إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

السنن الموسمية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • السنن الموسمية

    بسم الله الرحمن الرحيم


    الحلقة (1)



    حكم التهنئة بمناسبة العام الجديد





    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
    فقد كثر في نهاية السنة وبداية السنة الجديدة رسائل تتداول في الجوال وفي النت بالتهنئة بمناسبة العام الجديد، وطلب الإكثار من العبادة والاستغفار أو بالصيام في آخر أيام السنة أو أول أيام السنة الجديدة، ومحاسبة النفس، أو بإحياء أول ليلة السنة الجديدة بأذكار أو عبادات خاصة، ومن الناس من يستقبل العام الجديد بمعاصي ومنكرات مثل السهرات الراقصة وغيرها، ولذا كثر السؤال عن ذلك؟
    فإجابة على ذلك نقول:
    قد جاء في الصحيح عن عائشة -رضي الله عنه- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
    "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد" رواه البخاري.

    الراوي: عائشة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 5970 خلاصة حكم المحدث: صحيح


    فدل هذا الحديث الشريف على أن كل مالم يرد به الشرع إذا فعل على سبيل التعبد فهو مردود ، ولا شك أن هذه الأمور التي ترد في نهاية العام أو بداية العام الجديد، من التهنئة و الحث على عبادة خاصة أو المحاسبة لم ترد في الشرع أما استقبال العام الجديد بالمعاصي و المنكرات فالأمر أشد.
    وعلى ذلك فالتهنئة بمناسبة العام الجديد، إذا قصد بذلك التعبد فلا يجوز لأنه لا أصل له، ويخشى أن يكون فيه تشبه بأهل الكتاب مما يجعله عيداً، ولذا قرر بعض العلماء أنه بدعة أيضاً، أما إذا كان من أمور العادات فليس ببدعة ما لم يرد به تعبداً، والأولى تجنبه.
    وأما تخصيص نهاية العام أو بدايته بعبادة فهو: بدعة في الدين، ويسميها أهل العلم: (بدعة إضافية)؛ لأن العمل إذا كان أصله مشروعاً وكان مطلقاً؛ كالصوم أو الاستغفار أو الدعاء، ثم قيد بسبب أو عدد أو كيفية أو مكان أو زمان؛ كنهاية العام الهجري، أصبح هذا الوصف الزائد بدعة مضافة إلى عمل مشروع، وإضافة هذه الأوصاف إلى العبادة المطلقة غير معقول المعنى على التفصيل، فأصبح مضاهياً للطريقة الشرعية التعبدية وهذا وجه الابتداع فيها.
    وما يرد في الرسائل بمناسبة نهاية العام بأن (صحف هذا العام تطوى ولا تفتح إلا يوم القيامة، فاختم عامك بالتوبة والاستغفار والصيام، وتحلل من الآخرين) وما أشبه ذلك. فهذا غير صحيح؛ فإن باب التوبة مفتوح للمسلم ما لم يحضره الموت أو تطلع الشمس من مغربها كما ثبت ذلك في الكتاب والسنة.
    كما أن المطلوب من المسلم أن يحاسب نفسه وأقواله وأفعاله كل يوم بل في كل حين، وليس في نهاية العام وقتاً يشرع فيه محاسبة الإنسان نفسه ثم ينسى الله تعالى ويغفل عن الطاعات ويشتغل بالشهوات.
    والواجب هو الحرص على التزام الكتاب والسنة ومنهج سلف الأمة الصالح، والحذر من الابتداع والتوسع فيما لم يرد به دليل، ولو كان خيراً لسبقنا الصحابة رضوان الله عليهم والسلف الصالح رحمهم الله إليه مع قيام الداعي لمثله في زمنهم، فعدم فعلهم يدل على عدم مشروعيته.
    قال ابن مسعود رضي الله عنه : ( اتبعوا ولاتبتدعوا فقد كفيتم )
    الراوي: - المحدث: الألباني - المصدر: إصلاح المساجد - الصفحة أو الرقم: 12 خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح


    وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه...
    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين،،،

    تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

    قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
    "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
    وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية


  • #2
    الحلقة (2)


    صيام شهر محرم



    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل) أخرجه مسلم (1).

    1.الحديث دليل على فضل صيام شهر الله المحرم، وأن يلي فضل شهر رمضان في الأفضلية، وفضل الصيام فيه جاء من فضل أوقاته وتعظيم الأجر فيه، لأن الصيام من أفضل الأعمال عند الله تعالى.

    2.شهر الله الحرام هو الشهر الذي تبدأ به السنة الهجرية، كما تم الاتفاق على ذلك في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وهو أحد الأشهر الحرم التي ذكر الله في كتابه فقال تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)(2) وعن أبي بكرة - رضي الله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (... السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم، ثلاث متوالية: ذو القعدة وذو الحجة و المحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان) متفق عليه(3).

    وقوله تعالى: (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) أيّ: في هذه الأشهر المحرمة لأنها آكد وأبلغ في الإثم من غيرها، قال قتادة: (إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئةً ووزراً من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيماً، ولكن الله يُعَظِّمُ من أمره ما يشاء)(4).

    3.أضاف الله تعالى هذا الشهر إليه تشريفاً وتعظيماً لأن الله تبارك وتعالى لا يضيف من الأشياء إليه إلا خواصّها؛ كبيت الله، ورسول الله، ونحو ذلك.
    وسُمّي محرمّاً تأكيداً لتحريمه، لأن العرب كانت تتقلب فيه؛ فتُحلّه عاماً وتُحرمّه عاماً، قال ابن رجب: و قد سمى النبي صلى الله عليه و سلم المحرم شهر الله، و إضافته إلى الله تدل على شرفه و فضله فإن الله تعالى لا يضيف إليه إلا خواص مخلوقاته كما نسب محمدا و إبراهيم و إسحاق و يعقوب و غيرهم من الأنبياء إلى عبوديته و نسب إليه بيته و ناقته. و لما كان هذا الشهر مختصا بإضافته إلى الله تعالى كان الصيام من بين الأعمال مضافا إلى الله تعالى فإنه له من بين الأعمال ناسب أن يختص هذا الشهر المضاف إلى الله بالعمل المضاف إليه المختص به و هو الصيام. وقد قيل في معنى إضافة هذا الشهر إلى الله عز وجل أنه إشارة إلى أن تحريمه إلى الله عز و جل ليس لأحد تبديله كما كانت الجاهلية يحلونه ويحرمون مكانه صفرا فأشار إلى أنه شهر الله الذي حرمه فليس لأحد من خلقه تبديل ذلك و تغييره(5).

    4.جعل الله هذه الشهور الهلالية مواقيت للناس، لأنها علامات محسوسة يعرف كل أحد بدايتها ونهايتها، ومما يؤسف عليه أن كثيراً من المسلمين تركوا التاريخ الهجري، وأخذوا بتاريخ النصارى الميلادي، المبني على أشهر وهمية غير مبنية على مشروع ولا معقول ولا محسوس. وهذا دليل الضعف والانهزامية والتبعية لغير المسلمين، ومن مفاسده: ربط المسلمين وناشئتهم بتاريخ النصارى، وإبعادهم عن تاريخهم الهجري الذي ارتبط برسولهم -صلى الله عليه وسلم- وبشعائر دينهم وعبادتهم. فالله المستعان.

    5.دل الحديث على أن أفضل ما يتطوع به من الصيام بعد رمضان صوم شهر الله المحرم، والظاهر أن هذا محمول على أنه أفضل شهر يُتطوّع بصيامه بعد رمضان، أما التطوع بصيام بعض الأيام منه فقد يكون بعض الأيام أفضلَ من أيامه؛ كيوم عرفة وستة أيام من شوال، قاله ابن رجب في لطائف المعارف احتمال، ثم قالو يشهد لهذا ما خرجه الترمذي من حديث علي أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال:(يا رسول الله أخبرني بشهر أصومه بعد شهر رمضان ؟ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: إن كنت صائما شهرا بعد رمضان فصم المحرم فإنه شهر الله و فيه يوم تاب الله فيه على قوم و يتوب على آخرين ) وفي إسناده مقال(6)، و لكن يقال: أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصوم شهر شعبان و لم ينقل أنه كان يصوم المحرم إنما كان يصوم عاشوراء. و قوله في آخر سنة: (لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع)، يدل على أنه كان لا يصوم التاسع قبل ذلك و قد أجاب الناس عن هذا السؤال بأجوبة فيها ضعف.
    والذي ظهر لي والله أعلم أن التطوع بالصيام نوعان:

    أحدهما: التطوع المطلق بالصوم فهذا أفضله المحرم كما أن أفضل التطوع المطلق بالصلاة قيام الليل.

    والثاني: ما صيامه تبع لصيام رمضان قبله و بعده فهذا ليس من التطوع المطلق بل صيامه تبع لصيام رمضان و هو ملتحق بصيام رمضان. و لهذا قيل: إن صيام ستة أيام من شهر شوال يلتحق بصيام رمضان و يكتب بذلك لمن صامها مع رمضان صيام الدهر فرضا.
    وقد روي أن أسامة بن زيد كان يصوم الأشهر الحرم فأمره النبي صلى الله عليه و سلم بصيام شوال فترك الأشهر الحرم و صام شوالا(7). فهذا النوع من الصيام ملتحق برمضان وصيامه أفضل التطوع مطلقا فأما التطوع المطلق فأفضله صيام الأشهر الحرم و قد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه أمر رجلا أن يصوم الحرم(8).
    و أفضل صيام الأشهر الحرم شهر الله المحرم ويشهد لهذا أنه صلى الله عليه و سلم قال في هذا الحديث: (وأفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل) ومراده: بعد المكتوبة ولواحقها من سننها الرواتب فإن الرواتب قبل الفرائض وبعدها أفضل من قيام الليل عند جمهور العلماء؛ لالتحاقها بالفرائض. وإنما خالف في ذلك بعض الشافعية فكذلك الصيام قبل رمضان و بعده ملتحق برمضان وصيامه أفضل من صيام الأشهر الحرم و أفضل التطوع المطلق بالصيام صيام المحرم (9)
    شهر الحرام مبارك ميمـون والصوم فيه مضاعف مسنون
    وثواب صائمـه لوجه إلهـه في الخلـد عند مليكه مخزون .

    6.ظاهر الحديث فضل صيام شهر المحرم كاملاً، وحمله بعض العلماء على الترغيب في الإكثار من الصيام في شهر المحرم لا صومه كلّه، لقول عائشة - رضي الله عنها -:(... ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهرٍ قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان) أخرجه مسلم(10).


    7.قال ابن رجب: لما كانت الأشهر الحرم أفضل الأشهر بعد رمضان أو مطلق، و كان
    صيامها كلها مندوبا إليه كما أمر به النبي صلى الله عليه و سلم، و كان بعضها ختام السنة الهلالية و بعضها مفتاحا لها فمن صام شهر ذي الحجة سوى الأيام المحرم صيامها منه و صام المحرم فقد ختم السنة بالطاعة و افتتحها بالطاعة فيرجى أن تكتب له سنته كلها طاعة؛ فإن من كان أول عمله طاعة و آخره طاعة فهو في حكم من استغرق بالطاعة ما بين العملين و في حديث مرفوع: (ما من حافظين يرفعان إلى الله صحيفة فيرى في أولها و في آخرها خيرا إلا قال الله لملائكته أشهدكم أني غفرت لعبدي ما بين طرفيها) أخرجه الطبراني و غيره وهو موجود في بعض نسخ كتاب الترمذي(11)
    و في حديث آخر مرفوع: (ابن آدم اذكرني من أول النهار ساعة و من آخر النهار ساعة أغفر لك مابين ذلك إلا الكبائر أو تتوب منها)(12)
    وقال ابن المبارك: من ختم نهاره بذكر كتب نهاره كله ذكر، يشير إلى أن الأعمال بالخواتيم فإذا كان البداءة و الختام ذكرا فهو أولى أن يكون حكم الذكر شاملا للجميع و يتعين افتتاح العام بتوبة نصوح تمحو ما سلف من الذنوب السالفة في الأيام الخالية(13).

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.



    (1) صحيح مسلم (1163).
    (2) سورة التوبة (36).
    (3) صحيح البخاري (4662) وصحيح مسلم (1679).
    (4) تفسير ابن كثير 4/ 89 ـ90
    (5) لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف لابن رجب ص 38 ـ 39، طبعة مؤسسة الريان.
    (6) جامع الترمذي 3/117 (741)،وقال: حسن غريب، ورواه أحمد في المسند 1/154وغيره. ومداره على عبد الرحمن بن إسحق الواسطي أبي شيبة عن النعمان بن سعد عن علي. والواسطي ضعيف، والنعمان فيه جهالة.
    (7) سنن ابن ماجه 1/555 (1744) والراوي عن أسامة هو محمد بن إبراهيم التيمي. قال الحافظ ابن حجر في التهذيب: أرسل عن أسامة. وقال الحافظ ابن رجب في موضع آخر من لطائف المعارف ص131: و في إسناده انقطاع. وفي موضع ثالث ص143 قال: و في إسناده إرسال و قد روي من وجه آخر يعضده.
    (8) سنن أبي داود 2/322ـ323(2428)، والنسائي في الكبرى 2/139ـ140، وابن ماجه1/554(1741)، وأحمد 5/28 وغيرهم من طريق أبي السليل عن مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها مرفوع، وقيل: أبي مجيبة الباهلي. والأرجح أنها امرأة وفيها جهالة، وهذا علة الحديث.انظر الميزان 3/440.
    (9) لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف لابن رجب ص 36 ـ 37.
    (10) صحيح مسلم (1156).
    (11) جامع الترمذي 3/ 310 (981) وفي إسناده ضعف لأن فيه تمام بن نجيح وهو ضعيف. ولم أقف عليه عند الطبراني.
    (12) في حلية الأولياء 8/ 213 نحو هذا الأثر، وقال الأصبهاني:غريب.
    (13) لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف لابن رجب ص 38.


    يتبع

    تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

    قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
    "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
    وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

    تعليق


    • #3
      الحلقة (3)


      الطود العظيم في نجاة موسى الكليم وهلاك فرعون اللئيم


      (ملخص ما ذكر الإمام ابن كثير في تاريخه مع جملة من الدروس والعبر)

      لما تمادى قبط مصر على كفرهم وعتوهموعنادهم متابعة لملكهم الطاغية فرعون ومخالفة لنبي الله ورسوله وكليمه موسى بن عمران عليه السلام وأقام الله على أهل مصر الحجج العظيمة القاهرة وأراهم من خوارق العادات ما بهر الأبصار وحير العقول وهم مع ذلك لا يرعوون ولا ينتهون ولا ينزعون ولا يرجعون.
      لقد تمادى فرعون في سطوته وجبروته وكفره وطغيانه يفتن قومه عن الدين الحق قال الله تعالى مخبرا عن فرعون وكفى بالله شهيداً(وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ) أي جبار عنيد مستعل بغير الحق(وَإِنَّهُ لَمِنْ الْمُسْرِفِينَ) أي في جميع أموره وشئونه وأحواله.
      ولم بلغ به الأمر مبلغه حتى اعتبر نفسه إلاهاً معبوداً، وهنا لما يبلغ الكفر مبلغه والطغيان منتهاه ويظن الرسل يأتيهم نصر الله، ولقد كانت أول معالم ذلك النصر اجتماع موسى عليه السلام بأتباعه يوصيهم ويثبتهم ويرشدهم،ويربطهم بفاطر الأرض والسماء(يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) ويأتي الجواب مطمئنا ً لموسى عليه السلام ممن تربوا في هذه المدرسة النبوية فقالوا(عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أمرهم بالتوكل على الله والاستعانة به والالتجاء إليه فأتمروا بذلك فجعل الله لهم مما كانوا فيه فرجا ومخرجا.
      ويأتي الثاني من معالم النصر بُشرى الله لهم(وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّأَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرْالْمُؤْمِنِينَ)
      فقد أوحى الله تعالى إلى نبيه موسى وأخيه هارون عليهما السلام أن يتخذوالقومهما بيوتاً متميزة فيما بينهم عن بيوت القبط ليكونوا على أهبة في الرحيل إذا أمروا به ليعرف بعضهم بيوت بعض، وفي هذا العمل تأكيد على مبدأ فعل الأسباب وأنه ينبغي أن يقرن بالتوكل على الله تعالى.
      ثم إن الله قد أمرهم(وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) قيل مساجد وقيل معناه كثرة الصلاة فيها قاله مجاهد وغيره ومعناه على هذا الاستعانة على ما هم فيه من الضر والشدة والضيق بكثرة الصلاة كما قال تعالى (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع للصلاة فالصلاة لها من الآثار الدنيوية والأخروية الشيء الكثير.
      وتتالى الأيام وموسى عليه السلام ومن معه يكسوهم الصبر ويحليهم الإيمان بالله والتوكل عليه ويزينهم الصلة بالله والاستعانة بالصلاة، وهناك في الطرف الآخر فرعون ومن معه في غيهم يعمهون وعن الحق معرضين يعاندونويتمردون.
      وتقرب لحظات النصر،(وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْسَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ) إنه دعاء من قلب صادق متوكل على الله، دعاء لنصرة الحق ودحر الباطل إنها دعوة عظيمة دعا بها كليم الله موسى على عدو الله فرعون غضباً لله عليه لتكبره عن اتباع الحق وصده عن سبيل الله ومعاندته وعتوه وتمرده واستمراره على الباطل ومكابرته الحق الواضح الجلي الحسي والمعنوي والبرهان القطعي وتأتي الإجابة من القريب المجيب سبحانه وتعالى(قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا) [والتثنية هنا كما قرر أهل العلم لإن هارون عليه السلام كان يؤمُن على دعاء أخيه فأصبح المؤمُن بمنزلة الداعي].
      (
      فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) ويأتي الإذن من الله لموسى عليه السلام ليسير ومن اتبعه إلى الشام خارجين من مصر، فلما علم بذهابهم فرعون حنق عليهم كل الحنق واشتد غضبه عليهم وشرع في استحثاث جيشه وجمع جنوه ليلحقوا بموسى عليه السلام ومن معه، وأجمل بالقرآن الكريم وهو يصور لنا هذه الأحداث في منظر بديع وتصوير أخاذ قال الله ومن أصدق من الله قيلاً : ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ(52)فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ(53) إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ(54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ(56)فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ).

      قال علماء التفسير : لما ركب فرعون في جنوده طالباً بني إسرائيل كان في جيش كثيف عرمرم حتى قيل كان في خيوله مائة ألف فحل أدهم وكانت عدة جنوده تزيد على ألف ألف وستمائة ألف فالله أعلم.
      والمقصود أن فرعون لحقهم بالجنود فادركهم عند شروق الشمس وتراءى الجمعان ولم يبق ثم ريب ولا لبس، وعاين كل من الفريقين صاحبه وتحققه ورآه ولم يبقإلا المقاتلة والمجادلة والمحاماة فعندها قال أصحاب موسى وهم خائفون(إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) وذلك لأنهم اضطروا في طريقهم إلى البحر فليس لهم طريق ولا محيد الا سلوكه وخوضه وهذا ما لا يستطيعه أحد ولا يقدر عليه والجبال عن يسرتهم وعن أيمانهم وهي شاهقة منيفة وفرعون قد غالقهم وواجههم وعاينوه في جنودهوجيوشه وعدده وهم منه في غاية الخوف والذعر لما قاسوا في سلطانه من الإهانة والمنكر فشكوا إلى نبي الله ما هم فيه مما قد شاهدوه وعاينوه فقال لهم الرسول الصادق المصدوق(كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) (كَلاَّ).. يالها من كلمة قوية مدوية، ثبات وثقة بوعد الله وموعوده، حتى في أحلك الظروف ولك أن تتخيل الموقف أكثر، موسى عليه السلام ومن معه محاصرون البحرأمامهم والعدو الحاقد خلفهم، والوقت يمضي والعدو يقرب من مناله.
      فلما تفاقم الأمر وضاق الحال واشتد الأمر واقترب فرعون وجنوده في جدهم وحدهم وحديدهم وغضبهم هناك تنزل الوحي على موسى عليه السلام (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) نعم لقد تحول البحر إلى يابس حوله من يقول للشيء كن فيكون.
      فلما آل أمر البحر إلى هذه الحال بإذن الرب العظيم الشديد المحال أمر موسى عليه السلام أن يجوزه ببني إسرائيل فانحدروا فيه مسرعين مستبشرين مبادرين وقد شاهدوا من الأمر العظيم ما يحير الناظرين ويهدي قلوب المؤمنين فلما جاوزوه وجاوزه وخرج آخرهم منه وانفصلوا عنه كان ذلك عند قدوم أول جيش فرعون إليه ووفودهم عليه فأراد موسى عليه السلام أن يضرب البحر بعصاه ليرجع كما كان عليه لئلا يكون لفرعون وجنوده وصول إليه ولا سبيل عليه فأمره القدير ذو الجلال أن يترك البحر على هذه الحال (وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْواً) أي ساكناً على هيئته لا تغيره عن هذه الصفة، فلما تركه على هيئته وحالته وانتهى فرعون فرأى ما رأى وعاين ما عاين هاله هذا المنظر العظيم وتحقق ماكان يتحققه قبل ذلك من أن هذا من فعل رب العرش الكريم فأحجم ولم يتقدم وندم في نفسه على خروجه في طلبهم والحالة هذه حيث لا ينفعه الندم لكنه أظهر لجنوده تجلداً وعاملهم معاملة العدا وحملته النفس الكافرة والسجية الفاجرة على أن قال لمن استخفهم فأطاعوه وعلى باطله تابعوه : أنظروا كيف انحسر البحر لي لأدرك عبيدي الآبقين من يدي الخارجين عن طاعتي وجعل يوريفي نفسه أن يذهب خلفهم ويرجو أن ينجو وهيهات ويقدم تارة ويحجم فلما رأته الجنود قد سلك البحر اقتحموا وراءه مسرعين فحصلوا في البحر أجمعين حتى هم أولهم بالخروج منه عند ذلك أمر الله تعالى كليمه فيما أوحاه إليه أن يضرب البحر بعصاه فضربه فارتد عليهم البحر كما كان فلم ينج منهم إنسان قال الله تعالى (وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).
      إن في إنجاء الله لأولياءه فلم يغرق منهم أحد وإغراقه لأعداءه فلم يخلصمنهم أحد آية عظيمة وبرهان قاطع على قدرته تعالى العظيمة وصدق رسوله عليه السلام فيما جاء به عن ربه من الشريعة الكريمة والمناهج المستقيمة .
      ولما رأى فرعون الحقيقة وأدركه الغرق (قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ) وهيهات (أَالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ) ويأتي الحكم من الله (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً).

      وانتهت أحداث ذلك اليوم العظيم – كما سماه رسولنا صلى الله عليه وسلم.
      فعن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا اليوم الذي تصومونه فقالواهذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكرا فنحن نصومه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن أحق وأولى بموسى منكم فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه)رواه البخاري.

      الراوي: عبدالله بن عباسالمحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - لصفحة أو الرقم: 1419 خلاصة حكم المحدث: صحيح

      تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

      قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
      "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
      وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

      تعليق


      • #4
        الله لايحرمك الاجر يابو ابراهيم



        تعليق


        • #5
          الحلقة (4)



          لا عدوى ولا هامة ولا صفر


          عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: (لا عدوى و لا هامة و لا صفر فقال أعرابي: يا رسول الله فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيخالطها البعير الأجرب فيجربها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: فمن أعدى الأول)متفق عليه.

          (1) قوله صلى الله عليه و سلم: [لا عدوى] العدوى: معناها أن المرض يتعدى من صاحبه إلى من يقارنه من الأصحاء؛ فيمرض بذلك. وكانت العرب تعتقد ذلك في أمراض كثيرة منها الجرب؛ و لذلك سأل الأعرابي عن الإبل الصحيحة يخالطها البعير الأجرب فتجرب؟
          فقال النبي صلى الله عليه و سلم: (فمن أعدى الأول)؟
          ومراده: أن الأول لم يجرب بالعدوى بل بقضاء الله و قدره، فكذلك الثاني وما بعده .
          و قد وردت أحاديث أشكل على كثير من الناس فهمها حتى ظن بعضهم أنها ناسخة لقوله (لا عدوى) مثل ما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (لا يورد ممرض على مصح) و الممرض: صاحب الإبل المريضة و المصح: صاحب الإبل الصحيحة و المراد النهي عن إيراد الإبل المريضة على الصحيحة و مثل قوله صلى الله عليه و سلم: (فر من المجذوم فرارك من الأسد) و قوله صلى الله عليه و سلم في الطاعون: (إذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوها) و دخول النسخ في هذا كما تخيله بعضهم لا معنى له فإن قوله (لا عدوى)خبر محض لا يمكن نسخه إلا أن يقال: هو نهي عن اعتقاد العدوى لا نفي لها و لكن يمكن أن يكون ناسخا للنهي في هذه الأحاديث الثلاثة و ما في معناه، والصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه لا نسخ في ذلك كله.
          ولكن اختلفوا في معنى قوله: (لا عدوى) وأظهر ما قيل في ذلك: أنه نفي لما كان يعتقده أهل الجاهلية من أن هذه الأمراض تعدي بطبعها من غير اعتقاد تقدير الله لذلك، و يدل على هذا قوله: (فمن أعدى الأول؟) يشير إلى أن الأول إنما جرب بقضاء الله و قدره، فكذلك الثاني وما بعده. وعند الإمام أحمد و الترمذي من حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:

          (لا يعدي شيئا. قالها ثلاث، فقال أعرابي: يا رسول الله، النقبة من الجرب تكون بمشفر البعير أو بذنبه في الإبل العظيمة فتجرب كلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: فما أجرب الأول، لاعدوى و لاهامة و لاصفر خلق الله كل نفس و كتب حياتها و مصابها و رزقها) فأخبر أن ذلك كله بقضاء الله و قدره، كما دل عليه قوله تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا فأما نهيه صلى الله عليه و سلم عن إيراد الممرض على المصح و أمره بالفرار من المجذوم و نهيه عن الدخول إلى موضع الطاعون فإنه من باب اجتناب الأسباب التي خلقها الله تعالى و جعلها أسبابا للهلاك أو الأذى، والعبد مأمور باتقاء أسباب البلاء إذا كان عافية منه، فكما أنه يؤمر أن لا يلقي نفسه في الماء أو في النار أو يدخل تحت الهدم و نحوه مما جرت العادة بأنه يهلك أو يؤذى، فكذلك اجتناب مقاربة المريض كالمجذوم أو القدوم على بلد الطاعون. فإن هذه كلها أسباب للمرض و التلف والله تعالى هو خالق الأسباب و مسبباتها لا خالق غيره و لا مقدر غيره.

          (2) قوله صلى الله عليه و سلم: [لاهامه] فهو: نفي لما كانت الجاهلية تعتقده أن الميت إذا مات صارت روحه أو عظامه هامة: و هو طائر يطير و هو شبيه باعتقاد أهل التناسخ: أن أرواح الموتى تنتقل إلى أجساد حيوانات من غير بعث و لا نشور و كل هذه اعتقادات باطلة جاء الإسلام بإبطالها و تكذيبها و لكن الذي جاءت بها الشريعة: أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تأكل من ثمار الجنة و ترد من أنهار الجنة إلى أن يردها الله إلى أجسادها و روي أيضا أن نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعها الله إلى أجسادها يوم القيامة .

          (3) قوله صلى الله عليه و سلم: [و لاصفر] فاختلف في تفسيره .
          فقال كثير من المتقدمين: الصفر داء في البطن يقال: إنه دود كبار كالحيات و كانوا يعتقدون أنه يعدي، فنفى ذلك النبي صلى الله عليه و سلم. و ممن قال هذا من العلماء: ابن عيينة و الإمام أحمد و غيرهم، و لكن لو كان كذلك لكان هذا داخلا في قوله: [لا عدوى]، و قد يقال: هو من باب عطف الخاص على العام و خصه بالذكر لاشتهاره عندهم بالعدوى.
          وقالت طائفة: بل المراد بصفر شهر صفر ثم اختلفوا في تفسيره على قولين:
          أحدهما: أن المراد نفي ما كان أهل الجاهلية يفعلونه في النسيء فكانوا يحلون المحرم و يحرمون صفر مكانه و هذا قول مالك.

          و الثاني: أن المراد أن أهل الجاهلية كانوا يستيشمون بصفر و يقولون: إنه شهر مشئوم، فأبطل النبي صلى الله عليه و سلم ذلك، و هذا حكاه أبو داود عن محمد بن راشد المكحولي عمن سمعه يقول ذلك. و لعل هذا القول أشبه الأقوال؛ و كثير من الجهال يتشاءم بصفر وربما ينهى عن السفر فيه.
          والتشاؤم بصفر هو من جنس الطيرة المنهي عنه، وكذلك التشاؤم بالأيام كيوم الأربعاء و قد روي أنه: [يوم نحس مستمر] في حديث لا يصح بل في المسند عن جابر رضي الله عنه [أن النبي صلى الله عليه و سلم دعا على الأحزاب يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء فاستجيب له يوم الأربعاء بين الظهر و العصر] قال جابر: فما نزل بي أمر مهم غائظ إلا توخيت ذلك الوقت فدعوت الله فيه الإجابة أو كما قال.
          و كذلك تشاؤم أهل الجاهلية بشوال في النكاح فيه خاصة، و قد قيل: إن أصله أن طاعونا وقع في شوال في سنة من السنين فمات فيه كثير من العرائس؛ فتشاءم بذلك أهل الجاهلية و قد ورد الشرع بإبطاله، قالت عائشة رضي الله عنها: تزوجني رسول الله صلى الله عليه و سلم في شوال و بنى بي في شوال فأي نسائه كان أحظى عنده مني. و كانت عائشة تستحب أن تدخل نساءها في شوال و تزوج النبي صلى الله عليه و سلم أم سلمة في شوال أيضا .

          (4) قال ابن عثيمين: وبعض الناس إذا انتهى من شيء في صفر أرخ ذلك وقال: انتهى في صفر الخير، وهذا من باب مداواة البدعة ببدعة، والجهل بالجهل؛ فهو ليس شهر خير ولا شهر شر.
          أما شهر رمضان، وقولنا: إنه شهر خير؛ فالمراد بالخير العبادة، ولا شك أنه شهر خير، وقولهم: رجب المعظم؛ بناءً على أنه من الأشهر الحرم.
          ولهذا أنكر بعض السلف على من إذا سمع البومة تنعق قال؛ خيراً إن شاء الله؛ فلا يُقال: خير ولا شر، بل هي تنعق كبقية الطيور.

          (5) قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ):كانوا قد أحدثوا قبل الإسلام بمدة تحليل المحرم وتأخيره إلى صفر فيحلون الشهر الحرام ويحرمون الشهر الحلال ليواطئوا عدة ما حرم الله الأشهر الأربعة، كما قال شاعرهم وهو عمير بن قيس المعروف بجذل الطعان:

          لقد علمت معد بأن قومي كـرام الناس إن لهم كـرامــا

          ألسنا الناسـئين على معد شهـور الـحـل نجعلها حراما

          فـأي الناس لم ندرك بوتر وأي الناس لم نعلك لـجـامـا

          وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كان جنادة بن عوف بن أمية الكناني يوافي الموسم في كل عام، وكان يكنى أبا ثمامة فينادي: ألا إن أبا ثمامة لا يحاب ولا يعاب، ألا وإن صفر العام الأول العام حلال فيحله للناس؛ فيحرم صفرا عاما ويحرم المحرم عاما فذلك قول الله: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ) يقول: يتركون المحرم عام، وعاما يحرمونه. وروى العوفي عن ابن عباس نحوه. وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد كان رجل من بني كنانة يأتي كل عام إلى الموسم على حمار له فيقول: يا أيها الناس: إني لا أعاب ولا أحاب ولا مرد لما أقول، إنا قد حرمنا المحرم وأخرنا صفر، ثم يجيء العام المقبل بعده فيقول مثل مقالته ويقول: إنا قد حرمنا صفر وأخرنا المحرم فهو قوله: (لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ)، قال: يعني الأربعة فيحلوا ما حرم الله لتأخير هذا الشهر الحرام. وروي عن أبي وائل والضحاك وقتادة نحو هذا.
          وقد تكلم الإمام محمد بن إسحاق على هذا في كتاب السيرة كلاما جيدا مفيدا حسنا فقال: كان أول من نسأ الشهور على العرب فأحل منها ما حرم الله وحرم منها ما أحل الله عز وجل القلمََّس وهو حذيفة بن عبد بن فقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معدَّ بن عدنان، ثم قام بعده على ذلك ابنه عباد ثم من بعد عباد ابنه قلع بن عباد ثم ابنه أمية بن قلع ثم ابنه عوف بن أمية ثم ابنه أبو ثمامة جنادة بن عوف وكان آخرهم، وعليه قام الإسلام، فكانت العرب إذا فرغت من حجها اجتمعت إليه فقام فيهم خطيبا فحرم رجبا وذا القعدة وذا الحجة ويحل المحرم عاما ويجعل مكانه صفر، ويحرمه عاما ليواطىء عدة ما حرم الله، فيحل ما حرم الله يعني: ويحرم ما أحل الله. والله أعلم.

          (فائدة )

          نقل ابن كثير في تفسيره عن الشيخ علم الدين السخاوي في جزء جمعه سماه المشهور في أسماء الأيام والشهور أن
          المحرم سمي بذلك لكونه شهرا محرم، وعندي أنه سمي بذلك تأكيدا لتحريمه لأن العرب كانت تتقلب به فتحله عاما وتحرمه عاما. قال: ويجمع على محرمات ومحارم ومحاريم.


          وصفر سمي بذلك لخلو بيوتهم منهم حين يخرجون للقتال والأسفار يقال: صفر المكان إذا خلا ويجمع على أصفار كجمل وأجمال.

          وشهر ربيع الأول سمي بذلك لارتباعهم فيه، والارتباع الإقامة في عمارة الربع. ويجمع على أربعاء كنصيب وأنصباء وعلى أربعة كرغيف وأرغفة.

          وربيع الآخر كالأول.

          جمادى سمي بذلك لجمود الماء فيه قال: وكانت الشهور في حسابهم لا تدور، وفي هذا نظر إذ كانت شهورهم منوطة بالأهلة فلا بد من دورانها فلعلهم سموه بذلك أول ما سمي عند جمود الماء في البرد. ويجمع على جماديات كحبارى وحباريات، وقد يذكر ويؤنث فيقال جمادى الأولى والأول. جمادى الآخر والآخرة.

          رجب من الترجيب وهو التعظيم. ويجمع على أرجاب ورجاب ورجبات.

          شعبان من تشعب القبائل وتفرقها للغارة. ويجمع على شعابين وشعبانات.

          رمضان من شدة الرمضاء وهو الحر يقال: رمضت الفصال إذا عطشت. ويجمع على رمضانات ورماضين وأرمضة. قال: وقول من قال إنه اسم من أسماء الله خطأ لا يعرج عليه ولا يلتفت إليه، قلت: قد ورد فيه حديث ولكنه ضعيف.

          شوال من شالت الإبل بأذنابها للطراق. قال: ويجمع على شواول وشواويل وشوالات.

          القعدة بفتح القاف قلت: وكسرها لقعودهم فيه عن القتال والترحال. ويجمع على ذوات القعدة. الحجة بكسر الحاء، قلت: وفتحه، سمي بذلك لإقامتهم الحج فيه ويجمع على ذوات الحجة. أ.هـ




          تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

          قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
          "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
          وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

          تعليق


          • #6
            الحلقة ( 5 )



            شهر رجب والأشهر الحرم

            أخرج البخاري (4662) ومسلم (1679) في الصحيحين من حديث أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم خطب في حجة الوداع فقال في خطبته : ( إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم: ثلاثة متواليات : ذو القعدة، و ذو الحجة، و المحرم، و رجب مضر الذي بين جمادى و شعبان ) و ذكر الحديث

            الراوي: أبو بكرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - لصفحة أو الرقم: 1947
            خلاصة حكم المحدث: صحيح

            
            وقال الله عز و جل : ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات و الأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) (التوبة:36)

            1 ـ دلت الآية والحديث على أن الله سبحانه ـ منذ خلق السماوات و الأرض ـ جعل السنة اثني عشر شهرا بحسب الهلال، فالسنة في الشرع مقدرة بسير القمر و طلوعه لا بسير الشمس و انتقالها ـ كما يفعله أهل الكتاب ـ وجعل الله تعالى من هذه الأشهر أربعة أشهر حرما و قد فسرها النبي صلى الله عليه و سلم في هذا الحديث و ذكر أنها ثلاثة متواليات : ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم، وواحد فرد و هو شهر رجب.

            2 ـ اختلف في أي هذه الأشهر الحرم أفضل ؟ فقيل : رجب، قاله بعض الشافعية وضعفه النووي و غيره.
            و قيل: المحرم، قاله الحسن و رجحه النووي.
            و قيل : ذو الحجة روي عن سعيد بن جبير و غيره، قال ابن رجب: و هو أظهر و الله أعلم .

            3 ـ قوله صلى الله عليه و سلم : ( إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات و الأرض السنة اثنا عشر شهرا ) مراده بذلك إبطال ما كانت الجاهلية تفعله من النسيء كما قال تعالى :
            ( إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما و يحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله )
            وقد اختلف في تفسير النسيء، فقالت طائفة : كانوا يبدلون بعض الأشهر الحرم بغيرها من الأشهر فيحرمونها بدلها، و يحلون ما أرادوا تحليله من الأشهر الحرم إذا احتاجوا إلى ذلك، و لكن لا يزيدون في عدد الأشهر الهلالية شيئا. ثم من أهل هذه المقالة من قال : كانوا يحلون المحرم فيستحلون القتال فيه لطول مدة التحريم عليهم بتوالي ثلاثة أشهر محرمة ثم يحرمون صفر مكانه فكأنهم يقترضونه ثم يوفونه، و منهم من قال : كانوا يحلون المحرم مع صفر من عام و يسمونها صفرين ثم يحرمونهما من عام قابل و يسمونهما محرمين قاله ابن زيد بن أسلم، وقيل : بل كانوا ربما احتاجوا إلى صفر أيضا فأحلوه و جعلوا مكانه ربيعا ثم يدور كذلك التحريم و التحليل بالتأخير إلى أن جاء الإسلام و وافق حجة الوداع صار رجوع التحريم إلى محرم الحقيقي و هذا هو الذي رجحه أبو عبيدة و على هذا فالتغير إنما وقع في عين الأشهر الحرم خاصة .
            وقالت طائفة أخرى : بل كانوا يزيدون في عدد شهور السنة وظاهر الآية يشعر بذلك حيث قال الله تعالى :
            (
            إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا )
            فذكر هذا توطئة لهدم النسيء و إبطاله، ثم من هؤلاء من قال : كانوا يجعلون السنة ثلاثة عشر شهرا قاله مجاهد، وقيل: كانوا يجعلون السنة ثلاثة عشر شهرا وينسئون كل شهر للذي بعده، ومن هؤلاء من قال : كانت الجاهلية يجعلون الشهور اثني عشر شهرا و خمسة أيام قاله إياس بن معاوية .

            4 ـ اختلفوا في أي عام عاد الحج إلى ذي الحجة على وجهه و استدار الزمان فيه كهيئته : فقالت طائفة : إنما عاد على وجهه في حجة الوداع و أما حجة أبي بكر الصديق فكانت قد وقعت في ذي القعدة هذا قول مجاهد و عكرمة بن خالد و غيرهما، وقالت طائفة : بل وقعت حجة الصديق في ذي الحجة قاله الإمام أحمد و أنكر قول مجاهد و استدل بأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر عليا فنادى(يوم النحر لا يحج بعد العام مشرك )
            الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - لصفحة أو الرقم: 1946
            خلاصة حكم المحدث: صحيح

            و في رواية ( و اليوم يوم الحج الأكبر )
            الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - لصفحة أو الرقم: 7632
            خلاصة حكم المحدث: صحيح


            وقد قال الله تعالى:
            ( و أذان من الله و رسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين و رسوله ) فسماه يوم الحج الأكبر و هذا يدل على أن النداء وقع في ذي الحجة. وأخرج الطبراني في المعجم الأوسط (2909) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : كان العرب يحلون عاما شهرا و عاما شهرين و لا يصيبون الحج إلا في كل ستة و عشرين سنة مرة واحدة : و هو النسيء الذي ذكره الله في كتابه فلما كان عام حج أبي بكر الصديق بالناس وافق في ذلك العام الحج فسماه الله يوم الحج الأكبر ثم حج النبي صلى الله عليه و سلم في العام المقبل فاستقبل الناس الأهلة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :( إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات و الأرض ) .
            الراوي: أبو بكرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - لصفحة أو الرقم: 1947
            خلاصة حكم المحدث: صحيح



            5 ـ اختلفوا لم سميت هذه الأشهر الأربعة حرما ؟
            فقيل : لعظم حرمتها و حرمة الذنب فيها، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : اختص الله أربعة أشهر جعلهن حرما و عظم حرماتهن و جعل الذنب فيهن أعظم و جعل العمل الصالح و الأجر أعظم. وقال كعب : اختار الله الزمان فأحبه إلى الله الأشهر الحرم و قد روي مرفوعا و لا يصح رفعه وقد قيل : في قوله تعالى : ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم )أن المراد في الأشهر الحرم .
            و قيل : بل في جميع شهور السنة، وقيل : إنما سميت حرما لتحريم القتال فيها و كان ذلك معروفا في الجاهلية، وقيل : إنه كان من عهد إبراهيم عليه السلام .
            وقد شرع الله في أول الإسلام تحريم القتال في الشهر الحرام قال تعالى: ( لا تحلوا شعائر الله و لا الشهر الحرام )
            وقال تعالى:
            ( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام و إخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ) وخرج ابن أبي حاتم بإسناده عن جندب بن عبد الله : إن النبي صلى الله عليه و سلم بعث رهطا و بعث عليهم عبد الله بن جحش فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه و لم يدروا أن ذلك من رجب أو من جمادى، فقال المشركون للمسلمين : قتلتم في الشهر الحرام فأنزل الله عز وجل:
            ( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير ) الآية. وجاءت هذه القصة مبسوطة عن ابن عباس وعن ابن مسعود في هذه الآية وفيها : ( فقال المشركون : يزعم محمد أنه يتبع طاعة الله و هو أول من استحل الشهر الحرام ؟ فقال المسلمون : إنما قتلناه في جمادى و قيل في أول رجب و آخر ليلة من جمادى و أغمد المسلمون سيوفهم حين دخل شهر رجب و أنزل الله تعالى تعييرا لأهل مكة :
            ( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير ) لا يحل، و ما صنعتم أنتم يا معشر المشركين أكبر من القتل في الشهر الحرام حين كفرتم بالله و صددتم عن محمد و أصحابه و إخراج أهل المسجد الحرام حين أخرجوا منه محمدا أكبر من القتل عند الله) ، و ذكر ابن اسحاق أن ذلك كان في آخر يوم من رجب و أنهم خافوا إن أخروا القتال أن يسبقهم المشركون فيدخلوا الحرم فيأمنوا و إنهم لما قدموا على النبي صلى الله عليه و سلم قال لهم : ( ما أمرتكم في الشهر الحرم و لم يأخذ من غنيمتهم شيئا )
            و قالت قريش : قد استحل محمد و أصحابه الشهر الحرام فقال من بمكة من المسلمين : إنما قتلوهم في شعبان فلما أكثر الناس في ذلك قوله تعالى : ( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه ) الآية.
            و روي نحو هذا السياق عن عروة و الزهري و غيرهما و قيل بأنها كانت أول غنيمة غنمها المسلمون .

            6 ـ سبب تحريم هذه الأشهر: قيل : إن سبب تحريم هذه الأشهر الأربعة بين العرب لأجل التمكن من الحج و العمرة فحرم شهر ذي الحجة لوقوع الحج فيه و حرم معه شهر ذي القعدة للسير فيه إلى الحج و شهر المحرم للرجوع فيه من الحج حتى يأمن الحاج على نفسه من حين يخرج من بيته إلى أن يرجع إليه، و حرم شهر رجب للاعتمار فيه في وسط السنة فيعتمر فيه من كان قريبا من مكة .

            7 ـ اختلف العلماء في حكم القتال في الأشهر الحرم هل تحريمه باق أو نسخ؛ فالجمهور : على أنه نسخ تحريمه، ونص على نسخه الإمام أحمد و غيره من الأئمة.
            و ذهبت طائفة من السلف منهم عطاء : إلى بقاء تحريمه، و رجحه بعض المتأخرين و استدلوا بآية المائدة، و المائدة من آخر ما نزل من القرآن ، وقيل ليس فيها منسوخ، وفي المسند 6/188 والحاكم2/311 وصححه على شرط الشيخين أن عائشة رضي الله عنه قالت :
            [ هي آخر سورة نزلت فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه و ما وجدتم فيها حرام فحرموه ]
            الراوي: المقدام بن معد يكرب عن عائشة المحدث: الألباني - المصدر: الحديث حجة بنفسه - لصفحة أو الرقم: 28 خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح

            و روى الإمام أحمد في مسنده3/334،345 يإسناد صحيح عن جابر قال : [ لم يكن رسول الله صلى الله عليه و سلم يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى و يغزو فإذا حضره أقام حتى ينسلخ ]
            الراوي:- المحدث: الألباني - المصدر: فقه السيرة - لصفحة أو الرقم: 2927
            خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن

            
            و ذكر بعضهم أن النبي صلى الله عليه و سلم حاصر الطائف في شوال فلما دخل ذو القعدة لم يقاتل بل صابرهم ثم رجع و كذلك في عمرة الحديبية لم يقاتل حتى بلغه أن عثمان قتل فبايع على القتال ثم لما بلغه أن ذلك لا حقيقة له كف و استدل الجمهور بأن الصحابة اشتغلوا بعد النبي صلى الله عليه و سلم بفتح البلاد و مواصلة القتال و الجهاد و لم ينقل عن أحد منهم أنه توقف عن القتال و هو طالب له في شيء من الأشهر الحرم و هذا يدل على إجماعهم على نسخ ذلك و الله أعلم .

            8 ـ قوله صلى الله عليه و سلم : ( و رجب مضر ) سمي رجب رجبا لأنه كان يرجب؛ أي يعظم ،كذا قال الأصمعي و المفضل و الفراء.
            و أما إضافته إلى مضر فقيل : لأن مضر كانت تزيد في تعظيمه و احترامه فنسب إليهم لذلك، و قيل : بل كانت ربيعة تحرم رمضان و تحرم مضر رجبا فلذلك سماه رجب مضر. و حقق ذلك بقوله الذي بين جمادى و شعبان .

            9 ـ ذكر بعضهم أن لشهر رجب أربعة عشر اسما : شهر الله، و رجب، و رجب مضر، و منصل الأسنة، و الأصم، و الأصب، و منفِّس، و مطهِّر، و معلَّى، و مقيم، و هرم، و مقشقش، و مبريء، و فرد. و ذكر غيره : أن له سبعة عشر اسما فزاد : رجم بالميم، و منصل الألَّة وهي الحربة، و منزع الأسنة .

            وسيأتي ما يتعلق بشهر رجب من أحكام في الحلقة القادمة إن شاء لله تعالى، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.





            تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

            قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
            "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
            وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

            تعليق


            • #7
              الحلقة (6)

              ذكر ما يتعلق برجب من أحكام



              يتعلق بشهر رجب أحكام كثيرة؛ فمنها ما كان في الجاهلية واختلف العلماء في استمراره الإسلام كتحريم القتال وكالذبائح المعينة، ومنها مااستجد في الإسلام كالصلاة والصيام والعمرة المعينة ونحو ذلك.
              وتفصيل ذلك فيما يلي :
              1 ـ قد سبق ذكر خلاف العلماء في حكم القتال في الأشهر الحرم وهل تحريمه باق أو نسخ في الحلقة السابقة .
              2 ـ أما بالنسبة للذبائح، فإنهم كانوا في الجاهلية يذبحون ذبيحة يسمونها العتيرة. و اختلف العلماء في حكمها في الإسلام؛ فالأكثرون على أن الإسلام أبطلها و في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لافرع و لاعتيرة ) البخاري (5473و5474) ومسلم (1976) .
              ومنهم من قال : بل هي مستحبة، منهم ابن سيرين و حكاه الإمام أحمد عن أهل البصرة .
              وجاء في ذلك عدة أحاديث في السنن ، اعتنى بجمعها النسائي في سننه وترجم لها بكتاب الفرع والعتيرة، ثم عقد بابا لتفسير الفرع وبابا لتفسير العتيرة في سننه 7/167ـ171.
              فمن رأى مشروعيتها استدل بهذه الأحاديث، وهؤلاء جمعوا بين هذه الأحاديث و بين حديث ( لا فرع و لا عتيرة ) بأن المنهي عنه هو ما كان يفعله أهل الجاهلية من الذبح لغير الله، وحمله سفيان بن عيينة على أن المراد به نفي الوجوب. ومن العلماء من قال : حديث أبي هريرة أصح من هذه الأحاديث و أثبت فيكون العمل عليه دونها و هذه طريقة الإمام أحمد .
              ويشبه الذبح في رجب اتخاذه موسما وعيدا، كأكل الحلوى و نحوها. و قد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يكره أن يتخذ رجب عيدا .
              وأصل هذا : أنه لا يشرع أن يتخذ المسلمون عيدا إلا ما جاءت الشريعة باتخاذه عيدا و هو يوم الفطر و يوم الأضحى و أيام التشريق و هي أعياد العام و يوم الجمعة و هو عيد الأسبوع، و ما عدا ذلك فاتخاذه عيدا و موسما بدعة لا أصل له في الشريعة.
              3 ـ ومن أحكام رجب ما ورد فيه من الصلاة و الصيام و الاعتمار .
              فأما الصلاة فلم يصح في شهر رجب صلاة مخصوصة تختص به، و الأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب كذب و باطل لا تصح، وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء. وممن ذكر ذلك من أعيان العلماء المتأخرين من الحفاظ أبو إسماعيل الأنصاري و أبو بكر بن السمعاني و أبو الفضل بن ناصر وأبو الفرج بن الجوزي وأبو الفرج بن رجب وغيرهم، وإنما لم يذكرها المتقدمون لأنها أحدثت بعدهم و أول ما ظهرت بعد الأربعمائة فلذلك لم يعرفها المتقدمون و لم يتكلموا فيها .
              4 ـ وأما الصيام فلم يصح في فضل صوم رجب بخصوصه شيء عن النبي صلى الله عليه و سلم و لا عن أصحابه . وقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه أمر رجلا أن يصوم الحرم . رواه أبو داود 2/ 322 ـ323 (2428), والنسائي في الكبرى 2/139ـ140, وابن ماجه1/554(1741), وأحمد 5/28 والبيهقي 4/291 وغيرهم من طريق أبي السليل عن مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها مرفوعا, وقيل: أبي مجيبة الباهلي. والأرجح أنها امرأة وفيها جهالة, وهذا علة الحديث.انظر الميزان 3/440، وضعيف أبي داود (419).
              وقد كان بعض السلف يصوم الأشهر الحرم كلها منهم ابن عمر و الحسن البصري و أبو إسحاق السبيعي.
              وخرج ابن ماجه (1743) بإسناد فيه ضعف عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن صيام رجب . والصحيح وقفه على ابن عباس كما أخرجه عبد الرزاق في المصنف (7854) .
              وعن ابن عباس أنه كره أن يصام رجب كله ، وعن ابن عمر و ابن عباس أنهما كانا يريان أن يفطر منه أياما ، وكرهه أنس أيضا و سعيد بن جبير. وكره صيام رجب كله يحيى بن سعيد الأنصاري و الإمام أحمد و قال : يفطر منه يوما أو يومين ، و حكاه عن ابن عمر و ابن عباس . وقال الشافعي في القديم : أكره أن يتخذ الرجل صوم شهر يكمله كما يكمل رمضان ، واحتج بحديث عائشة : ( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم استكمل شهرا قط إلا رمضان ) قال : و كذلك يوما من بين الأيام ، وقال : إنما كرهته أن لا يتأسى رجل جاهل فيظن أن ذلك واجب ، وإن فعل فحسن .
              وتزول كراهة إفراد رجب بالصوم بأن يصوم معه شهرا آخر تطوعا عند بعض الفقهاء ، مثل أن يصوم الأشهر الحرم ، أو يصوم رجب و شعبان . وقد جاء عن ابن عمر و غيره صيام الأشهر الحرم و المنصوص عن أحمد أنه لا يصومه بتمامه إلا من صام الدهر .
              5 ـ وأما الاعتمار في رجب فقد روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم اعتمر في رجب فأنكرت ذلك عائشة عليه و هو يسمع فسكت .
              واستحب الاعتمار في رجب عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيره ، وكانت عائشة تفعله وابن عمر أيضا ، و نقل ابن سيرين عن السلف أنهم كانوا يفعلونه ؛ فإن أفضل الأنساك أن يؤتى بالحج في سفرة و العمرة في سفرة أخرى في غير أشهر الحج ، وذلك جملة إتمام الحج و العمرة المأمور به .كذلك قاله جمهور الصحابة : كعمر و عثمان و علي و غيرهم .
              6 ـ ورد في الحديث عن أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا دخل رجب قال : (اللهم بارك لنا في رجب و شعبان، وبلغنا رمضان) رواه أحمد1/259 وابن السني في عمل اليوم والليلة (658) والبزار (616/كشف الأستار) ، لكن الحديث ضعيف ؛ لأن في إسناده زائدة بن أبي الرقاد وهو منكر الحديث.
              7 ـ روي : أنه في شهر رجب حوادث عظيمة و لم يصح شيء من ذلك . فروي أن النبي صلى الله عليه و سلم ولد في أول ليلة منه و أنه بعث في السابع و العشرين منه ، وقيل في الخامس و العشرين و لا يصح شيء من ذلك .
              وروى بإسناد لا يصح عن القاسم بن محمد أن الإسراء بالنبي صلى الله عليه و سلم كان في سابع و عشرين من رجب ، و أنكر ذلك إبراهيم الحربي و غيره .
              و روي عن قيس بن عباد قال في اليوم العاشر من رجب : { يمحو الله ما يشاء و يثبت } وكان أهل الجاهلية يتحرون الدعاء فيه على الظالم و كان يستجاب لهم و لهم في ذلك أخبار مشهورة قد ذكرها ابن أبي الدنيا في كتاب مجاب الدعوة و غيره .
              8 ـ شهر رجب مفتاح أشهر الخير و البركة قال أبو بكر الوراق البلخي : شهر رجب شهر للزرع و شعبان شهر السقي للزرع و رمضان شهر حصاد الزرع و عنه قال : مثل شهر رجب مثل الريح و مثل شعبان مثل الغيم و مثل رمضان مثل القطر و قال بعضهم : السنة مثل الشجرة و شهر رجب أيام توريقها و شعبان أيام تفريعها و رمضان أيام قطفها و المؤمنون قطافها جدير بمن سود صحيفته بالذنوب أن يبيضها بالتوبة في هذا الشهر و بمن ضيع عمره في البطالة أن يغتنم فيه ما بقي من العمر

              بيض صحيفتك السوداء في رجب
              بصالح العمل المنجي من اللهـب
              شهر حرام أتي من أشهر حــرم
              إذا دعا الله داع فيه لم يخــب
              طوبى لعبد زكى فيه له عمـــل
              فكف فيه عن الفحشاء و الريب

              انتهاز الفرصة بالعمل في هذا الشهر غنيمة، واغتنام أوقاته بالطاعات له فضيلة عظيمة .



              تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

              قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
              "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
              وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

              تعليق


              • #8
                السلام عليكم
                الله يجزيكم الخير

                تعليق

                يعمل...
                X