّ جلاله) إلى عبادتنا له؟
                ألجواب طبعا لا، إذنْ لِمَ خَلَقَنا ألله (جلّ جلاله)؟
                إنَّ عقلي ألمحدود لَمْ يتوصّل إلى جواب لهذا ألتساؤل ألخطير ولا أملك غير أنْ أقول

                (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ))...سورة ألإسراء، ألآية 85 .

                إنَّ ألايحاء يُكوِّن إطارا فكريا للإنسان وبالتالي للمجتمع ولا يُمكن الفكاك من هذا الاطار بسهولة.
                وإنَّ الانسان اعتاد أنْ ينظر إلى ألكون مِنْ خلال إطار فكري يُحدد مجال نظره، وأنَّه يستغرب أويُنكِر أيَّ شيء لا يراه مِنْ خلال ذلك ألإطار. فألإنسان بهذا ألمعنى يشابه ألحصان ألّذي يجر ألعربات، حيث قد وضع على عينيه إطارا لكي يتوجه ببصره إلى ألأمام فلا يرتبك أو يتطوّح في سيره، وليس هناك فرق اساسي بين المتعلمين وغير المتعلمين في هذا الخصوص، فالفرق( إنْ وجِدَ ) إنّما هو فرقٌ بالدرجة لا بالنوع.

                وهنا ينبغي ان نُميِّز بين المتعلِّم والمثقّف، فالمتعلِّم هو من تعلَّم امورا لم تخرج عن الاطار الفكري الّذي اعتاد عليه منذ صغره. فهو لم يزدد من العلم إلّا مازاد تعصّبه وضيّقَ من مجال نظره، هو قد آمنَ برأي من الاراء او مذهب من المذاهب فأخذ يسعى وراء معلومات الّتي تؤيده في رأيه وتحرّضه على الكفاح في سبيله.

                أمّا المثقّف فهو يمتاز بمرونة رأيه وبأستعداده لتلّقي كلّ فكرة جديدة وللتأمّل فيها ولتملّي وجه الصواب منها"...... إنَّ ألاطار الفكري للإنسان يتغيّر بتغيّر بيئته ألأجتماعية ونتيجة اطّلاعه على مُعتقدات وثقافات وعلوم وحضارات المجتمعات ألأخرى، وهذا التغيّر يختلف في درجته بين المثقّف والمتعلّم والجاهل فالمثقّف يتأثر أكثر مِنْ المتعلِم والجاهل.

                تعليق


                • #9



                  في هذا المقال المبسط اود ان القي الضوء على الايحاء الذاتي واثره السلبي والايجابي على الفرد, وسنستعرض بعض المراجع المعللة لبعض العلل النفسية لدى البعض الذين يتميزون بخصائص ذهنية او نفسية قابلة للايحاء. وسنشير الى ملخصات بعض الدراسات والابحاث التي تؤكد ان الايحاء الذاتي قد يدفع بالفرد اما الى المرض النفسي او النجاح, وسنتناول كيفية ان الثقافة بشكل عام قد تلعب دورا بارزا في اذكاء مفاهيم غيبية معينة لدى الفرد (خاصة لمن لديه تكوين شخصي او سمات شخصية قابلة للايحاء) ما قد يسفر عن استحواذ هذه المفاهيم على تفكيره وبالتالي الدخول في صراع نفسي (هوس, وسوسة, شكوك) يؤدي به الى المرض. وسنعرج على دراسة حديثة حول التكوين الكيميائي للدماغ اثناء المرض وضرورة التداوي بالعقاقير الطبية التي تعيد توازن كيمياء الدماغ حتى يعمل بكفاءة عالية.

                  وقبل ان نعرف ونغوص في تفسير وشرح "الايحاء الذاتي" يجب ان نراجع بشكل مقتضب عمل الدماغ واهمية التنشئة المبكرة في بنائه واثر ذلك في تشكل السلوك المستقبلي للفرد.

                  اول من اكتشف مفهوم "العقل الباطن" هو عالم الماني يدعى كارل غوستاف كاروس, متخصص في علم الوظائف "فيسيلوجي" قبل نحو قرنين من الزمان. وقد اقترح ان الانسان يمتلك عقل لا واعية كامنة وراء العقل الواعي. وقد اتى لاحقا المحلل النفسي النمساوي الشهير سيغموند فرويد بنظرية ان النفس البشرية ليست مركزا قائما بذاتها بل أن العمق اللاشعوري هو المسيطر والمتحكم بها". وقال: "ان العقل الباطن هو مكان مظلم بعض الشيء وفيه يتم تخزين عواطفنا المكبوته وذكرياتنا المؤلمة, واوضح اننا ربما لا ندرك هذه التجارب المخفية في اللاوعي غير انها تؤثر بقوة في تشكيل سلوكنا اليومي. واكد ان اللحظات التي يمكن ان تتجلى فيها هذه المشاعر المكبوته قد تكون من خلال نوبات الذهان والاحلام.

                  فرويد يرى ايضا ان تجاربنا وخاصة تلك المريرة كالحرمان العاطفي والمادي التي نمر بها في مراحل نمونا المبكر تبقى فاعلة في العقل الباطن, بمعنى ان سلوكياتنا تتشكل وفق هذه التجارب او ان انعكاس هذه التجارب تبقى تلازمنا وتؤثر في سلوكنا الى اخر العمر. بمعنى ان بناء ادمغتنا يتم او يتشكل وفق تنشئتنا المبكرة, وان تطويرا لمفاهيمنا لاحقا سوف يحدث لكن سيظل تغييرا مرتبطا بمدى سماح بنائنا الدماغي والمعرفي الذي تشكل في الصغر للقبول بالتعديل من عدمه.
                  مثال ذلك, ان الطفل الذي عاش في بيئة مشحونة بالشجار والخوف فانه ولكي يتكيف مع هذه البيئة فانه قد يستمرئ الكذب كوسيلة للدفاع عن نفسه, هذا الطفل وبعد ان يصبح رجلا راشدا وحتى بعد ان يتلقى تعليما ومعرفة عاليتين فانه في مناسبات كثيرة لن يستطيع ان يتخلص من ممارسة "الكذب" او قد يطور مفاهيم جديدة كالمجاملة والمداهنة ولن يستطيع ان يتخلص من هذه العادة الا نادرا. غير ان هناك ابحاثا تشير الى ان الانسان قد يستطيع ان يغير طريقة تفكيره وسلوكه اذا ما اخضع لبرامج سلوكية علاجية تحت اشراف اخصائي نفسي عن طريق ما يعرف بـ "الايحاء".

                  • الايحاء الذاتي وعلاقته بتصوراتنا وطموحاتنا وعللنا النفسية

                  الايحاء الذاتي: يعني العملية التفكيرية التي تدفع بالشخص للقبول بأفكار ومعتقدات واراء الاخرين دون بذل الكثير من التفكير. ومصطلح الايحاء الذاتي في علم النفس, هو عملية ذهنية تخضع الشخص عن طريق الوعي او اللاوعي للقبول بالطرق او الافكار التي تزوده بالوسائل او القناعات التي تؤثر في سلوكه ومعتقداته وتصوراته.
                  بعض المعاجم تشير الى ان الايحاء هو اقتراح او تلميح او فكرة تنتقل للشخص من خلال الحواس المادية: السمع والبصر والشم واللمس او التذوق، أو مباشرة من العقل إلى العقل، وهذا ما يعرف بالتخاطر. والايحاء الذاتي، هو بطبيعة الحال اقتراح على الذات من قبل الذات نفسها, كـ "الوسوسة".

                  وقد لوحظ ان الايحاء الذاتي خاصية موجودة لدى معظم الناس، لكن هناك من يصبح الايحاء لديه مؤثرا جدا بحيث يصبح اسيرا لما يقال له او يوصم به حتى لو كان ما قيل فيه ليس الا مجرد مزاح او مداعبة. وهذه احدى مخاطر الايحاء، وبمساعدة الايحاء الذاتي لدى البعض الذين يكون لديهم الاستعداد الذهني والنفسي للدخول في دوامة من "الوسوسة" التي في الغالب تنتهي بمرضهم نفسيا وعضويا.
                  والحقيقة ان الايحاء الذاتي اصبح مقبولا بشكل عام لدى الاكاديميين النفسانيين, وهم يرون على سبيل المثال, انه ومن خلال الايحاء الذاتي نستطيع ان "نكون ماذا نريد", فنستطيع عن طريق الايحاء الذاتي تغيير مستقبلنا الى الافضل, دعم استقلاليتنا, تغيير مظهرنا. ونستطيع كذلك معالجة انفسنا من الالام والامراض والعلل النفسية, وفي حالات اخرى قد نستسلم للايحاء الذاتي الذي انخرطنا فيه لان فلانا من الناس اوحى لنا اننا عاجزين عن عمل "امر ما" لاننا عاجزين او محسودين او مسحورين الخ, هنا تبدأ افكارنا تلتهمنا ومن ثم نقع فريسة ايحائاتنا التي ستطرحنا ارضا لنجد انفسنا فعلا عاجزين عن تحقيق الهدف الذي ننشده, وهكذا نمضي ندير حياتنا بموجب ما يتردد في اذهاننا عن طريق ايحائتنا التي نصنعها بانفسنا او تصنعه لنا اذهاننا بالتناسق مع ما يفرضه علينا الاخرين. طبعا هناك فروقات ذهنية ونفسية تجعل البعض اكثر عرضة للتاثر بالايحاء من غيرهم, يوضح وورسستر واخرين (1908) بقوله, ان كل البشر يقعون تحت تأثير عواطفهم وكذلك علاقاتهم مع الاخرين, لكن درجة التاثير تكون اقوى لدى البعض من غيرهم, فهناك مكونات او سمات شخصية ايجابية مهيمنة ترى ان مهمتها في الحياة هو للتأثير على الاخرين, وفي المقابل هناك المتقبلون الذين يسهل انقيادهم وهم في الغالب ذو طبيعة سلبية لديها استعداد طبيعي للتأثر بما يملى عليها. لذلك, يرى انه في عالم اللاوعي هناك بعض الاشخاص يكون لديهم استعداد نفسي او ذهني يجعلهم اكثر عرضة للتأثر بالايحاء واخرين لا يعتبر الايحاء مؤثرا البتة. وهذه في رأيي اشكالية مجتمعية - ثقافية خطيرة, يقع ضحيتها الافراد الذين لديهم استعداد ذهني لتقبل الايحاء الذي قد يدخلهم في دائرة الصراع مع الافكار او الوسوسة المؤدية الى مختلف الامراض النفسية.

                  من الظواهر المثيرة للاهتمام تلك التجارب التي توضح كيف ان طبيعة تفكيرنا من حيث المبدأ قد تساعدنا في التشافي او المرض. ووفق شيرلي وانغ, فان العديد من المرضى الذين اخضعوا للمعالجة بواسطة استخدام ما يعرف بـ الطب التحقيقي, وعن طريق ما يسمى بجرعات "الوهم" اوجرعات "البلاسبو", وجرعة الوهم تتكون من مواد غير نشطة، مثال ذلك "ماء عادي" تم وصفه للمرضى الذين يشكون من امراض معينة, وقد صرف لهم دون علمهم بحقيقة مكوناته, بمعنى انهم اخذوه كدواء حقيقي. وقد لاحظ الاطباء من خلال التجارب الميدانية الحقيقية للكثير من المرضى الذين تناولوا جرعات "الوهم" انهم تشافوا تماما, وتفسير ذلك وفق وانغ, ان المرضى ببساطة استعملوا مخيلاتهم بشكل ايجابي (الايحاء الذاتي) والتي بدورها منحتهم القوة للسيطرة على انفسهم وبالتالي التعافي الكامل.


                  وفي جانب متصل اشار شيرلي وانغ الى حادثة وقعت في صباح خريف عام 1998, وذكرت, ان احدى المعلمات في مدرسة تينيسي لاحظت رائحة غاز ينبعث من مكان ما في الفصل الذي تدرس فيه, وقد شعرت بالدوار والغثيان وكذلك حدث لبعض طلابها. وذكرت انه قد تم نقلهم بواسطة سيارة إسعاف إلى مستشفى قريب. كما ان الموظفين المعنيين والطلاب الذين شاهدوا زملاءهم اصبحوا هم ايضا يعانون من مشاعر الغثيان والدوران. واجتمع في غرفة الطواري في ذلك اليوم 100 شخص كلهم يعانون ذات الاعراض التي يعتقدون ان سببها تعرضهم للغاز. غير انه وبعد اجراء الفحوصات الطبية عليهم تبين انه لا اثر للغاز على حالتهم الصحية.
                  "ما حدث هو مرض حقيقي، على الرغم من ان مسببه ليس جراثيم او ابخرة سامة", وفقا لجونز واو تيموثي، نائب الولاية للاوبئة في وزارة الصحة ولاية تينيسي. واكد انه لم يكن هناك عدوى, لكن بالتأكيد لقد تم انتقالها"، حسب وانغ.
                  وحسب الباحثة وانغ, فان هذه الظاهرة تعرف بـ مرض "السايكوجنك الشامل", بحيث تنتقل اعراض المرض من شخص لاخر بين الناس الذين يشاهدون بعضهم البعض. "انت تمرض لانك رأيت شخصا ما مريضا" وهو ما يطلق عليها حسب المراجع النفسية, "المرض النفسي الشامل": انتقال الافعال او المشاعر عبر اللاوعي من شخص الى اخر وهذه احدى صور الايحاء الذاتي.

                  يعتبر البروفيسور اميل كوي الاب الروحي المؤسس لنظرية الطرق الذاتية المساعدة للايحاء. ولديه سجل متكامل عن الحالات المرضية التي عالجها بواسطة "الايحاء الذاتي" الذي استخدم فيه تكرار المقولة البسيطة التالية, "كل يوم وفي كل الاحوال, انا اتحسن اكثر فأكثر". وقد تم تعديل هذه المقولة الى "كل يوم وفي كل شيء اصبحت افضل وافضل", وعلى الرغم من بساطة هذه الجملة لكنها مؤثرة جدا حينما تصبح مطبوعة في العقل الباطن.
                  اميل كوي في كتابه بعنوان "السيطرة على النفس من خلال الإيحاء على مستوى الادراك" وفيه طريقة مبسطة (طريقة كوي) لمعالجة القضايا الصحية من خلال استخدام الاقتراحات التي قدمت مرارا وتكرارا على مستوى الادراك او الوعي, والتي من خلاله يتم تحويلها الى اللاوعي، وحينما يتم تفعيلها او استلامها في اللاوعي او العقل الباطن, يبدأ بعد ذلك معالجة الاشكالية المرضية بواسطة العقل الباطن, ما يتيح للنفس طمأنينتها وبالتالي الشفاء, (كما هو موثق في كتابه الآنف الذكر).
                  ويعتقد وورسستر, ان المبدأ النفسي الذي يعتمد عليه الايحاء يعرف بـ التفكيك, أي تركيز العقل على بعض الامور واستبعاد اخرى. ويمكن ان يمتد الى عزل العقل الباطن عن العقل الواعي, والحقيقة ان العقل الباطن هو العامل الاهم في معالجة او حدوث المرض وبناء عليه فان الايحاء يستهدف او يثير ويؤثر في العقل الباطن الذي كما يؤكد فرويد انه المسيطر على السلوك.
                  ويضيف وورسستر, ان الايحاء ليس محدودا بمعالجة المرض فقط, فقوته توازي الحياة نفسها. والدروس المهمة التي تعلمناها لم تعط لنا بصيغة تعليمات موجهة - بل هي دروس مشبعة بالافكار المجرثمة والتي تسقط على عقولنا كالبذور التي تسقط على التربة المهيئة لها, والتي يقوم العقل باعتمادها وتحويلها او تحريفها الى ان تنتهي بتحويلنا.

                  وورسستر يؤكد ان الشفاء عن طريق الممارسة العلاجية يعتمد على الايمان, فمهما تكن الوسيلة المستخدمة للعلاج, فان نجاحها يتوقف على ايمان المريض, وعلى قناعته بأهمية المعالجة عن طريق الايحاء.
                  ذكر وورسستر ان "المراق" وهو احد انواع مرض الاضطراب النفسي الذي يحدث للانسان نتيجة للايحاء الذاتي. ويشرح ذلك انه حينما نشعر مثلا بعدم ارتياح او يعترينا التعب او الشعور بالالم البسيط في عضو معين في اجسامنا, فإن هذه الاعراض الطارئة قد تثبت في ادمغتنا فكرة الاشتباه باصابتنا باحد الامراض, مثل داء الرئة او القلب او الكلى.. الخ، ولان عقولنا ركزت على هذه الاعضاء فمن الطبيعي ان نشعر باضطرابات وظيفية خفيفة طبيعية وهي تحدث باستمرار لكن تركيزنا اظهرها بشكل مختلف, ومن هنا تبدأ اذهاننا في صناعة المرض للعضو الذي اصبحنا نشتبه فيه رغم سلامته, هذا الانحراف من حالة طبيعية لبعض الوظائف العضوية الى حالة مرضية يتم نتيجة الانتباه او المراقبة المستمرة لفترات طويلة المتمركزة حول العضو المحدد.
                  والحقيقة ان الدكتور وائل أبو هندي قد كتب مقالا علميا متميزا بعنوان "اسباب الامراض النفسية" (2003), وذكر حقائق علمية حول عمل الدماغ وارتباطه بالامراض النفسية حيث ذكر في المقدمة "أصبح الكلامُ عنْ أسباب المرض في الطب النفسي مختلفًا بشكْلٍ ملفتٍ في السنوات الأخيرة، فبعد أن كانَ الأمرُ متعلقًا بالتفسيرات التي تقدمها مدارس علم النفس المختلفة، أصبحَت التفسيراتُ المعاصرةُ متعلقةً بالتغيرات الكيميائية وربما التركيبية في المخ".


                  طبعا، اختلف مع الدكتور ابوهندي في مسألة ان التغييرات الكيميائية كانت هي السبب المباشر للامراض النفسية, فالواقع ان ما استعرضه من حقائق حول عمل الدماغ والتغيرات الكيميائية المصاحبة هي حقائق علمية لكن ليست السبب المباشر في المرض النفسي, وقد يكون خانه التعبير, فالواقع ان الشروحات المصورة لعمل الدماغ التي اوردها لا تشرح عمل الدماغ للمريض قبل وبعد الاصابة بالمرض, بل كانت مقارنة بين مرضى واصحاء, اذا هي تشرح كيف يعمل الدماغ وقت المرض فقط ولذلك لا يمكن ان نقول انها المسبب في المرض, فالاكتئاب مثلا, لا يحدث للانسان فجأة بل قد يبدأ منذ الطفولة لاسباب بيئية - تنشئة, او نتيجة تعرض الفرد لضائقة مالية في الكبر, هذه الضائقة المالية تشل تفكيره وقدرته على التكيف مع متطلبات اسرته ومع واقعه الذي لم يعد يطيقه, ولذلك فانه سيدخل في مرحلة الاكتئاب بالتدريج وسيكون للايحاء الذاتي دور كبير في بداية وتفاقم حدة الاكتئاب لاحقا.

                  غير ان الدكتور ابوهندي استعرض بشكل مفصل في مقاله المميز كيف ان الامراض النفسية بحاجة الى تدخل دوائي كشرط اساسي في العلاج, فهو يشير الى: "أن انتصارات الأدوية المتتالية وتراكم الأبحاث المتلاحقة التي تثبتُ وتعيدُ إثبات أن الخلل الكيميائي موجود في مرض معين وأن الدواء المعين يصلح ذلك الخلل فيحسن حالة المريض النفسية، كل ذلك يجعل صوت الدواء هو الغالب".


                  تذكر المراجع العلمية النفسية ان هناك اكثر من 100 مرض نفسي معروف حتى الان, وان الايحاء الذاتي قد يفاقم من حدة اعراض المرض لدى الافراد الذين لهم تركيبة دماغية معينة وبالتالي لها سمات شخصية قابلة للايحاء الخارجي, ويؤثر الايحاء لدى هؤلاء بحيث تصبح كلمة معينة بمكانة "الشرارة" التي تقدح في الذهن بداية سيطرة فكرة سلبية معينة الى ان تصبح جزءا اساسيا من التفكير او محور التفكير "الاستحواذي الاستلابي" الذي ينهك الفرد ويجعله صريعا للوهم او الوسوسة الموصلة للمرض النفسي.


                  ولاننا نعيش في وسط ثقافي مشبع بالكثير من القصص والروايات ذات المصادر الغيبية والتي قد تشكل خطرا كبيرا لدى البعض عن طريق الايحاء, فمثلا, حينما نعرض فلذات اكبادنا على مشاهد او مواعظ تتحدث عن المس بالجان او السحر او العين او الحسد, او نأخذهم الى معالجين ورقاة ينقصهم الكفاءة والمهنية النفسية والادراك بكيفية التواصل الامثل للمرضى الذين تستحوذ افكارهم وساوس واوهام نتيجة تعرضهم لمكونات او ايحاءات ثقافية خارجية ولان لديهم التكوين الذهني المتقبل لهذه الايحاءات, وبدل ان يعزز الراقي لديهم ثقتهم بانفسهم بهدف طرد تلك الوساوس والاوهام, واذا بهم يؤكدون لمرضاهم ان عللهم التي يشكون منها لا تخرج عن مكونات المجتمع الثقافية السائدة, مثل "العين" او "السحر" او "الحسد" او "المس". وهنا يكون دورهم دورا سلبيا سيفاقم من حالة مرضاهم كونهم يعززون لديهم بعض الايحاءات النفسية التي اوصلتهم الى هذه الحالة المرضية.
                  والحقيقة وكما ذكرنا انفا ان هناك اكثر من 100 نوع من الامراض النفسية, ولان هذه الامراض غير معروفة للرقاة التقليديين فانهم في الغالب يرجعون هذه الامراض لغيبيات مستوحاة من مواقف او مرئيات دينية قد تكون صحيحة في زمن معين او انها حدثت بالفعل لكن في سياق احداث تاريخية معينة ولا يصلح تعميمها, ومن هنا تصبح المعالجه والتشخيص بهذه الصيغ التقليدية اشكالا صحيا ونفسيا واجتماعيا غير مقبول, وان اضرار هذه الممارسات التطبيبية التقليدية ستتعدى التأثيرات السلبية للبعض الى الحاق الضرر الجسيم بالدين نفسه نتيجة تطور وسائل المعرفة واثر ذلك على التصور المجتمعي المؤسس على مثل هذا التعاطي غير العلمي. اضف الى ذلك ان المراحل المتأخرة للمرض او حينما يستفحل فإن المريض قد لا يسعفه التدخل العلاجي لاحقا.


                  الحقيقة نحن بحاجة الى تطوير مفاهيمنا حول الكثير من الاشكالات التربوية والنفسية ذات الاصول التراثية او الدينية, وادعو صادقا مفكري الاسلام اليوم الى مراجعات سريعة وعاجلة حول الكثير من تلك المفاهيم. وادعو بشكل خاص الدكتور سلمان العودة ولكونه احد رواد تطوير الفكر الديني وصاحب الشعبية العربية والاسلامية الكبيرة, ان يسلط الضوء على هذه الاشكالية الثقافية المجتمعية, وان يوجه المجتمع الى اهمية الاستشارات الطبية النفسية وضرورة عرض المرضى الذين يعانون من امراض نفسية الى خبراء واستشاريي الطب النفسي, خاصة وان اعداد الرقاة غير المؤهلين للتعاطي مع مرضى النفس في تزايد وهذا يعكس حقيقة ارتفاع معدل الامراض النفسية.

                  ولعلي اختم بالمقولة التالية حول التفكير الايجابي, "اننا من خلال تعلم مهارة وفن الايحاء الذاتي، نستطيع السيطرة على سلوكياتنا وطريقة تفكيرنا المتشائمة او المترددة التي قد تخلق في اعماقنا الكثير من الحواجز والعقبات, والتي قد تحول دون تحقيق نجاحاتنا التي نستطيع تحقيقها بقدراتنا وامكاناتنا الراهنة", طبعا المحيط الاسري او البيئة بشكل عام قد تكون محفزة للعمل والانتاجية والابداع وقد تكون مميتة ماحقة للنفس البشرية وهنا يكون التدريب والتعليم على اهمية التفكير الايجابي مطلبا ضروريا.

                  د. سالم موسى ـ جامعة الملك خالد

                  تعليق

                  يعمل...
                  X