إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الحضارة الإسلامية ورعايتها الفكر والفن

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحضارة الإسلامية ورعايتها الفكر والفن




    الحضارة الإسلامية ورعايتها العلم والفكر

    الإسلام من أكثر الديانات السماوية اهتماماً بالعلم والتعليم منذ بدء نزول الوحي على رسول الإنسانية والمحبة محمد صلى الله عليه وسلم، وأول آية نزلت من القرآن الكريم في سورة العلق هي:
    "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الذِي خَلقَ"
    وقد تضمنت الأمر بالقراءة.

    إن ورود هذه الآيات الكريمة في القرآن الكريم شجّع المسلمين على العِلمِ والتعلُّم والتعليم، فبدأت الدراسات في البيوت والمساجد ثم المدارس، وكان التعليم في المدارس بالمجان. وكان المعلمون والطلاب يتناولون مرتباتهم ونفقاتهم في بعض الأحيان من الحكومة الإسلامية أو من أموال البر والصدقات والأوقاف، وكان الطلاب والمعلمون يجوبون أطراف البلاد الإسلامية للتعليم والتعلُّم، وهذا ماتمّ الاصطلاح عليه بمصطلح: الرحلة، فقلما نجد عالما إسلاميا إلا ورحل في طلب العلم الذي تعلمه

    وكان على كل طالب علم يريد أن تعلو مكانته في بلده أن يسافر إلى مكة المكرمة، أو المدينة المنورة، أو القدس، أو بغداد، أو دمشق، أو القاهرة، ليستمع في واحدة منها أو أكثر من واحدة إلى كبار العلماء ولكي يحصل منها على إجازة أو سماع كتاب ما منهم برواياتهم المتصلة بسند صحيح إلى المؤلف. وبذلك ازدهرت العلوم في ظلال الحضارة الإسلامية في أقطار الأرض.


    يذكر التاريخ بكثير من الإكبار والإعجاب جمًّا غفيرًا من خلفاء المسلمين وأمرائهم، الذين كان لهم دورٌ كبير في رعاية العلماء وطلاّب العلم. ويأتي في مقدمة هؤلاء الخلفاء، الخليفة العباسي هارون الرشيد، الذي قال عنه عبد الله بن المبارك:

    "ما رأيتُ عالمًا، ولا قارئًا للقرآن، ولا سابقًا للخيرات، ولا حافظًا للحرمات في أيام بعد أيام رسول الله وأيام الخلفاء الراشدين والصحابة ، أكثر منهم في زمن الرشيد وأيامه، لقد كان الغلام يجمع القرآن وهو ابن ثماني سنين، ولقد كان الغلام يستبحر في الفقه والعِلم، ويروي الحديث، ويجمع الدواوين، ويناظر المعلمين وهو ابن إحدى عشرة سنة"
    ولم يكن ذلك إلا بكثرة إنفاقه، واهتمامه بالعلم والعلماء وطلابه منذ الصغر!!

    ونظرة واحدة على عدد المدارس على اختلاف أقسامها، والبيمارستانات التي شُيِّدَت في عصر النهضة والحضارة الإسلامية تعطينا دليلا على دور الدولة في رعاية العلماء وتنشئتهم منذ الصغر..
    فقد كانت هناك مدارس لتدريس القرآن الكريم وتفسيره، ومدارس للحديث الشريف، ومدارس للفقه، وأخرى للطب .

    وبعد مرحلة الصغر كان للدولة الدور البارز أيضًا في الاهتمام بأبنائها العلماء ورعايتهم بما يليق ومكانتهم، فكانت أولاً توفر لهم من المرتبات ما يكفي لمعيشتهم عيشة هانئة، وهذا عدا ما كان يُعطَون من رواتب أخرى كحاجات معاشية، فقد كان الشيخ نجم الدين الخبوشاني ممن عيَّنه السلطان صلاح الدين ليدرِّس في مدرسته الصلاحية، وقد جعل له كل شهر أربعين دينارًا عن التدريس، وعشرة دنانير للإشراف على أوقاف المدرسة، وستين رطلاً مصريًّا من الخبز كل يوم، وراويتين من ماء النيل كل يوم

    وكان من رواتب شيوخ الأزهر الشهرية، راتب يأخذه الشيخ لنفقات بغلته، إذْ كان من أوقاف الأزهر وقف خاص لبغلة الشيخ ونفقاتها .

    ومثل هذا يُعَدُّ من أبواب تفريغ العلماء للتأليف والابتكار، وأيضًا تعليم الناس، وإفادتهم، دينيًّا ودنيويًّا، ومما يستحق التنويه به، أنه كان للمعلمين في ذلك الوقت المبكر نقابة خاصة بهم، وكان جماعة المعلمين هم الذين يختارون النقيب، وما كان يتدخل السلطان إلا إذا وقع خلاف بين الأعضاء فيصلح بينهم..

    وفي مرحلة أخرى فإن دور الدولة في التعامل مع العلماء المبدعين كان له شأنٌ آخر، فهذا الخليفة الموحدي الثالث المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن يُنشئ "بيت الطلبة" للنابغين ويشرف عليه بنفسه، حتى إن بعض حاشيته حسدوا هؤلاء الطلبة على موضعهم منه، وتقريبه إياهم، وخلوته بهم دونهم، ولما بلغ ذلك المنصور الموحدي فزع وخاطبهم قائلاً: "يا معشر الموحدين، أنتم قبائل، فمن نابه منكم أمرٌ فزع إلى قبيلته، وهؤلاء الطلبة لا قبيلة لهم إلا أنا، فمهما نابهم من أمرٍ فأنا ملجأهم، وإليَّ فزعهم، وإليَّ يُنسَبون..." ، فكان أن قامت دولة الموحدين، وسادت وعمَّت الأرجاء.

    ولأبي عُبَيد القاسم بن سلام قصة طريفة مع عبد الله بن طاهر تدل على تقدير الأمراء لعقول العلماء، وتكريم النابغين منهم، فإنه لما وضع أبو عبيد القاسم بن سلام كتاب "غريب الحديث" عرضه على عبد الله بن طاهر، فاستحسنه وقال: "إن عقلاً بعث صاحبه على عمل هذا الكتاب حقيقٌ أن لا يُحْوَجَ إلى طلب المعاش"، ثم أجرى له كل شهر عشرة آلاف درهم .
    وقد اشتهر أمر الجوائز العظيمة والهبات الجزيلة التي كان يمنحها الخلفاء والحكام للعلماء بهدف التشجيع على تحصيل العلوم، وكانت هذه الجوائز في صورة أقرب إلى الخيال، وكان من ذلك إعطاء وزن الكتاب المُترجَم -من لغة غير العربية إلى اللغة العربية- ذهبًا للعالِم الذي يقوم بترجمته !!
    وقد كان من جرَّاء ذلك أن نشطت حركة الترجمة، ونُقِلَت علوم هائلة على إثرها إلى المسلمين.

    وأروع من ذلك ما قامت به الخلاقة العثمانية، وذلك حين نجحت في تجميع النابغين من جميع القرى والأمصار، ووفرت لهم الرعاية التي جعلت كل نابغة يعطي ما عنده من فنٍّ وعلم؛ وهو الأمر الذي ساعد على ازدهار الدولة حضاريًّا وعسكريًّا حتى باتت الدولة الأولى في العالم.
    ولم يكن اهتمام الدولة يقتصر على رعاية العلماء من أبنائها، بل كان الحكام يستدعون العلماء من شتى الأمصار ليستفيدوا من علومهم، ويسعدوا برعايتهم، فها هو الأمير المعز بن باديس، أحد أمراء دولة الصنهاجيين في المغرب الإسلامي، كان لا يسمع بعالم جليل إلا أحضره عنده، بل وجعله من خاصَّته، وبالغ في إكرامه، وعوَّل على آرائه، ومنحه أسمى الرُّتب .
    وها هو السلطان محمد الفاتح لا يسمع عن عالم في مكانه أصابه عوز وإملاق إلا بادر إلى مساعدته، وبذَل له ما يستعين به على أمور دنياه .
    وإن هذه الصورة لتتضح في وصيته لابنه وهو على فراش الموت؛ فقد جاء فيها: "... وبما أن العلماء هم بمنزلة القوة المبثوثة في جسم الدولة، فعظِّم جانبهم وشجعهم، وإذا سمعت بأحدٍ منهم في بلد آخر فاستقدمه إليك، وأكرمه بالمال".

    وهذا ما وجدناه في تعامل الدولة مع كافة العلماء، لا فرق في ذلك بين المسلمين وغيرهم من أبناء الملل والعقائد الأخرى، فهذه أسرة بختيشوع النسطورية، كان أبناؤها أطباء الأسرة العباسية لقُرَابة 70 سنة، من زمن المنصور إلى المعتمد، فكانت لهم الرعاية والاهتمام الخاص.
    وكان من هذه الأسرة جبرائيل بن بختيشوع بن جرجس ، والذي كان طبيب هارون الرشيد وجليسه وخليله، حتى إنه ليقال: إن منزلته ما زالت تقوى عند الرشيد حتى قال لأصحابه: من كانت له حاجة إليَّ فليخاطب بها جبرائيل !

    وكذلك كان ابن ميمون اليهودي الأندلسي له رعاية واهتمام خاص عند صلاح الدين الأيوبي، وكان طبيبه الخاص !!
    على أن الحكام والأمراء كانت لهم وسائل أخرى إذا لم يستطيعوا أن يجتذبوا العلماء، وكان من هذه الوسائل: شراء مؤلَّفات العلماء العلمية فور انتهاء أصحابها من تأليفها.

    وعلى سبيل المثال فإنه لما سمع الحكم الخليفة الأموي بالأندلس بكتاب "الأغاني" المشهور الآن في الأدب، ما كان منه إلا أن أرسل إلى مؤلِّفه أبي الفرج الأصفهاني ألف دينار من الذهب ثمن نسخة منه ليرسله إليه في بلده، وكان له ما أراد؛ حيث أرسل إليه أبو الفرج بنسخة من كتابه المذكور، فكان أن قُرِئ الكتاب في الأندلس قبل أن يُقرَأ في العراق موطن المؤلف !!
    إن اهتمام الخلفاء والأمراء وأصحاب الجاه والمكانة في الحضارة الإسلامية بالعلماء، والاعتناء بهم، والتخفيف من آلامهم، وتفرغهم لنشر العلم، ليُدل على أسبقية هذه الحضارة في احتضانها للعلماء، وهذا نقيض لما رأيناه في أوربا؛ من تقتيلٍ للعلماء، وحرق لمصنفاتهم، وإجبار المؤسسات الحاكمة للشعب بمختلف طوائفه للانصياع خلف خُرافات الكنيسة.
    التعديل الأخير تم بواسطة محمدعامر; الساعة 2012-12-01, 07:18 PM.
يعمل...
X