إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

قصة الخلافة العثمانية ... (بحث)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قصة الخلافة العثمانية ... (بحث)



    قصة الخلافة العثمانية
    (بحث)


    هذة دعوه لقراءة تاريخ الدولة العثمانية الناصع و المشرق ، هذه الدولة التي حوربت من الخارج و من الداخل فكانت أعظم و أقوى دولة في حينها فهم من فتحوا (القسطنطينية) على يد (السلطان محمد الفاتح) و هم من كان كل ملوك أوروبا يخشونهم و هم من قاموا بحصار (روما) و على يدهم أنتشر الأسلام في شرق أوروبا
    و أترككم مع القصة الطويلة والتى قسمتها الى عديد من المشاركات ...


    الدولة العثمانية (699 – 1342هـ= 1300 – 1924م) تقف وسط تاريخ البشرية شامخةً؛ إذ حملت لواء الإسلام طوال ما يزيد على ستة قرون، وفتحت به أرجاء أوروبا وآسيا، وأقامت للإسلام دولة عظيمة، ظلَّت أوروبا الصليبية تخشاها وترهبها قرونًا عِدَّة، وظلَّت أوروبا كذلك تُعِدُّ العُدَّة للقضاء عليها، وتتحين الفرصة تلو الفرصة، لكن الدولة العثمانية وقادتها كانوا يكيلون لهم الضربات تلو الضربات حتى إذا أخلد العثمانيون إلى الأرض، وتخلَّوا عن الحكم الإسلامي الصحيح، والأخذ بأسباب القوة؛ انقضت عليهم أوروبا الصليبية فمزقتها، وأشاعت الماسونية بين شبابها وقادتها، حتى سقطت الخلافة التركية، وأُلغِيَت على يد مصطفى كمال أتاتورك.
    ظهور العثمانيين

    تعودُ نشأة العثمانيين إلى قبيلة من قبائل "الغز" التركية هي قبيلة "قابي"، وقد خرجت هذه القبيلة من أواسط آسيا متجهة إلى الغرب تحت قيادة أرطغرل، ووقفت هذه القبيلة إلى جانب السلطانعلاء الدين الأول، سلطان دولة الروم السلاجقة، إذ انضمت إلى جيشه ضد جيش أعدائه؛ مما أدَّى إلى انتصاره (630 هـ/ 1232م)، فما كان منه إلا أن أعطى تلك القبيلة التركية منطقة تابعة له في شمال غرب الأناضول يُطلق عليها "سكود" على الحدود البيزنطية السلجوقية، مكافأة لها على هذا الصنيع، وحصل رئيس القبيلة (أرطغرل) على لقب "محافظ الحدود".

    "أرطغرل" لم يقنع بمهمة المحافظة على الحدود، بل شرع يهاجم باسم السلطان علاء الأول ممتلكات الدولة البيزنطية في الأناضول، وضم إلى المدينة التي يحكمها مدينة "أسكي شهر"، ولما مات "أرطغرل" عام (687هـ/1288م) خلفه في حكم الإمارة ابنه "عثمان" الذي سميت الدولة باسمه.

    * نشأة عثمان بن أرطغرل

    وُلِدَ عثمان بن أرطغرل عام (656 هـ/ 1258م)، وهو العام الذي هجم فيه التتار على العالم الإسلامي، وقد تولَّى الإمارة بعد وفاة والده "أرطغرل"، وصحب السلطان السلجوقي علاء الدين، وساعده في فتح مدن منيعة، وقلاع حصينة، ولما قُتِل السلطان السلجوقي، وسقطت دولته على أيدي التتار، التفَّ الناس حول "عثمان"، وبايعوه حاكمًا عليهم، وذلك عام
    (699 هـ/ 1300م)، وقد حكم بين الناس بالعدل، وحقَّق انتصارات متتالية على البيزنطيين، وأصبحت الدولة العثمانية في عهده مستقلة استقلالاً تامًّا.

    وكانت حياته جهادًا ودعوةً في سبيل الله، وكان علماء الدين يحيطون به، ويشيرون عليه، ولقد حفظ لنا التاريخ وصية عثمان لابنه "أورخان" وهو على فراش الموت، وكانت تلك الوصية فيها دلالة حضارية، ومنهجية شرعية سارت عليها الدولة العثمانية فيما بعد ؛
    إذ فيها حثٌّ على تقريب أهل الشريعة من العلماء المخلصين، والعدل التام بين الرعية، وعدم الغرور بالجاه أو السلطان، والحرص على رضا الله، والحثِّ على الجهاد لرفع راية الإسلام، وأيضًا الزهد في الدنيا، والاستعداد للقاء الله تعالى .
    وكانت تلك الوصايا الرائعة دستورًا سار عليه العثمانيون في سياستهم في استكمال التأسيس والبناء للدولة العثمانية، ثم الانتشار والتوسع.
    عصر القوة في الدولة العثمانية (699 - 974هـ/ 1300 - 1566م)

    نستطيع أن نسمِّي عهد "أرطغرل" وابنه "عثمان" عصر ظهور وبداية للدولة العثمانية، على أن وَضْعَ الأسس لهذا البنيان الشاهق، الذي امتدَّ زمانًا ومكانًا، كان في عهد السلطان "أورخان غازي بن عثمان" والذي استمرَّ عهده خمسًا وثلاثين سنة (726 – 762هـ) استطاع خلالها وبمساعدة خيرة القادة والأعوان أن يضع القوانين ويسنَّ الأنظمةَ التي سارت عليها الدولة بعد ذلك، كما قام بتقوية الجيش وترتيبه وإعادة بنائه، وجعله دائمًا وليس استثنائيًّا أو وقت الحرب فحسب، كما كان قبل ذلك، وقد كانت النشأة وما تلاها لمدة ثلاثة قرون تمثل عصر القوة في الدولة العثمانية، ويمتد عصر القوة من هذا السلطان حتى نهاية حكم سليمان القانوني سنة (974هـ/1566م).

    وقد امتاز هذا العصر بإنجازات رائعة حققها العثمانيون، ومن أهم هذه الإنجازات التوسع في الفتوحات الإسلامية ورفع راية الجهاد مرة أخرى، وتنظيم الدولة وتقويتها والانتقال بها من مرحلة الدولة إلى مرحلة الخلافة، وقد ساعد على هذا مجموعة من العوامل التي بدونها لم يكن ليتحقق شيء من هذا كله، وهذه العوامل هي:

    أولاً: قوة الإيمان

    من السمات المميزة لمؤسسي الدولة العثمانية وولاتها في عهد قوتها، قوة الإيمان بالله تعالى، والحرص على طاعته، وتنفيذ أوامره، ويظهر هذا الأمر واضحًا جليًّا في سلوكهم وتصرفاتهم، بل ويوصون به أبناءهم وشعوبهم، فهذا "عثمان بن أرطغرل" المؤسس للدولة يقول في وصيته الشهيرة لابنه: "غايتنا هي إرضاء الله رب العالمين". وفي موضع آخر من الوصية: "إياك أن تفعل أمرًا لا يُرضِي الله". ويقول: "واعلم يا بُني أنَّ طريقنا الوحيد هو طريق الله".

    وهذا السلطان مراد الأول (761 - 791هـ/1360 - 1389م) يقول في دعائه قبل معركة "قوصوه" مناجيًا ربه سائلاً إياه الشهادة في سبيله – وقد نالها –: "يا إلهي، إنني أقسم بعزتك وجلالك أنني لا أبتغي من جهادي هذه الدنيا الفانية، ولكنني أبتغي رضاك، ولا شيء غير رضاك يا إلهي، إنني أقسم بعزتك وجلالك أنني في سبيلك فزدني تشريفًا بالموت في سبيلك".

    وهذا مراد الثاني (824 - 855هـ/ 1421- 1451م) كان معروفًا لدى جميع رعيته بالتقوى، والعدالة والشفقة، ومن أقواله: "تعالوا نذكر الله؛ لأننا لسنا بدائمين في الدنيا". وقال عنه يوسف آصاف: "كان تقيًّا صالحًا وبطلاً صنديدًا محبًّا للخير، ميَّالاً للرأفة والإحسان".
    أما ابنه محمد الملقب بالفاتح، فقد كان من الإيمان بمكان، ولقد أسهمت في تربيته تلك البيئة الإيمانية التي وفَّرها له والده السلطان مراد الثاني، ومن ثَمَّ نشأ على حب الإسلام، والعمل بالقرآن وسنة النبي ، وقد اتصف بالتُّقى والورع، وممن أشرف على تلك التربية الإيمانية للفاتح العالم الرباني أحمد بن إسماعيل الكوراني والشيخ "آق شمس الدين"، وهما ممن شُهد لهم بالفضيلة التامَّة.

    التربية الإيمانية كانت عاملاً أساسيًّا من عوامل فتح القسطنطينية، فقد أصَّل الشيخ "آق شمس الدين" عن فتح القسطنطينية "لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ، وَلَنِعْمَ الأَمِيرُ أَمِيرُهَا، وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُr، وقد رافق الشيخ "آق شمس الدين" السلطان "الفاتح" في أرض المعركة، وكان معه كالوقود الإيماني الذي يغذي السلطان والجيش حتى تحقق وعد الله، وتم فتح المدينة.". وكان هذا قوة إيمانية دفعت هذا الجيش المؤمن لتحقيق النصر ونيل هذه الصفة التي وصفهم بها الرسول في تلميذه السلطان محمد الفاتح أنه المعني بحديث رسول الله

    ويظهر كذلك إيمان "الفاتح" وحرصه على رعيته، وتحمُّله للمسئولية، من خلال تلك الوصية الرائعة التي أوصى بها ولده، والسلطان من بعده (بايزيد الثاني)، ومما جاء في هذه الوصية قوله: "قدِّم الاهتمام بأمر الدين على كل شيء، ولا تفتر في المواظبة عليه". وقوله أيضًا: "وإياك أن تميل إلى أي عمل يخالف أحكام الشريعة؛ فإن الدين غايتنا، والهداية منهجنا". وأيضًا أوصاه بقوله: "واعمل على تعزيز هذا الدين وتوقير أهله".

    وإذا نظرنا إلى السلطان بايزيد الثاني (856 - 918هـ/ 1452 - 1512م) وجدنا من صفاته أنه كان ورعًا تقيًّا، يقضي العشر الأخيرة من شهر رمضان في العبادة والذكر والطاعة، وكان يتصف بعمق الإحساس بعظمة الله تعالى، وله أشعار في الحكمة، توصي بالاستيقاظ من نوم الغفلة، والنظر في جمال الطبيعة التي أبدعها الله وكلماته الرائعة تعكس ما فيه من قربٍ إلى الله تعالى، وإيمان عميق

    ومما أُثِر عنه أيضًا أنه كان يجمع في كل منزل حلَّ فيه من غزواته ما على ثيابه من الغبار ويحفظه، ولما دنا أجله، أمر بذلك الغبار فضُرِب منه لبنة صغيرة، وأمر أن تُوضع معه في القبر تحت خده الأيمن؛ وهذا مما يدل على عمق إيمانه، وقوة يقينه بالأجر والثواب من الله تعالى.؛ ليتشفَّع بها إلى الله

    إن هذه السمة (قوة الإيمان) والتي تكاد تنطبق على أكثر ولاة الدولة العثمانية في عهد قوتها، كانت سببًا رئيسيًّا في علو شأن هذه الدولة، وعظمة مكانتها، فإن الإيمان بالله تعالى طاقة عظيمة تدفع إلى الرقي والتقدُّم في كافة مجالات الحياة، ومما لا شك فيه أن الشعوب الإسلامية في تلك الآونة كانت قوية الإيمان بالله تعالى، عظيمة التعلُّق به؛ وذلك لاهتمام الولاة بهذا الأمر، ولأن استقامة الحاكم سبب أساسي في استقامة المحكومين.


    ثانيًا: الاهتمام بالجهاد وفتح البلدان

    إذا نظرنا إلى تأسيس الدولة العثمانية وجدنا أنها قد نشأت نشأة جهادية، بل إن حِرْص مؤسسي هذه الدولة على الجهاد هو أحد الأسباب الرئيسية لنشأتها، فلا ننسى وقوفهم بجانب سلطان السلاجقة المسلم ضد أعدائه، مما كان سببًا في انتصاره، وحينها منحهم أرضًا، كانت تلك الأرض هي بؤرة المملكة الشاسعة التي امتدت شرقًا وغربًا، وشمالاً وجنوبًا.
    وقد ساعد هذا المكان الذي نشأت فيه الدولة العثمانية على تَبَنِّي سياسة الجهاد في سبيل الله، فقد كانت في الشمال الغربي للأناضول، على حافَّة العالم المسيحي، وعلى حافة العالم الإسلامي؛ مما جعلها مقدمة الجهات التي يطمع العالم المسيحي في احتلالها عند الحرب مع المسلمين، وقد استطاع الأمير عثمان أن يحرز انتصاراتٍ عسكريةً على البيزنطيين، وكانت التحرُّكات الحربية التي قام بها العثمانيون في هذه المرحلة الأولى من تاريخهم نتاج عدة عوامل أهمها الروح الدينية الجياشة، والطبيعة العسكرية الصارمة، والموقع الجغرافي للإمارة العثمانية، ثم الأوضاع السياسية في المنطقة المحيطة بالأتراك العثمانيين .

    ومنذ بداية تأسيس الدولة العثمانية أُطلق على زعيمها لقب الغازي – أي المجاهد في سبيل الله – وظل هذا اللقب الرفيع يتقدم كل الألقاب والنعوت بالنسبة للسلاطين العظماء، وكانت غاية الدولة العثمانية (الدفاع عن الإسلام ورفع رايته على الأنام) .
    لقد كان اهتمام السلاطين العثمانيين بالجهاد أمرًا واضحًا للغاية، فقد كانت حياتهم كلها جهادًا في سبيل الله، وتوسيعًا لرقعة الدولة الإسلامية، وقد بدأت هذه الدولة بداية حقيقية بهذا الرجل العظيم "عثمان بن أرطغرل"، والذي ورث أباه في صفة الجهاد هذه، وقد اتَّسم بوضوح الهدف والغاية، فلم تكن فتوحاته من أجل مصالح اقتصادية أو عسكرية، أو غير ذلك، بل كانت فرصة لتبليغ دعوة الله ونشر دينه، ولذلك وصفه المؤرخ أحمد رفيق في موسوعته "التاريخ العام الكبير" بأنه كان متدينًا للغاية، وكان يعلم أن نشر الإسلام وتعليمه واجب مقدَّس، وكان مالكًا لفكر سياسي واسع متين، ولم يؤسس "عثمان" دولته حبًّا في السلطة، وإنما حبًّا في نشر الإسلام.

    ويقول "مصر أوغلو": لقد كان "عثمان بن أرطغرل" يؤمن إيمانًا عميقًا بأن وظيفته الوحيدة في الحياة هي الجهاد لإعلاء كلمة الله، وقد كان مندفعًا بكل حواسه وقواه نحو تحقيق هذا الهدف . وقد ترك عثمان الأول الدول العثمانية ومساحتها تبلغ 16000كم2، واستطاع أن يجد لدولته الناشئة منفذًا على بحر مرمرة، واستطاع بجيشه أن يهدد أهم مدينتين بيزنطيتين في ذلك الزمان وهي أزنيق وبورصة.

    أمّا "أورخان بن عثمان" فقد كان حب الجهاد لا يفارقه على الإطلاق، وقد حاول تحقيق بشرى رسول الله r بفتح القسطنطينية، واتخذ في ذلك خطوات عملية، وذلك من خلال وضع خطة إستراتيجية تستهدف محاصرة العاصمة البيزنطية من الغرب والشرق في آنٍ واحد، وأرسل ابنه سليمان لعبور مضيق الدردنيل والاستيلاء على بعض المواقع في الناحية الغربية، وقد استفاد من جاء بعده بهذه الإنجازات في فتح القسطنطينية .

    للموضوع بقية
    ان كان فى العمر بقية


    مقتطفات من كتّاب
    ملتقى الحوار العربي


  • #2

    تأسيس الجيش العثماني الإسلامي
    كان من أهم أعمال "أورخان" تأسيسه للجيش الإسلامي، وقد حرص على إدخال نظام جديد للجيش وتطويره وتحديثه حتى يؤدي دوره على أحس وجه؛ فقام بتقسيم الجيش إلى وحدات، كل وحدة تتكون من عشرة أشخاص، أو مائة، أو ألف، وخَصَّصَ خُمُسَ الغنائم للإنفاق منها على الجيش، وجعله جيشًا دائمًا وليس استثنائيًّا، فقد كان قبلُ لا يجتمع إلا وقت الحرب، كما أنشأ كذلك مراكز خاصة يتم فيها تدريب الجيش والارتقاء بالجنود، وتعليمهم مهارات القتال.

    لقد احتلَّ الجيش مكانة بالغة الأهمية في حياة الدولة العثمانية، فهو أداة للحكم والحرب معًا، إذ كانت الحكومة العثمانية جيشًا قبل أي شيء آخر، وكان كبار موظفي الدولة هم في نفس الوقت قادة الجيش، ومن هنا جاء القول الشائع بأن الحكومة العثمانية والجيش العثماني وجهان لعملة واحدة[15].
    لقد استطاع "أورخان" أن يؤسس جيشًا إسلاميًّا نظاميًّا دائم الاستعداد للجهاد، وقد كان هذا الجيش يتكون من فرسان عشيرته، ومن مجاهدي النفير الذين كانوا يسارعون لإجابة داعي الجهاد، ومن أمراء الروم وعساكرهم الذين دخل الإسلام في قلوبهم، وحسن إسلامهم

    وقد عمل "أورخان" كذلك على زيادة عدد جيشه الجديد بعد أن ازدادت تبعات الجهاد ومناجزة البيزنطيين، فاختار عددًا من شباب الأتراك، وعددًا من شباب البيزنطيين الذين أسلموا وحسن إسلامهم، فضمهم إلى الجيش واهتم بهم اهتمامًا كبيرًا، وربّاهم تربية إسلامية جهادية، ولم يلبث الجيش الجديد أن تزايد عدده، وأصبح يضم آلافًا من المجاهدين في سبيل الله .

    لقد كان هذا الجيش الذي أسسه ونظَّمه وطوَّره "أورخان بن عثمان" أول جيش نظامي في تاريخ العالم .
    وقد اتسعت رقعة الدولة العثمانية في نهاية عهده إلى 95.000 كم2، وكان قد تسلمها من والده وهي لا تزيد على 16.000 كم2، كما ذكرنا سابقًا.
    أمَّا السلطان مراد الأول (726 - 791هـ/ 1326 - 1389م) فقد كان محاربًا قديرًا، شغوفًا بالجهاد، وقد جمع إلى جواره مجموعة من خيرة القادة والخبراء العسكريين، واستطاع أن يمضي في عملياته الحربية في أوروبا وآسيا الصغرى في وقت واحد.

    ففي أوروبا هاجم الجيش العثماني أملاك الدولة البيزنطية، ثمَّ استولى عام (762 هـ/ 1360م) على مدينة أدرنة ذات الأهمية الإستراتيجية في البلقان، وكانت ثاني مدينة في الإمبراطورية البيزنطية بعد القسطنطينية، وقد اتخذها السلطان مراد عاصمة للدولة العثمانية منذ عام (768 هـ/ 1366م)، وبذلك انتقلت عاصمة الدولة من آسيا إلى أوروبا، وسرعان ما تركزت في هذه العاصمة الجديدة جميع المقومات اللازمة للنهوض بالدولة وأصول الحكم، فتكوَّنت فيها فئات من الموظفين وفرق الجيش، وطوائف رجال القانون، وعلماء الدين، وأقيمت دور المحاكم، كما تَمَّ تشييد المعاهد المدنية والعسكرية، وقد ظلت "أدرنة" على هذا الوضع السياسي والعسكري والإداري والثقافي والديني، حتى تم فتح القسطنطينية بعد ذلك، فاتخذوها عاصمة لدولتهم .

    لقد قاد السلطان مراد الشعب العثماني ثلاثين سنة بكل حكمة ومهارة لا يضاهيه فيها أحد من ساسة عصره؛ قال المؤرخ البيزنطي "هالكونديلاس" عن مراد الأول: قام مراد بأعمال مهمة كثيرة، دخل سبعًا وثلاثين معركة، سواءً في الأناضول أو في البلقان، وخرج منها جميعًا ظافرًا.

    الإنكشاريون:
    في عهد "أورخان" ظهرت فرقة الإنكشارية، وكانوا فرقة من المشاة المحترفين، لها امتيازاتها الخاصة، وقد تلقوا تدريبًا وتعليمًا خاصًّا، حتى أصبحوا من أهم فرق الجيش العثماني، وكانوا يقومون بخدمة السلطان بغيرة وحماس[20].
    وقد اكتسبت هذه الفرقة صفة الدوام والاستمرار في عهد السلطان مراد الأول سنة (761هـ/ 1360م)، وكانت قبل ذلك تُسرَّح بمجرد الانتهاء من عملها.
    وامتاز الجنود الإنكشاريون بالشجاعة الفائقة، والصبر في القتال، والولاء التام للسلطان العثماني باعتباره إمام المسلمين، وكان هؤلاء الجنود يُختارون في سن صغيرة من أبناء المسلمين الذين تربوا تربية صوفية جهادية، أو من أولاد الذين أُسِروا في الحروب أوِ اشْتُرُوا بالمال.
    وكان هؤلاء الصغار يُرَبَّون في معسكرات خاصة بهم، يتعلمون اللغة والعادات والتقاليد التركية، ومبادئ الدين الإسلامي، وفي أثناء تعليمهم يُقسَّمون إلى ثلاث مجموعات: الأولى تُعَد للعمل في القصور السلطانية، والثانية تُعد لشغل الوظائف المدنية الكبرى في الدولة، والثالثة تعد لتشكيل فرق المشاة في الجيش العثماني، ويطلق على أفرادها الإنكشارية، أي الجنود الجدد، وكانت هذه المجموعة هي أكبر المجموعات الثلاث وأكثرها عددًا[21].
    وقد ازدادت مكانة الإنكشاريين في عهد السلطان "محمد الفاتح"، فقد جعل لقائدها حق التقدم على بقية القواد، فهو يتلقَّى أوامره من الصدر الأعظم، الذي جعل له السلطان القيادة العليا للجيش .

    تميز عصر السلطان محمد الفاتح – بجانب قوة الجيش البشرية وتفوقه العددي – بإنشاءات عسكرية كثيرة ومتنوعة، فأقام دور الصناعة العسكرية لسدِّ احتياجات الجيش من الملابس والسروج والدروع ومصانع الذخيرة والأسلحة، وأقام القلاع والحصون في المواقع ذات الأهمية العسكرية، وكانت هناك تشكيلات عسكرية متنوعة في تمام الدقة وحسن التنظيم من فرسان ومشاة ومدفعية وفرق مساعدة، تمد القوات المحاربة بما تحتاجه من وقود وغذاء وعلف للحيوان وإعداد صناديق الذخيرة حتى ميدان القتال، وكان هناك صنف من الجنود يُسمَّى "لغمجية" وظيفته الحفر للألغام، وحفر الأنفاق تحت الأرض أثناء محاصرة القلعة المراد فتحها، وكذلك السقاءون كان عليهم تزويد الجنود بالماء، ولقد تطورت الجامعة العسكرية في زمن الفاتح، وأصبحت تخرَّج الدفعات المتتالية من المهندسين والأطباء والبيطريين وعلماء الطبيعيات والمساحات، وكانت تمد الجيش بالفنيين المتخصصين، وقد أكسب هؤلاء العثمانيين شهرة عريضة في الدقة والنظام .

    كما اهتم العثمانيون كذلك بالمدفعية منذ أيامهم الأولى، وأنشئوا فرقة خاصة بالمدفعية (طوبجي) بلغ عددها ألف رجل في عهد "بايزيد الثاني" (886- 918هـ/ 1481- 1512م)، وفي عهد سليمان القانوني (926- 974هـ/1520- 1566م) تشكلت فرقة أخرى من المدفعية الثقيلة، كما اهتم العثمانيون أيضًا ببناء أسطول قوي بعد توسُّعِ دولتهم، بحيث يستطيع التصدِّي لأسطول البنادقة، ووصل عدد سفنه إلى 300 سفينة في عهد سليمان القانوني، واستطاع قائده "خير الدين بربروسا" أن ينشر الفزع والرعب في نفوس الأوروبيين .

    ثالثًا: الاهتمام بالعلم وتقريب العلماء:

    كان من عوامل قوة الدولة العثمانية كذلك اهتمامها بالعلم والعلماء، ومعرفتهم بأهمية العلم في نهضة الدولة والارتقاء بها بشكل دائم، فكانوا أشدَّ ما يكونون حرصًا على احترام العلماء؛ فهذا "عثمان" مؤسس الدولة يقول في وصيته لابنه "أورخان": "يا بُني أوصك بعلماء الأمة، أدم رعايتهم، وأكثر من تبجيلهم، وانزل على مشورتهم، فإنهم لا يأمرون إلا بخير". وقد عمل "أورخان بن عثمان" بوصية والده فكان أول من أقام جامعة إسلامية في الدولة العثمانية.

    وهكذا كان ولاة وسلاطين العثمانيين حال قوة دولتهم، بل كانوا هم أنفسُهم حريصين على تعلُّم العلم، وتربية أبنائهم وشعبهم على العلم؛ وذلك من خلال إنشاء المعاهد المتخصصة في العلوم المختلفة، وقد ذكرنا منها سلفًا المعاهد المتخصصة في الجوانب العسكرية، فقد كان إلى جوارها معاهد أخرى متخصصة في العلوم الشرعية والحياتية، مما أضفى على الدولة في تلك الآونة المكانة العلمية الكبيرة.
    وكلَّما ازداد الاهتمام بالعلم وتوقير العلماء حققت الدولة مزيدًا من التقدُّم والرقي في كافة مجالات الحياة، فهذا محمد الفاتح كان للعلماء عنده مكانة خاصة، فرفع قدرهم، وشجعهم على العمل والإنتاج، وبذل لهم الأموال، ووسَّع لهم في العطايا والمنح والهدايا؛ ليتفرغوا للعلم والتعلُّم، وكان يكرمهم غاية الإكرام، ولو كانوا من خصومه، فبعد أن ضمَّ إمارة القرمان إلى الدولة، أمر بنقل العمال والصُنَّاع إلى القسطنطينية غير أن وزيره "روم محمد باشا" ظلم الناس، ومن بينهم بعض العلماء وأهل الفضل، ومن بينهم العالم أحمد جلبي ابن السلطان أمير علي، فلما علم السلطان محمد الفاتح بأمره اعتذر إليه، وأعاده إلى وطنه مع رفقائه معزَّزًا مكرمًا.

    وكان كذلك لا يسمع عن عالم في مكانه أصابه عوز وإملاق إلا بادر إلى مساعدته، وبَذَلَ له ما يستعين به على أمور دنياه.
    وكان من عادته في شهر رمضان أن يأتي إلى قصره بعد صلاة الظهر بجماعة من العلماء المتبحرين في تفسير القرآن الكريم، يقوم في كل مرة واحد منهم بتفسير آيات من القرآن الكريم، ثم تبدأ النقاشات حولها، وكان يشارك في هذه النقاشات بنفسه، كما كان يشجعهم بالعطايا والهدايا والمكافآت المالية الجزيلة .


    تعليق


    • #3

      رابعًا: العدل بين الرعية:

      من أهم مقوِّمات قيام الدولة العثمانية وقوتها واستمرارها لمدة طويلة، توفُّرُ العدل فيها، وحِرْصُ حكامها على إرساء مبادئه بين الشعوب التي حكموها، يظهر ذلك جليًّا واضحًا من المواقف العملية التي اتخذها هؤلاء الحكام في عهد قوة الدولة، كما يظهر كذلك واضحًا من خلال وصية الولاة والسلاطين لأبنائهم بالعدل بين الرعية.
      ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة. ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام. وقد قال النبي : "لَيْسَ ذَنْبٌ أَسْرَعُ عُقُوبَةً مِنَ البَغْي وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ .
      وتروي معظم المراجع التركية التي أرَّخت للعثمانيين أن "أرطغرل" عَهِدَ لابنه "عثمان" مؤسس الدولة العثمانية بولاية القضاء في مدينة "قره جه حصار" بعد الاستيلاء عليها من البيزنطيين في عام (684 هـ/ 1285م)، وأن عثمان حَكَمَ لبيزنطي نصراني ضد مسلم تركي، فاستغرب البيزنطي وسأل عثمان: كيف تحكم لصالحي وأنا على غير دينك؟! فأجابه عثمان: بل كيف لا أحكم لصالحك، والله الذي نعبده يقول لنا: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا" . وكان هذا العدل الكريم سببًا في اهتداء الرجل وقومه إلى الإسلام .
      ثم هو أيضًا يقول لابنه "أورخان" في وصية طويلة: "اعدل في جميع شئونك...". وكذلك من جاء بعده من الولاة والسلاطين كانوا يأمرون بالعدل ويحثُّون عليه، وينهون عن الظلم، ويعاقبون من يرتكبه؛ وهذا مما ساعد على استقرار دولتهم وتعاون شعوبهم معهم في أمور الجهاد، وكذلك في الارتقاء بالدولة الإسلامية وتوسيع رقعتها، وعدم وجود انشقاقات أو خلافات حول الحكام طوال فترة قوة الدولة العثمانية.
      تلك كانت أهم عوامل قوة الدولة العثمانية، وهذه العوامل كفيلة إن وُجدت في أي أمة من الأمم أن ترتقي وتسمو على ما حولها من الأمم، إنها قوة الإيمان، والحرص على الجهاد، والاهتمام بالعلم والعلماء، والعدل بين الرعية، ويندرج تحت هذه العوامل كل ما فيه خير للأمة في دينها ودنياها.

      الإنجازات:

      كان من ثمرة الإيمان والجهاد والعلم والعدل تحقيق إنجازات رائعة، ونتائج طيبة، كان لها أكبر الأثر في علوِّ شأن المسلمين وعزتهم ورفعتهم، ومن هذه الإنجازات فتح "القسطنطينية"، وكان ذلك على يد السلطان الرباني محمد الفاتح (833- 866 هـ/ 1428- 1481م).
      وتُعَدُّ القسطنطينية من أهم المدن العالمية، وقد أُسست في عام 330م على يد الإمبراطور البيزنطي (قسطنطين الأول)، وكان لها موقع عالمي فريد، حتى قيل عنها: (لو كانت الدنيا مملكة واحدة لكانت القسطنطينية أصلح المدن لتكون عاصمة لها) .

      وقد استعصت القسطنطينية على الفتح، مع المحاولات العديدة التي بذلها المسلمون قبل ذلك، ولكن حالت الظروف دون أن يتم هذا الفتح، إلا على يد من أثنى عليه الرسول
      بقوله: "لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ، وَلَنِعْمَ الأَمِيرُ أَمِيرُهَا، وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ" .

      * فتح "القسطنطينية"

      أراد محمد الفاتح منذ توليه الحكم حسم مشكلة القسطنطينية، فقد كانت وكرًا للمؤامرات على الدولة العثمانية، واستعد السلطان سياسيًّا وعسكريًّا لذلك، فمن الإجراءات السياسية أنه جدَّد المعاهدات واتفاقيات الهدنة مع جميع جيرانه، ومن تربطهم علاقات معينة بالدولة كالبندقية وجنوة والصرب، وفرسان القديس يوحنا وغيرهم، وكان الهدف هو عزل الدولة البيزنطية عن جيرانها سياسيًّا وعسكريًّا، ثم حشد "الفاتح" أكثر من ربع مليون جندي أحدقوا بالقسطنطينية من البرِّ، واستمر حصار المدينة ثلاثة وخمسين يومًا، تم خلالها بناء منشآت عسكرية ضخمة، واستقدام خيرة الخبراء العسكريين، ومن بينهم الصانع المجري الشهير "أوربان"، والذي استطاع صنع مدافع عظيمة تقذف كرات هائلة من الحجارة والنار على أسوار القسطنطينية، وقد بذل البيزنطيون قصارى جهدهم في الدفاع عن المدينة، واستُشهِد عدد كبير من العثمانيين في عمليات التمهيد للفتح، وكان من بين العقبات الرئيسية أمام الجيش العثماني تلك السلسلة الضخمة التي وضعها البيزنطيون ليتحكموا بها في مدخل القرن الذهبي، والتي لا يمكن بحال فتح المدينة إلا بتخطيها، وقد حاول العثمانيون تخطي هذه السلسلة دون جدوى، ووفق الله "الفاتحَ" لفكرة رائعة، تدل على عبقرية حربية فذَّة؛ حيث استطاع نقل سبعين سفينة بعد أن مُهِّدت الأرض وسوُيت في ساعات قليلة، وتم دهن الألواح الخشبية ووضعها على الطريق تمهيدًا لجرِّ السفن عليها مسافة ثلاثة أميال، وقد تمَّ كل هذا في ليلة واحدة وبعيدًا عن أنظار العدو، وكانت فكرة مبتكرة وناجحة بكل المقاييس، ثم بعد الهجوم الكاسح على المدينة واستسلامها بعد مقتل الإمبراطور كان التسامح التام مع أهل المدينة حيث كانت لهم الحرية التامة في ممارسة شعائرهم الدينية، واختيار رؤسائهم الدينيين. ومما يدل على ذلك أن السلطان محمد الفاتح استقبل بطريرك المدينة، وتناول معه الطعام، وتحدَّثا في أمور شتى؛ دينية وسياسية واجتماعية، مما أعطى هذا البطريرك انطباعًا مختلفًا عمَّا كان عليه قبل لقائه السلطان الفاتح .
      لقد كانت القسطنطينية قبل فتحها عقبة كبيرة في وجه انتشار الإسلام في أوروبا؛ ولذلك فإن سقوطها يعني فتح أوروبا لدخول الإسلام بقوة وسلام أكثر من ذي قبل، ويعتبر فتح القسطنطينية من أهم أحداث التاريخ العالمية، وخصوصًا تاريخ أوروبا وعلاقتها بالإسلام، حتى عدَّهُ المؤرخون الأوروبيون ومن تابعهم نهايةَ العصور الوسطى وبدايةَ العصور الحديثة .

      ومن أهم إنجازات العثمانيين في تلك الفترة أيضًا توسيع رقعة العالم الإسلامي، ودخول الكثير من البلاد تحت راية الإسلام، وذلك نظرًا للعمليات الجهادية الكثيرة، فقد اتسعت رقعة الدولة العثمانية في عهد السلطان "مراد الأول" من 95.000 كم2 إلى 500.000 كم، بمعنى أنها زادت في حوالي 29 سنة أكثر من خمسة أمثال ما تركها له والده "أورخان" .


      تعليق


      • #4

        الإسلام في البلقان

        ثم كان التوسع السريع في البلقان والأناضول معًا، وذلك في معركة نيكوبوليس (791هـ/ 1389م)، إلا أنهم مُنُوا بهزيمة أمام قوات "تيمورلنك" في أنقرة سنة (804هـ/ 1402م) إذ كانت هناك عوامل وأسباب أسهمت في إيجاد صراع بين تيمورلنك وبايزيد، منها أن أمراء العراق لجئوا إلى بايزيد بعد أن استولى تيمورلنك على بلادهم، كما لجأ إلى تيمور بعض أمراء آسيا الوسطى يستنصرون به على بايزيد، وكذلك شجع النصارى تيمورلنك ودفعوه للقضاء على بايزيد، وكانت هناك رسائل نارية بين الطرفين (بايزيد - تيمورلنك)، وقد كان كلا الزعيمين يسعى لتوسيع دولته، وتقدمت جيوش تيمورلنك، والتقت بجيوش بايزيد قرب أنقرة في عام (804هـ/ 1402م)، وكانت جيوش بايزيد تبلغ 120 ألفًا من المجاهدين، وكان مع تيمورلنك قوات جرارة لا تقل عن 800 ألف، ونظرًا لاندفاع بايزيد وعجلته، وعدم اختياره لمكان جيد ينزل فيه بجيشه، مات الكثير من جنوده عطشًا، بينما فرَّ كثيرون أيضًا – خاصة من الجنود التتار والإمارات الآسيوية المفتوحة حديثًا - وانضموا إلى جيش تيمورلنك، وكانت الهزيمة الساحقة، وتمَّ أسر بايزيد وظل يرسف في أغلاله حتى وافاه الأجل في السنة التالية . وتلت هذه الهزيمة فترة اضطرابات وقلاقل سياسية.

        * السلطان محمد جلبي

        مرَّت الدولة العثمانية في تلك الآونة بفترة ضعف شديدة ، حتي استطاع أحد أبناء بايزيد الأول وهو السلطان محمد الأول أو محمد جلبي (781- 824هـ/ 1379- 1421م) النهوض بالدولة من جديد، ليظل عهد القوة مستمرًّا بعد ذلك ما يزيد على مائة عام.
        وبعد أن استعادت الدولة توازنها، تواصلت سياسة التوسع في عهد مراد الثاني ثم محمد الفاتح، وسبق أن ذكرنا فَتْحَهُ للقسطنطينية الذي أنهى قرونًا من التواجد البيزنطي المسيحي في المنطقة، وبهذا التوسع أصبح العثمانيون القوة الرائدة في العالم الإسلامي، وحاولوا فتح جنوب إيطاليا سنوات (885، 886هـ/ 1480، 1481م)، وقد تمكن السلطان سليم الأول من فتح العراق سنة (920هـ/ 1514م)، وكل بلاد الشام وفلسطين (922هـ/ 1516م)، ومصر
        (923هـ/ 1517م)، ثم جزيرة العرب وأخيرًا الحجاز، وقد انتصر على الصفويين في معركة "جالديران" واستولى على أذربيجان، ثم بلغت الدولة أوجها في عهد ابنه سليمان القانوني، والذي واصل فتوح البلقان ثم حصار فيينا، وفتح اليمن عام (938هـ/ 1532م)، واستولى بعدها على الساحل الصومالي من البحر الأحمر، واستطاع بناء أسطول بحري ليبسط سيطرته على البحر المتوسط بمساعدة "خير الدين بربروسا"، ثم تمَّ بعد ذلك إخضاع دول المغرب الثلاث: الجزائر، وتونس، ثم ليبيا، فأصبحت الدولة العثمانية تمتدُّ على معظم ما يشكل اليوم العالم العربي باستثناء وسط الجزيرة ومراكش وعُمان، إضافةً إلى امتدادها في وسط آسيا وجنوب شرق أوروبا.

        لقد قضى السلطان سليمان القانوني مدة ثماني وأربعين سنةً في الجهاد بعد أن نظَّم السلطنة، وقسَّم جيش الإنكشارية إلى ثلاث فرق حسب سني الخدمة، تاركًا جيشًا نظاميًّا عدده خمسون ألف جندي نظامي، وقوى مساندة تزيد على 250 ألف جندي، ومَدَافع برية تُقدَّر بـ 300 مدفع، وسفنًا حربية تُقدَّر بـ 300 سفينة مزودة بـ 800 مدفع بحري.

        لقد كان عهد السلطان سليمان القانوني يمثل رأس الهرم بالنسبة لقوة الدولة العثمانية ومكانتها بين دول العالم آنذاك، وهو العصر الذهبي للدولة العثمانية؛ إذ شهدت سنوات حكمه توسعًا عظيمًا لم يسبق له مثيل، وأصبحت أقاليم الدولة العثمانية منتشرة في ثلاث قارات عالمية.

        وكان هذا التوسع الضخم للدولة مؤهلاً لها أن تنتقل من مرحلة الدولة إلى مرحلة الخلافة، ومسألة انتقال الخلافة إلى العثمانيين لها ارتباط وثيق بفتحهم لمصر، ويقال: إن آخر خلفاء بني العباس في مصر قد تنازل للسلطان سليم عن الخلافة، على أن ذلك لم يثبت تاريخيًّا، ولم يُشِرْ إليه المؤرِّخ ابن إياس والذي عاصر ضمَّ مصر لدولة العثمانيين، كما لم ترد أية إشارة في رسائل السلطان سليم لابنه سليمان بهذا الشأن، وقد كان السلطان سليم يطلق على نفسه لقب "خليفة الله في طول الأرض وعرضها" منذ عام (920هـ/ 1514م) أي قُبَيل فتحه للشام ومصر وإعلان الحجاز خضوعه لآل عثمان، وقد أحرز السلطان سليم وأجداده نظرًا لجهادهم وفتوحاتهم مكانة عظيمة لدى المسلمين جميعًا، يستحقون بها لقب الخلافة، بينما كان الخليفة العباسي في مصر لا يُعْتَد به .

        تعليق


        • #5


          عصر الضعف في الدولة العثمانية
          (974- 1342هـ/ 1566- 1924م)
          تضافرت مجموعة من الأسباب أدَّت إلى ضعف ثم انهيار الخلافة العثمانية في تلك الفترة التي تلت عهد القوة، وامتدت ما يقرب من ستة قرون، هذا الضعف الذي بدأ يتسلل إلى الخلافة بعد وفاة السلطان سليمان القانوني - الذي بلغت الدولة في عصره شأنًا عظيمًا - كما ذكرنا، وفي عصر أول سلطان بعده وهو سليم الثاني (974- 982هـ/ 1566- 1574م) تعرض الأسطول البحري العثماني لهزيمة مريعة؛ فقد تحالفت إسبانيا والبندقية والبابوية، وبنوا أسطولاً كبيرًا، وهاجموا الأسطول العثماني في "ليبانتو" في (جمادى الأولى 979هـ/ أكتوبر 1571م)، وبعد معركة استمرت ثلاث ساعات، تحطم من الأسطول العثماني 300 سفينة، وأخذ الأسبان 130 سفينة عثمانية، كما أغرقت 94 سفينة، وغنمت دول التحالف 300 مدفع وثلاثين ألف أسير.

          ومما لا شك فيه أن معركة "ليبانتو" البحرية كان لها صدى كبيرٌ في قلوب المسيحيين، وكان يمكن أن تكون أكبر معركة فاصلة في التاريخ الحديث، لولا الأضرار التي لحقت بالأسطول المسيحي المنتصر، وهبوب عاصفة عنيفة حالت دون تعقب العثمانيين، إضافةً إلى النزاع الذي حصل بين المنتصرين حول اقتسام الغنائم، والحقيقة أن خسارة العثمانيين لم تكن خسارة مادية، بالرغم من عدد القتلى المرتفع، وإنما كانت خسارة معنوية، ويمكن اعتبارها بداية للتقهقر الذي حلَّ بالدولة العثمانية، وزالت شهرتها بأنها دولة لا تُقهر، وثبت فعليًّا إمكان قهرها.

          وكذلك احتلت إسبانيا تونس سنة (980هـ/ 1572م) دون مقاومة تذكر؛ لأن جنودها كانوا قد اشتركوا في معركة "ليبانتو"، ومع أن هذا الاحتلال لم يلبث إلا ثمانية أشهر؛ إذ عاد العثمانيون واستردوها مرة أخرى بمعرفة سنان باشا ذي عاد من اليمن[3]، إلا أن هذه الأحداث كانت بمنزلة الإشارة إلى بدء ضعف الدولة؛ حيث لم تتعرض لمثل هذه الهزائم من قبل، اللهم إلا الفترة التي تلت هزيمة "بايزيد الأول" الملقب بالصاعقة، وعادت بعدها الدولة إلى قوتها وسيطرتها ونفوذها خلال مدة يسيرة.
          ونستطيع أن نُلخِّص أسباب هذا الضعف في الأمور التالية:

          1 - ضعف أكثر الحكام والولاة:

          من أهم وأبرز أسباب ضعف الدولة العثمانية بعد قوتها ثم انهيارها تمامًا بعد ذلك، ضعف حكامها؛ فقد أُصِيب البلاط العثماني والدوائر الحاكمة في الدولة بفساد شديد خلال الفترة الواقعة بين وفاة السلطان سليمان القانوني، وتولية السلطان مصطفى الرابع العرش في عام (1222هـ/ 1807م) فقد حكم خلال هذه الفترة ثمانيةَ عشرَ سلطانًا، لم يكن أحدٌ منهم على مستوى يؤهله لأن يمارس الحكم إلا بواسطة وزراء كانوا أحيانًا مثالاً للفساد، وأحيانًا أخرى مشفقين على الدولة من الانهيار، كما يقومون بإصلاحات تعطي الدولة حيوية تمكنها من إدارة أمورها لعدة سنوات، وبالمقارنة مع فترة القرن السادس عشر المجيدة، فإن الفترة الممتدة على مدار القرنين الـ 17، 18 تتخذ مظهرًا أقل روعة، على الرغم من ظهور عدد من الشخصيات القيادية التي عملت على صون وهيبة وسلطان الدولة كالسلطانين عثمان الثاني ومراد الرابع، والوزراء محمد كوبرولي وأحمد باشا فاضل ومصطفى باشا فاضل الذين تولوا منصب الصدر الأعظم.

          ويلاحظ في هذه الفترة أيضًا ضعف اهتمام السلاطين بمزاولة شئون الدولة. صحيح أن محمدًا الثالث وعثمان الثاني ومحمدًا الرابع كانوا يقودون جيوشهم في بعض الأحيان، بيد أن مرادًا الرابع كان آخر السلاطين الذين أحيوا سنن البيت العثماني الحربية.

          قد ترك السلاطين أمور الدولة لكبار موظيفهم الذين انغمسوا في الفساد، فانتشرت الرشوة والمحسوبية والاختلاس وبيع الوظائف، وقام بعض الولاة بحركات انفصالية واستقلالية عن الدولة.

          وكثيرًا ما كان يصل إلى العرش صبية صغار أو سلاطين حكموا لفترة قصيرة، فقد كان من السلاطين أحمد الأول (1012- 1026 هـ/ 1603- 1617م)، وعثمان الثاني (1033- 1050هـ/ 1623- 1640م) عندما تولوا العرش في سن الرابعة عشرة، والسلطان محمد الرابع (1058- 1099هـ/ 1648 - 1687م) في سن السادسة[7].
          وكانت عهود هؤلاء القُصَّر فرصة لحكم النساء والمحظيات (الحريم السلطاني)، كما كانت فرصة لفقدان النظام في القوات العسكرية.

          إن أبناء الرعيل الأول من سلاطين وولاة الدولة العثمانية المؤسسين لها قد تربَّوا في جوِّ الجهاد في سبيل الله، وقد كان آباؤهم يختارون لهم العلماء الربانيين الذين يأخذون بأيديهم نحو الله تعالى، وكانوا يقودون الجيوش بأنفسهم، وكانوا همهم الدائم وشغلهم الشاغل هو الجهاد والاستشهاد في سبيل الله، ومن هنا رأينا تلك القوة المهيبة والاتساع العظيم للدولة في عصرهم.
          أما من تربّى في الترف والنعيم، وبين القصور والجواري، فلا يُتوقع منه إلا ضعف الهمة، وخور العزيمة، والتعلُّق بالدنيا، وزهد الجهاد في سبيل الله.



          تعليق


          • #6



            2 - النفوذ الزائد للإنكشارية وتسلطهم على السلاطين:

            من النتائج الطبيعية لضعف الولاة ظهور بؤر قوة تحاول استغلال نفوذها، وبسط سيطرتها، وكان من مراكز القوة في الدولة العثمانية فرقة الإنكشارية العسكرية، والتي هي أحد أهم أقسام الجيش العثماني، وقد سبق الإشارة إليها بإيجاز، حيث كانت أحد الدعائم التي تمَّ الاعتماد عليها في الجهاد والتوسع في مرحلة قوة الدولة العثمانية، وكانت لهم صلاحيات واسعة، وفي حين كانت كل فرقة من الجيش تابعةً للوالي الذي يحكم الإمارة الموجودين فيها، وتأخذ أوامرها منه، كان اتصال قيادات الإنكشارية بالصدر الأعظم بشكل مباشر.
            ولما كانت الإنكشارية هم عماد الجيش، فقد أحرزوا انتصارات عظيمة، وأُعطيت لهم امتيازات، وقدِّمت لهم إقطاعات، فمالوا إلى حياة الدعة والراحة، وبدأت علامات الضعف تظهر على الجيش، وأصبح الإنكشاريون لا يخرجون للقتال إلا إذا خرج السلطان معهم، وهذه بداية التذمر، وأصبحوا يتدخلون في اختيار السلطان وفي شئون الحكم، وقد أدَّى ذلك إلى تحوُّل الإنكشارية إلى عنصر شغب وفوضى، بعد أن توقفت الفتوحات، واقتصر دورهم على أعمال التمرد والعصيان، والاعتداء على الأموال والأرواح، وزاد الأمر سوءًا أن الجيش الإنكشاري أصبح يتدخل في السياسة وشئون الحكم.
            ففي مستهلِّ عهد السلطان سليم الثاني اعترض الإنكشارية موكب السلطان أثناء دخوله العاصمة لأول مرة عقب ارتقائه العرش، وقاموا بمظاهرات صاخبة مطالبين بزيادة أعطياتهم، حتى يسمحوا لموكبه بمواصلة التقدُّم، وقد استجاب السلطان لمطلبهم.
            وكان السلطان مراد الثالث أحد السلاطين الذين تصدوا لمشكلة الإنكشارية، وذلك بعدما أدرك أنهم تجاوزوا
            ختصاصاتهم كمحاربين، وأصبحوا مركز قوة خطيرًا في الدولة، خاصة بعد تعدِّيهم بالقتل على شخصيتين كبيرتين في الدولة هما الدفتردار وبكلربك الرومللي بعد أن اتهموهما بإعطائهم نقودًا فضية ناقصة القيمة، ولم يقوَ السلطان على منعهم؛ فتمردوا مرة أخرى سنة (1001هـ/ 1593م) في "الأستانة"، وأخرى في مدينة "بود" وقتلوا واليها، وفي القاهرة وتبريز وغيرها؛ فأمر السلطان بإلحاق عدد كبير من المجندين المسلمين الأحرار في الفيالق الإنكشارية، خاصة أن هذه الفيالق كانت مقتصرة على الإنكشاريين فقط دون غيرهم.
            وعندما تولَّى السلطان عثمان الثاني العرش في سن مبكرة، استخفَّ به الإنكشارية وثاروا عليه، وطلبوا منه إنهاء الحرب التي كان يخوضها ضد بولندا، على الرغم من أنه كان في حصن منيع، ولم يحقق الهدف بعدُ من هذه الحرب، ولكنه اضطر للنزول على رغبتهم، وكان هذا سببًا في حقده عليهم، واتخاذه قرارًا بتصفيتهم، وإنهاء وجودهم، فبدأ بحشد القوات من آسيا وتدريبها وإعدادها لضرب الإنكشاريين، ولما أحسوا بالأمر هاجوا وماجوا وتذمروا، وعزلوا السلطان وأسروه وقتلوه.
            وكان لهذا العمل أصداءٌ بعيدة؛ إذ انتشرت الرهبة في الدوائر الحكومية، وعلا شأن الإنكشارية علوًّا كبيرًا، وأخذوا يولُّون الوزراء ويعزلونهم.
            وعندما تولى الحكم السلطان محمود الثاني (1223 هـ/ 1808م) استطاع التخلص من الإنكشارية تمامًا، وأزالها من الوجود، وأصبح بعد ذلك حرًّا في تطوير جيشه.
            فهذه القوة التي كانت من عوامل انتصار العثمانيين نظرًا لبراعتها وإخلاصها وتفانيها في الجهاد، أصبحت فيما بعد عبئًا على الدولة لانحراف الغاية، ومحاولة التسلُّط على الحكم، والثبات على أنواع تقليدية من التدريب، وعدم الاستجابة لمحاولات التطوير لها، كل هذا أدَّى في النهاية إلى ضعفها ثم انهيارها وسقوطها بعد ذلك.

            3- عدم الاهتمام بالعلم وضعف العلماء:
            سبق أن ذكرنا أن من مقومات قيام الدولة العثمانية ونهضتها وقوتها قيامها بواجبها نحو العلم والعلماء واحترامهم وتقديرهم، بل كان كل سلطان يختار لأبنائه من يعلمهم ويربيهم على الربانية، وكانوا يهتمون ببناء المعاهد العلمية التي تخرِّج العلماء والقادة والمتخصصين في كافة مجالات الحياة؛ لذا فعندما زهد الحكام في العلم، ولم يعرفوه له مكانته، ولا لحامليه قدرهم، وضعف الاهتمام بمعاهد العلم، وأصبح الشغل الشاغل هو السلطة والشهوات والملذات، قاد ذلك كله إلى ضعف الدولة وتفكك أواصرها، والإذن بسقوطها.
            لقد أخلد العلماء في آخر الدولة العثمانية إلى الأرض، واتبعوا أهواءهم، وضعفوا عن القيام بواجباتهم، فكانوا بذلك قدوة سيئة للجماهير التي ترمقهم وترقبهم عن قرب، ولقد غرق الكثير منهم في متاع الدنيا وأترفوا فيها، وكُمِّمت أفواهُهم بدون سيف أو سوط، ولكن بإغداق العطايا عليهم من قبل الباشوات والحكام.
            وتوفرت عدة عوامل أُصيبت بسببها العلوم الدينية خاصة بالجمود والتحجر، من هذه العوامل الاهتمام بحفظ المختصرات فحسب، وذلك دون الرجوع إلى أمهات الكتب؛ مما أضعف ملكة الاستنباط والفهم، وأصبح الفقهاء منهم ينقلون أقوال من سبقهم، ويختصرون مؤلفاتهم في متون موجزة، ويأخذون هذه الأقوال مجردة عن أدلتها من الكتاب والسنة، مكتفين بنسبتها إلى أصحابها.
            ومن العوامل التي ساعدت على التأخر العلمي أيضًا كثرة الحواشي والتقريرات؛ فقد كانت تلك من الأغلال التي كبلت العقول، وأدَّت إلى جمود العلوم عبر قرون عديدة، وكانت توجد بعض الحواشي والشروح المفيدة، ولكنها لا تكاد
            تُذكر، وكانت مناهج التعليم في تلك الفترة بعيدة كل البعد عن ذلك المنهج الإسلامي الأصيل.
            كما كان من عوامل تدهور العلوم الشرعية في تلك الفترة أيضًا التساهل في منح الإجازات، فكانت تُعطى في العصر المتأخر للدولة العثمانية جزافًا، إذ كان يكفي أن يقرأ الطالب أوائل كتاب أو كتابين مما يدرسه الأستاذ حتى ينال إجازة بجميع مروياته، وكان ذلك التساهل من الأمور التي شغلت المسلمين عن تحصيل العلوم كما ينبغي، وأضحى الهدف الكبير عند كثير من المنتسبين إلى العلم حيازة أكبر عدد من هذه الإجازات الصورية التي لم يكن لها في كثير من الأحيان أي رصيد علمي في الواقع.
            كما أصبحت المناصب العلمية في أواخر الدولة تؤخذ بالوراثة، مثلها مثل الدور والضياع والأموال.

            4- الامتيازات الأجنبية:
            لقد منحت الاتفاقات الأجنبية الدولَ الأوروبية امتيازاتٍ وحقوقًا للتدخل في شئون الدولة عن طريق رعايا من النصارى، وأصبحت هذه الاتفاقيات ملزمة للحكام، ونجم عنها خروج الرعايا الأجانب عن طاعة أوامر الدولة مما سبَّبَ ضعفًا للدولة، وأحيانًا قيام حركات تمرد وثورات.
            وفي أواخر أيام الدولة العثمانية صارت دول أوروبا النصرانية تتدخل في شئونها تحت زعم حماية الامتيازات، وللدفاع عن نصارى الدولة الذين كانوا يُعَدُّون رعايا للدولة الأجنبية، وخاصة في بلاد الشام .
            وعندما تحصَّلت هولندا على الامتيازات، استغلت ذلك في نشر الدخان داخل ديار المسلمين، وبدأ تعاطيه من قبل الجنود، فأصدر المفتي فتوى بمنعه، فهاج الجند، وأيدهم الموظفون، فاضطر العلماء إلى السكوت عنه.

            تعليق


            • #7




              تداعي الدول الأوروبية على الخلافة العثمانية


              كان الضعف الذي أصاب الدولة العثمانية هو أحد أهم الأسباب التي أغرت الدول الأوروبية بالتآمر ثم الانقضاض بعد ذلك على دولة الخلافة، وقد كانت هناك محاولات من هذا التآمر في عصر قوة الدولة، عندما أحس الأوروبيون بأن الدولة ضعيفة – مع أنها كانت في أوج القوة والنشاط والحيوية - ففي عهد السلطان مراد الثاني، وبعد أن عقد هدنة مع الأوروبيين، عاد إلى الأناضول فَفُجِعَ بموت ابنه الأمير علاء، فاشتدَّ حزنه، وزهد في الدنيا والملك، واتخذ مكانًا للعبادة والذكر في "مغنيسيا" في آسيا الصغرى، وتنازل عن السلطنة لابنه محمد "الفاتح"، وكان إذ ذاك في الرابعة عشرة من عمره، وقد دفع هذا الأمر الأوروبيين – رغم الهدنة والعهود والمواثيق – إلى نقض عهودهم مع العثمانيين، واقتنع البابا "أوجين الرابع" بهذه الفكرة الشيطانية (فكرة نقض العهد ومحاربة العثمانيين)، وتم حشد الجيوش لمحاربة المسلمين، وعندها بعث رجال الدولة على الفور إلى الأسد القابع في عرينه: السلطان مراد الثاني لمواجهة هذا الخطر، وكانت معركة حامية الوطيس بين الجيش العثماني المسلم والجيش الأوروبي النصراني في سهول "قوصوه" (852هـ/ 1448م) استمرت ثلاثة أيام، وكتب الله فيها النصر لأوليائه، وخذل أعدائه الخائنين للعهود والمواثيق، وقد أخرجت هذه المعركة بلاد المجر لعشر سنوات على الأقل من عداد الدول التي تستطيع النهوض بعمليات حربية هجومية ضد العثمانيين.

              ولما تداعت أركان القوة في الدولة، وبدأت بالميل إلى السَّلم في غير محله، والتقوقع على نفسها، وحدَّت من سياسة الجهاد والتوسُّع، وأكثرت من المعاهدات، ومَنَحَت الامتيازات، كان ذلك سببًا في طمع الدول الأوروبية التي آلمتها لمعارك من ذي قبل مع أجداد هؤلاء المسلمين، وكانت أولى التحالفات في مستهل عصر الضعف، ما ذكرناه من تحالف إسبانيا والبندقية والبابوية، وضرب الأسطول البحري العثماني في معركة "ليبانتو" (جمادى الأولى 979هـ/ أكتوبر 1571م)، وقد أغرت هذه الهزيمة للعثمانيين فرنسا فطمعت في الشمال الإفريقي.
              أيضًا من دواعي تداعي الدول الأوروبية على الدولة العثمانية كثرة الثورات، وبروز حركات الانفصال، وظهور أمراء الأطراف، فقد ساعدت سياسة الدولة المذهبية والعصبية على نمو العصبيات الحاكمة الأمر الذي حفظ للقوميات طابعها القومي؛ ذلك لأن العثمانيين لم يتبعوا سياسة هضم القوميات، بل وضعوا كل مِلة أو عصبية تحت حكم زعيم لها هو المسئول عنها أمام السلطات، ولهذا ظلت الأسس القومية سليمة، وعندما تطلعت هذه القوميات إلى الانفصال عن جسم الدولة وجدت في قوميتها متانة كافية للصمود أمام القوات العثمانية[2]، وكان هذا التفكك مشجعًا للدول الأوروبية على الانقضاض على الدولة العثمانية.
              وإجمالاً فإن عوامل الضعف التي سبق ذكرها تفصيلاً هي في الواقع الأسباب التي دعت الدول الأوروبية إلى الإجهاز على الدولة العثمانية.
              ولكن لماذا لم تُجهز الدول الأوروبية على الدولة العثمانية سريعًا رغم امتداد فترة ضعفها؟
              و في الحقيقة أن ذلك يرجع إلى سببين:
              الأول: خوفهم من قوة العثمانيين:
              فمع ما وصل إليه العثمانيون من ضعف وتفكك، فإنهم كانوا ما زالوا يمثلون أمام الأوروبيين ماردًا مخيفًا ربما يستعيد قوته في أية لحظة، خاصة مع اتساع دولتهم، وماضيهم المليء بالانتصارات والفتوحات العظيمة.

              لثاني: وجود توازنات ومصالح سياسية بين الدول الأوروبية:
              ظلَّت الدوافع الاقتصادية والسياسية والدينية تحث الدول الأوروبية على السيطرة على الدولة العثمانية، فهذه روسيا تحاول السيطرة على المضائق، وبالتالي على العاصمة العثمانية، من أجل تأمين تجارتها، وتنفيذ ادعاءاتها في وراثة بيزنطية، إلا أن مشاريعها التوسعية والتقسيمية كانت تصطدم دائمًا بمصالح الدول الأوروبية، فالنمسا كانت تنافسها في السيطرة على البلقان، في حين عارضتها كل من فرنسا وإنجلترا لأسباب سياسية واقتصادية.

              * جمعية الاتحاد والترقي:
              تأثَّر كثير من الشباب العثماني المثقف في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بأفكار الثورة الفرنسية، وكذلك بالحركة القومية الإيطالية التي قادها "ماتزيني"، ورأى هذا الشباب أن إنقاذ الدولة من حالة التردي التي وصلت إليها يكون بإيجاد نظام سياسي ديمقراطي، وقد التحق ثلاثة من الإعلاميين الثوريين العثمانيين هم: نامق كمال ومحمد ضياء وعلي سعاوي بالأمير المصري مصطفى فاضل في باريس وكوَّنوا منظمة أسموها "العثمانيون الجدد"، وكان أبرز أعضائها إعلاميين وشعراء وأدباء، وكان أكثرهم تأثيرًا على الساحة الأوروبية هو "نامق كمال" والذي قام بإعداد مشروع للدستور العثماني متأثرًا بالدستور الفرنسي، وقدمه إلى مدحت باشا الصدر الأعظم للسلطان عبد الحميد والذي عُزِل بعد ذلك، وتسبب هذا العزل في مؤامرتين لخلع السلطان.
              عُزِل بعد ذلك، وتسبب هذا العزل في مؤامرتين لخلع السلطان.
              وفي عام (1306هـ/ 1889م) تأسست منظمة طلابية في المدرسة العسكرية الطبية بإستانبول متأثرة بفكر العثمانيين الجدد، وكان مؤسسها هو "إبراهيم تيمو الروماني" الذي تأثر بالمحافل الماسونية الإيطالية، وأطلق على هذه المنظمة "الاتحاد العثماني"، وكان هدفها مقاومة حكم السلطان عبد الحميد، ونشر المبادئ الماسونية القائمة على تغييب الدين من المجتمع، وتدميره في النفوس، وتقوم كذلك على الإباحية، والأفكار الهدَّامة، ولكنها في كل ذلك تتستر وراء شعارات الديمقراطية والحرية والقومية، وتكوين دولة مناسبة لأفكار العصر السياسية تتخذ من الدول الغربية نموذجًا لها، ثم انتشرت أفكار هذه المنظمة إلى مختلف المدارس العليا الأخرى وكانت تعمل بشكل سري للغاية، وكان تأثُّرهم كبيرًا بأفكار وكتابات العثمانيين الجدد من أمثال: نامق كمال وغيره، وكانوا يعملون على تربية أتباعهم تربية ثورية، ونتيجة للمراسلات السرية بين أعضاء جمعية الاتحاد العثماني في الداخل والخارج تم الاتفاق على وحدة العمل العسكري والمدني ضد السلطان، وعلى اعتماد اسم "جمعية الاتحاد والترقي"، وكان أحمد رضا بك هو ممثل الجناح المدني.

              وقد تغلغلت خلايا "الاتحاد والترقي" في وحدات الجيش، وبين موظفي الدولة من المدنيين، واتحدا في العمل الموحد بعد اتفاق جناحيهما العسكري والمدني في باريس، للعمل الفعلي ضد السلطان عبد الحميد، واستطاعت الجمعية بالفعل إجبار السلطان على إعلان الدستور الذي كان قد أمر سابقًا بوقف العمل به.
              وقد انكشفت أهداف الاتحاديين بعد توليهم الحُكم؛ إذ انقلبوا على الحريات، وساد البلاد نظام ديكتاتوري رهيب، ومُنِع الحجاب الإسلامي، وأُلغي الأذان، وتمَّ اضطهاد العلماء، وأُلغيت الكتابة باللغة العربية، واستبدِلت بها الحروف اللاتينية، وكان رأس حربتهم في تنفيذ كل ذلك القائد العسكري العميل مصطفى كمال أتاتورك.

              تعليق


              • #8


                مصطفى كمال أتاتورك


                ولد مصطفى كمال سنة (1299هـ/ 1880م) بمدينة "سالونيك" التي كانت خاضعة للدولة العثمانية، أما أبوه فهو "علي رضا أفندي" الذي كان يعمل حارسًا في الجمرك، وقد كثرت الشكوك حول نسب مصطفى، وقيل: إنه ابن غير شرعي لأب صربي. أما لقب "كمال" الذي لحق باسمه فقد أطلقه عليه أستاذه للرياضيات في المدرسة الثانية، ويذكر الكاتب الإنجليزي "هـ.س. أرمسترونج" في كتابه "الذئب الأغبر" أن أجداد مصطفى كمال من اليهود الذين نزحوا من إسبانيا إلى سالونيك، وكان يطلق عليهم يهود الدونمة، الذين ادعوا الدخول في الإسلام.

                وبعد تخرجه في الكلية العسكرية في إستانبول عُين ضابطًا في الجيش الثالث في "سالونيك" وبدأت أفكاره تأخذ منحنى معاديًا للخلافة وللإسلام، وما لبث أن انضم إلى جمعية "الاتحاد والترقي"، واشتهر بعد نشوب الحرب العالمية الأولى حين عين قائدًا للفرقة 19، وهُزم أمامه البريطانيون مرتين في شبه جزيرة "غاليبولي" بالبلقان بالاتفاق بينهم، رغم قدرتهم على هزيمته، وبهذا النصر المزيف رُقّي إلى رتبة عقيد ثم عميد. وفي سنة (1337هـ/ 1918م) تولَّى قيادة أحد الجيوش في فلسطين، فقام بإنهاء القتال مع الإنجليز – أعداء الدولة العثمانية – وسمح لهم بالتقدم شمالاً دون مقاومة، وأصدر أوامره بالكفِّ عن الاصطدام مع الإنجليز.
                وبعدما صنع الإنجليز منه بطلاً مزيفًا أمام الشعوب الإسلامية، قام ذلك الخائن بخلع الخليفة العثماني المسلم، وإلغاء الخلافة الإسلامية لأول مرة منذ إقامة الدولة الإسلامية في عهد رسول الله وقام بجهود حثيثة لاستئصال الإسلام من تركيا، ومن نفوس المسلمين، وغرس نبت العلمانية الفاسد في أراضي الإسلام.
                وقد بدأ الشعب التركي المسلم الآن يتخلص من مساوئ هذة الحقبة العلمانية القبيحة، وبدأ يرجع لإسلامه مرةً أخرى.
                نسأل الله أن يعيد راية الإسلام عاليةعلى كل أرض.

                تعليق

                يعمل...
                X