إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المسالك والممالك

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المسالك والممالك

    المسالك والممالك
    الإصطخري
    فهرس كتاب المسالك والممالك
    المؤلف الإصطخري
    أول الكتاب
    ديار العرب
    بحر فارس
    ديار المغرب
    ديار مصر
    أرض الشام
    بحر الروم
    أرض الجزيرة
    العراق
    خوزستان
    بلاد فارس
    ذكر طبقات الناس بفارس
    أبواب المال
    بلاد كرمان
    بلاد السند
    أرمينية والران وأذربيجان
    المسافات بهذه النواحي
    الجبال
    الديلم
    ذكر مسافات هذه الديار
    بحر الخزر
    مفازة خراسان
    سَجستان
    ذكر خراسان
    ما وراء النهر
    المسافات بما وراء النهر
    ذكر خراسان
    ما وراء النهر
    المسافات بما وراء النهر
    [CENTER] [/CENTER]

  • #2
    أول الكتاب
    الحمد لله مبدئ النعم وولي الحمد، وصلى الله على محمد وعلى آل محمد، أما بعد فإني ذكرت في كتابي هذا أقاليم الأرض على الممالك، وقصدت منها بلاد الإسلام بتفصيل مدنها، وتقسيم ما يعود بالأعمال المجموعة إليها، ولم أقصد الأقاليم السبعة التي عليها قسمة الأرض، بل جعلت كل قطعة أفردتها مفردة مصورة، تحكي موقع ذلك الإقليم، ثم ذكرت ما يحيط به من الأماكن، وما في أضعافه من المدن والبقاع المشهورة والبحار والأنهار، وما يحتاج من جوامع ما يشتمل عليه ذلك الإقليم، من غير أن استقصيت ذلك كراهة الإطالة، التي تؤدي إلى ملال من قرأه، ولأن الغرض في كتابي هذا تصوير هذه الأقاليم، التي لم يذكرها أحد علمته؛ أما ذكر مدنها وجبالها وأنهارها وبحارها والمسافات وسائر ما أنا ذاكره فقد يوجد في الأخبار، ولا يتعذر على من أراد تقصي شيء من ذلك من أهل كل بلد، فلذلك تجوزنا في ذكر المسافات والمدن وسائر ما نذكره، فاتخذت لجميع الأرض التي يشتمل عليها البحر المحيط الذي لا يسلك صورة، إذا نظر إليها ناظر علم مكان كل إقليم مما ذكرناه، واتصال بعضه ببعض، ومقدار كل إقليم من الأرض، حتى إذا رأى كل إقليم من ذلك مفصلا علم موقعه من هذه الصورة، التي جمعت سائر الأقاليم لما يستحقه كل إقليم في صورته، من مقدار الطول والعرض والاستدارة والتربيع والتثليث، وسائر ما يكون عليه أشكال تلك الصورة، فاكتفيت ببيان موقع كل إقليم ليعرف مكانه، ثم أفردت لكل إقليم من بلاد الإسلام صورة على حدة، بينت فيها شكل ذلك الإقليم وما يقع فيه من المدن، وسائر ما يحتاج إليه علمه، مما آتي على ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى.
    ففصلت بلاد الإسلام عشرين إقليما، وابتدأت بديار العرب فجعلتها إقليما، لأن فيها الكعبة ومكة أم القرى وهي واسطة هذه الأقاليم، ثم أتبعت ديار العرب ببحر فارس لأنه يكتنف أكثر ديار العرب، ثم ذكرت المغرب حتى انتهيت إلى مصر فذكرتها، ثم ذكرت الشام ثم بحر الروم ثم الجزيرة ثم العراق ثم خوزستان ثم فارس ثم كرمان ثم المنصورة وما يتصل بها من بلاد السند والهند والإسلام، ثم أذر بيجان وما يتصل بها، ثم كور الجبال ثم الديلم ثم بحر الخزر ثم المفازة التي بين فارس وخراسان ثم سجستان وما يتصل بها ثم خراسان ثم ما وراء النهر.
    فهذه صورة الأرض عامرها والخراب منها وهي مقسومة على الممالك. وعماد ممالك الأرض أربعة، فأعمرها وأكثرها خيرا وأحسنها استقامة في السياسة وتقويم العمارات فيها مملكة إيرانشهر، وقصبتها إقليم بابل وهي مملكة فارس، وكان حد هذه المملكة في أيام العجم معلوما، فلما جاء الإسلام أخذ من كل مملكة بنصيب، فأخذ من مملكة الروم الشام ومصر والمغرب والأندلس، وأخذ من مملكة الهند ما اتصل بأرض المنصورة والملتان إلى كابل وطرف أعلى طخارستان، وأخذ من مملكة الصين ما وراء النهر، وانضاف إليه هذه الممالك العظيمة، فمملكة الروم تدخل فيها حدود الصقالبة ومن جاورهم من الروس والسرير واللان والأرمن ومن دان بالنصرانية، ومملكة الصين تدخل فيها سائر بلدان الأتراك وبعض التبت ومن دان بدين أهل الأوثان منهم، ومملكة الهند تدخلفيها السند وقشمير وطرف من التبت ومن دان بدينهم، ولم نذكر بلد السودان في المغرب والبجة والزنج ومن في أعراضهم من الأمم، لأن انتظام الممالك بالديانات والآداب والحكم وتقويم العمارات بالسياسة المستقيمة، وهؤلاء مهملون لهذه الخصال، ولا حظ لهم في شيء من ذلك فيستحقون به إفراد ممالكهم بما ذكرنا به سائر الممالك، غير أن بعض السودان المقاربين لهذه الممالك المعروفة يرجعون إلى ديانة ورياضة وحكم، ويقاربون أهل هذه الممالك مثل النوبة والحبشة، فإنهم نصارى يرتسمون بمذاهب الروم، وقد كانوا قبل الإسلام يتصلون بمملكة الروم على المجاورة، لأن أرض النوبة متاخمة لأرض مصر والحبشة على بحر القلزم، وبينها وبين أرض مصر مفازة فيها معدن الذهب، ويتصلون بمصر والشام من طريق بحر القلزم، فهذه الممالك المعروفة، وقد زادت مملكة الإسلام بما اجتمع إليها من أطراف هذه الممالك.
    [CENTER] [/CENTER]

    تعليق


    • #3
      وقسمة الأرض على الجنوب والشمال: فإذا أخذت من المشرق من الخليج الذي يأخذ من البحر المحيط بأرض الصين، إلى الخليج الذي يأخذ من هذا البحر المحيط من أرض المغرب بأرض الأندلس، فقد قسمت الأرض قسمين، وخط هذه القسمة يأخذ من بحر الصين حتى يقطع بلد الهند ووسط مملكة الإسلام، حتى يمتد إلى أرض مصر إلى المغرب، فما كان في حد الشمال من هذين القسمين فأهله بيض، وكلما تباعدوا في الشمال ازدادوا بياضا، وهي أقاليم باردة، وما كان مما يلي الجنوب من هذين القسمين فإن أهله سود، وكلما تباعدوا في الجنوب ازدادوا سوادا، وأعدل هذه الأماكن ما كان في الخط المستقيم وما قاربه، وسنذكر كل إقليم من ذلك بما يعرف قربه ومكانه من الإقليم الذي يصاقبه. فأما مملكة الإسلام فإن شرقيها أرض الهند وبحر فارس، وغربيها مملكة الروم وما يتصل بها من الأرمن واللان والران والسرير والخزر والروس وبلغار والصقالبة وطائفة من الترك، وشماليها مملكة الصين وما اتصل بها من بلاد الأتراك، وجنوبيها بحر فارس؛ وأما مملكة الروم فإن شرقيها بلاد الإسلام، وغربيها وجنوبيها البحر المحيط، وشماليها حدود عمل الصين، لأننا ضممنا ما بين الأتراك وبلد الروم من الصقالبة وسائر الأمم إلى بلد الروم، وأما مملكة الصين فإن فإن شرقيها وشماليها البحر المحيط، وأما جنوبيها فمملكة الإسلام والهند، وأما غربيها فهو البحر المحيط، إن جعلنا يأجوج ومأجوج وما ورائهم إلى البحر من هذه المملكة، وأما أرض الهند فإن شرقيها بحر فارس، وغربيها وجنوبيها بلاد الإسلام، وشماليها مملكة الصين، فهذه حدود هذه الممالك التي ذكرناها. وأما البحار فإن أعظمها بحر فارس وبحر الروم، وهما خليجان متقابلان يأخذان من البحر المحيط، وأعظمها طولا وعرضا بحر فارس، والذي ينتهي إليه بحر فارس من الأرض من حد الصين إلى القلزم، فإذا قطعت من القلزم إلى الصين على خط مستقيم كان مقداره مائتي مرحلة، وذلك أنك إذا قطعت من القلزم إلى أرض العراق في البرية كان نحوا من شهر، ومن العراق إلى نهر بلخ نحوا من شهرين، ومن نهر بلخ إلى آخر الإسلام في حد فرغانة نيفا وعشرين مرحلة، ومن هناك إلى أن تقطع أرض الخزلجية كلها فتدخل في عمل التغزغز نيف وثلاثون مرحلة، ومن هذا المكان إلى البحر من آخر عمل الصين نحو من شهرين؛ فأما من أراد قطع هذه المسافة من القلزم إلى الصين في البحر طالت المسافة عليه، لكثرة المعاطف والتواء الطرق في هذا البحر، وأما بحر الروم فإنه يأخذ من البحر المحيط في الخليج الذي بين المغرب وأرض الأندلس، حتى ينتهي إلى الثغور الشامية، ومقداره في المسافة نحو من سبعة أشهر، وهو أحسن استقامة والتواء من بحر فارس، وذلك أنك إذا أخذت من فم هذا الخليج أدتك ريح واحدة إلى آخر هذا البحر، وبين بحر القلزم "الذي هو لسان بحر فارس" وبين بحر الروم على سمت الفرما أربع مراحل، غير أن بحر الروم يجوز الفرما إلى الثغور بنيف وعشرين مرحلة، وقد فصلنا في مسافات المغرب ما يغني عن إعادته، فمن مصر إلى أقصى المغرب نحو من مائة وثمانين مرحلة، فكان ما بين أقصى الأرض من المغرب إلى أقصاها من المشرق نحو من أربعمائة مرحلة؛ وأما عرضها من أقصاها في حد الشمال إلى أقصاها في حد الجنوب فإنك تأخذ من ساحل البحر المحيط حتى تنتهي إلى أرض يأجوج ومأجوج، ثم تمر على ظهر الصقالبة، وتقطع أرض بلغار الداخلة والصقالبة، وتمضي في بلد الروم إلى الشام حتى تخرج من الشام وأرض مصر والنوبة، ثم تمتد في برية بين بلاد السودان وبلاد الزنج حتى تنتهي إلى البحر المحيط، وهذا خط ما بين جنوبي الأرض وشماليها؛ فأما الذي أعلمه من مسافة هذا الخط فإن من ناحية يأجوج إلى ناحية بلغار وأرض الصقالبة نحو من أربعين مرحلة، ومن أرض الصقالبة من بلد الروم إلى الشام نحوا من ستين مرحلة، ومن أرض الشام إلى أرض مصر نحوا من ثلاثين مرحلة، ومنها إلى أقصى النوبة نحوا من ثمانين مرحلة حتى تنتهي إلى هذه البرية، فذلك مائتان وعشر مراحل كلها عامرة؛ وأما ما بين يأجوج ومأجوج والبحر المحيط في الشمال، وما بين براري السودان والبحر المحيط في الجنوب فقفر خراب، ما بلغنا أن فيه عمارة، ولا أدري مسافة هاتين البريتين إلى شط البحر المحيط كم هي، وذلك أن سلوكهما غير ممكن لفرط البرد الذي يمنع من العمارة والحياة في
      [CENTER] [/CENTER]

      تعليق


      • #4
        الشمال، وفرط الحر المانع من الحياة والعمارة في الجنوب؛ وأما ما بين الصين والمغرب فمعمور كله، والأرض كلها مستديرة والبحر المحيط محتف بها كالطوق، ويأخذ بحر الروم وبحر فارس من هذا البحر؛ فأما بحر الخزر فليس يأخذ من هذا الخليج وإنما هو بحر لو أخذ السائر على ساحله من الخزر على أرض الديلم وطبرستان وجرجان والمفازة على سياه كوه لرجع إلى مكانه الذي سار منه، من غير أن يمنعهخ مانع إلا نهر يقع فيه، وأما بحيرة خوارزم فكذلك. وفي أعراض بلاد الزنج ومن وراء أرض الروم خلجان وبحار، لم نذكرها لقصورها عن هذه البحار وكثرتها، ويأخذ من البحر المحيط خليج حتى ينتهي في ظهر بلد الصقالبة، ويقطع أرض الروم على القسطنطينية حتى يقع في بحر الروم، وأرض الروم حدها من البحر المحيط على بلاد الجلالقة الفرنجة ورومية وأثيناس إلى القسطنطينية، ثم إلى أرض الصقالبة، ويشبه أن يكون نحوا من مائتين وسبعين مرحلة، وذاك أن من حد الثغور في الشمال إلى أرض الصقالبة نحوا من شهرين. وقد بينا أن من الثغور إلى أقصى المغرب مائتين وعشر مراحل، والروم المحض من حد رومية إلى حد الصقالبة، فأما ما ضممنا إلى بلد الروم من الإفرنجة والجلالقة وغيرهم فإن لسانهم مختلف، غير أن الدين والملك واحد، كما أن في مملكة الإسلام ألسنة مختلفة والملك واحد؛ وأما مملكة الصين فإنها نحو من أربعة أشهر في ثلاثة أشهر، فإذا أخذت من فم الخليج حتى تنتهي إلى دار الإسلام مما وراء النهر فهو نحو من ثلاثة أشهر، وإذا أخذت من حد المشرق حتى تقطع إلى حد المغرب في أرض التبت، وتمر في أرض التغزغز وخرخيز وعلى ظهر كيماك إلى البحر فهو نحو من أربعة أشهر. ولمملكة الصين ألسنة مختلفة، فأما الأتراك كلها من التغزغز وخرخيز وكيماك والغزية والخزلجية فألسنتهم واحدة، يفهم بعضهم عن بعض، فأما أرض الصين والتبت فلهم لسان مخالف لهذه الألسنة، والمملكة كلها منسوبة إلى صاحب الصين المقيم بخمدان، كما أن مملكة الروم منسوبة إلى الملك المقيم بالقسطنطينية، ومملكة الإسلام منسوبة إلى أمير المؤمنين ببغداد، ومملكة الهند منسوبة إلى الملك المقيم بقنوج. وديار الأتراك متميزة، فأما الغزية فإن حدود ديارهم ما بين الخزر وكيماك وأرض الخزلجية وبلغار، وحدود دار الإسلام ما بين جرجان إلى فاراب وأسبيجاب، وأما ديار الكيماكية فإنهم من وراء الخزلجية من ناحية الشمال، وهم فيما بين الغزية وخزخيز وظهر الصقالبة، ويأجوج هم من ناحية الشمال، إذا قطعت ما بين الصقالبة والكيماكية، والله أعلم بمكانهم وسائر بلادهم؛ وأما خزخيز فإنهم ما بين التغزغز وكيماك والبحر المحيط وأرض الخزلجية؛ وأما التغزغز فإنهم ما بين التبت وأرض الخزلجية وخرخيز ومملكة الصين؛ وأما الصين فإنهم ما بين البحر والتغزغز والتبت، والصين نفسه هو هذا الإقليم، وإنما نسبنا سائر بلاد الأتراك إليها في المملكة، كما نسبنا سائر مملكة الروم إلى أرض رومية والقسطنطينية، وكما نسبنا سائر ممالك الإسلام إلى إيرانشهر- وهو أرض بابل. وأرض الصقالبة عريضة طويلة نحو من شهرين في مثلها، وبلغار الخارجة هي مدينة صغيرة ليس فيها أعمال كثيرة، واشتهارها لأنها فرضة لهذه الممالك، والروس قوم بناحية بلغار فيما بينها وبين الصقالبةٍ، وقد انقطعت طائفة من الأتراك عن بلادهم، فصاروا فيما بين الخزر والروم يقال لهم البجناكية، وليس موضعهم بدار لهم على قديم الأيام، وإنما انتابوها فغلبوا عليها؛ وأما الخزر فإنه اسم لهذا الجنس من الناس، وأما البلد فإنه مصر يسمى إتل، وإنما سمي باسم النهر الذي الذي يجري عليه إلى بحر الخزر، وليس لهذا المصر كثير رساتيق ولا سعة ملك، وهو بلد بين بحر الخزر والسرير والروس والغزية؛ وأما التبت فإنها بين أرض الصين والهند وأرض الخزلجية والتغزغز وبحر فارس وبعضها في مملكة الهند، وبعضها في مملكة الصين، ولهم ملك قائم بنفسه، يقال أن أصله من التبايعة والله أعلم. وأما جنوبي الأرض من بلاد السودان فإن بلد السودان الذي في أقصى المغرب على البحر المحيط بلد مكنف، ليس بينه وبين شيء من الممالك اتصال، غير أن حدا له ينتهي إلى البحر المحيط، وحدا له إلى برية بينه وبين أرض مصر على ظهر الواحات، وحدا له ينتهي إلى أن البرية التي قلنا أنه لا يثبت فيها عمارة لشدة الحر؛ وبلغني أن طول
        [CENTER] [/CENTER]

        تعليق


        • #5
          أرضهم نحو من سبعمائة فرسخ في نحوها، غير أنها من البحر إلى ظهر الواحات أطول من عرضها؛ وأما أرض النوبة فإن حدا لها ينتهي إلى أرض مصر، وحدا لها إلى هذه البرية التي بين أرض السودان ومصر، وحدا لها إلى أرض البجة، وبراري بينها وبين القلزم، وحدا إلى هذه البرية التي لا تسلك؛ وأما أرض البجة فإن ديارهم صغيرة، وهي ما بين الحبشة والنوبة، وهذه البرية التي لا تسلك؛ وأما الحبشة فإنها على بحر القلزم، وهو بحر فارس، فينتهي حد لها إلى بلاد الزنج، وحد لها إلى البرية التي بين النوبة وبحر القلزم، وحد لها إلى البجة والبرية التي لا تسلك؛ وأما أرض الزنج فإنها أطول من أرض السودان، ولا تتصل بمملكة غير الحبشة، وهي بحذاء اليمن وفارس وكرمان إلى أن تحاذي أرض الهند؛ وأما أرض الهند فإن طولها من عمل مكران في أرض المنصورة والبدهة وسائر بلد السند إلى أن تنتهي إلى قنوج، ثم تجوزه إلى أرض التبت نحو من أربعة أشهر، وعرضها من بحر فارس على أرض قنوج نحو ثلاثة أشهر؛ وأما مملكة الإسلام فإن طولها من حد فرغانة حتى تقطع خراسان والجبال والعراق وديار العرب إلى سواحل اليمن نحو من خمسة أشهر، وعرضها من بلد الروم حتى تقطع الشام والجزيرة والعراق وفارس وكرمان إلى أرض المنصورة على شط بحر فارس نحو من أربعة أشهر، وإنما تركنا أن نذكر في طول الإسلام حد المغرب إلى الأندلس، لأنها مثل الكم في الثوب، وليس في شرقي المغرب ولا في غربيها إسلام، لأنك إذا جاوزت مصر في أرض المغرب كان جنوبي المغرب بلاد السودان، وشمال المغرب بحر الروم ثم أرض الروم، ولو صلح أن يجعل طول الإسلام من فرغانة إلى أرض الأندلس لكان مسيرة ثلاثمائة وعشر مراحل لأن من أقصى فرغانة إلى وادي بلخ نيفا وعشرين مرحلة، ومن وادي بلخ إلى العراق نحو من ستين مرحلة، وقد بينا في مسافات المغرب أن من مصر إلى أقصاه مائة وثمانين مرحلة، وقصدت في كتابي هذا تفصيل بلاد الإسلام إقليما حتى يعرف موقع كل إقليم من مكانه، وما يجاوره من سائر الأقاليم، ولم تتسع هذه الصورة التي جمعت سائر الأقاليم لما يستحقه كل إقليم في صورته، من مقدار الطول والعرض والاستدارة والتربيع والتثليث وما يكون عليها أشكالها، غير أنا بينا لكل إقليم مكانا يعرف به موضعه، وما يجاوره من سائر الأقاليم، ثم أفردنا لكل إقليم منها صورة على حدة، بينا فيها شكل ذلك الإقليم، وما يقع فيه من المدن، وسائر ما يحتاج إلى علمه، مما نأتي على ذكره في موضعه إن شاء الله. من سبعمائة فرسخ في نحوها، غير أنها من البحر إلى ظهر الواحات أطول من عرضها؛ وأما أرض النوبة فإن حدا لها ينتهي إلى أرض مصر، وحدا لها إلى هذه البرية التي بين أرض السودان ومصر، وحدا لها إلى أرض البجة، وبراري بينها وبين القلزم، وحدا إلى هذه البرية التي لا تسلك؛ وأما أرض البجة فإن ديارهم صغيرة، وهي ما بين الحبشة والنوبة، وهذه البرية التي لا تسلك؛ وأما الحبشة فإنها على بحر القلزم، وهو بحر فارس، فينتهي حد لها إلى بلاد الزنج، وحد لها إلى البرية التي بين النوبة وبحر القلزم، وحد لها إلى البجة والبرية التي لا تسلك؛ وأما أرض الزنج فإنها أطول من أرض السودان، ولا تتصل بمملكة غير الحبشة، وهي بحذاء اليمن وفارس وكرمان إلى أن تحاذي أرض الهند؛ وأما أرض الهند فإن طولها من عمل مكران في أرض المنصورة والبدهة وسائر بلد السند إلى أن تنتهي إلى قنوج، ثم تجوزه إلى أرض التبت نحو من أربعة أشهر، وعرضها من بحر فارس على أرض قنوج نحو ثلاثة أشهر؛ وأما مملكة الإسلام فإن طولها من حد فرغانة حتى تقطع خراسان والجبال والعراق وديار العرب إلى سواحل اليمن نحو من خمسة أشهر، وعرضها من بلد الروم حتى تقطع الشام والجزيرة والعراق وفارس وكرمان إلى أرض المنصورة على شط بحر فارس نحو من أربعة أشهر، وإنما تركنا أن نذكر في طول الإسلام حد المغرب إلى الأندلس، لأنها مثل الكم في الثوب، وليس في شرقي المغرب ولا في غربيها إسلام، لأنك إذا جاوزت مصر في أرض المغرب كان جنوبي المغرب بلاد السودان، وشمال المغرب بحر الروم ثم أرض الروم، ولو صلح أن يجعل طول الإسلام من فرغانة إلى أرض الأندلس لكان مسيرة ثلاثمائة وعشر مراحل لأن من أقصى فرغانة إلى وادي بلخ نيفا وعشرين مرحلة، ومن وادي بلخ إلى العراق نحو من ستين مرحلة، وقد بينا في مسافات المغرب أن من مصر إلى أقصاه مائة وثمانين مرحلة، وقصدت في كتابي هذا تفصيل بلاد الإسلام إقليما حتى يعرف موقع كل إقليم من مكانه، وما يجاوره من سائر الأقاليم، ولم تتسع هذه الصورة التي جمعت سائر الأقاليم لما يستحقه كل إقليم في صورته، من مقدار الطول والعرض والاستدارة والتربيع والتثليث وما يكون عليها أشكالها، غير أنا بينا لكل إقليم مكانا يعرف به موضعه، وما يجاوره من سائر الأقاليم، ثم أفردنا لكل إقليم منها صورة على حدة، بينا فيها شكل ذلك الإقليم، وما يقع فيه من المدن، وسائر ما يحتاج إلى علمه، مما نأتي على ذكره في موضعه إن شاء الله.
          [CENTER] [/CENTER]

          تعليق


          • #6
            ديار العرب
            وابتدأت بديار العرب لأن القبلة بها ومكة فيها وهي أم القرى، وبلد العرب وأوطانهم التي لم يشركهم في سكناها غيرهم، والذي يحيط بها بحر فارس من عبادان، وهو مصب ماء دجلة في البحر، فيمتد على البحرين حتى ينتهي إلى عمان، ثم يعطف على سواحل مهرة وحضرموت وعدن، حتى ينتهي إلى سواحل اليمن نعم إلى جدة ثم يمتد على الجار ومدين حتى ينتهي إلى أيلة، وثم قد انتهى حينئذ حد ديار العرب من هذا البحر، وهذا المكان من البحر لسان يعرف ببحر القلزم، ينتهي إلى تاران وجبيلات إلى القلزم فينقطع، فهذا هو شرقي ديار العرب وجنوبيها وشيء من غربيها، ثم يمتد عليها من أيلة إلى مدينة قوم لوط والبحيرة المنتنة التي تعرف ببحيرة زغر، إلى الشراة والبلقاء وهي من عمل فلسطين، وأذرعات وحوران والبثنية والغوطة ونواحي بعلبك وذلك من عمل دمشق وتدمر وسليمة وهما من عمل حمص، ثم الخناصرة وبالس وهما من عمل قنسرين، وقد انتهينا إلى الفرات، ثم يمتد الفرات على ديار العرب حتى ينتهي إلى الرقة وقرقيسية والرحبة والدالية وعانة والحديثة وهيت والأنبار إلى الكوفة ومستفرغ مياه الفرات إلى البطائح، ثم تمتد ديار العرب على نواحي الكوفة والحيرة على الخورنق وعلى سواد الكوفة إلى حد واسط، فتصاقب ما قارب دجلة عند واسط مقدار مرحلة، ثم تمتد على سواد البصرة وبطائحها حتى تنتهي إلى عبادان، فهذا الذي يحيط بديار العرب، فما كان من عبادان إلى أيلة فإنه بحر فارس، ويشتمل على نحو ثلاثة أرباع ديار العرب، وهو الحد الشرقي والجنوبي وبعض الغربي، وما بقي من الحد الغربي من أيلة إلى بالس فمن الشام، وما كان من بالس إلى عبادان فهو الحد الشمالي، فمن بالس إلى أن تجاوز الأنبار من حد الجزيرة، ومن الأنبار إلى عبادان من حد العراق، ويتصل بأرض العرب بناحية أيلة برية تعرف بتيه بني إسرائيل، وهي برية وإن كانت متصلة بديار العرب فليست من ديارهم، وإنما هي برية بين أرض العمالقة واليونانية وأرض القبط، وليس للعرب بها ماء ولا مرعى، فلذلك لم ندخلها في ديارهم، وقد سكن طوائف من العرب من ربيعة ومضر الجزيرة حتى صارت لهم ديارا ومراعي، فلم نذكر الجزيرة في ديار العرب، لأن نزولهم بها "وهي ديار فارس والروم" في أضعاف قرى معمورة ومدن لها أعمال عريضة، فنزلوا على حكم فارس والروم، حتى أن بعضهم تنصر ودان بدين الروم مثل تغلب من ربيعة بأرض الجزيرة ، وغسان وبهراء وتنوخ من اليمن بأرض الشام.
            [CENTER] [/CENTER]

            تعليق


            • #7
              وديار العرب هي الحجاز، الذي يشتمل على مكة والمدينة واليمامة ومخالفيها ونجد الحجاز، المتصل بأرض البحرين وبادية العراق وبادية الجزيرة وبادية الشام، واليمن المشتملة على تهامة، ونجد اليمن وعمان ومهرة وحضرموت وبلاد صنعاء وعدن وسائر مخاليف اليمن، فما كان من حد السرين حتى ينتهي إلى ناحية يلملم، ثم على ظهر الطائف ممتدا على نجد اليمن إلى بحر فارس مشرقا فمن اليمن، ويكون ذلك نحو الثلثين من ديار العرب، وما كان من حد السرين على بحر فارس إلى قرب مدين، راجعا في حد المشرق على الحجر إلى جبلي طيء، ممتدا على ظهر اليمامة إلى بحر فارس فمن الحجاز، وما كان من حد اليمامة إلى قرب المدينة، راجعا على بادية البصرة حتى يمتد على البحرين إلى البحر فمن نجد، وما كان من حد عبادان إلى الأنبار مواجها لنجد والحجاز، على أسد وطيء وتميم وسائر قبائل مضر فمن بادية العراق، وما كان من حد الأنبار إلى بالس مواجها لبادية الشام على أرض تيماء وبرية خساف إلى قرب وادي القرى والحجر فمن بادية الجزيرة، وما كان من بالس إلى أيلة مواجها للحجاز على بحر فارس إلى ناحية مدين، معارضا لأرض تبوك حتى يتصل بديار طيء فمن بادية الشام، على أن من العلماء بتقسيم هذه الديار من زعم أن المدينة من نجد لقربها منها، وأن مكة من تهامة اليمن لقربها منها، وأنا بمشيئة الله وعونه سأذكر ما انتهى إليه علمي، من مدنها وما تشتمل عليه المدن مما يحتاج إلى علمه، والمشاهير من ديار العرب بها وجبالها ورمالها، وجوامع من المسافات المسلوكة بها، ولا نعلم بأرض العرب نهرا ولا بحرا يحمل سفينة، لأن البحيرة المنتنة التي تعرف بزغر "وإن كانت مصابقة للبادية" فليست منها، ومجمع الماء الذي بأرض اليمن في ديار سبأ، إنما كان موضع مسيل ماء بني في وجهه سد، فكان يجتمع فيه مياه كثيرة يستعملونها في القرى والمزارع حتى كفروا بعد أن كان الله جعل لهم عمارات- قرى متصلة إلى الشام فسلط الله عز وجل على ذلك الماء آفة فكان لا يمسك ماء، وهو قوله تعالى: )وجلنها بينهم وبين القرى التي باركنا فيها( إلى قوله: )ومزقناهم كل ممزق( فبطل ذلك الماء إلى يومنا هذا، وأما الجداول والعيون والسواني والآبار فإنها كثيرة.
              [CENTER] [/CENTER]

              تعليق


              • #8
                ونبتدأ من مدن ديار العرب بمكة شرفها الله، وهي مدينة فيما بين شعاب الجبال، وطول مكة من العلاة إلى المسفلة نحو ميلين، وهو من حد الجنوب إلى الشمال، ومن أسفل جياد إلى ظهر قعيقعان نحو الثلثين من هذا، وأبنيتها حجارة، والمسجد في نحو الوسط منها، والكعبة في وسط المسجد، وباب الكعبة مرتفع عن الأرض نحو قامة وهو مصراع واحد، وأرض البيت مرتفعة عن الأرض مع الباب، والباب بحذاء قتبة زمزم، والمقام بقري زمزم على خط محاذ للباب، وبين يدي الكعبة مما يلي المغرب حائط مبني مدور، وهو من البيت إلا أنه لم يدخل فيه، وهو الحجر، والطواف يحيط به وبالبيت، وينتهي إلى هذا الحجر من البيت ركنان، أحدهما يعرف بالركن العراقي والآخر بالركن الشامي، والركنان الآخران أحدهما عند الباب، والحجر الأسود على أقل من قامة، والركن الآخر يغرف باليماني، وسقاية الحاج "التي تعرف بسقاية العباس" على ظهر زمزم، وزمزم فيما بينها وبين البيت، ودار الندوة من المسجد الحرام في غربية، وهي خلف دار الإمارة مشرعة إلى المسجد، وهو مسجد قد جمع إلى المسجد الحرام وكان في الجاهلية مجتمعا لقريش، والصفا مكان مرتفع من جبل أبي قبيس، وبينها وبين المسجد الحرام عرض الوادي الذي هو طريق وسوق، ومن وقف على الصفا كان بحذاء الحجر الأسود، والمسعى ما بين الصفا والمروة، والمروة حجر من جبل قعيقعان، ومن وقف عليها كان بحذاء الركن العراقي، إلا أن الأبنية قد سترت ذلك الركن عن الرؤية، وأبو قبيس هو الجبل المشرف على الكعبة من شرقيها، وقعيقعان هو الجبل الذي من غربي الكعبة، وأبو قبيس أعلى وأكبر منه، ويقال أن حجارة البيت من قعيقعان، ومنى على طريق عرفة من مكة، وبينها وبين مكة ثلاثة أميال، ومنى شعب طوله نحو ميلين وعرضه يسير، وبها أبنية كثيرة لأهل كل بلد من بلدان الإسلام، ومسجد الخيف في أقل من الوسط مما يلي مكة، وجمرة العقبة في آخر منى مما يلي مكة، وليست العقبة التي تنسب إليها الجمرة من منى، والجمرة الأولى والوسطى هما جميعا فوق مسجد الخيف إلى ما يلي مكة، والمزدلفة مبيت للحجاج ومجمع للصلاة إذا صدروا من عرفات، وهو مكان بين بطن محسر والمأزمين، وأما بطن محسر فهو واد بين منى والمزدلفة، وأما المأزمان فهو شعب بين جبلين يفضي آخره إلى بطن عرنة، وهو واد بين المأزمين وبين عرفة، وعرفة ما بين وادي عرنة إلى حائط بني عامر إلى من أقبل على الصخرات، والتي يكون بها موقف الإمام وعلى طريق عقبة، وحائط بني عامر نخيل عند عرفة، وبقربه المسجد الذي يجمع فيه الإمام بين الصلاتين الظهر والعصر، وهو حائط نخيل وبه عين، وينسب إلى عبد الله بن عامر بن ركيز، وليس عرفات من الحرم، وإنما حد الحرم إلى المأزمين، فإذا جزتهما إلى العلمين المضروبين فما وراء العلمين من الحل، وكذلك التنعيم الذي يعرف بمسجد عائشة ليس من الحرم والحرم دونه، وحد الحرم نحو عشرة أميال في مسيرة يوم، وعلى الحرم كله منار مضروب يتميز به من غيره، وليس بمكة ماء جار، إلا شيء بلغني بعد خروجي عنها أنه أجري إليها، من عين كان عمل فيها بعض الولاة، فاستتم في أيام المقتدر أمير المؤمنين، ومياههم من السماء وليست لهم آبار تشرب، وأطيبها بئر زمزم، ولا يمكن الإدمان على شربه، وليس بجميع مكة "فيما علمته" شجر مثمر إلا شجر البادية، فإذا جزت الحرم فهناك عيون وآبار وحوائط كثيرة وأودية ذات خضر ومزارع ونخيل، وأما الحرم فلم أر ولم أسمع أن به شجرا مثمرا، إلا نخيلات رأيتها بفخ ونخيلات يسيرة متفرقة، وأما ثبير فهو جبل مشرف يرى من منى والمزدلفة، وكانت الجاهلية لا تدفع من المزدلفة إلا بعد طلوع الشمس إذا أشرقت على ثبير، وبالمزدلفة المشعر الحرام، وهو مصلى الإمام يصلي به المغرب والعشاء والصبح، والحديبية بعضها في الحل وبعضها في الحرم، وهو مكان صد فيه المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الحرام، وهو أبعد الحل إلى البيت، وليس هو في طول الحرم ولا في عرضه إلا أنه في مثل الزاوية للحرم فلذلك صار بينها وبين المسجد أكثر من يوم.
                [CENTER] [/CENTER]

                تعليق


                • #9
                  وأما المدينة فهي أقل من نصف مكة، وهي في حرة سبخة الأرض، ولها نخيل كثيرة، ومياه نخيلهم وزروعهم من الآبار، يستقون منها العبيد، وعليها سور، والمسجد في نحو من وسطها، وقبر النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد في شرقيه قريبا من القبلة، وهو الجدار الشرقي من المسجد، وهو بيت مرتفع ليس بينه وبين سقف المسجد إلا فرجة، وهو مسدود لا باب له، وفي قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، والمنبر الذي كان يخطب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم غشي بمنبر آخر، والروضة أمام المنبر بينه وبين القبر، ومصلى رسول الله الذي كان يصلي فيه الأعياد في غربي المدينة داخل الباب، وبقيع الغرقد خارج باب البقيع في شرقي المدينة؛ وقباء خارج المدينة على نحو من ميلين إلى ما يلي القبلة، وهو مجمع بيوت للأنصار يشبه القرية؛ وأحد جبل في شمال المدينة، وهو أقرب الجبال إليها على بعد فرسخين، وبقربها مزارع فيها ضياع لأهل المدينة توازي العقيق فيما بينها وبين الفرع، والفرع من المدينة على أربعة أيام من جنوبيها، وبها مسجد جامع، غير أن أكثر هذه الضياع خراب، وكذلك حوالي المدينة ضياع كثيرة وأكثرها خراب، والعقيق واد من المدينة في قبليها على أربعة أميال في طريق مكة، وأعذب مياه تلك الناحية آبار العقيق.
                  وأما اليمامة فإن مدينتها دون مدينة الرسول، وهي أكثر تمرا ونخلا من المدينة ومن سائر الحجاز. وأما البحرين فإنها من ناحية نجد، ومدينتها هجر وهي أكثر تمورا، إلا أنها ليست من الحجاز، وهي على شط بحر فارس، وهي ديار القرامطة، ولها قرى كثيرة وقبائل من مضر ذوو عدد قد احتفوها، وليس بالحجاز مدينة بعد مكة والمدينة أكبر من اليمامة، ويليها في الكبر وادي القرى، وهي ذات نخيل كثيرة وعيون، والجار فرضة المدينة وهي على ثلاث مراحل من المدينة على شط البحر، وهي أصغر من جدة، وجدة فرضة أهل مكة على مرحلتين منها على شط البحر، وهي عامرة كثيرة التجارات والأموال، ليس بالحجاز بعد مكة أكثر مالا وتجارة منها، وقوام تجارتها بالفرس.
                  والطائف مدينة صغيرة نحو وادي القرى، إلا أن ثمارها الزبيب، وهي طيبة الهواء وأكثر فواكه مكة منها، وهي على ظهر جبل غزوان، وبغزوان ديار بني سعد وسائر قبائل هذيل، وليس بالحجاز "فيما علمته" مكان هو أبرد من رأس هذا الجبل، ولذلك اعتدل هواء الطائف، وبلغني أنه ربما جمد الماء في ذروة هذا الجبل، وليس بالحجاز مكان يجمد فيه الماء سوى هذا الموضع فيما علمته.
                  والحجر قرية صغيرة قليلة السكان، وهي من وادي القرى على يوم بين جبال، وبها كانت ديار ثمود، الذين قال الله فيهم: )وثمود الذين جابوا الصخر بالواد( ورأيت تلك الجبال ونحتهم، الذين قال الله عنهم: )وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين(، ورأيتها بيوتا مثل بيوتنا في أضعاف جبال، وتسمى تلك الجبال الأثالب، وهي جبال في العيان متصلة، حتى إذا توسطتها رأيت كل قطعة منها قائمة بنفسها، يطوف بكل قطعة منها الطائف، وحواليها رمل لا يكاد يرتقي إلى ذروة كل قطعة منها أحد إلا بمشقة شديدة، وبها بئر ثمود التي قال الله في الناقة )لها شرب ولكم شرب يوم معلوم(.
                  [CENTER] [/CENTER]

                  تعليق


                  • #10
                    وتبوك بين الحجر وبين أول الشام على أربع مراحل نحو نصف طريق الشام، وهو حصن به عين ونخيل، وحائط ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقال أن أصحاب الأيكة الذين بعث إليهم شعيب كانوا بها، ولم يكن شعيب منهم، وإنما كان من مدين. ومدين على بحر القلزم محاذية لتبوك على نحو من ست مراحل، وهي أكبر من تبوك، وبه البئر التي استقى منها موسى عليه السلام لسائمة شعيب، ورأيت هذه البئر مغطاة قد بني عليها بيت، وماء أهلها من عين تجري لهم، ومدين اسم القبيلة التي كان منها شعيب، وإنما سميت القرية بهم، ألا ترى أن الله يقول: )وإلى مدين أخاهم شعيبا(. وأما الجحفة فإنها منزل عامر، وبينها وبين البحر نحو من ميلين، وهي في الكبر ودوام العمارة نحو من فيد، وليس بين المدينة ومكة منزل يستقل بالعمارة والأهل جميع السنة إلا الجحفة، ولا بين المدينة والعراق مكان يستقل بالعمارة والأهل جميع السنة مثل فيد، وفيد في ديار طيء، وجبلا طيء منها على مسيرة يومين، وفيها نخيل وزرع قليل لطيء وبها ماء قليل، يسكنها بادية من طيء، ينتقلون عنها في بعض السنة للمراعي، وجبلة حصن في آخر وادي ستارة، ووادي ستارة بين بطن مر وعسفان عن يسار الذاهب إلى مكة، وطول هذا الوادي نحو من يومين، لا يكون الإنسان منه في مكان من بطن لا يرى فيه نخلا، وعلى ظهر هذا الوادي واد مثل هذا يعرف بساية والآخر يعرف بالسائرة، وبجبلة كانت وقعة لبني تميم في بكر بن وائل، وفي جرف منها قيل هلك لقيط بن زرارة أخو حاجب خيبر حصن ذات نخيل كثيرة وزروع، وينبع حصن بها نخيل وماء وزروع، وبها وقوف لعلي بن أبي طالب عليه السلام يتولاها أولاده؛ والعيص حصن صغير بين ينبع والمروة، والعشيرة حصن صغير بين ينبع والمروة، تفضل تمورها على سائر تمور الحجاز، غلا الصيحاني بخيبر والبردي والعجوة بالمدينة، وبقرب ينبع جبل رضوي، وهو جبل منيف ذو شعاب وأودية، ورأيته من ينبع أخضر، وأخبرني من طاف في شعابه أن به مياها كثيرا وأشجارا، وهو الجبل الذي زعم طائفة يعرفون بالكيسانية، أن محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب حي مقيم به، ومن رضوي يحمل حجر المسن إلى سائر الآفاق، وبقربه فيما بينه وبين ديار جهينة وبلي وساحل البحر ديار للحسنيين، حزرت بيوت الشعر التي يسكنونها نحوا من سبعمائة بيت وهم بادية مثل الأعراب، ينتقلون في المراعي والمياه انتقال الأعراب، لا تميز بينهم في خلق ولا خلق، وتتصل ديارهم مما يلي المشرق بودان؛ وودان هذه من الجحفة على مرحلة، وبينها وبين الأبواء "التي على طريق الحاج في غربيها" ستة أميال، وبها كان في أيام مقامي بها رئيس الجعفريين، أعني أولاد جعفر بن أبي طالب، ولهم بالفرع والسائرة ضياع كثيرة وعشيرة وأتباع، وبينهم وبين الحسنيين حروب ودماء، حتى استولت طائفة من اليمن يعرفون ببني حرب على ضياعهم، فصاروا حزبا لهم فضعفوا؛ وتيماء حصن أعمر من تبوك وهي في شمالي تبوك، وبها نخيل وهي ممتار البادية، وبينها وبين أول الشام ثلاثة أيام، ولا أعلم فيما بين العراق واليمن والشام مكانا إلا وهو في ديار طائفة من العرب، ينتجعونه في مراعيهم ومياههم، إلا أن يكون بين اليمامة والبحرين وبين عمان من وراء عبد القيس برية خالية من الآبار والسكان والمراعي، قفرة لا تسلك ولا تسكن، فأما ما بين القادسية إلى الشقوق "في الطول وفي العرض من قرب السماوة إلى حد بادية البصرة" فسكانها قبائل من بني أسد، فإذا جزت الشقوق فأنت في ديار طيء، إلى أن تجاوز معدن النقرة في الطول وفي العرض من وراء جبلي طيء محاذيا لوادي القرى، إلى أن تتصل بحدود نجد من اليمامة والبحرين، ثم إذا جزت المعدن عن يسار المدينة فأنت في سليم، وإذا جزته عن يمين المدينة فأنت في جهينة، وفيما بين مكة والمدينة بكر بن وائل في قبائل من مضر من الحسنيين والجعفريين وقبائل من مضر، وأما نواحي مكة فإن الغالب على نواحيها مما يلي المشرق بنو هلال وبنو سعد في قبائل من هذيل، وفي غربيتها مدلج وغيرها من قبائل مضر. وأما بادية البصرة فإنها أكثر هذه البوادي أحياء وقبائل، وأكثرها تميم حتى يتصلوا بالبحرين واليمامة، ثم من ورائهم عبد القيس؛ وأما بادية الجزيرة فإن بها أحياء من ربيعة واليمن، وأكثرهم كلب اليمن، وفي قبيلة منهم يعرفون ببني العليص خرج صاحب الشام، الذي فل جيوش
                    [CENTER] [/CENTER]

                    تعليق


                    • #11
                      مصر وأوقع بأهل الشام، حتى قصده المكتفي بنفسه إلى الرقة فأخذه؛ وبادية السماوة من دومة الجندل إلى عين التمر، وبرية خساف فيما بين الرقة وبالس عن يسار الذاهب إلى الشام، وصفين أرض من هذه البادية بقرب الفرات ما بين الرقة وبالس، وهو الموضع الذي كانت به حرب معاوية وعلي صلوات الله عليه، والحرب ينسب إليها، ورأيت هذا الموضع من بعد، وأخبرني من رأى به عمار بن ياسر رضي الله عنه، وبيت المال الذي كان يجمع فيه الفيء لعلي بن أبي طالب صلوات الله عليه.صر وأوقع بأهل الشام، حتى قصده المكتفي بنفسه إلى الرقة فأخذه؛ وبادية السماوة من دومة الجندل إلى عين التمر، وبرية خساف فيما بين الرقة وبالس عن يسار الذاهب إلى الشام، وصفين أرض من هذه البادية بقرب الفرات ما بين الرقة وبالس، وهو الموضع الذي كانت به حرب معاوية وعلي صلوات الله عليه، والحرب ينسب إليها، ورأيت هذا الموضع من بعد، وأخبرني من رأى به عمار بن ياسر رضي الله عنه، وبيت المال الذي كان يجمع فيه الفيء لعلي بن أبي طالب صلوات الله عليه.
                      وأما بادية الشام فإنها ديار لفزارة ولخم وجذام وبلى وقبائل مختلطة من اليمن وربيعة ومضر، وأكثرها يمن، والرمل المذكور بالحجاز هو الرمل الذي عرضه من الشقوق إلى الأجفر، وطوله من وراء جبلي طيء إلى أن يتصل مشرقا بالبحر، وهو رمل أصفر لين اللمس، يكاد بعضه يحكي الغبار.
                      وأما تهامة فإنها قطعة من اليمن وهي جبال مشتبكة، أولها مشرف على بحر القلزم، مما يلي غربيها، وشرقيها بناحية صعدة وجرش ونجران، وشماليها حدود مكة، وجنوبيها من صنعاء على نحو من عشر مراحل، وقد صورت جبال تهامة في صورة ديار العرب؛ وبلاد خيوان تشتمل على قرى ومزارع ومياه معمورة بأهلها، وهي مفترشة وبها أصناف من قبائل اليمن، وبحران وجرش مدينتان متقاربتان في الكبر بهما نخيل، يشتملان على أحياء من اليمن كثيرة، وصعدة أكبر وأعمر منهما، وبها يتخذ ما كان يتخذ بصنعاء من الأدم، ويتخذ بنجران وجرش والطائف أدم كثير، غير أن أكثر ذلك يرتفع من صعدة، وبها مجتمع التجار والأموال، والحسني المعروف بالزيدي بها مقيم، وليس بجميع اليمن مدينة أكبر ولا أكثر أهلا ومرافق من صنعاء، وبلغني أنها من اعتدال الهواء بحيث لا يتحول الإنسان عن مكان واحد شتاء وصيفا عمره، وتتقارب بها ساعات الشتاء والصيف، وبها كانت ديار ملوك اليمن فيما تقدم، وبها بناء عظيم قد خرب، فهو تل عظيم يعرف بغمدان كان قصرا لملوك اليمن، وليس باليمن بناء أرفع منه، والمذيخرة جبل للجعفري، بلغني أن أعلاه نحو عشرين فرسخا، فيها مزارع ومياه ونباتها الورس، وهو منيع لا يسلك إلا من طريق واحد حجتى تغلب عليه القرمطي، الذي كان خرج باليمن يعرف بمحمد بن الفضل، وشبام جبل منيع جدا فيه قرى ومزارع وسكان كثيرة، وهو مشهور من جبال اليمن، ويرتفع من اليمن العقيق والجزع، وهما حجران إذا حكا خرج منهما الجزع والعقيق، لأن وجه الحجر كالغشاء، وبلغني أنهما يكونان في صحارى فيها حصى فيلتقط من بين الحجارة، وعدن مدينة صغيرة، وإنما شهرتها لأنها فرضة على البحر، ينزلها السائرون في البحر، وبها معادن اللؤلؤ. وباليمن مدن كثيرة هي أكبر منها وليست بمشهورة، وبلاد الإباضية بقرب خيوان، وهي أعمر بلاد تلك النواحي مخاليف ومزارع وأغزرها مياها، وحضرموت في شرقي عدن بقرب البحر، وبها رمال كثيرة تعرف بالأحقاف، وحضرموت في نفسها مدينة صغيرة ولها أعمال عريضة، وبها قبر هود النبي عليه السلام، وبقربها بلهوت بئر عميقة لا يكاد يستطيع أحد أن ينزل إلى قعرها. وأما بلاد مهرة فإن قصبتها تسمى الشحر، وهي بلاد قفرة ألسنتهم مستعجمة جدا، لا يكاد يوقف عليها، وليس ببلادهم نخيل ولا زرع، وإنما أموالهم الأبل، وبها نجب من الأبل تفضل في السير على سائر النجب، واللبان الذي يحمل إلى الآفاق من هناك؛ وديارهم مفترشة، وبلادهم بواد نائية، ويقال أنها من عمان.
                      [CENTER] [/CENTER]

                      تعليق


                      • #12
                        وعمان مستقلة بأهلها، وهي كثيرة النخيل والفواكه الجرمية من الموز والرمان والنبق ونحو ذلك، وقصبتها صحار وهي على البحر، وبها متاجر البحر وقصد المراكب، وهي أعمر مدينة بعمان وأكثرها مالا، ولا تكاد تعرف على شاطئ بحر فارس بجميع بلاد الإسلام مدينة أكثر عمارة ومالا من صحار، وبها مدن كثيرة، وبلغني أن حدود أعمالها نحو من ثلثمائة فرسخ، وكان الغالب عليها الشراة، إلا أن وقع بينهم وبين طائفة من بني سامة ابن لؤي "وهم من كبراء تلك النواحي" حروب، فخرج منهم رجل يعرف بمحمد بن القاسم السامي إلى المعتضد فاستنجده، فبعث معه بابن ثور ففتح عمان للمعتضد، وأقام بها الخطبة له، وانحاز الشراة إلى ناحية لهم تعرف بنزوة، وإلى يومنا هذا بها إمامهم وبقية مالهم وجماعتهم؛ وعمان بلاد حارة جدا، وبلغني أن بمكان منها بعيد عن البحر ربما وقع ثلج دقيق، ولم أر أحدا شاهد ذلك إلا بالإبلاغ، وبأرض سبأ من اليمن طوائف من حمير وكذلك بأرض حضرموت. وأما ديار همدان وأشعر وكندة وخولان فإنها مفترشة في أعراض اليمن، وفي أضعافها مخاليف وزروع، وبها بواد وقرى تشتمل على بعض تهامة وبعض نجد اليمن من شرقي تهامة، وهي قليلة الجبال مستوية البقاع؛ ونجد اليمن غير نجد الحجاز، غير أن جنوبي نجد الحجاز يتصل بشمالي نجد اليمن، وبين البحرين وبين عمان برية ممتنعة؛ وباليمن قرود كثيرة، بلغني أنها تكثر حتى لا تطاق إلا بجمع عظيم، وإذا اجتمعت كان لها كبير تتبعه مثل اليعسوب للنحل، وبها دابة تسمى العدار، بلغني أنها تطلب الإنسان فتقع عليه، فإن أصابت منه ذلك تدود جوف الإنسان فانشق، ويحكى عن الغيلان بها من الأعجوبة ما لا أستجز حكايته.
                        وأما المسافات بديار العرب فإن الذي يحيط بها: من عبادان إلى البحرين نحو من 15 مرحلة، ومن البحرين إلى عمان نحو من شهر، ومن عمان إلى أرض مهرة نحو من شهر، وإلى حضرموت من مهرة نحو من شهر، ومن أقصى حضرموت إلى عدن نحو من شهر، ومن عدن إلى جدة نحو من شهر. ومن جدة إلى ساحل الجحفة نحو من 5 مراحل، ومن ساحل الجحفة إلى الجار نحو من 3 مراحل، ومن الجار إلى أيلة نحو من 20 مرحلة، ومن أيلة إلى بالس نحو من 20 مرحلة، ومن بالس ومن بالس لي الكوفة نحو من 20 مرحلة، ومن الكوفة إلى البصرة نحو من 12 مرحلة، ومن البصرة إلى عبادان نحو من مرحلتين، فهذا هو الدور الذي يحيط بها.
                        أما طرقها: فإن من الكوفة إلى المدينة نحو من 20 مرحلة، ومن المدينة إلى مكة نحو من 10 مراحل؛ وطريق الجادة من الكوفة إلى مكة أقصر من هذا الطريق بنحو من 3 مراحل، وإذا انتهى إلى معدن النقرة عدل عن المدينة، حتى يخرج إلى معدن بني سليم إلى ذات عرق حتى ينتهي إلى مكة. وأما طريق البصرة فهو إلى المدينة نحو من 18 مرحلة، ويلتقي مع طريق الكوفة بقرب معدن النقرة، وأما طريق البحرين إلى المدينة فنحو من 15 مرحلة، وأما طريق الرقة إلى المدينة فنحو من نحو20 مرحلة، وكذلك من دمشق إلى المدينة نحو من 20 مرحلة، ومن مصر إلى المدينة على الساحل نحو من 20 مرحلة.
                        [CENTER] [/CENTER]

                        تعليق


                        • #13
                          ولم نفرد لمصر والمغرب طريقا لأنه يلتقي بأيلة مع طريق أهل فلسطين، فيصير الطريقان سوى، وهو أول حد البادية، وإنما يتفرق قبل دخول البادية، ولأهل مصر وفلسطين إذا جاوزوا مدين طريقان: أحدهما إلى المدينة على بدا وشغب "قرية بالبادية كان بنو مروان أقطعوها الزهري المحدث وبها قبره" حتى ينتهي 'لى المدينة على المروة، وطريق يمضي على ساحل البحر حتى يخرج بالجحفة، فيجتمع بها طريق أهل العراق ودمشق وفلسطين ومصر؛ وأما طريق البصرة والرقة، فهما لا يسلكان وقد تعطلا، وسائر الطرق مسلوكة. ومن عدن إلى مكة نحو من شهر، ولها طريقان: إحداهما على ساحل البحر وهو أبعد، والآخر يأخذ على صنعاء وصعدة وجرش ونجران والطائف حتى ينتهي إلى مكة، ولهم طريق على البوادي وتهامة هو أقرب من هذين الطريقين، إلا أنه على أحياء اليمن ومخاليفها، تسلكه الحواس منهم. وأما أهل حضرموت ومهرة فإنهم يقطعون عرض بلادهم حتى يتصلوا بالجادة التي بين عدن وبين مكة، والمسافة منهم إلى الاتصال بهذه الجادة ما بين عشرين مرحلة إلى خمسين مرحلة. وأما طريق عمان فهو طريق يصعب سلوكه في البرية، لكثرة القفار بها وقلة السكان، وإنما طريقهم في البحر إلى جدة، فإن سلكوا على السواحل من مهرة وحضرموت إلى عدن "أو إلى طريق عدن" بعد عليهم، وقل ما يسلكونه، وكذلك ما بين عمان والبحرين فطريق شاق، يصعب سلوكه لتمانع العرب فيما بينهم بها، وأما ما بين البحرين وعبادان فغير مسلوك وهوقفر، والطريق فيها على البحر، ومن البصرة إلى البحرين نحو من 18 مرحلة في قبائل العرب ومياههم مسلوك عامر، غير أنه مخوف.
                          فهذه جوامع المسافات التي يحتاج إلى علمها، فأما ما بين ديار العرب لقبائلها من المسافات فقل ما تقع الحاجة لغير أهل البادية إلى معرفتها.
                          بحر فارس
                          وسنذكر بعد ديار العرب بحر فارس، فإنه يشتمل على أكثر حدودها، ويتصل بديار العرب منه وبسائر بلاد الإسلام ونصوره، ثم نذكر جوامع مما يشتمل عليه هذا البحر، ونبتدئ بالقلزم على ساحله مما يلي المشرق، فإنه ينتهي إلى أيلة، ثم يطوف بحدود ديار العرب، التي ذكرناها وبيناها قبل هذا إلى عبادان، ثم يقطع عرض دجلة وينتهي على الساحل إلى مهروبان ثم إلى جنابة، ثم يمر على سيف فارس إلى سيراف، ثم يمتد إلى سواحل هرمز وراء كرمان إلى الديبل وساحل الملتان وهو ساحل السند، وقد انتهى حد بلدان الإسلام، ثم ينتهي إلى سواحل الهند حتى ينتهي إلى سواحل التبت فيقطعها إلى أرض الصين؛ وإذا أخذت من القلزم غربيها على ساحل البحر سرت في مفاوز، من حدود مصر حتى تنتهي إلى مفاوز هي للبجة، وبها معادن الذهب، إلى مدينة على شط البحر يقال لها عيذاب ثم يمتد على بلد الحبشة، وهي محاذية لمكة والمدينة حتى يحاذي قرب عدن، ثم يقطع الحبشة ويتصل بظهر بلد النوبة حتى ينتهي إلى بلدان الزنج وهي من أوسع تلك الممالك فيمتد على محاذاة جميع بلدان الإسلام، وقد انتهى مسافة هذا البحر، ثم تعرض فيه جزائر وأقاليم مختلفة إلى أن يحاذي أرض الصين.
                          [CENTER] [/CENTER]

                          تعليق


                          • #14
                            وقد صورت هذا البحر وذكرت حدوده مطلقا، وسأصف ما يحيط به وما في أضعافه جملا، يقف عليه من قرأه إن شاء الله. أما ما كان من هذا البحر من القلزم إلى ما يحاذي بطن اليمن فإنه يسمى بحر القلزم، ومقداره نحو ثلاثين مرحلة طولا، وعرضه أوسع ما يكون غير مسير ثلاث ليال، ثم لا يزال يضيق حتى يرى من بعض جنباته الجانب الآخر، حتى ينتهي إلى القلزم، ثم يدور على الجانب الآخر من بحر القلزم، وبحر القلزم مثل الوادي به جبال كثيرة قد علا الماء عليها، وطرق السفن بها معروفة لا يهتدى فيها إلا بربان، يتخلل بالسفينة في أضعاف تلك الجبال بالنهار، فأما باللليل فلا بسلك، وماؤه صاف ترى تلك الجبال فيه، وفي هذا البحر ما بين القلزم وأيلة مكان يعرف بتاران، وهو أخبث ما في هذا البحر من الأماكن، وذلك أنه دوارة ماء في سفح جبل، وإذا وقعت الريح على ذروته انقطعت الريح على قسمين، فتنزل الريح على شعبين في هذا الجبل متقابلين، فتخرج الريح من كلا هذين الشعبين فتقابل فيثور الماء، وتتبلد كل سفينة تقع في تلك الدوارة باختلاف الريحين وتتلف فلا تسلم واحدة، وإذا كان للجنوب أدنى مهب فلا سبيل إلى سلوكه، ومقدار طوله نحو ستة أميال، وهو الموضع الذي غرق فيه فرعون، وبقرب تاران موضع يعرف بجبيلات، يهيج وتتلاطم أمواجه باليسير من الريح، وهو موضع مخوف أيضا، فلا يسلك بالصبا مغربا وبالدبور مشرقا، وإذا حاذا أيلة ففيه سمك كثير مختلف الألوان، فإذا قابل بطن اليمن سمي بحر عدن إلى أن يجاوز عدن ثم يسمى بحر الزنج، إلى أن يحاذي عمان عاطفا على فارس، وهذا بحر يعرض حتى يقال أن عبره إلى بلاد الزنج سبعمائة فرسخ، وهو بحر مظلم أسود لا يرى مما فيه شيء، وبقرب عدن معدن اللؤلؤ يخرج ما يرتفع منه إلى عدن وإذا جزت عمان إلى أن تخرج عن حدود الإسلام، وتتجاوزه إلى قرب سرنديب يسمى بحر فارس، وهو عريض البطن جدا، في جنوبه بلدان الزنج، وفي هذا البحر هوارات كثيرة ومعاطف صعبة، ومن أشدها ما بين جنابة والبصرة، فإنه مكان يسمى هور جنابة، وهو مكان مخوف لا تكاد تسلم منه سفينة عند هيجان البحر، وبها مكان يعرف بالخشبات، من عبادان على نحو ستة أميال، على جري ماء دجلة إلى البحر، ويرق الماء حتى يخاف على السفن الكبار، إن سلكته أن تجلس على الأرض إلا في وقت المد، وبهذا الموضع خشاب منصوبة قد بني عليها مرقب يسكنه ناظور، يوقد بالليل ليهتدى به ويعلم به المدخل إلى دجلة، وهو مكان مخوف إذا ضلت السفينة فيه خيف انكسارها لرقة الماء، وبحذاء جنابة مكان يعرف بخارك وبه معدن اللؤلؤ، يخرج منه الشيء اليسير، إلا أن النادر إذا وقع من هذا المعدن فاق في القيمة غيره، ويقال أن الدرة اليتيمة تقع من هذا المعدن، وبعمان وسرنديب في هذا البحر معدن لؤلؤ، ولا أعلم معدنا لؤلؤ إلا ببحر فارس، ولهذا البحر مد وجزر في اليوم والليلة مرتان، من حد القلزم إلى حد الصين حيث انتهى، وليس لبحر المغرب ولا لبحر الروم ولا لسائر البحار مد ولا جزر غير بحر فارس، وهو أن يرتفع الماء قريبا من عشرة أذرع، ثم ينضب حتى يرجع إلى مقداره، وفي هذا البطن من البحر الذي نسبناه خصوصا إلى فارس جزائر، منها لافت وخارك وأوال وغيرها من الجزائر المسكونة، وبها مياه عذبة وزرع وضرع، فهذه جوامع من صفة هذا البحر من حدود الإسلام.
                            [CENTER] [/CENTER]

                            تعليق


                            • #15
                              وسأصف ما على سواحله صفة جامعة، نبتدئ منها بالقلزم ثم ننتهي إلى جنباته إن شاء الله. وأما القلزم فإنها مدينة على شفير البحر، وينتهي هذا البحر إليها، وهي في عطف هذا البحر في آخر لسانه، وليس بها زرع ولا شجر ولا ماء، وإنما يحمل لهم من آبار ومياه بعيدة منهم، وهي تامة العمارة بها فرضة مصر والشام، ومنها تحمل حمولات الشام ومصر إلى الحجاز واليمن وسواحل هذا البحر، وبينها وبين فسطاط مصر مرحلتان، ثم ينتهي على شط البحر فلا تكون بها قرية ولا مدينة، سوى مواضع فيها ناس مقيمون على صيد من هذا البحر وشيء من النخيل يسير، حتى ينتهي على تاران وجبيلات، وما حاذا جبل الطور إلى أيلة؛ وأيلة هذه مدينة صغيرة عامرة، بها زرع يسير، وهي مدينة اليهود الذين حرم الله عليهم صيد السبت، وجعل منهم القردة والخنازير، وفيها بيد اليهود عهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وأما مدين وما انتهى على هذا البحر في عطوف اليمن إلى عمان والبحرين إلى عبادان فقد وصفناه في صفة ديار العرب، وأما عبادان فإنها حصن صغير عامر على شط البحر، ومجمع ماء دجلة، وهو رباط كان فيه محارس للقطرية وغيرهم من متلصصة البحر، وبها على دوام الأيام مرابطون، ثم تقطع عرض دجلة فتصير على ساحل هذا البحر إلى مهروبان من حد فارس، ويعرض فيها أماكن تمنع من السلوك إلا في الماء، وذلك أن مياه خوزستان تجتمع إلى دورق وحصن مهدي وباسيان فتتصل بماء البحر؛ ومهروبان مدينة صغيرة عامرة وهي فرضة أرجان، وما والاها من أداني فارس ويعض خوزستان، ثم ينتهي البحر على الساحل إلى شينيز، وهي مدينة أكبر من مهروبان، ومنها يرتفع الشينيزي الذي يحمل إلى الآفاق، ثم ينتهي إلى جنابة؛ وجنابة هذه مدينة أكبر من مهروبان، وهي فرضة لسائر فارس خصبة شديدة الحر، ثم ينتهي على الساحل إلى سيف البحر إلى بحيرم، وهذا السيف مابين جنابة وبحيرم، به قرى ومساكن ومزارع متفرقة مفترشة شديدة الحر، ثم ينتهي إلى سيراف وهي الفرضة العظيمة لفارس، وهي مدينة عظيمة ليس بها سوى الأبنية شيء، حتى يجاوز على جبل يطل عليه، وليس بها ماء يجمد ولا زرع ولا ضرع، وهي أغنى بلاد فارس، ثم يتجاوز على الساحل في مواضع منقطعة تعترض بها جبال ومفاوز، إلى أن ينتهي إلى حصن ابن عمارة وهو حصن منيع على هذا البحر، وليس بجميع فارس حصن أمنع منه، ويقال إن صاحب الحصن هو الذي قال الله فيه: )وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا(، وينتهي على ساحل هذا البحر إلى هرمز وهي فرضة كرمان، مدينة غراء كثيرة النخل حارة جدا، ثم تسير على شطه إلى الديبل، وهي مدينة عامرة وبها مجمع التجار، وهي فرضة لبلد السند، وبلد السند هو المنصورة وأراضي الزط وما والاها إلى الملتان، ثم ينتهي على ساحل بلدان الهند إلى أن يتصل بساحل تبت، وينتهي إلى ساحل الصين، ثم إلى الصين ثم لا يسلك بعده.
                              [CENTER] [/CENTER]

                              تعليق

                              يعمل...
                              X