إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

شبهات والرد عليها هل أسقط الرسول شيئًا من القرآن؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • شبهات والرد عليها هل أسقط الرسول شيئًا من القرآن؟

    دأب أصحاب الباطل قديمًا وحديثًا على إثارة الشبهات حول الإسلام عمومًا، وحول القرآن على وجه الخصوص؛ لأنه الأصل الأول للتشريع، والمرتكز الأساس لدين الإسلام، وبالتالي فإن التشكيك فيه تشكيك في الشريعة، وهدم لأصل الملة .
    ومن الشبه التي أثيرت حول القرآن، شبهة تقول: إن الرسول قد أسقط عمدًا، أو نسي آيات من القرآن؛ وبالتالي فإن القرآن الذي يتداوله المسلمون اليوم، ليس كل القرآن الذي أوحاه الله لرسوله عن طريق جبريل .
    وقد اتكأ أصحاب هذه الشبهة، في تأييد شبهتم على آية من القرآن، وحديث من السنة؛ أما الآية فهي قوله تعالى مخاطبًا نبيه محمدًا: {سنقرئك فلا تنسى * إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى } (الأعلى:6-7)؛ وأما الحديث فقول الرسول - وكان قد سمع قارئًا، يقرأ من الليل في المسجد -: ( يرحمه الله، لقد أذكرني كذا وكذا آية، أسقطتها من سورة كذا وكذا )، متفق عليه .
    وقد فهم أصحاب هذه الشبهة من الآية والحديث، أن الرسول قد أسقط بعض الآيات من القرآن عمدًا، أو على الأقل نسيها؛ الأمر الذي يدفع إلى الاعتقاد، بأن القرآن الذي بأيدي المسلمين اليوم ناقص غير تام - وَفْق فهمهم -؛ بدليل الآية والحديث !!
    ولا شك، أن القراءة المغرضة للنصوص، والفهم السقيم لها، هما اللذان دفعا للقول بهذه الشبهة؛ أما القراءة المنصفة للنصوص، والفهم الصحيح لها، فلهما شأن آخر؛ إذ غايتهما طلب الحقيقة، ووجهتهما الوقوف مع الحق حيثما كان. وعلى هذا الأساس نجري الحديث حول الآية والحديث، لنقف على صواب القول فيهما .
    أما الآية الكريمة، فالحديث عنها يستدعي الحديث عن جانبين؛ الأول: يتعلق بقوله تعالى: {فلا تنسى }، والجانب الثاني يتعلق بقوله تعالى: {إلا ما شاء الله } .
    والحديث عن الجانب الأول من الآية، محصور في ( لا )، الداخلة على فعل النسيان؛ فقد أراد أصحاب هذه الشبهة أن تكون ( لا ) هذه ناهية، وبالتالي يكون معنى الآية نهي للرسول أن ينسى شيئًا من القرآن، وما دامت الآية واردة في سياق النهي، فمدلول هذا النهي، أن النسيان أمر وارد على الرسول، وما دام الأمر كذلك، فليس من المستبعد، أن يكون الرسول قد نسي شيئًا من القرآن الموحى إليه، وبالتالي، وجود نقص في القرآن !
    والذي يردُّ هذا الفهم للآية أمران:
    أولهما: أن الذي ذهب إليه جمهور أهل التفسير - وهم المرجع في هذا الشأن -، أن ( لا ) في الآية ليست هي ( لا ) الناهية، وإنما هي ( لا ) النافية، وشتان ما بينهما؛ فالأولى تفيد النهي، والثانية تفيد النفي؛ والآية على هذا، لا تنهى الرسول عن نسيان شيء من القرآن؛ وإنما على العكس من ذلك، تخبر وتعد الرسول، بأن الله سيقرئه قراءة لا ينساها أبدًا .
    ثانيًا: أن ( لا ) في الآية لو كانت ناهية، لكان الواجب والمتعين حينئذ حذف حرف العلة من آخر الفعل بعدها، ولكان المقتضى أن تكتب هكذا ( فلا تنسَ )، لكنه في الرسم القرآني جاء حرف العلة مثبتًا، فكان في ذلك دلالة على أن ( لا ) في الآية ليست هي ( لا ) الناهية، وإنما هي ( لا ) النافية .
    وإذا جارينا القول بأن ( لا ) في الآية هي ( لا ) الناهية، فإن معنى الآية يبقى مستقيمًا، ولا يفهم من الآية، ما فهمه أصحاب هذه الشبهة؛ إذ يكون نهي الله لرسوله بعدم النسيان، إنما يراد منه المواظبة على الأسباب المانعة من النسيان، وهي الدراسة والقراءة .
    أما الحديث عن الجانب الثاني من الآية، فمحصور في قوله تعالى: {إلا ما شاء الله }، فالاستثناء في الآية استثناء صوري لا حقيقي، بمعنى أن الاستثناء في الآية لا يراد منه حقيقة الاستثناء، والذي هو استثناء شيء من شيء، وإنما هو استثناء من حيث الشكل، كقول الرجل لصاحبه: أنت شريكي فيما أملك، إلا ما شاء الله؛ فهو لا يقصد استثناء شيء؛ والذي يرشد إلى أن الاستثناء في الآية صوري لا حقيقي أمران؛ أحدهما: ما جاء في سبب نزول الآية، وهو أن النبي كان يُتعب نفسه بكثرة قراءة القرآن، حتى وقت نزول الوحي؛ مخافة أن ينساه ويفلت منه، فاقتضت رحمة الله برسوله أن يطمئنه من هذه الناحية، فنـزلت هذه الآية، كما نزلت آية: {لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه } (القيامة:16-17). ثانيهما: أن قوله تعالى: {إلا ما شاء الله } علق وقوع النسيان على مشيئة الله، وتلك المشيئة لم تقع، وبالتالي فإن النسيان لم يقع من الرسول؛ والدليل على أن المشيئة لم تقع، قوله تعالى: { إن علينا جمعه وقرآنه }، فقد دلت هذه الآية على أن الله، تكفل بحفظ القرآن في الصدور، وجمعه في السطور، ومؤدى الآية وفحوها يتنافى مع وقوع النسيان من الرسول؛ فدل ذلك على أن مشيئة الله في أن ينسي النبي شيئًا من القرآن، لم تقع .
    فإن قيل: إذا كان الاستثناء في الآية ليس على الحقيقة، فما معنى مجيئه إذن ؟ فالجواب: أن الغاية من ورود الاستثناء في الآية على النحو المذكور، أن يعلم المخاطبون بالقرآن، أن عدم نسيان الرسول الذي وعد الله به نبيه، إنما هو محض فضل من الله وإحسان، ولو شاء سبحانه أن ينسيه شيئًا منه لأنساه؛ ومثل هذا الاستثناء، ما جاء في قوله تعالى في حق أهل الجنة: { وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ } (هود:108)، فالاستثناء في هذه الآية أيضًا ليس على حقيقته، وإنما جيء به لبيان فضل الله على أهل الجنة، وأن دخولهم الجنة، إنما كان بفضل منه ورحمة، وأنه لو شاء سبحانه لما أدخلهم الجنة .
    ثم على فرض القول: إن الاستثناء في الآية حقيقي - وهو مذهب بعض المفسرين -، فإن الاستثناء ينبغي أن يفهم هنا على أحد أمرين؛ أحدهما: أن يُقصد منه نسخ تلاوة بعض الآيات، فإن نسخها يستدعي نسيانها؛ حيث إن بعض الآيات القرآنية قد نزلت على الرسول، وقرأها على الناس، ووعاها الصحابة، ثم نُسخت تلاوتها، وبالتالي فإن النسخ قد يستدعي النسيان لها، لعدم القراءة بها؛ ثانيهما: أن يقصد منه النسيان الطارئ والمؤقت بعد تبليغه للناس، ثم يقيض الله له من يذكره بها، كما جاء في الحديث موضع الشبهة .
    أما استدلالهم بالحديث على إسقاط النبي شيئًا من القرآن، فمردود من ثلاثة أوجه:
    أولها: أن قول الرسول في الحديث: ( أسقطتهن )، ليس المراد منه الإسقاط المتعمد، كما فهم ذلك أصحاب هذه الشبهة، بل المراد منه النسيان؛ والذي يرشد إلى أن المراد منه ما ذكرنا، ما جاء في رواية ثانية للحديث، وهي قول الرسول: ( أُنسيتها )، متفق عليه؛ فهذه الرواية توضح وتصرح أن المقصود من الإسقاط هو النسيان، وليس الإسقاط المتعمد .
    ثانيها: أن نسيان الرسول الوارد في الحديث، ليس نسيان ضياع وفقدان، وليس كذلك إسقاطًا لشيء من القرآن؛ يرشد لهذا، أن ما نسيه الرسول من آيات قرآنية، كان قد حفظها، وبلغها لأصحابه، وبينها لهم، فحفظوها ووعوها وكتبوها وبلغوها؛ فعلى فرض نسيان الرسول لها، فإن في حفظ الصحابة لها، وتلقيهم إياها، وتدوينهم لها في مصاحفهم، ما يدل على أن القرآن بمجموعه قد حفظه الله، بما هيأه له من أسباب الحفظ .
    ثالثها: أن النسيان الوارد في الحديث، ليس نسيانًا دائمًا لشيء يتعلق بأمور التبليغ، وما يتبع ذلك من أحكام وتكاليف شرعية، وإنما هو نسيان طارئ، كالذي يعرض لكل البشر، لكن سرعان ما يزول هذا النسيان الطارئ، ويعود الإنسان إلى تذكر ما كان قد غاب عن ذاكرته؛ فالحديث - برواياته المتعددة - لا يفيد أن الآيات التي قرأها الرجل أمام الرسول، كانت قد محيت من ذاكرة الرسول، ولم يعد يذكرها، ولم يبلغها للناس قبل ذلك؛ بل غاية ما يفيده الحديث، أن تلك الآيات كانت غائبة عن ذاكرته في ذلك الوقت، وأنه لم يكن يتذكرها في تلك اللحظة التي كان يقرأ فيها ذلك الرجل، لكن بعد أن قرأها تذكرها الرسول؛ ومن المعلوم لكل ذي عقل سليم، أن غيبة الشيء عن الذاكرة، والغفلة عنه، لا يعني محوه منها؛ والدليل على هذا واقع الناس؛ فإن الإنسان بطبعه قد يغيب عنه النص أحيانًا، إذا اشتغل الذهن بغيره، وهو يدرك - في الوقت نفسه - أن النص مخزون في ذاكرته، يستحضره إذا ما احتاج إليه، أو ذُكِّر به، وسوف يتذكره ويسترجعه للذاكرة عند الحاجة، فهذا أمر معروف من طبيعة البشر، ومعهود من كل إنسان، وما كان من نسيان الرسول فهو من هذا الباب. مع فارق مهم هنا، نبه عليه أهل العلم والتحقيق، وهو أن النسيان؛ إما أن يكون في الأمور التي تدخل في باب التبليغ والوحي، وإما أن يكون في الأمور التي لا تدخل في باب التبليغ والوحي؛ فأما نسيان ما هو من باب التبليغ والوحي، فلا يقع نسيانها من الرسول قبل تبليغها؛ لأن ذلك مما يتنافى مع مهمة البلاغ التي بُعث الرسول لأجلها، والتي أمره الله بها؛ وقد يقع منه النسيان بعد تبليغها، لكن لا يستمر منه ذلك النسيان، إذ سرعان ما يعود إلى ذاكرته، ما كان قد نسيه؛ وأما نسيان ما لا يدخل في باب التبليغ والوحي، فهذا الرسول والناس فيه سواء .
    وبالإضافة لما تقدم من أدلة تفصيلية، تنقض ما تعلق به أصحاب الشبه بخصوص الآية والحديث، يمكن نقض هذه الشبهة بدليلين إجماليين:
    أحدهما: أنه لا يُعقل من الرسول - وهو المؤتمن على نقل رسالة الإسلام للعالمين - أن يبدل شيئًا في القرآن بزيادة أو نقص من تلقاء نفسه، ولو فعل ذلك لكان خائنًا أعظم الخيانة؛ إذ لا يليق بمن تكون الخيانة وصفًا له، أن يكون رسولاً، يحمل رسالة سماوية للناس كافة .
    ثانيهما: لو أن الرسول كان قد أسقط شيئًا من القرآن، لكان أولى ما يسقطه، الآيات التي تتعرض لشخصه، بما يشبه المؤاخذة والنقد؛ كقول الله: {وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه } (الأحزاب:73)، وقوله أيضًا: {عبس وتولى } (عبس:1)، وما تبع هذه الآية من آيات؛ فهذا وأمثاله كان أولى بالإسقاط والإغفال منه، لو كان الرسول يقوم بشيء مما ينسبه إليه المتقولون .
    وخلاصة الرد على هذه الشبهة أن يقال: إن الآية الكريمة تنفي أن يحصل نسيان من الرسول؛ وهي وعد من الله أكيد، بأن الرسول يقرئه الله فلا ينسى، على وجه التأييد والتأبيد. وإن النسيان الوارد في الحديث لا يعني الإسقاط، كما لا يعني نسيان التبليغ، وإنما هو نسيان غفلة، وغيبة، وعدم تذكر من بعد حفظ، ومن بعد وعي، ومن بعد تبليغ. وهذه صفات بشرية، والرسول بشر، يقع منه النسيان، ويمكن أن يغفل عما حفظ من القرآن؛ لكن هذه الغفلة، وذلك النسيان لا يستمر منه، وإنما سرعان ما يعود ذلك لذاكرته؛ ولا يصح - بحال - أن يوصف النسيان الذي قد يكون من الرسول بأنه إسقاط، أو محو لما ثبت في القرآن، فإن هذا مما يأباه كل عقل سليم، يفقه حقيقة القرآن، ويعلم حقيقة مَن نزل عليه القرآن.



    اسلام ويب

    http://articles.islamweb.net/media/i...ng=A&id=137304



    تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

    قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
    "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
    وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية


  • #2
    ¤ هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ(7)رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (8)رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9) ¤
    آل عمران
    الآية 7-8-9
    [CENTER]
    [/CENTER]

    تعليق


    • #3
      حول حفظ الله للذكر وهل الذكر هو كل القرآن ؟ أم بعض القرآن؟

      هناك من لا يؤمنون بأن القرآن قد حفظ ، كما تقول الآية الكريمة: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، ويقولون: قد يكون الذكر جزءً ا من القرآن ، وليس كله. ويستدلون بكلام لعمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ بأنه أقسم على أن هناك آية فى القرآن تتحدث عن الرجم ـ وهذه الآية غير موجودة ـ وأن غنمه أكلت ورقة من القرآن كانت بيد عائشة رضى الله عنها (انتهى).

      الرد على الشبهة:


      وفى الجواب عن هذه الشبهة نسأل:
      لماذا بعث الله ـ سبحانه وتعالى ـ الرسل ، وأنزل الكتب ؟.
      لقد كان ذلك رعاية من الله لخلقه.. ولطفًا بهم.. وحتى يكون حسابه لهم ـ كى لا يتساوى المحسن والمسىء ـ وجزاؤه إياهم على أفعالهم عدلاً إلهيًا خالصًا.. (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ) (1) (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ) (2).
      (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) (3).
      وقبل ختم النبوة والرسالة ، كانت مهمة حفظ كتب الرسالات والشرائع موكولة إلى أمم هذه الرسالات كجزء من التكليف لهم والاختبار لاستقامتهم فى هذا التكليف: (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتى ثمنًا قليلاً ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) (4).لكنهم فرطوا فى القيام بتكليف الحفظ للكتب بالنسيان حينًا وبالتحريف والإخفاء حينًا آخر: (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكَلِمَ عن مواضعه ونسوا حظًا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلاً منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين * ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظًا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون * يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرًا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم ) (5).
      وعندما كانوا يحرفون هذه الكتب ، أو ينسون بعضها ويخفون البعض الآخر ، كان الله يبعث رسولاً جديدًا بكتاب جديد..
      أما عندما أراد الله ـ سبحانه وتعالى ـ مع بلوغ الإنسانية سن الرشد ـ ختم النبوات والرسالات بنبوة ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، فكان لابد لحفظ كتاب الشريعة الخاتمة من حافظ لا يجوز عليه الإهمال ، ولا يتأتى منه التحريف ، ولا يليق به النسيان.. أى كان لابد من الحفظ المعصوم الدائم للكتاب المعجز الخالد. لأن ترك حفظ الكتاب الخاتم للبشر ، الذين يجوز عليهم الإهمال والتحريف والنسيان معناه طروء وحدوث التحريف والضياع لهذا الكتاب ، حيث لا وحى سيأتى ولا رسول سيبعث ولا كتاب سينزل.. الأمر الذى لو حدث ـ افتراضًا ـ سيضل الناس ولا رعاية لهم ، ولا حُجة عليهم ، تجعل من حسابهم وجزائهم عدلاً إلهيًا مناسبًا.
      ولذلك ، انتقلت مهمة حفظ الوحى الخاتم ـ القرآن الكريم ـ فى الرسالة الخاتمة إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ الذى لا يتخلف حفظه أبدًا ، بعد أن كانت هذه المهمة فى الرسالات السابقة ، استحفاظًا من الله للناس ، أى طلبًا منه لهم أن يحفظوا ما أنزل عليهم من الكتاب. فكان الوعد الإلهى المؤكد: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) (6).
      ولذلك هيأ الله لتدوين القرآن الكريم من كتبة الوحى ما لم يتهيأ لكتاب سابق.. وجعل جمعه وعدًا إلهيًا وإنجازًا ربانيًا: (لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه ) (7). فكان الحفظ للقرآن ـ كل القرآن ـ وعدًا إلهيًّا. وإنجازًا ربانيًا ، وذلك حتى تستمر حجة الله على عباده ، ويكون حسابه لهم عدلاً خالصًا.
      ولم يقل أحد ، ولا جائز فى العقل ـ فضلاً عن النقل ـ أن يقال: إن الذكر ، الذى تعهد الله بحفظه ، هو بعض القرآن ، وليس كل القرآن.. لأن ضياع أى جزء من القرآن إنما يعنى تخلف رعاية الله لخلقه ، وسقوط حُجته على عباده.. ثم إن القرآن لا يقف بالحفظ عندما يطلق عليه الذكر ، فضلاً عن أن مصطلح الذكر إنما يشمل كل القرآن.. تشهد على ذلك الآيات الكثيرة فى كتاب الله.. فالمراد بالذكر القرآن.. كل القرآن.. والكتاب.. كل الكتاب ـ وليس بعضه ـ بدليل قول الله سبحانه وتعالى: (فاسألوا أهل الذكر ) (8) ، أى أهل الكتب السابقة.. والله يشير إلى القرآن والتنزيل ـ أى كل ما نزل به الوحى ـ بلفظ الذكر (أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ) (9) ، (وقالوا يا أيها الذى نُزِل عليه الذكر إنك لمجنون ) (10) ، (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزّل إليهم ولعلهم يتفكرون ) (11) ، (وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون ) (12) ، (إن هو إلا ذكر وقرآن مبين ) (13) ، (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون * وما هو إلا ذكر للعالمين ) (14). والذكر هو كل ما جاء به الوحى ، فالوحى هو الذكر (فاستمسك بالذى أوحى إليك إنك على صراط مستقيم * وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تُسألون ) (15). بل إن سياق آية (إنا نحن نزلنا الذكر (شاهد على أن الذكر والقرآن والكتاب هو الوحى (آلر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين ) (وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم)، (وقالوا يا أيها الذى نُزل عليه الذكر إنك لمجنون (، (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) (16).
      ثم إن القرآن الكريم يؤكد أن الحفظ ، ونفى الشك والريبة إنما هو لكل القرآن ولجميع التنزيل ، وليس لبعض القرآن: (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ) (17) (تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ) (18) (ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق ) (19) (نزل عليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه ) (20) (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس ) (21) (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه ) (22). (ما فرطنا فى الكتاب من شىء ) (23).. ولو ضاع شىء من هذا الكتاب أى القرآن والتنزيل لحدث التفريط الذى تنفيه هذه الآية ، ولانتفت حجة الله على البشر (وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون * أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين * أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة ) (24).. فحجة الله على الناس ـ بعد ختم الوحى القرآن الكريم ـ تنتفى وتسقط إذا حدث جهل بشىء مما أنزل فى الكتاب ـ القرآن ـ: (وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم ) (25) ولو أن القرآن ضاع منه شىء لتخلف وعد الله بتنزيل تبيان كل شىء فيه ، لتتم شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته: (ويوم نبعث فى كل أمة شهيدًا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدًا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شىء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ) (26).
      وختم النبوة والرسالة ، يعنى انتفاء بعث رسول جديد ، ونزول كتاب جديد.. وحتى تقوم حُجة الله على عباده لابد من بقاء القرآن كله محفوظًا ، ليكون قيّما على الناس ، أى دائم القيام على هدايتهم وإرشادهم: (الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا * قيما لينذر بأسًا شديدًا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرًا حسنًا ) (27).
      وإذا كان الكتاب هو كل القرآن ، فلقد وعد الله سبحانه بأن يحفظه ويورثه للذين اصطفاهم من عباده ، بعد أن أنزله على المصطفى من رسله ، وجمعه وقرأه: (والذى أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقًا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير * ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير ) (28).
      ومن صفات القرآن ـ كل القرآن ـ أنه كتاب عزيز ، أى منيع ، محفوظ من العبث به وفيه.. وأنه ممتنع عن الإبطال ، لا يأتيه الباطل من بينه يديه ولا من خلفه ، بأى حال من الأحوال: (إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز * لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) (29). والذكر فى هذه الآية هو كل الكتاب ، العزيز على أى عبث به وفيه..
      ومن صفات القرآن ـ كل القرآن ـ أنه كتاب علىّ حكيم ، فوق تطاول المتطاولين ، بشرًا كانوا أو أزمنة ودهورًا: (إن جعلناه قرآنًا عربيًا لعلكم تعقلون * وإنه فى أم الكتاب لدينا لعلى حكيم ) (30).
      ومن صفات القرآن ـ كل القرآن ـ أنه فى كتاب مكنون: أى مصون ومحفوظ عن اللعب والعبث والتحريف (إنه لقرآن كريم * فى كتاب مكنون ) (31).
      ولقد صدّق التاريخ على هذا الحفظ الإلهى لهذا القرآن المجيد.. ومن يقرأ تاريخ التوراة ـ حتى ذلك الذى كتبه علماء اليهودية ـ يعلم ما أصابها بعد سنوات من نزولها.. وكيف أعيدت كتابة أسفارها على النحو الذى صنعه " عزرا " وغيره من الأحبار ، فى صورة مليئة بالتحريف.. ومن يتأمل تناقضات الأناجيل ـ حتى الشهيرة منها ـ والفروق الجوهرية بينها وبين غير الشهيرة ـ من مثل أناجيل " مخطوطات نجع حمادى " ، و " مخطوطات البحر الميت " ، " إنجيل برنابا " يعلم ما أصاب الإنجيل بعد سنوات معدودة من بعثة المسيح ـ عليه السلام ـ لكن.. ها هو القرآن الكريم كما نزل به الروح الأمين على قلب الصادق الأمين ، لم يتغير فيه حرف ولا رسم ولا حركة ولا غُنّة ولا مدّ وقد مضى على نزوله أكثر من أربعة عشر قرنًا مرت فيها أمته بأطوار من التراجع والانحطاط ، وفقدت فيها الذاكرة الإسلامية ملايين المخطوطات التى أبادتها غزوات الطغاة ، واندثرت فيها مذاهب وفلسفات.. وظل القرآن الكريم عزيزًا منيعًا محفوظًا بحفظ الله خير الحافظين.. فالتاريخ ـ هو الآخر ـ قد غدا شاهدًا على هذا الحفظ الإلهى لكل القرآن الكريم..
      فبرهان العقل ـ المتعلق بختم الرسالة.. وختم الوحى ـ يجعل حفظ القرآن ـ كل القرآن ـ لإقامة الحجة على الناس ـ ضرورة عقلية.
      وكذلك النقل المتكرر فى القرآن ـ بلفظ القرآن.. والكتاب.. والتنزيل.. والذكر.. ـ شاهد هو الآخر على الحفظ الإلهى لكل حرف وكل كلمة وكل آية وكل سورة من هذا القرآن الكريم.. فهو وحى الله الخاتم.. تعهد سبحانه وتعالى بجمعه وحفظه ، وحجة خالدة ، كى لا يكون للناس على الله حجة إذا ما ضاع شىء من هذا التنزيل العزيز المنيع الحكيم.
      أما بعض المرويات التى يفهم منها البعض شكًّا فى حفظ كل ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن.. فإن منطق العقل ، ومنهاج البحث العلمى ، وقواعد نقد النصوص والمرويات ، التى اتفق عليها العلماء والعقلاء من كل الحضارات والفلسفات والأنساق الفكرية.. كلها تؤكد على ضرورة الموازنة بين المتعارض والمتناقض من الروايات.. والأخذ بالمصدر الأوثق عند تعذر الجمع بين المرويات.. فإذا كان لدينا ـ على نحو ما قدمنا ـ شهادة العقل الصريح على أن حفظ القرآن ـ كل القرآن ـ هو ضرورة عقلية ، تقتضيها حقيقة ختم النبوة والرسالة واكتمال الوحى.. وإذا كانت شهادة العقل الصريح هذه مدعومة بنصوص آيات القرآن الكريم ، أى بالمصدر المعجز ، قطعى الدلالة والثبوت.. فهل يكون عاقلاً من يترك شهادة العقل الصريح ، والنقل المعجز الصحيح ، ويلتفت إلى رواية من روايات يعلم الله من رواها ؟ ولماذا رواها ؟.
      إن منطق البحث العلمى ، الذى أجمع عليه كل عقلاء الدنيا ، فى التعامل مع النصوص ، قد حسم هذه القضية التى نرجو أن تكون هذه الإجابة حاسمة للشبهة المثارة حولها.. والله من وراء القصد ، منه نلتمس الهداية والحكمة والرشاد..


      ) فاطر: 24.
      (2) الإسراء: 15.
      (3) النساء: 165.
      (4) المائدة: 44.
      (5) المائدة: 13ـ16.
      (6) الحجر: 9.
      (7) القيامة: 16ـ19.
      (8) الأنبياء: 7.
      (9) الأعراف: 69.
      (10) الحجر: 6.
      (11) النحل: 44.
      (12) الأنبياء: 50.
      (13) يس: 69.
      (14) القلم: 51ـ52.
      (15) الزخرف: 43ـ44.
      (16) الحجر: 1، 4، 6، 9.
      (17) البقرة: 2.
      (18) السجدة: 2.
      (19) البقرة: 176.
      (20) آل عمران: 3.
      (21) النساء: 105.
      (22) المائدة: 48.
      (23) الأنعام: 38.
      (24) الأنعام: 155ـ157.
      (25) الحجر: 4.
      (26) النحل: 89.
      (27) الكهف: 1ـ2.
      (28) فاطر: 31ـ32.
      (29) فصلت: 41ـ42.
      (30) الزخرف: 3ـ4.
      (31) الواقعة: 77ـ78


      موقع الازهر

      العلم من الله
      نحن لا ندعي المعرفة
      بل على الأرض نلتقي
      لا خير في امرىء كتم علم
      احفظ ما شئت من الدنيا لكن لا تحفظ علما
      شء ما شئت فلن تنال غير الذي قدر لك
      و أطلب المنايا و لا تكن كالذي يقف بالهواء
      و أحلم ما استطعت و ما كتب لك فأنت آخذه

      قصة عشقي للإشارات قصة طويلة ، الابداع ليس غايتي و لكن الكمال نصب عيني ...

      تعليق


      • #4
        جزاكم الله خيرا جميعا ..

        قال إبن القيم
        ( أغبي الناس من ضل في اخر سفره وقد قارب المنزل)

        تعليق


        • #5
          بارك الله لكم

          وجزيل الشكر للاخ حسن على اثراء الموضوع بمداخلة طيبة

          تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

          قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
          "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
          وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

          تعليق

          يعمل...
          X