إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ملحمة جلجامش : ملحمة سومر الخالدة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ملحمة جلجامش : ملحمة سومر الخالدة

    في مقدمته للطبعة الرابعة لملحة «جلجامش»، أكد الباحث الأثري العراقي الراحل طه باقر، أن هذه الملحمة هي أقدم نوع من أدب الملاحم البطولية في جميع الحضارات، وأنها أطول وأكمل ملحمة عرفتها حضارات العالم القديم، وليس هنالك ما يقرن بها أو ما يضاهيها من آداب الحضارات القديمة قبل الإلياذة والأوديسة في الأدب اليوناني، وقد ظهرت هاتان الملحمتان بعدها بثمانية قرون. وأبعد من ذلك ذهب إلى أنه لو لم يأتنا من حضارة وادي الرافدين، من منجزاتها وعلومها وفنونها، شيء سوى هذه الملحمة، لكانت جديرة بأن تتبوأ تلك الحضارة مكانة سامية بين الحضارات العالمية القديمة.
    هذه الملحمة التي دونت قبل أكثر من أربعة آلاف سنة ما زالت مثار اهتمام واسع على صعيد عالمي. ولدى زيارته جناح الآثار العراقية في متحف اللوفر بباريس، ومشاهدته تمثالا لجلجامش وهو يحمل أسدا وأفعى يعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد، تبلورت في ذهن الدبلوماسي المغربي عبد القادر الجموسي فكرة استيحاء الملحمة عبر عمل لا يكون ترجمة لما جاء في الألواح السومرية الأحد عشر، بل باعتماد صياغة أدبية حديثة لحكاية الملك جلجامش، صياغة تحتفظ للنص الأصلي بعناصره الأساسية ومخزونه الثقافي الحضاري. كما تغامر في اتخاذ خيارات سردية وجمالية تمنحه حيوية راهنة ونكهة ذاتية تخاطب القارئ المعاصر وتستجيب لأفق انتظاره الفني; وتتعمد أحياناً إرباكه بشحنة خيالية مغايرة للمألوف تزج به في فضاءات متخيل قديم متواصل ومتجدد.
    وإذ يؤكد أن ملحمة «جلجامش» هي وثيقة إنسانية كونية بامتياز، فهو يرى أن نص الملحمة المتعارف عليه Standard Version، وهي الأطول والأكمل من نوعها حتى الآن، قد صيغ بطريقة بديعة حملت لنا عبر العصور والأزمنة المتعاقبة علامات بارزة عن القدرة الابتكارية في التوليف والسرد والبناء الدرامي والإيحاء الرمزي التي كان يتمتع بها الكاتب/الناسخ العراقي القديم; كما عكست لنا بأسلوب فني شيق، وببراعة مدهشة، شواغله الوجودية ورؤيته للحياة والموت والجمال والخير والعدل.
    لقد عمد الجيوسي في تدوين حكايته الملحمية إلى بث نفحات ذاتية تأملية من ذائقته الفنية وتجربته الشعورية الخاصة التي تتماشى مع روح الملحمة منطلِقاً من صميم علاقته الخاصة مع الكلمة والفكر والحياة. وهو يقول انه تجرأ «على ملء فضاءات ما تزال مهمشة أو ناقصة ـ حسب رأي أهل الاختصاص في الحفريات ـ لكنها مع ذلك تسبغ جسد الملحمة بمسحة من الغموض والإبهام الجليل الملهم والمستفز للخيال والإبداع. وكأن الملحمة تريد من خلال هذا البياض المؤجل والسكوت المحرض أن تستفيد من لعبة الغياب والمنسوخ لتعيد كتابة نفسها بشكل إبداعي متجدد يجعلها على اتصال وتفاعل حواري حيوي مع حساسيات الأجيال المتعاقبة إلى يومنا الراهن».
    إن أدركت معنى الحقيقة, ستدرك حينها وهم الحياة...

  • #2
    لقد حاول المؤلف أن يتخلص من قيود الترجمة التي قد تفرض ثقلها على نص شعري قديم، واستعان بأهم محاورها لتدعم النص الذي كتبه. وبالعودة إلى ترجمة طه باقر نجد أنه عنون الفصل الأول منها بـ«جلجامش وأنكيدو»، واستهله بالمقطع التالي: هو الذي رأى كل شيء فغنّي بذكره يا بلادي/ وهو الذي رأى جميع الأشياء وأفاد من عبرها/ وهو الحكيم العارف بكل شيء:/ لقد أبصر الأسرار وكشف عن الخفايا المكتومة/ وجاء بأنباء ما قبل الطوفان/ لقد سلك طرقاً بعيدة متقلباً ما بين التعب والراحة/ فنقش في نصب من الحجر كل ما عاناه وخبره.
    إلا أن الكاتب وخارج تصرفه الشكلي بالنصوص الشعرية، دوّن الجانب السردي بتصرف أوسع، وكتبه بلغة اليوم، وكأنه شاهد بنفسه أحداث الملحمة تجري الآن وكتب عنها، مع التمسك بالمضامين والسياقات العامة لها. وبالإضافة إلى فصل الاستهلال، واصل سرد حكايته الملحمية عبر أربعة فصول أخرى، وقد حمل الفصل الثاني عنوان «جلجامش وأنكيدو: الميثاق المقدس»، وتضمن ثلاثة أجزاء هي: جلجامش ملك أوروك ـ مجيء أنكيدو ـ مصرع همبابا الرهيب. وجاء الفصل الثالث تحت عنوان «لعنة عشتار»، وتألف من جزأين هما: عشتار والثور السماوي ـ موت أنكيدو. وأطل علينا الفصل الرابع «تغريبة جلجامش: رحلة البحث عن الخلود»، متضمنا الأجزاء الثلاثة التالية: البشر.. العقارب/ سيدوري صاحبة الحانة/ أورشنابي عابر بحر الموت. أما الفصل الخامس والأخير «أوتنابشتم يحكي قصة الطوفان»، فقد تألف من ثلاثة أجزاء كالتالي: لقاء جلجامش وأوتنابشتم ـ قصة الاختبار والعودة.
    في الفصل الأخير يلخص الجموسي محنة جلجامش وخيبة مسعاه وعدم يأسه في آن. لقد حصل على نبتة الخلود من أوتنابشتم الذي اختبره بأن ينام ستة أيام كاملة من دون أن يحرك ساكناً، وذلك بعد مخاضات ومغامرات عسيرة ومميتة شهدتها رحلته الجريئة، فقد خلالها صديقه أنكيدو. وقد طلب أوتنابشتم إلى أورشنابي أن يقود سفينة تحمل جلجامش إلى أرضه الأولى. وكان جلجامش، وهو يحمل معه نبتة الخلود، يقول لرفيق عودته وهو ممتلئ بالغبطة والزهو: «إن هذه النبتة تطيل عمر الإنسان وتعيد إليه عنفوان الشباب.. سأحملها يا أورشنابي مفاخراً بها أبناء شعبي فأجدد لهم نضارة أيامهم وأعيد إليهم نكهة الحياة.. وحين أشيخ بدوري سأتناول منها لأستعيد شبابي ومجدي».
    جلجامش الكاتب: عبد القادر الجموسي
    إن أدركت معنى الحقيقة, ستدرك حينها وهم الحياة...

    تعليق


    • #3
      الشعر الموزون في ملحمة جلجامش


      يقول N.k.sandars في كتابه "ملحمة جلجامش": "إنّ نسخة ملحمة جلجامش المدوّنة باللغة الآشورية مكتوبة بشعرٍ موزونٍ حرّ، وفي كلّ شطرٍ منه أربع نبرات، أو وحدات إيقاعية. بينما النسخة المكتوبة باللغة البابلية القديمة، فأشطرها أقصر، ولكلّ شطرٍ وحدتان إيقاعيتان. يضعنا Sandars منذ البداية أمام ضرورتيْن: الأولى تعيين لغة النصّ، وثانياً قراءة النصّ إمّا بلغته الأصلية أو عن طريق ما يُسمّى باللغة الإنكليزية: Transliteration أيْ نقل أصوات حروف لغة إلى لغةٍ أخرى.
      هناك عدّة دراسات باللغة الإنكليزية عن الوزن الشعري في ملحمة جلجامش، لكنّها ، والكلام لا يخلو من التظنّن والترجيم من طرفي، تقطّع الشعر على غرار تقطيع الشعر الإنكليزي أوّلاً، وثانياً تستدلّ على توكيد المعاني أو عدمهِ عن طريق الحروف الصحيحة وحروف العلّة،

      كما فعل Moran مثلاً في كتابه:" A Mesopotaimian Myth” (أسطورة من بين النهرين)، فحلّل نموذجاً شعريّاً قديماً من غير ملحمة جلجامش(ص 61). تحليل طريف لا ريب، إنْ صحّ. لا ضرر. لكن من الأفضل ألاّ يغيب عن البال أنّ موسيقى الحروف، أو دلالاتها تختلف من لغةٍ إلى أخرى.
      إن أدركت معنى الحقيقة, ستدرك حينها وهم الحياة...

      تعليق


      • #4
        حاول طه باقر أن يدلوَ بدلوه في هذا الباب، فكتب نبذة مطوّلة نسبياً عن الوزن في الملحمة، ربّما تقليداً للباحثين الغربيين، ولكن دون أنْ يدلّنا على تفعيلة واحدة. لم يمسّ طه باقر الوزن السومري، فاقتصر على " الشعر البابلي أيْ الشعر الذي نظمه شعراء العراق القديم باللغة الأكدية ( البابلية والآشورية) ". يتردد مصطلح "الشعر البابلي" كثيراً لدى طه باقر، ولكن لا نلمس تفريقاً في كلامه، بين الشعر البابلي والشعر الآشوري من حيث الوزن" كما رأينا أعلاه لدى Sandars . يقول طه باقر بعد ذلك :"يعتمد الوزن، أي العروض، في الشعر البابلي مثل أشعار بعض الأمم الأخرى، كالشعر العربي واليوناني واللاتيني وغيرها على مبدأ تجزئة الكلمات إلى مقاطع Syllables التي تتناوب ما بين المقاطع الصغيرة والمقاطع القصيرة أيْ بحسب مصطلحات العروض العربي "الأوتاد" والأسباب التي أساسها الحركة والسكون وفي بعض الأشعار الأخرى النبرات أيْ التشديد أو التخفيف Accented, Unaccented وبجمع عدّة مقاطع يتألف ما يصطلح عليه في الشعر العربي "التفعيلات" أيْ ما يضاهي Foot)) في الشعر الإنكليزي. ثمّ بجمع عدّة تفعيلات يتكوّن شطرا البيت. وعلى هذا الشكل جاء إلينا الشعر البابلي". (ص 32). هذا تعميم ومطلسم قليلاً ولا شكّ إن المعنى في قلب الشاعر. هل تعرّفنا على أيّ وزن في الشعر البابلي من خلاله؟ ما علاقة الشعر اليوناني والشعر اللاتيني بالشعر البابلي وزناً؟ بالطبع، ما أفادنا به طه باقر هو نقل بعض الأشعار القديمة بأصواتها الأصلية، ولكنْ بحروف عربية. من ذلك مثلاً، خطاب سيدوري صاحبة الحانة إلى جلجامش :
        "سابينُم أنّا شاشمْ أزْكرّا أنا كلكامش
        كلكامش ايشْ تَدال
        بلْطمْ شا تَسخوّرا لا تُنَّا
        حِنُما ايلاني ابْنو أويليتمْ
        ماتَمْ أشْكونو أنا أويليتمْ
        بلْطمْ أنا قاتيشوتو اصبطو
        انّا كلكامش لو ملئي كرَشْكا
        اورى وموشي خِدّادو أنّا"
        إن أدركت معنى الحقيقة, ستدرك حينها وهم الحياة...

        تعليق

        يعمل...
        X