إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المجتمع في عهد بني أمية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المجتمع في عهد بني أمية





    الحياة الاجتماعية في عهد بني أمية:



    مقدمة.. كانتحضارة العرب بعد الفتوحات الإسلامية حضارة عظيمة، ويرجع سبب عظمتها إلىعاملين: أولهما: بيئة المسلمين الحديثة التي ترغمهم على التحضر والتمدن،وشتان بين الهلال الخصيب في العراق والشام ووادي النيل، وبين صحراء الجزيرةالعربية .
    والعامل الثاني: ذكاء المسلمين وثقافتهم الأولى فقد استطاعوا أن يهضموا ويتمثلوا الحضارات التي وجدوها في الأمصار المفتوحة، في حين فشل غيرهم من الفاتحين كالبرابرةمثلا في هضم ما بقي من الحضارة اللاتينية.
    أدت عملية الامتزاج والاندماجهذه إلى آثارٍ اجتماعية بعضها حسن وبعضها الآخر ضار. أما الآثار الحسنة فقدحَلَّ هذا الاندماج محل التنظيمات القبلية القديمة، فقد كان تحول سكانالأمصار المفتوحة عن أديانهم القديمة سببًا في إدخالهم ضمن التنظيم القبلي،ولكن هذا التنظيم قد بدأ يفقد شيئا من قيمته الاجتماعية، فقد أدَّى اختلاطالسكان إلى أن أصبح النظام القبلي نظاما مصطنع، فقد تقارب الأفراد بفضلاعتقاداتهم أو مصالحهم مما أدى إلى اندماجهم في جماعاتٍ جديدة حلَّت محلَّالتنظيمات القبلية القديمة، كما يرجع إلى المسلمين الفضل في إزالة نظامالطبقات البغيض الذي كان موجودًا في معظم هذه الأمصار، وخاصة الدولةالفارسية فضلا عن إخراج الفُرْس من ظلمات المجوسية إلى نور الإسلام.
    أما الآثار الاجتماعية السيئةالتي أدَّى إليها الامتزاج والاندماج فمنها ظهور مشكلة التوفيق بين مصالحالطبقات المتضادة بين العربي وغير العربي بين الغني والفقير، وبين الحر والعبد، وبين أصحاب العمل والأراضي وعمالهم وفلاحيهم، وقد ظهرت هذه المشكلةبعد اندماج الأمة العربية في غيرها من الأمم المختلفة ذات الحضاراتالقديمة والأديان المتباينة، ونتج عن ذلك حالة اجتماعية جديدة توترتالعلاقات فيها بين بعض طبقات المجتمع الإسلامي مما أدَّى إلى سقوط الدولةالأموية العربية وتجلَّى هذا التوتر في الصراع الدائم بين العرب وآمالالفرس، والحرب بين النظم الاجتماعية العربية البسيطة والنظم الاجتماعيةالفارسية، ولم ينجح العرب في حل هذه المشاكل الاجتماعية تماما رغم نجاحهمفي نشر الإسلام واللغة العربية.



    عناصر المجتمع؛


    أولا: العرب:


    خرجت الجيوش الإسلامية لفتح كثير من البلاد التي كانت خاضعة للدولتين البيزنطية والفارسية، وكانت هذهالجيوش تمثل عناصر من معظم القبائل العربية، ولما تم النصر للعرب المسلمينودانت لهم الأمصار بدأت مرحلة الاستقرار في حياة العرب، وتمثلت هذه المرحلةفي بناء المدن مثل: البصرة والكوفة والفسطاط، وكانت هذه المدن في بدايةأمرها معسكرات للجند العرب، فكان العرب يقيمون في معسكراتهم الجديدة إلىزمن الربيع فيسرحون بخيولهم إلى المراعي في القرى حيث يرعاها الأتباع والموالي، وقد اشترط عمر في بناء المدن الجديدة ألا يبنوها في مكان يحولبينه وبين المدينة المنورة ماء، كما حرص على عدم اختلاط المجاهدين بأهاليالبلاد الأصليين، وكان عمر يدرك تماما أن سُكنى المدن تؤدِّي إلى اختلاطالأنساب مما يؤدي إلى ضعف الجنس العربي.
    لم يُكتَب لسياسة عمر –رضي اللهعنه – النجاح التام، فإنه في آخر خلافة أذن لجنده العرب أن ينتشروا فيالبلاد المفتوحة، وفي عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه طاب للعرب الإقامةبالأمصار، واقتنوا الأرض والضياع وتحولت المعسكرات إلى مدن عامرة، وتعلمالعرب الزراعة وسائر المهن وتطوروا من سكن الخيام إلى سكن القصور، وكانالعرب في بداية استقرارهم بالأمصار قلة بالنسبة للسكان الآخرين؛ولذا انصرفهَمُّ العرب إلى الاستكثار بالتناسل؛ فاستكثروا من أمهات الأولاد فضلا عنالزوجات، وتسابقوا إلى امتلاك الجواري وأسرفوا في التسري.
    حافظت القبائل العربية التيأقامت في مدن منفصلة كالكوفة والبصرة والفسطاط على تقاليدها القبلية لفترةطويلة، أما تقاليدهم الحضرية الاجتماعية فقد تكونت تدريجيا فسرعان ما بدأالعرب يرتقون سُلَّم الحضارة حتى بلغوا ذروتها، وكان ذلك نتيجة البيئةالجديدة التي عاشوا فيها ونتيجة استعداداتهم الفطرية، فقد حتَّمت البيئاتالجديدة على العرب الاختلاط بغيرهم من عناصر السكان الأصليين فاختلطوا معفلاحيهم في أرضهم، وفي المدن مع أرباب المهن المختلفة، وفي الجيش حيث كانتهذه العناصر تقوم بإنشاء الطرق وإقامة الخيام، وفي السبي حيث أقبل العربعلى امتلاك الجواري والإماء اللاتي اتخذوهنَّ للتسري والإنجاب، وكان هؤلاءالإماء والجواري عاملا مهما في نقل الحضارة إلى بيوت العرب وتعليمهم أرقىأنواع الطعام والملابس فضلا عن الغناء والموسيقى ووسائل الترف.
    انتقل عرب الأمصار من البداوةإلى الحضارة، واتخذ هذا التقدم صورا شتى ففي فن البناء اقتبسوا نظم الفرسوالرومان وزادوا عليها ما يناسب بيئتهم وذوقهم، حتى صار نظام البناء العربييفوق نظامي البناء الفارسي والروماني، فقد امتازت العمارة العربيةبالأعمدة والمنحنيات والمآذن والقباب، وهي تماثل النخيل وهي أعز شيء عندالعرب، ونالت الثقافة العربية تقدما سريعا ملحوظا كما تأثر العرب بأنواعالثقافات السائدة في الأمصار المفتوحة من قبل، على أن العرب -وإن اقتبسوابعض معالم الحضارة عن الفرس والرومان -قد استقلوا بشعرهم وآدابهم وقضائهموتشريعهم بل فرضوا لغتهم العربية، وأضعفوا اللغات الفارسية واليونانيةواللاتينية.
    أدى تقدم الحضارة إلى ازديادثروة العرب، وكان لذلك أثره السيئ فانغمس العرب في الترف، وتعلموا من بعضأهالي الأمصار فنون اللهو وسنرى عند حديثنا عن المجالس الاجتماعية صوراعديدة للترف والنعيم الذي عاش العرب فيه.
    كانت العصبية هي أهم مميزات حياةالعرب في الدولة العربية الإسلامية بل كانت المحور الذي تدور حوله حياتهمالسياسية و الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، واتخذت عصبية العرب ثلاثةمظاهر:
    أولها: العصبية القبلية.
    ثانيها: العصبية للمدينة.
    ثالثها: العصبية الإقليمية.
    ونبدأ الحديث بالعصبية القبلية: كان العصر الجاهلي مسرحا لكثير من الحروب بين القبائل، وشُغِلَ العرببالعصبية القبلية في جميع نواحي حياتهم، ثم جاء الإسلام فدعاهم إلى محوالتعصب للقبيلة والجنس وأعلن مساواته بين جميع الناس؛ فقال الله تعالى: "ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إنأكرمكم عند الله أتقاكم" وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع:" أيها الناس إن الله تعالى أذهب عنكم نخوة الجاهلية وفخرها بالآباء، كلكملآدم وآدم من تراب، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى "
    واختفت العصبية القبلية طوالحياة الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما في شبهالجزيرة العربية. ولكنها عادت إلى الظهور في الدولة العربية الإسلامية بعدانتهاء حركة الفتح واستقرار العرب في الأمصار المفتوحة.
    كان التوسع العربي يمثل قوةالتيار الإسلامي وتغلبه على التيار القبلي بتنظيمه وتوجيهه في صالحالإسلام، كانت عناصر الجيوش الإسلامية التي فتحت الأمصار تمثل معظم قبائلشبه الجزيرة العربية، وهي توضح لنا أن المسلمين دخلوا الأمصار في ظلال هذهالوحدة التي أفاءها عليهم الجيش، فلم تكن هجرتهم إلى هذه الأمصار مثله جراتهم السابقة من حيث الطابع القبلي، وكان اشتراك هذه القبائل في الفتحعاملا في امتزاجها؛ فقد كان عليها أن توحد صفوفها ومشاعرها أمام أعدائهاالفرس والروم، كما أن نظم الجيش العربي كانت تحتم الامتزاج و الاتحاد فقدانقسم الجيش العربي إلى فرسان ومشاة، وضاربين بالسيوف، وضاربين بالرماح،وكانت كل فئة تمثل جميع القبائل العربية.
    ولكن الحال لم تستمر على هذا المنوال، فما كاد العرب ينتصرون على الفرس و الروم، وتخضع لهم الأمصار،وتبدأ مرحلة الاستقرار حتى عادت العصبية القبلية إلى الظهور مرة أخرى، لقدتناست القبائل العربية عصبيتها وعداوتها أمام عدوها المشترك، ولكن ما كادهذا العدو يتلاشى حتى عادوا إلى ما كانوا عليه من عداء وتعصب، ولقد أثبتتهذه القبائل أن الإسلام على فرط ما حارب العصبية القبلية، فإنه لم يقضِعليها ولم يمحُها من نفوس أصحابه، ولكنها تضاءلت في نفوسهم. كنا نتوقع أنيكون بناء المدن في الأمصار كالبصرة والكوفة والفسطاط والقيروان عاملا علىالقضاء على العصبية القبلية، فالقبائل حتما ستتجاور وتتعاون في حياتهاالاجتماعية الجديدة، ولكن حدث عكس ما توقعناه؛ فقد وضع العرب أسس العصبيةالقبلية في نفس الوقت الذي وضعوا فيه أسس المدن الجديدة فقد أصبح لكل قبيلةمكان خاص بها في المسجد وأصبح يمثل الروح القبلية، فأزال العرب بذلكالحكمة التي قصدها الله من الصلاة وهي أن يتساوى جميع المسلمين أمامخالقهم، وأصبح لكلٍّ من القيسية واليمنية جزءٌ في كل مدينة، وكان لكل حيٍّمسجد و مقبرة، وكأن هذه القبائل أرادت أن يبتعد بعضها عن البعض الآخر حتىفي الموت وكنا نتوقع أن تُقسَّم المدن الجديدة إلى أحياء على أساس الحرف،ولكن العرب كانوا يمقتون المركزية مقتًا شديدًا فتجمعوا حسب تقسيمهمالقبلي، وكان هذا يدعو إلى التمرد والعصيان فقد كانت تلك الأحياء القبليةتقوم مقام المدن الصغرى، وكان يفصل بعضها عن البعض الآخر أبواب يحرسها رجالأشداء فإذا قامت فتنة داخلية أقفلت الأبواب، وانقطعت المواصلات بين أحياءالمدينة، وهكذا غلب طابع الحياة الجاهلية على الحياة في البصرة والكوفة؛فلم يتم للعرب فيها اندماج تام يجعلهم ينسون حياة العصبية القبلية بل استمر سكانها يشعرون أنهم قبائل وإن عاشوا في المدن وخدمهم الأعاجم، وأصبحتالقبيلة هي الوحدة الاجتماعية الطبيعية، وظل الفاتحون يتبعون تنظيمهمالقبلي واحتفظت هذه الجماعات المتشعبة بكل ماضيها القديم من حيث النسب والتآلف والتباغض، وكان لهذا أثره السيئ في حياة الجماعة الإسلامية فقد كانتالعلاقة بين رجال القبيلة الواحدة أوثق من العلاقة بين سكان المدينةالواحدة، وكان للقبائل العربية النازلة بالمدن الجديدة رؤساء يشبهون رؤساءالقبائل في العصر الجاهلي من حيث سيادتهم على قبائلهم.
    بذر العرب في الأمصار في خلافةعمر بن الخطاب – رضي الله عنه – بذور العصبية القبلية، فقد كان العرب في كلمرة يمثلون الحزبين الكبيرين اللذين عاشا في بلاد العرب منذ الجاهليةوهما: اليمنية والمضرية، وكان بين هذين الفريقين عداء مستحكم رغم تشابهالعادات والأخلاق، فقد بلغ اليمنيون درجة عظيمة من الحضارة قبل الإسلام،فلما انتقلوا إلى الأمصار جنوا ثمار حضارتهم؛ فأسسوا لهم حكومة منظمة، أما المضريون فكان معظمهم – باستثناء قريش – قبائل بدوية رحَّالة، وكان كل بطنمن بطونها في معزلٍ عن الآخر؛ فتباينت نزعاته، وتبادلت مصالحها، مما أدَّىإلى ضعفها وخضوعها إلى سلطان اليمنيين قبل الإسلام.
    وساعد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – بغير قصد على ظهور روح العصبية؛ فقد كان نظام عطاء الجند الذي سنَّهدافعا قويًّا لظهور العصبية القبلية فقد كان هذا النظام قائما على أساسالسابقة في الإسلام، والقرابة من الرسول – صلى الله عليه وسلم –فكان يرتبالجند باعتبار القبائل والأجناس مما يؤدي إلى تفضيل هذه القبائل على غيرها.
    وبدأت العصبية القبلية في عهد عثمان – رضي الله عنه – تظهر في صورة واضحة فقد كانت القبائل العربية فيخلافة عثمان ترى أنها دخلت في الإسلام كما دخلت قريش وهاجرت كما هاجرت،ولكن قريشا استأثرت بالخلافة والزعامة رغم أن أعباء الفتوح وقعت على عاتقالقبائل الأخرى، وقد تغلَّب العنصر الأموي القرشي في عضد هذه القبائلالعربية وكان في الأمصار بيوت شرف أخرى لا تقل مجدًا عن البيت الأموي مثل: بيت قيس، وبيت تميم، وبيت شيبان، وبيت كندة، وأَنَفَ هؤلاء من طاعة قريشواتهموها بالظلم، وطالبوا بالمساواة بين جميع القبائل.
    بعد أن كانت العصبية القبلية فيعهد عثمان – رضي الله عنه – بين قريش والقبائل الأخرى، أصبحت هذه العصبيةفي خلافة علي بن أبي طالب بين فرعي قريش الكبيرين: بني هاشم، وبني أمية،وانقسمت القبائل بين مؤيِّدٍ ومعارض لأحد هذين الفرعين، وقد كانت واقعةصفين صورة حقيقة للعصبية القبلية، ونرى هذا واضحا في رواية الطبري فقد كانعلي –رضي الله عنه – يسأل عن أسماء قبائل العراق، ثم يضع كل قبيلة فيمواجهة مثيلتها بين قبائل الشام، و أمر كل قبيلة من أهل العراق أن تكفيهأختها من أهل الشام، إلا أن تكون قبيلة ليس منها بالشام أحد فيصرفها إلىقبيلة أخرى بالشام ليس منها بالعراق " أحد "
    ثم بدأت موجة قوية من العصبيةالقبلية في أوائل العصر الأموي، فقد اعتمد معاوية –رضي الله عنه- علىاليمنيين دون المضريين فتزوج من قبيلة كلب اليمنية وأنجب منها يزيد؛ ولذاازداد نفوذ كلب في خلافة يزيد، مما أثار الغيرة في قلوب قيس وهي من مُضَر / كما قرَّت عين مضر لخروج عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما – في الحجاز؛فأسرعت إلى تأييده، ولما مات يزيد أبت مضر أن تعترف بولده معاوية خليفة،وبايعت لابن الزبير. (1)
    كذلك اشتد الخلاف بين قيس وتغلبفقد كانت تغلب تدين بالولاء لمروان بن الحكم بينما وقفت قيس دائما موقفالمعارض لبني أمية، وكانت قيس تنزل قبل الإسلام في نجد وبوادي الحجاز،وتمتد بطونها وعشائرها حتى تشرق على منازل تميم وبكر. أما تغلب فنزلت فيالموصل وأقامت بطونها وعشائرها في المنطقة الممتدة من الحيرة إلى شواطئ الفرات وإلى بادية الشام؛ فلما ظهر الإسلام خرجت قبائل قيس للاشتراك فيحركة الفتوح ونزل جزءٌ كبيرٌ منها في الشام، وامتدت بعض فروعها إلى منازلتغلب في الموصل وحوض نهر الفرات، وهكذا كان بين قيس وتغلب تزاحم في المنازلوتضارب على المعيشة والمكان مما جعلهما مختلفين في مصالحهما الاقتصادية،وهذا الجانب الاقتصادي هو الذي جعل تغلب تنتهز الفرصة في مرج راهط، وتنضمإلى القبائل اليمنية ضد قيس حتى تخرجها من بلادها إذا دارت عليها الدوائر.
    وإلى جانب العصبية القبلية كانهناك عصبية المدن؛ فكان عرب كل مدينة ومواليها يتعصبون لمدينتهم رغم ما بينالفريقين من كراهية وأحقاد، وافتخر سكان كل مدينة بما تحفل به مدينتهم منخيرات وبمن يقيم فيها من الصحابة والعلماء والفقهاء.
    وقد تجلَّت عصبية المدن في حربصِفين؛ فقد كانت البصرة عثمانية والكوفة علوية وكان خذلان الكوفة لعلي –رضيالله عنه – مظهرا من مظاهر عصبية المدن، فقد سار علي –رضي لله عنه – فيالكوفة وفق الاتجاهات الإسلامية، وكان هذا لا يناسب الكوفيين الذينيُؤْثِرون مصلحتهم على مصلحة غيرهم، ونضيف إلى العصبية القبلية وعصبية المدن العصبية الإقليمية؛ فقد تعصب كل إقليم عربي وإسلامي ضد الآخر،وتجلَّت العصبية الإقليمية في العصر الأموي في عدة مظاهر، ففي عهد معاوية – رضي الله عنه كانت البصرة عثمانية، في حين كانت الكوفة علوية، وكانت الشامأموية.
    أما الجزيرة فكانت خارجية في حين كانت الحجاز سنية.
    وفي خلافة يزيد بن معاوية كانتالعراق تؤيد الحسين بن علي رضي الله عنهما في حين بايع الحجاز عبد الله بنالزبير رضي الله عنهم، وكان الحَجَّاج عند بنائه واسط يهدف إلى عدم مخالطةجند الشام لأهل العراق حتى يبقى جنده محتفظين بعصبيتهم الإقليمية ضد أعدائهالعراقيين.



    ثانيا: الموالي:


    إن القارئ للتاريخ الإسلامي سوفيلحظ أن الموالي كان لهم دورهم السياسي والعلمي في الدولة الأموية؛ فقدقاموا بأعمال الفتوحات الواسعة كقادة الجيش قاموا بأعمال التنظيم الإداري؛كالقيام على أمر الدواوين وتعربيها ثم كعلماء بَزُّوا العرب في ذلك، ويمكنالقول إن الموالي كانوا على ثلاث طبقات:
    الطبقة الأولى: موالي العرب.. وهم الذين أُعتِقُوا أو عقدوا حلفا مع بعض القبائل العربية ذات النفوذالسياسي – أي تنتمي إلى قاعدة العصبية التي قامت عليها الدولة الأموية – وهؤلاء كانوا ردءا للدولة في القيام بكثير من الأعمال، ويحدثنا الجهشيارىفي كتابه الوزراء والكتاب أن " سرجون بن منصور " الرومي كان يكتب لمعاويةعلى ديوان الخراج،و يكتب لزياد مولاه مرادس، وعلى الخراج زاذان فروخ، وكانذلك في أيام معاوية بن يزيد بن معاوية، ويكتب على الديوان "سرجون بن منصور " النصراني – أي غير المسلم..، ويكتب لعبد الملك على ديوان الرسائل " أبو الزعيزعة " مولاه، وعلى ديوان الخاتم للوليد بن عبد الملك شعيب الصابيمولاه، ويكتب له على المستغلات بدمشق يفيع بن ذؤيب مولاه، وكان من كبارا لفاتحين المسلمين " طارق بن زياد " مولى من البربر، وكان عامة جيشه الذيفتح به الأندلس من الموالى.
    ومن الموالى الذين وصلوا الإمارة: موسى بن نصير، وكان والده من سبي عين التمر، وولى أبو المهاجردينار مولى الأنصار إفريقية 47 هـ، وتولى يزيد بن أبي مسلم كاتب الحجاجولاية إفريقية أيضا، وكان من الموالى، ولما قُتِلَ ولوا محمد بن يزيد مولىالأنصار سنة 102 هـ وغيرهم، ولم يكن الموالى مجرد موظفين ولكنكان لهم دورسياسي كبير في توجيه الأمور ولا تكاد تخلو صفحة من صفحات كتاب التاريخ منوجود دور للموالى في الأعمال السياسية أو القتالية أو الإدارية، وبالتاليفإن هؤلاء الموالى كانوا جزءًا حقيقيًّا من الطبقة الحاكمة بلا فرق بينهموبين مواليهم، فكل طبقة حاكمة تنحي منحى عصبويا، فإنها تكون بحاجة إلىتوسيع قاعدة عصبيتها، ليقوموا على الأعمال الهائلة والممتدةالمنوطة بالدولة أن تؤديها،خاصة أن الموالى كانت لديهم قدرة كبيرة فيالأعمال الإدارية والسياسية والقتالية، لكن الذين اصطفتهم الدولة منالموالى لتوسيع قاعدة النخبة الحاكمة كانوا جزءًا ضئيلا من فيضان الموالىالذين دخلوا الإسلام، وبالتالي فهؤلاء الطبقة من الموالى كانوا قليلين لو قورنوا بالأعداد الهائلة للموالى التي دخلت الإسلام، والتي مثلت عبئا علىالدولة الأموية.
    الطبقة الثانية من الموالى: وهمالعلماء الذين انخرطوا في طلب العلم، واستطاعوا أن يحفظوا للأمة الإسلاميةتراثها الفقهي، والأدبي والحديثي وكل فروع العلم، ففي المدينة على سبيلالمثال كان من سادة العلماء فيها: " سلمان بن بشار " مولى ميمونة بنتالحارث توفي سنة 103 هـ، ونافع مولى ابن عمر، وربيعة الرأي وهو من شيوخالإمام مالك، وفي مكة:مجاهد بن جبر، مولى قيس المخزومي توفي سنة 102هـ،وعكرمة مولى ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، وفي البصرة: الحسن البصري، وأبوهمولى زيد بن ثابت، وفي الشام مكحول توفي سنة 118 هـ وفي مصر يزيد بن حبيب "بربري " وهو شيخ الليث بن سعد، وغيرهم كثير،
    الطبقة الثالثة من الموالى: وهؤلاء هم عامة الموالى، وهؤلاء تحولوا إلى الإسلام بدون أن يعقدوا مع إحدىالقبائل العربية عقد موالاة، فبقي ولاؤهم للأمة كله، أي ينتسبون للأمة دونأن تكون هناك مؤسسة اجتماعية يمكن أن تحميهم أو تهييء لهم الارتقاء فيالمؤسسات السياسية، كما قد يكون هؤلاء موالي لبعض القوى الاجتماعية التيتتحيز الدولة ضدها، كأن يكونوا موالي القيسية، بينما قاعدة الدولة العصبيةتعتمد على اليمانية، وهنا فإن الموالي يُعامَلُون كما تُعامَلقبائلهم،......... وبينما يُعامَل العلماء بالاحترام فإن الطبقة الأولى منالموالى قد تعرضت لتقلبات السياسة بينما تعرضت الطبقة الأخيرة للمعاملةالتمييزية التي تصل إلى حد الامتهان، وقد أدَّت العصبية العربية ضد الموالىإلى رد فعل لديهم يؤكد ذاتهم في مواجهة تعصب العرب لبنى جنسهم، وقد اتبعالموالى في خراسان الدعوة العباسية للتخلص من التمييز الاجتماعي والسياسي،الذي مارسته ضدهم الدولة الأموية.
    وفي الحقيقة لم تكن هناك سياساتعامة للدولة الأموية لاضطهادهم أو التعصب ضدهم، ولم يكن هناك مجال منمجالات العمل موصدًا أمامهم، فقد رأينا الأمراء وقادة الجيوش و العلماء منالموالى، والحق أن هذه النظرة المتعالية إلى الموالى، لم تكن نظرة كلالعرب، بل كانت نظرة بعض البدو الذين لم يفهموا الإسلام فهما حقيقيا، وربماكانت نظرة بعض الولاة، الذين كان يستفزهم عداء الموالى للدولة الأموية،فصدر منهم ظلم وجور للموالى وللعرب من أعداء الدولة الأموية، ومن الظلم أنيحمل ذلك على أنه السياسة العامة للدولة الأموية، وكما كان في الموالى منارتفع به إيمانه فوق العصبية، والعنجهية القومية، فقد كان الكثير من العربممن فهم الإسلام جيدًا، وآمن بأنه يسوي بين جميع المسلمين، من عرب وعجم،وأيقن أن الرجل يشرف بدينه وعمله وخلقه، وليس بجنسه وعِرْقِه، فأكرم الناسعند الله أتقاهم، ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، فالحسن البصري – وهو مولى – كانت له منزلة كبيرة عند العرب وكلمة مسموعة حتى عند الدولة، بلكان ينتقد -علانيةً- خلفاء بنى أمية وولاتهم، ويوم مات تبع الناس كلهمجنازته، حتى لم يبقَ في المسجد من يصلي العصر، وعلى كثرة من قتل الحجاج بنيوسف الثقفي من العرب والموالي في الثورات والفتن العديدة التي شهدتهاولايته على العراق، لم يشتد استنكار الناس عليه في قتل أحد، كما اشتد عليهفي قتله سعيد بن جبير وهو مولى وذلك لمكانة سعيد عند الناس، مع أنه خرجثائرا على الدولة مع ابن الأشعث.
    إن الفكرة الشائعة عن بنى أميةوالتي أذاعها فون كريمر، وفان فلوتن، وبروان، ورددها كما هي جورجي زيدانوفيليب حتى، ونقلها بعض المؤرخين المحدثين مثل: حسن إبراهيم حسن، وعلى حسنيالخربوطلى، وغيرهم، وهي أن بنى أمية كانوا متعصبين ضد الموالى، وأنهماستغلوهم واضطهدوهم واحتقروهم، وأنه كان من نتائج ذلك سخط الموالى الذيتولد عنه سقوط الدولة الأموية، هذا ليس على إطلاقه؛ فقد تبين أن هناكمجموعات من الموالي مع الأمويين، وأنه كانت أعداد كبيرة من الموالى مثلهممثل بقية العرب المعارضين للحكم الأموي، استطاعت الدعوة العباسية أن توظفهذه الشريحة من المجتمع الإسلامي وتقنعها بمبادئها وأهدافها، فانضوت تحتلواء الدعوة العباسية وأسهمت في القضاء على الدولة الأموية، فقد استغلتالدعوة العباسية كل الظروف، واستفادت من جميع العناصر الناقمة على الدولة الأموية.

    ثالثا: أهل الذمة:


    الذمة في اللغة:العهد والأمانوالضمان،وأهل الذمة هم المستوطنون في بلاد الإسلام من غير المسلمين وسموابهذا الاسم لأنهم دفعوا الجزية فأمنوا على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم، فالتعاليم الإسلام كانت تقضى بأنه إذا أراد المسلمون فتح إقليم وجب عليهم أنيطلبوا من أهله اعتناق الإسلام فمن استجاب منهم طُبِّقت عليه أحكامالمسلمين، ومن امتنع أُخذت منه الجزية. وعندما فتح المسلمون الأمصار رَحَّببهم أهل الذمة، فقد أملوا في الخلاص من الانقسامات الدينية والمذهبية،والخلاص من ظلم حكامهم، والإعفاء من الخدمة العسكرية، والتمتع بالحريةالدينية التي يسمح بها الإسلام مقابل دفع الجزية، وكان ترحيب أهل الذمةعاملا على نشر الإسلام، فقد دعا العرب المسلمون أهل الذمة إلى الإسلام. وأعلنوا أن المحارب إذا أسلم سيصبح له ما للمسلمين وعليه ما عليهم؛ ولذادخل في الإسلام جموع هائلة من أهل الذمة، واعتقد بعضهم أن توفيق المسلمين في الفتوح هو مظهر من مظاهر رضاء الله عليهم ودليل على صدق دينهم، وأما من بقي من أهل الذمة على دينه، فقد عاملهم المسلمون بتسامح عظيم باعتبارهم أهل كتاب، وكانت كتب الصلح صورة صفية لتسامح المسلمين. وكان على أهل الذمة طوال عهد الخلفاء الراشدين والأمويين واجبات، ولهم في مقابلها حقوق.
    أما الواجبات: فكان على أهلالذمة أن يدفعوا الجزية على الموسر 48درهما، وعلى متوسط الحال 24 درهما،وعلى الفقير 12درهما مع تقديم الزيت والخلِّ والطعام اللازم للمسلمين، وكان يشترط على أهل الذمة في عقد الجزية شرطان: أحدهما مستحَق، والآخر مستحب،ويشمل الشرط المستحق ستة أمور يجب على أهل الذمة تحقيقها فيجب عليهم احتراما للقرآن والرسول –صلَّى الله عليه وسلم – وعدم القدح في الإسلام، وألا يصيبوا مسلما بزنا ولا بنكاح، وألا يحولوا مسلما عن دينه،وألا يعينوا أهل الحرب. أمل الشرط المستحب فيشمل –أيضا – أمورا ستة فعليهم لبس الغيار، وشدا لزنار، وأن تكون مبانيهم أقل ارتفاعا من مباني المسلمين. وألا يسمعوا المسلمين أصوات نواقيسهم وتلاوة كتبهم، وعدم المجاهرة بشرب الخمر أو إظهارا لصلبان والخنازير، وإخفاء دفن الموتى وعدم النَّوْح عليهم، وعدم ركوب الخيل مع السماح بركوب البغال والحمير، وكان على أهل الذمة ألا يحدثوا بيعه أو كنيسة، ولكن يجوز بناء ما تهدم من بيعهم وكنائسهم القديمة، كما كان على فلاحي أهل الذمة العناية بالطرق والجسور والأسواق والإرشاد وضيافة أبناء السبيل.
    أما حقوق أهل الذمة فهي الكف عنهم والحماية لهم ولأهل العهد والأمان على نفوسهم و أموالهم، وفي الحقيقة كانت معاملة المسلمين لأهل الذمة تنم عن تسامح وعطف وكرم فقد كان أهل الذمة لا يدفعون سوى عُشر التجارة والجزية بينما هم مُعفون من الصدقات، وكانت الجزية مقابل ما يدفعه المسلم من صدقة، وأُعفي الصبيان و النساء والمساكين وذوو العاهات والرهبان، وكثيرا ما نقض بعض أهل الذمة ما شرطه المسلمون عليهم، فكان المسلمون لا يقتلونهم أو يغنموا أموالهم أو يَسْبُوا ذرياتهم بل كانوا يكتفون بطردهم من بلاد المسلمين، وعاش المسلمون مع أهل الذمة جنبا إلى جنب فقد اشتركوا مع المسلمين في تخطيط المدن الإسلامية الجديدة،وعاشوا جميعا في سلام.
    أما عن معاملة المسلمين للمجوس فقد اختلف المسلمون في اعتبار المجوس أهل كتاب فالماوردي يذكر أن " أهل الكتاب هم اليهود والنصارى وكتابهم التوراة والإنجيل، ويجري المجوس مجراهم في أخذ الجزية منهم، وإن حُرِّمَ أكلُ ذبائحهم ونكاح نسائهم، وتُؤخَذ من الصائبة والسامرة إذا وافقوا اليهود والنصارى في أصل معتقدهم، ويؤكد البلاذري أن المجوس من أهل الكتاب، أما أبو يوسف فيروي أن الرسول –صلى الله عليه وسلم –وأبا بكر وعمر - رضي الله عنهما- أخذوا الجزية من المجوس، ومن الثابت تاريخيًّا أن الرسول صلَّى الله عليه وسلم صالح مجوس هجر على أن يأخذ منهم الجزية، وإن لم يستحل مناكحة نسائهم ولا أكل ذبائحهم، وظل الولاة الأمويون يجمعون الجزية من المجوس مثل سائر أهل الذمة، فأبو يوسف " صاحب كتاب الخراج " حفظ لنا خبر أخذ عدي بن ارطأة عامل عمر بن عبد العزيز في العراق الجزية من المجوس.
    وجد أهل الذمة من مصلحتهم تعلم اللغة العربية، وكان تسامح المسلمين مع أهل الذمة سببًا في إقبالهم على تعلم لغتهم، والعمل بالنظم العربية حتى أصبحت اللغة العربية بمرور الوقت لغة معظم المسيحيين، أما مجوس العراق وفارس فكانوا يتحدثون باللغة الفهلوية،وحرص المجوس عند إسلامهم على تغيير أسمائهم إلى أسماء عربية، وعلى تعلم اللغة العربية، وتمتع أهل الذمة في العصر الراشدي والعصر الأموي منذ خلافة معاوية بن أبي سفيان –رضي الله عنه- إلى عصر عبد الملك بن مروان بالحرية الدينية والتسامح الديني، ولكن أهل الذمة في العراق في عصر الحجاج بن يوسف والي عبد الملك بن مروان عانوا بعض الشيء من سياسته فقد ظنَّ أهل الذمة أن إسلامهم سيخلِّصُهم من دفع الجزية؛ فأقبلوا على الإسلام وخرجوا من قراهم إلى مدن العراق، ولكنَّ الحجاج ختم أسماء قراهم على أيديهم وأعادهم بالقوة،ووضع عبد الملك ضرائب استثنائية على أهل الذمة وجعل الجزية في الجزيرة هي الزائد عن دخل أهل الذمة، حاول أهل الذمة الفرار من الجزية فترهبنوا لعلمهم بإعفاء الرهبان ولكن الحجَّاج فرض الجزية على جميع الرهبان، كما كان يشتد على أهل الذمة إذا ما تأخروا في وضع الجزية وقام الحجاج بإقصاء العمال الذميين من وظائف الدولة بالعراق، ولكننا نعلم أن مظالم الحجاج امتدت –أيضا –إلى الكثير من المسلمين.
    وهذا لا يعد دليلا على أن المسلمين أساءوا معاملة أهل الذمة في العصر الأموي فالثابت تاريخيا أن أهل الذمة تمتعوا بالحرية الدينية تماما فضلا عن حسن المعاملة؛ فقد كان التسامح شعار الإسلام ولم يكن الفتح الإسلامي حربا صليبية ويدلل "أرنولد " على تسامح المسلمين برسالة لأحد رجال الكنيسة وهو البطريق النسطورى "يشوع باف الثالث " فقد تضمنت هذه الرسالة الدليل القاطع على طابع الهدوء والمسالمة التي اتبعها المسلمون في نشر الإسلام: فقد احترم المسلمون عقائد أهل الذمة وعاداتهم وعرفهم مقابل جزية زهيدة تقل عما كانوا يدفعونه إلى ساداتهم السابقين الفرس من الضرائب، ولم يطبق المسلمون على أهل الذمة ما كانوا يوقعونه على المسلمين من عقوبات لشربهم الخمر ويمتدح " جوزى " بنى أمية لأنهم ساووا بين طبقات الفرس، وعاملوا أهل الذمة بالحسنى.
    فقد افتتح معاوية بن أبي سفيان –رضي الله عنه – عهدًا جديدًا من التسامح مع أهل الذمة؛ فقد عين لولده يزيد مربيا مسيحيا، كما كلف يزيد بن معاوية كاهنا مسيحيا بتثقيف ولده خالد،وعامل المختار بن أبي عبيد الثقفي أهل الذمة معاملة حسنة، أما الحجاج الذي اتهمه المؤرخون باضطهاد أهل الذمة فقد كان عامله بخراسان يبني لأهل الذمة البِيَع، وقد سمح له الحجاج بذلك، وكان الأخطل الشاعر المسيحي يحظى باحترام جميع المسلمين.
    كما تمتع أهل الذمة في عهد عمر بن عبد العزيز بكثير من عدله ورحمته؛ فقد أمر عماله بألا يهدموا كنيسة أو بيعة أو بيت نار صُولح أهلُ الذمة عليه، كما نهي عمر بن عبد العزيز عامله على الكوفة عن إتباع سياسة الحجاج التي تقضى بإرجاع أهل الذمة إلى قراهم. وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله بالكوفة –أيضا – أن يعطي أهل الذمة ما بقى من خراج الكوفة فيسدد ديونهم، ويساعد من أراد الزواج منهم، ثم ختم رسالته بقوله " قووا أهل الذمة فإننا لا نريدهم لسنة أو سنتين " وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله –يجعل صدقات بني تغلب – القبيلة المسيحية – في فقرائهم دون ضمها إلى بيت المال.
    كما تمتع أهل الذمة في الدولة العربية الإسلامية بنصيب كبير من الوظائف وقد أيَّد "ويمومبين " هذا الرأي بقوله: إن أهل الذمة احتلوا مكانة بارزة من حياة الدولة الأموية وكثر عددهم في الدواوين والمصالح، وزاد " بارتولد" عليه بأن النصارى والفرس كانوا يقومون ببناء المساجد والقصور.


    رابعا: الرقيق:


    عَرَّف الفقهاء المسلمون الرِّقِّ بأنه عجز حكمي شُرِع في الأصل جزاءً عن الكفر، وترجع تسميته بالعجز إلى أن الرقيق لا يملك ما يملكه الحرُّ من الشهادة والقضاء وغيرهما أما أنه حكمي فلأن العبد قد يكون أقوى في الأعمال الحسية من الحر.
    وعندما دخل العرب المسلمون العراق و الشام ومصر وكان عامة السكان يشكون من الرق و الاستعباد فجاءهم الإسلام رحمة ونجدة.
    وكان معظم طبقة الرقيق في المجتمع الإسلامي من أسرى الحروب خلال الفتوحات العربية الإسلامية في العراق وفارس والشام ومصر وغيرها. (2) وخيَّر القرآن المسلمين بين قتل الأسرى أو فدائهم أو المن عليهم بإطلاق سراحهم بغير فداء أو الاسترقاق، ولم يسترق المسلمون الفاتحون إلا حاميات المدن التي قاومتهم مقاومة عنيفة،وكان المسترقون من الأسرى يُعتبرون غنيمة فتأخذ الدولة الخمس وتوزع أربعة الأخماس الباقية بالتساوي على الجند، وتزايد عدد الرقيق بعد الفتوحات الإسلامية الواسعة النطاق، وفي عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك.
    وكان أسرى الحروب يوزعون على المحاربين المسلمين بعد إرسال الخمس إلى الخليفة في حاضرة الدولة الإسلامية، وكان الأسرى يُعدُّون أحيانا بالألوف؛ فتصبح حصة المسلم المحارب عظيمة مما يضطرهم إلى بيع أسراهم بدراهم قليلة للأسير الواحد، وخاصة إذا لم يكن المحارب يملك مزرعة يستخدم فيها هؤلاء الأسرى، أو يمتهن حرفة يحتاج فيها إلى من يساعده، ففي هذه الحالة يصبح الأسير عالة على سيده.
    فقد زاد الرقيق زيادة كبيرة في العراق، فكان يوجد عند الواحد من العرب عشرة أرقاء أو مائة أو ألف، بل كان بيت الفقراء من عامة الناس لا يخلو من عبدٍ أو أكثر يقومون بالخدمة؛ بسبب رخص أسعار الرقيق نتيجة تكاثرهم، وكان الأمير ووجوه القوم يسيرون في طرقات البصرة والكوفة وخلفهم مئات العبيد يؤلفون موكبا عظيماً، وكان الأرقاء يختلفون في أشكالهم وألوانهم، منهم أسود اللون وهم أسرى فتوح الهند، أو أصفر اللون وهم عبيد الصين أو التركستان.
    على أن الأمر الذي يجدر ملاحظته أن العبيد لم يكونوا جميعا من الأسرى، بل كان منهم من تم شراؤه من أسواق النخاسة التي كانت منتشرة في أرجاء الدولة العربية الإسلامية في ذلك الحين،وكان المسلمون يشترونهم لاستخدامهم في زراعة الأرض أو مساعدتهم في حرفهم أو خدمتهم في قصورهم وبيوتهم ومساعدتهم في حروبهم مع ملاحظة أن العربي لا يُسترَقُّ إطلاقا، ولم تُخالَف هذه القاعدة إلا في حالات نادرة، منها ما فعله الأمويون بعد إخماد ثورة يزيد بن المهلب؛ فقد باعوا النساء والأطفال في أسواق الرقيق خلافا للمعتاد.
    احتفظ القرآن بنظام الرق في دائرة ضيقة، ونصح بحسن معاملة الرقيق بالعمل على تحريرهم، فقد حبَّب الإسلام للمسلمين عتق رقيقهم، وجعله كفارته عن كثير من الذنوب والآثام،فضلا عما فيه من تقرُّب لله تعالى، قال الله تعالى [فلا اقتحم العقبة (11) وما أدراك ما العقبة (12) فك رقبة]{البلد 11:13}.
    أما الذنوب التي جُعِلَت كفارتها عتقَ الرقيق فهي عديدة أبرزها كفارة القتل الخطأ قال تعالى:[ومن قتل مؤمنا خطأً فتحرير رقبة مؤمنة] {النساء: 92}، ولكن العتق لم يكن يقطع الصلة بين السيد ورقيقه بل يُبقِي بين الطرفين صلة تسمى "الولاء " فالمعتَق مولى للعاتق،ويترتب على الولاء أن السيد يدفع الدية عن مولاه إذا ارتكب جناية،وثانيها: أن يرث السيدُ مُعتَقَه؛ فقد كتب الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى عامله " مولى العتاقة يُورَث ولا يِرِث "
    وكان المسلمون يطلقون اسم "عبد العين" على العبد الذي لا يخدم إلا مادامت عليه عين مولاه، وكانوا يسمون العبد الذي يعمل في الأرض " القن " وكان العرب يستخدمون آلافا من الرقيق في الزراعة، وجعل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه رقيق الخمس في خدمة ذوي العاهات والعمليات؛ فقد كانت الدولة تمتلك رقيق الخمس وأصله حصتها من أسرى الحرب الذين لم يُسَرَّحوا أو يُوزَّعوا على الجند المسلمين، وتتمتع الدولة بكافة الحقوق التي يتمتع بها الأفراد على رقيقهم فلها أن تبيعهم أو تستخدمهم في الأعمال المختلفة أو تعتقهم، كما أنها كانت مسئولة عما يرتكبون من جرائم،كما كانت مسئولة عن طعامهم وملابسهم.
    وكانت روح الإسلام تنص على حسن معاملة الرقيق فمن أحاديث الرسول الكريم: للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يُكلَّف من العمل ما لا يطيق ومنها: اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم،أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم من العمل ما لا يطيقون. فما أحببتم فأمسكوا وما كرهتم فبيعوا، ولا تعذبوا خلق الله فإنه مَلَّكَكُم إياهم ولو شاء لملكهم إياكم وكان من أعمال المحتسب في الولايات الإسلامية ملاحظة تطبيق هذه القواعد الإسلامية على معاملة الرقيق.
    وكان هناك نوعان من الرقيق هما: الخصيان والجواري، والخصاء ليست عادة عربية بل هي شرقية وكانت شائعة في العراق زمن الآشوريين والبابليين...
    وكان مصدر الجواري في الإسلام سبي الفتوح، فما يقع من النساء في أيدي الفاتحين العرب يُعتَبر "سبيًا مسترقًّا" يقسم مع الغنائم وكان مصير هذه السبايا إما الخدمة أو الاستيلاء أو البيع أو الإهداء فالجواري من أعظم الهدايا عند العرب، وكان بعض الجواري يقمن بالخدمة في قصور وجوه العرب أو الغناء والرقص، وزاد عددهن إلى درجة كبيرة فقد كان المغيرة بن شعبة –رضي الله عنه- والي معاوية بن أبي سفيان –رضي الله عنه – يملك ستين أو سبعين أمة.
    ولما تعود الناس اقتناء الجواري اشتغل النخاسون في استجلابهم من أقصى بلاد الترك والهند وأرمينية والروم والسودان صغارا وكبارا يربونهن على ما تقتضيه مواهبهن أو جمالهن، وكان تعليم الجواري وتربيتهن من أبواب الكسب الواسعة فإذا ما اشترى أحدهم جارية ولاحظ عليها أمارات الذكاء ثقَّفها وعلمها رواية الشعر أو الغناء.

    الأسرة العربية الإسلامية لقد اهتم الخلفاء والولاة على مَرِّ العصور بالمحافظة على كيان الأسرة، ورفع مستواها المادي والمعنوي؛ فقد كتب الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز – رضي الله عنه – إلى ولاته يبين لهم ما يحتاجه كل رب أسرة فقال: " لابد للرجل من المسلمين من مسكن يُؤوي إليه رأسه، وخادم يكفيه مهنته، وفرس يجاهد عليه عدوه، وأثاث في بيته، وكان زياد بن أبيه الوالي الأموي يجلس ليفصل في الخصومات بين الأزواج.


    مركز المرأة في الأسرة والمجتمع:


    كانت المرأة العربية المسلمة ذات مركز اجتماعي ممتاز في الأسرة خاصة وفي المجتمع العربي الإسلامي عامة، وقد تمتعت المرأة بكثير من المميزات الاقتصادية التي أدت إلى رقي مستواها الاجتماعي؛ فقد كان للنساء خلال الفتوحات العربية الإسلامية نصيب من الفيء والغنائم، وأعفيت المرأة غير المسلمة من دفع الجزية، وإذا ملكت امرأةٌ أرض خراج فإنها لا تدفع عنها سوى الخراج، وكانت النساء يمارسن كثيرا من أنواع النشاط الاقتصادي، وقد برزت في الدولة العربية الإسلامية في العصر الأموي عدة نساء كان لهنَّ مركز اجتماعي ممتاز في مقدمتهنَّ السيدة عائشة أم المؤمنين –رضي الله عنها – زوجة الرسول الكريم –صلَّى الله عليه وسلَّم – فقد اشتهرت بتفوقها في الفقه ورواية الحديث و الفتيا والأدب والتاريخ والنسب، كما اشتُهِرَت أختها السيدة أسماء بنت أبي بكر زوجة الزبير بن العوام – رضي الله عنهم – برواية الحديث والشجاعة والكرم. ومن شهيرات النساء أيضا في ذلك العصر السيدة سكينة بنت الحسين بن علي، وعائشة بنت طلحة، وهند بنت أسماء بن خارجة.
    واشتهرت بعض النساء بالزهد والتصوف بجانب الصلاح والتقوى مثل رابعة العدوية، ومعاذة العدوية، وبعضن ساء الخوارج كالبجاء وغزالة وقطام وحمادة كحيلة.
    وبرزت بعض النساء في ميادين السياسية منهن أم البنين زوجة الخليفة الوليد بن عبد الملك وقد اشتهرت بالفصاحة والبلاغة وقوة الحجة وبعد النظر، وكان لها مكانة ملحوظة في قصرا لخليفة الوليد الذي كان يستشيرها في أمور الدولة المهمة.
    وكانت نساء الخوارج أبرز النساء في العصر العربي الإسلامي، فقد امتزن بالتقوى والورع والشجاعة والأدب والجهاد، فكُنَّ يخرجن مع رجالهن فيتلقين ويلات الحرب إلى جانبهم في الميدان بصورة لا نجدها فيما سبق من فتوح إسلامية وغزوات، وقد وجَّه زياد بن أبيه وابنه عبيد الله بن زياد اهتمامهما إلى منعهنَّ من الاشتراك في الحروب؛ فقبض ابن زياد على البلجاء فقطع يديها ورجليها ورُمِيَ بها في السوق،ولكن ذلك لم يمنع نساء الخوارج من الاشتراك في الحروب، ففي عهد الحجاج بن يوسف ثار عليه شبيب بن يزيد الشيباني، وكانت زوجته غزالة وأمه جهيرة تحاربان معه جنبا إلى جنب، وقد نذرت غزالة أن تدخل مسجد الكوفة فتصلي فيه ركعتين، وتقرأ فيهما سورة آل عمران؛ فجاهدت حتى تحقق لها ما نذرت،وهرب الحجاج أمام الخوارج؛

    فسخر أهل العراق منه وقالوا:
    هلا برزت إلى غزالة في الوغى

    .......................بل كان قلبك في جناحي طائر


    تقاليد الزواج :


    كانت تقاليد الزواج في المجتمع العربي الإسلامي تدل على مركز المرأة الاجتماعي الممتاز، ولم يكن تعدد الزوجات عيبا كبيرا في ذلك الحين، كما لم يكن زواج المرأة بعدة أزواج على التوالي غريبا فبين النساء المسلمات من تزوجت أربعة أو خمسة أزواج على التوالي.
    يبدأ الزواج في المجتمع العربي الإسلامي بالخطبة، وكانت هناك نسوة تخصصن في التوفيق بين الرجال والنساء ما نسميهن في وقتنا الحاضر: "الخاطبات " وكن يجلسن غالبا في المساجد،وبعد مرحلة الخطبة تبدأ مرحلة دفع الصداق، وقد اختلف قدره بحسب حالة الزوجين الاجتماعية، وكان العرب يدفعون الصداق نقدا وعين،ا ولكن معظم المسلمين كانوا يدفعون الصداق نقدا ويقدمون بعض الهدايا عينا وكانت عبارة "ساق إلى المرأة صداقها " ترجع إلى وقت أن كان العرب يدفعون الصداق من الإبل، واحتفظ العرب في العصر الأموي بهذه العادة، فإن الفرزدق مَهَر َالنوار بمائة ناقة حمراء ودفع مصعب بن الزبير لسكينة بنت الحسين خمسمائة ألف درهم وأهدى لها مثله، ودفع عمر بن عبيد الله لعائشة بنت طلحة مليون درهم نصفهم صداقا والنصف الآخر هدية لها، وبعث الحجاج بن يوسف إلى عروسه هند بنت أسماء بمائة ألف درهم وثيابا كثيرة.
    وكان الزواج أحيانا لأغراض سياسية، فكان يُقصد من بعض عقود الزواج ربط القبائل العربية بعضها ببعض؛فقد حرص الحجاج بن يوسف على الزواج من اليمن ومضر، وزوَّج الحجاج ابنه محمدا من ميمونة بنت محمد بن الأشعث بن قيس الكندي رغبة في شرفها، مع ما كانت عليه من جمال وفضل في جميع حالاتها، وأراد من ذلك استمالة جميع أهلها وقومها إلى مصافاته ليكونوا له يدًا على من ناوأه.
    لقد اتبع المسلمون في العصر الأموي كتاب الله وسُنة رسوله –صلَّى الله عليه وسلَّم – من زواجهم فما غالوا في تقدير المهور، ولا طلبوا من الزوج شروطا قاسية مادام الزوج صحيح البدن عفيفا نزيها، وكانوا يعتقدون أن المتزوج أسعد بالا وأهنأ عيشا من غير المتزوج...
    أما الشروط التي كان المسلم يطلب توفرها في زوجته فنراها واضحة في عبارة لخالد بن صفوان أحد وجوه العرب في العصر الأموي؛ فقد قال: "اطلب لي زوجة أدَّبها الغِنى وذلَّلها الفقرُ، لاضرعة صغيرة ولا عجوزا كبيرة، قد عاشت في نعمة، لها عقل وافر، وخلق طاهر،وجمال ظاهر، كريمة المحتِد، رخيمة المنطق، لم يدخلها صلف "
    وكانت أميرات البيت الأموي خاضعات لجميع الأحكام الإسلامية فهي عرضة للطلاق ولاحتمال الضرائر، فقد خطب محمد بن الوليد بن عقبة إلى عمر بن عبد العزيز أخته فقال عمر:"......وقد زوجناك على ما في كتاب الله من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان "


    حفلات الزواج:


    كان الزواج عند العرب يومان: يوم الإملاك وهو يوم العقد، وفيه يجتمع ذوو الفتاة في ساحة دارهم، ويقدم أقارب الفتى، وإذا التأم جمعهم خطبهم ولي الفتى خطبة رقيقة، ثم يرد عليه ولي الفتاة في خطبة قصيرة يضمنها الرضا ثم تنحر الجزر، وتُمَدُّ الموائد،ويُسمع الغناء من مجالس النساء وتُسمَّى وليمة ذلك اليوم النقيعة، واليوم الثاني يوم الغناء وفيه يتبارى العرب في الاحتفال؛ فيلعب الفتيان بالرماح،ويتسابقون على الخيل، ويبسطون الأنماط في الدار، ويشدونها على الجدران،ويجلس الناس على النمارق، وتُجَلَّى الفتاة وتلبس الحلق، ثم تسير في حشد من أترابه، ثم تغني النساء فتشيد بمآثر آبائها ومحامد قومها، وإذا انقضى ذلك الحفل أخذ النساء في الانصراف وودعن الفتاة بقولهن: باليُمنِ والبركة، وعلى خير طائر.
    وحرصت النساء على التجمل بوسائل الزينة المختلفة فكانت النساء تحرص على تقعيص شعورهن، وكن يدهن أيديهن في الشتاء بدهن يسمى " دهن البان "، ويستعملنه طوال السنة في ملابسهن وخمرهن، ونصح أسماء بن خارجة ابنته هند عندما زوجها الحجاج فقال: فعليك بأطيب الطِّيب الماء، وأحسن الحُسن الكُحل، وكان المحتسب يعاقب النساء اللاتي يصبغن شعورهن بالخضاب، ولا يمنعهن من الخضاب بالحناء، كذلك حرصت النساء على التحلي بأجمل الحُلي والمجوهرات المصنوعة من الذهب والفضة وسائر الأحجار الكريمة.


    الجواري في البيت المسلم:


    لقد كانت فتوح المسلمين سببا في وقوع كثير من بنات الأمصار المفتوحة الأحرار في أيدي الفاتحين المسلمين،ووُزِّعت الجواري كغنائم على المحاربين، ولما انتهت الفتوحات كان المسلمون يشترون عددا كبيرا من الجواري من أسواق النخاسة المنتشرة في جميع الأمصار،وكانت فتوحات الوليد بن عبد الملك شرقا في بلاد ما وراء النهر الهند وغربا في المغرب والأندلس مصدرا مهما لآلاف الجواري، وكان هؤلاء الجواري يردن على الولاة فيفرقونهن في وجوه الناس، وكان المسلمون يكرمون جواريهم فكان يزيد بن المهلب مثلا والي العراق " يعطي الجارية من جواريه مثل سهم ألف رجل " تفرع عن نظام الجواري نظام التسري وهو اقتناء الجواري للتمتع بهن أو استيلادهن، وكانت العرب تحتقر أبناء الجواري، ثم ضعفت هذه الكراهية لما كثر التسري بالجواري، قد نهي عمر بن الخطاب –رضي الله عنه – عن بيع أمهات الأولاد وهنَّ الجواري اللاتي ينجبن لأسيادهن، وكان هؤلاء الأبناء يلقون الكثير من احتقار العرب، وكانت السرية أحط منزلة من الزوجة ولكن علاقاتها مع الرجل كانت شرعية.
    ولم يكن المسلمون أول من اقتنى السراري فهذه العادة كانت شائعة عند الرومان قبلهم، وقد زادت رغبة المسلمين في التسري عند انتشار الحضارة حتى أصبح أكثر أبناء الخلفاء من أولاد الجواري، وتكاثُر الجواري أضعف النسل العربي ما في ذلك شك، والاستكثار من الجواري في فجر العصر العربي الإسلامي لم يكن يحتاج إلى نفقة كبيرة لكثرة السبايا، فلما استقرت الفتوح وعظم التمدن صاروا يبتاعونهن ويغالون في دفع أثمانهن، وكانت أسعارهن تتضاعف إذا جمعن بين الجمال، ورخامة الصوت، وإجادة الغناء.
    وكان ثمن الجارية يختلف من بضع مئات إلى بضعة ألوف أو مائة ألف دينار وقد اشترى سعيد بن عبد الملك (الزلفاء ) الجارية الشهيرة بمليون درهم (70 ألف دينار ) وأشترى يزيد بن عبد الملك سلامة المغنية بعشرين ألف دينار، وبيعت الجارية ضياء بخمسين ألف دينار.



    الطعام:


    كان طعام المسلمين خلال حكم الخلفاء الراشدين وبداية العصر الأموي بسيطا محدودا، يكاد ينحصر في اللحوم والثريد بجانب ما اعتادوا عليه في شبه الجزيرة العربية من تمور وألبان،وأظهر العرب عند الفتوحات جهلهم بألوان الطعام الفارسية والرومانية، فقد وجدوا في خزائن كسرى بعض الكافور؛ فحسبوه ملحا ووضعوه في خبزهم، وظنوا الخبز المرقع رقع ثياب، ولكن بتوسع الفتوح، واستقرار الأمور، زادت الثروة،وعمَّ الترف بين الناس؛ فبدأ المسلمون يتأنقون في طعامهم وشرابهم ولباسهم وقلدوا الفرس والرومان في أكثر أسباب الترف والحضارة.
    ولم تكد أعوام تمضي على ظهور الدولة الأموية حتى زاد اتصال المسلمين بغيرهم من الأمم؛ فعرفوا كثيرا من ألوان الطعام وأدواته، فتفنن المسلمون في معالجة اللحوم واصطناع التوابل المنبهة للشهية؛ فكانوا يغطون اللحوم والثريد بطبقة من الفلفل، وكان المسلمون لا يعرفون الفلفل قبل فتح فارس، وتعلموا-كذلك-من الفرس الكوز والجرة والإبريق والطشت والخوان، والكعك والفالوذج واللويزنج والزنجبيل والقرفة والجوز واللوز، وحرص المسلمون على تقليد الفرس في طعامهم وولائمهم،فقد أراد الحجاج بن يوسف أن يولم وليمة احتفالية بختان ولد له؛ فاستحضر بعض الدهاقين ليسألهم عن ولائم الفرس، كما عرف المسلمون كثيرا من أدوات المائدة فبعد أن كان المسلمون في عصر الخلفاء الراشدين يأكلون بأيديهم،تعلموا من الفرس استعمال الفوط والملاعق، وكانت الملاعق تصنع من الخشب غالبا كما جلبوا من الصين بعض الملاعق الفخار والخزف، وكانوا يجلسون على الكرسي أمام المائدة التي يغطونها بمفرش من القماش، وكان الطعام يقدم إليهم في صِحَاف توضع على جلود مغطاة بالقماش، ومن أشهر الأطعمة في الشام في العصر الأموي الفول النبوت بالزيت ويباع مع الزيتون، والترمس المملَّح، والزلابية وتصنع من العجين، والناطف ويصنع من الخرنوب، ولم تكن الخضر مستعملة على نطاق واسع كما هو الحال الآن. (3)



    المجالس الاجتماعية مجالس الخلفاء الأمويين:


    خرجت الدولة الإسلامية في العصر الأموي عن بساطتها وسذاجتها بعد أن انتهت مرحلة الفتوحات الإسلامية،
    وأصبحت الدولة الإسلامية تضم أمصار كثيرة كانت تتبع الدولتين الرومانية والفارسية، وتدرَّج الخلفاء والأمراء في مظاهر الأبهة واتخاذ الحجَّاب وبدأ بذلك معاوية بن أبي سفيان،وحذا أمراؤه حذوه في العراق ومصر، وزادوا عليه أن اقتبسوا كثيرا مما كان يتبعه أكاسرة الفرس وقياصرة الروم، وقد اتبعوا هذه السياسة تعزيزا للملك، وإدخالا للرهبة في قلوب الأعداء ورسلهم، وأصبح الخليفة لا يصل إليه أصحاب المصالح والناس إلا بعد شيء من العناء، وبعد أن يمر على حُجَّاب وحرس مما لم يكن موجودا مثله في عهد الخلفاء الراشدين.
    وقد اختلفت مجالس الخلفاء الأمويين الاجتماعية باختلاف شخصياتهم وميولهم؛ فمعاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - مؤسس الدولة الأموية وعبد الملك بن مروان، وعمر بن عبد العزيز لم يكونوا يجلسوا للاستماع إلى الغناء والموسيقى وإنما كانوا يعملون ويجلسون للنظر في أمر الملك وتعزيز مرافق الدولة، بخلاف غيرهم وخاصة في أواخر العصر الأموي ممن كانوا يجلسون للاستماع إلى ألوان الطرب والغناء.
    كان الأمويون الأُوَّل حكاما نشطاء أَكْفَاء خصصوا شطرا كبيرا من يومهم للأعمال الإدارية، وعلى حين قضوا الأمسيات والليالي في السمر، ثم إنهم عشقوا في بادئ الأمر سماع القصص التاريخية، وفضلوا منها بصفة خاصة أساطير الجنوب، هذا فضلا عن إنشاد الشعر.
    أما سائر الخلفاء فلم يروا بأسا في الاستماع إلى المغنين والمطربين و الموسيقيين، ومما لاشك فيه أن استماع الخلفاء إلى الغناء والموسيقى ساعد على تقدم هذين الفنين في العصر الأموي.
    وفي العصر الأموي جلس الخلفاء في القصور بعد أن كان عمر بن الخطاب –رضي الله عنه – يجلس للناس في المسجد،كما استعملوا بعض القصور الرومانية، وبنوا لأنفسهم بعض القصور الخاصة بهم،فقد بنى معاوية –رضي الله عنه – قصر الخضرة في دمشق، ونَصَبَ الخلفاء الأمويون في هذه القصور الأَسِرَّة والكراسي، وافترشوا الطنافس والمصليات والوسائد وعلقوا الستور، وأقاموا الحجاب والحراس.
    وكان معاوية –رضي الله عنه – أول من اتخذ الأَسِرَّة قَّلد بها بطارقة الروم في الشام،وكذلك الستور والطنافس، أما الكراسي فكان أول من استخدمها زياد بن أبيه والي معاوية –رضي الله عنه – على العراق، واقتبس الأمويون من الروم والفرس مظاهر الأبهة كالطراز، ونقش الأشعار في صدور المجالس، وفرش الديباج والخز، واصطناع الأسرة من الأبنوس والعاج والذهب.


    الاستئذان على الخليفة:


    كان الاستئذان على الخليفة في عصر الخلفاء الراشدين أن يقف الرجل بالباب ويقول:"السلام عليكم، أأدخل؟ " ويكرر ذلك ثلاثا فإن لم يُؤْذَن له لم يُعِدْه، فلما كان العصر الأموي أقيم الآذنون والحجاب يتوسطون للناس بدخولهم على الخليفة حسب طبقاتهم، وفي أوقات معينة، لكل طبقة من الجلساء، أو الأدباء، أو الشعراء أو غيرهم، أمَّا في المجالس العامة فيقدمون الناس حسب مراتبهم.
    وأول من رتب المراتب في الدخول على الخليفة زياد بن أبيه والي العراق؛ فقد أشار حاجبه عليه بذلك، وقد اقتبس هذا النظام عن الفرس، فجعل الإذن للناس على البيوتات ثم على الأعمار ثم على الآداب، وصار ذلك سُنَّة في الاستئذان على الخلفاء الأمويين، فإذا استأذن جماعة في الدخول على الخليفة أو الأمير يُؤذَن أولا لأشرفهم نسبا،فإذا تساووا في النسب قدموا أكبرهم سنا، فإذا تساووا في السن قدموا أكثرهم أدبا.
    وإذا وفد ناس على الخليفة الأموي أو أحد أمرائه، وقفوا بباه يلتمسون الإذن، فإما أن يأذن لهم أو يصرفهم،فإذا صرفهم عادوا ثانية في المواضع اللائقة بهم وبمراتبهم، ويتولى إجلاسهم الحاجب أو الآذِن، وكانت الرتبة الأولى بعد الخليفة الأموي لبني أمية،فيجلسون على الأسرة، ثم لبنى هاشم فيجلسون على الكراسي.
    في مطلع العصر الأموي، كانت الدولة مازالت على بساطتها، فكان الخليفة لا يزال يشبه شيخ القبيلة فكان الناس يخاطبون الخليفة في هذا العهد باسمه أو كنيته، ولكن سرعان ما تشبهت الدولة الأموية بالدولة الرومانية والفارسية، فبدأ الولاة الأمويون يعظمون أمر الخليفة وينزهون مجلسه عن مجالس سائر الناس، واقتبس زياد بن أبيه الكثير من تقاليد الفرس؛ فمنعهم من الكلام في حضرة الخلفاء على الإطلاق،واتبع عبد الملك بن مروان هذه القاعدة أيضا، ثم عمد الخلفاء بعد ذلك فمنعوا أن يخاطبهم الناس كما كانوا يخاطبون أسلافهم، أو يعظوهم وهم على المنابر،أو أن يطالبوهم بما كانوا يطالبون به غيرهم من الناس من تقوى وصلاح أو الكفِّ عن عمل شيء ما، ومن آداب المجالس أن لا يأمر فيه أحد غير الخليفة،وإذا نهض نهض سائر الحضور، وإذا أراد الخليفة صرف جلسائه أبدى إشارة يعرفونها فينصرفون فكان معاوية –رضي الله عنه- إذا أراد صرف الناس قال:"إذا شئتم "،أو "العزة لله " وكان ابنه يزيد يصرف جلسائه بقوله " على بركة الله " أما عبد الملك بن مروان فكان يحمل في يده خيزرانة فإذا ألقاها من يده عرف جلساؤه أنه يريد انصرافهم فينصرفون، ومن انصرف من حضرة الخليفة مشى القهقرى، ووجهه نحو مجلسه حتى يتوارى.


    مجالس الولاة الأمويين:


    كان زياد بن أبيه والى معاوية –رضي الله عنه – على العراق يعقد كثيرا من مجالس السمر؛ فكان يجمع حوله حلقة من النبلاء كل مساء، وسار زياد على سيرة معاوية رضي الله عنه في الجلوس على السرير والناس تحته، وإقامة الحرس والشرط والبوابين، وكان في اتخاذه مقلدا لمرازبة الفرس، وكان السرير يصنع من الأبنوس و الصندل أوالعاج أو الذهب، وكان عبارة عن مقعدا أو كرسي كبير،وكان زياد يشتو بالبصرة ويصيف بالكوفة، ويحضر وجوه المصرين مجالسه؛ فيدخلون عليه على السابقة والشرف، ويسمرون عنده جالسين على الكراسي، وكان يتناول الطعام معهم، وكان زياد جادا في مجالسه؛ فكان لا يداعب أحدا في مجلسه ولا يضحك.
    وسار عبيد الله بن زياد سيرة أبيه في عقد المجالس، ولعل أبهي مجالس الولاة الأمويين هي مجالس بشر بن مروان فقد كان أديبا ظريفا يحب الشعر والسمر والسماع، وكان للحجاج بن يوسف كذلك مجالسه ففي الشتاء يجلس والناس أمامه على الكراسي، أما في الصيف فيجلس في حديقة قصره في مدينة واسط على سرير بجوار بركة ماء، وكانت تدور على الجالسين أطباق كثيرة من الرُّطَب، وكان الحجاج يحب سماع الشعر وخاصة من جرير، وكانت لمجالس الولاة –أيضا – تقاليد وآداب، فساروا فيها سيرة أكاسرة الفرس، واقتبسوا منهم –كذلك – نظام الحجَّاب.


    مجالس العامة في العراق:


    اختلفت أماكن مجالس العامة الاجتماعية، فقد كان بعضهم يعقدها في المساجد أو الجبانات، والبعض الآخر يعقدها في البيوت أو الحانات أو الأديرة أو كناسة الكوفة أو مربد البصرة.
    وهذه المجالس إما جادة وقورة أو مجالس ماجنة.
    وكانت مجالس القصاص من أبرز مجالس العراق؛ فكان القَصَّاص يجلس في المساجد أو البيوت ويقص على الناس القصص والتواريخ والأساطير، وهي تعتمد غالبا على الخيال حتى تكتسب صفة التشويق والترغيب.


    المجالس الاجتماعية في بلاد الحجاز:


    لم تزدهر الموسيقى والغناء في الأمصار الإسلامية مثلما ازدهرت في بلاد الحجاز في العصر الأموي، فقد كانت بلاد الحجاز المكان الذي خرج منه الفاتحون المسلمون، ثم عادوا إليه وبين سباياهم مئات الجواري الفارسيات والروميات اللاتي تربين في بيوت الملوك والأمراء فأجدن الغناء والموسيقى، ونقلن ذلك إلى الحجاز وصبغته بالصبغة العربية، وكان هذا هو السبب في تأسيس مدرسة الغناء في الحجاز، ولاشك في أن قيام الخلافة الأموية في الشام، ويأس أهل الحجاز من عودة حاضرة الخلافة إلى مصرهم، وانشغال أهل العراق بمعارضة الأمويين صرف فتيان الحجاز بمالهم من مال وفير وجاهٍ عن الإمارة والخلافة والسياسة إلى اللهو والغناء. (4)



    الأعياد و المواسم والحفلات :





    كان المسلمون في جميع الأمصار الإسلامية يحتفلون بأربع ليالٍ من السنة وهي: ليلة أول رجب، وليلة النصف من شعبان، وليلتا العيدين، وكانوا يقيمون احتفالات كبيرة في عيدي الفطر والأضحى ويوم المولد النبوي، وحرص المسلمون في بلاد العراق على الاحتفال بأول المحرم وباليومين التاسع والعاشر منه،فكان بنو أمية في اليوم العاشر من المحرم يلبسون الملابس الجديدة ويتزينون،ويتكحلون ويقيمون الولائم، بينما الشيعة ينوحون ويبكون أسفًا لقتل الحسين –رضي الله عنه، وكانت شيعة العراق تقصد كربلاء للزيارة والتجارة، وقد بذل الولاة الأمويون جهدهم في منع الشيعة من زيارة كربلاء، واشتد هذا المنع في خلافة هشام بن عبد الملك بعد ثورة زيد بن على، وكان العرب المسلمون يتزينون في أعيادهم بأحسن الثياب، ويتسابق فرسانهم في هذه الأعياد على الخيل كما حرص الفرس على الاحتفال بأعيادهم القديمة وأبرزها النيروز والمهرجان، وكان النيروز أول أيام الربيع وفيه يرش الناس بعضهم بعضا بالماء ويتبادلون الهدايا، أما المهرجان فهو ابتداء أيام الشتاء، وكان الولاة الأمويون يطلبون من الدهاقين – أي كبار الملاك الفرس – تقديم الهدايا في عيدي النيروز والمهرجان، وبلغت قيمة الهدايا التي حملت إلى معاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنه –بالشام عشرة ملايين درهم.
    واحتفل أهل الذمة بأعيادهمفي جو من الحرية والتسامح، وكان المسلمون يشاركونهم في أعيادهم وخاصة النصارى منهم، فقد كانت هذه الأعياد فرصة طيبة لنزهة المسلمين، وخاصة أن الأديرة كانت تحفل بالحدائق الغَنَّاء، والبساتين اليانعة.
    وكان أبرز ما يميز الأعياد مواكب الخلفاء والولاة، وكانت المواكب معروفة عند ملوك العرب في العصر الجاهلي،فلما ظهر الإسلام كان الخلفاء الراشدون يمشون بين الناس كسائر المسلمين، لا حرس أمامهم، ولا حاجب خلفهم، وأول من اتخذ المواكب ولاة الأمصار تقليدا لحكام الروم و الفرس حتى لا يشعر الأهالي بأنه تغير شيء مما اعتادوه من أبهة، وأقام معاوية – رضي الله عنه – حرسا يرفعون الحراب بين يديه، أو يقفون بالسيوف عند المقصورة التي يصلى فيها خوفا من الاغتيال، واقتدى به ولاته، فاتخذ زياد بن أبيه في العراق رجالا يمشون بين يديه بالأعمدة أو الحراب، ثم أصبح المسير بالحربة تقليدا.


    وسائل التسلية وشَغْل أوقات الفراغ:


    كان الصيد معروفا في الجاهلية،ولكنه كان قاصرا على صيد غزال أو طائر بالنبل أو الفخ، فلما اختلط المسلمون بالروم والفرس بعد الفتوحات الإسلامية اقتبسوا منهم كثيرا من طرق الصيد والقنص، فاتخذوا الجوارح من الطير،وهي الباز والشاهين والعقاب والصقر،وعلموها صيد الطير، واقتنى العرب الفهود والكلاب لصيد الغزلان وحمر الوحش. كما اهتم بعض الخلفاء الأمويين بالصيد، وكانوا يرون أنه يحقق فوائد كثيرة إذ كان يؤدى إلى تمرين الجند على الركض والكر،ويعودهم الفروسية ويدربهم على الرمي بالنشاب والضرب بالسيف والدبوس، ويقلل المبالاة بإراقة الدماء، كما أن الصيد رياضة تساعد على المحافظة على الصحة، واشتهر من الخلفاء الأمويين الذين أُغرِموا بالصيد يزيد بن معاوية؛ فقد كان يمتلك أعدادا كثيرة من الطيور والجوارح والفهود والقرود، وكان يعتبر الصيد لونا من ألوان اللهو،فكان يُلبِس كلاب الصيد أساور الذهب،ووهب لكل كلب عبدا يقوم على خدمته.
    كان السباق عادة شائعة بين الأمم المعاصرة للعرب الأقدمين، وكان العرب في العصر الجاهلي يتسابقون بخيولهم ويتفاخرون بذلك،وكثيرا ما نشبت الخلافات والحروب بسبب السباق، وكانوا يرسلون خيلهم إلى الحلبة -ميدان السباق – عشرة عشرة،وعندهم لكل منها اسماً باعتبار تقدمها في السبق بعضها على بعض، وبعد انتشار الإسلام بالغ المسلمون في اتخاذ الميادين واستكثروا الخيول وتفننوا في تضميرها، وكان لمعاوية بن أبى سفيان –رضي الله عنه – حلبة يخرجون إليها في أيام معينة للسباق، فمن حاز قصب السبق أجازوه، وقصب السبق يغرسونها في آخر الحلبة فمن سبق إليها واقتلعها فهو الفائز، وأصبح سباق الخيل من أبرز وسائل التسلية في المجتمع العربي الإسلامي، وخاصة في عهد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك؛ فقد أقام عدة حلبات للسباق،وكان يستجيد الخيل للسباق ويبذل في اقتنائها الأموال،اشترك في السباق في عهده نحو أربعه آلاف من خيله وخيول الأمراء، وكان له فرس نال شهرة كبيرة اسمه "الزائد "، ومن الخلفاء الأمويين الذين اهتموا بسباق الخيل الخليفة الوليد بن يزيد فكان لديه من الخيل ألف، أسبقها فرس اسمها "السندي " وكان ميدان السباق يومئذ في الرصافة من أرض الشام، ولهم فيها ميادين كثيرة،ولمحمد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان قصيدة عامرة وصف بها خيل الحلبة العشرة بأسمائها وصفاتها هي أحسن ما نُظِمَ في هذا الموضوع،ومن الخلفاء الذين لم يهتموا بالسباق الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز –رحمه الله – فقد بعث إلى ولاته بالأمصار الإسلامية ينهاهم عن "ركض الخيل في غير حق "
    ومن أنواع التسلية عند العرب الكرة وكانوا يتدافعونها بالصوالجة والقلة والمغلاة، وهما عودان يلعب بهما الصبيان،فيرمى الصبي بالقلة في الهواء ثم يضربها بمقلاء في يده وهي خشبة طولها ذراع، فتستمر القلة في حركتها.


    الملابس:


    كان المسلمون في صدر الإسلام يتوخون الخشونة في العيش، والتعفف في الطعام والملبس، أما بعد الفتوحات العربية الإسلامية، واستقرار الفاتحين في الأمصار التي كانت خاضعة للفرس والروم فقد تأثر العرب بما شاهدوه من حضارة ومدنية، وأقبلوا في العصر الأموي على الوشي الذي كان يجلب من اليمن والكوفة؛ فاتخذ الناس منه جلبابا وأردية وسراويل وعمائم وقلانس، وقد بلغ من ولع الخليفة سليمان بن عبد الملك بالوشي أنه كان لا يدخل عليه رجل من أهل بيته وعماله وأصحابه إلا في الوشي، وأُغرم هشام بن عبد الملك أيضا بالوشي، واجتمع عنده اثنا عشر ألف قميص،وعشرة آلاف تكة حرير، وكانت كسوته إذا حَجَّ تُحْمَل على سبعمائة جمل.
    وقد اختلفت ملابس العرب والمسلمين باختلاف مهنهم ودرجاتهم الاجتماعية وثرائهم.
    وتميزت الملابس في العصر الأموي بالطراز، فقد كان من عادة الأكاسرة أن يرسموا أسمائهم أو علامات تميزهم في طراز أثوابهم بخيوط الذهب،وجاء الخلفاء الأمويون فاكتفوا بكتابة أسمائهم،وكان للخلفاء والولاة دُورٌ مُعدَّة لنسج أثوابهم في قصور تسمى دور الطراز،وكان الولاة والجند يرتدون زيا طُرز عليه اسم الخليفة،وكان إذا رفع الوالي راية العصيان أزال اسم الخليفة من ردائه.



    شعائر الموت :

    لم تمدنا المصادر الإسلامية القديمة بصورة واضحة عن شعائر الموت، ومراسم الدفن،ولكن يغلب على ظننا أنها لم تتغير كثيرا عما هي عليه الآن، ذكر الجاحظ الاحتفال بدفن عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز فقال: إنهم سووا عليه قبره بالأرض،وجعلوا على ضريحه خشبتين من زيتون إحداهما عند رأسه والأخرى عند رجليه،ثم قام والده يؤبنه ويطلب له الرحمة والمغفرة،ويشهد الناس على رضائه بما قسم الله له، وأخذ الناس بعد تشييع جنازته يعزونه ويرجون له الصبر والسلوان.
    وكانت النساء في الجنازات يتزاحمن لتوديع الفقيد، وكن يقمن المناحات ويضربن صدورهن بالنعال تعبيرا عن حزنهن، وكان المسلمون يحرصون على السير خلف الجنازات إلى المقابر، وتستمر قراءة القرآن عند القبر ثلاثة أيام،كما اختصت كل قبيلة بحي خاص بها في كل مدينة،وحرصت على بناء مقبرة يقتصر الدفن فيها على أبناء هذه القبيلة، وكانت بعض المجالس تعقد في الجبانات،وكانت بعض هذه الجبانات مراكز لخروج الثوار وخاصة في العراق. (5)



    الرفق بالناس في العصر الأموي يتعرض الناس أفرادا وجماعات أحيانا لظروف وأوضاع وأحوال ومشكلات لا طاقة لهم بها،ولا يقدرون على دفعها وردها أو الخروج منها أو التغلب عليها أو تخفيف آثارها إلا بمد يد المساعدة والعون لهم، وسنتعرض لبعض الأمثلة وبيان أثر الدولة في إزاحة العلة فيها:


    تزويج العُزَّاب:
    يعد الزواج من العوامل التي تساعد على مساندة الفضيلة، ودحر الرذيلة، وصون الأخلاق الرفيعة، وحفظ الأبدان والنفوس،وقد عملت الدولة عند وجود المال في خزانتها بعد سداد الواجبات المستحقة عليها على تزويج من لا يجد مالا يستعين به على الزواج يريد الإحصان والعفة، فقد جاء عن عمر بن عبد العزيز –رحمه الله- عندما علم بوجود بقية من المال بقيت في بيت مال المسلمين في العراق، أنه كتب إلى الوالي هناك أن ينظر كل بكر ليس له مال، فشاء الزواج أن يزوجه ويدفع المهر عنه.


    سداد الديون:
    جعل الإسلام الغارمين (المدينين ) وجها من وجوه مصارف أموال الزكاة،ومما كتبه عمر بن عبد العزيز –رحمه الله – إلى والى العراق:" أن انظر كل من ادَّان من غير سفه ولاسرف فاقض عنه"،وكتب إلى والى المدينة أنَّ كل من هلك وعليه دين، لم يكن دَينُه في خَرَقَه فاقضِ عنه دينه من بيت مال المسلمين، ولم يجعل عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – امتلاك الغارم (المدين ) بيتا مؤثثا يسكنه، وخادما يكفيه مهنته، وفرسا يجاهد عليه عدوه، يحول دون سداد دين الغارم، وعَدَّ المسكن والخادم والفرس والأثاث من الحاجات الأساسية للإنسان في الحياة.


    البر بالأيتام وذوى العاهات:


    يعد الاهتمام والعناية بالأيتام وذوى العاهات من معالم المجتمعات المتحضرة وقد أَوْلَتِ الدولة في عصر بنى أمية هذا الصنف من الناس اهتماما كبيرا، فقد عمل الوليد بن عبد الملك البيمارستان للمرضي،وأعطى المجذومين حتى أغناهم عن السؤال وجعل لك لمُقْعَدً خادما،ولكل ضرير قائدا،وأجرى النفقة عليهم،واهتمَّ باليتامى ورتب لهم المؤدبين،ورزق الفقراء و الضعفاء وحرم عليهم سؤال الناس،وبالغ في الإحسان إلى الزَّمْنى(أصحاب المرض المزمن)؛ ليجعل الزَّمِن أحب إلى أهله من الصحيح، وأفردت الدولة ديوانا خاصا بالَّزمْنى أطلق عليه أسم "ديوان الزَّمْنَى" وكتب عمر بن عبد العزيز –رحمه الله- إلى أمصار الشام أن يرفعوا إليه كل أعمى في الديوان أو مقعد،أو من به الفالج، أو من به زَمَانَة تحول بينه وبين القيام إلى الصلاة،وكل يتيم لا أحد له ممن كان والده مسجلا في الديوان؛ فأمر لكل أعمى بقائد، وكل اثنين من الزمنى بخادم، ولكل خمسة من اليتامى بخادم، وكان يفرق فيهم الأموال.
    ومع أن الشواهد على هذا الجانب أو ذاك من جوانب الإرفاق بالناس تعود إلى أيام خليفة أو خليفتين من خلفاء بنى أمية فإن ذلك لا يعنى أن هذا المرفق توقف في أيام الخلفاء اللاحقين،فقد ورد ذكر الولاية والإشراف على العميان والأيتام والقواعد من النساء في خلافة أبى جعفر المنصور العباسي الذي تولى الخلافة بعد زوال سلطان بنى أمية بأربع سنوات تقريبا، ومما قد يعنى الاستمرارية، وأن هذا الوجه من وجوه الإرفاق ظل قائما يؤدى خدمته الاجتماعية.


    إطعام الطعام وتوفيره:


    ذكر أحمد بن حنبل في مسنده رواية ينتهي سندها إلى عبد الله بن زرير (رزين) الغافقى جاء فيها أن عبد الله قال: دخلنا مع على بن أبى طالب –رضي الله عنه – يوم الأضحى فقرب إلينا خزيرة فقلنا: أصلحك الله، لو قرَّبت إلينا هذا البط (البط والأوز) فإن الله عز وجل قد أكثر الخير، فقال –على رضي الله عنه – يا ابن زرير (رزين) إني سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم _ يقول: لا يحل للخليفة من مال الله إلا قصعتان: قصعة يأكلها هو وأهله،وقصعة يُطْعِمُها. (6) (يضعها ) بين الناس.
    واتسعت دار الإسلام وفاضت الخيرات، واتسعت باتساعها القصعة التي يطعمها الخليفة بين الناس، وتنوعت عليها المآكل،فكان زياد بن أبيه أمير العراق يغدي الناس ويعشيهم، وكانت له ألف ناقة يُؤتَى بلبنها (الحليب)، وقد نثر التمر على الأنطاع، فيتمجون اللبن بالتمر،فإذا ارتفع النهار غدوا ثم يعشى بعد العصر، ويحضر غداءه وعشاءه الشرطة والمقاتلة ومن حضر، وكان لا يرد عن طعامه أحدا، وكان يطعم بالبصرة والكوفة فإذا غاب عن إحداها قام عماله مقامه. وكان لعبد العزيز بن مروان أمير مصر ألف جفنة تنصب كل يوم حول داره، وله مائة جفنة يطاف بها على القبائل في مصر، وفي ذلك قال الشاعر:
    كل يوم كأنه يوم أضحى

    .........................عند عبد العزيز أو يوم فطر
    وله ألف جفنة مترعـات

    ..............................كل يوم تمدها ألف قــدر
    وقال آخر:
    ذاك ابن ليلى عبد العزيز

    ..................... بباب ليون تغدوا جفانه رُذَّما
    وكان الحجاج بن يوسف الثقفي يطعم كل يوم ألف مائدة ثريد،وجنب من شواء وسمكة طرية،ويطاف به في محفة على تلك الموائد ليتفقد أمور الناس، وعلى كل مائدة عشرة،وله ساقيان: ساقي يسقى الماء والعسل،وآخر يسقى اللبن واتخذ يزيد بن المهلب أمير العراق في خلافة سليمان بن عبد الملك ألف خوان يطعم الناس عليها.
    وكان يوسف بن عمر الثقفي أمير العراق في خلافة هشام بن عبد الملك يطعم كل يوم خمسمائة خوان،ولابد أن تقديم الطعام في الولايات كان صدى لما يجرى في المركز.
    وحظي شهر رمضان بتقديم الطعام فيه،وكان عثمان بن عفان –رضي الله عنه – وضع طعام رمضان للمتعبد الذي يتخلف في المسجد وابن السبيل والفقراء من الناس، وقدمه الوليد بن عبد الملك أيضا،واتخذ عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – دارا لطعام المساكين والفقراء وأبناء السبيل.
    وفي حال غلاء الأسعار كانت الدولة تعالج الغلاء بتوفير المواد التموينية للناس عن طريق ابتياعها وطرحها في الأسواق،فلما غلا الطعام على عهد زياد بن أبيه في العراق دفع إلى التجار مالا فابتاعوا به طعاما،فلما رخص الطعام ارتجع ماله أي مال الدولة.
    وأما في المجاعة فكانت الدولة تخرج من بيت المال وتطعم الناس، وقد أصابت المجاعة في خلافة معاوية –رضي الله عنه- مدينة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.فأطعمهم الوالي حتى أنفق ما في بيت المال وأدان،فأنكر عليه معاوية –رضي الله عنه- أن يستدين وعزله.
    ولأهل البادية على بيت المال حق المغوثة والمواساة في المجاعة أيضا،فأصابت المجاعة بادية البصرة،وتحمَّل أهلها إلى البصرة؛ فقال يزيد بن أبيه لأهل البصرة: إن عشائركم قد وردت علينا، فاختاروا أن تأخذوا انصف أعطياتكم وأرزاقكم؛ فنقويهم بها مع مالهم عندنا،أو تكفينا كل عشيرة من فيها،فمنهم من ضم عشيرته،ومنهم من طابت نفسه بنصف عطائه ورزقه وأرزاق عياله، وكان لكل عيال جريبات ومائة درهم، ومعونة الفطر خمسون درهما،ومعونة الأضحى خمسون درهما،وكان زياد يعهدهم كل يوم،ويشرف على رعايتهم بنفسه.
    وسأل مالك بن أنس –رحمه الله –عن رجال من الموالى يأخذون صبيانا من صبيان الأعراب تصيبهم السنة (أي الجدب ) فيكلفون صبيانهم ويربونهم حتى يكبروا.
    ولاشك أن ما كان يُقدَّم في هذا الجانب من جوانب الإرفاق بالناس كان يتأثر في سويته، ومدى عمومه واستمراره بالأحوال والأوضاع المالية والسياسية للدولة.


    ولكن الأمثلة الآنفة الذكر تظل شواهد تشير إلى رغبة الدولة في أن تذيق الناس حلاوة العيش،وتشركهم فيما أفاض الله عليها من الخيرات، والتزامها بواجبات الرعاية الملقاة عليها،وأخذها بمبدأ التضامن الجماعي في مواجهة الحوائج ودرء الأخطار التي تهدد المجتمع الإسلامي.
    كن ابن من أنت وأكتسب أدباً
    .............................. يغنيك محموده عن النسـب

    إن الفتى من قال : ها أنـا ذا

    ..................... . ...ليس الفتى من قال : كان أبي

  • #2
    شكرا لجهودك اخي سليم
    موضوع جميل إذ فيه اختصار وتعريف وتمثيل
    للعصر الاموي الذي له مكانة مرموقة لمساهمته في نشر الدين الاسلامي لتوسعة رقعته
    أفضت في الشرح من جميع النواحي فبارك الله فيك
    تقبل تقديري واحترامي

    تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

    قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
    "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
    وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

    تعليق


    • #3
      أهلا وسهلا بك أستاذ صباحو ..

      والله حضورك نور وعطور .

      سرني تواجدك وانطباعك الجميل عن الموضوع والذي يدل على أنك قرأته كاملا .

      بارك الله بك أستاذي لا عدمناك .
      كن ابن من أنت وأكتسب أدباً
      .............................. يغنيك محموده عن النسـب

      إن الفتى من قال : ها أنـا ذا

      ..................... . ...ليس الفتى من قال : كان أبي

      تعليق

      يعمل...
      X