إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الحروب الصليبه

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحروب الصليبه

    علاقة الشرق بالغرب :
    تعد فتوحات الإسكندر السبب في مجيء الإغريق والرومان إلى المسرح الشرقي ، وكان هذا أول التقاء حضاري بين هذين العالمين.
    وكان من نتائج هذا التفاعل الحضاري نشوء حضارة جديدة أطلق عليها الحضارة (الهلنستية) تمييزاً لها عن الحضارة (الهلينية) التي تعني الحضارة الإغريقية في البلاد الأم ، وأصبحت الحضارة (الهنستية) الحضارة التي تميزت بها بلدان الشرق الأدنى في القرون الثلاثة التي سبقت المسيحية.
    وكان غزو الإسكندر للشرق هو بداية لتطلع الغرب لخيرات الشرق واحتلاله ، فعندما حلت الإمبراطورية الرومانية محل الإمبراطورية الإغريقية بعدما تغلبت روما على إسبرطة وأثينا ، احتلت سوريا سنة 64 ق.ب وانتهت بضم مصر إليها ، ثم غزت شمال إفريقيا بكامله بعد قضائها المبرم والنهائي على مدينة (قرطاجنة) التي صيرتها خراباً إلى يومنا هذا ، وذلك بعد حرقها وتدميرها وزرع أرضها بالملح حتى لا تنبت مرة أخرى ، وبلغت حدود الإمبراطورية الرومانية من المحيط الأطلسي غرباً إلى الصحراء السورية العربية شرقاً.
    وهكذا نجد أن علاقة الغرب بالشرق التي بدأت منذ الحروب الفارسية اليونانية إلى الحروب الرومانية مررواً بالفتوحات الإغريقية أدت إلى وصول الإغريق والرومان إلى هذه الأصقاع التي استعمروها سياسياً وحضارياً ، وكان لها أثر بالغ من الناحية الاقتصادية باحتلال هؤلاء الغزاة للموانئ العربية ، وإقامة مراكز تجارية بها ، كما عززوها بقواعد عسكرية لحماية تلك التجارة ، وهنا نتوقف وقفة : إذ نجد التاريخ يعيد نفسه ، فهاهو الحضور الغربي في الخليج العربي لحماية مصالحة الاقتصادية والسياسية والعسكرية ابتداء من الاحتلال البرتغالي مروراً بالانتداب البريطاني وانتهاء بالاحتلال الأنجلو أمريكي للعراق ، ووجود قواعد عسكرية أمريكية في الخليج.
    هذه بداية كان لا بد منها لمعرفة أبعاد وجذور علاقة الغرب بالشرق قبل الإسلام ، وأنها كانت علاقة قائمة على تفاعل حضاري وتبادل تجاري من ناحية ، وتطورت إلى أن أصبحت علاقات قائمة على أطماع ، ومصالح اقتصادية.
    لقد جسد المشروع الصليبي عصبية الغرب تجاه الإسلام وهذا ما اعتبره توماس أرنولد بمثابة (حركة روحية أوضحت نفسها بنظام روحي ، ووصفها بأنها عبارة عن حرب مقدسة ، حرب عادلة عند رجال الدين من الوجهة النظرية ، فضلاً عن أنها حرب مباركة يصح أن يعول الناس مصائرهم عليها ، حرب أشعلت في سبيل القضية النصرانية ، ووحدت مصدر قوى المسيحية كلها في إطار عداء جمعي ضد خصمها الألد في الدين) ، بينما يرى المستشرق الروسي (اليكسي فاسيلينتس جورافكسي) أن الدراسات الأوروبية المعاصرة حول الإسلام قد تشكلت على مدى أربعة عشر قرناً تقريباً من تجاور الإسلام والمسيحية أو من وجودهما المشترك ، ويقرر في موضع آخر أن التصورات الأوربية عن الإسلام قد تشكلت ما بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر للميلاد ، في كثير من جوانبها وخطوطها الكبرى على خلفية التفسير المسيحي الشرقي للعقيدة الإسلامية ، مشيراً في ذلك إلى مؤلفات (يوحنا الدمشقي) التي ناقش فيها الإسلام كبدعة ، وأن المسلمين لا يعتقدون بألوهية المسيح وصلبه ، وأن يوحنا يرفض أن محمداً صلى الله عليه وسلم نبي الله وهو خاتم المرسلين ، وأن القرآن كلمة الله المنزلة إلى محمد صلى الله عليه وسلم من السماء إذ يرى أن سلسلة الرسالات النبوية ختمت بيوحنا المعمدان ولم تكن الكوميديا الإلهية لدانتي الإيطالي ، وقصائد لوجيت الإنجليزي سوى أمثلة على تلك العصبية الغريبة التي وضعت الإسلام أمام محكمة تاريخية ودعت إلى إعدامه ونفيه خارج عقل الغرب وروحه.
    بواعث الحروب الصليبية:
    للحروب الصليبية أسباب دينية واقتصادية واجتماعية وسياسية سأتعرض لكل منها بشيء من التوضيح.
    1-الأسباب الدينية:
    يثبت التاريخ أن المسيحيين عاشوا دائماً في كنف الدولة الإسلامية عيشة هادئة هنيئة ، تشهد عليها الرسالة التي بعث بها (ثيودسيوس) بطرق بيت القدس سنة 869 إلى زميله (اجناتيوس) بطرق القسطنطينية والتي امتدح فيها المسلمين وأثنى على قلوبهم الرحيمة وتسامحهم المطلق حتى أنهم سمحوا للمسيحيين ببناء مزيد من الكنائس دون أي تدخل في شؤونهم الخاصة. وقد قال بطرق بيت المقدس بالحرف الواحد في رسالته : (إن المسلمين قوم عادلون ونحن لا نلقى منهم أي أذى أو تعنت).
    وهذا وإن تعرض بعض المسيحيين أحياناً في بعض البلدان الإسلامية لنوع من الضغط أو الاضطهاد ، فتلك حالات فردية شاذة شذت عن القاعدة العامة التي حرص الإسلام عليها دائماً. وهي التسامح المطلق مع أهل الكتاب ، وإذا كان بعض المؤلفين الأوربيين قد تمسكوا بهذه الحالات الفردية ، وأرادوا أن يتخذوها دليلاً على تعسف حكام المسلمين مع المسيحيين في عصر الحروب الصليبية ، فلعل هؤلاء الكتاب نسوا أو تناسوا ما صحب انتشار المسيحية ذاتها من اضطهادات ومجازر بدأت منذ القرن الرابع للميلاد ، واستمرت حتى نهاية العصور الوسطى ، ويكفي أن أذكر ما قام به خلفاء الأمير قسطنطين الأول من اضطهادات لإرغام غير المسيحيين على اعتناق المسيحية ، وما قام به شارلمان في القرن الثامن من فرض المسيحية على السكسون والبارفيين بحد السيف حتى أنه قتل من السكسون في مذبحة (فردن) الشهيرة أكثر من أربعة آلاف فرد جملة واحدة ، وما ارتكبه الفرسان التيتون ، وفرسان منظمة السيف من وحشية وقسوة بالغة في محاولتهم نشر المسيحية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر من البروسيين واللتوانيين وغيرهم من الشعوب السلافية قرب شاطئ البحر البلطي ، هذا إضافة إلى ما قام به المنصرون (الجزويت) في القرن السابع عشر من عنف لنشر المسيحية في الهند.
    مما سبق يتبين لنا أنه لم يكن هناك اضطهاد ديني لمسيحي الشرق من قبل المسلمين يبرر قيام هذه الحملة الصليبية على الإسلام وبلاده ، والتي امتدت أكثر من قرنين من الزمان (1092- 1295م) ، ولكن دعاة الحملة الصليبية الأولى ، وعلى رأسهم (البابا أوريان الثاني) قد استغلوا فكرة الاضطهاد للاستهلاك المحلي للدعاية لمشروعهم في غرب أوروبا ،
    [CENTER] [/CENTER]

  • #2
    أطماع البابوية الحقيقية:
    لقد كانت للبابوية أهداف وأطماع وراء الحروب الصليبية على المسلمين متذرعة برفع الظلم والاضطهاد عن المسيحيين في الشرق ، كما أراد أن يكون الزعيم الروحي لجميع المسيحيين في الشرق والغرب.
    ويذكرنا هذا بتصريح بابا الفاتيكان الذي أعلن في المجمع المسكوني الذي عقد عام 1962 – 1965م باستقبال الألفية الثالثة بلا إسلام ، وقد كان من قرارات المجمع الفاتيكاني الثاني : اعتبار المسيحيين هم شعب الله المختار ، ونشر الإنجيل على كافة البشر ، والتأكيد على عصمة البابا من الخطأ ، واقتلاع الديانات الأخرى ، وبخاصة الإسلام.
    ولنتوقف هنا عند كلمة (مسكوني) ماذا يعني هذا المصطلح ؟ مصطلح (مسكوني) يدل على (الأرض المسكونة) وهي في القرنين الرابع والخامس للميلاد مساحة الإمبراطورية اليونانية والرومانية وبهذا يطلق على البطريرك الأرثوذكسي في القسطنطينية (العاصمة الثانية للإمبراطورية الرومانية) لقب البطريرك المسكوني وعلى مستوى الكنيسة تدل صفة المسكوني على لقاءات الأساقفة (مجامع) للبحث في المسائل المختصة بالكنيسة كلها ومنذ مطلع القرن العشرين استعمل لفظ مسكونية لوصف الجهود المبذولة لجمع شمل المسيحيين في كنيسة واحدة ، وفي الأدبيات المسيحية تصريح بأن (الحركة المسكونية) ترقى بنشأتها إلى مؤتمر (الإرساليات التبشيرية العالمي) المنعقد في أدنبرة استكلندا عام 1910م والكلام عن (الحركة المسكونية) كان يعني أولاً السعي للنهوض بوحدة الكنيسة ، وثانيا بوحدة البشرية ، وذلك عبر التنصير والإرساليات ، وعبر العمل الاجتماعي في العالم غير المسيحي. إن الحركة التنصيرية العالمية أو (الوحدة في العمل التنصيري) شكلت الولادة الحقيقية للعمل المسكوني وللحركة المسكونية ، وفي ذاكرة المسلمين والمسيحيين في الشرق صور أليمة ومريرة عن المواجهة مع الحركات التنصيرية.


    2-الأسباب الاقتصادية :
    تتلخص الأسباب الاقتصادية في سوء الأحوال الاقتصادية في غرب أوربا لدرجة اضطرت الناس لأكل الأعشاب والحشائش في جو مشحون بالحرب المحلية بين الأمراء الإقطاعيين مما أضر بالتجارة والزراعة فكانت الحروب الصليبية طريقاً للخلاص من الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي عاشوا فيها بتحريض من اليهود ، فحشد للحرب كل المعدمين والفقراء والمساكين الفارين من القانون ، من الذين يفكرون في بطونهم قبل أن يفكروا في عقولهم أو بدافع من دينهم بدليل ما قاموا به طوال طريقهم إلى القسطنطينية من أعمال العدوان والسلب والنهب ضد الشعوب المسيحية التي مروا بأراضيها مما يتعارض مع أي وازع ديني.
    مصالح البندقية وجنوا وبيزا :
    فقد حرصت كل من (البندقية وجنوا وبيزا) لتحقيق أكبر قسط من المكاسب الذاتية على حساب البابوية والصليبيين جميعاً ، ويؤكد هذا ما قامت به البندقية من تضليل حملة صليبية كبرى ، حيث وجهتها نحو القسطنطينية ، وليس غزو مصر.
    وهكذا نجد أن الحرب الصليبية صبغت من أول أمرها بصيغة اقتصادية استغلالية واضحة ، فكثير من الذين شاركوا في هذه الحروب لم يفعلوا ذلك لخدمة الصليب وحرب المسلمين ، وإنما جرياً وراء المال وجمع الثروات ، وإقامة مستعمرات ومراكز ثابتة لهم في قلب الوطن العربي بغية استغلال موارده والمتاجرة فيها ، والحصول على أكبر قدر ممكن من الثروة.
    ونجد ذلك لا يختلف عن البواعث الاقتصادية للحروب الأمريكية على البلاد العربية والإسلامية ، وإن حل البترول في زمننا هذا محل الأطماع الاقتصادية الأخرى ، فأطماع الغرب من ثروات الشرق ليست وليدة العهد وجري الجمهوريات البحرية الإيطالية وراء جمع مال وثروات البلاد العربية

    ومما يجدر الإشارة إليه أنه كما كان لليهود دور في إشعال فتيل الحروب الصليبية ، كان لهم دور في الحرب الراهنة على الإسلام والمسلمين ،


    في ذلك الوقت كانت الحرب مجرد شبح يثير القلق والمخاوف ، أما الآن وبعد أن أصبحت حقيقة واقعة فإن موران ممنوع من الكلام ذلك أن المجموعة اليهودية التي دفعت الولايات المتحدة إلى الحرب تمارس كل ما لديها من نفوذ للتشهير بالسيناتور الكاثوليكي لحمله على الاستقالة من عضوية الكونجرس.
    3-الأسباب السياسية :
    لم تكن بواعث خروج ملوك أوروبا للحروب الصليبية من أجل حرب المسلمين ، ولكن لوقوعهم تحت ضغوط البابوية ذات النفوذ الكبير آنذاك ، فلا يستطيع ملك من ملوك الغرب أن يعصي لها أمراً ، أو يرد لها طلباً ، وإلا تعرض للحرمان والطرد من الكنيسة ورحمتها ، فلا يستطيع الاحتفاظ بعرشه أو بولاء شعبه.
    أما الأمراء الذين أسهموا في الحروب الصليبية ، فمعظمهم كان يجري وراء أطماع سياسية لم يستطيعوا إخفاءها قبل وصولهم إلى الشام ومعظم هؤلاء الأمراء كانوا لا يملكون إقطاعا في بلادهم بموجب نظام الأكبر ، ويؤكد هذا صراع هؤلاء الأمراء فيما بينهم ، وكيف أنهم أخذوا يقسمون الغنيمة وهم في طريقهم إلى الشام.
    يضاف إلى ذلك رغبة طبقة الخدم والفلاحين في الخلاص من ظلم الأمراء ولو بالموت أثناء الحرب ،

    وفي النهاية أقول : إن بواعث الحروب الصليبية التي تعرضنا لها في الفترة من (1091 – 1295م) هي ذاتها بواعث الحرب الحالية المعلنة على العالم الإسلامي تحت مسمى محاربة الإرهاب والتي ستطول ولا نعلم مداها لأن قائمة الدول التي سوف تعلن الحرب عليها طويلة ، وإن اختلفت في مصطلحاتها ومفرداتها ، مع إضافة البواعث الثقافية إليها ، وهي فرض الثقافة الصهيو أمريكية علينا ، وتحقيق المشروع الصهيوني في إقامة دولة إسرائيل الكبرى.
    وهذا يؤكد أن النزعة الاستعمارية لدى الغربي نزعة متأصلة فيه ذات جذور عميقة بدأت منذ عهد الإسكندر ، وامتدت إلى أيامنا هذه ، وبواعثه وأهدافه ومبرراته هي هي لا تتغير ، ولكننا نحن لا نقرأ التاريخ ، ولا نستفيد من دروسه.
    [CENTER] [/CENTER]

    تعليق


    • #3
      الحـروب الصـليـبية(1) :أسباب قيام الحروب الصليبية

      أسباب هذه الحروب الصليبيةالحاقدة التي شنها الغربيون على الأمة الإسلامية .

      و يمكن إجمال هذه اٍلأسباب فيما يلي :


      1- قوة دولة السلاجقة :


      فإن الدولة السلجوقية قامت للدفاع عن المسلمين ضد أعدائهم ، لذلك بدأت أولاً بمحاربة البويهيين الشيعة الذين سيطروا على الخلافة في بغداد ، وبعد أن قضوا عليهم اتجهوا إلى العبيديين الإسماعيليين في مصر والشام ، فطهروا منهم الشام وألجاؤوهم إلى مصر ، وفي نيتهم القضاء على دولتهم كلها ، ثم التفت السلاجقة للبيزنطيين في القسطنطينية فحصنوا آسيا الصغرى [ تركيا ] ، واستولوا على مدينة نيقية التي تطل على الساحل الشرقي لبحر مرمرة وتقابل مدينة القسطنطينية ، وحصنوها وأعدوها لحروب طويلة .

      هذا الجهاد السلجوقي أخاف كلاً من البيزنطيين والعبيديين فالتجاؤوا إلى بابا الكاثوليك لنجدتهم وأغروه بالمقدسات النصرانية التي ببلاد المسلمين وبالخيرات الكثيرة عندهم .

      2- لما قامت الحروب في بلاد الشام بين السلاجقة والعبيديين تعرض كثير من النصارى الأوروبيين الحجاج للأماكن المقدسة عندهم ببلاد الشام ، لكثير من الخطـف والأسـر والقتل ، خاصة وقد كثر حجـهم في تلك الفترة ، وهذا ما جعل بطـرس الناسك أحد الرهبان الفرنسيين الذي حضر حجهم يحقد على المسلمين وسيطرتهم على بيت المقدس ، فعاد إلى أوروبا يحرض الناس على قتال المسلمين ، وذهب ملوك أوروبا ، وإلى البابا الكاثوليكي أوربان الثاني فحرضه أيضاً ، فسر به البابا وحثه على مواصلة التحريض .

      3- الحقد المتأصل في نفوس كثير من النصارى على الإسلام وأهله ؛ لقوته وسرعة انتشاره ولوراثته الأديان السابقة .

      4- الحالة الاقتصادية المتردية في أوروبا حيث المجاعات والفقر الذي كان يفتك بهم ، وحرص أمرائهم على زيادة ممتلكاتهم وثرواتهم ، وحـرص العامة على التخلص من النظام الإقطاعي الطبقي الذي يعيشون في قاعه .
      [CENTER] [/CENTER]

      تعليق


      • #4
        الحـروب الصـليبـية (2) : الحمـلة الصليبية الأولى

        ومؤرثها هو البابا إيربان الثاني الذي اختير بابا لروما عام 481هـ وبعث رسائله إلى أساقفة فرنسا والبلاد المجاورة يطلب إليهم الاجتماع به في كليرمونت بفرنسا عام 489هـ .


        وانعقد مجمع كليرمونت في نوفمبر 1095 م،وشهده نحو ثلاثمائة من رجال الدين، وأعـلن البابا أنه سيلقي بياناًَ هاماً بعد أيام .. ووصف البابا في خطابه ما يلقاه الحجاج المسيحيون أثناء سفرهم من العذاب والمتاعب،ودعا إلى الحروب الصليبية، ونادى الأمراء بترك الخـلافات القائمة، وقدم لهم الصليب، ثم قال: فلينطلق المسيحيون بالغرب لنجدة الشرق ... ومن يلق مصـرعه في المعركة تحلل من ذنوبه وغفر الله له أخطاءه ... فلا ينبغي التمهل والإرجاء، فليستعدوا للمسير عند حلول الصيف، وليكن الله هاديهم .

        وكانت الاستجابة سريعة إذ تخلل الخطاب هتافات الحاضرين : هكذا أراد الله ، ولما انتـهى من خطابه نهض من مجلسه أسقف لي بويه فركع أمام عرش البابا والتمـس مـنه الأذن أن يلحق بالحملة المقدسة، ثم ركع الكاردينال جريجوري وأخذ يتلو بصوت جهـوري قــدّاس الاعتراف فيردده وراءه جموع الحاضرين ، فلما انتهت الصلاة نهض البابا وتلا التحلل وأمر سامعيه بالانصراف إلى بلادهم،وطلب إيربان الثاني من الأساقفة أن يباشروا قيادة الحـروب الصليبية بأنفسهم .

        وانقسمت الجيوش في الحملة الصليبية الأولى إلى قسمين : قسـم على مستوى الشعـوب والفقراء وسـمي حمـلة الشعـوب، وقسـم عـلى مستوى الأمـراء والحـكام والقـواد والإمبراطورالبيزنطي .

        أ- حملة الشعوب :

        ويقودها بطرس الناسك، وكان مؤلفاً من الفلاحين وأهل المدن وصغار النبلاء وبعض قطاع الطرق والمجرمين،ولم تكن تنظمهم رابطة ما إلا أن تكون رابطة الحماس لغـزو الشـرق الإسلامي والاستيلاء على الأراضي التي تفيض عسلاً ولبناً والاستيلاء على قبر المسيح .

        وتحرك بطرس ومعه هذه الجموع حتى وصلوا كولونيا في إبريل 489هـ، وتريث بطرس حتى انضم له بعض الألمان وحصل على المؤن لجيشه، ثم غادرها بعد أسبوع راكباً حماره متجهاً إلى المجر والألمان على خيولهم وبقية الجيش كانوا مترجلين ، وتبعه كذلك مجموعات ممن ألهبت كلمات الكنيسة حماسهم، وكان هذا الجيش يهاجم بعض القـرى الأوروبيـة في طريقه وينهبها وحاصر بعضهم مدينة سملن في المجر واستولوا على قلعتها وصرع هناك ما يقرب من أربعة آلاف مجري، ثم ولوا مسرعين باجتياز نهر الساف إلى الأراضي البيزنطية خوفاً من انتقام ملك المجر .

        ووصل بطرس ومن معه إلى مدينة صوفية، ثم تحركوا حتى وصلوا القسطنطينية في أول أغسطس ، وهناك انحازت له جموع أخرى من الإيطاليين ، ثم عبروا البسفور إلى آسيا، وكانوا في طريقهم ينهبون ويسلبون، واقتـرح إمبراطور بيزنطة ألكسيوس على بطرس أن ينتظر حتى تصل القوات الصليبية المنظمة قبل أن يشن هجومه ولكن قواد بطرس أغراهم السلب والنهب وظلوا يواصلون زحفهم حتى أصبحوا على أبواب نيقية عاصـمة السلطان السلجوقي قلج أرسلان، وغنموا ما وقع بأيديهم وأتوا شنائع عظيمة منها: أنهم كانوا يشوون الأطفال على السفافيد، ثم خرجت جماعة منهم ينهبون متجاوزين نيقية حتى وصلوا إلى قلعة اكسير يجور دون واحتلوها غير أن الجنود المسلمين أرغموهم على الاستسلام .

        وهاجمت فرقة أخرى من الصليبيين القرى والمدن الإسلامية، وانشـق القـواد بعضهم على بعض، وتحركت مجموعة فرنسية منهم إلى نيقية، وفي الطريق كمن لهم من الجنود المسلمين من أصلوهم ناراً وردوهم على أعقابهم إلى قلعتهم، بل اقتحموا عليهم القلعة وهزموهم هزيمة منكرة وأسروا منهم أعداداً كبيرة، فضلاً عمن قتلوهم، وطاردوهم إلى قلعة أخرى كان قد فر منهم إليها عدد منهم وهناك قضوا عليهم .
        [CENTER] [/CENTER]

        تعليق


        • #5
          الحـروب الصـليبـية (2) : الحمـلة الصليبية الأولى

          ب- حملة الأمراء والامبراطور البيزنطي :


          وهي أكثر نظاماً وأدق إحكاماً فقد سبقها جمع الأموال وتجهيز الأدوات والآلات وإعـــداد الجيوش، وشارك فيها أبناء ملوك أوروبا والأمراء من فرنسا وإيطاليا وإنجـلترا واسكتلنده وغيرها، وقد أمرهم البابا أن يجتمعوا خارج أسوار القسطنطينية،ولما وصلت هذه الجيوش إلى القسطنطينية كان الإمبراطور البيزنطي يأخذ العهود والأيمان والمواثيق عـلى أمـراء الغرب الغازين على أن يمنعوا جنودهم من النهب في أراضيه، فرفضوا أولاً وبدأوا فمنع عنهم المؤن ثم أعطوه القسم على الاعتراف به سيداً على كل ما يفتحونه من بلاد المسـلمين وعلى أن لا يدخلوا القسطنطينية؛ وذلك أن الإمبراطور وإن كان قد استغاث بالغربيين إلا أنه خشي من هذه الجيوش الجرارة على نفسه وملكه بعدما رأى من كثرتها وقوتها .

          وبعد أن عبرت هذه الجيوش البوسفور تنفس الإمبراطور الصعداء بعد أن تم التفاهم والتخطيط لمواجهة المسلمين بين الصليبيين الغربيين والصليبيين البيزنطيين .

          وكان هدف الجيوش كلها هو الاستيلاء على نيقية عاصمة السلاجقة، واختـارت أن تهـاجم المدينة في غيبة سلطانها قلج أرسلان الأول، وحوصرت نيقية،وانضم مع الجيوش القادمة من بقي من حملة الشعوب ووصل السلطان السلجوقي للمدينة وحاول الدخول ودارت المعـركة يوماً بأكمله ولكنه لم يستطع الدخول وانسحب الصليبيون بعد أن خسروا أرواحاً كثيرة وطلبوا مدداً بحرياً من الإمبراطور فأعانهم ولكنهم لم يستطيعوا الدخول وإنما استسلم سكان المـدينة وكان معظمهم من المسيحيين ودخلها جيش الإمبراطور ليلاً بعد حصار دام حوالي شهر من الزمان .

          ونقل السلطان مقره إلى قونية فأخذت الجيوش الصليبية أهبتها للزحف على قونية مستعينين بفرق من الجيش البيزنطي فضلاً عن الإمدادات والمؤن، وحينما كان الصليبيون ينصـرفون لمحـاربة المسلمين في داخل آسيا الصغرى كان البيزنطيون يتجهون لمحاربة المسلمين في الشواطئ الغربية لها .

          ثم احتل الصليبيون نيقية بعد أن انسحب السلطان السلجوقي منها، وتوالت عليهم الإمدادات من أوروبا وهم في طريقهم إلى الشام ، ثم احتلوا فريجيا وضـورليوم وهرقـلة ، ثم انقسـمت الجيوش الصليبية قسمين : الأول اتجه صوب قيليقية والثاني صوب قيصرية، واستولوا عليها ثم بلاكنتيا ثم مرعش وأقاموا بها أياماً ، وأما الإمبراطور البيزنطي فاستغل الفرصة وهـاجم أزمير وإفسوس وليديا وغـرب فريجيا واستولى بذلك على الجـزء الغربي من الأناضـول ،بسبب انقطاع هذه المدن عن دولة السلاجقة، وكان استيـلاء البيزنطيين على الأناضول من أبرز نتائج الحملة الصليبية الأولى ... يتبع
          [CENTER] [/CENTER]

          تعليق


          • #6
            الحــروب الصليبـية (3) : تتمة الحملة الصـليبية الأولى

            اختلف القادة الصليبيون بعضهم مع بعض ، فاتجه بعضهم ( بلدوين البولوني ) إلى الرهـا تلبية لدعوة أميرها المسن الضعيف الذي لاعقب له ، فدخلها وفاوض حـاكم الرها على أن يتبناه ويجعله وريثه في الملك في مقابل حمايته له من أعدائه .

            وقامت بعد ذلك بقليل ثـورة أهـلية في الرها قتلت حاكمها فانتقلت مقاليدها إلى بلدوين الذي أسس بها إمارة نصـرانية لاتينيـة ، وكان يطمح بتأسيس دولة صليبية في أرمينيا ، وقد دعمه في الأمر الأرمن .

            وسار باقي القادة إلى أنطاكية، فألقوا الحصار عليها ودخلوها عنوة عام 491 ، بعد حصـار دام سبعة أشهر، وقتلوا من أهلها أكثر من عشرة آلاف ، ومثلوا بالقتلى وبالناس وفعلوا أبشع الجرائم، وولوا عليها أحدهم ( بوهيمند الإيطالي ) ، وقد استقبل النصارى من أهلها والأرمن الصليبيين بكل ترحاب .

            ثم اتجهوا بعدها نحو بيت المقدس، فسار لقتالهم كربوقا صاحب الموصل، وصـاحب دمشق دقاق، وصاحب حمص جناح الدولة، غير أن الصليبيين قد انتصروا عليهم، ودخلوا معـرة النعـمان، ووصلوا إلى بيت المقدس ودخلوها عام 492، بعد حصار دام واحداً وأربعين يوما ، ًولمالم يصل حامية القدس المدد من مصر حيث الدولة العبيدية استطاع الصليبيون اقتحـام المدينة ، ولم يكن أمام الجنود إلا الاحتماء بالمسجـد ، بعد أن قاوموهم ما استطاعوا ، وقد تبعهم الصليبيون داخل المسجد وذبحوهم بوحشية بالغة ،ونهبوا قبـة الصـخرة ، وقتلوا من أهلها أكثر من سبعين ألفاً ، وخاضت ببحر من الدماء ، وانتخب جودفري الفرنسي ملكاً على بيت المقدس ، وأخذ لقب حامي قبر المسيح .

            وكان العبيديون ( الملقبين زوراً وبهتاناً بالفاطـميين ) قد استغـلوا تقـدم الصلبييـن من الشمال،فتقدموا هم من الجنوب ودخلوا بيت المقدس وطردوا السلاجـقة منها قبل وصول الصليبيين إليها ، وجرت مفاوضات بين الأفضل الجمالي الوزير العبيدي وبين الصليبيين على أن يكون شمال بلاد الشام للصليبيين وجنوبيها للعبيديين ، ثم نقض الصليبيون العهد عندما شعروا بالنصر .
            لقد فقدت هذه الحملة أكثر مقاتليها فقد جاءت بثلاثمائة ألف مقاتل، ودخلت إلى القدس بأربعين ألف مقاتل فقط، ومهما بالغنا بعدد المقاتلين الصليبيين الذين ساروا إلى الرها فإن عـددهم لا يزيد على أربعين ألفا، وبذا يكون عدد من بقي من الصليبيين الذين جاؤوا في الحملة ما يقرب من ثمانين ألفاً، ويكونوا فقدوا مائتين وعشرين ألفاً، قتلوا في المعارك وقتلوا على أيدي الناس الذين كانوا يثورون على تصرف هؤلاء القادمين، يثورون على كره، ورغم خوفهم الشديد ورغم معرفتهم بمصيرهم يثورون لأن تصرف الصليبيين كان على درجة من السوء والوقاحة والقباحة مايثير أية نفس مهما بلغ بها الذل والخوف .
            [CENTER] [/CENTER]

            تعليق


            • #7
              الحــروب الصليبـية (3) : تتمة الحملة الصـليبية الأولى

              وبسيطرة الصليبيين على بيت المقدس ارتفعت معنويات سكان الإمارات الإيطالية فبدأت سفنهم تجوب أطراف البحر المتوسط وتقدم المساعدات والدعم للصليبيين، فاستطاعوا أن يأخذوا حيفا وقيسارية عام 494 ، وأخذوا عكا عام 497، وأخذوا طرابلس عام ، 503 بعد حصار سنتين، كما أخذوا جبلة في العام نفسه، ثم أخذوا صيدا عام 504، وطلب المسلمون هدنة فرفض ذلك الصليبيون ثم وافقوا مقابل مبالغ مالية كبيرة يدفعها لهم المسلمون، وبعد أن استلموا الأموال غدروا بالمسلمين وذلك عام 504 ، وحاصر الصليبيون مدينة صور 505 وكانت بيد العبيديين فأمدهم بالمؤن والمساعدات طغتكين صاحب دمشق فامتنعت صور عن الصليبيين .

              أما من جهة الداخل فقد جاء الصليبيون من جهة الجنوب فالتقى بهم صاحب دمشق أمين الدولة وهزمهم ولاحق فلولهم الذين وصل بعضهم إلى ملاطية، وقد استطاع أن يدخلها وأن يتملكها وذلك عام 493 .

              وهاجم الصليبيون دمشق من جهة الشمال عام 497 ولكنهم هزموا، وأسر أمير الرها الصليبي غير أنهم استطاعوا في العام نفسه أن يدخلوا حصن أفاميا .

              لقد دعم العبيديون الصليبيين في أول الأمر ووجدوا فيهم حلفاء طبيعيين ضد السلاجقة خصومهم ، واتفقوا معهم على أن يحكم الصليبيون شمالي بلاد الشام ويحكم العبيديون جنوبها، وقد دخلوا بيت المقدس غير أن الصليبيين عندما أحسوا بشيء من النصر تابعوا تقدمهم واصطدموا بالعبيديين، وبدأت الخلافات بينهما، فالعبيديون قد قاتلوا الصليبيين دفاعاً عن مناطقهم وخوفاً على أنفسهم ولم يقاتلوهم دفاعاً عن الإسلام وحماية لأبنائه، ولو استمر الصليبيون في اتفاقهم مع العبيديين لكان من الممكن أن يتقاسموا وإياهم ديار الإسلام .

              لقد استقبل سكان البلاد من النصارى والأرمن الصليبيين استقبالاً حاراً ورحبوا بهم ترحيباً كبيراً،وقد ظهر هذا في أثناء دخولهم أنطاكية وبيت المقدس ،كما قد دعموهم في أثناء وجودهم في البلاد وقدموا لهم كل المساعدات، وقاتلوا المسلمين، وكانوا عيوناً عليهم للصليبيين .

              وتشكلت أربع إمارات صليبية في بلاد الشام وهي : إمارة في الرها ، إمارة في طرابلس ، إمارة بيت المقدس ، إمارة أنطاكية .ولم يجد الصليبيون الأمن والاستقرار في بلاد الشام في المناطق التي سيطروا عليها وشكلوا فيها إمارات رغم انتصارهم إذ كان السكان المسلمون ينالون منهم كلما سنحت لهم الفرصة،كما يغير عليهم الحكام المسلمون في سبيل إخراجهم من البلاد ودفاعاً عن عقائدهم ومقدساتهم التي كان الصليبيون ينتهكونها .
              [CENTER] [/CENTER]

              تعليق


              • #8
                الحـروب الصـليبـية (4) : الحملة الصليبـية الثانية

                لم يصف العيش للصليبيين في ديار الإسلام إذ كانوا يتعرضون للغارات باستمرار ولهجوم المسلمين بشكل دائم ، وعندما نقضوا عهدهم مع العبيديين أصبح الهجوم يأتيهم من قبل العبيديين من الجنوب ومن قبل السلاجقة من الشمال .


                وجه العبيديون حملة كبيرة بقيادة حاكم بيروت السابق عام 494 انطلاقاً من عسقلان نحو بيت المقدس ويافا غير أنها فشلت .

                وجهز العبيديون حملة أخرى عام 495 واتجهت إلى اللد والرملة فخرج للقائها ملك بيت المقدس الصليبي ( بلدوين ) فانهزم وفر إلى الرملة ولاحقه المسلمون ففر من الرملة واستعادها المسلمون ، ثم حاصروه في يافا فجاءته نجدات بحرية فهاجم المسلمين فانتصر عليهم .

                ثم أرسل العبيديون حملتين : إحداهما برية والأخـرى بحرية واستنجـد ( بلدوين ) بأمير الرها وأمير أنطاكية فأنجداه وانتصر .

                وجهز العبيديون جيشاً كبيراً ودعموه بأسطول بحري ، وطلبوا دعم السلاجقة فأجابوهم ، وجرت أول معركة عام 498 ظهر فيها التعاون بين السلاجقة والعبيديين ، ولم تكن نتائجها واضحة .

                واستمرت غارات العبيديين على البلدان التي سيطر عليها الصليبيون ، فقد أغاروا على يافا عام 499، وفي العام التالي على الخليل ، وفي العام الذي يليه وصلوا إلى أسوار بيت المقدس ، وفي عام 518 أغاروا على يافا ، وأغاروا على بيت المقدس .

                وأما من جهة الشمال فقد قضى السلاجقة عام 494 على حملة صليبية جاءت من غربي أوروبا لدعم الوجود الصليبي في بيت المقدس .

                ونصب الأمير كمشتكين كميناً لأمير أنطاكية الصليبي وأخذه أسيراً عام 494 ، واستطاع في العام التالي أن يستعيد ملاطية من الصليبيين وأن يأخذ أميرها أسيراً .

                وفي عام 497 سار أتابك الموصل جكرمش والأمير سقمان بن أرتق صاحب ماردين لقتال الصليبيين في الرها ، وتمكنا من إبادة الجيش الصليبي ، ووقع ( بلدوين ) و ( جوسلين ) في الأسر .

                وفي عام 499 أغار أمير دمشق طغتكين على بلاد الجليل ، وأغار أمير الموصل مودود عام 505 على الصليبيين ، وفي العام التالي سار إلى جهات طبريا ومدينتها .

                وفي عام 514 هاجم النصارى الكرج ومن معهم من القفجاق – وهم من الكفار – ديار المسلمين وأحرزوا نصراً على المسلمين .

                وفي عام 518 هاجم الصليبيون مدينة صور وكانت للعبيديين ، وسـار ( بلدوين الثاني ) أمير الصليبيين في بيت المقدس إلى الشمال لفك أسـر ( بلدوين ) و( جوسلين ) فأسرع إليه (بلك الأرتقي) ، فهزم جيشه وأخذه أسيراً أيضاً وضمه إلى بقية الأمراء الأسرى عنده .

                وفي عام 523 حاصر الصليبيون دمشق ولكن فشلوا في اقتحامها .

                وفي عام 527 جاءت أعداد كبيرة من التركمان من الجزيرة ، واتجهوا نحو طرابلس فقاتلوا الصليبيين فيها ... إلخ .

                وبدأ عماد الدين زنكي في عام 529 يوجه هجماته على مراكز الصليبيين الواقعة شرق نهر العاصي ليكون الفتح تدريجياً فاستولى على الأثارب و زردنا وتل أغدى ومعرة النعمان وكفر طاب وأغار على قنسرين وشيزر وحمص .

                وأغار نائب زنكي على الصليبيين عام 530 فوصل إلى اللاذقية ، وفي سنة 531 أغار المسلمون على إمارة طرابلس فقتلوا أميرها وأسروا عدداً كبيراً من أتباعه .

                واستطاع عماد الدين زنكي أن يفشل خطة ( حنا كوين ) إمبراطور البيزنطيين في الاستيلاء على حلب ، وامتاز زنكي عن غيره من أمراء المسلمين أنه جعل المعركة جهاداً في سبيل الله قبل كل شيء ، وجعل توحيد المسلمين وصفوفهم خطوة ضرورية قبل خوض أي معركة ضد الصليبيين .

                واستطاع زنكي عام 539 أن يحاصر الرها وأن يستعيدها من الصليبيين ، واستولى على سروج عام 539 .

                أما الحملة الصليبية الثانية فقد شجعها على الانطلاق فتح عماد الدين لإمارة الرها عام 539 ، وعندما انطلقت هذه الحملة عام 542 كان عماد الدين قد توفي ، واتجهت الحملة إلى بلاد الشام عن طريق البحر للخلاف الذي كان قائماً بين إمبراطور القسطنطينية وبين الصليبيين ، وكان على رأس الحملة ملك ألمانيا ( كونراد الثالث ) و ملك فرنسا (لويس السابع ) ، واتجهت الحملة نحو دمشق ، وكان أميرها مجير الدين يخشى من سيطرة آل زنكي على مدينته ويعتمد على الدعم الصليبي فيما إذا اتجه آل زنكي نحوه ، واتجاه الحملة الصليبية نحو دمشق جعل أمير دمشق يستنجد بنور الدين زنكي ضدهم ، وهذا ما هيأ لنور الدين احتلال دمشق عام 549 ، واضطر ملك ألمانيا بعدها العودة إلى بلاده ، كما تبعه ملك فرنسا بعد مدة وجيزة .
                [CENTER] [/CENTER]

                تعليق


                • #9
                  الحـروب الصـليبـية (4) : الحملة الصليبـية الثانية

                  ولما قتل زنكي حمل الراية الجهادية ابنه نور الدين محمود الذي حاصر الصليبيين في الرها – استطاعوا الاستيلاء عليها بعد موت عماد الدين – وهزمهم هزيمة منكرة ، وقتل (بلدوين) وأصيب ( جوسلين ) إصابة بليغة ، واستعاد منهم الرها .

                  وواصل نور الدين جهاده فاستطاع في عام 542 أن يستولي على عدد من القلاع مثل : بسرفوت وأرتاح والأثارب وكفر لاتا وغيرها .

                  وهكذا كان الهجوم على الصليبيين من الجنوب والشمال ، ثم امتد على أمارة طرابلس في الغرب ، فكانت هذه الهجمات تقض مضاجعهم وتقلقهم باستمرار ، ثم بدأت تظهر دولة عماد الدين زنكي وتتوسع على امتداد إمارات الصليبية ،ويخطط عماد الدين وابنه من بعده محمود للسير بصورة تدريجية ومركزة .

                  وفي عام 544 دخل نور الدين محمود حصن أفاميا، وسار نحو أنطاكية وحاصر في طريقه مدينة حارم ، وصالحه أهلها على نصف أرزاقهم ، غير أنه هزم عام 546 عندما سار لقتال ( جوسلين ) أمير الرها ، ثم تمكن من أسره فيما بعد ، وظل في أسره تسع سنوات ، واستطاع أن يأخذ عزاز وعينتاب ومرعش .

                  وباختصار فإن إمارتي الرها وأنطاكية الصليبيتين أصبح معظمهما في أيدي المسلمين .

                  وفي عام 546 استطاع مسعود الاستيلاء على عينتاب ودلوك ، واستولى نور الدين على الراوندان ثم على تل باشر .

                  واستنجد مجير الدين بنور الدين محمود ضد الصليبيين فجاءه ودخل دمشق عام549 ، ثم سار إلى بعلبك ودخلها عام 550 ، ويعتبر عام الوحدة وتجمع القوى الإسلامية ، كما أخذ شيزر عام 552 ...
                  [CENTER] [/CENTER]

                  تعليق


                  • #10
                    الحـروب الصـليبيـة (6) : الحملة الصـليبية الرابعة

                    تعد هذه الحملة نتيجة مباشرة لوفاة صلاح الدين الأيوبي في شهر صفر سنة 589هـ ، فمنذ وفاته دعا البابا ( أنوسنت الثالث ) إلى حرب صليبية ضمن خطة وضعها للكنيسة على رأسها مشروع محو آثار حروب صلاح الدين في الشرق واغتصاب بيت المقدس من المسلمين .

                    فدعا في منتصف سنة 594هـ إلى حملة صليبية رابعة ، واستجاب له فيها عدد من الأمراء وتولى قيادتها عدد من البارونات الفرنسيين وغيرهم .

                    وبعد مداولات بين أمراء الحملة وقوادها رأوا أن يتجهوا بها إلى مهاجمة مصر أولاً ، ثم بيت المقدس بعد ذلك .

                    وبدأت الاستعدادات بالتعاون مع البندقية لتمدهم بالسفن ، واحتشد الصليبيون في البندقية في صيف 598هـ ،غير أن البنادقة اشترطوا على الصليبيين ثمناً لهذا التعاون أن يهاجموا مدينة( زارا ) ويستردوها من ملك هنغاريا ، واستجاب الصليبيون لذلك من غير موافق البابا وعلى الرغم من غضبه وإصداره قرار الحرمان ضد الحملة كلها ثم قصره على البنادقة أخيراً .

                    وبينما يستعد الصليبيون للاتجاه نحو مصر إذا بثورة تنشب في القسطنطينية تطيح بالإمبراطور إسحاق الثاني ، فيفر ابنه الكسيوس قائد الثورة إلى الغرب بعد فشل ثورته طالباً المساعدة من البابا ومن الصليبيين عارضاً في مقابل ذلك إخضاع الكنيسة الشرقية للبابوية ومساعدة الصليبيين في حملتهم ضد مصر .

                    وصادف ذلك هوى في نفس البابا ومصلحة لدى البنادقة ، وتشفياً من الصليبيين في الدولة البيزنطية ، فاتجهت جموع الصليبيين إلى القسطنطينية واستولت عليها عام 600 هـ ، وقاموا بتخريبها والعدوان على أهلها حتى تمنى بعض البيزنطيين أن لو كانت القسطنطينية قد وقعت في أيدي المسلمين ، وقد أحرق الصليبيون بعض الكنائس والجامع القديم الذي بني في عهد بني أمية وقاموا بسلب المدينة .

                    واستولت الكنيسة الكاثوليكية على الكنيسة الأرثوذكسية ورأسها أول كاثوليكي منذ إ نشائها .

                    ولقد كان من نتائج هذه الحمل أن فترت همة المحاربين في الحروب الصليبية الآتية لاستيقان الناس بأنها غارات بربرية وليست حروباً دينية .

                    كما عمقت هذه الحمل الخلاف بين مسيحيي الشرق ومسيحيي الغرب ، وجعلت الطريق البري إلى الشام أشد وعورة وأعظم خطراً .

                    كما أغرت كثيرين من فرسان الصليبيين في الشام إلى أن يتركوا الشام ومتاعبه ويتجهوا إلى قبرص أو البلقان ليهنئوا بحياة مستقرة .

                    وبالجملة فقد أضعفت الحملة الصليبية الرابعة مركز الصليبيين في الشرق الإسلامي وزعزعت مكانتهم .

                    لذلك قرر أحد مؤرخي الحروب الصليبية ( أن الحمل الصليبية الرابعة جاءت نذيراً بفشل الحركة الصليبية بأكملها .
                    [CENTER] [/CENTER]

                    تعليق


                    • #11
                      الحـروب الصـلـيبية (7) : الحملة الصـليبية الخامـسة

                      حاول الصليبيون في حصن الأكراد الاستيلاء على حمص عام 604 فاستنجد صاحبها أسد الدين شيركوه الثاني بصاحب حلب الملك الظاهر وقاوموا الصليبيين .

                      وفي عام 604 هاجم القراصنة الصليبيون في قبرص بعض السفن المصرية وأخذوا من فيها أسرى ، فسار الملك العادل الأيوبي نحو عكا ، وأجبر الصليبيين أن يردوا الأسرى المسلمين ، ثم سار الملك العادل إلى حمص لدعمها ، وأغار على حصن الأكراد وعلى طرابلس فاضطر صاحب طرابلس الصليبي بوهيمند الرابع إلى عقد صلح مع العادل .

                      كما عقد الملك حنا برين صلحاً مع الملك العادل لمدة ست سنوات ولكنه في الوقت نفسه كان يراسل البابا ويطلب منه الدعم والعمل لإرسال حملة صليبية جديدة تصل إلى بلاد الشام مع انتهاء الصلح الذي يمتد من 608-614 .

                      دعا البابا أنوسنت الثالث إلى تعبئة جيش صليبي جديد يتجه إلى بلاد الشام مباشرة ، وسارت الحملة بقيادة دوق النمسا ليوبولد ، وملك هنغاريا أندريه الثاني ، ثم لحق بهما ملك قبرص بهمايو ، ووصلت هذه الحملة الصليبية الخامسة إلى بلاد الشام عام 615 ، واجتمعت جموعها في عكا، وساروا فاستولوا على بيسان في الغور ، ووصلوا إلى بلدة نوى ، ولم يتفق ملك هنغاريا مع دوق النمسا لذا قرر العودة إلى بلاده .

                      وخرج حنا برين للهجوم على دمياط وجاءته جموع صليبية بإمرة مندوب البابا الكاردينال بلاغيوس وجموع من قبرص .

                      وتوفي الملك العادل وخلفه ابنه الكامل الذي جاءه دعم من أخيه المعظم صاحب دمشق ، ولكن بدأ في هذا الوقت الهجوم المغولي ، فعرض الكامل الصلح فلم يقبله الصليبيون الذي استولوا على دمياط ، وشعروا بنشوة الظفر فقرروا الهجوم على القاهرة ، لكنهم فشلوا بسبب الفيضانات التي حدثت بقطع المسلمين السدود فطلبوا الصلح وسلموا رهائن وهم صاغرون حتى يجلوا عن دمياط ، وتم الجلاء عام 618 ، وهكذا فشلت الحملة الصليبية الخامسة ولم تحقق شيئاً .
                      [CENTER] [/CENTER]

                      تعليق


                      • #12
                        الحـروب الصـليبيـة (8) : الحمـلة الصليبية السادسة

                        بعد فشل الحملة الصليبية الخامسة اضطربت أحوال الصليبيين في الشام ووقع بينهم من الخلاف ما زعزع مكانتهم وما جعل بعضهم يتجه إلى أوروبا والبابا من جديد طالبين حملة صليبية تعزز وجودهم في الشام .


                        وقد كان نزاع حاد قد نشأ بين البابوية والإمبراطورية في غرب أوروبا ، وقد استمر هذا النزاع قرنين من الزمان على وجه التقريب ، وكان سببه التنافس بين السلطتين الدينية والعلمانية في أوروبا .

                        ومن أجل هذا الصراع بين الكنيسة والسلطة العلمانية لم تحدث استجابة لطلب الصليبيين في الشام بعد فشل الحملة الخامسة على مصر .

                        فإذا أضفنا إلى تلك الأحداث أحداثاُ أخرى جرت للمسلمين وبالتحديد لأبناء العادل : الكامل والمعظم والأشرف أبناء أخي صلاح الدين وما وقع بينهم من خلاف حاد أوشك على التحارب والتقاتل ، بل دخلت فيه فعلاً حرب مرئية وأخرى غير مرئية .

                        بالإضافة إلى خطر خارجي أخذ يهدد الدولة الأيوبية من الخوارزميين الذين شتتهم جنكيز خان ، فتجمعوا في أصفهان وأخذوا يهددون الشام والعراق ، كل ذلك جعل الملك الكامل يستعين بالإمبراطور فردريك الثاني إمبراطور ألمانيا للتغلب على متاعبه الداخلية مع أخويه ، والخارجية مع الخوارزميين في مقابل أن يتنازل له عن بيت المقدس وكل ما حققه صلاح الدين من انتصار في حطين .

                        وقبل فردريك الثاني هذا العرض وتجهز وأعد جيشاً لمساندة الملك الكامل ضد الخطرين اللذين يهددانه .

                        وفي ذات الوقت أخذ البابا هنريوس الثالث يلح على الإمبراطور فردريك الثاني ليعد حملة صليبية للشرق تستعيد هيبة الصليبيين والكنيسة هناك .

                        ولما مات البابا هنريوس الثالث خلفه جريجوري التاسع وأخذ يلح كذلك من أجل أن يقوم الإمبراطور بهذه الحملة ، فأبحر الإمبراطور من برنديزي جنوب إيطاليا قاصداً بلاد الشام ، ولكنه عاد مدعياً المرض ، فاعتبر البابا هذه العودة نكوصاً فأصدر ضده قرار الحرمان فخشي الإمبراطور غضبة البابا فخرج قاصداً عكا ، وكان جزء كبير من جيشه قد سبقه إلى بلاد الشام .

                        وكان فردريك لا يحب أن يدخل في حرب مع المسلمين لأسباب كثيرة ربما كان منها عناده للبابا وكراهيته للكنيسة ، وربما كان منها حبه للمسلمين والإسلام بحكم نشأته في صقلية المسلمة .

                        وكانت حملة فردريك هي الحملة الصليبية الملعونة من الكنيسة ، وأخيراً وصل رجال الإمبراطور إلى عكا في 625هـ بينما تخلف الإمبراطور في قبرص ، فخابت آمال الكنيسة والصليبيين والملك الكامل في حملة فردريك ، وعندما وصل فردريك إلى عكا في أخريات عام 625هـ بهدف الحصول على بيت المقدس من الملك الكامل مقابل حمايته من أخيه المعظم وجد المعظم قد مات والكامل قد أمن من الشر ، وأصبح فردريك في حرج من أمره ، وكذلك الملك الكامل ، فالكامل لا يود أن يحارب الصليبيين في هذه الظروف القلقة داخلياً وفردريك ما خرج ولا استعد لحرب المسلمين وإنما لحماية الكامل في مقابل بيت المقدس دون حرب ، ولو فكر في الحرب فلن يستجيب الصليبيون له وهو محروم من الكنيسة ، فلم يجد أمامه إلا أن يفاوض ويستعطف ليأخذ بيت المقدس فيعزز مكانته في أوروبا كلها ، وبلغ من استعطافه أن كتب للسلطان الكامل : ( أنا مملوكك وعتيقك ، وليس لي عما تأمره خروج ، وأنت تعلم أني أكبر ملوك البحر ، وقد علم البابا والملوك باهتمامي وطلوعي ، فإن رجعت خايباً انكسرت حرمتي بينهم ، وهذا القدس فهي أهل اعتقادهم وضجرهم ، والمسلمون قد أخربوها فليس لها دخل طائل ، فإن رأى السلطان أن ينعم علي بقبضة البلد والزيارة فيكون صدقة منه ، ويرتفع رأسي بين ملوك البحر ) .

                        ومن عجب أن وافق الكامل وأجاب فردريك إلى ما طلب وعقد معه اتفاق يافا سنة 626هـ وفيها هدنة بين الطرفين لمدة عشر سنين ، ويأخذ فردريك بيت المقدس ، ولكن لا يجدد سور القدس ، وتكون قرى القدس للمسلمين لاحكم فيها للفرنج ، وأن يكون الحرم كله بأيدي المسلمين وليس للفرنج إلا الزيارة .
                        وبدموع فردريك واستعطافه حقق ما عجز عنه ملوك الفرنج وأمراء الصليبيين منذ انتزع صلاح الدين القدس منهم .

                        وقد كان لذلك أسوأ الأثر في نفوس المسلمين حتى إنهم أقاموا المآتم وقالوا المراثي في القدس ، وذهب فردريك إلى بيت المقدس وتوج نفسه لأن الكنيسة رفضت أن تتوجه ، وعندما زار فردريك المسجد الأقصى علم أن السلطان الكامل أمر المؤذنين بعدم إقامة الأذان طيلة وجود الإمبراطور في المدينة فاستاء فردريك لذلك وقال للقاضي شمس الدين : ( أخطأت فيما فعلت ، والله إن أكبر غرضي في البيت المقدس أن أسمع أذان المسلمين وتسبيحهم في الليل ) .

                        ثم إن فردريك رأى قسيسا ًبيده الإنجيل يهم بدخول المسجد الأقصى من الفرنج فزجره الإمبراطور وطرده ، وهدد كل من يدخل المسجد الأقصى من الفرنج بغير إذن وقال : ( إنما نحن مماليك هذا السلطان الملك الكامل وعبيده ، وقد تصدق علينا وعليكم بهذه الكنائس على سبيل الإنعام منه ، فلا يتعدى أحد منكم طوره ) .

                        ثم ذهب فردريك إلى يافا ثم غادرها إلى عكا تاركاً بيت المقدس ، وكانت عكا تعيش صراعاً بين الصليبيين الذين فيها ، وحاول فردريك أن يبرر أعماله أمام رجال الدين ولكنه عورض .

                        وكان البابا قد أمر جيوشه بالاعتداء على أراضي فردريك وممتلكاته في إيطاليا وساعده في ذلك حموه حنا برين ، فوجد أن مصالحه تقتضي أن يغادر عكا ويتجه إلى مملكته ، فرجع إلى لإيطاليا .

                        وهكذا انتهت الحملة الصليبية السادسة وقد أخذت بيت المقدس هدية من الملك الكامل الذي ضيع جهد عمه صلاح الدين في الاستيلاء عليه .
                        [CENTER] [/CENTER]

                        تعليق


                        • #13
                          الحـروب الصـليبـية (9) : الحمـلة الصليبية السابعة (1)

                          منذ عقد الملك الكامل صلح يافا مع فردريك الثاني إمبراطور ألمانيا ، وشؤون البيت الأيوبي في اضطراب .

                          وقد أحس الصليبيون بذلك ، بخاصة الاسبتارية فأغاروا على منطقة بعرين سنة 627هـ ونهبوا البلاد وقتلوا وأسروا وسبوا .

                          وكان الملك المظفر صاحب حماة غير مستعد للدخول معهم في حرب فقبل أن يدفع لهم مبلغاً من المال ، ولما لم يستطع الوفاء بما وعد تجمع الاسبتارية والداوية في قوة كبيرة ، وهاجموا الملك المظفر ، فاشتبك مهم في معركة عند أفيون بين بعرين وحماة وأنزل بهم هزيمة منكرة سنة 628هـ وساق أمامه الأسرى .

                          وفي سنة 630هـ رغب الاسبتارية في الحصول على أموال فرضوها على المظفر فاستعانوا بجميع قوى الفرنجة مثل الداوية وإمارة أنطاكية وطرابلس ومملكة بيت المقدس وصليبي قبرص ، ثم زحفوا على حصن بعرين ليلاً ، فاحتلوا البلد واستعصت عليهم القلعة وعادوا بأسلاب وأموال كثيرة دون أن يصطدموا في حرب مع المسلمين .

                          وقد كان الأيوبيون في ذلك الوقت مشغولين بمناوأة علاء الدين كيقباد سلطان سلاجقة الروم الذي استولى عل خلاط .

                          وفي هذه الفترة كان الداوية يحتلون حصن بغراس بينما كان الأيوبيون يسيطرون على حصن ردبساك وبين الحصن مسافة قصيرة ، مما كان يجدد الاشتباكات بين الطرفين ، ويولد الرغبة عند كل طرف في الاستيلاء على حصن الطرف الآخر .

                          فأغار الداوية على حصن دربساك سنة 634هـ ولكن المسلمين قاوموهم ووصلت للمسلمين قوة من حلب فاستطاعوا التغـلب عل الداوية وقتلوا معظمهم وأسروا عدداً منهم .

                          ودارت بين الأيوبيين أنفسهم معارك عديدة تغلبوا بعدها - إلى حد ما - على انقساماتهم الداخلية ، وحاربوا علاء الدين ثم حالفوه ، وحاربوا الخوارزمية ومعهم حليفهم علاء الدين حتى قضوا عليهم وأجلوهم عن خلاط ، ثم حاربوا علاء الدين ثانياً .

                          ثم توفي الملك الكامل سنة 635 هـ بعد قضائه على مؤامرة من إخوته تستهدف القضاء عليه وخلفه في حكم مصر ابنه الصالح أيوب ، وطمع الصليبيون في خلافات الأيوبيين فدعت البابوية إلى حرب صليبية فاستجاب لها عدد من أمراء فرنسا وأعدت حملة بقيادة ( ثيبوب الرابع ) وصلت إلى عكا ، وكان الناصر داود صاحب الأردن قد استطاع أن يستولي على بيت المقدس من الصليبيين لأنهم نقضوا الهدنة وحصنوها ، وعندئذ فكر قواد الحملة الصليبية الفرنسية في مهاجمة بيت المقدس أو دمشق أو مصر أو عسقلان ، واختلفوا ثم هاجموا عسقلان ، واستولوا في طريقهم إليها على قافلة من المسلمين ، واتجهوا صوب غزة لملاقاة جيوش سيرها ضدهم العادل الثاني ، فلقوا هناك هزيمة منكرة وعادت فلولهم خائبة إلى عكا .

                          ولكن الصالح إسماعيل تصاحب دمشق تحالف مع الصليبيين ضد بقية أمراء بني أيوب ، وفي مقابل ذلك سلمهم القدس وعسقلان وطبرية ، وذلك في إثر عزل العادل الثاني وتولية الصالح أيوب أمور مصر في 637 هـ ، وثار الناس بقيادة العز بن عبد السلام على الصالح إسماعيل وانحازوا مع المصريين ضد الصليبيين وهزموهم هزيمة منكرة .

                          وعادت الحملة الفرنسية إلى بلادها بعد أن عقدت هدنة مع الصالح أيوب ، وما إن عادت حتى جاءت حملة إنجليزية إلى عكا بقيادة ( ريتشارد كورنوول ) أخو ملك إنجلترا ، واتجه إلى تحصين عسقلان ، وكان هدفها تثبيت عمل ( ثيبوب ) وإتمامه ، ثم قفل راجعاً إلى بلاده .

                          وفي سنة 642هـ استعان الصالح أيوب بالخوارزمية ضد أقربائه الذي تحالفوا مع الصليبيين لغزو مصر ، فاندفع الخوارزمية نحو الشام واستولوا على قرى كثيرة ، واتجهوا نحو الجليل واستولوا على طبرية ونابلس ، ثم استولوا على بيت المقدس في صفر سنة 642هـ ، وقضوا على كل معالم النصرانية فيها وطردوا منها الصليبيين إلى غير رجعة .

                          واستطاع الخوارزمية مشتركين مع المصريين بقيادة ركن الدين بيبرس أن يهاجموا الصليبيين ومن حالفهم من منافقي المسلمين في غزة سنة 642هـ ، وأن يوقعوا بهم هزيمة نكراء كانت أعظم كارثة حلت بالصليبيين بعد حطين حتى سماها بعض المؤرخين ( حطين الثانية ) .

                          وفي سنة 645هـ استطاعت جيوش الصالح أيوب أن تستولي على قلعة طبرية من الصليبيين ، وفي نفس العام على عسقلان ، وأصبح الصالح أيوب يسيطر على مصر والشام وبيت المقدس ، وفيه جاء ملوك البيت الأموي لتقديم الولاء والطاعة .

                          وحاول بطريق القدس أن يستقدم حملة صليبية بإلحاحه المستمر غير أنه لم يوفق بسبب الخلافات التي بين الأوروبيين أنفسهم .
                          [CENTER] [/CENTER]

                          تعليق


                          • #14
                            الحـروب الصـليبـية (10 ) : الحملة الصليبية السابعة (2)

                            كان لويس التاسع ملك فرنسا مريضا ًآنذاك ، فنذر إن شفي أن يشن حملة على المسلمين ، فلما شفي أخذ يستعد طيلة ثلاث سنوات ، ثم أبحر قاصداً الشرق ومعه زوجه وأخواه : روبرت وشارل عام 646هـ، وكن هدف هذه الحملة توسيع النفوذ الفرنسي ، واتجهت نحو مصر ، وتوقفت في قبرص لتجمع الجنود والإمدادات والسفارات مع المغول ونصارى المنطقة .

                            ثم تحركت الجيوش إلى دمياط ، وكتب لويس إلى الصالح أيوب : ( إن مسلمي الأندلس يحملون إلينا الهدايا ، ونحن نسوقهم سوق البقر ، ونقتل الرجال ، ونرمل النساء ، ونستأسر البنات والصبيان ، فلو حلفت لي بكل الأيمان ودخلت على القسوس والرهبان ، وحملت قدامي الشمع طاعة للصلبان ما ردني ذلك عن الوصول إليك ) ، فرد عليه : ( فلو رأت عيناك أيها المغرور حد سيوفنا ، وعظم حروبنا ، وفتحنا منكم الحصون والسواحل ، وإخراجنا منكم الديار الأواخر والأوائل ، لكان منك أن تعض على أناملك للندم ) .

                            ووصل لويس إلى دمياط ، ودارت معركة رهيبة ، وكانت الغلبة للصليبيين لكثرة عددهم ، واتجه الجيش الأيوبي إلى أشموم طناح ، تاركاً دمياط لهم ، وخرج من دمياط أهلها وحاميتها ، بعد أن أشعلوا النار في سوقها ، وتملكها الصليبيون .

                            ثم بقي الصليبيون في دمياط خمسة أشهر في انتظار مدد من أوروبا ، وكان الصالح أيوب ينظم الدفاع من فراش الموت .

                            ووصل ألفونس أخو لويس ومعه المدد ، وقرر الصليبيون الزحف على القاهرة ، وفي اليوم التالي من زحفهم توفي الصالح أيوب ، فأخفت زوجه شجرة الدر نبأ موته من أجل المعركة ، وجمعت الأمراء والقواد وأخذت منهم البيعة لتوران شاه ابن الصالح أيوب ، وأرسلت في إحضاره من حصن كيفا ، وكانت المراسيم تصدر باسم السلطان الميت .

                            وعرف الصليبيون خبر الوفاة ، فأسرع لويس في الهجوم على القاهرة عن طريق الدلتا ، ولكن المياه حاصرتهم ، وهاجمهم الأمير فخر الدين ، فتعرقل سيرهم ، ووقع عدد منهم في الأسر .

                            وأدرك لويس أنه عاجز عن العبور إلى المنصورة ، والمسلمون أمامه على الضفة الأخرى للنهر ، واستطاعوا مع ذلك العبور عن طريق سلمون بمعاونة نصارى مصر ، فتصدى لهم الأمير فخر الدين ثانية .

                            وعبر روبرت مع مقدمة الجيش الصليبي ، وبادر باقتحام المنصورة ومعه الملك لويس ، غير أن جيوش المسلمين بقيادة بيبرس البندقداري انقضوا على الصليبيين فزعزعوهم ، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة ، وقتل روبرت نفسه ، وقتل من الداوية أكثرهم ، وهزت الصدمة لويس فأقام على النيل جسراً ليعبر عليه النيل تداركاً للموقف إلا أن الجيوش المسلمة هاجمت معسكره ، وقاوم لويس طوال اليوم ، وعادت جيوش المسلمين إلى المنصورة .

                            ثم حضر توران شاه إلى مصر ففرح به المسلمون ، وفكر لويس في التراجع عن القاهرة إلى دمياط غير أن المسلمين كانوا قد قطعوا على الصليبيين بسفن أعدها توران شاه ، واستولت تلك السفن على سفن الإمدادات الصليبية ومن كان فيها ، وانتصرت السفن الإسلامية عليها في ثلاث معارك .

                            وقرر لويس التراجع إلى دمياط وما إن وصلوا إل فارسكور حتى هاجمهم المسلمون ، ودارت معركة رهيبة وقع فيها الجيش الصليبي ما بين قتيل وأسير، حتى لويس نفسه سيق مكبلاً بالأغلال إلى المنصورة حيث سجن في دار ابن لقمان ، ووضع توران شاه من الشروط ما شاء لتسليم لويس وأسراه ، واتفق على أن تسلم له دمياط ، وأن تعقد هدنة مدتها عشر سنوات ، ووافق لويس التاسع .

                            وقبل أن تتم المعاهدة دبر المماليك البحرية وشجرة الدر لقتل توران شاه لسوء سيرته وظلمه فقتلوه ، واستولت شجرة الدر على الحكم ، ثم تزوجت عز الدين أيبك وصار هو السلطان على مصر ، وأخذ يحكم مصر والشام منذ ذلك الحين نظام حكم جديد يتولاه المماليك .

                            ونفذوا المعاهدة مع لويس التاسع بعد أن أضافوا ما يرون ، وتسلموا دمياط في 6 مايو سنة 1250م ، وغادرها لويس منسحباً عام 652هـ فوصل إلى عكا ، وحاول أن يصنع شيئاً للصليبيين في الشام فلم يستطع ؛ إذ حاول أن يتفق مع الأيوبيين في الشام ضد المماليك في مصر فلم يوفق .

                            وهكذا انتهت الحملة الصليبية السابعة دون أن تحقق شيئاً مما كانت تطمع فيه .
                            [CENTER] [/CENTER]

                            تعليق


                            • #15
                              الحـروب الصليبـيـة (11 ) : الحـمـلة الصليبـية الثامنة

                              دولة المماليك هي التي قضت على الوجود الصليبي في العالم الإسلامي القضاء الأخير بعد أن قضت على الوجود الأيوبي في مصر .


                              ثم لما جاءت جموع التتار الهادرة وأسقطت دول الإسـلام في المشـرق واستولوا على بلاد الشام لم يعد أمامهم سوى مصر واليمن ، وأرسل قطز سلطان مصر من المماليك جيشاً إلى غزة احتلها من المغول ، ثم التحم الجيشان في عين جالوت وانتصر المماليك ، وبهذا الانتصار استطاع المماليك بسهولة القضاء على الأيوبيين في الشام .

                              وبعد مقتل قطز وتولي الظاهر بيبرس مكانه كان من أبرز أعماله القضاء على الصليبيين في الشام ، فأعد لهم حملة كبيرة تحركت من غزة سنة 663هـ أخذت تستولي على حصون الصليبيين حصناً بعد حصن حتى وصل إلى أرسوف ، ثم جاء دور عكا فاستعصت عليه ولكنه فتح صفد وهونين وتبنين والرملة .

                              وفي سنة 665هـ اتجه بيبرس إلى أرمينية الصغرى وإمارة أنطاكية وطرابلس لعقابهم على تحالفهم مع المغول ضد المسلمين ، وكانت جيوشه تلك تحت قيادة قلاوون .

                              فاستطاعت جيوش بيبرس أن تستولي على حصون ( القليعات وحلباء وعرقه ) ، وهي أهم مراكز تحمي طرابلس .

                              كذلك استولت هذه الجيوش على المصيصة وأذنة وطرسوس وميناء إياس ، وهي أهم مراكز تحمي أرمينية . وقتلت أحد أبناء هيثوم ملك أرمينية وأسر ابنه الثاني ، أما الملك المنصور الأيوبي فقد اتجه إلى سيس عاصمة أرمينية واستولى عليها وأشعل فيها النار ، وعادت الجيوش إلى الشام وفي صحبتها أربعون ألف أسير وغنائم لا تحصى .

                              وحاول هيثوم أن يفتدي ابنه ولكن بيبرس أصر على أن يكون فداؤه دربساك التي تتحكم في طريق المواصلات بين أرمينية وأنطاكية ومرزبان ورعبان وشيح الحديد ، وكلها كانت في إقليم مرعش ، وتتحكم في الطريق بين الجزيرة حيث المغول حلفاء هيثوم وأرمينية الصغرى .

                              ثم اتجهت جيوش بيبرس إلى يافا فاستولت عليها ، وفي نفس العام 666هـ الذي استولت فيها على يافا استطاعت أن تستولي على أنطاكية بعد حرب خطط لها بيبرس وأدارها بمهارة تلفت الأنظار ، وبذلك سقطت ثاني إمارة أسسها الصليبيون في الشرق الإسلامي في أيدي المسلمين ، وكان نصراً عظيماً مؤزراً ، أبرز ما فيه من مكاسب للمسلمين أنه قطع الصلة بين الصليبيين في طرابلس وعكا بأرمينية من جانب ، وقضى على فكرة التحالف بين أرمينية وأنطاكية والمغول من جانب آخر .

                              وهكذا استطاع المماليك وقد جمعوا في أيديهم من جديد بين مصر والشام أن يجعلوا الوجود الصليبي في الشرق الإسلامي يعيش أيامه الأخيرة .

                              غير أن حملة صليبية جاءت بقيادة الملك لويس التاسع ملك فرنسا فأنقذت طرابلس من الوقوع بيد بيبرس الذي ترك طرابلس وأسرع إلى مصر خوفا ًمن أن تسير الحملة الصليبية إلى مصر ، غير أن الحملة الصليبية الثامنة قد اتجهت إلى تونس بناء على طلب أخي لويس التاسع الذي كان ملكاً لصقلية إذ كان يريد أن يغزو تونس ويقاتل حكامها من الحفصيين ، ولم يكن لويس التاسع ببعيد عن هذه الرغبة ، إلا أن الحملة ما كادت تصل إلى تونس حتى أصيب لويس التاسع بمرض الحمى ومات ، وانتهت الحملة .
                              [CENTER] [/CENTER]

                              تعليق

                              يعمل...
                              X