إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

بَابُ الرّبَا والصَّرْفِ

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بَابُ الرّبَا والصَّرْفِ

    الربا في اللغة: الزيادة، ومنه قوله تعالى: {{فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ}} [فصلت: 39] أي: اهتزت بأشجارها وعشبها، وربت أي: زادت، وليس المراد الأرض نفسها، بل المراد ما ينبت فيها.
    وأما شرعاً فهو زيادة في أشياء ونسأ في أشياء، ولو قيل: إن ربا الفضل هو التفاضل في بيع كل جنس بجنسه مما يجري فيه الربا، وربا النسيئة تأخير القبض فيما يجري فيه الربا.
    فليس كل زيادة ربا في الشرع، وليس كل زيادة في بيع ربا، إذا كان المبيعان مما تجوز فيهما الزيادة، فلو بعت سيارة بسيارتين فلا بأس، وكتاباً بكتابين فلا بأس؛ لأنه ليس كل زيادة تكون ربا، بل الزيادة التي تكون ربا هي ما إذا وقع العقد بين شيئين يحرم بينهما التفاضل، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ بيان ذلك، وأما الصرف فسيأتي تعريفه.
    والربا محرم بالقرآن، والسنة، وإجماع المسلمين، ومرتبته أنه من كبائر الذنوب؛ لأن الله تعالى قال: {{وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}} [البقرة: 275] ، وقال تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ *}{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}} [البقرة: 278، 279] ، ولأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه وقال: هم سواء»[(272)] ، فهو من أعظم الكبائر. وقد ذكر شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ في كتابه «إبطال التحليل»، أنه جاء من الوعيد في الربا ما لم يأت في أي ذنب آخر سوى الشرك والكفر.
    وهو مُجْمَعٌ على تحريمه، ولهذا من أنكر تحريمه ممن عاش في بيئة مسلمة فإنه مرتد؛ لأن هذا من المحرمات الظاهرة المجمع عليها.
    ولكن إذا قلنا هذا، هل معناه أن العلماء أجمعوا على كل صورة؟
    الجواب: لا، فقد وقع خلاف في بعض الصور، وهذا مثل ما قلنا في أن الزكاة واجبة بالإجماع، ومع ذلك ليس الإجماع على كل صورة، فاختلفوا في الإبل والبقر العوامل، واختلفوا في الحلي وما أشبه ذلك، لكن في الجملة العلماء مجمعون على أن الربا حرام، بل من كبائر الذنوب.
    والربا ينقسم إلى قسمين، ربا الفضل، ربا النسيئة، ربا الفضل هو الزيادة، يعني أن يكون الربا بالزيادة كما لو بعت عليك صاعين من البر بثلاثة أصواع من البر.
    وربا النسيئة هو أن أبيع عليك شيئاً ربوياً بشيء ربوي مع تأخير القبض فيهما، مثل أن أبيع عليك صاعاً من البر بصاع من الشعير مع تأخير القبض، واعلم أن هذين القسمين قد ينفردان وقد يجتمعان وقد يرتفعان، فإذا بعت عليك عشرة دراهم بدينار مع تأخير القبض فهذا ربا نسيئة، وإذا بعت عليك صاعاً من البر بصاعين من البر مع القبض في مجلس العقد فهذا ربا فضل، وإذا بعت عليك صاعاً من البر بصاعين منه مع تأخير القبض، اجتمع فيه ربا النسيئة وربا الفضل، وإذا بعت عليك صاعاً من البر بصاع من البر مع التسليم انتفى ربا الفضل وربا النسيئة.
    مسألة: ما هي الأشياء الربوية؟.
    الجواب: حددها النبي صلّى الله عليه وسلّم بالعد، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والتمر بالتمر، والشعير بالشعير، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد»[(273)] .
    وهذه الأشياء الستة مجمع عليها على حسب ما جاء في الحديث، أي مجمع على أنها هي الأموال الربوية، وأن الربا يجري فيها، واختلف العلماء في سواها، هل يلحق بها بالقياس أو لا يلحق؟
    فأما أهل الظاهر فقالوا: لا يلحق بها شيء، والربا خاص بهذه الأشياء الستة؛ لأن أهل الظاهر يمنعون القياس.
    وقال أهل المعاني: بل يقاس عليها ما يماثلها، ووافق بعض أهل المعاني ـ أعني القياسيين ـ أهل الظاهر، وأنه لا يجري الربا إلا في هذه الستة فقط لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم حصره، وقد أعطي ـ عليه الصلاة والسلام ـ جوامع الكلم[(274)] واختصر له الكلام اختصاراً[(275)]، ولو كان الربا يجري في كل مكيل أو موزون لقال: المكيل بالمكيل، والموزون بالموزون؛ لأن هذا أعم وأخصر وأوضح، فلما عيَّن لا نتعدى ما قال ولا نتجاوز ما جاءت به السنة، وهذا استدلال قوي في الواقع.
    وقال ابن عقيل وهو من أصحاب الإمام أحمد وهو ليس من أهل الظاهر بل من أهل المعاني والقياس، قال: إنه لا يجري الربا إلا في الأصناف الستة؛ لأن العلماء اختلفوا في العلة، فلما اختلفوا تساقطت أقوالهم، فنرجع إلى القول الفصل وهو تخصيص الربا بهذه الأصناف الستة، وعلى هذا فهو يرى أن الربا لا يجري إلا في الأصناف الستة، لكن مأخذه غير مأخذ الظاهرية.
    ولكن الراجح أن الشريعة عموماً لا يمكن أن تفرق بين متماثلين؛ لأن الشريعة محكمة من لدن حكيم خبير، والقياس فيها ثابت، فأي فرق بين بر ببر وأرز بأرز؟ فقد يكون الأرز في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يكن موجوداً فالشارع لا يمكن أن يفرق بين متماثلين، لكننا نحصر العلة على أضيق نطاق لأن الأصل الحل، وكون الرسول صلّى الله عليه وسلّم ذكر هذه الأشياء فعلى سبيل التمثيل؛ لأنه هو الذي كان موجوداً، مثل صدقة الفطر قال: «صاعاً من بر وصاعاً من شعير» [(276)]، مع أنه يوجد أشياء أخرى، ولكن ما هو مناط الحكم، أي: ما هي العلة الدقيقة التي يمكن أن نلحق بها ما سوى هذه الأصناف الستة؟ هذا ـ أيضاً ـ محل نزاع.
    فقال بعض العلماء: العلة الكيل والوزن؛ لأن هذه الأشياء إما مكيلة أو موزونة، فالكيل في الأصناف الأربعة، والوزن في الذهب والفضة، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد، وبناءً على هذا نقول يجري الربا في كل مكيل قياساً على الأصناف الأربعة، وفي كل موزون قياساً على الصنفين الآخرين الذهب والفضة، ولا يجري الربا في غير المكيل والموزون، ولا يشترط أن يكون مطعوماً حتى ولو كان لا يؤكل، وعلى هذا فالإشنان يكال ولا يؤكل فيجري فيه الربا لأنه يكال.
    ولو أبدل برتقالة ببرتقالتين فهذا يجوز، إذ ليس مكيلاً ولا موزوناً، ويعتبر من المعدود، والدليل حديث الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر، ولننظر هل الدليل يطابق المدلول أم المدلول أعم؟ ومعلوم أنه إذا كان المدلول أعم فإنه لا يصح الاستدلال؛ لأنه الدليل الأخص يخرج ما عدا المخصوص، وإذا كان الدليل أعم واستدللنا به على أخص يجوز؛ لأن الأخص فرد من أفراد العموم، فهذه قاعدة في الاستدلال أنه متى كان الدليل أخص فإنه لا يصح الاستدلال به على الأعم والعكس بالعكس، فالرسول صلّى الله عليه وسلّم عين أشياء ولم يذكر أشياء، فإذا استدللنا بالحديث على كل مكيل أو موزون فقد استدللنا بالأخص على الأعم.
    وقال بعض العلماء: العلة الطعم في الأصناف الأربعة، والثمنية في الذهب والفضة، وهذا هو المشهور من مذهب الشافعي، وبناءً على هذا إذا أبدل برتقالة ببرتقالتين فإنه لا يجوز؛ لأنها مطعومة، وأيضاً إذا أبدل طناً من الحديد بطنين من الحديد فهذا يجوز، وعلى القول الأول لا يجوز.
    وأقرب شيء أن يقال: إن العلة في الذهب والفضة كونهما ذهباً وفضة، سواء كانا نقدين أو غير نقدين، والدليل على أن الربا يجري في الذهب والفضة، وإن كانا غير نقدين، حديث القلادة الذي رواه فضالة بن عبيد ـ رضي الله عنه ـ: «أنه اشترى قلادة فيها ذهب وخرز باثني عشر ديناراً ففصلها فوجد فيها أكثر، فنهى النبي صلّى الله عليه وسلّم أن تباع حتى تفصل» [(277)]. ومعلوم أن القلادة خرجت عن كونها نقداً، وعلى هذا فيجري الربا في الذهب والفضة مطلقاً سواء كانا نقداً أم تبراً أم حليّاً، على أي حال كانا، ولا يجري الربا في الحديد والرصاص والصفر والماس وغيرها من أنواع المعادن.
    أما العلة في الأربعة فكونها مكيلة مطعومة، يعني أن العلة مركبة من شيئين الكيل والطعم، إذ هذا هو الواقع، فهي مكيلة مطعومة، ويظهر أثر الخلاف في الأمثلة:
    فإذا باع صاعاً من الإشنان بصاعين، منه، فإذا قلنا: إن العلة الكيل فلا يجوز، وإن قلنا: إن العلة الطعم جاز، وإن قلنا: العلة الكيل مع الطعم جاز أيضاً.
    وإذا باع فاكهة بجنسها متفاضلة، فإن قلنا: العلة الطعم فلا يجوز، وإن قلنا: العلة الكيل جاز، وإن قلنا: العلة الكيل مع الطعم جاز، فالأمثلة تبنى على الخلاف في تحديد العلة.
    فإن قال قائل: سلمنا أنها مطعومة في البر والشعير والتمر، لكن ما القول في الملح؟ أجاب عنه شيخ الإسلام بأن الملح يصلح به الطعام فهو تابع له، ولهذا يقال: «النحو في الكلام كالملح في الطعام»، فالملح من توابع الطعام، وبناءً على هذا التعليل يجري الربا في التوابل التي يصلح بها الطعام؛ لأنها تابعة له.
    فإذا تأملنا هذه الأقوال الثلاثة وجدنا:
    أولاً: أقربها إلى الصواب هذا القول؛ ووجه ذلك أننا إذا تأملنا الأصناف الستة التي بينها الرسول صلّى الله عليه وسلّم وجدنا أنها مطعومة مكيلة.
    ثانياً: أن الأصل في البيع والشراء الحل فلا يمكن أن نحرم على الناس ما الأصل فيه الحل، حتى يتبين لنا ذلك على وجه بيَّن، فما دام لم يتبين إلا ما اجتمع فيه العلتان الكيل والطعم، فإننا نقول: ما عدا ذلك باقٍ على الأصل، وهذا القول هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

    يَحْرُمُ رِبَا الفَضْلِ فِي كُلِّ مَكِيْلٍ وَمَوْزُونٍ بِيْعَ بِجِنْسِهِ، وَيَجِبُ فِيْهِ الحُلُولُ والقَبْضُ وَلاَ يُبَاعُ مَكِيْلٌ بِجِنْسِهِ إِلاّ كَيْلاً، وَلاَ مَوْزُونٌ بِجِنْسِهِ إِلاّ وَزْناً وَلاَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ جُزَافاً، فَإنْ اخْتَلَفَ الجِنْسُ جَازَت الثَّلاَثَةُ.
    قوله: «يحرم ربا الفضل في كل مكيل وموزون بيع بجنسه» بناءً على أن العلة الكيل والوزن، الكيل في الأربعة، والوزن في الذهب والفضة، فيحرم في كل مكيل وموزون بيع بجنسه.
    وقوله: «ربا الفضل» أي: ربا الزيادة في كل مكيل بيع بجنسه بر ببر يحرم فيهما ربا الفضل، شعير بشعير يحرم، تمر بتمر يحرم، ملح بملح يحرم، ذهب بذهب يحرم، فضة بفضة يحرم، حديد بحديد يحرم على كلام المؤلف؛ لأنه موزون.
    وقوله: «في كل مكيل وموزون بيع بجنسه» فبر بشعير لا يحرم؛ لأن المؤلف قيده فقال: «بجنسه» ، والشعير ليس جنساً للبر.
    وكل شيء حرم فيه ربا الفضل فإنه يحرم فيه ربا النسيئة، لا العكس، ولهذا لم يقل المؤلف في «ربا الفضل والنسيئة»؛ لأن هذا معلوم أنه متى حرم ربا الفضل حرم ربا النسيئة.
    قوله: «ويجب فيه الحلول» أي: في مكيل أو موزون بيع بجنسه «الحلول والقبض» يعني أن يكون البيع حالًّا، وأن يقبض، فلو باع ذهباً بذهب مؤجلاً فهذا يحرم؛ لأنه يجب فيه الحلول، وإنما وجب فيه الحلول؛ لئلا يَدْخُلَهُ ربا النسيئة.
    قوله: «والقبض» إذا قال قائل: أليس القبض يغني عن الحلول؟ يعني لو قال: يشترط فيه القبض، كما جاء في الحديث لقوله: «يداً بيد»[(278)] ، في الواقع أنه يغني، لكن قد تأتي صورة يكون فيها القبض، ولا يكون فيها الحلول، مثل: أن يبيع عليه ذهباً بذهب مؤجلاً لشهر، ويقول: خذ هذا عندك وديعة، وإذا جاء الشهر فاقبضه، فهذا يمكن، ففيه قبض وليس فيه الحلول، ولهذا بيّن المؤلف ـ رحمه الله ـ أنه يشترط الحلول والقبض.
    فإذا قال قائل: الحديث ليس فيه إلا القبض، وكلام الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ لا شك أنه أبلغ من كلام المؤلف.
    قلنا: ليس في كلام المؤلف إلا زيادة الإيضاح فقط، فهو للحديث بمنزلة الشرح، وكلام النبي صلّى الله عليه وسلّم إنما يحمل على المعهود، والمعهود أنه إذا تقابض الرجلان في البيع فالبيع حال؛ لأنه ما معنى أن يقول: اشتريت منك كيلو من الذهب بكيلو من الذهب، وخذ هذا الكيلو عندك وديعة لمدة شهر، ثم بعد ذلك اقبضه لنفسك، فهي صورة نادرة أو لا توجد أيضاً، والنبي صلّى الله عليه وسلّم إنما يتكلم في الأمور الدائمة المعروفة والغالبة.
    فالقاعدة: «أنه إذا بيع مكيل بجنسه وجب شيئان التساوي والقبض قبل التفرق».
    لما بيّن المؤلف ـ رحمه الله ـ الضابط فيما يحرم فيه الربا، بيّن الطريق الذي نصل به إلى المساواة؛ لأن بيع الشيء بجنسه من الأموال الربوية يشترط فيه الحلول والقبض، فبأي شيء يكون القبض؟ وأي شيء نعرف به المساواة؟
    بيّنه بقوله: «ولا يباع مكيل بجنسه إلا كيلاً ولا موزون بجنسه إلا وزناً» وعلى هذا فالتساوي في المكيل عن طريق الكيل، وفي الموزون عن طريق الوزن، فيضاف للتساوي قيد بناء على ما ذكره المؤلف وهو التساوي بالمعيار الشرعي، وهو كيلاً فيما يكال ووزناً فيما يوزن، والفرق بينهما أن المكيل تقدير الشيء بالحجم، والوزن تقديره بالثقل والخفة، فالبر مكيل، فإذا بيع ببر فلا بد من أن يكون طريق التساوي هو الكيل، فلو بيع بجنسه وزناً فإنه لا يصح ولا يعتبر ذلك تساوياً، حتى فيما لا يختلف بالوزن والكيل كالأدهان والألبان، فإنهما من قسم المكيل؛ لأن كل مائع يجري فيه الربا فهو مكيل، فعلى هذا تكون الألبان من المكيلات، ولا يختلف فيها الوزن والكيل، ومع ذلك لو بيعت وزناً فإنها على كلام المؤلف لا يصح، فلو بعت لبناً بلبن من جنسه وزناً فإنه لا يصح مع أنه لو كيل لكان متساوياً.
    واختار شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ أنه إذا كان الكيل والوزن يتساويان فلا بأس أن يباع المكيل بجنسه كيلاً أو وزناً؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «مثلاً بمثل»[(279)] ، والمثلية هنا متحققة، أما ما يختلف بالكيل والوزن فلا بد أن يباع المكيل كيلاً، والموزون يباع وزناً.
    وقوله: «ولا موزون بجنسه إلا وزناً» مثل اللحم، فلو باع الإنسان لحماً من خروف بلحم من خروف آخر فهذا موزون، فلو أراد أن يقطع اللحم قطعاً صغيرة ويضعه في إناء ويبيعه بجنسه كيلاً فإنه لا يصح؛ لأن معيار اللحم هو الوزن.
    وقال بعض العلماء: يجوز أن يباع المكيل وزناً فيعتبر بالوزن، ولا العكس، يعني فلا يباع الموزون كيلاً، لكن الاحتياط ألاّ يباع المكيل إلا كيلاً، ولا يباع الموزون بمثله إلا وزناً، إلا ما يتساوى فيه الكيل والوزن فلا شك في أن بيعه كيلاً أو وزناً جائز.
    وقول المؤلف: «ولا يباع مكيل» كلمة «مكيل» نكرة في سياق النفي تشمل القليل والكثير والمساوي في الجودة والمخالف، فلو باع الإنسان تمرة بتمرة فالتساوي بالكيل، فلا بد من أن يتساويا كيلاً، لكن كيف تكال التمرة؟.
    الجواب: يؤتى بإناء صغير كملعقة مثلاً، توضع التمرة في هذه الملعقة وتوضع التمرة الأخرى فيها.
    وقال بعض أهل العلم: ما لا يكال لقلته وحقارته فإنه لا يعتبر فيه التماثل، كتمرة بتمرتين ـ مثلاً ـ فلا بأس، فمن أخذ بعموم الحديث: التمر بالتمر، مثلاً بمثل»[(280)] ، قال: هذا يشمل التمر القليل والكثير، ومن أخذ بما تعارف عليه الناس، وقال: لا يمكن أن تكال التمرة، قال: هذا محمول على ما يعرفه الناس مما يمكن فيه الكيل، لكن ظاهر كلام المؤلف: «ولا يباع مكيل» أنه يشمل القليل والكثير.
    قوله: «ولا بعضه ببعض جزافاً» يقال: جُزافاً، جِزافاً وجَزافاً، فهي مثلثة، أحياناً يقولون: مثلث اللام أو مثلث العين وأحياناً يقولون: بالمثلثة، والفرق بينهما أنهم إذا قالوا بالمثلثة أي: بالثاء، وإذا قالوا: مثلث الفاء يعنون الحركات.
    ومعنى الجزاف: أي الذي يكون بدون تقدير، أي: ولا يباع بعض المكيل بالمكيل جزافاً، ولا بعض الموزون بالموزون جزافاً؛ لأنه لا بد فيه من العلم بالتساوي، والجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل، يعني حتى لو فرض أننا أتينا بخارص حاذق، وقال: هذه الكومة من البر تساوي هذه الكومة من البر، فإنه لا يجوز تبايعهما؛ لأنه لا بد من العلم بالتساوي عن طريق الكيل، إلا أنه يستثنى مسألة واحدة تأتينا ـ إن شاء الله ـ، وهي العرايا، فإن العرايا يجوز أن تباع خرصاً.
    وقوله: «ولا بعضه ببعض جزافاً» فلو باع بعضه ببعض جزافاً، وقبل التقابض كال كل منهما ما آل إليه فوجده مساوياً للآخر فيصح العقد؛ لأن المحظور قد زال وليس هناك جهل، فالمبيع معلوم من الطرفين، وإنما العلة هي معياره، وقد علمنا الآن أنهما سواء في المعيار الشرعي.
    قوله: «فإن اختلف الجنس جازت الثلاثة» إن اختلف الجنس أي: بين المبيعين بأن يباع بر بشعير، فإنها تجوز الثلاثة وهي: أن يباع كيلاً، أو يباع وزناً، أو يباع جزافاً.
    ووجه الجواز أنه إذا بيع الربوي بغير جنسه جاز فيه التفاضل.
    مثال ذلك: اشترى شعيراً ببر، أي: كيلو بر بكيلو شعير فهذا جائز؛ لأنه من غير جنسه وإذا اختلف الجنس، فقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد»[(281)] ، وإذا باع شعيراً بتمر وزناً، كيلو من هذا بكيلو من هذا، فهذا جائز؛ لاختلاف الجنس، وإذا اختلف الجنس لم يشترط التساوي.
    وإذا باع تمراً ببر من غير تقدير لا بالوزن ولا بالكيل، فهذا جائز أيضاً؛ وذلك أنه لا يشترط فيه التساوي.
    وخلاصة الكلام أنه إذا بيع الربوي بجنسه يشترط فيه شرطان:
    الأول: التقابض من الطرفين.
    الثاني: التساوي بالمعيار الشرعي، المكيل بالمكيل، والموزون بالوزن.
    وإذا بيع الربوي بربوي من غير جنسه اشترط شرط واحد، وهو التقابض قبل التفرق، أما التساوي فليس بشرط، ولهذا يجوز بيعهما مكايلة وموازنة وجزافاً.
    فإن اختلفا في المعيار الشرعي بأن كان أحدهما مكيلاً والآخر موزوناً، يقول الفقهاء: إنه يجوز كل شيء، يعني يجوز الكيل والوزن والجزاف والحلول والتأجيل، مثل أن أبيع عليك رطلاً من الحديد بصاعين من البر مؤجلين إلى شهر، فهذا جائز؛ لأن معيار الحديد الوزن ومعيار البر الكيل.
    وإذا بيع ربوي بغير ربوي فيجوز التفرق قبل القبض، ويجوز التفاضل، مثل أن يبيع شعيراً بشاة، أو يبيع شعيراً بثياب، أو ما أشبه ذلك، فهذا يجوز فيه التفرق قبل القبض والتفاضل، هذا هو خلاصة ما ذكره المؤلف رحمه الله تعالى.
    مسألة: يجوز أن يبيع ورقاً نقدياً مئة ريال مثلاً بخمسة وتسعين ريالاً من المعدن، والفرق بين هذه المسألة والمسألة السابقة أن هذا مقابل الجنس؛ لأن حقيقة الأمر أن هذا جنس مقصود بنفسه، وذلك جنس مقصود بنفسه أيضاً، وكوننا نقول: إن هذا الريال الورقي يقابل هذا الريال المعدني في قيمته النظامية، لا يلزم أن يكون مساوياً له في قيمته الحقيقية، وهذا هو المذهب، واختيار شيخنا عبد الرحمن بن سعدي ـ رحمه الله ـ أيضاً أنه يجوز بيع الفلوس بعضها ببعض ولو متفاضلاً ولو تأخر القبض، لكن بشرط ألا يكون مؤجلاً بأن أقول: بعت عليك مائة دولار بأربعة آلاف ريال إلى سنة، فهذا لا يجوز عنده لكن إذا قال: بعت عليك مائة دولار بأربعة آلاف ريال ولم نتقابض فهذا صحيح عنده، لكن فيه نظر؛ لأنه مبني على أن هذا كالفلوس والفلوس على المذهب ليس فيها ربا نسيئة ولا ربا فضل، وفي المسألة قول آخر في الفلوس أنه يجري فيها ربا النسيئة دون الفضل، وهذا هو الأقرب؛ لأن الفلوس في الحقيقة قيمتها قيمة رسمية فقط، فالأوراق النقدية مثل الفلوس، وهذا قول وسط، وهناك قول آخر يحرم ربا النسيئة وربا الفضل، وهناك قول آخر أنه لا يجوز التعامل بها مطلقاً وأن التعامل بها حرام؛ لأنها دين على الحكومة فأنت إذا اشتريت بها أو بعت فقد اشتريت ديناً بدين، ولكن تتعامل بها للضرورة فتتقدر بقدرها.
    فأرجح ما يكون عندي أنه يجري فيها ربا النسيئة دون ربا الفضل، فلا يجوز أن نتفرق إلا بالقبض، وهم الآن يجوزون أن يبيع الإنسان ثماني ورقات وثمانية قروش بريال واحد من الفضة مع أن هذه الورقة معتبرة ريالاً، فهذه مثل تلك المسألة.

    وَالجِنْسُ: مَا لَهُ اسْمٌ خَاصٌ يَشْمَلُ أنْوَاعاً؛ كَبُرٍّ وَنَحْوِهِ وَفُرُوعُ الأجْنَاسِ؛ كَالأدِقَّةِ، وَالأخْبَازِ، وَالأدْهَان، واللّحْمِ أجْنَاسٌ بِاخْتِلاَفِ أصُولِهِ، .
    قوله: «والجنس ما له اسم خاص يشمل أنواعاً كبُرٍّ ونحوه» الجنس ضابطه، هو الشيء الذي يشمل أشياء مختلفة بأنواعها.
    والنوع ما يشمل أشياءً مختلفة بأشخاصها، هذا هو الفرق، فمثلاً البر جنس؛ لأنه يشمل أشياءً مختلفة بأنواعها، والبر فيه ما يسمى بالحنطة، وما يسمى بالمعية، وما يسمى بالجريباء، وما يسمى باللقيمي هذه أربعة أنواع، إذاً فالبر جنس شمل أنواعاً.
    والنوع شيء يشمل أشياء مختلفة بأشخاصها، كالحنطة مثلاً تشمل أشياء مختلفة بأشخاصها، تشمل الحنطة التي عندي والتي عندك، وما أشبه ذلك.
    الإنسان جنس أو نوع؟
    الجواب: جنس يشمل أشياء مختلفة بأنواعها، وهو ذكر وأنثى.
    والحيوان جنس، لكنه أعم من الإنسان؛ لأنه يشمل الإنسان وغير الإنسان، فيشمل الإنسان والإبل والبقر والغنم، وغير ذلك فهو أعم.
    والجسم جنس أعم مما سبق، فيشمل الجماد والحيوان والإنسان، وكما سبق الحيوان يشمل أنواعاً.
    فتبين بهذا أن الشيء قد يكون جنساً باعتبار ما تحته، ونوعاً باعتبار ما فوقه؛ وقد يكون الجنس نوعاً، باعتبار ما فوقه وجنساً باعتبار ما تحته، والمراد هنا الجنس الأخص لا الأعم، ولهذا لو بعنا بقرة ببعير فقد اتفقا في الجنس الأعم وهو الحيوانية، لكن يجوز التفاضل ويجوز التفرق قبل القبض، لكن المراد هنا الجنس الأخص، أي: أخص الأجناس، وإذا أردنا أن نبتعد عن أهل الكلام واصطلاحاتهم، نقول: «البر، والتمر، والشعير، والملح، والذهب، والفضة»، ما نحتاج أن نقول: الجنس الأعم والجنس الأخص؛ لأنه قد يشكل على الإنسان هذا الشيء، وعلى هذا فإذا قلنا: لا يباع الربوي بجنسه، فمعناه لا يباع البر بالبر، أما الشعير فإنه جنس مستقل، فإذا أردت أن تبيع براً ببر، فالواجب شيئان:
    الأول: التقابض قبل التفرق.
    الثاني: التساوي بالمعيار الشرعي.
    وإذا أردت أن تبيع براً بشعير، فالواجب شيء واحد، وهو التقابض قبل التفرق.
    قوله: «وفروع الأجناس كالأدقة والأخباز والأدهان واللحم أجناس باختلاف أصوله» فروع الأجناس أجناس، لكن هل هي أجناس مستقلة أو هي أجناس تابعة لأصولها؟
    أفادنا المؤلف ـ رحمه الله ـ في كلامه هذا أنها أجناس تابعة لأصولها، وعلى هذا فإذا بيع برٌّ حباً ببرٍّ دقيقاً فإنه لا يجوز لتعذر التساوي؛ لأن الحب إذا طحن انتشر ولا يمكن تقديره بالكيل ولا يمكن ـ أيضاً ـ تقديره بالوزن؛ لأن البر لا يباع بالبر إلا كيلاً.
    وإذا بيع برٌّ حباً بشعير دقيقاً يجوز بدون كيل ولا وزن؛ لأن بيع البر بالشعير لا بأس فيه بالتفاضل، والدقيق جنس باعتبار الأصل.
    وكذلك ـ أيضاً ـ الأخباز، فإذا أردت أن تبيع خبزاً من البر بجريش، والجريش عبارة عن حب لكنه مطحون، ليس طحناً دقيقاً يطبخ فهذا لا يجوز لتعذر التساوي؛ لأن الجريش قد ترطب بالماء ولا يمكن كيله؛ وحتى إذا أمكن كيله فالخبز لا يمكن كيله.
    فإذا قال قائل: يمكن أن نملأ إناءً من الجريش، ونفتت الخبز ونضع عليه ماء ونبدل هذا بهذا.
    قلنا: لا يمكن التساوي والجنس واحد.
    وخبز شعير بجريش من البر فهذا يجوز، لعدم اشتراط التساوي، هذا ما ذكره المؤلف ـ رحمه الله ـ أن فروع الأجناس تعتبر أجناساً بحسب أصولها.
    وقال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ: ما صنع من هذه الأجناس فإن خرج عن القوت بسبب هذا الصنع، خرج عن كونه ربوياً، بناءً على أن العلة في الربا هي كونه قوتاً، وإن لم يخرج فهو جنس مستقل ليس تابعاً لأصله، وعلى هذا فيجوز أن أبيع خبزاً من البر بجريش من البر؛ لأن كل واحد منهما اختلف اختلافاً بيناً، لا بالنسبة لأكله ولا بالنسبة للقصد منه فيكون جنساً مستقلاً، ولكن الاحتياط ما ذهب إليه المؤلف ـ رحمه الله ـ لعموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «البر بالبر مثلاً بمثل» ، وهذا يعم البر على أي حال كان، «والشعير بالشعير» [(282)]، كذلك يعم الشعير على أي حال.
    فإذا قال: أنا ما عندي إلا خبز، وأنا أريد جريشاً.
    نقول له: بع الخبز واشتر جريشاً، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم في التمر الجيد والتمر الرديء[(283)].
    وقوله: «الأدقة والأخباز» الأدقة جمع دقيق، والأخباز جمع خبز.
    وقوله: «والأدهان» هذا بناءً على أن الربا يجري في الدهن لأنه يباع بالكيل في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم فهو مكيل، وكل مائع فهو مكيل كالدهن والزيت وغيره، أما إذا قلنا: إنه لا يجري في الدهن فلا بأس ببيع بعضه ببعض متفاضلاً أو متساوياً.
    وقوله: «واللحم» اللحم ـ أيضاً ـ أجناس، فلحم الإبل جنس، ولحم الضأن جنس آخر، ولحم البقر جنس آخر، ولحم المعز جنس آخر، ولحم الأرانب جنس، ولحم الظباء جنس، واللحم موزون فلا يجوز أن أبيع كيلو من لحم الغنم بكيلوين من لحم الغنم ـ أيضاً ـ؛ ولأن الجنس واحد فلا يجوز فيه التفاضل.
    وكيلو من لحم البقر بكيلوين من لحم الخروف، يجوز لاختلاف الجنس، وهذا ـ أيضاً ـ بناءً على أن اللحم يجري فيه الربا، وهو وجيه إذا كنا في بلاد قوتهم اللحم، أما إذا كنا في بلاد لا يعتبر اللحم فيها قوتاً فإنه لا يجري فيه الربا؛ لأنه ليس بقوت، والمذهب: أنه يجري فيه الربا؛ لأنه مما يوزن، والعلة على المذهب الكيل والوزن، فإذا بعت عليك خروفاً بخروفين فهذا جائز؛ لأنه ليس بمكيل ولا موزون، ولهذا كان النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يستقرض على إبل الصدقة، فيأخذ البعير بالبعيرين، والبعيرين بالثلاثة» [(284)]، وعلى هذا فلا ربا في الحيوان ما دام حياً، أما إذا ذبح فإنه يكون لحماً فيجري فيه الربا، فإذا بيع بجنسه فإنه لا بد من التساوي وإلا فلا يصح.

    وَكَذَا اللَّبَنُ وَاللّحْمُ والشَّحْمُ والكَبِدُ أجْنَاسٌ، وَلاَ يَصِحُّ بَيْعُ لَحْمٍ بِحَيَوانٍ مِن جِنْسِهِ، وَيَصِحُّ بِغَيْرِ جِنْسِهِ.
    قوله: «وكذا اللبن» اللبن أجناس باختلاف أصوله، فلبن الإبل جنس، ولبن البقر جنس آخر، فلو بعت صاعاً من لبن الإبل بصاعين من لبن البقر فهذا جائز؛ لأن الجنس مختلف، ولو بعت صاعاً من لبن بقرة بكر وصاعين من لبن بقرة عجوز فهذا لا يجوز؛ لأن الجنس واحد.
    قوله: «واللحم والشحم والكبد أجناس» انتقل المؤلف من الجنس باعتبار استقلال البهيمة إلى الجنس باعتبار وحدة البهيمة، فالبهيمة فيها لحم منوع، ففيها لحم وشحم وكبد وقلب وأَلية وطحال ورئة وكراع وعين ورأس، فهذه كل واحد منها جنس، وعلى هذا فيجوز أن يبيع عليك رطلاً من الكبد برطلين من الرئة، ولو من الضأن؛ لاختلاف الجنس، ويجوز أن أبيع رطلاً من الرئة برطلين من اللحم من الشاة نفسها؛ لاختلاف الجنس، إذاً نفس البهيمة بأجزائها أجناس، وكل جزء يعتبر جنساً مستقلاً، وعلى هذا فيجوز بيع بعضها ببعض متفاضلاً، ولكن هل يجب التقابض؟
    الجواب: نعم؛ لاتفاقهما في المعيار الشرعي، فاللحم كله موزون، فلما اتفقا في المعيار الشرعي كان لا بد من أن يتقابضا قبل التفرق، أما التساوي فليس بشرط.
    قوله: «ولا يصح بيع لحم بحيوان من جنسه ويصح بغير جنسه» .
    مثال ذلك: عندي كومة من لحم الضأن فأردت أن أبيعها بشاة فلا يجوز؛ لأنه من جنسه.
    فإذا قال قائل: الذي عندي لحم والشاة أو الخروف فيها كبد وقلب ورئة، وأنتم ذكرتم أن هذه الأشياء كل واحد منها جنس مستقل؟
    قلنا: إذا كان الذي عندك لحم، وفي الشاة لحم فقد بعت لحماً بلحم ومعه من غير الجنس، فيكون هذا من باب ما يسمى عند الفقهاء: بمُد عجوة ودرهم فلا يجوز.
    وإذا بعت عليك عشرة أصواع من التمر، بصاعين من التمر ومعهما ثمانية أصواع من الشعير فهذا لا يجوز؛ لأنك بعت جنساً بجنسه ومع الثاني من غير جنسه، فهذه مسألة مد عجوة ودرهم بمد عجوة، أو بمُدَي عجوة ودرهم، كما سيأتي إن شاء الله.
    إذاً بيع اللحم بحيوان من جنسه، يقول المؤلف: لا يجوز.
    واستدل بما يلي:
    أولاً: بعموم نهي الرسول صلّى الله عليه وسلّم عن بيع اللحم بالحيوان[(285)]، وهذا الحديث لو أخذنا بظاهره، لقلنا: إنه عام يشمل ما إذا كان الحيوان من جنس اللحم أو من غير جنسه، وهذا لا ينطبق على كلام المؤلف، فالمؤلف ـ رحمه الله ـ يقول: إنه لا يباع اللحم بحيوان من جنسه.
    مثاله: خمسون كيلو من لحم الخروف بخروف من جنسه فلا يجوز للنهي عن بيع اللحم بالحيوان، وهذا الحديث في تصحيحه مقال بين أهل العلم وفيه اختلاف.
    ثانياً: أنه إذا باع هذا اللحم بهذا الحيوان، فكأنه باع طعاماً بجنسه ومع الآخر من غير الجنس؛ لأننا إذا قدرنا أن هذه الكومة لحم، أي: هبر، فالحيوان الذي بيع، فيه لحم وشحم وكبد ورئة وقلب وطحال وكرش وأمعاء... إلخ، فيكون كالذي باع ربوياً بمثله ومع الآخر من غير جنسه، وهذا ما يعبر عنه الفقهاء بمد عجوة ودرهم، هذا هو حكم المسألة على كلام المؤلف.
    وقال بعض أهل العلم: إنه لا بأس ببيع اللحم بالحيوان مطلقاً، سواء من جنسه أو من غير جنسه؛ وذلك لاختلاف المقاصد بين الحيوان وبين اللحم، فالحيوان يراد للأكل وللتنمية وللتجارة ولغير ذلك، واللحم يراد غالباً للأكل، فلما اختلفت المنافع والمقاصد صار كل واحد منهما لا صلة له بالآخر ولضعف الحديث الوارد في ذلك.
    ويرى بعض أهل العلم أنه لا يجوز بيع اللحم بالحيوان مطلقاً سواء من جنسه أو من غير جنسه؛ لأنه بيع حي بميت، ويروون عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أنه «نهى عن بيع الحي بالميت» [(286)]، ولكن هذا القول ضعيف؛ لأن الحديث الوارد فيه ضعيف، والأصل في البيع الحل لقوله تعالى: {{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}}.
    وفصل بعض أهل العلم فقال: إن أراد بالحيوان اللحم فإنه لا يصح بيعه بجنسه، وإن أراد بذلك الانتفاع بالحيوان بركوب أو تأجير أو حرث أو غير ذلك فلا بأس؛ لأنه إذا أراد به اللحم اتفقت المقاصد فصار المراد بهذا الحيوان هو اللحم والأعمال بالنيات، وإذا أراد انتفاعات أخرى فإنه يختلف المقصود.
    وهذا القول أصح الأقوال الأربعة: أنه إن أراد بالحيوان اللحم فإنه لا يجوز؛ لأنه صار كأنه باع لحماً بلحم من غير تساوٍ، أي: مع التفاضل، وإن أراد بالحيوان الانتفاع بغير الأكل فهذا لا بأس به، وهذا القول لا يعارض حديث النهي عن بيع اللحم بالحيوان؛ لأنه يمكن أن يحمل الحديث على ما إذا أراد الإنسان بالحيوان اللحم.
    وهل يمكن أن يريد باللحم الحيوان؟
    الجواب: لا يمكن؛ لأن هذا اللحم لا يمكن أن يعود حيواناً، لكن أن يريد بالحيوان اللحم فيمكن بأن يذبحه ويأكل اللحم، فهذا الحديث إن صح يحمل على ما إذا أراد الإنسان بالحيوان اللحم.
    وقوله: «ويصح بغير جنسه» مثل أن يبيع لحم ضأن ببقرة؛ لأن اختلاف الجنس يدخل في قوله عليه الصلاة والسلام: «إذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد»[(287)] ، فإذا باع لحماً مأكولاً بحمار جاز لاختلاف الجنس، واختلاف المقاصد أيضاً.

    وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ حَبٍّ بِدَقِيْقِهِ وَلاَ سَوِيقِهِ وَلاَ نَيْئِهِ بِمَطْبُوخِهِ، وَأصْلِهِ بِعَصِيْرِهِ، وَخَالِصِهِ بِمَشُوبِهِ وَرَطْبِهِ بِيَابِسِهِ ....
    قوله: «ولا يجوز بيع حب بدقيقه» ولو تساويا وزناً.
    مثاله: إنسان عنده صاع من البر باعه بصاع من دقيق البر فإنه لا يجوز لعدم التساوي؛ لأن الحب بالطحن تنتشر أجزاؤه.
    فإذا قال: أنا أزيد على الدقيق بمقدار ما يساوي وزن الحب.
    قلنا: لا يجوز أيضاً؛ لأن المعتبر في الحب والدقيق هو الكيل، فلا يصح.
    وقال بعض العلماء: إنه إذا تساويا في الوزن فلا حرج؛ لأن تساويهما في الوزن يدل على تساويهما في الكيل حباً، واستدلوا لذلك بأمرين:
    أحدهما: قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «البر بالبر مثلاً بمثل»[(288)]، والمثلية هنا محققة.
    الثاني: أن الرسول عليه الصلاة والسلام أجاز بيع العرايا بخرصها تمراً[(289)]، والعرايا بيع رطب بتمر، والرطب أثقل من التمر وينتفخ أيضاً، والتمر يضمر ويخف لكن يحول الرطب إلى تمر ويباع بخرصه، وهذا إذا وزن فإنه قد حول إلى حب، وهذا القول هو الصحيح؛ لأن التماثل حاصل، والحاجة داعية إلى إبدال هذا بهذا أو يحول الدقيق إلى حب وذلك بالميزان.
    وهذا كما قالوا فيما إذا جُبِّن التمر ـ أي: صار تمراً مرصوصاً يتعذر كيله ـ فإنه يعتبر بالوزن، وإن كان لا ينتقل عن كونه مكيلاً.
    ولو باع شعيراً حباً ببر دقيقاً جاز لاختلاف الجنس، ولهذا يجوز أن يبيع صاعاً من البر بصاعين من الشعير.
    فإذا قال: أنا أبيع عليك صاعاً من الحب بصاع من الدقيق واعتبر الزيادة في مقابلة الطحن، فهذا لا يجوز لأن الزيادة بالصنعة كالزيادة بالصفة، وقد منع النبي صلّى الله عليه وسلّم التفاضل مع اختلاف الصفة والدليل أنه جيء إليه بتمر جنيب جيد فقال: «أَكُلُّ تمر خيبر هكذا؟ فقال: لا يا رسول الله ولكن نأخذ الصاع بالصاعين والصاعين بالثلاثة، فقال: لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيباً»[(290)].
    هنا زاد القدر لنقص الصفة وقلَّ القدر باعتبار الطيب لجودة الصفة، فجودة الصفة زيادة في وصف خلقه الله، والزيادة من أجل الصنعة زيادة في وصف من فعل الآدمي، فإذا كان لا يجوز فيما فعله الله فلا يجوز فيما فعله الآدمي، وهذا القول هو الراجح وإن كان بعض العلماء يقول: إذا زاد بقدر الصنعة فإنه لا بأس به.
    قوله: «ولا سويقه» الفرق بين الدقيق والسويق، أن الدقيق يطحن الحب بدون أن يحمص على النار، والسويق يحمص، أي: يشوى على النار ثم يطحن ثم يُثَرَّى بماء أو عسل أو نحوه فيختلف، فإذا امتنع أن يباع الحب بالدقيق غير المحمص فمنع بيعه بالدقيق المحمص من باب أولى؛ لأن فيه شيئين:
    الأول: تفرق الأجزاء بالطحن.
    الثاني: اختلافها بالتحميص، فهو أشد من بيع الحب بالدقيق.
    قوله: «ولا نيئه بمطبوخه» مثل حنطة بهريسة، والهريسة معروفة، فلا يجوز أن يباع الحب بالهريسة.
    والجريش هو عبارة عن الحب يطحن طحناً ليس دقيقاً بحيث يتكسر، ويكون أجزاء، ثم بعد ذلك يطبخ على مرق من لحم أو غيره فيسمى جريشاً، ويسمى هريسة، وأحياناً يجعل معه شيء من الحلوى فيوضع عليه سكر أو نحوه حتى يكون له حلاوة، المهم أن النَّيء بالمطبوخ لا يجوز؛ لتعذر التساوي، فلو بعنا حب شعير بهريسة الحنطة، فهذا يجوز لاختلاف الجنس.
    مثال آخر: مبادلة كيلو من اللحم النَّيء بكيلو من اللحم المطبوخ فلا يجوز؛ لأن الطبخ يؤثر في الوزن، إذ يدخل فيه أشياء كالماء، وإذا كان من غير الجنس جاز.
    قوله: «وأصله بعصيره» الأصل لا يباع بالعصير، كما لو كان إنسان عنده زيتون وزيت، ـ والزيت من الزيتون ـ فباع زيتوناً رطلاً منه أو أكثر أو أقل برطل من زيت فإنه لا يصح، ومثله أن يبيع تمراً بدبس، ـ والدبس هو الماء الذي يخرج من التمر ـ فإنه لا يجوز، وذلك لتعذر التساوي.
    قوله: «وخالصه بمشوبه» الخالص هو الذي لم يخالطه غيره، والمشوب هو الذي خلط معه غيره، فهذا لا يجوز؛ لتعذر التساوي.
    مثاله: رجل عنده صاع من البر الخالص، وآخر عنده صاع من البر المخلوط بشعير، فلا يجوز أن يباع هذا بهذا لتعذر التساوي، إلا أنه يستثنى من ذلك الخلط اليسير أو ما كان لإصلاح المخلوط كالملح في الطعام، فالخلط اليسير لا يضر، فإنك لا تكاد تجد براً خالصاً ليس فيه حبة شعير، وكذلك ما يكون لإصلاحه كما لو بعنا خبزاً من البر بخبز من البر أحدهما قد جعل فيه حلوى، ولكن بعناهما متساويين فلا بأس، أو أحدهما فيه ملح فلا بأس، فصار يستثنى الشيء اليسير، والشيء الذي خلط للإصلاح من قوله: «خالصه بمشوبه».
    قوله: «ورطبه بيابسه» رطبه، الضمير يعود على الربوي، أي: ولا يباع رطب الربوي بيابسه، مثل أن يبيع رطباً بتمر، فالتمر يابس والرطبُ رَطْبٌ، فلا يجوز حتى وإن تساويا وزناً؛ لأن الرطب أثقل من التمر، والذي أثقله من غير جنسه، فيكون محرماً، ولهذا لما سئل النبي صلّى الله عليه وسلّم عن بيع التمر بالرطب فقال: «أينقص إذا جف؟» ، قالوا: نعم، فنهى عن ذلك[(291)]، لكنه يستثنى من ذلك العرايا.
    والعرايا هي أن يكون عند إنسان تمر من العام الماضي وجاء الرطب هذا العام، وأراد أن يتفكه بالرطب، لكنه ليس عنده دراهم، وليس عنده إلا تمر يابس من العام الماضي، فهنا رخص الشرع بجواز شراء الرطب بالتمر، وسميت عرايا لعروها عن الثمن، فيأتي هذا الرجل الفقير الذي عنده تمر من العام الماضي إلى صاحب البستان، ويقول: بعني تمر هذه النخلة الذي هو الآن رطب بالتمر فهذا جائز؛ لدعاء الحاجة إليه، فإن هذا الفقير يريد أن يتفكه كما يتفكه الناس، وليس عنده دراهم فيشتري الرطب على رؤوس النخل بالتمر، لكن بشروط هي:
    الشرط الأول: ألاّ يجد ما يشتري به سوى هذا التمر، فإن وجد ما يشتري به سوى هذا التمر، كالدراهم والثياب والحيوان وما أشبه ذلك، فإنه لا يجوز أن يشتري رطباً بتمر.
    الشرط الثاني: أن تكون من خمسة أوسق فأقل، والوسق ستون صاعاً، فتكون خمسة الأوسق ثلاثمائة صاع.
    الشرط الثالث: أن يكون مآل هذا الرطب بقدر التمر، أي: أن يأتي الخراص الماهر العارف، ويقول: هذا الرطب إذا جف يكون مساوياً للتمر الذي اشتري به.
    فإن قال: إن الرطب إذا جف سيكون أكثر من هذا التمر أو أقل، فإنه لا يجوز، فلا بد أن يكون مساوياً. وهنا اكتفي بالمساواة خرصاً؛ من أجل دفع حاجة الفقير.
    الشرط الرابع: أن يكون محتاجاً للرطب، بمعنى أنه يريده للأكل والتفكه لا يريد أن يبقيه إلى أن يتمر؛ لأنه قد يقول: أنا أريد أن أشتري الرطب وأبقيه حتى يكون تمراً؛ ليكون هذا التمر تمر هذا العام، وهو أجَدُّ من تمر العام الماضي، فنقول: لا بد أن تكون محتاجاً إلى الرطب لتأكله، ولهذا قال العلماء: لو أنه اشترى عرية رطباً ثم أتمرت بطل البيع؛ لأن الشرط الذي من أجله جاز هذا فُقِدَ.
    الشرط الخامس: أن يكون الرطب على رؤوس النخل، فإن كان في أوانٍ بمعنى أن صاحب البستان خرف النخل، وجعله في أوانٍ وعرضه للبيع، فجاء إنسان فقير، فقال: ليس معي دراهم، لكن عندي تمر فاخرص هذا الإناء من الرطب وأعطيك بمثل خرصه تمراً، فهذا لا يجوز؛ لأنه يفوت التفكه؛ لأن كونه على رؤوس النخل يتفكه به الإنسان شيئاً فشيئاً.
    فإن قال قائل: كيف جازت العرايا وهي حرام من أجل الحاجة دون الضرورة، والقاعدة أن المحرم لا يجوز إلا للضرورة؛ لقول الله تبارك وتعالى: {{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}} [الأنعام: 119] ؟ فهذا إيراد جيد لا شك فيه.
    لا اله الا انت سبحانك انى كنت من الضالمين

  • #2
    فالجواب: أن نرده بالقاعدة المعروفة عند العلماء، وهي: (أن ما حرم تحريم الوسائل جاز للحاجة) ؛ لأن المحرمات نوعان:
    محرمات تحريم غاية لذاتها، ومحرمات تحريم وسيلة.
    وربا الفضل هل تحريمه تحريم غاية أو وسيلة؟
    الجواب: يقول العلماء: إن تحريمه تحريم وسيلة، ويستدلون على ذلك بقول النبي صلّى الله عليه وسلّم في حديث أسامة بن زيد ـ رضي الله عنه ـ: «إنما الربا في النسيئة»[(292)] ، وهذه الجملة جملة حصر، كأنه قال: لا ربا إلا في النسيئة، فيقال: المراد بهذا الربا الربا الذي هو الغاية، أما ربا الوسيلة فموجود في التفاضل إذا بيع الشيء الربوي بجنسه.
    مثال آخر: الحرير حرام على الذكور، ويجوز أن يلبسه الإنسان إذا كان فيه حكة من التهاب في جسده؛ ليخفف هذه الحكة، ومع أن هذا ليس ضرورة، لكن جاز؛ لأن أصل تحريم الحرير على الذكور أنه غير لائق بهم، وأنه وسيلة إلى أن يكون الإنسان الذكر الذي فضله الله بالرجولة بمنزلة الأنثى التي تنشأ في الحلية، ولهذا حرم الذهب والحرير على الذكور.
    مثال ثالث: آنية الفضة حرام، فإذا كان عند إنسان إناء من غير الفضة وانكسر، وأراد أن يلم بعضه إلى بعض بسلسلة من فضة جاز، مع أنه سوف يستعمل هذا الإناء، وفيه شيء من الفضة، لكن يقال: يجوز للحاجة مع أنه في الأصل محرم؛ لأنه حرم تحريم الوسائل، إذ إن الذهب والفضة استعمالهما في الأواني يؤدي إلى الفخر والخيلاء والاستكبار والتعاظم، ولهذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة»[(293)] .
    والخلاصة أن قول المؤلف: «ورطبه بيابسه» يستثنى منه العرايا، وهي بيع الرطب على رؤوس النخل بالتمر، بالشروط السابقة.
    فإن قال قائل: حاجة المشتري واضحة، أي: أن المشتري محتاج إلى رطب، لكن لو كان البائع محتاجاً لتمر، وليس عنده مال إلا ما في رؤوس النخل من الرطب فهل يجوز أو لا؟ والفرق بين الصورتين واضح، ففي العرايا التي ورد فيها الحديث يكون المشتري هو المحتاج للرطب، فإذا كان صاحب الرطب هو المحتاج للتمر، فهل يجوز أن ندفع حاجته إذا لم يكن عنده دراهم، ونقول: لا بأس أن تشتري تمراً بالرطب بالشروط التي ذكرناها؟
    قال بعض العلماء: لا يجوز؛ لأن هذه الصورة مستثناة، والمستثنى لا يقاس عليه غيره.
    وقال بعض أهل العلم: إنه يصح القياس؛ لأن المقصود دفع الحاجة.
    والأقرب عندي: صحة ذلك، أنه لو كانت الحاجة لصاحب الرطب فلا بأس؛ إذ إن المقصود دفع حاجة الإنسان، فلا فرق بين كونه هو البائع أو المشتري.
    فإن قال قائل: وهل تجوز العرايا في غير النخل؟ كإنسان عنده زبيب وأراد أن يشتري به عنباً يتفكه به، فهل يجوز أو لا؟
    فالجواب: في هذا خلاف بين العلماء، منهم من قال: إنه يجوز قياساً على التمر، والزبيب طعام كما في حديث أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ في زكاة الفطر قال: «وكان طعامنا يومئذ التمر والشعير والزبيب والأقط»[(294)]، فهو طعام، فإذا احتاج الإنسان إلى عنب، وليس عنده إلا زبيب فلا بأس بالشروط التي ذكرنا في العرية، وهذا ـ أيضاً ـ أقرب إلى الصواب من المنع واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ؛ لأن العلة التي من أجلها رخص في عرايا النخل موجودة في عرايا العنب، وهكذا ما كان مثله مما يحتاج الناس للتفكه به وليس عندهم مال.
    والدليل على منع بيع الرطب بالتمر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سئل «عن بيع الرطب بالتمر، فقال: أينقص إذا جف؟ قالوا: نعم، فنهى عن ذلك» [(295)]، فأراد صلّى الله عليه وسلّم أن يكون السائل مقتنعاً تماماً، فقال: «أينقص إذا جف؟» قالوا: «نعم، فنهى عن ذلك» أي عن بيع الرطب بالتمر.
    أما التعليل؛ فلأن بيع الرطب بالتمر يفقد شرطاً من الشروط وهو التساوي.

    وَيَجُوْزُ بَيْعُ دَقِيقِهِ بِدَقِيقِهِ إِذَا اسْتَوَيَا فِي النُّعُومَةِ، ومَطْبُوخِهِ بِمَطْبُوخِهِ، وَخُبْزِهِ بِخُبزِهِ إِذَا اسْتَوَيَا فِي النّشَافِ وَعَصِيرِهِ بِعَصِيرِهِ، وَرَطْبِهِ بِرَطْبِهِ، وَلاَ يُبَاعُ رِبَوِيٌّ بِجِنْسِهِ وَمَعَهُ أوْ مَعَهُمَا مِن غَيْرِ جِنْسِهِمَا.
    قوله: «ويجوز بيع دقيقه بدقيقه إذا استويا في النعومة» مثل أن يكون الطاحون الذي طحن الحب طاحوناً واحداً، ووزنه وزن واحد، فأبيع عليك دقيقاً من الحنطة بدقيق من اللقيمي، ـ وهو نوع من حب البر ليس بجنس ـ، فيجوز بشرط أن يستويا في النعومة، وإن اختلفا في النعومة بأن كان أحدهما ناعماً جداً والثاني دون ذلك فهذا لا يجوز؛ لأنه كلما كان أنعم كان انتشار الحب أكثر، فلا يمكن التساوي لكن كما قلنا أولاً لو وزناهما فكانا سواءً فلا بأس.
    قوله: «ومطبوخه بمطبوخه» كسمن بقر بسمن بقر طبخاً، فيجوز بيع هذا بهذا؛ لأنه لا اختلاف بينهما.
    قوله: «وخبزه بخبزه إذا استويا في النشاف» أي: وكذلك يجوز بيع خبزه بخبزه إذا استويا في النشاف، لكن الخبز بالخبز كيف نكيله؟
    الجواب: يقولون: إن اعتبار المساواة في الخبز بالوزن لتعذر الكيل، ولكن هل إذا قلنا: إنه يعتبر بالوزن يخرج عن كونه مكيلاً؟
    الجواب: لا يخرج؛ لأننا إنما عدلنا عن المعيار الأصلي، وهو الكيل إلى الوزن للضرورة، لكن ليس معنى ذلك أن هذا الخبز ينتقل إلى كونه موزوناً، ولو قلنا: ينتقل إلى كونه من الموزونات لجاز أن يباع الخبز بحبه مع التفاضل، ولجاز بيعه ـ أيضاً ـ بحبه مع التفرق؛ لأن بيع المكيل بالموزون لا يشترط فيه التساوي ولا يشترط فيه التقابض، ولهذا يغلط بعض الناس إذا رأى الفقهاء ـ رحمهم الله ـ قالوا: إنه يعتبر بالوزن في هذا، أو التمر إذا جبن يظنون أنه ينتقل من كونه مكيلاً إلى كونه موزوناً، ولكن هذا غلط؛ بل هو باقٍ على كونه مكيلاً، لكن يعتبر بالوزن للضرورة لعدم إمكان كيله.
    وإذا قلنا: إن الخبز يعتبر فيه التساوي بالوزن، وقلنا: إنه انتقل من كونه مكيلاً إلى كونه موزوناً، أي: جنساً موزوناً، لزم من ذلك أنه يجوز أن نبيع مائة خبزة بعشرة أصواع من البر ولو لم نعلم التساوي؛ لأن بيع المكيل بالموزون يشترط فيه التماثل، وكذلك يجوز أن أبيع هذا الخبز بالبر وإن لم يحصل القبض، وهذا غلط، بل نقول: لا بد من التقابض في مجلس العقد، ولا يجوز بيع الخبز بالحب لعدم إمكان التساوي. والتمر المعجون بخلاف التمر المفرد كل تمرة وحدها، فهذا الأخير يمكن كيله؛ لأنه حب متناثر، أما المعجون فلا يمكن كيله، فهل نقول: في هذه الحال لما كان لا يمكن كيله انتقل من كونه مكيلاً إلى كونه موزوناً، وبناءً على ذلك يجوز أن أبيع تمراً مكنوزاً بتمر غير مكنوز وإن اختلفا، ويجوز ـ أيضاً ـ أن أبيعه به وإن حصل التفرق قبل القبض؟
    الجواب: لا نقول بهذا؛ لأن معنى قولهم: «إنه ينتقل للوزن»، إنما يقصدون به تقديره بالوزن فقط، لا أنه ينتقل إلى كونه موزوناً، فهذه مسألة يجب التنبه لها لئلا يحصل الخطأ.
    قوله: «وعصيره بعصيره» أي: عصير الربوي بعصيره، كعصير عنب بعصير عنب؛ لأنهما متساويان، ولكن بأي معيار يكون هذا التساوي؟
    الجواب: يكون بالكيل؛ لأن العصير مائع وكل مائع فهو مكيل.
    قوله: «ورطبه برطبه» كرُطَبٍ برُطَبٍ بشرط أن يتساويا في الرطوبة، فإن اختلفا في الرطوبة فإنه لا يجوز؛ لأن الجاف ناقص عن الرطْب.
    قوله: «ولا يباع ربوي بجنسه ومعه أو معهما من غير جنسهما» هذه المسألة يعبر عنها الفقهاء «بمد عجوة ودرهم».
    مثال ذلك: باع تمراً بتمر، ومع كل واحد منهما دراهم، يعني باع صاعاً من تمر ودرهماً بصاع من تمر ودرهم، فلا يجوز، هذا معنى قوله: «أو معهما من غير جنسهما» ، فهنا مع المبيعين من غير جنسهما.
    وقال بعض أهل العلم: إذا كان معهما من غير الجنس جاز ولا حرج؛ لأننا نجعل الجنس مقابلاً لغير جنسه ونسلم من الربا، مثل ما لو بعت عليك مداً ودرهماً بمد ودرهم، هذا ليس فيه محظور؛ لأنك إن جعلت المد مقابل المد فقد تساويا، وإن جعلت المد مقابل الدرهم فليس بينهما ربا.
    وقوله: «ومعه» مثل أن يبيع صاعاً من التمر ودرهماً بصاع من التمر فلا يجوز أيضاً؛ لأن مع أحدهما من غير الجنس، وهذا مبني على أن الصفقة إذا جمعت بين شيئين وزع الثمن على الشيئين على وجه الشيوع، وحينئذٍ نجهل التساوي بين الربويين.
    مثال ثانٍ: باع صاعين من التمر بصاعٍ ودرهم من التمر، فلا يجوز؛ لعدم التماثل بين التمر.
    مثال ثالث: باع درهمين بدرهم وتمر فلا يجوز؛ لأن مع أحدهما من غير جنسه.
    والدليل هو: حديث فضالة بن عبيد ـ رضي الله عنه ـ أنه اشترى قلادة فيها خرز وذهب باثني عشر ديناراً، ثم فصل الذهب من الخرز فوجد فيها أكثر من اثني عشر ديناراً، فنهى النبي صلّى الله عليه وسلّم أن تباع حتى تفصل[(296)]، أي: حتى يفصل بعضها من بعض، ويعرف قدر الذهب من الخرز، ووجه النهي أنه تبين الآن أنه اشترى ذهباً بذهب أقلَّ منه؛ لأنه لما فَصَلَ هذه القلادة وجد فيها أكثر من اثني عشر ديناراً، فلما كان الاحتمال وارداً في مثل هذا فإنه يمنع منه سداً للباب، حتى لا يتجرأ أحد على أن يبيع شيئاً ربوياً بجنسه ويضيف إلى أحدهما شيئاً يسيراً، مثل أن يقول: أنا أبيع مثلاً كيلو من الذهب بكيلو إلا يسيراً وأجعل مع الثاني (الذي نقص) أجعل معه منديلاً مثلاً، وهذه حيلة لا شك، فَسُدَّ الباب.
    وهذه هي قاعدة المذهب «أنه لا يباع ربوي بجنسه ومعهما أو مع أحدهما من غير الجنس» على أي حال من الأحوال، حتى لو قال قائل: إذا باع صاعاً من تمر ودرهماً بدرهمين، والصاع يساوي درهماً أفلا نجعل الصاع في مقابلة درهم، والدرهم في مقابلة الدرهم، وليس فيه ربا؟ ولهذا إذا قال: بعتك هذا الصاع بدرهم، وصارفتك هذا الدرهم بدرهم، لو قال هكذا جاز، فأي فرق بين أن أقول: بعتك صاعاً ودرهماً بدرهمين ما دام أن الصاع لا يساوي أكثر من درهم، ولا أقل؟
    قال العلماء رحمهم الله: هذا سداً للذريعة؛ لأن باب الربا أمره عظيم فيجب أن يسد كل طريق يمكن أن يوصل إليه، ولهذا حرم النبي صلّى الله عليه وسلّم بيع العينة مع أنه قد يكون الربا فيها بعيداً[(297)].
    وبيع العينة هو أن يبيع شيئاً بثمن مؤجل، ثم يشتريه نقداً بأقل مما باعه به، فصورة المسألة ليس فيها شيء، لكن لئلا يكون وسيلة إلى التحيل على الربا بأن يعطيه ثمانين درهماً، وتكون مائة درهم في ذمته، فمن أجل هذا نسد كل باب يوصل إلى الربا.
    ولكن شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ نازع في هذا، وقال: إذا كان المفرد أكثر من الذي معه غيره، وكانت هذه الزيادة تقابل الشيء الآخر، فإن ذلك جائز، ولا بأس به، والحاجة قد تدعو إليه.
    مثاله: باع صاعين من التمر بصاع ودرهم، والصاع الزائد في الطرف الذي ليس فيه إلا التمر يساوي درهماً، قال: هذا لا بأس به؛ لأننا نجعل الصاع الزائد في مقابل الدرهم، والصاع الثاني الذي مع الدرهم، في مقابلة الصاع الآخر، وليس في هذا حيلة إطلاقاً، والحاجة قد تدعو إلى ذلك، فقد يكون هذا الإنسان عنده تمر من السكري صاعان، وهذا عنده تمر من نوع آخر، لكن ليس عنده صاعان، عنده صاع واحد وعنده دراهم، فقال: أنا أعطيك هذا الصاع ودرهماً، والصاع يساوي الصاع الآخر لا يزيد ولا ينقص.
    وما ذهب إليه شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ أصح، فإذا تيقنا أنه لا ربا، وأن القيمة واحدة فإنه لا بأس به ولا حرج، والشارع الحكيم لا يحرم شيئاً يتبين أنه لا ربا فيه إطلاقاً، مع أن الحاجة قد تدعو إليه.
    مثال آخر: إذا اشترى كيساً من البر بنصف كيس من البر ومع الثاني سيارة مثلاً، فلا يجوز؛ لأن البر لا يقابل السيارة، فلا يصح حتى على رأي شيخ الإسلام لا يصح، بل لا بد أن يكون المفرد يساوي أكثر من الصاع الذي معه غيره بحيث يقابل الزائد ما مع الآخر ولا يزيد عليه.
    فإن قال أنا: أريد أن أبيع صاعاً ودرهماً بصاع ودرهم، فهذا لا يجوز على المذهب، وعلى رأي الشيخ يجوز إذا كانت القيمة واحدة، أو قال: صاع ودرهم لكن هذا الدرهم مقابل الصاع وهذا الدرهم الثاني مقابل الصاع فهذا واضح؛ لأن هذه الصفقة وإن كانت واحدة، لكن كأنها صفقتان.
    مسألة: إذا كان الذهب مصوغاً وأراد أن يعطيه ذهباً غير مصوغ، فهل يشترط التساوي؟
    الجواب: جمهور العلماء على أنه يشترط التساوي وأن الصنعة لا تؤثر شيئاً، وقال بعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم: يجوز أن يعطيه بمقدار الصنعة، مثلاً إذا كان هذا الذهب وزنه واحداً، ولكن أعطاه زيادة لأنه مصنوع، فعند شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ جائز وتجعل هذه الزيادة في مقابل الصنعة، لكن الجمهور على المنع واستدلوا بحديث التمر ـ بيع الطيب بالرديء ـ لكن يجاب عن هذا الاستدلال بأن التمر الطيب والرديء ليس من صنعة الإنسان، وهذا من صنعة الإنسان، والإنسان يريد أن يأخذ لنفسه أجراً، إلا أن سد الباب أولى؛ لأن تقدير قيمة الصنعة قد يحصل فيه اختلاف، وقد يطمع صاحب الذهب المصوغ ويحمل الثاني أكثر من قيمة الصنعة.
    مثال ذلك: لو كان ذهب مكسر فجاء صاحبه إلى الصائغ وقال: أبدل هذا الذهب بحلي آخر وأعطيك مقابل الصنعة، ربما يكون صاحب الدكان يزيد أكثر من قيمة الصنعة نظراً لرغبة هذا، فسد الباب أولى وأصح.

    وَلاَ تَمْرٌ بِلا نَوَى بِمَا فِيْهِ نَوَى، وَيُبَاعُ النّوى بِتَمْرٍ فِيهِ نَوَى، وَلَبَنٌ وصُوفٌ بِشَاةٍ ذَاتِ لَبَنٍ وَصُوفٍ.
    قوله: «ولا تمر بلا نوى بما فيه نوى» هناك تمر يعجن، وينزع نواه ويسمى عندنا (العبيط)، فإذا جاء إنسان وقال: أريد أن أبيع عليك تمراً فيه نوى بتمر لا نوى فيه، أي: بعبيط، فلا يجوز حتى لو تساويا كيلاً أو وزناً فإنه لا يصح؛ وذلك لأن النوى زائد على التمر، فإذا وزناهما جميعاً فإن النوى سوف يكون لا مقابل له فلا يصح.
    فإن قال قائل: إذا كان هذا الذي اشترى التمر لا يهمه النوى ولا يخطر على باله، لكنه رجل نزل به ضيف، وقال: إن قدمت له العبيط فإنه لا يليق، ولا يعد هذا إكراماً ـ حسب العادة ـ وأنا أريد أن أشتري تمراً فذهب إلى صاحب التمر واشترى منه تمراً بالعبيط، فنقول: هذا ـ أيضاً ـ لا يجوز؛ لأن النوى حجمه كبير يسع مساحة بالنسبة للكيل وبالنسبة للوزن أيضاً، فلا يمكن التساوي، ولو اشترى تمراً بلا نوى بتمر بلا نوى مع التساوي فهو جائز، وأيضاً تمر بنوى بتمر بنوى مع التساوي جائز كما جاء في الحديث.
    وإذا قدر أن بعض النوى أكبر من بعض، فهذا شيء مغتفر، وإلا فمن المعلوم أنه أحياناً يكون نوى بعض التمر كبيراً، لكن الشرع لم يلتفت لهذا؛ لأنه أمر يشق اعتباره، وليس مقصوداً في الغالب.
    قوله: «ويباع النوى بتمر فيه نوى» هذا غريب، النوى يباع بتمر فيه نوى، والتمر لا يباع بتمر ليس فيه نوى.
    ووجه ذلك أن هذا غير مقصود؛ لأن الذي باع النوى بتمر فيه نوى يقصد التمر لا يقصد النوى؛ لأنه لو كان قصده النوى، لعرف أن النوى سوف ينقص عما اشتراه به، فتبين بهذا أن القصد له أثر في الحل والتحريم.
    قوله: «ولبن وصوف بشاة ذات لبن وصوف» اللبن والصوف على المشهور من المذهب يجري فيهما ربا؛ لأن اللبن مكيل، والصوف موزون، وكان اللبن مكيلاً؛ لأنه مائع، والصوف كان موزوناً؛ لأنه لا يمكن كيله، فإذا باع لبناً وصوفاً بشاة ذات لبن وصوف فإن ذلك جائز، ولا يقال: إن هذا من مسألة «مد عجوة ودرهم»؛ لأنه باع ربوياً بربوي، ومع أحدهما من غير الجنس، فلا يقول أحد هذا القول، فلبن وصوف بشاة فيها لبن وصوف أيهما الزائد على الآخر؟
    الجواب: الشاة، أي: زاد اللحم والشحم والعظم وغير ذلك، فلا يقول قائل: إن هذا من باب مسألة مد عجوة ودرهم فلا يصح؛ لأن اللبن والصوف غير مقصود فيما إذا اشترى إنسان شاة ذات لبن وصوف بلبن وصوف، والدليل أنه غير مقصود أنه سوف يُقَوِّم الشاة نفسها باللبن والصوف الذي معه، ولا يعير اهتماماً لصوفها الذي على ظهرها، ولا للبنها الذي في ضرعها، فلما لم يكن مقصوداً لم يكن من باب مسألة «مد عجوة ودرهم» وبهذا نعرف أنه إذا كان مع الربوي شيء من الجنس لكن غير مقصود، فإنه لا يؤثر مثل الأبازير وما أشبه ذلك مما يصلح به الطعام فإنه لا يضر، والمسألة السابقة بناء على أن اللبن ربوي، والصوف ربوي.
    والصحيح أن الصوف ليس ربوياً، وأما اللبن فإن كان أهل هذا البلد قد اعتادوا أن يكون قوتهم اللبن فإننا نلحقه بالبر والتمر والشعير، وأما الذين لا يرونه قوتاً كما عندنا في نجد فليس ربوياً؛ لأنه لم يُنص عليه ولا هو في معنى المنصوص، بل هو من جنس الشراب الذي يشرب من غير اللبن.

    وَمَردُّ الكَيْلِ لعُرفِ المَدِينَةِ، والوَزْنِ لعُرْفِ مَكَّةَ زَمَنَ النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وَمَا لاَ عُرْفَ لَهُ هُنَاك اعتُبِرَ عُرْفُهُ فِي مَوْضِعِهِ.
    قوله: «ومرد الكيل لعرف المدينة، والوزن لعرف مكة زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم» أي: مرد كون الشيء مكيلاً أو كون الشيء موزوناً إلى عرف مكة والمدينة، فالكيل نرجع فيه إلى عرف المدينة، فلو كان هذا الشيء مكيلاً في المدينة، وموزوناً في مكة فإننا نعتبر المكيل بالمدينة، ولو كان هذا الشيء موزوناً في مكة مكيلاً في المدينة رجعنا إلى مكة، فعليه يختلف الحكم فيما إذا كان الإنسان في مكة، أو إذا كان في المدينة، فإذا كان في المدينة فالمكيال مكيال المدينة، وإذا كان في مكة فالميزان ميزان مكة، فإن اتفق البلدان على كون الشيء مكيلاً أو موزوناً صار هذا الشيء مكيلاً أو موزوناً، سواء كان في مكة أو في المدينة والمعتبر عرف مكة على عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم وهذا قد يجهله كثير من الناس فلا يعلمه.
    وقد ذكر أهل العلم ـ رحمهم الله ـ ضوابط للمكيل والموزون فيها ما سبق من أن كل مائع مكيل.
    ومنها أن ما تعذر كيله يعتبر بالوزن كالخبز والتمر المكنوز المجبن وما أشبه ذلك، فإنه يعتبر بالوزن لكن لا يخرج عن كونه مكيلاً.
    وهناك أشياء لا يعرف لها كيل ولا وزن في مكة والمدينة فإلى أي شيء نرجع؟ قال المؤلف:
    «وما لا عرف له هناك اعتبر عرفه في موضعه» نرجع إلى العرف في موضعه، فإن كان الناس يتبايعونه بالوزن فهو موزون، أو بالكيل فهو مكيل، أو بالعدد فهو معدود؛ لأنه ليس هناك ضابط نرجع إليه بالنسبة لمكة والمدينة.
    وقال بعض العلماء: نرده إلى أقرب الأشياء شبهاً به في مكة والمدينة، فإذا كان أقرب الأشياء إليه الكيل في المدينة فهو مكيل، أو الوزن في مكة فهو موزون، وهذا القول أقرب إلى النظر؛ لأن ما لا يمكن فيه اليقين يرجع فيه إلى غلبة الظن، وقد يقال: بل إنه إذا لم يكن له عرف في مكة والمدينة فإننا نطرح الشَّبَهَ ونقول: يرجع إلى ما تعارفه الناس، وهذا القول الثاني من جهة السهولة على المسلمين والتيسير أقرب إلى الصواب؛ لئلا يحصل النزاع فيقول: هذا يشبه المكيل في المدينة، وهذا يشبه الموزون في مكة، فيقال: ما دام ليس له عرف في مكة والمدينة، وإنما طرأ حديثاً فإننا نعتبر عرفه في موضعه، هذا هو الذي مشى عليه المؤلف ـ رحمه الله ـ وذلك لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «المكيال مكيال المدينة، والميزان ميزان مكة»[(298)].
    وقال بعض العلماء: ما نص الشرع على أنه مكيل فهو مكيل، وما لم ينص عليه الشرع فالمرجع فيه إلى العرف؛ لأنه يضعِّف هذا الحديث: «المكيال مكيال المدينة والميزان ميزان مكة» ويقول: ما نص الشرع عليه، مثل التمر مكيل، والبر مكيل، والشعير مكيل، والزبيب مكيل، والملح مكيل، والدليل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قدر زكاة الفطر بالكيل، فقال: «صاع من تمر وصاع من شعير»[(299)] ، وكذلك قال أبو سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ: «كنا نخرجها صاعاً من طعام وكان طعامنا يومئذ التمر والشعير والزبيب والأقط»[(300)] ، فما نص الشرع على أنه مكيل فهو مكيل، وليس لنا أن نتعدى، أما ما لم ينص عليه فإنه يعتبر عرفه في موضعه إن كانوا يبيعونه بالوزن فهو موزون، وإن كانوا يبيعونه بالكيل، فهو مكيل وإن كانوا يبيعونه بالعد فهو معدود.
    ولنطبق هذا القول على حالنا اليوم، فالآن الناس يتبايعون الرز والبر بالوزن، هل نعتبر الوزن فيه؟ أو نقول: هذا منصوص على أنه مكيل؟
    الجواب: الثاني، فإذا أردنا أن نبيع براً ببر لا نعتبر الوزن، بل نعتبر الكيل؛ لأن هذا مكيل بالنص فلا نتعدى النص.
    ولو فرضنا أن هناك ذرة يتبايعها الناس بالوزن فهل نقول: هي موزونة بناء على العرف؟ أو هي مكيلة لأنها كالبر؟
    الجواب: نرجع إلى العرف؛ لأنه ليس هناك نص على أن الذرة من المكيل، وهذا القول يريح الإنسان أكثر؛ لأننا إذا قلنا: إن المرد مرد المدينة أو مكة قد يحصل اشتباه عند كثير من الناس.
    وقال بعض أهل العلم: المرجع إلى العرف مطلقاً، فما كان مكيلاً عند الناس فهو مكيل، وما كان موزوناً فهو موزون، فصارت الأقوال ثلاثة:
    القول الأول: أن المرجع إلى ما كان في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، لكن الوزن لمكة والكيل للمدينة.
    القول الثاني: الأصناف الستة تبقى على ما كانت عليه البر والتمر والشعير والملح مكيلة، والذهب والفضة موزونان، وما عدا ذلك فيرجع فيه إلى العرف، إن كانوا يتبايعون بالكيل فهو مكيل وإن كانوا يتبايعون بالوزن فهو موزون.
    القول الثالث: أن المرجع في ذلك إلى العرف مطلقاً؛ لأنه هو الذي يكون به التساوي أو النقص أو الزيادة.

    فَصْلٌ
    وَيَحْرُمُ رِبَا النَّسِيئَةِ فِي بَيْعِ كُلِّ جِنْسَيْنِ اتَّفَقَا فِي عِلَّةِ رِبَا الفَضْلِ لَيْسَ أحَدُهُمَا نَقْداً.
    قوله: «فصل» أي: في ربا النسيئة، فالذي سبق البحث فيه ربا الفضل.
    وربا النسيئة وهو تأخير التقابض في بيع الربويين وهو الأصل، ومن أجله حَرُمَ ربا الفضل، كما جاء في حديث أسامة بن زيد: «إنما الربا في النسيئة»[(301)] ، وقد اختار ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ هذا في أول الأمر، وقال: إن ربا الفضل جائز، وأنك إذا بعت صاعين من البر بصاع يداً بيد فهو جائز، لكن لما ناظره أبو سعيد الخدري[(302)] وغيره من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ رجع عن قوله.
    ويُشكل على طالب الدليل قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الربا في النسيئة» ، لأن (إنما) من أدوات الحصر، وتكون النتيجة لا ربا إلا في النسيئة.
    وأجاب العلماء عن ذلك أن هذا الحصر منقوض بالأحاديث الصحيحة الدالة على ثبوت ربا الفضل، والذي قال: «إنما الربا في النسيئة» ، هو الذي قال: «مثلاً بمثل سواءً بسواء، فمن زاد أو استزاد فقد أربا»[(303)] .
    فإذا قال قائل: إذا كان كذلك، فلماذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الربا في النسيئة»؟
    قلنا: لينبه على أن ربا النسيئة أعظم من ربا الفضل؛ لأن هذا هو المعروف في الجاهلية، حيث إن الإنسان إذا استدان من شخص آخر ثم حل الأجل ولم يوف قال: نؤخر ونزيد، فكأنه قال: إنما الربا الأعظم والأكثر إثماً هو ربا النسيئة، ومن هنا نعلم أنه لا يمكن أن يكون هناك تناقض بين كلام النبي صلّى الله عليه وسلّم الأول والآخر إذا صح عنه، بل لا بد أن يكون العمل بكل منهما ما لم يوجد نسخ.
    فإذا قال قائل: إذاً ما الفائدة من حصره في هذا؟
    قلنا: لأنه أعظم نوعي الربا، فلهذا قال: «إنما الربا في النسيئة».
    فما الأشياء التي يحرم فيها ربا النسيئة؟
    قوله: «ويحرم ربا النسيئة» النسيئة معناها المؤخر، كما قال تعالى: {{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا}} [التوبة: 37] ، يعني التأخير، ولكن ليس المراد بالآية ربا النسيئة، بل المراد ما بينه الله في آخر الآية: {{يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا}}، وذلك أن الأشهر الحرم وهي: رجب وذو القعدة وذو الحجة ومحرم، لا يجوز فيها القتال، فكان العرب يتلاعبون فيها، أحياناً يؤجلون المحرم إلى صفر، فيحلون شهر محرم ويحرمون صفراً، قال تعالى: {{لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ}}، لا عين ما حرم الله؛ لأن العدة أربعة، فيوافقون العدة ولكن يخالفون التعيين، ولهذا قال: {{فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ}}، فالنسيء المذكور في الآية غير النسيء الذي نتكلم عنه هنا، النسيء الذي نتكلم عليه هنا هو تأخير القبض في بيع كل جنسين اتفقا في علة ربا الفضل عن مجلس العقد؛ وذلك أن البيع إما أن يقع في جنس واحد ربوي أو في جنسين ربويين اتفقا في علة ربا الفضل، أو في جنسين ربويين لم يتفقا في العلة أو في شيئين ليسا ربويين، فالأقسام أربعة:
    الأول: إذا كان البيع في جنس واحد ربوي، حرم فيه التفاضل والنساء.
    الثاني: إذا كان في جنسين ربويين اتفقا في علة ربا الفضل، حرم بينهما النساء فقط دون الفضل.
    الثالث: إذا كان بين جنسين ربويين لم يتفقا في العلة، جاز الفضل والنساء.
    الرابع: إذا كان بين شيئين ليسا ربويين، جاز كل شيء، الفضل والنسيئة.
    قوله: «في بيع كل جنسين اتفقا في علة ربا الفضل» «كل جنسين» احترازاً من الجنس الواحد، فالجنس الواحد فيه ربا نسيئة وربا فضل، وكلام المؤلف الآن يبين ربا النسيئة، ولهذا نقول قاعدة: «أن كل شيئين يجري بينهما ربا الفضل فبينهما ربا نسيئة ولا عكس»، ولهذا قال: «في بيع كل جنسين اتفقا في علة ربا الفضل» ، فما هي علة ربا الفضل؟
    الجواب: سبق لنا في أول باب الربا أن العلماء اختلفوا فيها، والمذهب عندنا، وهو المشهور الذي مشى عليه المتأخرون من أصحاب الإمام أحمد أن العلة هي الكيل والوزن، سواء كان هذا المكيل مما يؤكل أو لا، أو مما يقتات أو لا، وكذلك الموزون، فكل شيئين بينهما اتفاق في الكيل فإنه يجري بينهما ربا النسيئة، وهما قطعاً ربويان؛ لأن العلة هي الكيل.
    فقوله: «اتفقا في علة ربا الفضل» إذا بعنا مكيلاً بمكيل من غير جنسه وجب التقابض قبل التفرق، سواء كان مطعوماً أو غير مطعوم، ولو بعنا صاعاً من البر بصاع من الإشنان ـ والإشنان عبارة عن دقيق يشبه الصابون الذي في العلب تغسل به الثياب، وهو من شجر ييبس ويدق، والإشنان مكيل ـ فإذا باع صاعاً من الشعير بصاع من الإشنان وجب التقابض قبل التفرق، ولا يجب التساوي؛ لاختلاف الجنس؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد»[(304)]. قوله: «كيف شئتم» أي: بزيادة أو نقص ولكن «يداً بيد» ، وإذا باع صاعاً من البر بصاع من الجص فلا بد من التقابض؛ لأن الجص يباع كيلاً، فقد كانوا بالأول يبيعونه بالكيل، فتأتي إليه، وتقول له: أعطني صاعاً من الجص فيعطيك.
    قوله: «ليس أحدهما نقداً» فإن كان أحدهما نقداً فإنه لا يحرم النساء، كما لا يحرم التفاضل.
    مثال ذلك: باع حديداً بدنانير، فعلة ربا الفضل موجودة فيهما، فكلاهما موزون، فمقتضى القاعدة أنه يحرم النساء، ولكن المؤلف ـ رحمه الله ـ استثنى فقال: «ليس أحدهما نقداً» ، ودليل هذا الاستثناء حديث عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال: «من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم»[(305)] ، وجه الدلالة من الحديث أن السلم لا بد فيه من تقديم الثمن وتأخير المثمن وهذا نسيئة وقد أقره النبي صلّى الله عليه وسلّم، ومعلوم أن الإسلاف يكون في الدراهم وهي موزونة، أو في الدنانير وهي موزونة، ولهذا قال: «أو وزن معلوم» فدل هذا على أنه إذا كان أحدهما نقداً فإنه يصح النساء؛ لئلا ينسد باب السلم في الموزونات؛ لأننا لو لم نقل بهذا الاستثناء لم يصح السلم في الموزونات إذا كان الثمن دراهم أو دنانير.
    ومعلوم أنه إذا كان أحدهما نقداً واشتري به مكيل أنه يجوز فيه النساء؛ لأنهما اختلفا في علة ربا الفضل، لكن المشكل الذي يرد عليه هذا الاستثناء هو إذا أسلف في شيء موزون، فلولا هذا الاستثناء لقلنا: لا يجوز الإسلاف في الموزون إلا إذا أسلف غير الذهب والفضة.
    والتعليل: لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لو لم يجوِّز النَّساء في بيع النقد في الموزون لانسد باب السلم في الموزونات غالباً، ومعنى قولنا: غالباً أنه ربما نقول: إن السلم في الموزونات لا ينسد ونجعل الثمن مكيلاً، فيقول مثلاً: أسلمت إليك مائة صاع من البر بطن من الحديد، فهنا يجوز النساء؛ لأن العلة مختلفة، فهما لم يتفقا في علة ربا الفضل، ولهذا نقول: لانسد باب السلم في الموزونات غالباً، ولا نقول: دائماً، لأنه يمكن السلم في غير الموزون، كالمكيل، والحيوان.
    وقوله: «ليس أحدهما نقداً» ، لم يقل: ليس أحدهما ذهباً ولا فضة؛ لأنه لو كان أحدهما ذهباً أو فضة فلا بد من التقابض في مجلس العقد، فلو بعتك درهماً بدينار فلا بد من التقابض في مجلس العقد كما جاءت بذلك الأحاديث الكثيرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلو بعت عليك حلياً من الذهب بشيء من النحاس فلا بد فيه من التقابض؛ لأن المؤلف يقول: ليس أحدهما نقداً ولم يقل: ذهباً أو فضة.

    كَالْمَكِيلَيْنِ وَالمَوزُونَيْنِ، وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ القَبْضِ بَطَلَ.
    قوله: «كالمكيلين» أي: إذا بيع بعضهما ببعض.
    قوله: «والموزونين» أي: إذا بيع بعضهما ببعض، فإنه يحرم فيهما النساء.
    ودليل هذا: قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد»[(306)] ، فأوجب القبض، وإيجاب القبض يعني تحريم النساء.
    الأمثلة:
    باع شعيراً ببر لا يجوز النساء؛ لأنهما اتفقا في علة ربا الفضل، وهي الكيل.
    باع براً بحديد يجوز النساء؛ لأنهما اختلفا في علة ربا الفضل.
    باع طناً من الرصاص بطن من النحاس لا يجوز؛ لأنهما اتفقا في علة ربا الفضل، وهي الوزن.
    باع صاعاً من التمر بصاع من البر، لا يجوز النساء؛ لأنهما اتفقا في علة ربا الفضل وهي الكيل.
    اشترى صاعاً من البر بدرهم، يجوز النساء؛ لأنهما لم يتفقا في علة ربا الفضل.
    اشترى طناً من الرصاص بمائة درهم، يجوز النساء؛ لأنهما اتفقا في علة ربا الفضل وهي الوزن، لكن استثني إذا كان أحدهما نقداً.
    واستثناء النقد يدل على أن الموزونات ليس فيها ربا كما رجحناه من قبل وقلنا: إن الصحيح في الذهب والفضة العين والنقدية، فنفس الذهب والفضة يجري فيهما الربا مهما كانا بدليل حديث القلادة[(307)]، وأيضاً هما نقد للناس وأثمان وقيم للأشياء ليس لأنهما موزونان، والسلم يدل على هذا القول؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أو وزن معلوم» ، ومعلوم أن الموزون سيشرى بدراهم، فدل هذا على أن الموزونات ليس فيها ربا وهو القول الصحيح، إلا ما كان قوتاً فهو يرجع للعلة الأخرى.
    قوله: «وإن تفرقا قبل القبض بطل» إذاً القبض شرط لاستمرار صحة العقد، أي أن العقد تم وصح، لكن يشترط لاستمرار صحته القبض، ولهذا قال: «وإن تفرقا قبل القبض بطل» والدليل الحديث الذي ذكرنا.
    مثلاً: باع عليه براً بشعير في الدكان، لكن الشعير في المخزن وقال: ائتني بعد ساعة في المخزن لأعطيك الشعير، فهذا لا يجوز؛ لأنهما تفرقا قبل القبض، فإن قال: أعطني يدك ومشيا إلى المستودع وسلمه فهذا جائز؛ لأنهما لم يتفرقا.

    وَإِنْ بَاعَ مَكِيلاً بِمَوْزُونٍ جَاز التّفَرُّقُ قَبْلَ القَبضِ والنَّسَاءُ، وَمَا لاَ كَيْلَ فِيْهِ وَلاَ وَزْنَ؛ كَالثِّيَاب والحَيوانِ يَجُوْزُ فِيْهِ النَّسَاءُ.
    وَلاَ يَجُوز بَيْعُ الدّينِ بِالدَّيْنِ.
    قوله: «وإن باع مكيلاً بموزون جاز التفرق قبل القبض والنَّساء» مثاله: باع مائة صاع من البر بمائة كيلو من النحاس فهذا يجوز؛ لأنهما لم يتفقا في علة ربا الفضل وفي الجنس أيضاً، فيجوز التفرق ويجوز النساء.
    قوله: «وما لا كيل فيه ولا وزن كالثياب والحيوان يجوز فيه النساء» لأنه ليس بربوي، إذ إن الربوي إما مكيل وإما موزون، فما لا كيل فيه ولا وزن فإنه يجوز فيه النساء، ولم يقل: ربا الفضل؛ لأنه إذا جاز النساء جاز الفضل ولا عكس، فقد يجوز الفضل ولا يجوز النساء كالبر بالشعير ـ مثلاً ـ يجوز فيه الفضل، ولا يجوز فيه النساء.
    مثال ما سبق: لو بعت عليك ثوباً بثوبين، الثوب حاضر الثوبان بعد ستة أشهر جاز؛ لأن الثياب لا يقع فيها الربا؛ لأنها ليست مكيلاً ولا موزوناً.
    مثال آخر: إنسان احتاج إلى بعير وليس عنده دراهم، فجاء إلى شخص وقال: أعطني بعيراً الآن وأعطيك بعيرين بعد سنة جاز؛ لأنه ليس بربوي؛ لأنه ليس فيه كيل ولا وزن؛ ويدل له أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أمره النبي صلّى الله عليه وسلّم أن ينفذ جيشاً فكان يأخذ على قلائص[(308)] الصدقة البعير بالبعيرين، والبعيرين بالثلاثة[(309)]، وهو منطبق على القواعد حيث إنه جارٍ على التعليل الذي ذكرنا.
    قوله: «ولا يجوز بيع الدَّين بالدَّين» هذا ليس على إطلاقه ولكن له صور:
    الأولى: بيع الدين على الغير، فلا يجوز أن يباع بالدين، بل ولا بالعين على المذهب مطلقاً.
    مثال ذلك: إنسان في ذمته لشخص مائة صاع بر، فجعل هذا الرجل يطلبه يقول: أعطني يا فلان، وهو يماطل به، فقيل للرجل الذي له الحق: نعطيك عنها مائة درهم، ونحن نأخذها من المطلوب فلا يجوز، حتى وإن كان بعين فإنه لا يجوز، فلو قيل لهذا الرجل الذي له مائة الصاع في ذمة فلان: سوف نعطيك عنها مائة ريال تأخذها نقداً، فإنه لا يجوز؛ لأنه يشبه أن يكون غير مقدور على تسليمه، وإذا كان كذلك فإنه يكون فيه غرر، إذ إن المطلوب قد يوفي كاملاً وقد لا يوفي، وقد يوفي ناقصاً، فلا يصح.
    لكن لو كان الذي اشترى دَين فلان قادراً على أخذه منه، كرجل له سلطة يستطيع أن يأخذ هذا المال الذي في ذمة الرجل، فالصحيح أنه يجوز وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ؛ لأن العلة في النهي عن بيع ما في الذمم إنما هي الخوف من الغرر، وعدم الاستلام فإذا زالت العلة زال المعلول وزال الحكم، ثم إن عجز عن أخذه فله الفسخ، وبشرط ألا يربح فيه البائع بمعنى ألا يبيعه بأكثر من ثمنه؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن ربح ما لم يضمن [(310)]، ولحديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ[(311)]، وبشرط ألا يكون بينهما ربا نسيئة مثل أن أبيع عليه مائة صاع من التمر في ذمة فلان بمائة صاع من الشعير فهذا لا يجوز، لأنه يجري فيه ربا النسيئة وأنا لم أقبض العوض.
    الثانية: بيع الدين على من هو في ذمته.
    مثاله: أنا أطلب شخصاً مائة صاع بر، فجاء إلي وقال: أنا ليس عندي بر، ولكن أنا أعطيك عن مائة الصاع مائتي ريال؛ فهنا بيع دين بدين ففيه تفصيل:
    إن كان باعه بسعر وقته فلا بأس، وإن باعه بأكثر فإنه لا يجوز، والدليل: حديث عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: «كنا نبيع الإبل بالدراهم فنأخذ عنها الدنانير ونبيع بالدنانير فنأخذ عنها الدراهم»، فسألنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك فقال: «لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء» ، فاشترط النبي صلّى الله عليه وسلّم شرطين:
    الشرط الأول: أن تأخذها بسعر يومها.
    الشرط الثاني: ألاّ يتفرقا وبينهما شيء.
    ووجه ذلك أنه إذا أخذها بأكثر فقد ربح فيما لم يدخل في ضمانه، مَثَلاً الدينار يساوي عشرة دراهم فقال: أنا آخذ منك بأحد عشر، فهذا لا يجوز؛ لأن الذي أخذ أحد عشر بدل الدينار ربح درهماً فربح في شيء لم يدخل في ضمانه؛ لأن الدنانير في ضمان من هي في ذمته، ولم تدخل عليه إلى الآن، وقد نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن ربح ما لم يضمن، وقلنا فيما سبق: المفهوم لا عموم له، إذ يصدق المفهوم بالمخالفة ولو في صورة واحدة، فإذا أخذها بأقل من سعر يومها، أي: الدينار يساوي عشرة فأخذه الطالب بتسعة فمفهوم الحديث: «لا بأس أن تأخذها بسعر يومها» أن هذه الصورة لا تجوز، لكنها في الواقع تجوز؛ لأنه لم يربح فيما لم يدخل في ضمانه، بل نزل بعض حقه، فأبرأه من بعض حقه، وإبراؤه من بعض حقه لا بأس به، فصار المفهوم الآن ليس له عموم، وهذه مسألة ينبغي لطالب العلم أن يفهمها، أن المفهوم لا عموم له، بل يصدق بصورة واحدة مخالفة، والصورة الواحدة المخالفة في المثال إذا أخذها بأكثر، أي: الدينار يساوي عشرة وأخذها بأحد عشر، فهذا لا يجوز؛ لأنه يدخل في ربح ما لم يضمن.
    فهمنا العلة في قول الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «لا بأس أن تأخذها بسعر يومها» ، فما هي العلة في قوله: «ما لم تتفرقا وبينكما شيء؟» .
    الجواب : العلة ظاهرة أيضاً؛ لأنه سيأخذ عن الدنانير دراهم، وبيع الدنانير بالدراهم لا بد فيها من القبض في مجلس العقد، وحينئذ لو لم يقبض لبطل العقد، كما لو باع دنانير بدراهم ولم يقبض فإنه يبطل العقد، فتبين أن حديث عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ متمشٍ على القواعد العامة في الشريعة، والمعروفة في أبواب الربا.
    ويشترط ـ أيضاً ـ ألا يتخذ حيلة على الربا، فإن اتخذ حيلة على الربا فهو حرام، مثل أن يبيع الدين الذي حل بدين أكثر مؤجلاً، فيقول: عندك الآن مائة صاع من البر وقد حل، ولكن ليس عندك، أبيعه عليك بمائة صاع من التمر مؤجلاً، ومائة الصاع من التمر أكثر قيمة من مائة الصاع من البر، فهذا لا يجوز لئلا يتخذ حيلة إلى قلب الدين.
    إذاً بيع الدين بالدين: إذا باع ما في ذمة الغير لنفسه وهو مما يشترط فيه التقابض وجب القبض، وإذا كان لا يجب فيه التقابض فلا بأس أن يتأخر القبض لكن بشرط ألاّ تزيد القيمة لتأخر القبض.
    مثاله: هذا الرجل في ذمته لفلان مائة ريال فجاء المطلوب وقال: ليس عندي مائة ريال، بل عندي عشرة دنانير، والدينار يساوي عشرة ريالات، قال: أعطني عشرة دنانير عن المائة، فهذا يجوز بشرط التقابض؛ لأنه بيع دراهم بدنانير، أما لو قال: أنا ليس عندي مائة ريال، وليس عندي دنانير لكن عندي بر، والصاع منه يساوي درهماً، فيكون عوض مائة الدرهم مائة صاع، قال: أنا أعطيك مائة صاع عن مائة درهم فوافق فلا يشترط التقابض؛ لأن بيع البر بالدراهم لا يشترط فيه التقابض؛ لعدم اتفاقهما في علة ربا الفضل.
    أما لو قال: أنا أقبل البر؛ لكن أعطني عن مائة الدرهم مائة صاع وعشرة أصواع فهذا لا يجوز؛ لأنه ربح في شيء لم يدخل في ضمانه.
    أما لو قال: أنت فقير أعطني بدل مائة الدرهم ثمانين صاعاً فهذا يجوز، لأنه يُعتبر إحساناً منه حيث اقتصر على بعض حقه، إذ إن حقه أن يكون مائة صاع، لكنه اختار ثمانين صاعاً، فصار كلام المؤلف ليس على إطلاقه: «لا يصح بيع الدين بالدين»، بل لا بد فيه من التفصيل، وصار حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ[(312)] ميزاناً في هذا الأمر، أي: في بيع الدين على من هو عليه.
    أما بيع الدين على غير من هو عليه فلا يجوز إلا على قادر على أخذه، ولكن إذا قلنا: يجوز إذا كان قادراً على أخذه لا بد أن يكون المدين قد أقر بالدين، أما إذا كان منكراً، وجاء إنسان وقال: أنا أريد أن أشتري دين فلان الذي هو لك وهو منكر ولم يقر، ولكن قال: أخاطر فأشتريه وأطالبه عند القاضي، فلا يجوز؛ لأنه مخاطرة، لكن كلامنا فيما إذا باع ديناً في ذمة مقر على شخص قادر على استخراجه، فالصواب أنه جائز، لأنه لا دليل على منعه، والأصل حل البيع لقول الله تعالى: {{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}} [البقرة: 275] .
    فَصْلٌ
    وَمَتَى افْتَرَقَ الْمتَصَارِفَان قَبْلَ قَبْضِ الكُلِّ أو البَعْضِ بَطَلَ العَقُدُ فِيْمَا لَمْ يُقْبَضْ.
    قوله: «فصل» هذا الفصل ذكر فيه المؤلف حكم الصرف وهو بيع النقد بالنقد، وهذا لا يخرج عن ما سبق من القواعد في الربا، لكن خصّوه بفصل لطول فروعه والكلام عليه.
    قوله: «ومتى افترق المتصارفان» المتصارفان هما المتبايعان بالصرف، والصرف في اللغة الصوت، ومنه ما جاء في حديث المعراج: «حتى بلغ مكاناً سمع فيه صريف الأقلام»[(313)]، يعني صوتها، والصرف بيع نقد بنقد، تبيع مثلاً ذهباً بفضة أو فضة بفضة يعني دراهم بدراهم أو دراهم بدنانير، وسمي صرفاً لأنهم كانوا يزنون الدراهم والدنانير، يتبايعون بالوزن، حينما نضعها في الميزان يكون لها صريف، أي: صوت ولهذا سمي صرفاً.
    قوله: «قبل قبض الكل أو البعض بطل العقد فيما لم يقبض» أي: وصح فيما قبض.
    مثال ذلك: اشترى مائة درهم بعشرة دنانير فهذا صرف، فإذا استلم كل واحد منهما ما آل إليه صح العقد، أي: تبين أن العقد صحيح، وإذا سلمه خمسين درهماً فقط وتفرقا، صح العقد في خمسين الدرهم ويقابلها خمسة دنانير والباقي لا يصح، وهذا بناء على تفريق الصفقة وأنه يمكن أن يصح بعضها دون بعض؛ لأن الحكم يدور مع علته، فما وجد فيه شرط الصحة فهو صحيح، وما لم يوجد فيه شرط الصحة فليس بصحيح.
    مثال آخر: أعطاه ديناراً يصرفه بعشرة دراهم فلم يجد إلا خمسة دراهم، فهل يصح؟
    نقول: يصح العقد فيما قبض، ولا يصح فيما لم يقبض، فيصح العقد في نصف الدينار، ويبقى نصفه أمانة عند البائع، فيكون هذا الدينار مشتركاً بين البائع والمشتري.
    وفائدة ذلك أنه لو زاد سعر الذهب فيما بين هذه الصفقة، وبين استلام حقه إذا وجد الآخر بقية الدراهم، فإذا تغير السعر فهو على حساب صاحبه، فمثلاً لو كان حين صرف الدينار بالدراهم يساوي الدينار عشرة دراهم، ثم صار يساوي عشرين درهماً فإنه يبقى نصف الدينار بعشرة دراهم؛ لأن ما بقي من الدينار بقي عند الآخر وديعة، ولا يصح العقد فيه.
    فإن لم يسلم شيئاً إطلاقاً بطل العقد في الجميع، وهذه المسألة نظيرها إذا اشترى الإنسان حلياً من شخص بعشرة آلاف ريال وسلمه خمسة آلاف ريال فقط، والباقي قال: أحضره لك غداً فإنه يصح في النصف، والباقي لم يدخل في ملكه ولا يصح فيه العقد، فإن لم يعطه شيئاً بأن قال: سآتيك بالدراهم بعد العصر وأعطني الحلي الآن، بطل العقد في الجميع، فإن قال المشتري: أنا ليس عندي دراهم وأريد أن أشتري منك حلياً، فقال البائع: أنا أسلفك، فسلفه عشرة آلاف ريال ثم ردها على البائع فهذا حيلة بلا شك، فلا يجوز؛ لأن مفاسد المحرمات لا تزول بالحيل عليها، بل إن الحيل لا تزيد المفاسد إلا مفاسد، أما لو سلفه آخر فلا بأس.
    وقوله: «بطل العقد فيما لم يقبض» وجه ذلك أن القبض شرط لصحة العقد؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «بيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد»[(314)] .

    والدّرَاهِمُ والدّنَانِيْرُ تَتَعَيَّنُ بِالتّعْيينِ فِي العَقْدِ، فَلاَ تُبَدّلُ.
    قوله: «والدراهم والدنانير تتعين بالتعيين في العقد فلا تبدل» هذه مسألة خلافية، ويترتب على الخلاف فيها عدة مسائل ذكرها ابن رجب ـ رحمه الله ـ في آخر كتاب «القواعد»، هل الدراهم والدنانير تتعين بالعقد أو لا؟ في ذلك خلاف بين العلماء، منهم من قال: إنها لا تتعين؛ لأن المقصود واحد، فالمقصود بالدينار هذا والدينار هذا واحد، إنما اختلفا في عينهما فقط، وهذا لا يدل على أن الدراهم تتعين بالتعيين بالعقد.
    ومنهم من قال: بل تتعين.
    مثال ذلك: اشتريت منك هذا الثوب بهذا الدرهم، فالثوب الآن معين ولا إشكال فيه، ولهذا لو أراد البائع أن يبدل الثوب لم يستطع ذلك إلا بموافقة المشتري، لكن المشتري عين هذا الدرهم، فهل يتعين هذا الدرهم؟
    فإذا قلنا بالتعيين فإن المشتري لا يمكنه أن يبدلها؛ لأنه لما عيَّنَها ووقع العقد على عينها، وتم العقد صارت ملكاً للبائع، فلا يمكن أن يبدلها المشتري، كما أن البائع لا يمكن أن يبدل الثوب، أما إذا قلنا: إنها لا تتعين فله أن يبدلها، ويأخذ من جيبه درهماً غير الذي عينه ويسلمه للبائع، هذا مما يترتب على الخلاف، فإذا قلنا: إنها تتعين بالتعيين بالعقد فإنها لا تبدل، وإن قلنا: إنها لا تتعين فإنها تبدل؛ لأنه لا فرق بين هذا الدرهم وهذا الدرهم.
    وفي الأوراق النقدية كذلك، لو قال: اشتريت منك هذا الثوب بهذه العشرة، ثم أراد أن يعطيه بدلاً عنها عشرة أخرى، فهل له أن يبدلها؟ على الخلاف، إن قلنا: إنها تتعين بالتعيين لم يملك أن يبدلها، وإن قلنا: لا تتعين ملك، والأقرب إلى مقصود الناس عدم التعيين، إذ إن البائع لا يهمه أن تكون هذه العشرة أو العشرة الأخرى.
    ثم إنه ـ أيضاً ـ يمكن أن يختلف، فلو أنه اختلف بأن أخرج العشرة فإذا هي ورقة جديدة فأراد أن يغيرها إلى ورقة أخرى قديمة قد تكون آيلة إلى التلف عن قرب، فهل له أن يغير؟ على الخلاف، لكن حتى إذا قلنا: إنها لا تتعين فإنه في هذه الحال للبائع أن يقول: لا أريد هذا، ففرق بين ورقة آيلة للتلف عن قرب، وورقة جديدة، فالغرض هنا يختلف فالظاهر أنه حتى لو قلنا: إنها لا تتعين، فإنها في هذه الصورة تتعين؛ لأن الرغبة عند الناس تختلف بين هذا وهذا، فإن بدلت فهو عقد جديد على هذه الدراهم الجديدة.

    وَإِنْ وَجَدَهَا مَغْصُوبَةً بَطَلَ.
    قوله: «وإن وجدها مغصوبة بطل» الضمير يعود على الدراهم أو الدنانير التي عينها في العقد، أي: تبين أنها مغصوبة فإن العقد يبطل؛ لأنه وقع على عين مغصوبة لا يملك الغاصب أن يتصرف فيها، وتصرفه فيها باطل فيبطل العقد.
    مثال ذلك: إنسان غصب درهماً من شخص، ثم جاء إلى صاحب الدكان، وقال: اشتريت منك هذا الثوب بهذا الدرهم، فتبين أن الدرهم مغصوب، فَمَالِكُ هذا الدرهمِ ليس المشتري، فهذا المشتري أجرى العقد على ما لا يملكه، والعقد على ما لا يملكه باطل، فيكون العقد باطلاً، كما لو كان الأمر بالعكس، بأن اشترى ثوباً بدرهم، فتبين أن الثوب مغصوب فلا يصح العقد؛ لأن المبيع يتعين بالتعيين، لا إشكال فيه، وعلى القول بأن الدراهم لا تتعين بالتعيين، إذا تبين أن الدراهم التي عيّنها مغصوبة أو مسروقة أو ما أشبه ذلك فهنا لا يبطل العقد، ويرد المغصوب إلى مالكه ويلزم المشتري ببدله.
    فإذا قال البائع: أنا بعت عليك بثمن معين وقبضته، والآن لما تبين أنه ملك للغير فإني أريد أن أفسخ العقد؛ لأني أخشى أن تماطل بي فما الجواب؟.
    الجواب: على الخلاف هل يفسخ لإعسار المشتري أو لا؟ لكن في هذه الصورة ينبغي أن يقال: بأن له الفسخ قولاً واحداً؛ وذلك لأن هذا الرجل خدعه وغره وخانه، ولا ينبغي أن يعامل الخائن إلا بما يردعه عن خيانته.
    إذاً إذا وجدها مغصوبة أو مسروقة أو منهوبة، المهم تبين أنها ليست ملكاً للمشتري، فإن العقد يبطل على القول بأنها تتعين.

    وَمَعِيْبَةً مِنْ جِنْسِهَا أمْسَكَ أوْ رَدَّ.
    قوله: «ومعيبة من جنسها أمسك أو رد» أمسك يعني بلا أرش، أو رد.
    مثال ذلك: اشترى ديناراً بدينار ثم وجد أن الدينار معيب من جنسه، أي: مخلوط معه ذهب رديء، فالبيع واقع على دينار بدينار، ويشترط في بيع الدينار بالدينار التساوي، فهذا الرجل وجد أن الدينار الذي عينه معيباً من جنسه، فماذا نقول؟ نقول له: أنت الآن بالخيار إن شئت فأمسك بلا أرش، وإن شئت فرد، أما كونه يرد فواضح؛ لأنه معيب، وهو لم يشتر إلا شيئاً سالماً، وأما كونه بلا أرش، فلأن الأرش يستلزم زيادة في بيع الجنس بجنسه، ومعلوم حسب ما مر علينا من القواعد أن بيع الجنس بجنسه يشترط فيه التماثل، ولهذا قال: «أمسك» أي بلا أرش «أو رد» .
    وعلم من قول المؤلف ـ رحمه الله ـ «من جنسه»، أنه إذا كان من غير الجنس فإنه لا يصح العقد إذا وجدها معيبة من غير الجنس، فنقول: ليس فيه خيار بل هو باطل.
    مثال ذلك: باع درهماً بدرهم، ووجد أن أحد الدرهمين معيب بنحاس فهنا يبطل العقد؛ لأن العيب من غير الجنس، فيكون من باب «مد عجوة ودرهم» لأنه باع جنساً بجنسه، ومع أحدهما من غير الجنس فلا يصح.
    وهذا كله بناءً على أن الدنانير والدراهم تتعين بالتعين بالعقد، أما إذا قلنا: إنها لا تتعين، فإنه إذا وجدها معيبة يبقى العقد على ما هو عليه، ويطالب ببدلها سليماً.

    وَيَحْرُمُ الرِّبا بَيْنَ المُسْلِمِ والحَرْبِيِّ، وَبَيْنَ المُسْلِمِيْنَ مُطْلَقاً بِدَارِ إِسْلاَمٍ وحَرْبٍ.
    قوله: «ويحرم الربا بين المسلم والحربي» تحريم الربا ثابت بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وهذا من حيث الجملة إذ إن العلماء يختلفون في بعض المسائل اختلافاً كثيراً، أما الكتاب فنص صريح في قول الله تعالى: {{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}} [البقرة: 275] ، وأما السنة فقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه: «لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه»[(315)] ، وهذا يقتضي أن يكون الربا من كبائر الذنوب، وأما الإجماع فلم يختلف المسلمون في أن الربا محرم وإن اختلفوا في بعض المسائل، مثل اختلافهم في علة الربا وهل يتعدى الحكم إلى غير المنصوص عليه أو لا؟ وكما مر علينا فيما سبق أن هناك اختلافاً، لكن في الجملة هم مجمعون على تحريم الربا، كما نقول مثلاً: إن العلماء مجمعون على وجوب الزكاة وإن كانوا مختلفين في بعض الأشياء هل فيها زكاة أو ليس فيها.
    وقوله: «يحرم الربا بين المسلم والحربي» كما يحرم بين المسلمين، والحربي مباح الدم والمال بالنسبة لنا، فماله حلال لو أخذناه قهراً فهو لنا، لكن عند المعاملة تُجرى المعاملة على ما تقتضيه الشريعة، ثم إن الحربي إذا عاقدت معه فإن العقد نوع من العهد، وقد قال الله: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}} [المائدة: 1] ، وقال: {{وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً}} [الإسراء: 34] ، والربا في الشريعة محرم، والنصوص عامة، فيحرم الربا بين المسلم والحربي، فلو أن إنساناً وجد حربياً، ومعه مال وليس بقادر على أخذه منه قهراً، فقال: أنا أريد أن أشتري منك مائة دينار بخمسين ديناراً فإن ذلك لا يجوز، أو مائة صاع برّ جيد بخمسين صاعاً رديئاً مثلاً أو بالعكس فإنه حرام؛ لأنه متى جرى الأمر بصورة العقد وجب أن يطبق على ما تقتضيه الشريعة.
    وقال بعض العلماء: إنه لا يحرم الربا بين المسلم والحربي وأنه يجوز لك أن تتعامل مع الحربي بالربا؛ لأن ماله مباح كما أن دمه مباح، ولكن هذا قياس في مقابلة النص فيكون فاسد الاعتبار.
    وبين المسلم والذمي من باب أولى أن يكون الربا جارياً؛ لأن مال الذمي محترم.
    قوله: «وبين المسلمين مطلقاً» أي: يحرم ـ أيضاً ـ الربا بين المسلمين مطلقاً، وهذا الإطلاق فسره:
    بقوله: «بدار إسلام وحرب» بدار إسلام كالبلاد الإسلامية، ودار حرب كالبلاد الحربية إذا دخلها المسلم بأمان وتبايع مع حربي، أو مع مسلم فإنه يحرم الربا؛ وذلك لعموم الأدلة.
    ومن العلماء من اعتبر الدار، وقال: إن الدار إذا كانت دار حرب فلا ربا فيها بين المسلمين وأهل الحرب، وهذا أبعد من القول الأول؛ لأن دار الحرب لا تغير الحكم، والنصوص عامة، والعقود يجب أن تجرى على ما تقتضيه الشريعة.
    مسائل في «الروض»[(316)]:
    يقول: «لا ربا بين السيد ورقيقه» فيجوز للإنسان أن يشتري ثلاثة دراهم بدرهمين من رقيقه؛ لأن المال ماله لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من باع عبداً له مال فماله للذي باعه»[(317)] .
    وهل يجري بين الأب وابنه؟
    الجواب: نعم يجري بين الأب وابنه؛ لأن مال الابن مستقل، ومال الأب مستقل، وكون الأب يملك أن يتملك من مال ولده ما شاء لا يعني أن مال ولده ملك له، وأما قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أنت ومالك لأبيك»[(318)] ، فمراده أن لأبيك أن يتملك من مالك، وليس معناه أنك ملك لأبيك، أو أن مالك ملك له، فإن هذا يمنعه الإجماع، فالابن ليس ملكاً لأبيه، وإذا كان الابن ليس ملكاً لأبيه فماله ليس ملكاً له، ولهذا قال الله تعالى: {{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ}} [النساء: 11] ، فجعل الميراث جارياً بين الآباء والأبناء، ولو كان ملك الأبناء للآباء لم يكن هناك جريان للإرث.
    وهل يجري الربا بين الزوج وزوجته؟
    الجواب: نعم يجري.
    مسألة: تشتري الأختان أحياناً حلياً، ثم إذا وصلتا إلى البيت قالت إحداهما: هذا الحلي لا أريده، فقالت الأخرى: أنا أريده، فقالت: نتبادل، وبينهما تفاضل، يعني هذه أسورتها واسعة وثقيلة وهذه بالعكس، فقالت: ليس بيننا حساب خذي الأسورة التي لي، وآخذ التي لك وأتنازل، فهذه أسورتها مثلاً عشر أواق وهذه خمس عشرة أوقية، والفقهاء يقولون: البيع مبادلة مال بمال، فهذا الذي في هذه المسألة تبادل، فإن قالوا: تنازل، قلنا: التنازل لا يجوز إذا أدى إلى فعل محرم، وهذا يؤدي إلى فعل محرم، وإذا كانت تريد أن تتنازل عن الحلي لأختها مجاناً لا مانع، لكن بعوض والتفاضل بينهما ممنوع ولا ينفع كلمة «تنازل»؛ فالحقائق إذا سميت بغير اسمها لا تتغير، وإلا فالكفار يسمون الخمر الشراب الروحي، وقد أشار النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى قوم يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها[(319)]، فالأسماء لا تغير حقائق المسميات.
    إذاً يجري الربا بين الأقارب كلهم، وليس أحد يعامل أحداً بربا، وليس بينهما ربا إلا السيد مع رقيقه، وحقيقة الأمر أن تعامل السيد والرقيق ليس معاملة حقيقية؛ وإنما هي صورة معاملة؛ إذ إن مال الرقيق للسيد.
    قوله: «وإذا كان له على آخر دنانير فقضاها دراهم شيئاً فشيئاً»[(320)].
    مثاله: إنسان في ذمته عشرة دنانير لشخص فقضاها دراهم شيئاً فشيئاً، فإن كان يعطيه كل درهم بحسابه من الدنانير صح؛ فالدنانير عشرة تساوي مائة، فصار هذا المطلوب كلما جاء بعشرة دراهم قال: هذه مقابل دينار فهذا يصح؛ لأن صاحب الدنانير قد قبضها في الواقع إذ هي عنده، وإن كان لا يقول هكذا لكنه يأتي كل يوم بعشرة دراهم حتى انتهى وسلمه مائة فإنه لا يصح.
    قال: «وإن لم يفعل ذلك ثم تحاسبا بعده فصارفه بها وقت المحاسبة لم يجز؛ لأنه بيع دين بدين، وأن قبض أحدهما من الآخر ما له عليه، ثم صارفه بعين وذمة صح»[(321)].
    «إن لم يفعل» أي: إن لم يعطه كل درهم بحسابه يقول: هذا في مقابل كذا «ثم تحاسبا بعد» يعني بعد أن تمت الدراهم تحاسبا، وصارفه بها وقت المحاسبة لم يجز؛ لأنه بيع دين بدين، صار يأتي كل يوم بعشرة دراهم فانتهت المائة، وقال: الآن نتصارف فما عندك من المائة مقابل ما علي من الدنانير؛ ولم يحضر لا دنانير ولا دراهم، إذاً هو بيع دين بدين، بيع ما في ذمة المطلوب ـ دنانير ـ بما استلمه الطالب من الدراهم فلا يصح.
    والطريق أن يحضر إحداهما ولهذا قال: «وإن قبض أحدهما من الآخر ما له عليه، ثم صارفه بعين وذمة صح» فيقال: أحضر عشرة دنانير ثم بعد ذلك قل: هذه الدنانير هي مقابل ما عندك من الدراهم، وهي مائة فيكون الصرف الآن عيناً بذمة، وإن أحضر كل واحد ما عنده فيصح من باب أولى؛ لأنه الآن صرف عين بعين.
    والصحيح أنه يصح في هذه المسألة وفيما إذا تصارفا في الذمة؛ لأن ظاهر حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «كنا نبيع الإبل بالدراهم ونأخذ الدنانير، ونبيع بالدنانير ونأخذ الدراهم» [(322)] أنه لا تحضر الدراهم ويقع العقد على عينه فهذا ظاهر الحديث، ولأن التقابض قبل التفرق قد حصل، فالدراهم الآن في ذمتك والدنانير الآن في ذمتي، وتفرقنا وليس بيننا شيء، فالصحيح أنه يصح، وأنه ليس من باب بيع الدين بالدين، وإنما المنهي عنه من بيع الدين بالدين ما سبق تصويره ومر علينا.
    مسألة : إذا اشترى إنسان أشياء من بقالة وكان يحاسبه كل شهر، فإذا انتهى الشهر قال: كم علي؟ قال البقال: كذا وكذا، فسلمه دون أن يعين الدراهم حين تسليمها فهذا يجوز، وهذا مما يؤيد القول بأنهما إذا تصارفا في الذمة، وكان كل واحد منهما قد قبض ما يؤول إليه فإنه صحيح.
    لا اله الا انت سبحانك انى كنت من الضالمين

    تعليق


    • #3
      [272] أخرجه مسلم في البيوع/ باب لعن آكل الربا ومؤكله (1598) عن جابر ـ رضي الله عنه ـ.
      [273] سبق تخريجه ص(207).
      [274] أخرجه البخاري في الجهاد/ باب قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «نصرت بالرعب مسيرة شهر» (2977)؛ ومسلم في الصلاة/ باب المساجد ومواضع الصلاة (523) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
      [275] أخرجه أبو يعلى في «مسنده الكبير» كما في «المطالب العالية» (3851) من حديث عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ.
      قال الهيثمي في المجمع (1/173): «فيه عبد الرحمن بن إسحق ضعفه أحمد وجماعة»، وأخرجه الدارقطني (4/144) عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال في التعليق المغني: «في إسناده زكريا بن عطية قال أبو حاتم: منكر الحديث»، قال الألباني: «لكن في معناه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أعطيت فواتح الكلم وجوامعه وخواتمه، وهو حديث صحيح»، انظر التعليق على بداية السول في تفضيل الرسول صلّى الله عليه وسلّم (74) والصحيحة (1483).
      [276] أخرجه البخاري في الزكاة/ باب نص صدقة الفطر (1503) ومسلم في الزكاة/ باب زكاة الفطر على المسلمين... (984) (16).
      [277] أخرجه مسلم في المساقاة/ باب بيع القلادة فيها خرز وذهب (1591) (90) عن فضالة بن عبيد ـ رضي الله عنه ـ.
      [278] سبق تخريجه ص(207).
      [279] سبق تخريجه ص(207).
      [280] سبق تخريجه ص(207).
      [281] سبق تخريجه ص(207).
      [282] سبق تخريجه ص(207).
      [283] أخرجه البخاري في البيوع/ باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه (2201) (2202)؛ ومسلم في المساقاة/ باب بيع الطعام مثلاً بمثل (1593) (95) عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة ـ رضي الله عنهما ـ.
      [284] أخرجه الإمام أحمد (2/171)، وأبو داود في البيوع/ باب في الحيوان بالحيوان والرخصة في ذلك (3357)؛ والحاكم (2/56)؛ والبيهقي (5/287) عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ.
      وقال الحاكم: (صحيح على شرط مسلم) ووافقه الذهبي؛ وصححه البيهقي، قال الحافظ في «الدراية» (2/159): «في إسناده اختلاف لكن أخرجه البيهقي من وجه آخر قوي، وحسنه الألباني في «الإرواء» (5/205).
      [285] أخرجه مالك في «الموطأ» (2/655)؛ وأبو داود في المراسيل ص(178)؛ وعبد الرزاق (14162)؛ والدارقطني (3/71)؛ والبيهقي (5/296) عن سعيد بن المسيب مرسلاً.
      وقال ابن عبد البر في «التمهيد» (4/322): لا أعلم هذا الحديث يتصل من وجه ثابت من الوجوه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وأحسن أسانيده مرسل سعيد بن المسيب هذا.اهـ.
      [286] أخرجه أبو داود في المراسيل (166) عن سعيد بن المسيب مرسلاً، وأخرجه الإمام مالك (2/655) عن سعيد بلفظ: «نهى عن بيع اللحم بالحيوان»، انظر: نصب الراية (4/39).
      [287] سبق تخريجه ص(207).
      [288] سبق تخريجه ص(207).
      [289] أخرجه البخاري في البيوع/ باب تفسير العرايا (2192) ومسلم في البيوع/ باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا (1539) عن زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ.
      [290] سبق تخريجه (409).
      [291] أخرجه مالك (2/624)؛ وأحمد (1/175)؛ وأبو داود في البيوع/ باب في التمر بالتمر (3359)، والترمذي في البيوع/ باب ما جاء في النهي عن المحاقلة والمزابنة (1225)؛ والنسائي في البيوع/ باب اشتراء التمر بالرطب (7/268)؛ وابن ماجه في التجارات/ باب بيع الرطب بالتمر (2264) عن سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ.
      قال الترمذي: «حسن صحيح»؛ وصححه ابن حبان (4997)؛ والدارقطني كما في «سننه» (3/49)، وانظر: «التلخيص» (1142).
      [292] أخرجه البخاري في البيوع/ باب بيع الدينار بالدينار نساء (2178)؛ ومسلم في البيوع/ باب بيع الطعام مثلاً بمثل(1596) (104) .
      [293] أخرجه البخاري في الأطعمة/ باب الأكل في إناء مفضض (5426) ومسلم في اللباس/ باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة (2067) عن حذيفة ـ رضي الله عنه ـ.
      [294] أخرجه البخاري في الزكاة/ باب الصدقة قبل العيد (1510).
      [295] سبق تخريجه ص(418).
      [296] سبق تخريجه (ص397).
      [297] سبق تخريجه ص(211).
      [298] أخرجه أبو داود في البيوع/ باب قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «المكيال مكيال أهل المدينة» (3340)؛ والنسائي في البيوع/ باب الرجحان في الوزن (7/284) عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ وصححه ابن حبان (3283) «إحسان»، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وصححه الدارقطني والنووي وابن دقيق العيد والعلائي، قاله المناوي في «فيض القدير» (6/374)؛ وصححه الألباني في «الإرواء» (5/191).
      [299] سبق تخريجه ص(396).
      [300] سبق تخريجه ص(422).
      [301] سبق تخريجه ص(420).
      [302] أخرجه البخاري في البيوع/ باب بيع الدينار بالدينار نساء (2178)، (2179) ومسلم في البيوع/ باب بيع الطعام مثلاً بمثل (1956).
      [303] أخرجه مسلم في البيوع/ باب الصرف وبيع الورق نقداً (1584) (82) عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ.
      [304] سبق تخريجه ص(207).
      [305] سبق تخريجه ص(149).
      [306] سبق تخريجه ص(207).
      [307] سبق تخريجه ص(397).
      [308] القلائص: جمع قلوص وهي الناقة المسنة.
      [309] سبق تخريجه ص(410).
      [310] سبق تخريجه ص(209).
      [311] وهو قوله: «كنا نبيع الإبل...» وقد سبق ص(208).
      [312] سبق تخريجه ص(208).
      [313] أخرجه البخاري في الصلاة/ باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء (349)؛ ومسلم في الإيمان/ باب الإسراء بالرسول صلّى الله عليه وسلّم (163) عن ابن عباس وأبي حبة الأنصاري ـ رضي الله عنهم ـ.
      [314] سبق تخريجه ص(207).
      [315] سبق تخريجه ص(392)..
      [316] الروض مع حاشية ابن قاسم (4/529)
      [317] سبق تخريجه ص(61).
      [318] سبق تخريجه ص(131).
      [319] أخرجه الإمام أحمد (5/342) وأبو داود في الأشربة/ باب في الداذي (3688) وابن ماجه في الفتن/ باب العقوبات (4020) عن أبي مالك الأشعري ـ رضي الله عنه ـ، وأخرجه النسائي في الأشربة/ باب منزلة الخمر (8/312) عن رجل من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، وصححه الألباني في الصحيحة (90).
      [320] الروض مع حاشية ابن قاسم (4/529).
      [321] الروض مع حاشية ابن قاسم (4/529).
      [322] سبق تخريجه ص(208).


      اللهم صلى سيدنا محمد واله وصاحبه اجمين
      لا اله الا انت سبحانك انى كنت من الضالمين

      تعليق


      • #4



        بوركت أخي بلاعو على مواضيعك النافعة دائماً والمتميزة

        زادك الله وإيَّانا عِلماً وتفقُّهاً ويقيناً بالدين

        وجزاك الله خير على دروسك القيِّمة والمفيدة

        وغفر الله لك ولوالديك

        اللهم امين

        تحياتي


        تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

        قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
        "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
        وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

        تعليق


        • #5
          الله يبارك فيك ويخليك اخى الحبيب صباحو
          على كلامك الدى يدل على نبلك وصدقك وحسن اخلاقك
          غفر لك ولوالديك وادخلك الفردوس الاعلى مع النيين والشهدا والصدقين
          الهم امين
          لا اله الا انت سبحانك انى كنت من الضالمين

          تعليق


          • #6
            بارك الله فيك اخي بلاعو



            تعليق


            • #7
              وفيك بارك الله اخى الفقير جزاك الهم كل خير اخى الحبيب
              اسعدنى مرورك الطيب اخى
              لا اله الا انت سبحانك انى كنت من الضالمين

              تعليق

              يعمل...
              X