إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الساعة التاسعة صباحا لحظات لا تنسى

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الساعة التاسعة صباحا لحظات لا تنسى




    استيقظ بائع الورد في الساعة التاسعة صباحا ينظر إلى الساعة متهكما يتثاءب وكأنه لم ينم طيلة عشر سنوات من الآن.

    اووووه لقد تأخرت .. لابد وان السيد عبدالرؤوف ينتظرني عند باب المتجر ..

    وهرع مسرعا غسل وجهه المتجعّد بالماء البارد اللاسع بسرعة كبيرة وهو بالكاد يستطيع التنفس من برودة المياه ...

    وتوضأ وأوصاله ترتعد بردا حتى انهى الوضوء ثم تناول المنديل المعلق على الحافة اليمنى وأخذ ينشف شعره الأبيض الخشن ..(( حكم السن ))

    وذهب مسرعا إلى غرفة النوم وفرش سجادة الصلاة وكبر تكبيرة عالية الله أكـبر


    وإذ به يدخل في سبات الصلاة وكأنه لأول مرة يقف بين يدي الله من 50 سنة إلى الآن لم يقطع فرضا واحدا عن الصلاة والتقرب إلا الله

    وكأنه في هذه اللحظة يقف تائبا حانيا برأسه إلى الأسفل متضرّعا على غير عادته وكأنه يتلذذ بقراءة الفاتحة وقال .. سراط اللذين أنعمت عليهم غير مالغضوب عليه ولا الضالين .. وكأنه يقول الحمدلله على نعمة الإسلام ... ويكمل القراءة ويركع

    تتضارب أنفاسه بشكل مختلف عن بقية الأيام .. يجهش وكأنه لأول مرة يركع تعظيما لله في صلاة الضحى ...


    ومازال يركع .. وانفاسه تتضارب أكثر فأكثر .. وفي أخر مرة يقول فيها .. سبحان ربي العظيم .. يختمها بجملة صغيرة .. سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا وانت رب العرش العظيم


    ثم يسقط الهواء من على رأسه ويرفعه للأعلى بهدوء شديد جدا .. وما زال قلبه يخفق ويسرع أكثر فأكثر ومازال يشدو بقراءة الآيات


    ثم قال سمع الله لمن حمده وصوته يرتعد ويتماسك
    وكأنه لاول مرة تقرع في آذانه هذه الجملة التي أحسها بكل جوارحه

    نعم فقد سمع الله لمن حمده وشكره وعبده واطاعه .. وكانه في هذه اللحظة يقول كيف لم احمدك حق حمدك من قبل ولم اشكرك حق شكرك من قبل ولم أسمع لندائك مع اني كنت اعبدك لكني كنت مقصر يا رب ..


    ويتنفس بعمق شديد لعل قلبه المترعش يعود لسابق عهده ليدق ببساطة دون أن يشعره بالألم..


    ويكمل بصوت عالٍ الله أكـبر



    وكأن الصخور قد حُفرت
    وكأن الرمال قد نشرت
    وكأن البحر الهادئ قد جن
    والجبال قد هدّت


    نعم .. الله أكـبر


    يقولها بثقة كبيرة كأنه يقول لا شيء أكبر ولا أعظم من الله .. سبحان الله


    وأنفاسه تتسارع أكثر فأكثر وبدأ يشعر بالألم .. ويتجاهل الألم ويجهد بجسده المتجعّد للأسفل ساجدا لربه ورب العالمين


    ويضع جبينه على الأرض ويبكي بشدّة .. وكأنه لم يسجد قط ..

    وكان هذه السجدة هي السجدة الاولى في حياته كلها
    وكأن الستة والستين عاماً الماضيات ما هن إلا سرابا

    ويتجاهل الألم ويقول

    سبحان ربي الأعلى ... ويختمها بجملة سبحان ربي الأعلى اللذي خلق فسوى واللذي قدر فهدى

    ويكمل بعد ان يلتقط نفسا مؤلما آخر ليختم الجملة بدعاء

    فاهدني يا ربي اني ظلمت نفسي وانت ربي فتعلم ما ما ورائي وما خلفي وما فوقي وما تحتي وما قبلي وما بعدي فاجعلني من المهتدين..


    ويرفع جبينه اللذي احمر من السجود

    ويسجد ثانية وكأنها السجدة الأخيرة التي سيفعلها في هذه الحياة ...

    أنفاسه تتسارع وقلبه يخفق وكأنه رآى الله
    وكأنه رأى الملائكة
    وكأنه رأى شيئا لم يره بشر
    ولا إنس ولا جان
    ولا شبح ولا إنسان

    ينظر للأرض التي يضع جبينه عليها ويذكر اسم ربه فيها ....


    ويرن جرس الهاتف ....

    ولكن العم أكرم لا يرد

    فيصمت الهاتف وما زال العم اكرم ساجدا عابدا شاكرا وحامدا ويدعو الله في هذا الوقت العصيب

    ويرن الهاتف ثانية

    ولا أحد يجيب ...................!

    ومازال العم أكرم ساجدا لا يتحرك من مكانه

    يرن الهاتف للمرة الثالثة

    والعم أكرم ساجد..............!

    وبعد نصف ساعة فقط

    يدق جرس باب المنزل

    إنه السيد عبد الرؤوف أعز أصدقاء العم أكرم
    يدق جرس المنزل بجنون وكأنه أحس بان شيئا قد حدث

    أكــــــرم ؟؟
    افتح البااااااااااااااااااااااب ..!!


    ولكن ليس من مجيب مطلقا

    يتجمع الجيران على باب شقة العم أكرم
    فليس من عادته منذ أربعين سنة أن لا يخرج في مثل هذا الوقت المتأخر
    وجرت العادة أن العم أكرم أو من يسلم على جميع الجيران في الصباح الباكر قبيل الساعة الثامنة صباحا.

    وهو اول من يعطي حارس العمارة إكراميته كل يوم

    وهو اول من يذهب لعائلة السيد محمد المتوفى منذ عشر سنوات ليسأل عنهم ويعطيهم المال اللازم ويشرف على أولاده

    وهو أول من يذهب إلى بائع الخضراوات ليوزع هناك مجموعة من الأزهار الصباحية مجانا

    وهو اول من يذهب ليشتري فطور اليوم ويأكله سواسية مع أصدقائه قبل البدء بالعمل

    وهو أول من يفتح باب المتجر لينشر عبير أزهاره العطر في كل أرجاء الحيّ الجميل

    وهو أو من يسلم على أم جهينة التي كانت خطيبة إبنه الراحل عمر

    وهو أول من يسلم على أحمد صاحب متجر القماش المقابل له

    وهو أول من يكتب رسائل الإعتذار لكل من حوله حتى وإن لم يكن مخطئ

    وهو أول الأشخاص حرصا على أمن المكان فلا مشكلة تبقى في وجوده ولا شجار

    ويطرق عبد الرؤوف الباب بقوة كبيرة هذه المرة

    ويصرخ
    أكــــرم افتح الباب
    هل أنت بخير ؟؟

    افتح الباب يارجل أين انت ؟!!!

    ولكن الجميع أصرّوا على كسر الباب لإحساسهم بان أمرا فظيعا قد حدث لأكرم

    وأول من يراه أعز أصدقائه
    عبد الرؤوف

    الصديق المخلص اللذي كان يذهب معه لكل مكان
    يعاونه يقف معه يحاوره يصللي إلى جواره يدعوا معه يعمل معه ياكل معه

    تتجلّى الذكريات في عقل عبد الرؤوف

    ويقف خمس دقائق مصدوم في حال صديقه العزيز أكرم

    فهو ساجد على سجادة صلاته الحميمة التي هي في الأساس هدية عبد الرؤوف له منذ خمسة وثلاثين سنة

    يـــالله يا أكرم

    أرجوك لا تفعلها
    لا تتركني وتذهب

    أرجوك يا أجمل أصدقائي
    يا ذكرى صباي وشبابي

    ويهجم عليه عبد الرؤوف
    يداعبه بيديه

    أكرم هل انت بخير

    فيجده لا يتحرك مطلقا

    ساجد بكل سكون وامان واطمئنان
    ينظر إلى سجادة الصلاة وكأنه يرى
    شيئا غيرها

    فما إن حرّكه قليلا حتى وقع أكرم على الأرض

    فعُرف الأمر

    وصدمة تعتري وجوه الجميع
    الجيران

    اللذين دخلو بيته الصافي
    النقي
    النظيم جدا
    اللذي لم يعهد احد ان رأى منزلا لرجل نظيف إلى هذا الحد ويدخله نور الشمس كما هذا البيت

    اللذي كل من دخله شعر بالامان والرحمة الكبير
    وكل من داس عتبة هذا الباب شعر بالللطف والإحتواء

    ويصرخ عبد الرؤوف
    اتصلوا بالإسعاف بسرعة

    ولكن الحقيقة المرّة بأنه لا فائدة من مناداة الإسعاف
    فالعم أكرم قد وافته المنية
    ســــــــــــــــــــــــاجدا لله

    اللذي عرفه فأحبه
    وعبده فأخلص له
    وتذلل له فأكثر ذله
    واطاعه فأخلص في طاعته



    والآن الجميع يقف على قبره
    يدعون له بالرحمة
    يدعون له بالأمان
    يدعون له بالمقام الرفيع
    والجنة


    العم أكرم اللذي بكلمات بسيطة علم كيف يعطي
    من حوله البسمة

    ويعلّم الآخرين حب الرحمة


    في الساعة التاسعة والنصف توفي العم أكرم
    ولكن ذكراه لا تزال حيّة إلى يومنا هذا




    بقلمي
    مجرد قصة خطرت على بالي
    فالعم أكرم من خيالي
    وبقيتها احداث واماني
    كتبت عام 2007 قريبا من 2008
    وهي تتحدث عن ذكرى الإنسان بعد الموت
    فالإنسان يموت ولا تبقى إلا ذكراه .. فإما حسنة وإما سيئة
    وذكر الإنسان بالمحاسن ترفع من حسناته
    وذكر الإنسان بسيئاته تزيد من عذابه في قبره عند الموت
    قيّم نفسك جيدا أنت من من هؤلاء ؟
    أتمنى لو أن كل الناس تشبه العم أكرم
    أتمنى لو أن كل البشر يفعلون مثله

    مع تحيات ساحرة الكتاب المجهول


    تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

    قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
    "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
    وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

يعمل...
X