إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الأخطاء الخاصة بصلاة الوتر ودعاء القنوت فيها

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الأخطاء الخاصة بصلاة الوتر ودعاء القنوت فيها




    الأخطاء الخاصة بصلاة الوتر ودعاء القنوت فيها

    تمهيد: إن الحمد لله تعالى، نَحمده ونَستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يَهد الله فلا مُضِل له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحْده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.
    ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]. أمَّا بعدُ: فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وشَر الأمور مُحْدثاتها، وكل مُحدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. أولاً: الأخطاء الخاصة بصلاة الوتر:

    1 -الاعتقاد بأن صلاة الوتر واجبة:
    وهذا القول مرجوح انفرَد به أبو حنيفة، وخالَف فيه جمهور أهل العلم، واستدلَّ أبو حنيفة على قوله بأحاديثَ ضعيفة لا تَثبت، أو أحاديث ظاهرها الوجوب، ولكنَّها مصروفة إلى الندب، والراجح هو قول الجمهور؛ حيث قالوا: إن صلاة الوتر سُنة مؤكدة، ومما يدلُّ على هذا:
    1- ما أخرَجه البخاري ومسلم عن طلحة بن عبيدالله - رضي الله عنه - "في قصة الرجل الذي جاء يسأل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكان من جُملة ما سأله عن الصلاة، فقال له النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خَمس صلوات في اليوم والليلة))، فقال: هل عليّ غيرها؟ فقال: ((لا، إلا أن تطوَّعَ))، فقال الرجل: والله لا أزيدُ على هذا ولا أنقص، فقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أفلحَ إن صدَق)). ففي هذا الحديث وحْده أربعة أدلة على أنَّ الوتر ليس بواجب فتأمَّله. 2- وأخرَج البخاري ومسلم عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لَمَّا بعَث معاذًا إلى اليمن، قال: ((إنَّك تقدم على قوم أهل كتاب، فليَكُن أوَّل ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرَفوا الله فأخبرهم أنَّ الله فرَض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم))؛ الحديث.
    2-ترك صلاة الوتر عمدًا:
    قد يَفهم البعض مما سبَق أن صلاة الوتر ليستْ ذات أهميَّة؛ لذا تجده يَزهد فيها ولا يُصلِّيها، وهذا أيضًا خطأ كبير، وكان السلف يشدِّدون على مَن يترك صلاة الوتر؛ حتى قال الإمام أحمد رحمه الله: "مَن ترك الوتر عمدًا، فهو رجل سوء، ولا ينبغي أن تُقبل له شهادة"؛ المغنى، (2/ 161).
    3 - خطأ في قضاء الوتر:
    فمن الناس من إذا فاتَه صلاة الوتر بالليل، وأصبَح عليه الصباح، قام فصلَّى صلاة الوتر واحدة، وهذا خطأ، والصواب: أن يُصلِّيها ركعتين إذا كانت عادته الإيتار بواحدة؛ عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا نام من الليل أو مرِض، صلَّى من النهار ثِنْتي عشرة ركعة". وقد عُلِم أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، فعُلِم أنَّ قضاء الوتر بالنهار يكون شفعًا، فمن كانت عادته الإيتار بواحدة، قضَى من النهار ركعتين، ومن كانت عادته الإيتار بثلاث، قضاها أربعًا، وهكذا"؛ صحيح فقه السنة، (1/ 394).
    4 -تأخير قضاء صلاة الوتر:
    ومنهم من إذا فاتَتْه صلاة الوتر بالليل، فإنه إذا أصبَح لا يتعجَّل قضاء تلك الصلاة قبل الظهر، بل يُصلِّيها بعد الظهر، وهذا خطأ؛ لأنه يستحبُّ له المبادرة بقضاء صلاة الوتر قبل الظهر؛ حتى يُكتب له أجْرُ صلاته بالليل؛ فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من نام عن حِزْبه أو عن شيءٍ منه، فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كُتِب له كأنما قرَأه من الليل))؛ مسلم. والظاهر أنه تحريض على المبادرة، ويحتمل أنَّ فضْلَ الأداء مع المضاعفة مشروط بخصوص الوقت؛ حاشية السيوطي على النسائي، (3/ 259).
    5 - قضاء الوتر لِمَن ترَكه متعمدًا:
    ذهب فريقٌ من أهل العلم إلى أنه لا يجوز قضاء الوتر، واستدلوا بما يلي:
    1- ما أخرَجه أبو داود والنسائي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "مَن صلَّى من الليل، فليجعل آخر صلاته وترًا؛ فإن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يأمر بذلك، فإذا كان الفجر، فقد ذهَب كلُّ صلاة الليل والوتر". 2- واستدلوا كذلك بما أخرَجه ابن خُزيمة عن أبي سعيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن أدرَكه الصُّبح ولَم يُوتر، فلا وِتْر له))، لكن قال الحافظ في هذا الحديث: وهذا محمول على التعمُّد، أو على أنه لا يقع أداء. 3- واستدلوا كذلك بقول محمد بن نصر: "لَم نجد عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في شيء من الأخبار أنه قضى الوتر، ولا أمَر بقضائه"؛ ا.هـ. لكن ثبَت قضاء الوتر عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ففي صحيح مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - أنه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "كان إذا نام من الليل من وَجَعٍ أو غيره، فلم يَقُم من الليل، صلَّى من النهار ثِنْتي عشرة ركعة"؛ قال الشوكاني في "نيل الأوطار" (3/ 318): "والحديث يدلُّ على مشروعيَّة قضاء الوتر إذا فات"؛ ا.هـ. ثم ذكَر الشوكاني - رحمه الله - مَن ذهَب إلى ذلك من الصحابة والتابعين، وكذلك من الأئمة، ومنهم الأئمة الأربعة. وفي سنن الترمذي وأبي داود وابن ماجه عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن نام عن الوتر أو نَسِيه، فليُصَلِّ إذا أصبَح أو ذكَره)). فالحاصل: أنه مَن تعمَّد تَرْك صلاة الوتر حتى دخل وقت الفجر، فلا يُشرع له قضاؤه أبدًا، أمَّا مَن ترَكه عن نسيان أو لمرضٍ أو نومٍ، فيجوز قضاؤه.
    6- الاعتقاد بأن الوتر لا يكون إلا في آخر الليل:
    والصواب: أنه يجوز أن نصلي صلاة الوتر في أيِّ ساعة من ساعات الليل، من بعد صلاة العشاء وحتى صلاة الفجر؛ وذلك لِما ثبَت في الحديث أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنَّ الله قد أمدَّكم بصلاة هي خير لكم من حُمْر النَّعم، وهى الوتر، فصلُّوها فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر))؛ أبو داود والترمذي؛ قال الألباني - رحمه الله - في "الإرواء" (423): "صحيح دون قوله: ((هي خير لكم من حُمْر النَّعم)). وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "من كل الليل قد أوْتَر رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - من أوَّل الليل وأوْسطه وآخره، فانتهى وتره إلى السَّحر"؛ البخاري ومسلم. لكن الأفضل أن يؤخَّر الوتر لآخر الليل - أي: في الثُّلُث الأخير منه - وذلك لحديث عائشة السابق، وأيضًا ثبَت في صحيح مسلم عن جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((أيُّكم خاف ألاَّ يقوم من آخر الليل، فليُوتر ثم ليَرقُد، ومَن وثَق بقيامٍ من آخر الليل، فليُوتر من آخره، فإن قراءة آخر الليل محضورة، وذلك أفضلُ)). وفي رواية: ((مَن خاف منكم ألاَّ يَستيقظ من آخر الليل، فليُوتر من أوَّله وليَرقُد، ومَن طمِعَ أن يستيقظَ من آخر الليل، فليُوتر من آخره؛ فإنَّ صلاة آخر الليل محضورة، فذلك أفضلُ)). وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال لأبي بكر - رضي الله عنه -: ((متى توتِر؟))، قال: أُوْتر قبل أن أنامَ، فقال لعُمر: ((متى توتر؟))، قال: أنام ثم أوتر، فقال لأبي بكر: ((أخذْتَ بالحزم أو بالوثيقة))، وقال لعمر: ((أخذَت بالقوَّة))؛ أخرجه أبو داود. 7 -تَكرار الوتر في ليلة واحدة:
    ومن الناس مَن يُصلي الوتر أكثر من مرة في ليلة واحدة، فيُصلي مع الإمام ويُوتر معه، ثم يُصلي بمفرده بعد ذلك ويوتر مرة أخرى بعد الصلاة، وهذا خطأ. والصواب أنه: لا يُصلي الوتر في الليل إلا مرَّة واحدة؛ فعن طَلْق بن علي - رضي الله عنه - قال: سَمِعت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((لا وِتران في ليلة))؛ أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي. قال الخطَّابي - رحمه الله - في "معالم السُّنن" (2/ 141): ومعنى الحديث أن مَن أوْتَر، ثم بدا له أن يُصلي بعد ذلك، فلا يُعيد الوتر، وهو قول جمهور العلماء. قال العراقي - رحمه الله -: "وإلى ذلك ذهَب أكثر العلماء، وقالوا: إنَّ مَن أوْتَر، وأراد الصلاة بعد ذلك لا يَنقُض وِتره، ويُصلي شَفعًا شَفْعًا، حتى يُصبح"؛ نيل الأوطار، (3/ 55). تنبيهان: 1- يُستحبُّ بالاتفاق أن يجعل الوتر آخِر النوافل التي يُصلِّيها بالليل؛ وذلك لِما أخرَجه البخاري ومسلم عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((اجْعَلوا آخِر صلاتكم بالليل وترًا)). لكن من خَشِي ألاَّ يستيقظ للوتر آخِر الليل، فيُستحب له أن يُوتر قبل أن ينام كما مرَّ بنا. 2- الأفضل لِمَن صلَّى التراويح مع الإمام أن يُصلي الوتر معه؛ وذلك للحديث الذي رواه الترمذي وغيره من حديث أبي ذرٍّ - رضي الله عنه - قال: "صُمنا مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلم يُصلِّ بنا، حتى بقي سبعٌ من الشهر، فقام بنا حتى ذهَب ثُلُث الليل، ثم لَم يَقُم بنا في السادسة، وقام بنا في الخامسة، حتى ذهَب شطر الليل، فقلنا له: يا رسول الله، لو نفَّلْتَنا بقيَّة ليلتنا هذه، فقال: ((إنه مَن قامَ مع الإمام حتى يَنصرف، كُتِبَ له قيام ليلة))؛ قال الألباني: "صحيح". ومَن صلَّى الوتر وأراد القيام آخر الليل؛ فليصلِّ شفعًا من غير وترٍ؛ لنَهْي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن ذلك؛ كما مرَّ بنا في العنصر السابق، وكما جاء في حديث طَلْق - رضي الله عنه - قال: سَمِعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((لا وِتران في ليلة))؛ رواه أبو داود والترمذي، وقال: "حديث حسنٌ". ورُوِي عن أبي بكر - رضي الله عنه - أنه قال: "أمَّا أنا، فإني أنام على فراشي، فإنِ استيقظْتُ، صَلَّيت شَفْعًا حتى الصباح"، وكان سعيد بن المسيَّب يَفعله. ومن صلَّى مع الإمام التراويح والوتر، وأحبَّ أن يوتِرَ آخر الليل، فإنه إذا سلَّم الإمام لَم يُسلِّم معه، ويقوم ليأتي بركعة أخرى يَشفع بها صلاته مع الإمام؛ رُوِي ذلك عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه؛ وجاء في "المغني" (2/ 164) في الكلام على الوتر: "فإن صلَّى مع الإمام وأحبَّ مُتابعته في الوتر، وأحبَّ أن يوتِر آخر الليل، فإنه إذا سلَّم الإمام، لَم يُسلِّم معه وقام فصلى ركعة أخرى يَشفع بها صلاته مع الإمام، نصَّ عليه، ثم قال عن الإمام أحمد: يَشفع مع الإمام بركعة أحبُّ إليّ"؛ ا.هـ.
    وبهذا يحصل للمأموم القيامُ مع الإمام حتى ينصرف مع جَعْل آخر صلاته بالليل وترًا.
    8- أن يوتر بثلاث ركعات بتشهُّدَيْن:
    أمَّا الوتر بثلاث ركعات، فثابتٌ عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد أخرَج البخاري ومسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يصلي أربعًا، فلا تسأل عن حُسْنهنَّ وطُولهنَّ، ثم يصلي أربعًا، فلا تسأل عن حُسْنهنَّ وطُولهنَّ، ثم يُصلي ثلاثًا". فمن الأئمة مَن إذا أرادَ أن يُصلي الوتر ثلاث ركعات، فإنه يُصلِّيها كما يُصلي صلاة المغرب بتشهُّدين، وقد ورَد النهي عن هذا؛ فقد أخرَج الحاكم والبيهقي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا توتِروا بثلاث تشبَّهوا بصلاة المغرب، ولكن أوْتِروا بخمسٍ أو بسبعٍ أو بتسعٍ، أو بإحدى عشر، أو أكثر من ذلك)). ففي هذا الحديث النهي عن الإيتار بثلاث، وتقدَّم أنه أوْتَر بثلاثٍ، وقد جمَع الحافظ بين الأحاديث بجعْل أحاديث النهي محمولة على الإيتار بثلاث بتشهُّدين؛ لمشابهة ذلك لصلاة المغرب، وأحاديث الإيتار محمولة بثلاث على أنها مُتصلة بتشهُّدٍ واحد في آخرها، وهي الجائزة؛ ا.هـ. وعلى هذا، فإنَّ صلاة الوتر بثلاث ركعات لها صورتين، وكلاهما ثابتٌ عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم. الصورة الأولى: أن يُصلي ركعتين ويُسلِّم، ثم يصلي الثالثة وحْدها، ودليل ذلك ما أخرَجه البخاري عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: "أنه كان يُسلِّم بين الركعتين والوتر، حتى يأمر ببعض حاجته"، وعند الإمام أحمد عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يفصل الشَّفع والوتر بتسليم يُسمعناه". وذكر ابن حِبَّان - رحمه الله - حديثًا وبوَّب عليه، فقال: "ذِكْر الخبر الدال على أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يَفصِل بالتسليم بين الركعتين والثالثة". الصورة الثانية: أن يُصلي الثلاث بتشهُّد واحد؛ وذلك للحديث الذي أخرَجه الإمام مالك والنسائي، والحاكم والبيهقي عن عائشة - رضي الله عنها -: "كان يوتر بثلاثٍ، لا يَقعد إلا في آخرهنَّ". 9- الزيادة على ما ورد عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عند قراءته في صلاة الوتر:
    فهناك مَن يُصلي الوتر بثلاث ركعات، يقرأ في الأولى بسورة الأعلى، والثانية بالكافرون، والثالثة يقرأ بالمعوذات (قل هو الله أحد، والمعوذتين)، واعتمدوا في ذلك على حديث أخرَجه الحاكم والدارقطني وابن حِبَّان عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "إنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يقرأ في الركعتين اللتين يوتِر بعدهما: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾، و﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾، ويقرأ في الوتر بـ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾، و﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾،
    و﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾، والحديث صحيح دون ذِكْر المعوذتين، وهو ضعيف بهذا التَّمام. والصواب: أن يَقتصر على ما جاءت به السُّنة، وهو أن يقرأ في الأولى بـ(سورة الأعلى)، والثانية بـ(الكافرون)، والثالثة بـ(بالإخلاص) فقط دون المعوذتين؛ فقد أخرَج الترمذي والنسائي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقرأ في الوتر بـ ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾، و﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾، و﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ في كلِّ ركعة"؛ يعني: في كلِّ ركعة سورة منها. 10- خطأ يقع فيه البعض وهو نَقْض الوتر بركعة نفلٍ، وذلك إذا أراد أن يُصلي بعد الوتر:
    حيث يصلون مع الإمام الوتر، فإذا أراد أحدُهم أن يُصلي بعد ذلك، فإنه يأتي بركعة وترٍ يَشفع بها وترَه، ثم يصلي بعد ذلك من قيام الليل ما يشاء، ثم يَختم بعد ذلك صلاته بوترٍ؛ عملاً بقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اجْعَلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا))؛ البخاري ومسلم. وهذا الفعل خطأ لأمور، منها: 1- أن الوتر الأوَّل مضَى على صحَّته، فلا يتوجَّه بإبطاله بعد فراغه، ولا يَنقلب إلى النَّفل بتشفيعه. 2- أنَّ النَّفل بواحدة غير معروف في الشرْع؛ لأن مَن قام بصلاة ركعة ليشفع بها الوتر، فهو يُصلي هذه الركعة نافلة، وليس بنيَّة الوتر؛ لأنه يعلم أنْ لا وتران في ليلة؛ كما أخبَر بذلك النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - والحديث عند الترمذي وأبو داود والنسائي، فيصلي ركعة نفلٍ، وهذا غير معروف في الشرع، لكنَّ الصحيح أنه إذا أوْتَر ثم بدا له أن يصلي بعد ذلك، فليصلِّ، وقد ثبَت هذا عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد أخرَج الترمذي وابن ماجه عن أمِّ سَلَمة - رضي الله عنها -: "أنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يركع ركعتين بعد الوتر وهو جالس"؛ قال العراقي - رحمه الله - كما نقَل ذلك عنه الشوكاني في "نيل الأوطار" (3/ 55): "وإلى ذلك ذهَب أكثر العلماء إلى عدم نقْض الوتر، وقالوا: إنَّ مَن أوْتَر وأراد الصلاة بعد ذلك، لا يَنْقُض وِتْره، ويُصلي شفعًا حتى يُصبح". 11- ترك التسبيح والدعاء الوارد بعد الوتر: وكثير من الناس لا يعلم التسبيح والدعاء الوارد بعد الوتر، ومن ثَمَّ فهو لا يقوله بعد الوتر. والصواب: أنه يُستحبُّ بعد التسليم من الوتر التسبيح؛ لِمَا في حديث أُبَيِّ بن كعب - رضي الله عنه - قال: "كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقرأ في الوتر بـ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾، و﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾، و﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾، فإذا سَلَّم، قال: ((سبحان الملك القدوس)) ثلاث مرات"؛ أبو داود والنسائي وابن ماجه، وصحَّحه الألباني. وعن عبدالرحمن بن أبْزَى وزاد في آخره: "ورفَع صوته في الآخرة". وعند النسائي: "يَمدُّ بها صوته ويرفعه". وله أنْ يزيد: "رب الملائكة والرُّوح"، وهذه الزيادة عند الدارقطني بإسنادٍ صحيح. وعن عليّ - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يقول في آخر وتره: ((اللهم إني أعوذ برضاك من سَخَطك، وبمُعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منكَ، لا أُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثْنَيتَ على نفسك))؛ مسلم. 12- الاعتقاد بأنه لا تجوز الصلاة بعد الوتر:
    وهذا اعتقاد خاطئ، والدليل على خلافه؛ فقد أخرَج الإمام مسلم عن أبي سَلَمة - رضي الله عنه - قال: "سألتُ عائشة - رضي الله عنها - عن صلاة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقالت: "كان يصلي ثلاث عشرة ركعة، يصلي ثماني ركعات، ثم يوتِر، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، فإذا أراد أن يركَع، قام فركَع، ثم يصلي ركعتين بين النداء والإقامة من صلاة الصُّبح". وفي "المسند" عن أبي أُمامة - رضي الله عنه -: "أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس، يقرأ فيهما بـ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ﴾، و﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾". وأمَّا قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اجْعَلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا))، فيُحمل هذا القول على الاستحباب، ومن ثَمَّ فتجوز الصلاة بعد ركعة الوتر بشرْط ألاَّ توتِرَ مرة أخرى، بل تُصلي مَثْنى، مَثْنى. ثانيًا: الأخطاء الخاصة بدعاء القنوت[1]:
    والقنوت: هو اسمٌ للدعاء في الصلاة في محلٍّ مخصوص من القيام. وصيغته: "اللهم اهدني فيمَن هدَيت، وعافني فيمَن عافيت، وتولَّني فيمَن تولَّيت، وبارِك لي فيما أعْطِيت، وقِني شرَّ ما قضِيت، فإنَّك تقضي ولا يُقْضى عليك، وإنه لا يَذِل من والَيْتَ، ولا يَعِز من عادَيْتَ، تبارَكت ربَّنا وتعالَيْتَ، لا مَنْجَا منك إلا إليك". تنبيهات: 1- إن كان المُصلِّي إمامًا، فيَذكر دعاء القنوت بلفظ الجمع، فيقول: "اللهم اهدِنا، وعافنا، وتولَّنا، وبارِك لنا، وقِنا"، ولا يخص نفسه بالدعاء، فيقول: "اللهم اهدني، وعافني، وتولَّني"، إلى آخره؛ أفاده الإمام البغوي في "شَرْح السُّنة"، (3/ 129). 2- كان الصحابة يزيدون على دعاء القنوت في النصف الثاني من رمضان: "اللهم قاتِل الكفرة الذين يصدُّون عن سبيلك، ويُكذبون رُسلك، ولا يؤمنون بوعْدك، وخالِف بين كلمتهم، وألْقِ في قلوبهم الرعب، وألْقِ عليهم رِجْزك وعذابك إله الحقِّ". وقد يحصل مناسبة عارضة، فيدعو لها الداعي بما يُناسبها، دون أن يجعله راتبًا لا يَحيد عنه بحال، ومن ذلك دعاء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو: "اللهم إنا نَستعينك ونَستغفرك، ولا نَكفرك، ونؤمن بك، ونَخلع مَن يَفجرك[2]، اللهم إيَّاك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإيَّاك نسعى ونحفِد[3]، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إنَّ عذابك الجِد بالكفار مُلْحِق[4]". "اللهم عذِّب الكفرة الذين يصُدُّون عن سبيلك، ويُكذبون رُسلك، ويقاتلون أولياءَك، ولا يؤمنون بوعْدك، وخالِف بين كلمتهم، وألْقِ في قلوبهم الرعب، وألْقِ عليهم رِجْزك وعذابك، إله الحقِّ". "اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وأصْلِح ذات بينهم، وألِّف بين قلوبهم، واجْعَل في قلوبهم الإيمان والحِكمة، وثبِّتهم على مِلَّةِ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأوزِعهم أن يؤمنوا بعَهْدك الذي عاهَدتهم عليه، وانْصُرهم على عدوِّك وعدوِّهِم إله الحقِّ، واجْعَلنا منهم". 3- تُشرَع الصلاة على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في القنوت، وهذا ثابتٌ عن بعض صحابة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد أخرَج ابن خُزيمة في صحيحه عن عُروة بن الزبير أنه ذكَر إمامةَ أُبيِّ بن كعب الناسَ في صلاة التراويح في عهد عمر - رضي الله عنه - وفيه: وكانوا يَلعنون الكفرة في النصف، يقولون: "اللهم قاتِل الكفرة الذين يصُدُّون عن سبيلك، ويكذبون رُسلك، ولا يؤمنون بوعْدك، وخالِف بين كلمتهم، وألْقِ في قلوبهم الرعب، وألقِ عليهم رِجْزك وعذابك إله الحقِّ"، ثم يصلي على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ويدعو للمسلمين بما استطاعَ من خيرٍ، ثم يستغفر للمؤمنين، قال: وكان يقول إذا فرَغ من لعنة الكفرة وصلاته على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: "اللهم إيَّاك نعبد، ولك نُصلي ونسجد، وإليك نسعى ونَحفد، ونرجو رحمتك ربَّنا، ونخاف عذابك الجِدَّ، إنَّ عذابك لِمَن عادَيْتَ مُلحِق"، ثم يُكبِّر، ويهوي ساجدًا. وعن عبدالله بن الحارث: أنَّ أبا حليمة معاذًا كان يصلي على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في القنوت"؛ رواه القاضي إسماعيل بن إسحاق في "فضل الصلاة على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم"، وقال الألباني: إسناده موقوف صحيح. 1- عدم الالتزام بالمأثور عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - والمأثور في دعاء القنوت كما مرَّ بنا: "اللهم اهدني فيمَن هَدَيْت، وعافني فيمن عافَيْتَ، وتولَّنِي فيمَن تولَّيْتَ، وبارِك لي فيما أعطَيْتَ، وقِني شرَّ ما قضَيْتَ، فإنَّك تقضي ولا يُقْضى عليك، وإنه لا يَذِل من والَيْتَ، ولا يَعِز من عادَيْتَ، تبارَكت ربَّنا وتعالَيْتَ، لا مَنجا منك إلا إليك". لكن أحدَث بعض الأئمة زيادات على المأثور، وواظبوا عليها، حتى توهَّم العوام أنها راتبة من السُّنة كقولهم: "اللهم يا واصِل المنقطعين أوصِلنا إليك، اللهم هبْ لنا عملاً صالحًا يقرِّبنا إليك"، وقولهم: "فلك الحمد على ما قضَيْتَ، ولك الشكر على ما أنْعَمْتَ به علينا وأوْلَيْتَ"؛ قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (1/ 253): "إنها زيادة"؛ ا.هـ. أي: إنها ليس لها أصْلٌ في السُّنة، ولَم تكن من هَدْي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعلى الرغم من ذلك، فإنها من الألفاظ الشائعة في دعاء القنوت. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - كما في "مجموع الفتاوى" (22/510): "لا ريبَ أنَّ الأذكار والدعوات من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف والاتِّباع، لا على الهوى والابتداع، فالأدعية والأذكار النبويَّة هي أفضل ما يتحرَّاه المتحرِّي من الذِّكر والدعاء، وسالكُها على سبيل أمانة وسلامة، والفوائد والنتائج التي تحصل بها لا يُعبِّر عنها لسان، ولا يُحيط بها إنسان، وليس لأحدٍ أن يَسُنَّ للناس نوعًا من الأذكار والأدعية غير المسنون، ويَجعلها عبارة راتبة، يواظب الناس عليها، كما يواظبون على الصلوات الخمس، بل هذا ابتداعُ دينٍ لَم يأذَن الله به". وقال أيضًا: "وأمَّا اتخاذ وردٍ غير شرعي، واسْتِنان ذِكْر غير شرعي، فهذا مما يُنهى عنه، ومع هذا ففي الأدعية الشرعيَّة، والأذكار الشرعيَّة غاية المطالب الصحيحة، ونهاية المقاصد العَليَّة، ولا يَعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المُحدثة المبتدعة إلاَّ جاهلٌ، أو مُفرِّط، أو مُتَعَدٍّ"؛ ا.هـ. وقال القاضي عياض - رحمه الله -: "أذِن الله في دعائه، وعَلَّم الدعاء في كتابه لخليقته، وعلَّم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الدعاء لأُمَّته، واجتمَعَت فيه ثلاثة أشياء: العلم بالتوحيد، والعلم باللغة، والنصيحة للأُمَّة، فلا ينبغي لأحدٍ أن يَعْدِل عن دعائه - صلَّى الله عليه وسلَّم"؛ ا.هـ. وقال العز بن عبدالسلام - رحمه الله - في فتاويه: "ولا يَنبغي أن يُزادَ على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في القنوت شيءٌ ولا يُنقص"؛ ا.هـ. ومما يدُلُّ على أنَّ المأثور عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا يجوز فيه تبديل لفْظه، أو تغييره بنقص أو زيادة، ما أخرَجه البخاري ومسلم عن البَرَاء بن عازب - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - علَّمه دعاءً يقوله عند النوم، وفيه: ((اللهم آمنتُ بكتابك الذي أنزلتَ، وبنبيِّك الذي أرسلتَ))؛ الحديث. فقال البراء بن عازب: فردَّدتها على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلمَّا بلغْتُ: "اللهم آمنتُ بكتابك الذي أنزلتَ"، قلتُ: و"رسولك"، قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا، ونَبيك الذي أرسلتَ)). فالحاصل: أنَّ الإمام إذا قَنَت في صلاة الوتر، فعليه أن يتقيَّد بالوارد في السُّنة، فإن أبَى، فليَلتزم الأدعية الجامعة من القرآن والسُّنة، وعليه أن يتجنَّب الأدعية المسجوعة المتكلفة، أو المخترعة الركيكة، ثم يَلتزمها ويَهجر الأدعية النبويَّة، ومن المعلوم أن خَيْرَ الهدي هدي محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم. قال الماوردي - رحمه الله - في "الحاوي الكبير"، (2/ 200): "والمروي عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في القنوت أحبُّ إلينا من غيره، وأي شيء قنَت من الدعاء المأثور وغيره، أجْزَاه عن قنوته"؛ ا. هـ. سُئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - هذا السؤال: هل تجوز الزيادة على ما علَّمه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - للحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - أو لا تجوز؟

    فقال فضيلة الشيخ - رحمه الله -: والجواب على هذا: أن يُقال: إنَّ الزيادة على ذلك لا بأْسَ بها؛ لأنه إذا ثبَت أنَّ هذا موضع دعاء، ولَم يُحدَّد هذا الدعاء بحدٍّ يُنهى عن الزيادة عنه، فالأصل أن الإنسان يدعو بما شاء، ولكنَّ المحافظة على ما ورَد - أي: عدم تَرْك الوارد - هو الأولى فنُقدِّم الوارد، وإن شِئْنا أن نَزيد فلا حرَج؛ ولهذا ورَد عن الصحابة - رضي الله عنهم - أنهم كانوا يَلعنون الكفرة في قنوتهم، مع أنَّ هذا لَم يَرِد فيما علَّمه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الحسن بن علي بن أبي طالب، وحينئذٍ لا يبقى في المسألة إشكالٌ. على أنَّ لفظ الحديث: ((علِّمني دعاءً أدعو به في قنوت الوتر))، وهذا قد يُقال: إنَّ ظاهره أن هناك دعاءً آخر سوى ذلك؛ لأنه يقول: ((دعاءً أدعو به في قنوت الوتر)). وعلى كلٍّ فإنَّ الجواب: إن الزيادة على ذلك لا بأْسَ بها، أن يدعو الإنسان بدعاء مناسبٍ مما يهم المسلمين في أمور دينهم ودنياهم. تنبيه: لو دعا الإمام بغير المأثور تمسُّكًا بالإباحة، فلا بد أن يراعي الضوابط التالية في الدعاء: 1- أن يتخيَّر من الألفاظ أحسنها، وأنبلَها، وأجملها للمعاني، وأبينها؛ لأنه مقامُ مناجاة العبد لربِّه ومعبوده - سبحانه. 2- أن تكون الألفاظ على وَفْق المعنى العربي، ومقتضى العلم الإعرابي. 3- أن يكون خاليًا من أي محذور شرْعًا: لفظًا أو معنًى. 4- أن يكون في باب الذِّكر والدعاء المُطلق، لا المقيَّد بزمان، أو حال، أو مكان. 5- ألا يُتَّخَذ سُنة راتبة يُواظب عليها؛ تصحيح الدعاء، ص 12 - 13، للعلاَّمة بكر أبي زيد - رحمه الله. 2 - تخصيص قنوت الوتر بوقتٍ معيَّن من العام:
    يعتقد بعض المصلِّين أنَّ القنوت في الوتر لا يكون إلاَّ في شهر رمضان، وبالتحديد في النصف الأخير من الشهر، وذكروا أنَّ هذا القول مشهور عند الشافعية، وبه قال الزُّهري.
    ولكنَّ الدليل الوارد في ذلك ضعيفٌ؛ فقد جاء ذلك في الحديث عن أنس - رضي الله عنه - أنه قال: "كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَقنُت في النصف الآخِر من رمضان". ورواه عن أنس أبو العاتكة، وهو ضعيف؛ ولذا قال صاحب "عون المعبود": "وأبو عاتكة ضعيفٌ"، وقال البيهقي: "لا يَصِحُّ إسناده"، وجاء فيه أيضًا حديثٌ ضعيف رواه أبو داود وفيه انقطاع؛ إذ رواه الحسن عن عمر - رضي الله عنه - والحسن لَم يُدرك عمر. والخلاصة: أنَّ القنوت لا يَختص بشهر معين في السنة، بل هو مشروع في السنة كلها، وإن كان له حالة خاصة في شهر رمضان؛ فذلك لأن شهر رمضان له خاصيَّة ليستْ لبقيَّة الشهور، ومع ذلك فالقنوت لا يختص بشهر رمضان وحْده.
    3 - القنوت بعد الركوع:
    والقنوت في الوتر يكون قبل الركوع على الراجح؛ فلقد ثبَت في الحديث الذي أخرَجه أبو داود والنسائي عن أُبي بن كعب - رضي الله عنه - "أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يَقنُت قبل الركوع"؛ صحَّحه الألباني في الإرواء، (426). بل ولقد ثبَت أيضًا: أنه علَّمه للحسن أن يقوله إذا فرَغ من قراءته قبل الركوع، والله أعلم. أمَّا القنوت بعد الركوع، فإنه يكون في قنوت النوازل؛ فقد أخرَج البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان إذا أرادَ أن يدعوَ على أحدٍ أو يدعو لأحدٍ، قنَت بعد الركوع". قال الحافظ في "الفتح" (2/ 569): "ومجموع ما جاء عن أنس من ذلك أنَّ القنوت لحاجة (يعني نازلة) بعد الركوع، لا خلافَ عنه في ذلك، وأمَّا لغير الحاجة، فالصحيح عنه أنه قبل الركوع، وقد اختلَف عمل الصحابة في ذلك، والظاهر أنه من الاختلاف المباح"؛ ا.هـ. وقد ثبَت القنوت بعد الركوع عن جماعة من الصحابة، منهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وأبي بن كعب، وثبَت القنوت قبل الركوع عن ابن عمر وابن مسعود - رضي الله عنهم. وخلاصة المسألة: أن مشروعيَّة القنوت في صلاة الوتر وموضعه خلافٌ سائغ يُعذَر فيه المخالف، ولا يُنكر عليه؛ انظر "شرْح السُّنة"؛ للبغوي، (3/ 126). 4- قول بعضهم: (أشهد) (حقًّا) (يا ألله):
    وإذا اشتمَل الدعاء على طلب وثناءٍ، فالصحيح أنه يؤمِّن في الطلب، أمَّا في الثناء، فليس فيه تأمين. فمثلاً: إذا قال الإمام: "إنه لا يَعِزُّ من عادَيْتَ، ولا يَذِلُّ من والَيْتَ"، فيَسْكت المأموم، ولا يُؤمِّن، وعلى هذا فمِن الأخطاء الشائعة قولهم عند قوله: "إنَّك تقضي بالحقِّ ولا يُقضى عليك"، فيقولون: (أشهد) (حقًّا)، فكل هذا خطأ لا أساسَ له في السُّنة؛ "تمام المنَّة"؛ للشيخ عادل العزازي - حَفِظه الله. قال الشقيري - رحمه الله -: وقولهم: (حقًّا، حقًّا) أثناء قراءة الإمام للقنوت بدعة، إن لَم تكن مُفسدة للصلاة، فأقل أحوالها الكراهة؛ "السُّنن والمبتدعات"، ص 63. فذلك لَم يكن من هدي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا من هدي أصحابه - رضي الله عنهم. وقفة: إذا كان لا يَسمع دعاء الإمام لبُعْدٍ أو غيره، قنَتَ المأموم وحْده.
    5-التغنِّي في الدعاء:
    لَم يُنقل عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا عن أحدٍ من أصحابه - رضي الله عنهم - فيما عَلِمتُ التغنِّي بالدعاء، لا في القنوت ولا في غيره، فأخشى أن يكون ما استحسَنه أكثر الأئمة في هذه الأيام مُحدثًا؛ صحيح فقه السُّنة، (1 / 392). وقد قال ابن الهُمام - رحمه الله -: "لا أرى تحريرَ النَّغم في الدعاء - كما يفعله القُرَّاء في هذا الزمان - يَصْدُر ممَّن فَهِم معنى الدعاء والسؤال، وما ذلك إلا نوع لعبٍ، فإنه لو قُدِّر في الشاهد (أي: الواقع) سائلُ حاجة من مَلِكٍ، أدَّى سؤاله وطلبه بتحرير النَّغم فيه، من الرَّفع والخفض، والتقريب والرجوع كالتغني، نُسِب البتَّة إلى قصْد السخرية واللعب؛ إذ مقام طلب الحاجة التضرُّع لا التغنِّي"؛ ا.هـ؛ "فتح القدير"(1/ 370). وقال أيضًا في نفس المصدر (1/ 261 - 263): "ما تعارَفه الناس في هذا الزمان من التمطيط، والمبالغة في الصياح، والاشتغال بتحريرات النَّغم - يعني في الدعاء - إظهارًا للصناعة النغميَّة، لا إقامة للعبوديَّة، فإنه لا يقتضي الإجابة، بل هو من مقتضيات الرد"؛ ا.هـ. 6- الاعتداء في الدعاء:
    فهناك من الأئمة مَن يتكلَّف، عن طريق انتقاء أدعية فيها تمطيط، وتطريب، وتلحين، وذِكر أمور تفصيليَّة من أحوال الموت، والبعث والنشور؛ لتحريك عواطف المأمومين، وإزعاج جوارحهم، وانفجارهم في البكاء، والشهيق، والصراخ والعويل، وارتفاع الأصوات بالعويل والضجيج، وهذا كله من الاعتداء في الدعاء، وهذا مُخالف لقول ربِّ العالمين: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف: 55]. قال ابن جُرَيج - رحمه الله - في تفسيرها: "من الاعتداء: رفْع الصوت، والنداء في الدعاء، والصياح، وكانوا يؤمرون بالتضرُّع والاستكانة"؛ تفسير البغوي، (2/ 166)، وتفسير القرطبي، (8/ 207). وأخرج الإمام أحمد وأبو داود عن عبدالله بن مُغَفَّل - رضي الله عنه - أنه سَمِع ابنه يقول: "اللهم إني أسألك القصْر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتُها، فقال: أي بني، سلِ الله الجنة، وتعوَّذ به من النار، فإني سَمِعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء))؛ صحَّحه الألباني في الإرواء، (1/ 171). وأخرَج الإمام أحمد وأبو داود عن أمِّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يستحب الجوامع من الدعاء، ويَدَع ما سوى ذلك"؛ صحَّحه الألباني في صحيح الجامع، (4949). وأخرَج الإمام أحمد وأبو داود عن ابن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنهما -: "سَمِعني أبي، وأنا أقول: اللهم إني أسألك الجنة، ونعيمها، وبَهجتها، وكذا، وكذا، وأعوذ بك من النار، وسلاسلها، وأغلالها، وكذا وكذا، فقال: يا بني، إني سَمِعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((سيكون قوم يعتدون في الدعاء، فإيَّاك أن تكون منهم، إن أُعطيتَ الجنة أعطيتَها وما فيها من الخير، وإن أُعِذْتَ من النار، أُعِذْتَ منها وما فيها من الشر)).
    ومن الاعتداء في الدعاء أيضًا تكلُّف السجع:
    فقد أخرَج البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه وصَّى مولاه عِكرمة - رحمه الله - فقال: "فانظر السَّجعَ من الدعاء فاجْتَنِبْه، فإني عَهِدتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأصحابه لا يفعلون إلاَّ ذلك الاجتناب"، وترجم البخاري لهذا الحديث عنوان "باب ما يُكره من السَّجع في الدعاء". وذكر الطُّرطوشي - رحمه الله - في كتابه "الحوادث والبدع"، ص 157: عن عُروة بن الزبير - رضي الله عنه -: إذا عُرِض عليه دعاء فيه سَجع عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعن أصحابه - رضي الله عنهم - قال: كذَبوا، لَم يكن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا أصحابه سجَّاعين".
    7-المبالغة في الجهر بالتأمين، والصِّياح به بصرخات حماسيَّة تُشبه الهتافات:
    وهذا من المنكرات والبِدَع المُحدثة. وقال الأُلوسي - رحمه الله - كما في "روح المعاني" (8/ 139): "وترى كثيرًا من أهل زمانك يعتمدون الصراخ في الدعاء، خصوصًا في الجوامع، حتى يَعظم اللفظ ويشتدُّ، وتستك المسامع وتستدُّ، ولا يدرون أنهم جمعوا بين بدعتين: رفْع الصوت في الدعاء، وكون ذلك في المسجد"؛ ا.هـ. وقد رفَع الصحابة أصواتهم بالدعاء، فنهاهم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن ذلك؛ فقد أخرَج البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -: "أنهم كانوا مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في سفر، فجعَل الناس يجهرون بالتكبير، فقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أيُّها الناس ارْبَعُوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصَمَّ ولا غائبًا، إنكم تدعون سميعًا قريبًا، وهو معكم)). ارْبَعوا على أنفسكم؛ أي: ارْفُقُوا بأنفسكم، وهو أمرٌ بالتوقُّف والمكث والكَفِّ. وقفة: وتأمين المأمومين في الصلاة (قولهم: آمين) من الذكر الذي يُسنُّ الجَهْر به بقدرٍ يحصل به المقصود؛ قال العلماء: "حَدُّ الإسرار: التلفظ بتحريك اللسان بالحروف من مخارجها بصوتٍ أقلُّه أن يُسمِعَ نفسه. والجَهْر: هو التلفُّظ بتحريك اللسان بالحروف من مخارجها، بصوت يَسمعه غيرُه ممن يَليه، ولا حدَّ لأعلاه".
    8- المخالفة عند الدعاء في النوازل:
    بعض الأئمة والدُّعاة إذا أرادَ أن يَقنُت عند الحوادث والنوازل؛ فإنه يدعو بدعاء الحسن بن علي - رضي الله عنهما -: "اللهم اهدني فيمن هَدِيت، وعافني فيمن عافَيْتَ". مع أنَّ هذا الدعاء جاء في صلاة الوتر على وجْه الخصوص دون غيرها. والحقيقة أنَّ دعاء القنوت في النوازل ليس له صيغة بعينها، بل هو متروك لمناسبة الدعاء. والنبي - صلى الله عليه وسلم - "كان يَقنُت في الصلوات الخمس كلها"، لكنَّه "كان لا يقنُت فيها إلاَّ إذا دعا لقومٍ، أو دعا على قومٍ"؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة ويُكبِّر، ويرفع رأْسَه: ((سَمِع الله لِمَن حَمِده، ربَّنا ولك الحمد))، ثم يقول وهو قائم: ((اللهم أنجِ الوليد بن الوليد، وسَلَمة بن هشام، وعيَّاش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشْدُد وطْأَتك على مُضَرَ، واجْعَلها عليهم سنين كسِنِي يوسف، اللهم الْعَن بني لِحْيَان، ورِعْلاً، وذَكْوَان، وعُصَيَّة عصَوا الله ورسوله))، ثم كان يقول إذا فرَغ من القنوت: ((الله أكبر))، فيَسْجد؛ انظر صفة صلاة النبي ص 141. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رفَع رأسه من الركعة الآخِرة، يقول: ((اللهم أنجِ عيَّاش بن أبي ربيعة)). يقول الشيخ مشهور حسن في كتابه "أخطاء المصلين" ص 138: وكان هذا في قنوت النازلة، فهو مناسبٌ لها، ومن خَلْط وخَبْط كثيرٍ من الناس أنهم يقولون في قنوت النوازل: "اللهم اهدني فيمَن هَدِيت.." إلخ. ولا شكَّ أن هذا الدعاء لا يَتناسب وحال النازلة، بل هذا الدعاء محلُّه قنوت الوتر فقط، ولا ينبغي أن يُزاد عليه شيءٌ؛ ا.هـ؛ انظر زاد المعاد، (1/ 277).
    9- التطويل الزائد في دعاء القنوت:
    وهذا من جملة المخالفات؛ لأنه قد يُسبِّب بذلك المَلل والسآمة لمَن يُصلي خلفه، بل إنَّ هذا لَم يكن من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنَّ ما ثبَت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من تعليمه الحسن دعاءَ القنوت في الوتر يَسيرٌ لا طولَ فيه. وللإمام أحمد في مقدار القنوت في الوتر ثلاث روايات: الأولى: بقدر سورة "إذا السماء انشقَّت". الثانية: بقدر دعاء عمر - رضي الله عنه. الثالثة: كيف شاء. والعلماء لا يختلفون أنَّ القانت إذا كان إمامًا، فعليه أن يتجنَّب التطويل الذي يشقُّ على المأمومين، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه - لما أطالَ في الصلاة إطالةً مفرطة: ((يا معاذ، أفتَّانٌ أنت؟ اقرأْ بكذا، وأقرأْ بكذا))؛ مسلم. وعند البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يا أيها الناس، إنَّ منكم مُنفِّرين، فأيُّكم أَمَّ الناس، فليُوجِز؛ فإنَّ من ورائه الكبير، والضعيف، وذا الحاجة)). وعند أبي داود والنسائي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أنت إمامُهم، واقتَدِ بأضعفهم)). قال الإمام النووي - رحمه الله - كما في المجموع (3/ 479): "قال البغوي: يُكره إطالة القنوت، كما يُكره إطالة التشهد الأوَّل"؛ ا.هـ. سُئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله:
    عن بعض أئمة المساجد في رمضان يُطيلون في الدعاء، وبعضهم يقصر، فما هو الصحيح؟
    ج: الصحيح ألا يكون غُلوًّا ولا تقصيرًا، فالإطالة التي تشقُّ على الناس منهيٌّ عنها؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا بلغَه أنَّ معاذ بن جبل أطالَ الصلاة في قومه، غَضِب - صلى الله عليه وسلم - غضبًا لَم يغضب في موعظةٍ مثله قطُّ، وقال لمعاذ بن جبل: ((أفتَّانٌ أنت يا معاذ؟))، فالذي ينبغي أن يقتصر على الكلمات الواردة، أو يزيد قليلاً لا يشقُّ، ولا شكَّ في أن الإطالة شاقَّة على الناس، وتُرهقهم، ولا سيَّما الضُّعفاء منهم، ومن الناس من يكون وراءَه أعمالٌ، ولا يحب أن ينصرِفَ قبل الإمام، ويَشُقُّ عليه أن يَبقى مع الإمام، فنصيحتي لإخواني الأئمة أن يكونوا بين بينَ، كذلك ينبغي أن يترك الدعاء أحيانًا؛ حتى لا يظنَّ العامة أن القنوت واجبٌ في الوتر.
    10- خطأ يقع فيه بعض الأئمة:
    فالبعض يستفتح في دعاء القنوت في الوتر ببعض المحامد الطويلة، ويتمادَى في ذِكرها بأسلوب يخرج به عن الأسلوب الإنشائي الطلبي المناسب لمقام الدعاء إلى الأسلوب الخبري المناسب لمقام الوعظ والترغيب والترهيب. الأمر الذي جعَل البعض يخشى بُطلان الصلاة؛ لاحتمال أن يكونَ له حُكم الكلام المتعمَّد الذي لا يُشرع في الصلاة. ومن المعلوم أنَّ الصلاة كلها حَمْد وثناء على الله، ودعاء القنوت يأتي بعد الرَّفع من الركوع الذي فيه تسبيح وتعظيم وحَمْدٌ وتمجيد لله - سبحانه وتعالى - وبعد قول المصلي: "ربَّنا لك الحمد"، فلا دليل على زيادة المحامد فوق ما شُرِع في هذا الموضع، والله تعالى أعلم؛ عودوا إلى خير الهدي، ص 54؛ لمحمد بن أحمد إسماعيل المقدم - حَفِظه الله.
    11- الإنكار على مَن يرفع يديه في الدعاء:
    ومن الناس من إذا رأى مَن يصلي بجواره يرفع يديه في الدعاء في قنوت الوتر، فإنه يُنكر عليه وهذا خطأ؛ لأنه عندما رفَع يديه في الدعاء فقد أصاب السُّنة؛ قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله: "والصحيح أنه يرفع يديه؛ لأن ذلك صحَّ عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه؛ البيهقي.
    وقال الشيخ الألباني - رحمه الله -: ورَفْع اليدين في قنوت النازلة ثبَت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دعائه على المشركين الذين قتَلوا السبعين قارئًا، وثبَت مثله عن عمر - رضي الله عنه - وغيره في قنوت الوتر؛ إرواء الغليل، 2/ 181. وسُئل الإمام أحمد - رحمه الله - يرفع يديه في القنوت؟ قال: نعم، يعجبني، قال أبو داود: ورأيت أحمدَ يرفع يديه؛ مسائل أحمد؛ لأبي داود، ص 66.
    12- مَسْح الوجه بعد الدعاء:
    وتلك عادة منتشرة بين أكثر الناس، وليس لها أصلٌ من السُّنة، بل هي مخالفة لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الشيخ الألباني - رحمه الله -: وأما مَسْحُ الوجه بهما، فلم يَرِد في هذا الموطن، فهو بدعة، وأما خارج الصلاة، فلم يَصِح، وكل ما رُوِي في ذلك ضعيف، وبعضه أشدُّ ضَعْفًا من بعض؛ كما حقَّقته في "ضعيف أبي داود" (262)، و"الأحاديث الصحيحة" (597)؛ ولذلك قال العز بن عبدالسلام - رحمه الله - في بعض فتاويه: ولا يَمسح وجهه بيديه عَقِبَ الدعاء إلا جاهل؛ صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ص 141؛ بتصرُّف. قال البيهقي - رحمه الله - في "سننه"، (2/ 212): "فأمَّا مَسْحُ اليدين بالوجْه عند الفراغ من الدعاء، فلستُ أحفظُه عن أحدٍ من السلف في دعاء القنوت"؛ ا.هـ. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "إنه لا يَمسح الداعي وجْهه بيديه؛ لأن المَسْح باليدين عبادة تحتاج إلى دليل صحيحٍ يكون حُجَّة للإنسان عند الله إذا عَمِل به. تنبيه: ذهَب ابن حجر في "بلوغ المرام": إلى تحسين الحديث الذي يدلُّ على مَسْح الوَجْه بعد القنوت، والراجح تضعيفه كما مرَّ بنا من كلام أهل العلم. وقفة مع شَرْح دعاء القنوت للشيخ ابن عثيمين - رحمه الله:
    ثم إننا نسمع في دعاء الوتر: "اللهم اهدنا فيمَن هَدِيت"، فما المراد بالهداية هنا؟ هل المعنى: "دُلَّنا على الحقِّ فيمن دلَلْتَ؟"، أو أنَّ المعنى دُلَّنا على الحقِّ، (وهو هداية الإرشاد)، ووفِّقنا لسلوكه، (وهو هداية التوفيق)؟ الجواب: هو الثاني، أن المعنى: "دُلَّنا على الحق ووفِّقنا لسلوك الحقِّ"؛ وذلك لأنَّ الهداية التامَّة النافعة هي التي يَجمع الله فيها للعبد بين العلم والعمل؛ لأن الهداية دون عملٍ لا تنفع، بل هي ضررٌ؛ لأن الإنسان إذا لَم يعمل بما عَلِم، صار عِلْمُه وبالاً عليه. ومثال الهداية العلمية دون عملٍ قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت: 17]، ومعنى ﴿هَدَيْنَاهمْ﴾؛ أي: بيَّنا لهم الطريق وأبْلَغنا العلم، ولكنَّهم والعياذ بالله ﴿فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾. ومن ذلك أيضًا من الهداية التي هي العلم وبيان الحق: قول الله - تبارك وتعالى - للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: 52]، ومعنى ﴿تَهْدِي﴾؛ أي: تدلُّ وتبيِّن، وتعلِّم الناس الصراط المستقيم، أمَّا الهداية بمعنى التوفيق، فمثل قول المصلي: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾، فعندما نقول: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾، هل أنت تسأل الله عِلمًا بلا عمل، أو عملاً بل عِلمٍ، أو علمًا وعملاً؟ على كل حال، فينبغي للإنسان إذا دعا الله ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾، أن يَستحضر أنه يسأل ربَّه العلم والعمل، فالعلم الذي هو الإرشاد، والعمل الذي هو التوفيق، وهذا فيما أظنُّ والعلم عند الله؛ إنه يَغيب عن بال كثيرٍ من الناس عندما يقول: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾، وكذا في دعاء القنوت وأنت تقول: "اللهم اهدنا فيمَن هديت"، وقوله تعالى للنبي - عليه الصلاة والسلام -: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾، هذه هداية إرشاد وبيان، لكن قوله: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص: 56]، فهذه الهداية هداية التوفيق للعمل، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يستطيع أن يوفِّق أحدًا للعمل الصالح أبدًا، ولو كان يستطيع ذلك، لاستطاع أن يهديَ عمَّه أبا طالب، وقد حاوَل معه حتى قال له عند وفاته: ((يا عم، قلْ: "لا إله إلا الله" كلمة أحاجُّ لك بها عند الله))، ولكن قد سبقَت له من الله - عز وجل - الكلمة بأنه من أهل النار والعياذ بالله، فلم يقل: "لا إله إلا الله"، وكان آخر ما قاله: "هو على مِلَّة عبدالمطلب"، ولكن الله - سبحانه وتعالى - أَذِن لرسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يشفعَ له، لا لأنه عمُّه، ولكن لأنه قام بسعي مشكورٍ في الدفاع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن الإسلام، فشفَع النبي - صلى الله عليه وسلم - في عمِّه، فكان في ضَحْضاح من نار، وعليه نَعلان يغلي منهما دماغه، وإنه لأهْوَن أهل النار عذابًا؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ولولا أنا، لكان في الدَّرك الأسفل من النار)). أقول: إذا قلنا في دعاء القنوت: "اللهم اهدنا فيمَن هَدِيت"، فإننا نسأل الهدايتين: هداية العلم، وهداية العمل، وقوله: "فيمَن هَديت"، ما الذي جاء بها في هذا المكان؟ أي: لو اقتصَر الإنسان فقال: "اللهم اهدنا"، حصَل المقصود، لكن لماذا جاءت "فيمَن هديت؟"؛ ليكون ذلك من باب التوسل بنِعم الله - عز وجل - على مَن هداه أنْ يُنعم علينا أيضًا بالهداية؛ أي: إننا نسألك الهداية؛ فإن ذلك من مقتضى رحمتك وحِكمتك، ومن سابِق فَضْلك؛ فإنك قد هَدَيت أناسًا آخرين، فاهدنا فيمَن هَديْتَ. "وعافنا فيمَن عافَيْتَ"، هل المعافاة هنا من أمراض البدن؟ أو من أمراض القلوب؟ أو من الأمراض البدَنية والقلبيَّة؟ فالجواب: من الاثنين؛ أي: عافنا من أمراض القلوب، وأمراض الأبدان. وما الذي يتبادَر إلى أذهانكم إذا دعوتُم الله بهذا الدعاء "وعافنا فيمَن عافيت"؟ الظاهر أنَّ العافية من أمراض البدن، لكن الذي ينبغي لك أن تستحضِرَه أن يُعافيك الله من أمراض البدن والقلب؛ لأنَّ أمراض القلوب هي المصائب؛ ولذلك نقول في دعاء القنوت: "ولا تجعل مصيبتنا في ديننا". فأمَّا أمراض الأبدان، فمعروفة، لكن ما هي أمراض القلوب؟ الأولى: أمراض الشهوات ومنشؤها الهوى؛ فإن الإنسان يعرف الحقَّ لكن لا يُريده، فله هوى مخالفٌ لما جاء به النبي - عليه الصلاة والسلام. الثاني: أمراض الشُّبهات ومنشؤها الجَهْل؛ فإن الإنسان الجاهل يَفعل الباطل ويظنُّه حقًّا، وهذا مرض، فأنت تسأل الله العافية من أمراض الأبدان وأمراض القلوب، التي هي أمراض الشُّبهات وأمراض الشهوات، وعندما تقول: أمراض الشهوات، فلا تظنُّ أننا نريد أمراض الشهوات الجنسيَّة وهي شهوة النكاح، ولكننا نريد كلَّ ما يريده الإنسان مما يُخالف الحقَّ، فإنها شهوة بمعنى إرادة، اشتهى أن يَبتدع في دين الله، أو اشْتَهى أن يحرِّف نصوص الكتاب والسُّنة لهواه، أو اشتَهى أن يَسرق، أو أن يشرَبَ الخمر، أو يزني، وما أشْبَه ذلك، وقولنا: "فيمَن تولَّيت"، ومعنى "تولَّنا"؛ أي: كنْ وليًّا لنا، والولاية الخاصة للمؤمنين خاصة؛ ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ﴾ [البقرة: 257]. ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ [المائدة: 55]، فقولنا: "فيمن تولَّيْتَ": نسأل الله الولاية الخاصة التي تقتضي العناية بمن تولاَّه الله - عز وجل - أمَّا الولاية العامة، فهي تشمل كلَّ واحد، فالله وَلِيُّ كلِّ واحدٍ؛ ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ﴾ [الأنعام: 61] ، وهذا عامٌّ لكلِّ واحد؛ ﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ﴾ [الأنعام: 62]؛ أي: الولاية العامة، لكن عندما نقول: "اللهم اجْعَلنا من أوليائك"، أو "اللهم تولَّنا"، فإننا نريد بها الولاية الخاصة، والولاية الخاصة تقتضي التوفيق والنُّصرة، والصَّدَّ عن كلِّ ما يُغضب الله - عز وجل. "وبارِك لنا فيما أعْطَيتَ"، فما معنى البركة؟ يقول العلماء: هي الخير الكثير، ويرجعونذلك إلى اشتقاق هذه الكلمة، فإنها من البركة، وهي مَجمع الماء، والبركة التي هي مَجمع الماء هي شيء واسع ماؤه كثيرٌ ثابت، فالبركة هي الخيرات الكثيرة الثابتة. وقوله: "فيما أعْطَيْتَ"، من أي شيء: من المال، من الولد، من العلم؟ الجواب: من كل شيء، وكل شيء أعطاه الله - عز وجل - لك تسأل الله - سبحانه - البركة فيه؛ لأنَّ الله - عز وجل - إذا لَم يُبارك لك فيما أعطاكَ، حُرِمَت خيرًا كثيرًا. ما أكثر الناس الذين عندهم المال الكثير وهم في عداد الفقراء، لماذا؟ لأنهم لا ينتفعون بمالهم، تجد عندهم من الأموال ما لا يُحصى، لكن يقصر على أهله في النفقة، وعلى نفسه ولا ينتفع بماله. والغالب أنَّ من كانت هذه حاله - وبَخِل بما يجب عليه - أن يُسلِّط الله على أمواله آفات تذهبها، فكثير من الناس عنده أولاد لكن أولاده لَم ينفعوه، عندهم عقوقٌ واستكبارٌ على الأب، حتى إنه - أي: الولد - يجلس إلى صديقه الساعات الطويلة يتحدَّث إليه، ويأنس به ويُفضي إليه أسراره، لكنه إذا جلَس عند أبيه وإذا هو كالطَّيْر المحبوس في القفص، والعياذ بالله لا يأنس بأبيه، ولا يتحدَّث إليه، ولا يُفضي إليه بشيءٍ من أسراره، ويَستثقل حتى رؤية أبيه، هؤلاء مبارَك لهم في أولادهم؟ لا. البركة في العلم أيضًا، تجد بعض الناس قد أعطاه الله علمًا كثيرًا، لكنَّه بمنزلة الأُمي، فلا يظهر أثرُ العلم عليه في عباداته، ولا في أخلاقه، ولا في سلوكه، ولا في معاملته مع الناس، بل قد يُكسبه العلم استكبارًا على عباد الله، وعُلوًّا واحتقارًا لهم، وما عَلِم هذا أنَّ الذي مَنَّ عليه بالعلم هو الله، وأنَّ الله لو شاء، لكان مثل هؤلاء الجُهَّال. تجده قد أعطاه الله علمًا، ولكن لَم يَنتفع الناس بعِلمه، ولا بتدريسٍ، ولا بتوجيه، ولا بتأليف، بل هو مُنحصر على نفسه، لَم يُبارك الله له في العلم، وهذا بلا شكٍّ حِرْمان عظيم، مع أنَّ العلم من أبرَك ما يُعطيه الله العبد؛ لأن العلم إذا علَّمته غيرَك ونشَرته بين الأمة، أُجِرَت على ذلك من عدة وجوه: أولاً: أن في نَشْرك العلم نشرًا لدين الله - عز وجل - فتكون من المجاهدين، فالمجاهد في سبيل الله يَفتح البلاد بلدًا بلدًا؛ حتى يَنشر فيها الدين، وأنت تَفتح القلوب بالعلم؛ حتى تنشر شريعة الله - عز وجل. ثانيًا: من بركة نَشْر العلم وتعليمه: أنَّ فيه حفظًا لشريعة الله وحمايةً لها؛ لأنه لولا العلم، لَم تُحفَظ الشريعة، فالشريعة لا تُحفظ إلا برجالها رجالِ العلم، ولا يمكن حماية الشريعة إلاَّ برجال العلم، فإذا نشَرت العلم وانتفَع الناس بعلمك، حصَل في هذا حماية لشريعة الله، وحِفْظٌ لها. ثالثًا: فيه أنك تُحسِن إلى هذا الذي علَّمته، لأنك تُبصِّره بدين الله - عز وجل - فإذا عبَد الله على بصيرة، كان لك من الأجر مثل أجره، لأنك أنت الذي دلَلْتَه على الخير، والدالُّ على الخير كفاعل الخير، فالعلم في نَشْره خير وبركة لناشره ولِمَن نُشِر إليه. رابعًا: أنَّ في نَشْر العلم وتعليمه زيادةً له، عِلْمُ العالم يزيد إذا عَلِم الناس؛ لأنه استذكارٌ لِما حَفِظ، وانفتاح لِما لَم يَحفظ، وما أكثر ما يَستفيد العالم من طلبة العلم، فطُلابه الذين عنده أحيانًا يأتون له بمعانٍ ليستْ له على بالٍ، ويَستفيد منهم وهو يعلِّمهم، وهذا شيء مشاهد؛ ولهذا ينبغي للمُعلِّم إذا استفاد من الطالب، وفتَح له الطالب شيئًا من أبواب العلم، ينبغي لهذا أن يشجِّع الطالب، وأن يَشكره على ذلك، خلافًا لِما يظنُّه بعض الناس أنَّ الطالب إذا فتَح عليه وبيَّن له شيئًا كان خفيًّا عليه، تضايَق المُعلِّم، يقول: هذا صبي يعلِّم شيخًا فيتَضايق، يتحاشى بعد ذلك أن يتناقَش معه؛ خوفًا من أن يُطلِعَه على أمرٍ قد خَفِي عليه، وهذا من قصور عِلْمه، بل من قصور عقله؛ لأنه إذا منَّ الله عليك بطلبة يُذَكِّرونك ما نَسِيت، ويفتحون عليك ما جَهِلتَ، فهذا من نعمة الله عليك، وهذا من فوائد نَشْر العلم أنه يَزيد إذا علَّمْتَ بعِلمك. كما قال القائل مقارنًا بين المال والعلم في العلم:

    يَزِيدُ بِكَثْرَةِ الإِنْفَاقِ مِنْهُ
    ....
    وَيَنْقُصُ إِنْ بِهِ كَفًّا شَدَدْتَ

    إذا شَدَدْتَ به كفًّا وأمْسَكت، نقَص؛ أي: تنساه، ولكن إذا نشَرته يزداد.

    وينبغي للإنسان عند نَشْر العلم أن يكون حكيمًا في التعليم؛ حيث يلقي على الطلبة المسائل التي تَحتملها عقولهم، فلا يأتي إليهم بالمُعْضلات، بل يُربِّيهم بالعلم شيئًا فشيئًا؛ ولهذا قال بعضهم في تعريف العالم الربَّاني: العَالِم الربَّاني هو الذي يربِّي الناس بصِغار العلم، قبل كِباره. ونعلم نحن جميعًا أن البناء ليس يؤتَى به جميعًا حتى يوضَع على الأرض، فيُصبح قصرًا مشيدًا، بل يُبنى لبنة لبنة؛ حتى يكتمل البناء، فينبغي للمعلم أن يُراعي أذهان الطلبة؛ حيث يُلقي إليهم ما يُمكن لعقولهم أن تُدركه؛ ولهذا يؤمر الناس أن يُحدِّثوا الناس بما يعرفون؛ قال ابن مسعود - رضي الله عنه - إنك لن تُحدِّث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم، إلاَّ كان لبعضهم فتنةٌ. كذلك أيضًا ينبغي للمعلم: أن يَعتني بالأصول والقواعد؛ لأن الأصول والقواعد هي التي يُبنى عليها العلم. وقد قال العلماء: من حُرِم الأصول حُرِم الوصول؛ أي: لا يصل إلى الغاية إذا حُرِم الأصول، فينبغي أن يُلقي على الطلبة القواعد والأصول التي تتفرَّع عليها المسائل الجزئيَّة؛ لأن الذي يتعلَّم العلم على المسائل الجزئيَّة، لا يستطيع أن يهتدي إذا أتتْه مُعضلة، فيعرف حُكمها؛ لأنه ليس عنده أصلٌ. نعود إلى أصل الكلام بعد هذا الاستطراد، وهو الحديث عن قوله: "وبارِك لنا فيما أعْطَيتَ"، فينبغي لك أن تسألَ الله أن يُبارك لك فيما أعطاك من مالٍ وولدٍ وعِلْمٍ. "وقِنا شَرَّ ما قضيتَ": الله - عز وجل - يقضي بالخير، ويقضي بالشر؛ أمَّا قضاؤه بالخير، فهو خير مَحض في القضاء والمقضي، مثال: أن يقضي الله - عز وجل - للناس بالرزق الواسع، والأمن والطمأنينة، والهداية، والنصر... إلخ، فهذا خير في القضاء والمقضي. وأمَّا قضاؤه بالشر، فهو خير في القضاء، شَرٌّ في المقضي، ومثال ذلك: القَحْط، وامتناع المطر، فهذا شَرٌّ، لكن قضاء الله به خير؛ قال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: 41]. فلهذا القضاء غاية حميدة، وهي الرجوع إلى الله تعالى من معصيته إلى طاعته، فصار المقضي شرًّا، وصار القضاء خيرًا. ونحن نقول: "شر ما قَضَيتَ"، و"ما" هنا اسم موصول؛ أي: شر الذي قضيتَه، فإنَّ الله تعالى قد يقضي بالشرِّ لحِكمة بالغة حميدة. "إنك تقضي ولا يُقضى عليك"، فالله تعالى يقضي على كلِّ شيء؛ لأنَّ له الحكم التام الشامل، "ولا يقضي عليك"، فلا يقضي عليه أحدٌ، فالعباد لا يَحكمون على الله، والله يحكم عليهم، العباد يُسأَلُون عمَّا عَمِلوا، وهو - سبحانه - ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: 23]. "إنه لا يَذِل مَن والَيْتَ، ولا يَعِز مَن عادَيْتَ"، وهذا كالتعليل لقولنا فيما سبَق: "وتولَّنا فيمن تولَّيْتَ"، فإذا تولَّى الله - سبحانه - فإنه لا يَذِل، وإذا عادى الله الإنسان؛ فإنه لا يَعِز. ومعنى ذلك: أننا نطلب العزَّ من الله، ونتقي من الذلِّ بالله - عز وجل. وبعد: فهذا آخر ما تيسَّر جَمْعه في هذه الرسالة؛ نسأل الله أن يكتبَ لها القَبول، وأن يتقبَّلها منَّا بقبول حسنٍ، كما أسأله - سبحانه - أن ينفع بها مؤلِّفها وقارِئَها، ومَن أعان على إخراجها ونَشْرها؛ إنه وَلِيُّ ذلك والقادر عليه. هذا وما كان فيها من صوابٍ فمن الله وحْدَه، وما كان من سهوٍ أو خطأ أو نسيانٍ، فمنِّي ومن الشيطان، والله ورسوله منه براءٌ، وهذا شأن أي عملٍ بشري يَعتريه الخطأ والصواب، فإن كان صوابًا، فادعُ لي بالقبول والتوفيق، وإن كان ثمَّة خطأ، فاستغفر لي :
    وَإِنْ تَجِدْ عَيْبًا فَسُدَّ الخَلَلاَ .... فَجَلَّ مَنْ لاَ عَيْبَ فِيهِ وَعَلا

    فاللهم اجْعَل عملي كله صالحًا ولوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحدٍ فيه نصيبًا، والحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمد وعلى آله وصَحْبه أجمعين، هذا والله تعالى أعلى وأعلم. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أنْ لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.


    [1] راجع رسالة: "عودوا إلى خير الهدي"؛ لمحمد أحمد إسماعيل المقدم - حَفِظه الله.
    [2] يفجرك: يَعصيك ويُخالفك.
    [3] نَحفد: نسارع في طاعتك، والحفدان: السرعة، وأصل الحفد: العمل والخدمة.
    [4] مُلحِق؛ أي: لاصِق.



    تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

    قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
    "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
    وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية


  • #2
    الاخ الفاضل صباحو جزاك الله خير الجزاء في ميزان حسناتك ان شاء الله وتقبل الله الطاعات وصالح الاعمال.

    " و لسوف يعطيك ربك فترضى "

    تعليق


    • #3
      المشاركة الأصلية بواسطة ابيان مشاهدة المشاركة
      الاخ الفاضل صباحو جزاك الله خير الجزاء في ميزان حسناتك ان شاء الله وتقبل الله الطاعات وصالح الاعمال.
      واياكم بارك الله لكم

      تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

      قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
      "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
      وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

      تعليق

      يعمل...
      X