إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أثينة Athens

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أثينة Athens

    أثينة



    تقع مدينة أثينة Athens في الجنوب الشرقي من شبه جزيرة أتيكة اليونانية على درجة عرض 38 شمالاً على شواطئ بحر إيجة وسط سهل خُوْطْست المروي بنهر كيفيسوس ورافده اليسوس. وتحيط بأثينة من ثلاث جهات مدن اميتوس وبينليكون وبارنتوس واكاليبون وتشرف على خليج سارنيكوس الواقع إلى الجنوب الغربي منها.

    تضم أثينة وضواحيها (تعداد عام 1992) أكثر من 3.3 مليون نسمة ويفوق هذا العدد ثلث سكان الجمهورية اليونانية. وقد ازداد عدد سكانها ازدياداً سريعاً نتيجة النمو السكاني والهجرة الداخلية والخارجية ولاسيما في الحروب اليونانية التركية في عامي 1922-1923، ويوضح الجدول المرافق الزيادات السكانية لأثينة وضواحيها.

    وتبلغ الكثافة السكانية العامة أكثر من أربعة آلاف نسمة في الكم2 الواحد في أثينة وضواحيها.

    توسعت مساحة أثينة بسرعة كبيرة بعد الحرب العالمية الثانية فأصبحت أثينة الكبرى تضم في عام 1981 أكثر من 35 ضاحية أكبرها مدينة بيريه التي تعد من أكبر المرافئ اليونانية وسكانها في العام نفسه 187 ألف نسمة.

    ويشرف على شؤون أثينة مجلس بلدي منتخب يمثل كل الضواحي ما عدا بيريه ففيها مجلس خاص.

    وتتنوع في أثينة الأبنية الأثرية العائدة لحقب مختلفة وكذلك الحديثة، وذلك إلى جانب المتاحف والتماثيل، وتقع في مركزها المؤسسات الحكومية والمصارف والفنادق. وتختلف أشكال المباني والمنازل ومظاهرها في أثينة وضواحيها: فهناك «الفيلات» الحديثة ويسكنها الموسرون وهناك بالمقابل المباني الشعبية في الأحياء المخصصة للعمال.


    السنة السكان

    (1000ن)
    الزيادة

    (1000ن)
    نسبة النمو

    السكاني %
    1920 453
    1928 802 349 77.04
    1940 1124 322 40.14
    1951 1378.5 254.5 22.64
    1961 1852.7 574.2 34.4
    1992 3300 1447.3 78.11



    تعد أثينة أكبر المدن اليونانية ومن أكبر مدن البحر المتوسط وموانيه، وتتمتع بأهمية سياسية واقتصادية وثقافية وعلمية، وتضم حالياً أكبر المراكز والمؤسسات العلمية والأكاديمية ومعاهد العلوم التقنية والطبية والهندسة ومعهداً للعلوم الذرية والفلكية إضافة إلى الجامعة اليونانية.

    تعد أثينة الكبرى المركز الصناعي الأول في البلاد، وتضم أكثر من نصف الصناعات التحويلية ولاسيما النسيجية، والصناعات الخفيفة والغذائية والمعدنية والآلات والأدوات الصناعية. وقد تطورت فيها الصناعات الكيمياوية والبتروكيمياوية ولاسيما صناعة تكرير النفط ومشتقاته إلى جانب صناعة بناء السفن العملاقة. وازدهرت في ضواحيها صناعة الإسمنت والأحذية والجلود والورق والمشروبات الروحية ولاسيما في مدن بيريه واليفيسيس واسبروبيروكس.

    استطاعت أثينة جذب رؤوس الأموال الأجنبية والشركات الغربية لاستخدامها في تطوير المنشآت الصناعية والإنتاجية وفي تنمية المؤسسات السياحية والخدمية.

    وتشتهر أثينة وضواحيها بجمالها وروعة مناظرها الجبلية وبسواحلها البحرية الجميلة ولاسيما في ضاحية ريفيرا التي تعد من أجمل مراكز السياحة العالمية. وتشتهر بملعبها الأولمبي الكبير الذي بني عام 1895، وقد منحها موقعها الجغرافي مكانة مهمة، وفي المدينة عقدة مواصلات تربطها بقارات أوربة وآسيا وإفريقية. وقد استطاعت بواخرها الوصول إلى معظم مواني العالم التجارية. وترتبط أثينة بخطوط حديدية جيدة مع يوغسلافية وتركية إضافة إلى الطرق الدولية المعبدة. وتربطها مع ضواحيها طرق معبدة كذلك ومع مدينة سالونيك في الشمال. ويرتبط الميناء الرئيس بيريه مع مركز العاصمة بخط قطار أنفاق (مترو) واحد يعمل بالطاقة الكهربائية. وقد وسعت الحكومة اليونانية مطار العاصمة وأصبح يستقبل أكبر الطائرات العالمية من مختلف الدول والقارات.

    تصدر أثينة وتستورد معظم سلع تجارتها الخارجية عن طريق ميناء بيريه (70% من الاستيراد و40% من التصدير). وقد بلغ حجم النقل فيه أكثر من 13 مليون طن في عام 1984 وتؤلف المنتجات النفطية أكثر من ثلثه.



    أسامة قدور

    تاريخ أثينة

    تعد أثينة واحدة من أشهر مدن التاريخ القديم والتاريخ الكلاسيكي، وهي عاصمة إقليم أتيكة Attikea. استوطن الإقليم والمدينة عدد من شعوب حوض البحر المتوسط كالكريتيين والآخيين والموكينيين.

    وتذكر الأساطير القديمة أن الملك ككروبس Kekrops - وكان نصفه رجلاً ونصفه الآخر ثعباناً - أنشأ المدينة ووضع أوائل قوانينها الاجتماعية والسياسية، وكان أول ملوكها إذ قام بدور الحكم في النزاع الذي استعر بين الإلهين بوسيدون وأثينة حول الوصاية الدينية على المدينة، وأفتى بأنه سيهب اسم المدينة والوصاية عليها للإله الذي يقدم للبشر أعظم فائدة، وقد حكم لمصلحة الإلهة أثينة فأطلق اسمها على المدينة لأنها أوجدت شجرة الزيتون التي عُدت أكثر نفعاً لبني البشر من الحصان الذي أوجده بوسيدون.

    وقد حكم من ذرية هذا الملك عدد من الملوك أشهرهم إيجيوس Aegeos - الذي أطلق اسمه على بحر إيجة - وابنه تيسيوس Theseos الذي ارتبطت باسمه مغامرات كثيرة في الأساطير أشهرها أسطورة تيسيوس والمينوتوروس Minotoros. ويرجع إليه الفضل في دمج مدن أتيكة الاثنتي عشرة في مدينة واحدة أطلق عليها اسم أثيناي Athenae بصيغة الجمع باللغة اليونانية للدلالة على عظمتها وعلى أنها كانت أكثر من مدينة.

    النظام الأثيني

    يستخلص من أساطير المدينة أنه كانت للمدينة علاقات ربطتها بعدد من معاصراتها، ولاسيما مدن جزيرة كريت، وأن نظام الحكم في صدر تاريخ المدينة كان ملكياً مطلقاً، لكنه لم يدم طويلاً أمام إصرار النبلاء على أن يقوموا بدور في الحياة السياسية للمدينة. وكوّن هؤلاء حول الملك مجلساً استشارياً سرعان ما سيطر على مقاليد الأمور، وحول الحكم إلى النظام الأرستقراطي.

    ويبدو أن أول منصب استحدث وانتزع بعضاً من صلاحيات الملك كان منصب قائد الجيش «البوليمارخوس» Polemarchos الذي تبعه إحداث منصب الحاكم أو «الأرخون» Archon الذي اختص بالشؤون الإدارية. وكان شغل هاتين الوظيفتين مدى الحياة أسوة بالملك، وفي منتصف القرن الثامن ق.م عدلت المدة إلى عشر سنوات ثم إلى سنة واحدة في بداية القرن السابع ق.م. ولا يعرف يقيناً متى أُحْدِثَ، إلى جانب هذا الثالوث، مجلس يضم ستة من المشرعين مهمتهم الإشراف على تسجيل القوانين وعلى تطبيقها، وكذلك الاجتهاد في القضايا التي لم تتعرض لها مواد القانون المطبق. وبمرور الزمن اتحد مجلس الملك والبوليمارخوس والأرخون مع هذا المجلس مكونين مجلساً أطلق عليه مجلس التسعة أُنيطت به إدارة شؤون الحكومة الأثينية في ذلك العهد. وكان كبار الموظفين هؤلاء يتحولون فور انتهاء ولاياتهم إلى أعضاء مدى الحياة في مجلس أو محكمة يطلق عليها «محكمة الأريوباغوس» Areopagos - وهو اسم التل الذي كانت تجتمع عليه - وكانت تكلف مهمة انتخاب كبار الموظفين وفيهم الملك، وكذلك الفصل في القضايا الجنائية.

    ولا يعرف بالتحديد متى أُلغي النظام الملكي في أثينة وإن كانت بعض الروايات تذكر أنه حكم أثينة في تاريخها الباكر ثلاثون ملكاً فقط، وأن آخر ملوك المدينة ويدعى كوردوس Kordos كان شجاعاً عادلاً نزيهاً حتى أن الأثينيين رأوا بعد مقتله في حرب الدوريين أنه لا يمكن العثور على رجل بمثل صفاته، وقرروا إلغاء المنصب والاكتفاء بمنصبي البوليمارخوس والأرخون، وهذه الرواية على سذاجتها تعكس على الأقل الطريقة السلمية التي تم بها إلغاء النظام الملكي وانتقال السلطة إلى الأرستقراطيين.

    ومع بداية القرن السابع ق.م وجد الأثينيون وغيرهم من سكان المدن اليونانية حلاً لمشكلة الانفجار السكاني، التي أدت إليها حالة السلم بعد استقرار الدوريين، وذلك بالالتجاء إلى البحر وإقامة المستعمرات الاستيطانية في معظم أرجاء حوض البحر المتوسط ولاسيما في جنوبي إيطالية وصقلية، إضافة إلى ممارسة التجارة التي أغنت عدداً من الأثينيين بسرعة قياسية. وكان من الطبيعي أن تقلب الظروف الاقتصادية الجديدة مفهوم نظام الطبقات في المجتمع الأثيني وأن تؤدي المعايير الجديدة للثروة إلى تنظيم جديد للطبقات، وبسبب مطالبة الأثرياء الجدد بامتيازات سياسية لم تكن لهم في السابق وتمنع الأرستقراطيين عن الاعتراف لهم بهذه الحقوق، فقد توترت الأوضاع السياسية وأدت بأحد النبلاء إلى القيام بمحاولة انقلاب مخففة شعر بعدها الجميع بأن الوضع أضحى في حاجة إلى الإصلاح. وبدأ دراكون Drakon الإصلاح وتابعه صولون Solon بإعطاء الأثرياء الجدد بعض الامتيازات حين قسم المجتمع على أسس مادية بغض النظر عن الأصول الطبقية، ووضع بذلك أول أسس الديمقراطية الأثينية.

    ويبدو أن التقدم الفكري المتطلع إلى إحداث ثورة في المسيرة الاقتصادية والإدارية والثقافية قد ساعد على تسويغ قيام حكم الطغيان المستنير في أثينة على يد نبيل آخر يدعى بيسيستراتوس Pisistratos الذي تمكن - لطول مدة حكمه التي دامت نحو عشرين سنة - من تحقيق عدد من الإنجازات السياسية والاقتصادية فاقت ما قدمه الأرستقراطيون والديمقراطيون قبله. على أنه سرعان ما تحول حكم الطغيان المستنير إلى طغيان دموي في عهد ولديه هيبياس Hippias وهبارخوس Hipparchos اللذين حاولا الحفاظ على دوام حكمهما بالإكثار من وسائل البطش، وعندما لم يعد الأثينيون يحتملون وطأة الطغيان عمل زعيم الأرستقراطيين كليستنس Kleisthenes بمساعدة من الاسبرطيين على إنهاء حكم الطغيان في أثينة وإعادة الديمقراطية.

    وفي هذه الحقبة وضع كليستنس اللبنة الثانية في بناء صرح الديمقراطية الأثينية بإلغائه ارتباط المواطنين بقبائلهم، وأحل بدلاً منه ارتباطاً إدارياً بمحال الإقامة، وبهذا القانون وضع حداً للثغرات الإقليمية ونفوذ الزعامات الأسرية وأخطاء النظام القبلي. وأسند القانون إلى كل وحدة إدارية جديدة حق انتخاب ممثلها في مجلس جديد هو مجلس القادة الذي أصبح بمنزلة مجلس للوزراء توكل إليه مهمة تصريف شؤون البلاد، كما أوكل القانون إلى هذه الوحدات الإدارية انتخاب ممثليها بالتساوي لمجلس الجمعية العمومية أو الإكليزية، وكان هؤلاء الأعضاء يُنتخبون لمدة سنة واحدة عن طريق القرعة من المواطنين الذين بلغوا الثلاثين شريطة عدم انتخاب العضو لأكثر من دورتين. وأضاف كليستنس إصلاحاً ديمقراطياً قوض بموجبه أحلام الطغاة ومؤيديهم في اغتصاب الحكم عن طريق القوة إذ أصدر قانونه الشهير الأستراكيسموس Ostrakismos أي قانون النفي الذي أصبح للجمعية العمومية بموجبه الحق في التصويت عند الاقتضاء على نفي أي مواطن يخشى منه على أمن الدولة لمدة عشر سنوات، شريطة أن يؤيد الحكم ستة آلاف مواطن ولا يفقد المنفي في هذه الحال حقوق مواطنته لدى عودته.

    ولا يعرف الكثير عن تاريخ أثينة بعد كليستنس - الذي أصبح عرضة للنفي بموجب قانونه السابق - وحتى بداية الحروب الفارسية التي قاد فيها قوات أثينة القائد ميليتيادس Militiades أولاً ثم ثيميستوكلس Themistokles اللذان أسهما، بما حققاه من انتصارات في هذه الحروب، في إبراز ضرورة قيام أثينة بالدعوة إلى إقامة تحالف هليني بقيادتها لمتابعة حرب الفرس، هذا التحالف الذي تطور في عهد بريكلس Perikles ليصبح إمبراطورية أثينية.

    أثينة في عصر بريكلس

    يُعد بريكلس أشهر حكام أثينة القديمة لأسباب كثيرة منها: انحداره من أسرة سياسية معروفة، وطول مدة حكمه التي تجاوزت ثلاثين سنة (461ـ429ق.م) والإصلاحات الديمقراطية التي حفل بها حكمه، وكذلك شخصيته المتميزة التي ارتكزت على وطنية صادقة وموهبة خطابية بارزة وقدرة على إقناع مواطنيه، وأخيراً عمله على مساندة قوة أثينة العسكرية والاقتصادية. كذلك يعد عصر بريكلس العصر الذهبي للحضارة اليونانية في معظم مظاهرها.

    ففي مجال الإدارة والتطور الديمقراطي دعم بريكلس سلطات المجالس الشعبية على حساب النفوذ الذي تمتع به السياسيون التقليديون، وتحولت مهام الحكام أو «الأراخنة» من مهام سياسية إلى تنفيذية إذ أصبح الحكام ينفذون القوانين المحولة إليهم عن طريق المجالس التشريعية (الإكليزية والبولي Boule). وفي مجال القضاء قسم بريكلس السلطات القضائية بين المحاكم البدائية والاستئنافية، وعن طريق إدخاله نظام الأجور للمحلفين ضمن بريكلس نزاهة القضاء ولم يعد حكراً على المقتدرين مادياً.

    وفي مجال الاقتصاد حقق بريكلس لأثينة نشاطاً تجارياً ممتازاً عن طريق دعمه قوة الأسطول الأثيني وضمان الأمن والاستقرار السياسي. ونتيجة لتزايد قوة العملة الأثينية في أسواق العالم فقد نشأت طبقة أثرت من التجارة، وعملت على تنشيط حركة الاستعمار الاستيطاني في معظم مناطق حوض البحر المتوسط مما أدى إلى زيادة دخول الدولة بدرجة مكنتها من الإنفاق ببذخ على تجميل مدينة أثينة وتأهيلها لاحتلال مركز الزعامة.

    وفي مجال الآداب برز عدد من الشعراء اختص بعضهم بمدح الأبطال الأولمبيين والنبلاء والآلهة في أعمال مسرحية كالشاعر بيندار Pindar. واهتم عدد كبير منهم بالأعمال التراجيدية وأبرزهم أسخيلوس Aeschylos وسوفوكلس Sophokles ويوريبيدوس Euripides، واهتم عدد أقل بالأعمال الكوميدية وأشهرهم أريستوفانس Aristophanes. كما برز عدد من الفلاسفة في مقدمتهم أناكساغوراس Anaxagores وسقراط Socrates وبروتاغوراس Protagoras. أما الكتابة التاريخية فقد تطورت على يدي هيرودوت وتوقيديدس Thucydides من مادة للتفكه إلى مادة ترتكز دراساتها على العلم والمنطق والاستدلال.

    وفي مجال العلوم برز من العلماء مثل الطبيب أبقراط هيبوقراطس Hippokrates صاحب القسم المشهور، وكذلك عالم الطبيعيات أمبيدوكلس Empedokles الذي قام بتحديد عناصر الحياة في أربعة هي: النار والهواء والتراب والماء، ويعد واحداً من أبرز المسهمين في تقديم نظرية التطور. كما قام العالم ديمقريطس Demokrites بتقديم عام لنظرية الذرة لأول مرة في التاريخ وأكد عدد آخر من العلماء كروية الأرض نظرياً. وفي عصر بريكلس عم استخدام النظام العشري في الحساب والاثني عشري والستيني في الفلك والجغرافية.

    أما في مجال الفنون فقد أبرزت خطة بريكلس لإعادة إعمار أثينة وتجميلها بعد تدميرها في الحروب الفارسية عدداً من أشهر المهندسين والفنانين في التاريخ القديم، وفي مقدمتهم المهندس هيبوداموس Hippodamos من مدينة ملطية في آسيا الصغرى الذي قام بتخطيط المدينة وفق نظام جديد هو النظام الشبكي، ومنهم الفنانون الذين قاموا ببناء معابد الأكروبوليس[ر] Akropolis ومنشآته وتزيينها.

    والأكروبوليس كلمة مؤلفة من مقطعين تعني المدينة العليا أو أعلى المدينة، وهي واحدة من المظاهر التي كان وجودها شائعاً في المدن كافة في بلاد اليونان ليكون خط دفاع ثانياً للمدينة في حال سقوطها. وأكروبوليس أثينة هو صخرة بيضوية أبعادها 275×155م تقريباً، وترتفع عن سهل المدينة بنحو مئة متر. ويعد الأكروبوليس قلب أثينة الديني والتاريخي والسياسي، تعرضت مبانيه إلى التدمير في أثناء الحروب الفارسية. وعندما قرر بريكلس إعادة تشييد مبانيه قام مهندسوه بتوسيع سطح الأكروبوليس بإقامة جدار استنادي في الطرف الجنوبي وردموا الفجوة ببقايا الأبنية وحطام التماثيل التي دمرت في أثناء الحرب مما مكنهم من إقامة عدد من المعابد أشهرها وأبقاها البارثنون، والأرخيتيوم، وأثينة زيكه.

    ويعد معبد البارثنون درة العمارة الإغريقية وأجمل أبنية الأكروبوليس وأعظمها أطلق عليه لقب الإلهة أثينة ويعني العذراء. قام ببنائه المهندسان إبيكتيتوس Epiktitos وكاليكراتس Kalikrates فيما بين 447-432 ق.م مكان المعبد الخشبي القديم. وقام بنحت تماثيله وأعمدته وواجهاته الفنان فيدياس Phidias وتلامذته. وقد تعرض المعبد إلى عدة حوادث مفجعة أهمها انفجار مخزن للبارود سنة 1687م وانتزاع عدد من ألواح أفاريزه التي سلمت من الانفجار ونقلها إلى عدد من المتاحف أبرزها المتحف البريطاني. وعلى الرغم من عوادي الزمن فإن بقايا البارثنون الحالية ومفقوداته المعروفة في متاحف العالم والمعلومات الواردة في المصادر تعطينا كلها صورة لما كان عليه في أيامه الأولى. فقد أقيم المعبد على قاعدة مؤلفة من ثلاث درجات ترتفع 170سم عن سطح الأكروبول بطول 68.40م وعرض 30.30م ويحيط بقاعدته أعمدة دورية الطراز عددها ثمانية في كل من الواجهتين وسبعة عشر عموداً في كل من الطرفين ويرتفع كل واحد منها 14.30م ويحمل مجموعها سقف المعبد المائل والمثلثي من طرفيه مشكلاً واجهة مثلثة ارتفاعها 3.39م، وتتجه واجهته الرئيسة إلى الشرق وهي مزدانة مع الجيزان الراطبة بينها architravesبمنحوتات جدارية تصور بعضاً من الأساطير الإغريقية ولاسيما الأثينية منها.

    أثينة والاتحاد الأثيني

    كان الأثينيون قد رافقوا خطتهم لإعمار مدينتهم بدعوة المدن الدول في بلاد اليونان لتأسيس حلف مهمته الدفاع عن بلاد اليونان في وجه الأطماع الخارجية. ونجحت أثينة في تكوين البحر الإيجي تحت اسم الحلف الديلوسي بزعامتها، وهو الحلف الذي تطور فيما بعد ليصبح إمبراطورية أثينية حينما بدأت أثينة تتعسف في استخدام صلاحياتها ضد أعضاء الحلف، ونقلت خزانة الحلف من جزيرة ديلوس إلى أثينة وأصبح الحلف نتيجة هذه التصرفات معرضاً في أي لحظة للتفكك والانهيار، لولا ظهور الزعيم الأثيني بريكلس في الوقت المناسب.

    وفي المدة ما بين 431و404ق.م نشبت حرب ضروس بين أثينة الراغبة في تأسيس إمبراطوريتها وعدد من المدن المناهضة لهذه الرغبة بزعامة اسبرطة، وكتب تاريخ هذه الحرب المؤرخ الشهير توقيديدس، وأطلق عليها المؤرخون اسم حرب البيلوبونيز، وكانت أحداثها سجالاً في مراحلها الأولى إذ كانت معظم المعارك البحرية تنتهي بتفوق أثينة، والبرية بتفوق اسبرطة. لكن المرحلة الثانية شهدت نجاحاً اسبرطياً في إنشاء أسطول بحري تمكن من حصار أثينة وإكراهها على إنهاء الحرب وقبول شروط التسليم، وأهمها الاعتراف بزعامة اسبرطة وهيمنتها.

    على أن اسبرطة لم تكن مؤهلة للدور القيادي الذي آل إليها في بلاد اليونان، ووقعت، نتيجة عزلتها السابقة، في الأخطاء نفسها التي وقعت فيها أثينة من قبل، وكان طبيعياً أن تؤدي معاملتها حلفاءها معاملة قاسية إلى تدهور علاقاتها معهم، وبرزت من بين الحليفات مدينة طيبة Thebes التي لم تعد تحتمل صلف اسبرطة وغرورها وخاضت ضدها معركة قضت على كل آمال اسبرطة وأحلامها السياسية والعسكرية وهي معركة لوكترا Luktra (371ق.م) التي فتحت المجال لبروز أثينة مرة أخرى. وقد دعت أثينة، بعد إبعاد اسبرطة عن المسرح السياسي، إلى اتحاد كونفدرالي انضمت إليه كل المدن الساخطة على اسبرطة. وظهر الاتحاد في بداياته ظهوراً ديمقراطياً، إلا أنه سرعان ما تحول إلى إمبراطورية أثينية ثانية، وظل كذلك حتى سقوطه سنة 338ق.م، وهي السنة التي برزت فيها قوى مقدونية، وتحطمت قوة الاتحاد الأثيني في موقعة خايرونية Chaeronea وبدأ بعدئذ عصر جديد هو العصــر الهليني (336-30ق.م).

    أثينة في العصر الهليني

    حاول ملوك العصر الهليني نقل أهمية أثينة إلى عواصمهم الجديدة، ولاسيما إلى الاسكندرية وأنطاكية، مما أدى إلى تدهور مكانة المدينة في تلك الحقبة، ولاسيما بعد قضاء رومة على مملكة الأنتيغونيين[ر] وضمها مع ممتلكاتها إلى رومة. واحتفظت أثينة في العصر الإمبراطوري بأهمية علمية تقليدية محدودة، ظهرت أكثر ما يكون في تفاخر المثقفين الرومان بدراستهم في مدارسها.

    في القرن الثالث الميلادي أدت النزاعات في رومة إلى تعدي البرابرة على أثينة واحتلالها سنة 267م وزوال أي تأثير لها حتى بدايات المسيحية فيها.

    أثينة في العصرين البيزنطي والعثماني

    بدأت المسيحية باكرة في أثينة إثر زيارة القديس بولص لها سنة 51م، ولكنها لم تنتشر على الرغم من تحول بعض المعابد القديمة إلى كنائس، مثل البارثنون والأرخيتوم وغيرهما، وبناء كنائس جديدة. واستمرت الوثنية سائدة وقوية حتى إغلاق مدارس الفلسفة بموجب مرسوم جوستنيان[ر] (529م).

    وتعد المدة من القرن السابع إلى العاشر حقبة مظلمة في تاريخ أثينة، فقد أغفلت كتب التاريخ في تلك المدة أي ذكر للمدينة، كما أن بقاياها الأثرية محدودة للغاية. ويبدو أن المدينة قد استعادت بعض رخائها في القرنين الحادي عشر والثاني عشر، بدلالة العثور على بقايا عدد من الكنائس، بنيت بحسب الطراز البيزنطي مثل كنيسة كابنيكاريا Kapnikarea.

    وفي سنة 1204م وقعت أثينة في قبضة الحملة الصليبية الرابعة وأصبحت المدينة دوقية ويدل على ذلك أن أحد حكامها من النبلاء البورغونديين وهو اوتو دولا روش Otto de La Roche أطلق على نفسه مدة حكمه لقب «دوق أثينة». وبقيت المدينة في قبضة اللاتين مدة قرنين ونصف، ولم يطرأ عليها أي تحول يذكر، باستثناء تحول تبعية كاتدرائية البارثنون من الأرثوذكسية إلى الكاثوليكية، مع إنشاء برج للأجراس إلى جانبها.

    وعندما احتل العثمانيون المدينة سنة 1456م حولوا البارثنون إلى مسجد وبرج الأجراس إلى مئذنة، إضافة إلى إنشائهم عدداً من المساجد في باقي أرجاء المدينة. وبقي حال المدينة قائماً على وضعه حتى سنة 1687م حينما تمكن البنادقة من احتلال مرفأ المدينة بيرايوس (بيريه) وحصار أكروبوليس المدينة.

    وفي أثناء الحصار أطلقت مدفعية الكونت اوتوفلهلم فون كونيغسمارك Otto Wilhelm Von Koenigsmark قذيفة فجرت مخزن البارود في البارثنون وأدت إلى تحطيم القسم الأكبر منه. وأخفقت محاولة البنادقة احتلال أثينة واستمر العثمانيون في حكمها حتى سنة 1833م حين استقلت بلاد اليونان وأصبحت أثينة عاصمة الدولة اليونانية الجديدة.
    http://www.ghoraba.net/upp/00/7_1249870506.jpg
يعمل...
X