إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

قصة الحارث بن كلدة مع كسرى أنوشروان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قصة الحارث بن كلدة مع كسرى أنوشروان




    حكى الفرغاني عن بعض رجاله قال:

    وفد على كسرى ملك الفرس الحارث بن كلدة طبيب العرب ، فأذن له بالدخول ، فمثل بين يديه.

    فقال له كسرى:

    من أنت ؟

    قال:

    أنا الحارث بن كلدة.

    قال:

    أعرابي أنت ؟

    قال:

    نعم من صميمها.

    قال:

    فما صناعتك ؟

    قال:

    طبيب.

    قال:

    فما تصنع العرب بالطبيب مع جهلها ، وضعف عقولها ، وقلة قبولها ، وسوء غذائها ؟

    فقال:

    ذلك أجدر أيها الملك ، إذ كانت بهذه الصفة ، ان تحتاج إلى من يصلح جهلها ، ويقيم عوجها ، ويسوس أبدانها ، ويعدل أمشاجها.

    قال الملك:

    كيف لها أن تعرف ما نزوره عليها ، لو عرفت الحق لم تنسب إلى الجهل.

    قال الحارث:

    أيها الملك ، إن الله جل اسمه قسم العقول بين العباد كما قسم الأرزاق ، وأخذ القوم نصيبهم ، ففيهم ما في الناس من جاهل وعالم ، وعاجز وحازم.

    قال الملك:

    فما الذي يحمد من أخلاقهم ويحفظ من مذاهبهم ؟

    قال الحارث:

    لهم أنفس سخية ، وقلوب جرية ، وعقول صحيحة مرضية ، وأحساب نقية ، يمرق الكلام من أفواههم مروق السهم العائر ، ألين من الماء ، وأعذب من الهواء ، يطعمون الطعام ، ويضربون الهام ، وعزهم لا يرام ، وجارهم لا يضام ، ولا يروع إذا نام ، ولا يقرون بفضل أحدٍ من الأنام ، ما خلا الملك الهمام ، الذي لا يقاس به أحد من الأنام.

    قال:

    فاستوى كسرى جالساً ، ثم التفت إلى من حوله.

    فقال:

    أطرى قومه ، فلولا أن تداركه عقله لذم قومه ، على أني أراه راجحاً.

    ثم أذن له بالجلوس فقال:

    كيف بصرك بالطب ؟

    قال:

    ناهيك.

    قال:

    فما أصل الطب ؟

    قال:

    ضبط الشفتين ، والرفق باليدين.

    قال:

    أصبت الدواء ، فما الداء ؟

    قال:

    إدخال الطعام على الطعام ، هو الذي أفنى البرية ، وقتل السباع في البرية.

    قال:

    أصبت.

    ثم قال:

    فما الجمرة التي تلتهب منها الأدواء ؟

    قال:

    هي التخمة ، إن بقيت في الجوف قتلت ، وإن تحللت أسقمت.

    قال:

    فما تقول في الحجامة ؟

    قال:

    في نقصان الهلال ، في يوم صحو لا غيم فيه ، والنفس طيبة ، والسرور حاضر.

    قال:

    فما تقول في الحمام ؟

    قال:

    لا تدخل الحمام شبعان ، ولا تغش أهلك سكران ، ولا تنم بالليل عريان ، وارفق بجسمك يكن أرجى لنسلك.

    قال:

    فما تقول في شرب الدواء ؟

    قال:

    اجتنب الدواء ما لزمتك الصحة ، دعه فإذا أحسست بحركة الداء فاحبسه بما يردعه من الدواء ، فإن البدن بمنزلة الأرض ، إن أصلحتها عمرت ، وإن أفسدتها خربت.

    قال:

    فما تقول في الشراب ؟

    قال:

    أطيبه أهناه ، وأرقه أمراه ، ولا تشرب صرفاً يورثك صداعاً ويثر عليك من الداء أنواعاً.

    قال:

    فأي اللحمان أحمد ؟

    قال:

    الضأن الفتي وأدسمه أمرؤه ، واجتنب أكل القديد المالح ، من الجزور والبقر.

    قال:

    فما تقول في الفاكهة ؟

    قال:

    كلها في إقبال دولتها ، وحين أوانها ، واتركها إذا أدبرت وتولت وانقضى زمانها ، وأفضل الفاكهة الرمان والأترج ، وأفضل البقول الهندبا والخس ، وأفضل الرياحين الورد والبنفسج.

    قال:

    فما تقول في شرب الماء ؟

    قال:

    هو حياة البدن ، وبه قوته ، وينفع ما شرب منه بقدر ، وشربه بعد النوم ضرر ، وأفضل المياه مياه الأنهار العظام ، أبرده وأصفاه.

    قال:

    فما طعمه ؟

    قال:

    شيء لا يوصف ، مشتق من الحياة.

    قال:

    فما لونه ؟

    قال:

    اشتبه على الأبصار لونه ، يحكي لون كل شيء يكون فيه.

    قال:

    فأخبرني عن أصل الإنسان ما هو ؟

    قال:

    أصله من حيث يشرب الماء. يعني رأسه.

    قال:

    فما هذا النور الذي تبصر به الأشياء ؟

    قال:

    العين مركبة من أشياء ، فالبياض شحمة ، والسواد ماء.

    قال:

    فعلى كم طبع هذا البدن ؟

    قال:

    على أربع طبائع: على المرة السوداء ، وهي باردة يابسة ، والمرة الصفراء ، وهي حارة يابسة ، والدم ، وهو حار رطب ، والبلغم ، وهو بارد رطب.

    قال:

    فلم لم يكن من طبع واحد ؟

    قال:

    لو خلق من شيء واحد لم ينحل ولم يمرض ولم يمت.

    قال:

    فمن طبعين ما حال الاقتصار عليهما ؟

    قال:

    لو اقتصر عليهما لم يجز ، لأنهما ضدان يقتتلان ، ولذلك لم يجز من ثلاثة: موافقان ومخالف.

    قال:

    فأجمل لي الحار والبارد في أحرف جامعة.

    قال:

    كل حلو حار ، وكل حامض بارد ، وكل حريف حار ، وكل مز معتدل ، وفي المر حار وبارد.

    قال:

    فما أفضل ما عولج به المرة السوداء ؟

    قال:

    بكل حار لين.

    قال:

    فالرياح ؟

    قال:

    الحقن اللينة والأدهان الحارة اللينة.

    قال:

    أفتأمر بالحقن ؟

    قال:

    نعم ، قرأت في بعض الكتب: أن الحقنة تنقي الجوف ، وتكسح الدواء عنه ، وعجباً لمن احتقن كيف يهرم أو يعدم الولد ، وإن الجاهل كل الجاهل من أكل ما قد عرف مضرته ، فيؤثر شهوته على راحة بدنه.

    قال:

    فما الحمية ؟

    قال:

    الاقتصاد في كل شيء ، فإنه إذا أكل فوق المقدار ضيق على الروح ساحته.

    قال:

    فما تقول في إيتان النساء ؟

    قال:

    كثرة غشيانهن رديء ، وإيتان المرأة المولية فإنها كالشن البالي ، تسقم بدنك ، وتجذب قوتك ، ماؤها سم قاتل ، ونفسها موت عاجل ، تأخذ منك ولا تعطيك ، عليك بإيتان الشباب ، فإن الشابة ملؤها عذب زلال ، ومعانقتها غنج ودلال ، فوها بارد ، وريحها طيب ، ورحمها حرج ، تزيدك قوة ونشاطاً.

    قال:

    فأي النساء القلب لها أبسط ، والعين برؤيتها آنس وأقصد ؟

    قال:

    إن أصبتها مديدة القامة ، عظيمة الهامة ، واسعة الجبين ، عريضة الصدر ، مليحة النحر ، ناهدة الثديين ، لطيفة الخصر والقدمين ، بيضاء فرعاء ، جعدة غضة ، حسنة الثغر ، تخالها في الظلمة بدراً زاهراً ، تبسم عن أقحوان باهر ، وإن تكشف تكشف عن بيضةٍ مكنونة ، وإن تعانق تعانق ما هو ألين من الزبد ، وأحلى من الشهد ، وأعذب من القند ، وأبرد من الفردوس والخلد ، وأذكى ريحاً من الياسمين والورد.

    قال:

    فاستضحك كسرى حتى اختلجت كتفاه.

    قال:

    فأي الأوقات أفضل ؟

    قال:

    عند إدبار الليل يكون الجوف أخلى ، والنفس أشهى ، والرحم أدفا.

    قال:

    فأي الأوقات ألذ وأطرب ؟

    قال:

    نهاراً ، يزيدك النظر انتشاراً.

    قال كسرى:

    لله درك من أعرابي ، لقد أعطيت علماً ، وخصصت بفطنة وفهم.

    ثم أمر له بجائزة وكسى ، وقضى حوائجه.



    *******************************

    المصدر:

    العقد الفريد ... ابن عبد ربه الأندلسي.





  • #2
    شكرا على هذا الموضوع الرائع .. الذى بالطبع منه استفدنا

    قال إبن القيم
    ( أغبي الناس من ضل في اخر سفره وقد قارب المنزل)

    تعليق

    يعمل...
    X