إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الحروب الصليبه

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    الحـروب الصـليبـية (12 ) : الحـــمـلـة الصليبـية التاسعـة وما بعدها

    بانتهاء الحملة الصليبية الثامنة بهلاك لويس التاسع اطمأن بيبرس ، وبعد أن كان يستعد لمواجهة الحملة ترك استعداده ، وانطلق ثانية إلى طرابلس عام 670هـ غير أن أميرها بوهمند قد طلب المسالمة والصلح فأجابه السلطان بيبرس إلى ذلك لأن حملة صليبية جديدة قد جاءت بقيادة الأمير إدوارد ونزلت في عكا ، وكان الصلح بين الظاهر بيبرس وأمير طرابلس الصليبي بوهمند لمدة عشر سنوات .



    وغزا السلطان بيبرس قبرص التي كان ملكها هيو الثالث من ألد أعداء الإسلام وله أطماع صليبية ، واتخذ الصليبيون من بلاده قاعدة ينطلقون منها وإليها للوصول إلى بلاد الشام أثناء الإبحار ، لكن الأسطول الإسلامي قد تحطم عند شواطئ الجزيرة عام 669هـ بسبب عاصفة بحرية .

    وحارب أرمينيا الصغرى وهي بأرض كيليكيا انتقل إليها الأرمن بعد انسياح السلاجقة في آسيا الصغرى إثر معركة ملاذكرت ، وأسسوا فيها دولة كانت دعامة للصليبيين طيلة أيامها ، وقفت تعادي الظاهر بيبرس وتدعم الصليبيين ، وتمنع تصدير الخشب والحديد إلى مصر ، واستطاع الانتصار عليها وأسر عدداً من قادتها منهم ابن أميرها هيثوم الأول ، وغدت هذه الدولة ضعيفة بعد ذلك .

    ويلاحظ أن الدول التي تحالف معها بيبرس لم تدعم الصليبيين فأفاد هذا التحالف فعلاً ، إذ رأينا أن الدولة الرومانية الغربية هي عادة التي تدعم الصليبيين وتحرضهم قد وقفت على الحياد تقريباً على حين قاد الحملتين الصليبيتين الثامنة والتاسعة الفرنسيون والإنكليز ، إذ كانت الأولى منهما بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا ، على حين كانت الثانية بقيادة الأمير الإنكليزي إدوارد .

    ولما حكم السلطان المنصور قلاوون فتح المرقب وماحو لها عام 684هـ وخافه أمير طرابلس الصليبي فهدم الحصون تقرباً بناء على رغبة السلطان .

    وفي عام 688هـ سار السلطان المنصور قلاوون إلى دمشق ومنها إلى طرابلس فحاصرها وفتحها ، وكانت قد بقيت بأيدي الصليبيين منذ عام 503هـ .

    وكان قلاوون قد عزم على فتح عكا ولكنه مات قبل ذلك ، فلما تولى ابنه الأشرف صلاح الدين خليل سار إليها من مصر ، ودعا الجند من دمشق وطرابلس وحماه ، فجاء المجاهدون وحاصروا عكا ، وتم فتحها يوم الجمعة السابع عشر من جمادى الأولى من عام 690هـ ، وفر الصليبيون عن طريق البحر ممن لم يقتل ، كما تسلم الأشرف صيدا وصور ، ثم أخذ نائبه على دمشق بيروت ، كما سلمت له جبيل وطرسوس ، ولم يبق للصليبيين في السواحل وبلاد الشام أي أثر .

    وهاجم بلاد الروم بعدها ، وأرسل قوة إلىكسروان في جبيل لبنان لأن النصارى في هذه المنطقة كانوا دعماً للنصارى .
    [CENTER] [/CENTER]

    تعليق


    • #17
      الحـروب الصـليبـية ( 13 ) : الحــمـلات الصليبية الجديدة من قبرص

      في عام 767 استولى الفرنجة ومعهم ملك قبرص على الإسكندرية ، وذلك أن الحروب الصليبية لم تنته بطرد الصليبيين من عكا عام 690 والانتهاء منهم من كل بلاد الشام أيام الأشرف صلاح الدين خليل بن المنصور.

      لقد تم طردهم من جزيرة أرواد عام 702 أيام السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، واستمرت الحروب الصليبية بعد ذلك لأن كثيراً من الصليبيين قد لجؤوا إلى جزيرة قبرص بعد طردهم من بلاد الشام ، واتخذوا هذه الجزيرة مستقراً لهم ، وأخذوا يقومون بالإغارة على بلاد المسلمين كلما وجدوا الفرصة سانحة لهم .

      وكانت أسرة ( لوزجنان ) التي حكمت الجزيرة في تلك الآونة تقوم بهذه المهمة ، وقد تولى أمر هذه الأسرة وحكم الجزيرة عام 760 بطرس الأول ، وقد زار غربي أوروبا ، ودعا البابا لمساعدته للقيام بحرب ضد المسلمين ، فحصل على بعض التأييد ، وسار مع من جاءه من الصليبيين ووصل إلى شواطئ الإسكندرية عام 767 في يوم جمعة والمسلمون في المساجد ، فاستطاع أن يعيث في الإسكندرية فساداً ولكنه فر لما تحرك المماليك إليه ، وقد أخذ معه قرابة خمسة آلاف أسير ، وفرحت بذلك أوروبا وهنأ ملوكها بعضهم بعضاً ، كما هنأهم البابا.

      وفي عام 827 أرسل الأشرف برسباي حملة استطلاعية إلى جزيرة قبرص ، وقد اتجهت إلى ميناء ( ليماسول ) كرد فعل على تلك الحملات التي قام بها ملوك تلك الجزيرة على الإسكندرية ودمياط في أثناء اشتداد حملات تيمورلنك على بلاد الشام ، فلما تصدعت دولة تيمورلنك بعد وفاته ، قام السلطان الأشرف برسباي بهذا الرد .

      وفي العام التالي 828 أرسل حملة ثانية وكانت جهتها في هذه المرة مدينة ( فاما غوستا ) ، وقد أحرزت النصر ، ومكثت أربعة أيام ، ثم اتجهت إلى مدينة ( ليماسول ) ، وتمكنت من فتحها بعد جهد ، ثم رجعت الحملة إلى مصر .

      وبعد عام خرجت حملة جديدة سارت نحو ( ليماسول ) ففتحها ، ثم اتجهت نحو الداخل فالتقت بجيش كبير يقوده ملك قبرص ( جانوس ) بنفسه فجرت معركة طاحنة بين الفريقين انتصر فيها المسلمون انتصاراً كبيراً ، وأسروا الملك ، وحملوه معهم ، وساروا نحو( نيقوسيا ) فصلوا الجمعة في كنيستها ، ثم رجعوا إلى مصر والملك معهم أسير ، وفي القاهرة فدى الملك نفسه ، ووافق على أن تكون قبرص تابعة لدولة المماليك ، وبقيت بعدها كذلك مدة بقاء الدولة المملوكية ، وبذا انتهى الأثر الصليبي نهائياً إذ بقي في قبرص بعد طرده من بلاد الشام .
      [CENTER] [/CENTER]

      تعليق


      • #18
        الحـروب الصليـبـية ( 14) : نهاية الحـروب الصليبية

        أما فرسان الاسبتارية الذي لعبوا دوراً مهماً في الحروب الصليبية ، فقد انتقلوا من جزيرة قبرص لما دخلت تحت حكم المماليك إلى جزيرة رودوس ، وأرسل أميرهم ( فلوفيان ) الهدايا للسلطان برسباي الذي كان في نيته غزو رودوس لكن عهده لم يطل فتوفي عام 841.
        وفي عام 843 أغارت أربع سفن لقراصنة النصارى على مدينة رشيد على الساحل المصري ، فاتجهت الشبهة نحو أمراء الاسبتاريين في رودوس ، فجهز الظاهر جقمق عام 844 حملة وغزا رودوس ، فأسرع أمراء الاسبتاريين إلى أوروبا يطلبون النجدات الصليبية منها .
        ثم غزاها مرتين أيضاً مرة سنة 847 ومرة في العام الذي تلا ، ولكنه لم يوفق في فتحها ، وذلك بسبب الدعم الصليبي لهذه الجزيرة بعد استنجاد أمرائها بالبابا وملوك أوروبا .
        واستمرت إغارات الاسبتاريين على مصر عام 914 ولكنهم ردوا ، وكذلك عام 915 وهزموا ، وأعادوا الغارة عام 916 ، وفي عام 917 أغاروا على سواحل البرلس فهزموا ، وأسر منهم مائتان . ثم شاء الله أن يجعل نهاية الاسبتارية على يد العثمانيين .
        وبهذا لم تنته الحروب الصليبية وإنما كانت نهاية لمرحلة من مراحلها ، حيث انتقلت بعد ذلك إلى شمال إفريقية ، ثم عادت من جديد في شكل دول أوروبا المتحالفة ضد الدولة العثمانية ، و لاتزال مستمرة إلى يومنا هذا وإن غيرت في شكلها وأساليبها .
        [CENTER] [/CENTER]

        تعليق


        • #19
          الحـروب الصليبـيـة (15 ) : نتائج الحـروب الصليبـية في العـالـم الإسلامي

          أولاً : في الجانب الاجتماعي والاقتصادي :

          - شيوع روح العجز والفشل :

          وذلك بسبب الهزائم التي حصلت للمسلمين في بدايات هذه الحروب ، حتى اقتنع بعض المسلمين بعدم إمكانية الانتصار ، واتجه بعضهم إلى اعتبار جهاد الصليبيين بالقلم واللسان قد يغني عن جهادهم بالسيف والسنان .


          - استحداث مدن لم يكن لها وجود ملحوظ :

          مثل مدينة قوص وثغر عيذاب على البحر الأحمر ، وذلك أن الصليبيين قد استولوا على فلسطين وثغورها فأصبح الطريق للحج لأهل الأندلس وشمال أفريقية غير مأمون ، فاتجه الحجاج إلى مصر ، ثم يسلكون طريق النيل إلى جنوبي القاهرة حيث مدينة قوص ، ومنها إلى ثغر عيذاب ، ثم يركبون البحر إلى البلاد المقدسة .

          وترتب على ذلك أن عظم شان قوص وكثرت بها المدارس والمعاهد والمساجد ، وقصدها العلماء ، وبزغ منها علماء في الحديث والفقه والنحو ، وكثر بها الأدباء والشعراء ، و كذلك عيذاب .

          ثانياً : في الجانب الاقتصادي :

          - في الجانب الإيجابي : ترويج التجارة :

          ونقل حاصلات الشرق ومنتجاته إلى أوروبا ، عن طريق جنوا والبندقية وبيزا ، وغيرها من الموانئ الأوروبية التي اشترطت للدخول في الحرب حصولها على امتيازات تجارية في ممالك الصليب بالشام .

          وأصبحت مثل عكا وصيدا وصور واللاذقية مراكز تجارية هامة حملت حاصلات الشرق لأوروبا من مثل المنسوجات القطنية والحريرية والأواني الزجاجية واللآلئ والأحجار الكريمة والعاج والأخشاب والعقاقير والتوابل التي كانت ترد للشرق الإسلامي من الشرق الأقصى .

          كل ذلك كان يأخذه الغربيون عن طريق العراق حيناً والشام حيناً لتستقر في الثغور التي احتلها الصليبيون في الشام ، ومنها تعبر البحر إلى أوروبا . كما استفادوا كذلك من بعض الثغور المصرية التي احتلوها كدمياط والإسكندرية .

          ولا شك أن هذه الاستفادة التجارية لم تكن موضع رضا المخلصين ، بسبب أنها تجارة بين صاحب الأرض والمحتل الغاصب ، كما أن استمرار الجهاد ضد المحتلين لم يعط الفرص الكافية لاستقرار التجارة .

          - الجانب السلبي : الخسائر في الأرواح والممتلكات والأموال :

          وربما أدت الحروب الصليبية إلى دمار كامل لبعض المدن والثغور ، وهذا يحدث كساداً تجارياً وخللاً اقتصادياً .

          وصاحب الحروب تعطيل لكثير من الصناعـات ، وتضييع لكثير من الحاصلات الزراعية ، واختلال الأمن ، وإشاعة للسلب والنهب ، أدى ولا شك إلى ارتفاع الأسعار لدرجة أعجزت الناس عن الحصول على ضرورياتهم .
          [CENTER] [/CENTER]

          تعليق


          • #20
            الحـروب الصليبـيـة (16 ) : نتائج الحـروب الصليـبـية في العـالم الإسلامي [2]

            تحدثنا في المقال السابق عن هذه النتائج في الجانب الاقتصادي والاجتماعي ، وهنا نكمل الجوانب الأخرى في هذا الموضوع .

            ثانياً : في الجانب السياسي :

            وتجلى هذا الأثر في مجالين هما :

            - اتحاد المسلمين وجمع كلمتهم تحت قيادات مخلصة .

            - إضعاف الدولة الرومانية الشرقية – بيزنطة – مما أدى إلى الاستيلاء عليها نهائياً ، بعد انتهاء الحروب الصليبية بزمن غير بعيد .

            أما وحدة المسلمين في مواجهة الصليبيين فقد كانت الدولة العباسية عند بدء الحروب الصليبية ضعيفة مفككة الأوصال على شكل ولايات متعادية يطمع رئيس كل ولاية أن يوسع ولايته على حساب ولاية جيرانه . وكانت الدولة الفاطمية في أضعف قواها وظروفها ، وهذا قد أدى لظهور شخصيات لمعت في جمع شمل المسلمين وتوحيد صفوفهم ضد الصليبيين ، وأشهرهم عماد الدين زنكي ، وابنه نور الدين محمود ، وصلاح الدين الأيوبي الذي دانت له مصر والشام واليمن واسترجع المسجد الأقصى من أيدي الصليبيين .

            أما إضعاف الدولة البيزنطية فقد كانت هذه الدولة سداً منيعاً في وجه الفتوح الإسلامية والتي منعت امتداد الإسلام إلى أوروبا ، فلما استغاثت الدولة البيزنطية بأوروبا ضد السلاجقة المسلمين قامت الحملات الصليبية بتقوية الدولة البيزنطية في البداية ولكن أطماع الأوروبيين امتدت نحو هذه الدولة فحرصوا على الاستيلاء على البلدان التي تقع تحت أيديهم من المسلمين وإن كانت في الأصل للدولة البيزنطية ، مما تحول إلى صراع بين قادة الصليبيين في الشرق الإسلامي وأباطرة الدولة البيزنطية ، حتى حول الصليبيون الأوروبيون الدولة البيزنطية إلى دولة لاتينية إقطاعية ، ثم استعادت بعض نفوذها من الأوروبيين لكن العثمانيين جاؤوها وقد ضعفت وتضعضعت فأزالوها .

            ثالثاً : إذكاء العواطف الدينية :

            إذ ثاب المسلمون إلى رشدهم ، وعادوا إلى مصدر عزهم وانتصارهم ، واستيقظت في نفوسهم حمية الإسلام ، وعاشت في قلوبهم آيات الجهاد وأحاديثه ، ورفعوا علم الجهاد في سبيل الله تعالى ، وظهر القادة المجاهدون المخلصون وتبعتهم الأمة ونصرتهم .

            وكره المسلمون النصارى الذين كانوا يقيمون معهم في البلدان الإسلامية ، وكذلك اليهود الذين وقفوا إلى جوار الصليبيين ضد المسلمين ، فعاملهم المسلمون بالتضييق والشجب وعدم الثقة وسحبت منهم بعض الأعمال والمناصب التي كانوا يتولونها من قبل ، وظهرت كتب ومؤلفات في الرد على أهل الكتاب وتبيين التحريف في أديانهم مثل كتاب : هداية الحيارى من اليهود والنصارى لابن القيم ، وكتاب : الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية ، وكتب في ذكر مثالب الصليبيين ومفاسدهم ، وكتب في الثناء على الحكام المسلمين الذين قاتلوهم .

            رابعاً : في التأثر ببعض العادات :
            وهي مبدأ توريث الإقطاع بأن يقطع كل أمير وقائد جند في جيشه قطعة كبيرة من الأرض بحيث يتكفل بإدارة الإقطاع والإشراف عليه مالياً وإدارياً وعسكرياً ، ويؤدي من دخله ما عليه من مال للسلطان ، وأعظم سيئات هذا العمل ظهور نظام الطبقية في المجتمع وما يتبعه من مشاعر سيئة لدى الفقراء ، وظهور منافقي السلاطين ليعيشوا من أموالهم .

            وكذلك رباطات الصوفيين و تكاياهم ، التي تشبه أديرة النصارى في بلدانهم ، فقد احترف بعض المسلمين الانقطاع للعبادة والقعود في رباطات بناها لهم السلاطين ، إيثاراً للعافية والدعة على حرب الصليبيين ، وأشاع الصوفيون بهذا روح التواكل حتى ترك كثير من الناس الجهاد مما جعل بعض الحكام يأتي بالجنود من أماكن بعيدة .

            وأخيراً انتشار الرقيق والاتجار فيه ، فقد توسع أثرياء المسلمين في اقتناء العبيد والجواري والغلمان لتمام الزينة والرونق ، وجر هذا على المسلمين فساداً أخلاقياً عظيماً وتسربت معه عادات لا يقرها الإسلام في التحية والملابس ، وظهرت أماكن أعدت للهو والغناء وشرب الخمر وغير ذلك .
            [CENTER] [/CENTER]

            تعليق


            • #21
              الحـروب الصـليـبية ( 18) : نتائج الحروب الصـليبـية على الـدول الأوروبية (2)

              ثالثاً : في النهضة العلمية والحضارية :

              إن الحروب الصليبية عرّفت دول غرب أوروبا على الحضارة الإسلامية بشكل أعمق وأعرض ، وتركت في حضارة أوروبا في عصر النهضة سمات ودلائل تشير إلى التأثر بالحضارة الإسلامية والنقل عنها .


              ففي الوقت الذي كانت الكنيسة تحرم صناعة الطب لاعتقادها أن المرض عقاب إلهي لا ينبغي للإنسان أن يصرفه عمن يستحقه ، في هذا الوقت كان المسلمون يمارسون الطب منذ زمن مبكر عن ذلك ، فقد توسع المسلمون فيه وترجموا موسوعات فارسية ويونانية وهندية في الطب إلى اللغة العربية ، وألفوا موسوعات لم يوضع لها نظير في الضخامة والتمحيص ، وكانت بعض أمهات هذه الكتب تدرس في جامعات أوروبا لمدى زمني طويل .

              أما سائر العلوم كالرياضيات والفلك وعلوم الطبيعة كالكيمياء والنبات والحيوان والمعادن والصيدلة ، فقد تفوق فيها المسلمون قبل عصر النهضة بوقت كبير ، فأخذوا يترجمون الذخائر العلمية وينقلون إلى العربية علوم الإغريق والرومان والفرس والهنود ، وأقيمت دور الكتب والمكتبات ، وفتح الخلفاء والأمراء قصورهم للعلم والعلماء وتنافسوا في رعاية العلم وأهله ، وأضاف العلماء كثيرا ًمن الآراء والنظريات التي نسبت لغيرهم .

              وبرزت أسماء كبيرة مثل : ابن مسكويه ، والخازن ، وابن خلدون ، وابن النفيس ، وابن الهيثم ، والبتاني ، والفرغاني ، والكندي ، والخوارزمي ، والبيروني ، والغافقي ، والقزويني ، وجابر بن حيان ، وابن البيطار ، وداود الأنطاكي ... وظلت مؤلفات هؤلاء العلماء المراجع المعتمدة في جامعات أوروبا حتى القرن التاسع عشر ، واعترف عدد كبير من مؤرخي العالم بفضلهم على العالم والإنسانية حتى قال قائلهم : إنه لولا أعمال العرب لاضطر علماء النهضة الأوروبية أن يبدءوا من حيث بدأ هؤلاء ، ولتأخر سير المدنية عدة قرون . وحتى قال آخر : إن كثيراً من الآراء والنظريات العلمية حسبناها من صنعنا ،فإذا العرب سبقونا إليها .

              وكانت جهود المسلمين في الجغرافية ذات أثر واضح في النهضة الأوروبية ، وبخاصة الجغرافية الوصفية والفلكية ، وكانت كتابات المسلمين وأبحاثهم وآراؤهم نبراساً اهتدى به علماء الغرب ، فلقد ظهر بين المسلمين علماء أفذاذ أضافوا إلى العلم أحسن التحقيقات عن طريق الأرصاد الفلكية ، ومشاهد الرحلات وتمحيص الروايات والمقارنة بينها لتبين السليم من الزائف .

              وقد استمر الرحالة الأوربيون يعتمدون إلى حد كبيرعلى المصادر الإسلامية في ارتياد ما كان مجهولا ًلديهم من أرجاء الأرض ، يقول جوستاف لوبون : فالعرب هم الذين انتهوا إلى معارف فلكية مضبوطة من الناحية العلمية عدت أول أساس للخرائط ، فصححوا أغاليط اليونان العظيمة في المواضع ، والعرب من ناحية الريادة هم الذين نشروا رحلات عن بقاع العالم التي كان يشك الأوربيون في وجودها فضلاً عن عدم وصولهم إليها.

              ومن أبرز آثار الحروب الصليبية في أوروبا أن أخذت بعض مدن أوروبا تنشئ مدارس لتعليم اللغة العربية ، إذ أدركوا أن تعلم اللغة العربية أمر ضروري للوصول لأهدافهم الدينية والاقتصادية ، وكان هذا سبباً في إهمال اللغة اللاتينية والإغريقية إلى حد كبير وإحياء اللغات الشعبية ، وصنفت كذلك المعاجم العربية الأوروبية لمعاونة المترجمين والمتعلمين .
              [CENTER] [/CENTER]

              تعليق


              • #22
                الحـروب الصـليبيـة ( 19 ) : نتائج الحروب الصـليبية على الـدول الأوروبية (3)

                رابعاً : في إثارة المطامع في العالم الإسلامي :

                لقد كان الهدف في الحروب الأولى دينياً في الغالب ، أما محاولة العودة للعالم الإسلامي مرة ثانية فقد سيطر عليها طمع مادي في بلدان العالم الإسلامي.


                ولقد شجع الأوروبيين على العودة لاحتلال الشرق الإسلامي بعد انتهاء الحروب الصليبية جهات متعددة :

                أولها : الكنيسة التي كانت تحلم أن تكون من أجل ذلك جيشاً أوروبياً ضخماً يعيد للكنيسة هيبتها،ويعطيها السلطة التي كانت لها على ملوك أوروبا أثناء الحملات الصليبية،ثم أضافت هدفاً آخر وهو العمل على دعوة المسلمين للدخول في النصرانية .

                ثانيها: رجال المال والاقتصاد الذين بهرهم الشرق بمصنوعاته وخاماته .

                ثالثها :ملوك أوروبا الراغبين في أن يحصلوا لتجارة ممالكهم وتجارها على أسواق رائجة وموانئ إسلامية حافلة ، عن طريق سيطرة السادة الغزاة لا المتحالفين المتعاهدين .

                وقامت هذه الجهات بالتخطيط للعودة للشرق الإسلامي ، فكان من أبرز أعمالهم في هذا السبيل :
                · الاهتمام باللغة العربية : ليسهل أمامهم التفاهم والتعرف الدقيق على هذا العالم الإسلامي تاريخه وعاداته وتراثه .

                أما الكنيسة فليسهل على رجالها نشر النصرانية بين المسلمين ، والتجار ليسهل عليهم التعامل ، والملوك ليقوم بينهم وبين بلدان العالم الإسلامي سفراء يعرفون العربية .

                فتم تصنيف معاجم عربية أوروبية تعين المتعلمين للعربية ، فصنف المعجم العربي القشتالي سنة 1505 م ، وكتاب ( وصف أفريقية ) للحسن بن الوزان المشهور بليون الأفريقي ، ونشر جيوم بوستل المستعرب الفرنسي كتاب ( جمهورية الترك ) الذي يعد نواة صالحة اعتمدت عليها أغلب الدراسات العربية واتخذها المستشرقون مصادر أساسية لما قاموا به من دراسات عن الإسلام والعرب .

                · ترجمة القرآن الكريم إلى عدد من اللغات الأوروبية : لتيسير عمل من يقومون بهذه الدعوة أو الدعاية .

                · ترجمة الإنجيل إلى اللغة العربية ، ليستعين به الداعون إلى النصرانية من جانب ، وليكون في متناول المسلمين لقراءته والاطلاع عليه من جانب آخر .

                · الاستشراق : وهو دراسة تراث الشرق وتاريخه وعاداته وتقاليده ، وقد بدأت طلائع المستشرقين تعنى بهذه الدراسات منذ القرن العاشر الميلادي إلى يومنا هذا ، وكان هدفه التمهيد لغزو أرض المسلمين .

                · إنشاء مكتبات شرقية في أوروبا : مثل مكتبة باريس الوطنية سنة 1654 م ، وفيها حوالي سبعة آلاف مخطوط عربي ، ومكتبة جامعة ستراسبورج ، ومكتبة المدرسة الوطنية للغات الشرقي الحية ..

                · إنشاء المطابع الشرقية : كمطبعة إيطاليا ، ومطبعة فرنسا .

                · إنشاء المجلات الشرقية : التي كان للمستشرقين الفرنسيين فيها جهود معروفة ، مثل صحيفة العلماء ، ومجلة الجمعية الملكية الآسيوية ، والمجلة الإفريقية ، والمجلة التاريخية ، ومجلة تاريخ الأديان وغيرها ، وبعض هذه المجلات ما زال يصدر إلى هذا اليوم .

                ولقد تولد عن هذه الأعمال احتلال ثان لكثير من بلدان المسلمين غداة تحالفت دول أوروبا الغربية والشرقية على دولة الخلافة العثمانية حتى قضت عليها وورثت أملاكها وراثة غير شرعية .
                [CENTER] [/CENTER]

                تعليق


                • #23
                  معارك تاريخية خالدة غيرت وجه التاريخ الإسلامي

                  شهد التاريخ الإسلامي في القرون الوسطى عدة حروب خاضها المسلمون ضد الغزاة الذين جاؤوا من كل حدب وصوب إلى بلادهم في المشرق والمغرب طمعاً في ثرواتها الطبيعية الوفيرة، وسعياً دؤوباً منهم لبلوغ هدفهم القديم لاحتلالها والسيطرة على موقعها الفريد ذي الأهمية البالغة على خريطة العالم·




                  وكان المسلمون في كل تلك الحروب يدافعون عن أنفسهم ودينهم الحنيف وحريتهم، وحماية لأوطانهم وحضارتهم من أولئك الغزاة ؛ مصداقاً لقول الله سبحانه وتعالى:"وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لايحب المعتدين" (البقرة : 190)وغالباً ما كانت تلك الحروب تحسم بمعارك فاصلة بين المسلمين والغزاة، كتب للمسلمين فيها النصر المبين ؛ تحقيقاً لوعد الله لهم في قوله تعالى: "أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصيرهم لقدير"(الحج : 39 ( .



                  وقوله عز وجل:" إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد"(غافر 51) .



                  وأصبحت تلك المعارك تمثل صفحات مضيئة من التاريخ الإسلامي، لكي تستفيد الأجيال من تجاربها القاسية، ونستخلص منها الدروس التي تبين عوامل النصر وأسباب الهزيمة·



                  وعرفت تلك المعارك بأسماء المواقع الجغرافية التي دارت على أرضها ، وأشهرها موقعة الزلاقة في الأندلس، وموقعتا حطين وعين جالوت على أرض فلسطين·
                  [CENTER] [/CENTER]

                  تعليق


                  • #24
                    1 ـ موقعة الزلاقة في الأندلس (479هـ- 1086م)

                    1 ـ موقعة الزلاقة في الأندلس (479هـ- 1086م)





                    عندما أخذ الوجود الاسلامي يضعف في شبه جزيرة الأندلس بسبب التفكك الذي أصابه بعد زوال الوحدة والقوة اللتين سادتا البلاد في ظل الدولة الأموية التي أسسها عبد الرحمن الداخل الملقب بصقر قريش، وبقيت زهاء ثلاثة قرون (138هـ- 422هـ، 755-1031م) ولكنها انقسمت إلى ممالك وإمارات على رأس كل منها ملك أو سلطان أو أمير·



                    ودب الخلاف والتنافس بين هؤلاء ، وغالباً ما كان ينشب بينهم الصراع وتقوم الحروب ، بل وصل العداء بينهم إلى الحد الذي دفع بعضهم إلى الاستعانة بالأعداء ضد إخوته وأبناء وطنة (1)، وعم الخوف والهلع بين سكان الأندلس بسبب الاضطرابات والحروب بين حكامها، مما شجع أعداءهم إلى غزوهم فاستطاعوا أن يستولوا على أراض واسعة ومدن زاهرة ، أهمها مدينة طليطلة التي كانت تقع وسط الأندلس، عبر عن ذلك شاعرهم عندما قال:



                    حثوا رواحلكم يا أهل أندلس ** فما المقام بها إلا من الغلط



                    الثوب ينسل من أطرافه وأرى ** ثوب الجزيرة منسولا من الوسط



                    لم يكن في قدرة دول الطوائف الدفاع عن البلاد وحمايتها من غزوات الأسبان الذين تحالفوا مع الفرنجة من الإيطاليين والفرنسيين ؛ لذلك اتجهوا إلى طلب العون والنجدة من القائد الفذ مؤسس دولة المرابطين في المغرب يوسف بن تاشفين الذي استجاب لطلبهم ولبى النداء ، وقرر نجدة الأندلس وأهلها في ذلك الوقت الذي كانت فيه تهددها الأخطار من كل جانب·



                    وكان رجلاً مؤمناً تقياً مطيعاً لأمر الله في قوله جل شأنه: " وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير" (الأنفال( 72:.



                    وبدأت قوات المرابطين الاستعداد للموقعة التاريخية ، وتتابع وصولها من جميع أنحاء المغرب إلى مضيق جبل طارق ، وعبرت إلى الأندلس وعلى رأسها قائدها يوسف بن تاشفين الذي كان عمره أنذاك ثمانين عاماً·



                    وعندما علم الفونسو السادس ملك قشتالة بعبور ابن تاشفين وجيوشه إلى الأندلس أرسل يستنجد بحلفائه من ملوك أوروبا ، وتتابعت لنجدته الجيوش من إيطاليا وفرنسا وغيرها ، وقبل القتال بعث إليه يوسف بن تاشفين يدعوه إلى الإسلام والكف عن الاعتداء على المسلمين وديارهم ، وإلا فإنها الحرب ، فأجابه الفونسو بكتاب غليظ فيه تهديد ووعيد ، وأنذره بأوخم العواقب ، ولكن يوسف بن تاشفين رد عليه بكلمات فقط قال فيها:" الذي يكون ستراه" .



                    وتأهب الفريقان للقتال في مكان يعرف بالزلاقة في وسط الأندلس ، وقبل نشوب القتال حاول الفونسو أن يخدع المسلمين في تحديد يوم المعركة ، فأرسل إليهم رسالة قال فيها:" إن غداً يوم الجمعة وهو عيدكم ، وبعده السبت يوم اليهود ، وهم كثير في محلتنا ، وبعده الأحد وهو عيدنا ، فيكون اللقاء يوم الإثنين " .



                    وعقد يوسف بن تاشفين مجلس المشورة الذي يضم كبار القوات والعلماء وأهل الرأي ، وعرض عليهم الرسالة ، فأجمعوا على أنها خدعة ، وأن الهجوم سيكون فجر الجمعة على معسكرهم من الأعداء ، واتفقوا على إرسال السرايا لاستطلاع الأخبار عند العدو ، وتأكد لهم صدق ما قالوا ، وأعلنوا الاستعداد في تلك الليلة ، وهذا أحد أبرز وأهم مظاهر اليقظة والحس الاستراتيجي لديهم الذي جعلهم يكونون على أهبة للقاء العدو عند بدء الهجوم ؛ إيماناً بقوله سبحانه وتعالى:



                    " يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعاً"(النساء 71) .



                    ودارت المعركة التاريخية صباح يوم الجمعة 12 رجب سنة 479هـ 23 تشرين أول، أكتوبر سنة 1086م واشتد القتال بين الفريقين واندحر المسلمون عن مواقعهم في بداية القتال ، ثم تقدم يوسف بن تاشفين بقوات الاحتياط التي ادخرها لهذه اللحظة ، وهم من فرسان المرابطين وحرسه الخاص من الأفارقة ، ولم يتجه إلى صفوف الأعداء مباشرة بل دار خلف خطوطهم ، واقتحم معسكرهم ومركز تموينهم مباشرة ، واستطاع أن يهزم ألفونسو وجيوش أوروبا ، ويستولى على معسكرهم ، وفر ذلك الملك وهو مجروح ، ونجا من الموت بصعوبة ·



                    وسلمت الأندلس لأهلها ، واستمرت الحضارة الإسلامية فيها بعد هذه الموقعة قرابة خمسة قرون(2) .



                    لقد أحرز المسلمون النصر في هذه المعركة الفاصلة التي تماثل معركة حطين في المشرق العربي بفضل الوحدة والإيمان بنصر الله لهم ، والثقة بالنفس ، ونبذ الخلافات وتقديم المصلحة العليا على المصالح الخاصة ، وصدق وعد الله لهم في قوله تعالى:



                    "يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم" (محمد : 7 )



                    وقد صف الشاعر الأندلسي أبو طالب بن عبد الجبار ذلك النصر فقال:



                    فإذا أراد الله نصر الدين **استصرخ الناس ابن تاشفين



                    وواصل السير إلى الزلاقة **وساقة يومها ما ساقه



                    لله در مثلها من وقعة ** قامت بنصر الدين يوم الجمعة (3 (
                    [CENTER] [/CENTER]

                    تعليق


                    • #25
                      2ـ موقعة حطين على أرض فلسطين (583هـ - 1187م ):

                      2ـ موقعة حطين على أرض فلسطين (583هـ - 1187م ):




                      في أواخر القرن الخامس الهجري( الموافق الحادي عشر الميلادي ( استطاعت الحملات الصليبية التي قادها ملوك وأمراء أوروبا ضد الشرق الإسلامي تحت "اسم الصليب" لتبرير أطماعهم في هذه البلاد وثرواتها، أن يستولوا على عدد من بلدان المشرق العربي·



                      وكانت غايتهم فلسطين لمكانتها الدينية ، ولاسيما حاضرتها القدس التي دخلوها في 23 شعبان سنة 492هـ الموافق 15 تموز/ يوليو 1099م وقد هزت هذه الهزيمة المسلمين في شتى بقاع الأرض·



                      ومنذ ذلك الحين بدأ الاستعداد لبناء القوة القادرة على مواجهة هذا الحظر ، وتحرير الأرض ، واسترجاع بيت المقدس ، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين إلى حظيرة الإسلام·



                      وطبق المسلمون قول الله تعالى : "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون" (الأنفال : 60) .



                      واستمر ذلك حوالي قرن من الزمان ، وكان صلاح الدين الأيوبي يوسف بن أيوب، مؤسس الدولة الأيوبية التي ضمت تحت جناحها مصر والشام ، هو القائد المحنك والسياسي المجرب الذي تحقق على يديه النصر في موقعة حطين التي جرت على أرض فلسطين في 17 ربيع الثاني 583هـ الموافق 4 تموز / يوليو 1187م·



                      فبعد سنوات من الإعداد المنظم والحشد الاستراتيجي السياسي والعسكري الذي تولى القيام به صلاح الدين بنفسه، ونجاحه في توحيد مصر وسوريا، ووضع قواتهما تحت قيادته الحكيمة ، قرر أن يضع حداً للجرائم التي ارتكبها أمير الكرك المعروف بأرناط ضد المسلمين ، وتعرضه المستمر لقوافل الحج الذاهبة إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة ؛ مخالفاً بذلك ما كان بين المسلمين وبينه من اتفاقات للهدنة·



                      فوضع صلاح الدين خطة حربية محكمة، وأحسن اختيار الزمان والمكان المناسبين للمعركة المنتظرة ، فتقدمت الجيوش تحت قيادته من الشرق نحو فلسطين ، وبدأ بمحاصرة مدينة طبرية ، وهي مهمة بالنسبة للصليبيين ، ثم أسرع واستولى عليها ، وأحاط بها من كل جانب، وأحكم قبضته على مصادر المياه في المنطقة كلها ·



                      عندئذ تجمعت جيوش الصليبيين ، وحاولت مهاجمته ، والتقدم لاسترجاع طبرية·



                      وهذا ما أراده منها صلاح الدين فقام على الفور بمحاصرتها في وادي ضيق بين الجبال ، ومنعهم من الوصول إلى خزانات المياه ، وهي مادة حيوية في الحروب مثل النفط في عصرنا ، لاسيما أن المعركة دارت في فصل الصيف شديد الحرارة في هذه البقعة من فلسطين·



                      وبعد أن حاصرهم حصاراً محكماً، وبلغ منهم الجهد مبلغه فتح لهم ثغرة ضيقة للاندفاع منها ، واستطاعت قواته أن تهجم عليهم من كل جانب، ودارت معركة حامية بين الطرفين ، ورجحت كفة صلاح الدين الذي حقق النصر المبين على جيوش الصليبيين·



                      وكانت هزيمتهم في حطين بداية النهاية لاحتلالهم للشرق الإسلامي ، وتقدم صلاح الدين لتحرير بيت المقدس ، وظفر بذلك ودخلها في 26 رجب سنة 583هـ الموافق/ تشرين أول/ أكتوبر سنة 1187م أي بعد نصر حطين بثلاثة أشهر فقط (4).



                      ولما كان هذا النصر يبدو بعيداً في ظل ما كان يعاني منه المسلمون في ذلك الزمان من ضعف فقد وصفه نائب صلاح الدين عماد الدين الأصفهاني بقوله: " أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون" (5)·



                      وعلى عكس ما فعل الصليبيون عند احتلالهم للقدس ، وقيامهم بارتكاب مذابح ضد السكان ، دون تمييز بين المسلمين أو النصارى الذين كانوا يعيشون جنباً الى جنب قروناً عديدة تحت راية الحضارة الإسلامية والدين الإسلامي الحنيف ، فقد عفا صلاح الدين عن الأسرى من النساء والأطفال والشيوخ والعجزة ، وقدم لهم العون والمساعدة التي تبلغهم بلادهم لمن أراد العودة منهم، وأمن من رغب في البقاء·



                      يصف ذلك الشاعر أبو الفوارس سعد بن محمد فيقول(6(:



                      ملكنا فكان العفو منا سجية ** فلما ملكتم سال بالدم أبطح
                      وحللتم قتل الأساري وطالما ** غدونا على الأسرى نمن ونصفح
                      وحسبكم هذا التفاوت بيننا ** وكل إناء بالذي فيه ينضح
                      وقال المؤرخ الإنجليزي " لين بول "عن فتح بيت المقدس:



                      " لو لم يكن لصلاح الدين من الأعمال الثابتة إلا أخذه بيت المقدس لكان ذلك كافيا لجعله أعظم الفاتحين في عصره ، وأكبرهم قلباً ، بل لعله كان كذلك في أي عصر من العصور(7).
                      [CENTER] [/CENTER]

                      تعليق


                      • #26
                        3 ـ موقعة عين جالوت (658هـ - 1259م):

                        3 ـ موقعة عين جالوت (658هـ - 1259م):

                        بلغت موجات الغزو التتاري لأقطار الشرق الإسلامي أوجها باحتلال بغداد عاصمة الخلافة العباسية ، وتدميرها وحرق ، وإغراق كنوز العلوم الإسلامية ومؤلفاتها في مياه نهر دجلة والفرات·



                        وتقدمت جحافل جيوشهم بقيادة هولاكو نحو دمشق ، ودخولها سنة 658هـ الموافق 1259م عندئذ أرسل هولاكو رسالة إلى السلطان المظفر قطز في مصر يهدده فيها ، ويطلب منه التسليم والخضوع لقادته الذين أرسلهم لتسليم البلاد منه ، فعقد السلطان قطز مجلس الشورى ، وعرض الأمر على القادة والأمراء والعلماء ، واتفقوا جميعاً على محاربة التتار ، والدفاع عن ديار الاسلام ·



                        وتم إعلان النفير العام ، وتوفير الأموال ، وحشد الجيوش ، وتعيين قائد عام لها هو الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري ، وسارعت الجيوش بالتقدم نحو الشام لمحاربة التتار هناك ·



                        ومثل هذه المبادرة أعطت المسلمين ميزة المفاجئة بالهجوم على عدوهم ، وإرباك خططه وإفشالها·



                        هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى قوت الروح المعنوية للمسلمين ، وجعلتهم يشعرون بالثقة في النصر ، وبذلك قطعوا منتصف الطريق نحو الفوز على عدوهم·



                        وفي يوم الجمعة 25 رمضان سنة 658هـ دارت أكبر معركة عرفها التاريخ الإنساني بين الحضارة الإنسانية تحت لواء الإسلام وبين قوات التخلف والهمجية التي كان يمثلها التتار أنذاك ، وثبت المسلمون في ميدان المعركة ، واستطاعوا أن يحققوا النصر·



                        وتراجعت قوات التتار إلى الخلف ، وبدأت في الانسحاب من الشام ، ثم واصلت انسحابها إلى أن عادت متقهقرة ، ودخل كثير منهم الإسلام(8 ) .



                        وقد اعترف الكثير من الكتاب الغربين المعاصرين أنه لولا انتصار المسلمين على التتار في عين جالوت لكان هناك شك في أن تبقى الحضارة الأسلامية وتراثها العريق ، أو تنهض الحضارة الأوروبية الحديثة ،
                        [CENTER] [/CENTER]

                        تعليق


                        • #27
                          جزاك الله خير اخي ابو فيصل



                          تعليق


                          • #28
                            وين ما اروح الا قيك يا شيخ ابو فيصل الحربي ماشاء الله عليك ثقافة عالية
                            الله يزيدك من علمو اكثر
                            والله انك بتستاهل كل خير
                            [COLOR="Red"][SIZE="7"]من وجد الله فماذا فقد
                            ومن فقد الله فماذا وجد[/SIZE][/COLOR]

                            تعليق

                            يعمل...
                            X