إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رحلة ابن بطوطة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #31
    ذكر القضاة بمصر في عهد دخولي إليها

    فمنهم قاضي القضاة الشافعية، وهو أعلاهم منزلة وأكبرهم قدراً، وإليه ولاية القضاة بمصر وعزلهم، وهو القاضي الإمام العالم بدر الدين بن جماعة. وابنه عز الدين هو الآن متولي ذلك. ومنهم قاضي القضاة المالكية الإمام الصالح تقي الدين الإخنائي. ومنهم قاضي القضاة الحنفية الإمام العالم شمس الدين الحريري، وكان شديد السطوة لا تأخذه في الله لومة لائم. وكانت الأمراء تخافه. ولقد ذكر لي أن الملك الناصر قال يوماً لجلسائه. إني لا أخاف من أحد إلا من شمس الدين الحريري. ومنهم قاضي القضاة الحنبلية. ولا أعرفه الآن إلا أنه كان يدعى بعز الدين.
    [CENTER] [/CENTER]

    تعليق


    • #32
      حكاية

      كان الملك الناصر رحمه الله يقعد للنظر في المظالم ورفع قصص المتشكين كل يوم اثنين وخميس. ويقعد القضاة الأربعة عن يساره وتقرأ القصص بين يديه، ويعين من يسأل صاحب القصة عنها وقد سلك مولانا أمير المؤمنين ناصر الدين أيده الله في ذلك مسلكاً لم يسبق إليه، ولا مزيد في العدل والتواضع عليه، وهو سؤاله بذاته الكريمة لكل متظلم، وعرضه بين يديه المستقيمة أبى الله أن يحضرها سواه، أدام الله أيامه. وكان رسم القضاة المذكورين أن يكون أعلاهم منزلة في الجلوس: قاضي الشافعية ثم قاضي الحنفية ثم قاضي المالكية ثم قاضي الحنبلية. فلما توفي شمس الدين الحريري، وولي مكانه برهان الدين عبد الحق الحنفي أشار الأمراء على الملك الناصر بأن يكون مجلس المالكي فوقه وذكروا أن العادة جرت بذلك قديماً إذ كان قاضي المالكية زين الدين بن مخلوف يلي قاضي الشافعية تقي الدين بن دقيق العيد، فأمر الناصر بذلك. فلما علم به قاضي الحنفية غاب عن شهود المجلس أنفة من ذلك، فأنكر الملك الناصر مغيبه، وعلم ما قصده، فأمر بإحضاره. فلما مثل بين يديه أخذ الحاجب بيده، وأقعده حيث نفذ أمر السلطان، مما يلي قاضي المالكية واستمر حاله على ذلك.
      [CENTER] [/CENTER]

      تعليق


      • #33
        ذكر بعض علماء مصر وأعيانها


        فمنهم شمس الدين الأصبهاني إمام الدنيا في المعقولات، ومنهم شرف الدين الزواوي المالكي، ومنهم برهان الدين ابن بنت الشاذلي نائب قاضي القضاة بجامع الصالح، ومنهم ركن الدين بن القوبع التونسي من الأئمة في المعقولات، ومنهم شمس الدين بن عدلان كبير الشافعية، ومنهم بهاء الدين بن عقيل فقيه كبير، ومنهم أثير الدين أبو حيان محمد بن يوسف بن حيان الغرناطي، وهو أعلمهم بالنحو، ومنهم الشيخ الصالح بدر الدين عبد الله المنوفي، ومنهم برهان الدين الصفاقسي، ومنهم قوام الدين الكرماني، وكان سكناه على سطح الجامع الأزهر، وله جماعة من الفقهاء والقراء يلازمونه ويدرسون فنون العلم، ويفتي في المذاهب، ولباسه عباءة صوف خشنة، وعمامة صوف سوداء ومن عاداته أن يذهب بعد صلاة العصر إلى موضع الفرج والنزهات، منفرداً عن أصحابه، ومنهم السيد الشريف شمس الدين ابن بنت الصاحب تاج الدين بن حناء، ومنهم شيخ شيوخ القراء بديار مصر مجد الدين الأقصرائي، نسبة إلى أقصرا، من بلاد الروم، ومسكنه سرياقص، ومنهم الشيخ جمال الدين الحويزائي. والحويزا على مسيرة ثلاثة أيام من البصرة، ومنهم نقيب الأشراف بديار مصر السيد الشريف المعظم بدر الدين الحسيني من كبار الصالحين، ومنهم وكيل بيت المال المدرس بقبة الإمام الشافعي مجد الدين بن حرمي، ومنهم المحتسب بمصر نجم الدين السهرتي من كبار الفقهاء، وله بمصر رياسة عظيمة وجاه.
        [CENTER] [/CENTER]

        تعليق


        • #34
          ذكر يوم المحمل

          وهو يوم دوران الجمل يوم مشهود وكيفية ترتيبهم فيه أنه يركب فيه القضاة الأربعة، ووكيل بيت المال والمحتسب وقد ذكرنا جميعهم، ويركب معهم أعلام الفقهاء وأمناء الرؤساء وأرباب الدولة، ويقصدون جميعاً باب القلعة، دار الملك الناصر، فيخرج إليهم المحل على جمل، وأمامه الأمير المعين لسفر الحجاز في تلك السنة، ومعه عسكره والسقاؤون على جمالهم، ويجتمع لذلك أصناف الناس من رجال ونساء، ثم يطوفون بالمحمل وجميع من ذكرنا معه بمدينة القاهرة ومصر، والحداة يحدون أمامهم، ويكون ذلك في رجب فعند ذلك تهيج العزمات، وتنبعث الأشواق، وتتحرك البواعيث، ويلقي الله تعالى العزيمة على الحج في قلب من يشاء من عباده، فيأخذون في التأهب لذلك والاستعداد. ثم كان سفري من مصر على طريق الصعيد برسم الحجاز الشريف. فبت ليلة خروجي بالرباط الذي بناه الصاحب تاج الدين بن حناء بدير الطين، وهو رباط عظيم بناء على مفاخر عظيمة، وآثار كريمة، أودعها فيه وهي قطعة من قصعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والميل الذي كان يكتحل به، والدرفش وهو الأشفا الذي كان يخصف به نعله، ومصحف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي بخط يده رضي الله عنه. ويقال: إن الصاحب اشترى ما ذكرناه من الآثار الكريمة النبوية بمائة ألف درهم، وبنى الرباط، وجعل فيه الطعام للوارد والصادر، والجراية لخدام تلك الآثار الشريفة، نفعه الله تعالى بقصده المبارك. ثم خرجت من الرباط المذكور، ومررت بمنية القائد، وهي بلدة صغيرة على ساحل النيل. ثم سرت منها إلى مدينة بوش " وضبطها بضم الباء الموحدة واحدة شين معجم " وهذه المدينة أكثر بلاد مصر كتاناً، ومنها يجلب إلى سائر الدنيا المصرية، وإلى إفريقية. ثم سافرت منها، فوصلت إلى مدينة دلاص " وضبط اسمها بفتح الدال المهملة وآخره صاد مهملة "، وهذه المدينة كثيرة الكتان أيضاً، كمثل التي ذكرناها قبلها. ويحمل أيضاً منها إلى ديار مصر وإفريقية. ثم سافرت منها إلى مدينة ببا " وضبط اسمها بباءين موحدتين أولاهما مكسورة ". ثم سافرت منها إلى مدينة البهنسا، وهي مدينة كبيرة وبساتينها كثيرة، " وضبط اسمها بفتح الموحدة وإسكان الهاء وفتح النون والسين " وتصنع بهذه المدينة ثياب الصوف الجيدة. وممن لقيته بها قاضيها العالم شرف الدين، وهو كريم النفس فاضل. ولقيت بها الشيخ الصالح أبا بكر العجمي، ونزلت عنده وأضافني. ثم سافرت منها إلى مدينة منية ابن خصيب ، وهي مدينة كبيرة الساحة متسعة المساحة مبنية على شاطئ النيل. وحق حقيق لها على بلاد الصعيد التفضيل. بها المارس والمشاهد والزوايا والمساجد وكانت في القديم منية عامل مصر الخصيب.
          [CENTER] [/CENTER]

          تعليق


          • #35
            حكاية خصيب


            يذكر أن أحد الخلفاء من بني العباس رضي الله عنهم غضب على أهل مصر. فآلى أن يولي عليهم أحقر عبيده، وأصغرهم شأناً، قصداً لإرذالهم والتنكيل بهم وكان خصيب أحقرهم إذ كان يتولى تسخين الحمّام فخلع عليه، وأمّره على مصر، وظنه أنه يسير فيهم سيرة سوء، ويقصدهم بالإذاية، حسبما هو المعهود ممن ولي عن غير عهد بالعز. فلما استقر خصيب بمصر، سار في أهلها أحسن سيرة. وشهر بالكرم والإيثار. فكان أقرب الخلفاء وسواهم يقصدونه، فيجزل العطاء لهم، ويعودون إلى بغداد شاكرين لما أولاهم. وأن الخليفة افتقد بعض العباسيين وغاب عنه مدة ثم أتاه، فسأله عن مغيبه، فأخبره أنه قصد خصيباً. وذكر له ما أعطاه خصيب. وكان عطاء جزيلاً. فغضب الخليفة، وأمر بسمل عيني خصيب، وإخراجه من مصر إلى بغداد، وأن يطرح في أسواقها. فلما ورد الأمر بالقبض عليه حيل بينه وبين دخوله منزله وكانت بيده ياقوته عظيمة الشأن فخبأها عنده، وخاطها في ثوب له ليلاً وسملت عيناه، وطرح في أسواق بغداد. فمر به بعض الشعراء فقال له يا خصيب: " إني كنت قصدتك من بغداد إلى مصر مادحاً لك بقصيدة فوافقت انصرافك عنها، وأحب أن تسمعها. فقال: كيف بسماعها وأنا على ما تراه ? فقال: إنما قصدي سماعك لها. وأما العطاء فقد أعطيت الناس وأجزلت جزاك الله خيراً قال فافعل فأنشد:
            أنت الخصيب وهذه مصر
            فتدفقا فكلاكمـا بـحـر
            [CENTER] [/CENTER]

            تعليق


            • #36
              فلما أتى علىآخرها قال له: افتق هذه الخياطة، ففعل ذلك. فقال له: خذ الياقوتة. فأبى، فأقسم عليه أن يأخذها. فأخذها وذهب بها إلى سوق الجوهريين. فلما عرضها عليهم قالوا له إن هذه لا تصلح إلا للخليفة. فرفعوا أمرها إلى الخليفة، فأمر الخليفة بإحضار الشاعر واستفهمه عن شأن الياقوتة، فأخبره بخبرها. فتأسف على ما فعله بخصيب وأمر بمثوله بين يديه، وأجزل له العطاء، وحكّمه فيما يريد. فرغب أن يعطيه هذه المنية، ففعل ذلك، وسكنها خصيب إلى أن توفي وأورثها عقبه إلى أن انقرضوا. وكان قاضي هذه المنية أيام دخولي إليها فخر الدين النويري المالكي، وواليها شمس الدين أمير خير كريم. دخلت يوماً الحمام بهذه البلدة، فرأيت الناس بها لا يستترون. فعظم ذلك علي وأتيته، فأعلمته بذلك. فأمرني ألا أبرح، وأمر بإحضار المكترين للحمامات، وكتبت عليهم العقود، أنه متى دخل أحد الحمام دون مئزر فإنهم يؤاخذون على ذلك. واشتد عليهم أعظم الاشتداد. ثم انصرفت عنه وسافرت من منية ابن خصيب إلى مدينة منلوي وهي صغيرة مبنية على مسافة ميلين من النيل " وضبط اسمها بفتح الميم وإسكان النون وفتح الام وكسر الواو ". وقاضيها الفقيه شرف الدين الدميري " بفتح الدال المهمل وكسر الميم " الشافعي. وكبارها قوم يعرفون ببني فضيل بنى أحدهم جامعاً أنفق فيه صميم ماله. وبهذه المدينة إحدى عشرة معصرة للسكر - ومن عوائدهم أنهم لا يمنعون فقيراً من دخول معصرة منها فيأتي الفقير بالخبزة الحارة، فيطرحها في القدر التي يطبخ السكر فيها، ثم يخرجها، وقد امتلأت سكراً فينصرف بها. وسافرت من منلوي المذكورة إلى مدينة منفلوط وهي مدينة حسن رواؤها، مؤنق بناؤها على ضفة النيل، شهيرة البركة " وضبط اسمها بفتح الميم وإسكان النون وفتح الفاء وضم الام وآخرها طاء مهمل ".
              [CENTER] [/CENTER]

              تعليق


              • #37
                حكاية:


                أخبرني أهل هذه المدينة أن الملك الناصر رحمه الله، أمر بعمل منبر عظيم، محكم الصنعة بديع الإنشاء، برسم المسجد الحرام، زاده الله شرفاً وتعظيماً. فلما تم عمله، أمر أن يصعد به في النيل ليجاز إلى بحر جدة، ثم إلى مكة شرفها الله، فلما وصل المركب الذي احتمله إلى منفلوط، وحاذى مسجدها الجامع وقف، وامتنع من الجري مع مساعدة الريح. فعجب الناس من شأنه أشد العجب، وأقاموا أياماً لا ينهض بهم المركب. فكتبوا بخبره إلى الملك الناصر رحمه الله، فأمر أن يجعل ذلك المنبر بجامع مدينة منفلوط، ففعل ذلك. وقد عاينته بها، ويصنع في هذه المدينة شبه العسل، يستخرجونه من القمح ويسمونه النيدا. يباع بأسواق مصر. وسافرت من هذه المدينة إلى مدينة أسيوط. وهي مدينة رفيعة أسواقها بديعة " وضبط اسمها بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وضم الياء آخر الحروف واو وطاء مهملة " وقاضيها شرف الدين بن عبد الرحيم الملقب " بحاصل ما ثم "، لقب اشتهر به وأصله أن القضاة بديار مصر والشام بأيديهم الأوقاف والصدقات لأبناء السبيل، فإذا أتى فقير لمدينة من المدن قصد القاضي بها، فيعطيه ما قدر له. فكان القاضي إذا أتاه الفقير يقول له حاصل ما ثم أي لم يبق من المال الحاصل شيء فلقب بذلك ولزمه. وبها من المشايخ الفضلاء الصالح شهاب الدين بن الصباغ، أضافني بزاويته. وسافرت منها إلى مدينة أخميم، وهي مدينة عظيمة أصيلة البنيان عجيبة الشان، بها البربي المعروف باسمه، وهو مبني بالحجارة، في داخله نقوش وكتابة للأوائل، لا تفهم في هذا العهد، وصور الأفلاك والكواكب. ويزعمون أنها بنيت والنسر الطائر ببرج العقرب. وبها صور الحيوانات وسواها. وعند الناس في هذه الصور أكاذيب لا يعرج عليها. وكان بأخميم رجلٌ يعرف بالخطيب، أمر على هدم بعض هذه البرابي، وابنتي بحجارتها مدرسة. وهو رجل موسر معروف باليسار. ويزعم حساده أنه استفاد ما بيده من المال من ملازمته لهذه البرابي. ونزلت من هذه المدينة بزاوية الشيخ أبي العباس بن عبد الظاهر، وبها تربة جده عبد الظاهر. وله من الأخوة ناصر الدين ومجد الدين وواحد الدين. ومن عادتهم أن يجتمعوا جميعاً بعد صلاة الجمعة، ومعهم الخطيب نور الدين المذكور وأولاده، وقاضي المدينة الفقيه مخلص، وسائر أهلها، فيجتمعون للقرآن، ويذكرون الله إلى صلاة العصر. فإذا صلوها، قرأوا سورة الكهف، ثم انصرفوا. وسافرت من أخميم إلى مدينة " هو ": مدينة كبيرة بساحل النيل " وضبطها بضم الهاء ". نزلت منها بمدرسة تقي الدين ابن السراج. ورأيتهم يقرأون بها في كل يوم بعد صلاة الصبح حزباً من القرآن، ثم يقرأون أوراد الشيخ أبي الحسن الشاذلي وحزب البحر. وبهذه المدينة السيد الشريف أبو محمد عبد الله الحسني من كبار الصالحين. كرامة له: دخلت إلى هذا الشريف متبركاً برؤيته والسلام عليه، فسألني عن قصدي، فأخبرته أني أريد البيت الحرام على طريق جدة. فقال لي: لا يحصل لك هذا في هذا الوقت، فارجع. وإنما تحج أول حجة على الدرب الشامي. فانصرفت عنه، ولم أعمل على كلامه. ومضيت في طريقي حتى وصلت إلى عيذاب. فلم يتمكن لي السفر، فعدت راجعاً إلى مصر ثم إلى الشام. وكان طريقي في أول حجاتي على الدرب الشامي، حسبما أحبرني الشريف نفع الله به. ثم سافرت إلى مدينة قنا، وهي صغيرة حسنة الأسواق " وضبط اسمها بقاف مكسورة ونون". وبها قبر الشريف الصالح الولي صاحب البراهين العجيبة والكرامات الشهيرة عبد الرحيم القناوي رحمة الله عليه. ورأيت بالمدرسة السيفية حفيده شهاب الدين أحمد
                [CENTER] [/CENTER]

                تعليق


                • #38
                  وسافرت من هذا البلد إلى مدينة قوص " وهي بضم القاف ". مدينة عظيمة لها خيرات عميمة، بساتينها مورقة، وأسواقها مونقة، ولها المساجد الكثيرة، والمدارسة الأثيرة، وهي منزل ولاة الصعيد. وبخارجها زاوية الشيخ شهاب الدين بن عبد الغفار، وزاوية الأفرم ، وبها اجتماع الفقراء المتجردين في شهر رمضان من كل سنة، ومن علمائها القاضي جمال الدين بن السديد، والخطيب بها فتح الدين بن دقيق العيد أحد الفصحاء البلغاء الذين حصل لهم السبق في ذلك، لم أر من يماثله إلا خطيب المسجد الحرام بهاء الدين الطبري، وخطيب مدينة خوارزم حسام الدين المشاطي، وسيقع ذكرهما، ومنهم الفقيه بها ء الدين عبد العزيز المدرس بمدرسة المالكية، ومنهم الفقيه برهان الدين إبراهيم الأندلسي، له زاوية عالية. ثم سافرت إلى مدينة الأقصر " وضبط اسمها بفتح الهمزة وضم الصاد المهمل "، وهي ضغيرة حسنة، وبها قبر الصالح العابد أبي الحجاج الأقصري. وعليه زاوية، وسافرت منها إلى مدينة أرمنت " وضبط اسمها بفتح الهمزة وسكون الراء وميم مفتوحة ونون ساكنة وتاء فوقية "، وهي صغيرة ذات بساتين مبنية على ساحل النيل. أضافني قاضيها، وأنسيت اسمه. ثم سافرت منها إلى مدينة أسنا " وضبط اسمها بفتح الهمزة وإسكان السين المهمل ونون "، مدينة عظيمة متسعة الشوارع ضخمة المنافع كثيرة الزوايا والمدارس والجوامع، لها أسواق حسان، وبساتين ذات أفنان. قاضيها قاضي القضاة شهاب الدين بن مسكين. أضافني وأكرمني، وكتب إلى نوابه بإكرامي. وبها من الفضلاء الشيخ صالح نور الدين علي، والشيخ الصالح عبد الواحد المكناسي، وهو على هذا العهد صاحب زاوية بقوص. ثم سافرت منها إلى مدينة أدفو " وضبط اسمها بفتح الهمزة وإسكان الدال المهمل وضم الفاء ". وبينها وبين مدينة أسنا مسيرة يوم وليلة في صحراء ثم جزنا النيل من مدينة أدفو إلى مدينة العطواني، ومنها اكترينا الجمال. وسافرنا من طائفة من العرب تعرف بدغيم " بالغين المعجمة " في صحراء لا عمارة بها إلا أنها آمنة السيل. وفي بعض منازلها نزلنا حميثرا حيث قبر ولي الله أبي الحسن الشاذلي، وقد ذكرنا كرامته في أخباره أنه يموت بها. وأرضها كثيرة الضباع. ولم نزل ليلة مبيتنا بها نحارب الضباع. ولقد قصدت رحلي ضبع منها فمزقت عدلاً كان به، واجتزت منه جراب تمر، وذهبت به. فوجدناه لما أصبحنا ممزقاً مأكولاً معظم ما كان فيه. ثم لما سرنا خمسة عشر يوماً وصلنا إلى مدينة عيذاب، وهي مدينة كبيرة كثيرة الحوت واللبن، ويحمل إليها الزرع والتمر من صعيد مصر. وأهلها البجاة ، وهم سود الألوان يلتحفون بملاحف صفراء، ويشدون على رؤوسهم عصائب يكون عرض العصابة أصبعاً وهم لا يورثون البنات. وطعامهم ألبان الإبل ويركبون المهاري، ويسمونها الصهب. وثلث المدينة للملك الناصر وثلثاها لملك البجاة، وهو يعرف بالحدربي " بفتح الحاء المهمل وإسكان الدال وراء مفتوحة وباء موحدة وياء
                  [CENTER] [/CENTER]

                  تعليق


                  • #39
                    " وبمدينة عيذاب مسجد ينسب للقسطلاني شهير البركة. رأيته وتبركت به. وبها الشيخ الصالح موسى والشيخ المسن محمد المراكشي. زعم أنه ابن المرتضى ملك مراكش، وأن سنه خمس وتسعون سنة. ولما وصلنا إلى عيذاب وجدنا الحدربي سلطان البجاة يحارب الأتراك، وقد خرق المراكب، وهرب الترك أمامه فتعذر سفرنا في البحر. فبعنا ما كنا أعددناه من الزاد، وعدنا مع العرب الذين اكترينا الجمال منهم إلى صعيد مصر، فوصلنا إلى مدينة قوص التي تقدم ذكرها،وانحدرنا منها في النيل، وكان أوان مده، فوصبلنا بعد مسيرة ثمان من قوص إلى مصر، فبت بصر ليلة واحدة، وقصدت بلاد الشام. وذلك في منتصف شعبان سنة ست وعشرين فوصلت إلى مدينة بلبيس ، "وضبط اسمها بفتح الموحدة الأولى وفتحو الثانية ثم ياء آخر الحروف مسكنة وسين مهملة"، وهي مدينة كبيرة، ذات بساتين، كثيرة، ولم ألق بها من يجب ذكره.
                    ثم وصلت إلى الصالحية. ومنها دخلنا الرمال، ونزلنا منازلها، مثل السوادة والورادة والمطيلب والعريش والخروبة. بكل منزل منها فندق. وهم يسمونه الخان. ينزله المسافرون بدوابهم. وبخارج كل خان ساقية للسبيل، وحانوت يشتري منها المسافر ما يحتاجه لنفسه ودابته. ومن منازلها قطيا المشهورة وهي " بفتح القافغ وسكون الطاء وياء آخر الحروف مفتوحة وألف. والناس يبدلون ألفها هاء تأنيث ". وبها تؤخذ الزكاة من التجار، وتفتش أمتعتهم، ويبحث عما لديهم أشد البحث. وفقيها الدواوين والعمال والكتاب، والمشهود.ومجباها في كل يوم ألف دينار من الذهب. ولا يجوز عليها أحد من الشام إلا ببراءة من مصر. ولا إلى مصر إلا ببراءة من الشام، احتياطاً على أموال الناس، وتوقياً من الجواسيس العراقيين. وطريقها في ضمان العرب قد وكلوا بحفظه. فإذا كان اليل مسحوا على الرمل حتى لا يبقى به أثر، ثم يأتي الأمير صباحاً، فينظر إلى الرمل فإن وجد به أثراً طالب العرب بإحضضار مؤثره، فيذهبون في طلبه، فلا يفوتهم فيأتون به الأمير، فيعاقبه بما شاء، وكان بها في عهد وصولي إليها عز الدين أستاذ الداراقماري من خيار الأمراء، أضافني وأكرمنبي وأباح الجواز لمن كان معي. وبين يديه عبد الجليل المغربي والوقاف، وهو يعرف المغاربة وبلادهم، فيسأل من ورد منهم من أي البلاد هو لئلا يلبس عليهم، فإن المغاربة لا يعترضون جوازهم على قطيا. ثم سرنا حتى وصلنا إلى مدينة غزة، وهي أول بلاد الشام مما يلي مصر متسعة الأقطار، كثيرة العمارة حسنة الأسواق، بها المساجد العديدة والأسوار عليها. وكان بها جامع حسن والمسجد الذس تقام الآن به الجمعة فيها بناه الأمير المعظم الجاولي. وهو أنيق البناء محكم الصنعة ومنبره من الرخام الأبيض وقاضي غزة بدر الدين تالسلختي الحوراني ومدرسها علم الدين بن سالم. وبنو سالم كبراء هذه المدينة ومنهم شمس الدين قاضي القدس.
                    [CENTER] [/CENTER]

                    تعليق


                    • #40
                      . ثم سافرت من غزة إلى مدينة الخليل صلى الله على نبينا وعليه وسلم تسليماً زهي مدينة صغيرة الساحة كبيرة المقدار مشرقة الأنوار حسنة المنظر عجيبة المخبر، في بطن وادٍ، ومسجدها أنيق الصنعة محكم العمل بديع الحسن سامي الارتفاع، مبني بالصخر المنحوت. في أحد أركانه صخرة أحد أقطارها سبعة وثلاثون شبراً. ويقال إن سليمان عليه السلام امر الجن ببنائه وفي داخل المسجد الغار المكرم المقدس. فيه قبر إبراهيم وإسحاق ويعقوب صلوات الله على نبينا وعليهم. ويقابلهاو قبور ثلاثة، هي قبور أزواجهم. وعن يمين المنبر، بلصق جدار القبلة موضع يهبط منه على درج رخام محكمة العمل إلى مسلك ضيق، يفضي إلى ساحة مفروشة بالرخام، فيها صور القبور الثلاثة. ويقال: إنها محاذية لها. وكان هنالك مسلك إلى الغار المبارك، وهو الآن مسدود. وقد نزلت بهذا الموضع مرات ومما ذكره أهل العلم دليلاً على صحة كون الققبور الثلاثة الشريفة هنالك، ما نقلهمن كتاب علي بن جعفر الرازيالي سماه: المسفر للقلوب عن صحة قبر إبراهيم و إسحاق ويعقوب. أسند فيه إلى أبي هريرؤة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما أسري بي إلى بيت المقدس مر بي جبريل على قبر إبراهيم فقال: انزل فصل ركعتين، فإن هنا قبر أبيك إبراهيم. ثم مر بي على بيت لحم وقال: انزل فصل ركعتين، فإن هنا ولد أخوك عيسى عليه السلام. ثم أتى بي الصخرة " وذكر بقية الحديث.

                      ولما لقيت بهذه المدينة المدرس تالصالح المعمر الإمام الخطيب برهان الدين الجعبري، أحد الصلحاء المرضيين، والأئمة المشهورين. سألته عن صحة كون قبر الخليل عليه السلام هنالك فقال لي: كل من لقيته من أهل العلنم يصححون أن هذه القبور قبور إبراهيم وإسحاق ويعقوب على نبينا وعليهم السلام، وقبور زوجاتهم، ولا يطعن في ذلك إلا أهل البدع وهو نقل الخلف عن السلف لا يشك فيه، ويذكر أن بعض الأئمة دخل إلى الغار، ووقف عند قبر سارة؛ فدخل شيخ فقال له: أي هذه القبور هو قبر إبراهيم ? فأشار له إلى قبره المعروف ثم دخل شاب فسأله كذلك، فأشار له إليه. ثم دخل صبي فسأله أيضاً فأشار له إليه فقال الفقيه أشهد أن هذا قبر إبراهيم عليه السلام لا شك. ثم دخل إلى المسجد فصلى به وارتحل من الغد. وبداخل هذا المسجد أيضاً قبر يوسف عليه السبلام. وبشرقي حرم الخليل تربة لوط عليه السلام. وهي تل مرتفع، يشرف منه غور الشام. وعلى قبره أبنية حسنة. وهو في بيت مه احسن البناء مبيض ولا ستور عليه. وهنالك بحيرة لوط ، هي أجاج. يقال أنها موضع ديار قوم لوط وبمقربة من تربة لوط مسجد اليقي، وهو على تل مرتفع له نور وإشراق ليس لسواه ولا يجاوره إلا دار واحدة يسكنها قيمه. وفي المسجد بمقربة من بابه مخوضع منخفض في حجر صلد قد هيئ فيه صورة محراب، لا يسع إلا مصلياً واحداً، ويقال: إن إبراهيم سجد في ذلك الموضع شكراً لله تعالى عند هلاك قوم لوط، فتحرك موضع سجوده،وساخ في الأرض قليلاً. وبالقرب من هذا المسجد مغارة فيها قبر فاطمة بنت الحسين بن علي عليهما السلام وبأعلى القبر وأسفله لوحان من الرخام في أحدهما مكتوب منقوش بخط بديع بسم الله الرحمن الرحيم لله العزة والبقاء وله ما ذرأ وبرأ وعلى خلقه كتب الفناء
                      [CENTER] [/CENTER]

                      تعليق


                      • #41
                        وفي رسول الله أسوة. هذا قبر أم سلمة فاطمة بنت الحسين رضي الله عنه. وفي اللوح الآخر منقوش صنعه محمد بن أبي سهل النقاش بمصر. وتحت ذلك هذه الأبيات:





                        أسكنت من كان في الأحشاء مسكنه
                        بالرغم مني بين الترب والحجـر
                        يا قبر فاطمة بنت ابـن فـاطـمة
                        بنت الأئمة بنت الأنجم الـزهـر
                        يا قبر ما فيك من دين ومـن ورع
                        ومن عفاف ومن صون ومن خفر




                        ثم سافرت من هذه المدينة إلى القدس. فزرت في طريقي إليه تربة يونس عليه السلام، وعليها أبنية كبيرة ومسجد. وزرت أيضاً بيت لحم، موضع ميلاد عيسى عليه السلام، وبه أثر جذع النخلة، وعليه عمارة كثيرة. والنصارى يعظمونه أشد التعظيم، ويضيفون من نزل به، ثم وصلنا إلى بيت المقدس، شرفه الله، ثالث المسجدين الشريفين في رتبة الفل، ومصعد رسول الله عليه وسلم تسليماً، ومعرجة إلى السماء. والبلدة الكبيرة مبنية بالصخر المنحوت. وكان الملك الصالح الفاضل صلاح الدين بن أيوب جزاه الله عن الإسلام خيراً، لما فتح هذه المدينة هدم بض سورها. ثم استنقض الملك الظاهر هدمه خوفاً أن يقصدها الروم فيتمنعوا بها. ولم يكن بهذه المدينة نهر فيما تقدم وجلب لها الماء في هذا العهد الأمير سيف الدين تنكيز أمير دمشق.






                        ذكر المسجد المقدس

                        وهو من المساجد العجيبة الرائقة الفائقة الحسن، يقال: إنه لا يوجد على وجه الأرض مسجد أكبر منه، وإن طوله من شرق إلى غربي سبعمائة واثنتان وخمسون ذراعاً بالذراع المالكية وعرضه من القبلة إلى الجوف أربعمائة ذراع وخمس وثلاثون ذراعاً في جهاته الثلاث، وأماالجهة القبلية منه فلا علم بها إلا باباً واحخداً، وهو الذي يدخل منه الإمام، والمسجد كله فضاء وغير مسقف في النهاية من إحكام الفعل وإتقان الصنعة مموه لبالذهب والأصبغة الرائقة، وفي المسجد مواضع سواه مسقفة.
                        [CENTER] [/CENTER]

                        تعليق


                        • #42
                          ذكر قبة الصخرة


                          وهي من اعجب المباني وأتقنها وأغربها شكلاً. وقد توفر حظها من المحاسن، وأخذت من كل بديعة بطرف، وهي قائمة على نشز ي وسط المسجد، يصعد إليها في درج رخام. ولها أبواب. والدائر بها مفروش بالرخام أيضاً محكم الصنعة، وكذلك داخلها في ظاهرها وباطنها من أنواع الزواقة ورائق الصنعة ما يعجز الواصف. وأكثر ذفك مغشى بالذهب فهي تتلألأ أنوارأص، أو تلمع لمعان البرق. يحار بصر متأملها في محاسنها، ويقصر لسان رائيها عن تمثيلها. وفي وسط القبة الصخرة الكريمة إلتي جاء ذكرها في الآثار. فإن النبي صلى الله عليه وسلم عرج منها إلى السماء. وهي صخرة صماء، ارتفاعها نحو قامة. وتحتها مغارة مقدار بيت صغير. ارتفاعها نحو قامة أيضاً ينزل إلها على درج. وهنالك شكل محراب. وعلى الصخر شباكان اثنان محكما العمل، يغلقان عليهما أحدهما، وهو الذي يلي الصخرة من حديد بديع الصنعة والثاني الخشب. وفي القبة درقة كبيرة من حديد، معلقة هنالك. والناس يزعمون أنها درقة حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه.
                          [CENTER] [/CENTER]

                          تعليق


                          • #43
                            ذكر بعض المشاهد المباركة بالقدس الشريف

                            فمنها بعدوة الوادي المعروف بزودي جهنم في شرقي البلد، على تل مرتفع هنالك، بنية يقال: إنها مصعد عيسى عليه السلام إلى السماء. ومنها أيضاً قبر رابعة البدوية، منسوبة إلى البادية وهي خلاف رابعة العدوية الشهيرة. وفي بطن الوادي المذكور كنيسة يعظمها النصارى، ويقولون: إن قبر مريم عليها السلام بها. وهنالك أيضاً كنيسة أخرى معظمة، يحجها النصارى، وهي التي يكذبون عليها، ويعتقدون أن قبر عيسى عليه السلام بها. وعلى كل من يحجها ضريبة معلومة للمسلمين. وضروب من الإهانة يتحملها على رغم أنفه. وهنالك موضع مهد عيسى عليه السلام يتبرك به.
                            [CENTER] [/CENTER]

                            تعليق


                            • #44
                              ذكر بعض فضلاء القدس

                              فمنهم قاضيه العالم شمس الدين محمد بن سالم الغزي " بفتح الغين "، وهو من أهل غزة وكبرائها. ونمهم خطيبه الصالح الفاضل عماد الدين النابلسي، ومنهم المحدث المفتي شهاب الدين الطبري، ومنهم مدرس المالكية وشيخ الخانقاه الكريمة أبو عبد الله محمد بن مثبت الغرناطي نزيل القدس ومنها الشيخ الزاهد أبو علي حسن المعروف بالمحجوب من كبار الصالحين، ومنهم الشيخ الصالح العابد أبو عبد الرحيم عبد الرحمن بن مصطفى من أهل أرز الروم، وهو من تلامذة تاج الدين الرفاعي. صحبته ولبست منه خرقة التصوف. ثم سافرت من القدس الشريف برسم زيارة ثغر عسقلان، وهو خراب. قد عاد رسوماً طامسة.، وأطلالاً دارسة. وقل بلد جمع من المحاسن ما جمعته عسقلان إتقاناً وحسن وضع، وأصالة مكان، وجمعاً بين مرافق البر والبحر وبها المشهد الشهير حيث كان رأس الحسين بن علي عليه السلام، قبل أن ينتقل إلى القاهرة، وهو مسجد عظيم سامي العلو، فيه جب اللماء أمر ببنائه بعض العبيد، وكتب ذلك على بابه وفي قبلة هذا المزار مسجد كبير يعؤف بمسجد عمر لم يبق منه إلا حيطانه وفي أساطين رخام لا مثل لها في الحسن وهي ما بين قائم وحصيد ومن جملتها أسطوانة حمراء عجيبة، يزعم الناس أن النصارى احتملوها إلى بلادهم، ثم فقدوها، فوجدت في موضعها بعسقلان. وفي القبلة من هذا المسجد بئر يعرف ببئر إبراهيم عليه السلام، ينزل إليها في درج متسعة، ويدخل منها إلى بيوت، وفي كل ناحية من جهاتها الأربع تخرج من أسراب مطوية بالحجارة. ماؤها عذب، وليس بالغزير. ويذكر الناس من فضائلها كثيراً. وبظاهر عسقلان وادي النمل، ويقال: إنه المذكور في الكتاب العزيز. وبجبانة عسقلارن من قبور الشهداء والأولياء ما لا يحصر لكثرته، أوقفنا عليهم قيم المزار المذكور. وله جراية يجريها له ملك مصر، ومع ما يصل إليه من صدقات الزوار. ثم سافرت منها إلى مدينة الرملة وهي في فلسطين مدينة كبيرة، كثيرة الخيرات، حسنة الأسواق. وبها جامع الأبيض ز ويقال: إن في قبلته ثلاثمائة من الأنبياء، مدفونين عليهم السلام. وفيها من كبار الفقهاء مجد الدين النابلسي. ثم خرجت منها إلى مدينة مابلس، وهي مدينة عظيمة، كثيرة الأشجار مطردة الأنهار، من أكثر البلاد الشام زيتوناً. ومنها يحمل الزيت إلى مصر ودمشق.
                              [CENTER] [/CENTER]

                              تعليق


                              • #45
                                . وبها تصنع حلواء الخروب، وتجلب إلى دمشق وغيرها.

                                وكيفية عملها: أن يطبخ الخروب، ثم يعصر، ويؤخذ ما يخرج منه من الرب فتصنع منه الحلواء. ويجلب ذلك الرب أيضاً إلى مصر والشام. وبها البطيخ المنسوب إليها وهو طيب عجيب. والمسجد الجامع في نهاية من الإتقان والحسن. وفي وسطه بركة ماء عذب. ثم سافرت منها إلى مدينة عجلون " وهي بفتح العين المهملة "، وهي مدينة حسنة لها أسواق كثيرة، وقلعة خطيرة. ويشقها نهر ماؤه عذب. ثم سافرت منها بقصد اللاذقية، فمررت بالغور، وهو وادٍ بين تلال به قبر أبي عبيدة ابن الجراح أمين هذه الأرض رضي الله عنه، زرناه وعليه زاوية فيها الطعام لأبناء السببيل. وبتنا هنالك ليلة، ثم وصلنا إلى القصير، وبه قبر معاذ بن جبل رضي الله عنه، تبركت أيضاً بزيارته. ثم سافرت على الساحل، فوصلت إلى مدينة عكة ، وهي خراب وكانت عكة قاعدة بلاد الإفرنج بالشام، ومرسى سفنهم وتشبه قسطنطينية العظمى، وبشرقيها عين ماء عذب تعرف بعين البقر يقال: إن الله تعالى أخرج منها البقر لآدم عليه السلام. وينزل إليها بفي درج. وكان عليها مسجد بقي من محرابه. وبهذه المدينة قبر صالح عليه السلام. ثم سافرت منها إلى مدينة صور، وهي خراب وبخارجها قرية معمورة وأكثر أهلها أرفاض ولقد نزلت بها مرة على بعض المياه أريد الوضوء. فأتى بعض أهل تلك القرية ليتوضأ فبدأ بغسل رجليه، ثم غسل وجهه، ولم يتمضمض ولا اسنتشق، ثم مسح بعض رأسه، فأخذت عليه في فعله فقال لي: إن البناء إنما يكون ابتداؤه من الأساس. ومدينة صور هي التي يضرب بها المثل في الحصانة المنعة. لأن البحر محيط بها من ثلاث جهاتها. ولها بابان أحدهما للبر، والثاني للبحر. ولبابها الذي يشرع للبر أربعة فصلات كلها في ستائر محيطة بالباب، وأما الباب الذي للبحر فهو بين برجين عظيمين. وبناؤها ليس في بلاد الدنيا أعجب ولا أغرب شأناً منه، لأن البحر محيط بها من ثلاث جاتها. وعلى الجهة الرابعة سور، تدخل السفن تحت السور وترسو هنالك. وكان فيما تقدم بين البرجين سلسلة حديد معترضة ن، لا سبيل إلى الداخل هنالك، ولا إلى الخارج إلا بعد حطها، وكان عليها الحراس والأمناء، فلا يدخل خارج، إلا على علم منهم. وكانت لعكة أيضاً ميناء مثلها، ولكنها تحمل إلا السفن الصغار، ثم سافرتع منها إلى مدينة صيدا، وهي على ساحل البحر، حسنة كثيرة الفواكه يحمل منها التين والزبيب والزيت إلى بلاد مصر: نزلت عند قاضيها مال الدين الأشموني المصري، وهو حسن الأخلاق كريم النفس.
                                [CENTER] [/CENTER]

                                تعليق

                                يعمل...
                                X