إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

التعليم الديني في العهد العثماني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التعليم الديني في العهد العثماني



    التعليم
    الديني في العهد العثماني


    القليل منا يعرف عن نظام التعليم الديني لدى العثمانيين ونعني به المسلمين الذي كانوا قبل مائة عام فقط منضوين تحت راية دولة واحدة تمتد من الحدود الروسية شمالا وحتى البحر العربي والمحيط الهندي جنوبا ومن حدود إيران شرقا وحتى حدود المجر غربا.
    وبسبب عائق اللغة بين المسلمين لم تتحقق أمنية السلطان محمد الفاتح في جعل اللغة العربية اللغة الرسمية للدولة بالإضافة إلى كونها لغة الثقافة لدى المسلمين.



    وفي دراستنا هذه نلقي بعض الضوء على نظام التعليم الديني الذي كان مطبقا في الأناضول كما كان مطبقا في بلاد الروم وكافة البلدان العربية، أملين أن نساهم ولو بنبذة بسيطة في تعريف الاخوة الزملاء بالنظام الذي كان آباؤه يتبعونه في سبيل الحصول على العلوم الدينية في أوائل القرن الماضي والقرون التي سبقته.


    فالمدارس العثمانية لها مكانة مهمة وبارزة في تاريخ التعليم الإسلامي. هذه المدارس هي مؤسسات تقوم بالتعليم على المستوى المتوسط والعالي. والمدرسة هي اسم للمؤسسة التربوية والتعليمية التي تنشئ العناصر وتزود البلاد بالثقافة التي تحتاجها. وعلى غرار العهود التي سبقت العهد العثماني فإن المدارس التي أنشأها الأشخاص ووقفوا الأموال والأملاك في سبيل الانفاق عليها كان لها "مدرسوها" و"معيدوها". وطلابها الذين أطلق عليهم اسم "دانشمند" أو"سوخته" أو " الطالب". فمن أنهى تعليمه في مدرسة أو "مكتب الصبيان" أو تلقى تعليما خاصا بنفس المستوى، توجه إلى المدارس ليتلقى من المدرسين دروسا وفق منهاج موضوع سلفا.


    كانت للدولة العثمانية مؤسساتها التعليمية والعسكرية والإدارية المتكاملة. هذه المؤسسات ومنذ بدايات القرن السادس عشر الميلادي على نفس المستوى مع ما نشاهده في الدول الحديثة من تنظيم وإدارة.
    ولمزيد من الاطلاع على مؤسسات التربية والتعليم ومؤسسات الدولة الأخرى ينبغي علينا التوجه إلى الأرشيف العثماني الذي يزخر بعشرات الملايين من الوثائق التي تلقي الضوء على هذه المؤسسات. وعلى نحو ما كان في الدول الإسلامية السابقة فإنه يمكن تصنيف المؤسسات التعليمية في مجموعتين:


    1. مدارس التعليم العام
    2- مدارس التعليم الخاص أو مدارس الاختصاص


    1. مدارس التعليم العام

    أنشأ العثمانيون مدارسهم وفق النماذج المعروفة لدى السلاجقة وإمارات الأناضول. لكنهم استفادوا في العلوم النقلية من العلماء الذين نشأوا في الشام ومصر وفي العلوم العقلية من العلماء الذين نشأوا في بغداد وسمرقند. وقد أنشئت أول مدرسة عثمانية في عهد الغازي أورخان وكان أول المدرسين فيها داود القيصري الذي تلقى علومه الدينية في قيصري والقاهرة.


    ويمكننا القول بأن التعليم في المدارس العثمانية بدأ مع تأسيس الدولة نفسها. وكانت المدارس التي تزود الطلاب بالمعلومات العامة تدرس "علوم الآلة " وهي الكلام والمنطق والبلاغة واللغات والنحو والرياضيات والفلك والفلسفة والتاريخ والجغرافيا بالإضافة إلى "العلوم العالية"وهي علوم القرآن والحديث والفقه وغير ذلك من العلوم الدينية. وعلى غرار كثير من الأمور التي أتاحت المجال للتطور الحضاري، فإن الدولة العثمانية استمرت على سياستها المفتوحة في التربية والتعليم حتى النهاية فاستقدمت أعدادا كبيرة من العلماء وأساتذة الجامعات. ويمكننا القول بأن نظام المدارس في العهود المبكرة للدولة العثمانية هو نفس النظام الذي كان مطبقا في العهد السلجوقي وفي عهود الإمارات التركية في الأناضول. ومع ذلك فإننا نؤكد بأن أول تغيير في نظام التعليم حدث في عهد السلطان بايزيد الصاعقة1 وأن نظام التعليم شهد تطورا كبيرا في عهد السلطان مراد الثاني بافتتاح قسم التتمة التابعة المدرسة الحلبية في أدرنة2 وكذلك افتتاح مدرسة دار الحديث في أدرنة أيضا.أما التغيير الجذري لنظام التعليم العثماني فحدث في عهد السلطان محمد الفاتح. وبقي هذا النظام مطبقا حتى افتتاح المدرسة السليمانية في عهد السلطان سليمان القانوني.

    فهذه المدارس زودت طلابها بكافة العلوم العصرية بالإضافة إلى العلوم الدينية في العهد الكلاسيكي وكذلك في فترة ما بعد الإصلاح الدستوري.

    وبعد افتتاح الصحن الثمان ومدارس التتمة في استنبول حدثت تعديلات جديدة في نظام التعليم في المدارس داخل الحدود العثمانية. ومع استحالة القطع في ذكر تدرج وتسلسل المقررات والكتب في هذه المدارس، فإن بعض الوقفيات والمراسيم والبيوغرافيا تسهل علينا المهمة بعض الشيء. ذلك بأن المدارس العثمانية كانت على درجات وضعت وفق اليوميات التي خصصت لمدرسيها وهي على النحو التالي:

    مدارس حاشية التجريد
    ( ذات العشرين)


    فالمدارس التي تدخل تحت هذا التصنيف تحمل اسم كتاب حاشية التجريد للسيد الشريف الجرجاني. هذا الكتاب الخاص بعلم الكلام، وهو حاشية كتاب تجريد الاعتقاد أو تجريد الكلام لنصر الدين الطوسي. ويفهم من ذلك أن هذا الكتاب هو أهم المكتب المقررة في مثل هذه المدارس. وإلى جانب هذا الكتاب عرفت هذه المدارس بتدريس كتاب شرح الفرائض للسيد الشريف أيضا وكتاب المطول في البلاغة لسعد الدين التفتازاني. ومن جانب آخر على الطالب كي يفهم المواد المقررة في هذه المدارس أن يكون قد اجتاز اختبارات كثير من المقررات مثل الأمثلة والبناء والمقصود والعزي والمراح في علم الصرف، والعوامل والإظهار والكافية في علم النحو وشرح الإيساغوجي في العربية والطوالع في أصول الفقه.


    مدارس المفتاح
    ( الثلاثينية)


    وتحمل هذه المدارس اسم شرح المفتاح في البلاغة لمؤلفه سعد الدين التفتازاني. وإلى جانب هذا المقرر هناك كثير من المقررات تدرس مثل التنقيح والتوضيح في الفقه، وتتمة حاشية التجريد في علم الكلام، وعلى نحو ما كان في مدارس حاشية التجريد فإنه لا بد أن يكون هناك كتبا أخرى تدرس في هذه المدرسة، نتبين ذلك مما ذكره الكاتب جلبي من أن السلطان محمد الفاتح أمر بأن تضاف إلى المقررات التي تدرس في مدارس الثلاثينية كتاب مفتاح المعاني وكتاب صدر الشريعة.


    مدارس التلويح
    ( الأربعينية)


    سميت هذه المدارس بالأربعينية لأن المدرس فيها يتقاضى أجرا يقدر باربعين أقجة يوميا. والمقررات التي تدرس فيها هي مفتاح العلوم في البلاغة، والتوضيح في أصول الفقه ومشارق الأنوار النبوية لرضي الدين حسن الصاغاني وكتاب المشارق لصدر الشريعة عبيد الله ابن اسحق في الفقه وكتاب المصابيح للبغوي في الحديث بالإضافة إلى كتب أخرى في فروع العلوم المختلفة.


    مدارس الخمسينيات

    وتتشكل هذه المدارس التي يتقاضى مدرسوها أجرا يوميا قدره خمسون أقجة إلى "خارجية"و"داخلية". ومدارس الأربعينيات وكذلك القسم الخارجي من مدارس الخمسينيات هي المدارس التي أنشأها الحكام وأسرهم ووزراؤهم في العهد السلجوقي وعهد أمراء الأناضول. أما المدارس الداخلية فهي المدارس التي أنشأها السلاطين العثمانيون وأمهات الأمراء والأمراء وبنات السلاطين. وتدرس في القسم الخارجي من مدارس الخمسينية كتب الهداية في الفقه وشرح المواقف في الكلام والمصابيح في الحديث. أما في القسم الداخلي فيدرس الهداية في الفقه، والتلويح في أصول الفقه والبخاري في الحديث الشريف،والكشاف والبيضاوي في التفسير.


    مدارس الصحن الثمان

    ونعني بها كما أسلفنا المدارس الثمانية التي أمر بإنشائها في استنبول السلطان محمد الفاتح. وكانت هذه المدارس هي أرفع المدارس وأعلاها حتى تاريخ إنشاء المدرسة السليمانية في عهد السلطان القانوني. ومع أن وقفية السلطان الفاتح حددت لمدرسي هذه المدارس أجرا يوميا قدره خمسون أقجة، فإن بعض المدرسين استمروا في التدريس مع رفع مراتبهم من غير أن يتحولوا إلى مدارس أعلى مرتبة. فوصلت يومياتهم إلى الستين والسبعين وحتى الثمانين والتسعين في بعض الأحيان. أما بالنسبة للمواد التي تدرس في هذه المدارس فهي استمرار للمدارس التي سبقتها وهي: الهداية في الفقه، والتلويح وشرح العضوض في أصول الفقه والبخاري في الحديث الشريف والكشاف والبيضاوي في التفسير.


    وعلى النحو الذي سنتطرق إليه بعد قليل فإن جميع ما ذكرنا هو من العلوم النقلية. ويمكننا أن نقول بأن هناك بعض العلوم العقلية كانت تدرس أيضا في هذه المدارس مثل الطب والهندسة وعلم الهيئة والجغرافيا والمنطق ولا ننسى بأن مدارس الصحن الثمان كانت تحتوي أيضا كلية الطب التي عرفت في تلك الفترة بدار الشفاء، تدرس فيها العلوم الطبية بفرعيها النظري والعملي.


    مدارس الستينيات

    ويتقاضى المدرسون في هذه المدارس أجرا يوميا قدره ستون أقجة. أما المواد التي تدرس في مثل هذه المدارس فهي:

    الهداية وشرح الفرائض في الفقه، والتلويح في أصول الفقه، وشرح المواقف في علم الكلام،والبخاري في الحديث الشريف، والكشاف في التفسير.

    ومع بعض التغييرات في بعض الفترات فإن هذه المدارس كانت تدرس طلابها أيضا ما يسمى بالجزئيات مثل الحكمة أو الفلسفة والحساب والهندسة وعلم الهيئة(الفلك) والجغرافيا وعلم الزج(الجداول الفلكية) وعلم النجوم والطب والتشريح. وأضيفت إليها فيما بعد "علوم الآلة" ومن يكمل دراسة العلوم الأساسية سمح له بدراسة العلوم المادية ولذلك فإن العلوم التي تدخل ضمن هذا الفرع تدرس من قبل العلماء والأساتذة في مدارس الفاتح المعروفين بذوي الجناحين( أي لهم العلم والخبرة في فرعي العلوم) بصورة عامة أو خاصة. وبالرغم من أن هذه العلوم تدخل ضمن مسمى الجزئيات فإنها تعتبر من المواد الأساسية في هذه المدارس.


    يتبع

  • #2


    تابع
    التعليم الديني في العهد العثماني

    مدارس السليمانية

    مما لا شك فيه أن أهم التطورات وأكبرها في نظام التعليم بالمدارس العثمانية تلك التي حدثت في عهد السلطان سليمان القانوني. فعهد القانوني يمثل القمة في نظام المدارس كما يمثل القمة في كافة المجالات الأخرى. ومع أن مدارس الصحن الثمانية كانت تضم دار الشفاء ولكن لم تكن هناك كليات الطب والرياضيات. والمواد التي كانت تدرس في هذه المدارس هي التفسير والحديث والكلام والأدب. بالإضافة إلى أن الطلاب الذين يلتحقون بهذه المدارس يفترض أنهم تلقوا في المراحل المتوسطة علوم الرياضيات والهندسة والفلك وغيرها من فروع العلم المختلفة.

    ونظرا للظروف والحاجة فقد أضيفت إلى مدارس السليمانية فروع الطب والرياضيات ودار الحديث. وتشير وقفية السليمانية إلى أن المدرسة الأولى والثانية تقعان في الجانب الشمالي من جامع السليمانية، وإلى الشمال الشرقي منه حمام وإلى الجانب القبلي منه دار الحديث. وإلى الجنوب من الجامع تقع المدرسة الرابعة. وإلى الشرق من الجامع المدرسة الثالثة. وإلى الجهة الجنوبية الغربية مدرسة الطب والصيدلية. وإلى الجانب الغربي من الجامع المستشفى المعروف بدار الشفاء. وهذا يعني أن منظومة المدارس( أو الجامعة إن شئتم) التي أنشأها السلطان سليمان القانوني كانت تحتوي دار الحديث وكليات الطب والرياضيات والطبيعيات والدين والحقوق والآداب. بالإضافة إلى المستشفى ومبنى الإدارة والحمام والمطبعة وغيرها من الملحقات.

    وضع حجر أساس الجامع والمدارس والملحقات يوم الخميس السابع من جمادى الأولى من عام 957 من الهجرة المصادف للرابع والعشرين من مايو عام 1550. وذلك بوضع أول حجرة للمحراب من قبل شيخ الإسلام أبي السعود. وقد اكتمل بناء الجامع في شوال عام 963 (أغسطس 1556) واكتمل بناء المدارس والملحقات الأخرى بعد هذا التاريخ. وكانت دار الحديث من بين هذه المدارس أعلاها مرتبة، والمدرس فيها يتقاضى يومية قدرها مائة أقجة. أما يومية المدرسين الآخرين فلم تزد على ستين أقجة.

    وإذا أراد الطالب الذي نجح في المواد المقررة في القسم الخارجي أو الداخلي أن يتابع المقررات في كلية الرياضيات أو كلية الطب من غير أن يدخل مدارس الصحن الثمانية، فعليه متابعة الدروس في المدارس الموصلة السليمانية. وبعد التخرج من هذه المدارس يسمح له بمواصلة دراساته العليا في مدرسة السليمانية.

    وكان هدف القانوني من هذا النظام فتح مدارس جديدة في مستوى أعلى من مستوى مدارس الصحن من جهة وتنظيم درجات هذه المدارس العثمانية وفق النظام الجديد من جهة أخرى.
    يتبين مما سبق أن أعلى المدارس مرتبة في عهد السلطان القانوني هي مدرسة دار الحديث السليمانية. ومع أن كثيرا من مدارس دار الحديث افتتحت في العهود المتعاقبة فإن دار الحديث السليمانية حافظت على مكانتها المتقدمة حتى العهود المتأخرة من عمر الدولة العثمانية.وبقيت صفة المدرسين في المدارس السليمانية تحتل أعلى المراتب بين المدرسين في كافة أنحاء الديار العثمانية.
    والطالب عندما يبدأ حياته الدراسية في المدارس في العهد العثماني يتلقى دروسا في "المختصرات" ثم ينتقل إلى مدرسة "حاشية التجريد" فإذا أثبت جدارته ونجاحه فيها، حصل على "إجازة أو شهادة" من المدرس وانتقل إلى درجة أعلى وهي "مدرسة المفتاح" وبعد ذلك ومارس الأربعين والخارجية والداخلية ثم إلى مدارس الصحن وإذا أراد إكمال تحصيله بعد ذلك انتقل إلى مدارس الصحن الثمان أو مدارس السليمانية. وبعد إكمال هذه المدارس أيضا حصل على "الإجازة" يمكنه بها ممارسة مهنة التدريس. يعدد جواد باشا المراحل التي يمر بها الطالب حتى يصل إلى مدارس الصحن

    "فإذا أراد الطالب أن يكون "دانشمندا" توجه إلى أحد العلماء وحصل على الدروس الخارجية أي مقدمات العلوم. وبتوسط ودلالة من أستاذه هذا انتقل إلى أحد المدرسين وصار يتلقى الدروس الداخلية. وصار جديرا بتعلم دروس الصحن. ولكي يكون الطالب في عداد طلاب مدارس الصحن عليه أن يكمل العلوم المرتبة في المدارس التي تعتبر" إعدادية" أو "موصلة الصحن"

    ومدارس الصحن الثمانية هي الأبنية الثمانية المبنية من الإسمنت والرصاص التي لا تزال قائمة على جانبي جامع السلطان محمد الفاتح في الحي المعروف باسمه في مدينة استنبول. والطالب الذي يكون "صاحب حجرة "فيها يكون في عداد العلماء الأفاضل الذين لهم كثير من المؤلفات المعروفة. والقديم من هؤلاء يسمى"المعيد" الذي يساعد الأستاذ ويقف بجانبه في تقرير الدروس. كما يقومون بتدريس الطلاب العلوم في مدارس التتمة الثمانية"

    ومن حصل على الإجازة من المدارس العثمانية وأصبح مرشحا للتدريس انتظر"دوره" في التعيين. ومن أراد التعيين في بلاد الأناضول أو الروميلي(القسم الأوربي من الدولة العثمانية) داوم على مجلس قاضي العسكر هناك الذي يعقد في أيام معينة من الأسبوع، وسجل اسمه في الدفتر المعروف بـ"المطلب" وحتى أيام كان شيخ الإسلام أبو السعود أفندي قاضيا لعسكر الروميلي لم يكن هناك دفتر منظم للملازمة فكان المدرسون يسجلون في دفاتر الملازمة دون انتظار للدور. وبعد هذه الفترة بسبع سنوات أصبح هناك دفتر للملازمة بنص القانون. فكان عدد ملازمي كل عالم محددا بموجب هذا الدفتر. ومع ذلك كانت هناك بعض الاستثناءات في فترات متفاوتة حتى تعطى صفة الملازمة بصورة مخالفة لهذا القانون. كما كانت الملازمات تمنح مع كل جلوس على العرش ومع أول حملة عسكرية للسلطان ولدى عودة السلطان من هذه الحملات منتصرا، وكذلك عند ولادة أمير من الأمراء.

    وفي العهود العثمانية الأولى كانت تعيينات المدرسين تتحقق باقتراح من قاضي العسكر وأمر من السلطان. وبعد أواسط القرن السادس عشر صار تعيين مدرسي حاشية التجريد والمفتاح ومدارس الأربعين باقتراح من قاضي العسكر وأمر من السلطان وتعيين المدرسين من رتب أعلى باقتراح من شيخ الإسلام ورفع من قبل الصدر الأعظم وإرادة سنية من السلطان.


    كما كان المتقدمون للتدريس في المدارس العثمانية يخضعون للاختبار. فإذا كان هناك شاغر في مدرسة من المدارس، وتقدم بالطلب أكثر من مرشح عندئذ يجرى اختبار على المتقدمين. حيث يطلب منهم حل مسألة، ويستمع لتقريرهم كما يطلب منهم كتابة موضوع. ثم تناقش اللجنة الفاحصة المرشحين الذين كانت أجوبتهم على الأسئلة صحيحة وقبلت مواضيعهم، ويجري تعيينهم بعد ذلك. وكان قاضي العسكر يحضر مجلس اللجنة الفاحصة في كثير من الأحيان، حيث يكون الاختبار في جامع مفتوح للعامة. وتعد الأسئلة حسب مستوى المدرسين.
    وبعد هذه الفترة أنشئت مدارس أخرى تحت أسماء مختلفة كما طبقت في هذه المدارس برامج مختلفة


    يتبع

    تعليق


    • #3
      الكادر التعليمي في المدارس العثمانية


      تشكل الكادر التعليمي نتيجة قيام مجموعة من الأشخاص بتدريس الطلاب وفق نظام معين. ونريد أن نشير هنا باختصار إلى ما كان قبل العهد العثماني.


      1. المدرس(البروفسور)


      من المعروف أن المدارس التي عرفت بـ"النظامية" هي المؤسسات التي تقوم بنشاطات تعليمية على مستوى عال. ولذلك فقد أطلق على الذي يقوم بعمل التدريس في هذه المدارس اسم" المدرس". ومنذ فجر الإسلام أحس المسلمون بالحاجة إلى من يقوم بعمل التدريس في بعض العلوم، ولم يحبذ الناس أن يقوم الإنسان بدراسة الكتب بمفرده ودون الحاجة إلى مرشد أو موجه. وفي مقابل ذلك شجع المسلمون الناس الذين لديهم قدر من العلوم على أن يعلموا غيرهم. كل ذلك أدى إلى انتشار المدارس في كافة أنحاء العالم الإسلامي وإلى نشوء أعداد كبيرة من المدرسين الذين يلقون مزيدا من المحبة والاحترام من الناس. وفي بداية الأمر كان المدرس يعين في المدرسة من قبل الحاكم أو الأمير أو الذي أنشأ المدرسة ووقفه، حيث يحرص هؤلاء على أن يكون هذا المدرس من العلماء المقتدرين، والمدرس من هؤلاء يكون ممن لديهم علم بكافة العلوم الدينية، وعلى اطلاع واسع ومتمكن من علوم الأصول والفروع في المذهب الذي يتبعه بشكل خاص.


      وقد أطلق اسم المدرس(أو البروفسور كما يعرف في عالم اليوم) في مدارس العهد العثماني على الذين يحصلون بعد مراحل معينة من تلقي العلوم على غلإجازة والملازمة والبراءة. وتذكر الوقفيات المختلفة الشروط الواجب توفرها في المدرس، والوقفيات الصادرة في عهد الفاتح والقانوني بشكل خاص تلقي مزيدا من الضوء على هذه الشروط. والطالب الذي يجتاز دروس"الخارج" و" الداخل" يتخرج ، أي يحصل على الإجازة، التي يمكنه بها القيام بعمل التدريس. فإذا رغب التدريس في مناطق الأناضول تقدم بطلبه إلى قاضي عسكر الأناضول، وإذا رغب التدريس في مناطق الروميلي تقدم بطلبه إلى قاضي عسكرها، وواظب على مجالس القاضي في أيام معينة وسجل اسمه في الدفتر المعروف بـ"المطلب" بصفة ملازم. وينتظر حتى يأتي دوره في التعيين. فإذا جاء دوره عين في أخفض المدارس مرتبة وهي مدارس" حاشية التجريد" بأجر يومي قدره عشرون أقجة. وبعد ذلك ترتفع درجاته حتى يصل إلى أرفع المراتب.


      2- المعيد:


      وهو الذي يساعد الأستاذ في تفهيم دروسه للطلاب عن طريق التكرار والمراجعة. فالطالب قد لا يستطيع سؤال الأستاذ عن كل شيء إما خجلا أو لسبب آخر ، فيلجأ حينئذ إلى المعيد. وهذا يعني أن درجة المعيد هي الدرجة بين الطالب والأستاذ. ويشارك المعيدون الطلاب في مساكنهم. وعرفت المدارس الإسلامية المعيدين على نطاق واسع في عهد الأيوبيين، فكان لكل أستاذ في تلك الفترة معيدان أو معيدون. ففي المدرسة الصلاحية التي أنشأها الملك نجم الدين أيوب نجد أربعة مدرسين ولكل مدرس معيدان. والمعيدون يكلفون في نفس الوقت بشئون الانضباط بين الطلاب. وقد كان المدرس مدرسا في مدرسة ومعيدا في مدرسة أخرى كما هو الحال في المدارس المصرية.


      وفي العهد العثماني نجد أن للمعيدين مكانة مهمة في تاريخ التربية والتعليم. وفي وقفية السلطان الفاتح نجد العبارات التالية حول المعيد:


      "ويكون فريدا بين أقرانه في الفكر الحديد والرأي السديد وماهرا في تعليم مختصرات الكتب، وقادرا على تعلم واكتساب المطولات. ويكون لكل مدرس معيد وتخصص له يومية من الوقف الشريف قدرها خمس أقجات"


      وورد ذكر المعيد في وقف السليمانية كما يلي:" ويعين المعيد من بين طلاب العلم الذين يمتازون بالمعارف والفضيلة، ولديهم استعداد للارتقاء من رتبة الاستفادة إلى درجة الإفادة، ويكون أجرهم اليومي خمس أقجات"


      وتشير الوثائق العثمانية إلى أن المعيدين كانوا أيضا في المدارس التي دون الخمسينيات وكانوا يعينون كما يعين المدرسون. وجاء في إحدى الوثائق أن معيدا بمدرسة دار الشفاء في سيواس توفي وأن مكانه بقي شاغرا، فلم تعد الأمور تسير على النحو المطلوب ويطلب قاضي سيواس تعيين معيد آخر في المكان الشاغر كي يقوم بهذه المهمة. ويفهم من ذلك أن وظيفة المعيد كانت موجودة في هذه المدارس منذ القديم. ويبدو أن ترشيح المعيدين يكون من قبل المدرسين أنفسهم . ومع عدم التأكد من فترة خدمة المعيدين في المدارس ،فإن فترة عمل المعيدين في أغلب المدارس(باستثناء دور الطب) سنتان.


      وقد أعيد استحداث وظيفة المعيد في المدارس السلطان اثر الانقلاب العثماني عام 1908 ، ولكن ما لبثت الحكومة أن ألغته مرة أخرى.


      2. الطلاب


      ومما لا شك فيه أن الطلاب هو من أهم عناصر المدارس في تاريخ التربية والتعليم في العالم الإسلامي. وكان القائمون على شئون هذه المدارس يحرصون على أن يكون طلابها سليمين من ناحية الذكاء ومن الناحية البنيوية على حد سواء. ولذلك فإن الوثائق تشير إلى أن أساتذة المدارس كانوا يقومون باختبار ذكاء الطلاب بأنفسهم. ويكون اختيار الطلاب تبعا لنتيجة هذا الاختبار. وبذلك يحول المدرسون دون جمع الطلاب الأذكياء مع الأقل ذكاء في مكان واحد. لأنه ليس من المرغوب أن يجتمع الطلاب من مستويات مختلفة في الذكاء في صف واحد، لأن مثل هذا التطبيق يؤدي إلى تأخر الطلاب الأذكياء بالإضافة إلى تعذيب الطلاب الأقل ذكاء.


      ومع أن تلقي التعليم لا يتحدد بسن معين فإن بعض المدرسين أخذوا قابلية تعلم علوم معينة بنظر الاعتبار فاختاروا الطلاب من مجموعة سن معين. ويذكر المؤرخ كاتب جلبي أن من شروط طالب العلم أن يكون مضحيا ، وألا تكون علاقاته بالدنيا كثيرة ومتشابكة، وألا يكون لديه هم العيال وكسب قوتهم. وكل هذه الشروط تقتضي من طالب العلم أن يكون في مقتبل العمر. حتى إن بعض المؤلفين يشترطون في طالب العلم العزوبية. لأن المتزوج سينشغل بهموم حقوق الأسرة ولقمة العيش فلا يصرف همه للعلم على النحو المطلوب، مما يحول دون البحث والتمحيص العلمي.


      ومع إن تحديد عدد الطلاب مرتبط برغبة الواقفين بصورة عامة، فإن أعداد الطلاب تتغير في بعض الأحيان. فعد الطلاب في المدارس المصرية يتراوح بين ثلاثة ومائة، فلما يزيد العدد قسم إلى شعبتين بناء على رغبة المدرسين.


      وقد اهتم العثمانيون بطلاب العلم كثيرا وقامت الأوقاف بتأمين ماكل الطلاب وملبسهم وأماكن نومهم بالإضافة إلى بعض المبالغ التي تعينهم على التنقل والبحث. وكان عدد الطلاب في المدارس العثمانية يتغير وفقا لكبر المدرسة وصغرها، ومع ذلك فإن عدد الطلاب في أكبر المدارس لم يتجاوز العشرين طالبا لكل مدرس.


      وتشير الوثائق العثمانية إلى أن الطلاب الذين وصلوا إلى مستوى معين من الدراسة في مرحلة مبكرة من تأسيس الدولة العثمانية كانوا يتجهون بتوصية ونصح من مدرسيهم إلى المراكز العلمية الإسلامية المعروفة في ذلك العصر مثل القاهرة وسمرقند وبخارى وبلاد ماوراء النهر وبغداد ودمشق ليواصلوا اختصاصاتهم فيها. فيعودودن وقد نهلوا من الثقافة والحضارة الإسلامية التي تؤهلهم لأن يلقبوا بالعلماء.


      دروس الحضور


      وهناك نوع من التعليم يكون في أوقات خاصة ولإناس مخصوصين في الدولة العثمانية ويعرف بدروس الحضور. ويجب علينا قبل البحث في نظام المدارس العلمية أن نتطرق إلى موضوع دروس الحضور.


      فمن بين الطبقات الأربعة في نظام الدولة العثمانية نجد " الطبقة العلمية" وقد لعبت هذه الطبقة دورا مهما وفعالا في التاريخ الثقافي للدولة. فتوجيه الحياة الاجتماعية إلى وجهة معينه نجده أوضح ما يكون في الأيام التي لها خصوصية معينة مثل"رمضان" والوسيلة إلى ذلك "دروس الحضور" التي يحضرها السلطان وأركان الدولة. وبهذه الطريقة يطلع الأمراء وهم في سن مبكرة على كثير من المسائل العلمية. وهذه الدروس لها أهمية كبرى لدى رجال الدولة وكثير من المدعوين باعتبارها وسيلة للتزود بكثير من العلوم التي تساعدهم على إدارة شئون البلاد التي يعينون فيها.


      وليس هناك أي دولة اهتمت بطبقة العلماء واعترفت بفضلهم مثل الدولة العثمانية. فقد كان هؤلاء العلماء معفون من كثير من الضرائب والعقوبات التي تطبق بحق كثير من موظفي الدولة أنفسهم "فتكريم كافة العلماء وإعزازهم كان من أبرز صفات هذه الدولة الإسلامية، فقد كانوا آمنين على أموالهم التي اكتسبوها من أن تطالها يد الدولة بأي شكل من الأشكال"


      هذا الاحترام الذي يلقاه العلماء يجعلهم أحرارا في التعبير عن آرائهم وأفكارهم دون خشية من أحد. وأبرز مظاهر الحرية في إبداء الرأي من قبل هؤلاء العلماء نجدها من خلال "دروس الحضور" في شهر رمضان. حتى إن السلطان سليم الثالث أصدر أمرا قطعيا ببيان أن " المقررين" الذين يشتركون في هذه الدروس سيكونون مطلقي الحرية في بيان ما يريدون دون اعتراض من أحد.


      و"دروس الحضور" في الدولة العثمانية تبدأ منذ اليوم الأول من شهر رمضان المبارك، وتستغرق ثماني جلسات بحضور السلطان . ويعرف العالم الذي يلقي الدرس بـ"المقرر" ويحضره أيضا لفيف من العلماء الذين يناقشون المقرر بعد انتهاء تقريره. ولذلك سميت هذه الدروس بـ" دروس الحضور الهمايوني"


      ويذكر المؤرخون بأن أول دروس الحضور بدأ في عهد الغازي عثمان(1299-1326) يقول أحمد عطا طيار زاده " بدأت هذه الدروس في عهد الغازي عثمان خان. وأخذت صفة الديمومة في عهد الغازي أورخان ومنذ تلك العهود وخاصة منذ عهد السلطان مراد الأول حيث يجتمع فحول العلماء كلما سنح الوقت في شهر رمضان وبحضور السلطان فيقومون بتفسير بعض السور القرآنية. أما في عهد السلطان مصطفى الثالث(1172/1758) فمنذ اليوم الأول من شهر رمضان وحتى العاشر منه يجتمع بطلب من السلطان تجتمع هيئة العلماء المكونة من مقرر وعدد من العلماء الاخرين، فيقوم المقرر بتفسير بعض الآيات من تفسير البيضاوي. وفي اليوم العاشر يجتمع المقررون مع العلماء لدى شيخ المكتبة حيث يناقشون معا بعض المباحث الحسنة في التفسير.


      وفي عهد السلطان مصطفى الثالث (1757-1774)صدر قانون خاص بدروس الحضور. ويقول المؤرخ أحمد جودت باشا حول دروس الحضور في تلك الفترة:" يعقد مجلس للعلم من مقرر وسبعة أو ثمانية من فحول العلماء في أوائل شهر رمضان المبارك كل يوم بحضور السلطان يقرأون فيه تفسير القاضي البيضاوي"


      هذه العادة الحسنة الخاصة بشهر رمضان المبارك كانت الوسيلة لتعلم السلطان والأمراء ورجال الدولة كثيرا من الأمور وخاصة ما يتعلق منها بالأمور الدينية. ففي هذه الدروس تتلى آيات من القرآن الكريم تناسب الحدث والزمان فيعمل المقرر على تفسيرها. ويخصص وقت كاف بعد ذلك للإجابة على اعتراضات "المخاطبين" وتساؤلاتهم. وبذلك يفتح الطريق أمام البحث العلمي. والمقرر وكذلك المخاطبون لهم مطلق الحرية في إبداء آرائهم خلال النقاش.






      تعليق

      يعمل...
      X