إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

عندما تغيب السُنّة !!

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عندما تغيب السُنّة !!


    الحمد لله الذي بعث رسولَه بالهدى ودينِ ‏الحقِّ ليُظهرَه على الدينِ كلِّه ولو كرهَ ‏الكافرون،

    وصلاةً وسلاماً على من أرسله ‏اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه الذين ‏بذلوا أرواحَهم وأموالَهم في نُصرةِ وتبليغِ ‏هذا الدين . وبعد:

    إن الإسلامَ كِيانٌ، ولكلِّ كيِانٍ منهجٌ، ‏وكيِانُ الإسلامِ هو الجماعةُ، ومنهجُ الجماعةِ ‏هو السُنَّةُ، وهذا ما يُعبَّرُ عنه بتسمية: (‏أهلِ السنةِ والجماعة).‏


    وعندما أنزل اللهُ عزَّ وجلَّ شرْعَ ‏الإسلامِ فإنَّه أنزلَه ليكونَ واقعاً على الأرضِ، وليس مجردَ سطورٍ مخطوطة، أو فصولٍ ‏مجموعةٍ في كتاب.

    وهذا يقتضي أن يكونَ ‏هناك نُسخةٌ بشريةٌ (عمليةٌ) من هذا ‏التشريعِ النظريِّ المكتوب،

    فأمَّا التشريعُ ‏المكتوبُ فهو القرآنُ الكريم، وأمَّا التطبيقُ ‏العمليُّ للقرآنِ فهو سُنَّةُ النبي صلى الله عليه وسلم


    1- والسنةُ محورُ اهتمامِها هو النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأقوالِه وأفعالِه وتقريراتِه ‏وصفاتِه وأخلاقِه.‏

    2- والسنةُ النبويةُ وحيٌ من اللهِ كان يَنزلُ به ‏جبريلُ عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم كما كان يَنزلُ ‏بالقرآنِ الكريم

    يقول تعالى :
    وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ (2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4)

    فتَأملْ كلمةَ يَنطق , والتأكيدُ ‏بعدها بأنه وحي !‏


    3- وأمَرَنا ربُّنا سبحانه وتعالى أن نأتَمِرَ بأوامرِ ‏النبي عليه الصلاة والسلام وننتهيَ عما ‏نهى عنه فقال تعالى: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) [الحشر:7] ‏

    4- وأزالَ وصفَ الإيمانِ عن الذين يرفضون ‏حُكمَ النبي عليه الصلاة والسلام فقال ‏تعالى: ( فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ ‏فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ‏حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) ‏‏[النساء:65] .

    فالتسليمُ للنبي صلى الله عليه وسلم في كل ما يأمرُ به أو ينهى عنه شرطٌ ‏من شروط الإيمانِ بالله، ولِمَ لا؟ ! أليس النبيُّ عليه الصلاة والسلام هو الذي أخبرنا ‏عن الله؟

    5- و وصَفَ أن طاعةَ الرسولِ بأنها طاعةٌ لله فقال ‏تعالى: ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ ‏تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ) [‏النساء:80]

    لاحِظْ استخدامَ الفعلِ المضارعِ في ‏قوله تعالى: ( يُطع ) الذي يفيدُ الاستمرار.‏


    6- و هَددَ وتَوعدَ كلَّ من يخالفُ النبي عليه الصلاة والسلام بسوءِ المصيرِ في جهنم : ( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ‏الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا ‏تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) [النساء:115]‏

    7- وبيّنَ دَورَ السنةِ بأنها الـمُبَينةُ للقرآنِ ‏الكريمِ فقال: ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ ‏لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ‏‏ ) [النحل:44]‏


    وكلُّ هذه الآياتِ الكريمةِ أدلةٌ قطعيةٌ على ‏حُجيةِ السنةِ النبويةِ في التشريعِ الإسلامي، ‏ولا يمكنُ أن تنفصلَ السنةُ عن القرآن،

    ‏فالسنةُ هي الـمُبيِّنةُ لما أجمََلهُ القرآن، ‏وهي المخصِّصةُ لما عمَّمهُ القرآن، وهي ‏المقيِّدةُ لما أطلقَه القرآن.

    والسنةُ النبويةُ هي ‏أفضلُ تفسيرٍ للقرآنِ الكريمِ بعد تفسيرِ ‏القرآنِ بالقرآن
    .




    وبلُغةِ أهلِ القانونِ نستطيعُ ‏أن نصفَ السنةَ بأنها القانونُ الذي يوَضحُ ‏ويُفسرُ ويُفصلُ الدستورَ الذي هو عندنا‏‏ القرآنُ الكريم.

    فهل رأى أحدٌ دستوراً بلا ‏قانون ؟! أو قانوناً بلا دستور؟!‏


    ولا يُتصورُ عند أصحابِ العقولِ السليمةِ ‏أنْ ينفصلَ التطبيقُ العمليُّ عن الإطارِ ‏النظريِّ لأي منهجٍ من المناهج، ولا شك أنَّ ‏فصلَ التطبيقِ العمليِّ عن المنهجِ النظريِّ ‏ سيقعُ ضررُه على ذلكَ الإطارِ النظريِّ نفسِه، إذ سيكونُ عرضةً للتأويلاتِ الفاسدةِ، ‏والأهواءِ الساقطة.‏

    وهنا سوف أُبينُ بعض المثالبِ والنقائصِ التي ‏لا بُد أننا سنقعُ فيها إذا ما نَحـَّّينا السنةَ ‏وأخَّرناها عن القرآنِ الكريم، وإذا ما ‏عطَّلناها وهمَّشناها وأزلنا عنها صفةَ الوحي.‏

    فماذا سيحدثُ عندما تغيبُ السنة؟‏


    لاحول ولاقوة إلا بالله

  • #2

    ماذا سيحدثُ عندما تغيبُ السنة؟‏


    أولاً : الجهلُ بمقاصدِ القرآنِ الكريم:‏

    أخرج الإمامانِ البخاريُّ (‏‏4776) ومسلمٌ (124) في ‏صحيحَيهِما عن عبدِ الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال:

    لما نزلت: ( الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ ‏يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ ‏مُهْتَدُونَ ) [الأنعام:82]، شقَّ ذلك على ‏أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏وقالوا:

    أيُّنا لم يَلْبِس إيمانَه بظلم؟ فقال رسول ‏الله صلى الله عليه وسلم : "إنه ليس بذاك، ألا ‏تسمعْ إلى قولِ لقمانَ ( يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ ‏بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )؟.‏

    الشاهدُ من هذا الحديثِ :
    أن الصحابةَ وهم ‏أعلمُ المسلمينَ بعدَ النبي صلى الله عليه وسلم وهم أعلمُ الأُمةِ بلغةِ العربِ، لم يتبين لهم مَقْصدَ القرآنِ الكريمِ في الآية الأولى وظنوا – خطأً ‏‏– أنهم ليسوا من الآمنينَ وليسوا من المهتدين، بل نفوا أن يكون أحدٌ لم تَطَلهُ الآيةُ،
    وهنا لجأوا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ليُبينَ لهمُ المقصدَ الحقيقيَّ للقرآنِ من ‏كلمةِ ظُلم : وأنه ليس الذي فهموه ولكن ‏المقصودَ به هنا هو ما فصَّله القرآنُ في موضعٍ ‏آخرَ ألا وهو الشركُ بالله.‏

    لولا هذا الحديثُ الشريفُ، ولولا ربطُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم هذه الآيةَ بآيةٍ ‏أخرى، لكانت الآيةُ الأولى نَصًّا صريحاً على ‏نفيِ الأمنِ والهدايةِ عن كل مسلمٍ على وجهِ ‏الأرض، فما من مسلمٍ إلا وقد لَبِسَ إيمانَه ‏بظلم ما.

    ومن هذا المثالِ الموجزِ المختصرِ يتبينُ ‏لنا أنه بدونِ السنةِ سوف نَضلُّ ونجهلُ ‏المقاصدَ الحقيقيةَ للقرآنِ الكريم.‏



    ثانياً : الجهلُ بأحكامِ العباداتِ وصفاتِها ‏وهيئاتِها:‏

    يزخرُ القرآنُ الكريمُ بالكثيرِ من الآياتِ التي ‏تأمرُ المسلمينَ بإقامةِ الصلاةِ وإيتاءِ الزكاةِ ‏وصومِ رمضانَ وحجِّ البيتِ،

    ولم يُبَينْ القرآنُ ‏الكريمُ كيفيةَ أداءِ هذه العباداتِ على وجهِ ‏التفصيل، بل تركَ هذا للسنةِ النبويةِ لتُوضحَ ‏كلَّ هذا،

    ولِيقفَ النبيُّ
    عليه الصلاة والسلام بين يديْ أصحابِه ليشاهدوه، ‏وليقولَ وائلُ بنُ حجرٍ: "لأشهدنَّ صلاةَ ‏النبي صلى الله عليه وسلم " تنفيذاً ‏لقول النبي عليه الصلاة والسلام : "‏صَلوا كما رأيتموني أُصلي"

    فوصَفَ كيفيةَ ‏قيامِ وركوعِ وسجودِ وجلوسِ النبي عليه الصلاة والسلام ونقلَ للأُمةِ ما شاهدَ ‏ليقتدوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في ‏أداءِ الصلاة.‏

    عن عبدِ الرحمنِ بنِ أبزى قال : كنا عند عمرَ ‏‏– يقصدُ ابنَ الخطابِ - فأتاه رجلٌ فقال: يا ‏أميرَ المؤمنين إنا نمكثُ الشهرَ والشهرينِ لا ‏نجدُ الماء.
    فقال عمرُ: أمَّا أنا فلمْ أكنْ ‏لأُصلي حتى أجدَ الماءَ فقال عمارٌ –هو ابنُ ‏ياسر -: يا أميرَ المؤمنين تذكرُ حيث كنا ‏بمكانِ كذا ونحن نرعى الإبلَ فتعلمْ أنّا أَجنبْنا؟ ‏قال: نعم، قال: فإني تمرّغتُ في الترابِ ‏فأتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ‏فحدثتُه فضحك وقال: (كان الصعيدُ ‏الطيبُ كافيك)، وضربَ بكفيهِ الأرضَ ثم ‏نفخ فيهِما ثم مسحَ بهما وجهَه وبعضَ ‏ذراعيه.‏

    قال – أي عمر -: اتقِ اللهَ يا عمار، قال: ‏يا أميرَ المؤمنينَ إن شئتَ لم أَذكرْهُ ما عشتُ ‏أو ما حييت، قال: كلا واللهِ ولكن نُوَليك ‏من ذلك ما تَوليتَ.‏

    ‏[أخرجه الإمامُ أحمد في مسنده (4/ 319) ‏وأبو يعلى في مسنده (3/ 181) وابن حبانَ ‏في صحيحه (4/ 132)]‏

    الشاهدُ :

    أن السنةَ النبويةَ هي التي بَينتْ ‏الحكمَ التعبديَّ الذي لم يعلمه صحابيانِ جليلانِ ‏يقرآن القرآنَ أكثرَ مما نقرأُه نحن ، ويفهمانِ ‏القرآنَ أفضلَ مما نفهمُه نحن.

    فقِسْ على هذا ‏الشاهدِ الكثيرَ والكثيرَ من أحكامِ القرآنِ ‏التي سوف تختلفُ فيها الأقوالُ لو لم تأتِ ‏السنةُ ببيانِها.

    فلولا السنةُ لقطعنا يدَ السارقِ ‏ولو سَرق قرشاً أو فلساً واحداً، ولاختلفنا ‏في موضعِ القطعِ أيَّما اختلاف.

    فالنبيُّ ‏صلى الله عليه وسلم يقول: (تُقطع ‏الأيدي في رُبعِ دينارٍ فصاعدا).‏

    ‏[ أخرجه البخاري عن عائشة رضي الله عنها (برقم ‏‏6789، 6790، 6791) ].‏

    فتأملْ تحديدَ النبي صلى الله عليه وسلم ‏حدَّ القطعِ بأنه لا يكونُ إلا عندما يبلغُ قيمةُ ‏المسروقِ رُبعَ دينار، ولولا هذا لقَطعَ ‏المنكرونَ للسنةِ يدَ السارقِ الذي يسرقُ ‏قرشاً واحداً، وتأمل تحديدَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم موضعَ القطعِ بأنه من الكفِّ، ولولاه لقَطعَ منكرو السنةِ يدَ ‏السارقِ من الكتف،

    ويكفي هذا المثالُ لتقرأَ ‏قولَ اللهِ تعالى( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً ‏لِلْعَالَمِينَ) [الحج:107] بفهمٍ جديدٍ في ‏إطارِ السنة.‏

    لاحول ولاقوة إلا بالله

    تعليق


    • #3

      ثالثاً: ادعاءُ التعارضِ في القرآنِ الكريم:‏

      لا شكَّ أن ما أقولُه هنا عن خطرِ غيابِ ‏السنةِ سوف يُثيرُ حفيظةَ الكثيرين، ‏واستغرابَ الأكثرِ

      ولكن هذه هي الحقيقةُ فلا ‏أزعُمها، ولعل سؤالاتِ نافعِ بنِ الأزرقِ (‏توفي 65 هـ) للصحابي الجليلِ عبدِ الله بنِ ‏عباس رضي الله عنه خيرُ دليلٍ على ما ‏أقول.‏

      ونافعُ بنُ الأزرقِ هذا هو أحدُ رؤوسِ الخوارجِ ‏ومؤسسٌ لفرقةِ الأزارقة، وكان – قبل أن ‏يَرفع رايةَ الخروجِ ويقعَ في الفتنة - قد وجَّه ‏العديدَ من الأسئلةِ لعبدِ الله بنِ عباسٍ لبعض ‏الأمورِ التي تختلفُ عليه في القرآنِ الكريم، ‏فعندما يقرأُ أحدٌ أسئلةَ نافعٍ قد يظن بُرهةً ‏أن هناك تناقضاتٍ عظيمةً وتعارضاتٍ في ‏القرآن الكريم، ولكن تأتي إجاباتُ حَبرِ ‏الأُمةِ وكأنها النورُ لتَجلِيَ عن الذهنِ ما ‏وقع فيه من لُبسٍ، ولتُبيِّنَ قيمةَ السنةِ في دفْعِ ‏الشبهاتِ عن القرآنِ الكريم.‏

      وأترُككم مع هذا الحديثِ الذي رواه ‏البخاريُّ رحمه الله عند تفسيرِه لسورةِ ‏السجدةِ في صحيحِه:

      (وَقَالَ المِنْهَالُ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنِّي أَجِدُ فِي القُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ، قَالَ: {فَلاَ أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101]، {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: 27] {وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء: 42]، {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23]، فَقَدْ كَتَمُوا فِي هَذِهِ الآيَةِ؟ وَقَالَ: {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} [النازعات: 27] إِلَى قَوْلِهِ: {دَحَاهَا} [النازعات: 30] فَذَكَرَ خَلْقَ السَّمَاءِ قَبْلَ خَلْقِ الأَرْضِ، ثُمَّ قَالَ: {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 9] إِلَى قَوْلِهِ: {طَائِعِينَ} [فصلت: 11] فَذَكَرَ فِي هَذِهِ خَلْقَ الأَرْضِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ؟ وَقَالَ: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 96]، {عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 56]، {سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58] فَكَأَنَّهُ كَانَ ثُمَّ مَضَى؟

      فَقَالَ ( أي ابن عباس ) : {فَلاَ أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} [المؤمنون: 101]: " فِي النَّفْخَةِ الأُولَى، ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ: {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} فَلاَ أَنْسَابَ [ص:128] بَيْنَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ، ثُمَّ فِي النَّفْخَةِ الآخِرَةِ، {أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: 27] وَأَمَّا قَوْلُهُ: {مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23]، {وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء: 42]، فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لِأَهْلِ الإِخْلاَصِ ذُنُوبَهُمْ، وَقَالَ المُشْرِكُونَ: تَعَالَوْا نَقُولُ لَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ، فَخُتِمَ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ، فَتَنْطِقُ أَيْدِيهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ عُرِفَ أَنَّ اللَّهَ لاَ يُكْتَمُ حَدِيثًا، وَعِنْدَهُ: {يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [البقرة: 105] الآيَةَ، وَخَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، ثُمَّ دَحَا الأَرْضَ، وَدَحْوُهَا: أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا المَاءَ وَالمَرْعَى، وَخَلَقَ الجِبَالَ وَالجِمَالَ وَالآكَامَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {دَحَاهَا} [النازعات: 30]. وَقَوْلُهُ: {خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 9].

      فَجُعِلَتِ الأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْءٍ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَخُلِقَتِ السَّمَوَاتُ فِي يَوْمَيْنِ، {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 96] سَمَّى نَفْسَهُ ذَلِكَ،
      وَذَلِكَ قَوْلُهُ، أَيْ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا إِلَّا أَصَابَ بِهِ الَّذِي أَرَادَ، فَلاَ يَخْتَلِفْ عَلَيْكَ القُرْآنُ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ " . انتهى.

      إن سؤالاتِ نافعِ بنِ الأزرقِ وإجابةَ ابنِ عباسٍ ‏عليها، لتفقأُ عيونَ منكري السنةِ الذين ‏يريدون أن يَفصلوا بين القرآنِ والسنة،

      ‏ونقولُ لهم انظروا إلى هذه الآياتِ – ‏المتعارضةِ ظاهرياً – التي ألقاها نافعٌ على حَبرِ ‏الأُمة،

      وماذا لو لم يكن هناك مثلُ ابنِ عباسٍ ‏يجيبُ بما تعلَّمه مِن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومِن أصحابِه فهل ‏كان لهم من مَخرجٍ في ردِّ هذا التعارضِ في ‏القرآنِ إلا بالسنة النبوية؟!‏

      إن الذي أريدُ أن أَخلُصَ إليه في نهايةِ المقالِ هذا هو أن أَصِلَ إلى نهايةٍ محددةٍ ‏ونتيجةٍ واحدةٍ ألا وهي أنَّ في غيابِ السنةِ ‏غيابًا للمعنى الحقيقيِّ للقرآن.‏

      وصدقَ أبو عبدِ الله البربهاريُّ عندما افتتح ‏كتابَه " شَرْحُ السنة" قائلاً: " السُنَّةُ هي ‏الإسلامُ والإسلامُ هو السُنَّة".


      والله أعلم

      المصدر:
      بقلم أبوجهاد الأنصاري غفر الله له ولوالديه
      مجلة منتدى التوحيد -عدد2
      لاحول ولاقوة إلا بالله

      تعليق

      يعمل...
      X