إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

صناع الحضارة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صناع الحضارة





    صناع الحضارة

    لقد أدرك الإنسان في عصرنا الحالي أن بعث الثقافة والاهتمام بما خلَّفه عظماء الإنسانية ونبلاؤها من أهم العوامل التي ترتكز عليها النهضات والحركات، وأن الأمة التي تبغي مجدًا، عليها أن تبث في الأفراد روح الإيمان بقابليتهم على الإبداع، وأن تبعث فيهم الشعور بالعزة، وذلك بالاهتمام بماضيها وربطه بحاضرها، وتعريف الناشئة بجهود أسلافهم ومآثرهم في ميادين العلوم المختلفة، وما كان لها من أثر في تقدم الحضارة الإنسانية. ولقد صدر مؤخرًا في دمشق بسوريا كتاب تحت عنوان "صناع الحضارة.. تاريخ الحضارة الإنسانية عبر أعلامها"، للدكتور محمد جمال طحان، يتناول فيه الكاتب أهمَّ الأفكار والنظريّات العلمية والأدبية والفنيّة التي كان لها دور رئيس في تغيير نظرتنا إلى العالم، أو في تغيير أسلوبنا في التعامل معه. وقد حاول الكتاب أن يقدّم الأفكار بشكل مبسّط لا ينفر منه القارئ غير المختص، بل يحضّه الفضول على اكتشاف مزيد منها.

    يرى الكاتب أن الأفكار خواطر تحوم في الهواء، حتى يأتي من يرى في هذه الأفكار الساكنة قدرة كبيرة على الحركة، ويطلقها من عقالها لتدور منطلقة نحو هدف، قد يكون حسنًا وقد يكون سيئًا، وبعضها يدور بلطف وبعضها يدور بعنف.
    ويرى أن الأفكار والخواطر لا تنتسب إلى أرض معينة أو إلى جنس من الأجناس، فالأفكار هي تراكمات متتالية، أحدها يبنى على الآخر، لذا فليس هناك من أمة أو شعب يستطيع أن يدّعي أنه أبو الحضارة أو مالكها.
    يقول الكاتب في مقدمة كتابه: لقد مرَّ برج الحضارة بمراحل كثيرة، ساهمت بعض الأفكار في شموخه وارتفاعه، وتعرض إلى هزات هددت بهدمه، كما التقى بهندسات ناشزة جعلت بعض شرفاته نتوءات تشوه وجه الحضارة الإنسانية..

    الزراعة بداية الانقلاب الحضاري

    يبحر المؤلف في كتابه بالعودة إلى الوراء كثيرًا، حيث يرى أن الحياة البدائية كانت تعتمد على الصيد، والصيد يعتمد على التنقل، لمطاردة الطرائد، ومن هنا كان الإنسان غير مستقر وغير مستأنس، فهو يطارد الحيوانات ويطارد أبناء جنسه أيضًا.
    ويرى أن الزراعة كانت أول مرحلة من مراحل التطور الحضاري للإنسان، ويرى أن المرأة لابد أنها كانت صاحبة فكرة الزراعة، فهي بحكم طبيعتها في حضانة الأبناء الصغار كان لا بد لها من البقاء والاكتفاء بما يصيده الرجل الذي يعود إليها وقد لا يعود، فهنا أصبحت المرأة تملك المكان والاستقرار.. ومن هنا بدأت الزراعة، حيث إن الزراعة تعطي للمرأة الأمان الغذائي وهي بجانب أطفالها.
    كما يرى الكاتب أنه مع بداية الاكتشاف الزراعي فإن الإنسان انتقل إلى مرحلة متقدمة عندما تمكن من استخدام الثور في الحرث، وهنا تولى الرجل عملية الزراعة وأخذ هذه الحرفة من المرأة، لأن الزراعة أصبحت تحتاج إلى جهد وعضل، ومن هذه اللحظة المباركة انطلقت فكرة حضارية عمرت الأرض بالزراعة والأفكار الصناعية المتلاحقة بعد ذلك.
    وتطورت القرى المتباعدة والتي كان يسكنها النساء والأطفال في انتظار رحلات الصيد، وأصبحت مدنًا يأتي إليها كل من يرغب في الحصول على منتج زراعي، فالزراعة لها مكان وزمان.
    وهذا الزمان كان انطلاقة للحسابات الفلكية، والتي استعان بها الإنسان لمعرفة أموره الدنيوية من مواعيد الزراعة إلى مواعيد سقوط الأمطار وإلى معرفة موعد فيضان الأنهار، كل هذه العوامل ساعدته في وضع خريطة زمانية لتصرفات حياته.
    ويشير الكاتب إلى التقدم الرياضي في حساب الزمن لدى الفراعنة قبل خمسة آلاف عام، حيث إنهم استطاعوا حساب طول السنة بـ 365 يومًا وربع اليوم، وهو حساب دقيق نتبعه إلى يومنا الحاضر.


    ويرى الكاتب أنه بعد أن استقر الإنسان وتمكن من العيش بأمان بدأ يفكر في نفسه وخالقه وأخلاقه، ومن أين أتى والى أين يذهب، وكثرت أسئلته، وهنا ظهرت الأفكار الفلسفية في اليونان التي اشتهرت بفلاسفتها الكبار الذين جعلوا محور فكرهم الإنسان ونشأته ومصيره، ولم تكن النتائج التي وصلوا إليها مقنعة، أو دقيقة، ولكنها كانت كافية لإشعال التفكير والفكر فيما هو خفي أو مجهول، ومن هنا بدأ الفكر السفسطائي الذي زاد في إشعال العقل وتحفيزه. ويقول الكاتب : أنكر السفسطائيون إمكانية معرفة الحقيقة، وهاجموا الفلسفة، وعارضوا المذاهب بعضها ببعض، وشككوا الناس في العقل والحق.. فأمست المعرفة نسبية والأخلاق نسبية.. ومن نظرياتهم أن طريق المعرفة هو الإحساس الفردي..

    ثم تناول بعض مفكري الإنسانية، فتكلم عن سقراط وأفلاطون وأرسطو، أبرز المفكرين في الفترة اليونانية، كما تحدث عن الطب ومعرفة العرب ببعض قواعده في فترة ما قبل الإسلام.

    المسلمون ودورهم الرئيس في الحضارة

    وليس ثمة شك في أن أسلافنا كان لهم دور رئيس في تقدم الحضارة الإنسانية؛ فقد كانوا سابقين في ميادين العلوم المختلفة، ونقلوا المعارف والعلوم عن غيرهم من الأمم، وأخضعوها لمقاييس عقيدتهم بعقل متفتح وقلب بصير، ومن ثم واصل الكاتب تدرج الأفكار وانتقالها من مجتمع إلى مجتمع، ومن حضارة إلى أخرى، وكأنها في سباق التتابع، حيث تأخذ كل أمة بزمام الفكر والحضارة وتنطلق به حتى تلتقطه أمة أخرى لديها ما تساهم به في دفع الحضارة إلى الأمام، ويتوقف الكاتب عند المساهمات العربية الإسلامية في الفكر الحضاري، ويقدم لنا مجموعة من شخصيات الفكر الإسلامي البارزة منهم : الرازي والفارابي والمعري وابن سينا وابن باجه وابن طفيل وابن رشد وابن النفيس وابن خلدون والغزالي.
    ويتوسع المؤلف في ذكر أفكارهم ويقدم بعضًا من أقوالهم، ونذكر مثالًا لذلك ما ذكره الكاتب عن أبي حامد الغزالي، يقول الكاتب :


    يبدو أن الغزالي هو أول الفلاسفة العرب الذين اعتمدوا الشك المنهجي لبلوغ اليقين، وهو بذلك سبق ديكارت بأكثر من خمسمائة عام.

    وتنبه الغزالي إلى مخاطر المنطق ومزالق الضلال التي تنتاب الباحث كلما سعى إلى الحقيقة عن طريق العقل وحده..وبدلًا من تركيز الغزالي على المعرفة بواسطة العقل، راح يركز على الإيمان، فاتخذ نور الإيمان الذي يقذفه الله في الصدر نقطة الانطلاق ومبدأ المعرفة.. ويواصل الكاتب شرح أفكار الغزالي وردوده على الفلاسفة والمتكلمين ليصل إلى نتيجة اقتنع بها كثير من المسلمين، وهي أن العقل عاجز عن حل المعضلات الإلهية، وأن اليقين يكون بالإيمان الذي يرتكز على الكشف الباطني الذي هو مفتاح السعادة والمعرفة الحقة..
    ويورد الكاتب بعضًا من نصائح الغزالي التي وردت في رسالته القيمة "أيها الولد المحب"، يقول الغزالي:

    أيها الولد! النصيحة سهلة والمشكل قبولها، لأنها في مذاق متَّبعي الهوى مرة؛ إذ المناهي محبوبة في قلوبهم.. أيها الولد.. العلم بلا عمل جنون، والعمل بغير علم لا يكون..
    كما تحدث عن الرازي، أحد أعظم أطباء الإنسانية إطلاقًا، على حد تعبير المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه.
    وعرج الكاتب على مفكري أوربا، فتكلم عن توما الإكويني وفولتير وديكارت واسبينوزا وجاليليو ونيوتن وميكافيللي وهيوم وغيرهم من مفكري وفلاسفة الغرب حتى القرن العشرين، متناولًا أفكارهم بجمل مكثّفة، لا يملّ المختص من قراءتها، وإن كانت لا تقدّم له أي جديد من حيث الأفكار التي برزت عند المفكرين، وإنما قُدمت بأسلوب مختلف، وعبر تسلسل زمني يعتمد تاريخ ولادة المفكرين الذين يرد ذكرهم فيه، وذلك من دون النظر إلى تصنيفاتهم في كتب أخرى ذاتِ فكر غربي وآخر شرقي وثالث عربي. وإنما اعتبر أن الحضارة ميراث إنساني يرث اللاحق معطياتها عن السابق من دون أن يضع بالاعتبار هوية الوارث أو المورث.




    المؤلف:
    الدكتور محمد جمال طحان
يعمل...
X