إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الذين جابوا الصخر بالواد ...

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الذين جابوا الصخر بالواد ...

    الذين جابوا الصخر بالواد


    ( هادي أبو عامرية )
    كاتب وباحث سعودي

    في مقالاتي السابقة عن مواطن الجاهليين في جزيرة العرب كتبت عن مملكة حجر ابن عمرو الكندي, وعن أصحاب داحس والغبراء " لم ينشر بعد ", أما هذا المقال فـلـم يــكـن بـحثاً في بـطون الكتب كـسابـقـيه, بل يشمل إلى جانب ذلك جولات ورحلات ميدانية في أشد مناطق جزيرة العرب وعورةً, وأعجبها تضاريس, فهو حقاً مكابدة وعناء بحث ميداني قارب العام, ومعاناتي كانت ذات ثلاث شعب –نفسية وجسدية ومالية- أما المعاناة النفسية فبسبب ما كنت أسمعه من القريب والبعيد, لقد كان يسألني البعض أين ذهبت فأقول إلى جبل القهر للبحث عن مدائن صالح فــيضحك ويلتفت إلى من يكون حاضراً ويقول: ذهب يبحث عن ناقة صالح, وهذا مثل في منطقتنا يضرب لاستحالة الأمر, كأن تسأل من يئس من أمر ما: متى يكون ذلك؟ فيجيب: إذا قامت ناقة صالح, وأما الجسدية فلأني قمت بهذا البحث الميداني وأنا في الستين وأحمل في صدري جهازاً منظماً لضربات القلب, في جبل تكل فيه جوارح الطير, وأما المادية فلأني غير مكلف من جهة علمية, حكومية أو غير حكومية, لقد كنت أصرف على هذا البحث من قوت أولادي, آسف لاستخدام من التبعيضية, فقوت أولادي لا يمكن أن يؤخذ إلا كاملاً, لأنه كما قال الجاحظ جزء لا يتجزأ, ولقد تجلى لطف الله بي في هذا البحث أن أخذ لي بناصية شاب شهم كان يترك عمله ويصحبني يقود بي السيارة في هذا الجبل الوعر, وخبرتي في قيادة السيارة بعمر صاحبي هذا, ولكني تيقنت أني إن قدت السيارة سأرتكب خطأ لا محالة فأنا رجل يشرد ذهني باستمرار, وفي الغالب قد يكون الخطأ مميتاً, لا ادري كيف أشكر الأخ يحيى علي معيض الشمراني على ملازمته لي في كل رحلاتي وتحمله الخصم من راتبه في كل مرة, واحتماله الماء القراح على قطع الكيك الجافة, فهل من المروءة أن لا أذكره في هذا المقال وأشكره, وأول بحثي عن مواطن ثمود كان بالقراءة والإطلاع في كتاب الله أولاً, وفي كتب التاريخ ثانياً, و هآلني أن أجد المفسرين جميعاً في تفسيرهم لقوله تعالى في سـورة الـحـجر: ((وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ)) يـجـمـعـون عـلـى أن الـحـجر المذكور في الآية يقع بين مكة وتبوك أو بين الحجاز والشام, مستشهدين بما قاله الأزهري والطبري أي " حجر وادي القرى " وتتبعت أدلتهم فلم أجد دليلاً واحداً يمكن الأخذ به, والأرجح أن قوم لوط هم أصحاب ذلك الموقع المعذب أهله, والمنحوتات في جبل الحجر أو جباله ما هي إلاّ قبور حفرها الأنباط لموتاهم كما تدل الكتابات التي عليها, وهي غير صالحة للسكنى ولم تكن صالحة قط, ثم إن ما يعرف بالخط الثمودي ما هو إلاّ وهم من قائليه وأحسبه يخص العماليق أو الأنباط, أما ثمود فقد كانوا قــبـل مــعرفة الإنسان بالكتابة, إن القرآن الكريم ذكر لنا أن أول صحف كانت زمن أبينا إبراهيم, وما أنزل الله إليهم صحفاً إلاّ وهم أمة قارئة, ولم يرد مثل هذا في قوم نوح وعاد وثمود, ولا يتسع المقال للرد على أدلة القائلين إن حجر وادي القرى هو موطن ثمود, وجميعها مردود عليه, ويمكن الرد عليها بإيجاز, فجميع الأحاديث الواردة في غزوة تبوك لا تصرح أن أصحاب حجر وادي القرى هـــم ثمود, والذي يصرح منها لا يمكن الأخذ, به فالحديث الذي ورد فيه ذكر أبي رغال أنـه مـن ثـمــود لا يطمئن إليه القلب, فقد ذكر فيه أبو رغال معرفاً وأبو رغال(1) المعروف كان زمن الفيل, وثمود كانت قبل أبينا إبراهيم بما لا يعلم إلاّ الله من القرون, أما الحديث الذي يذكر البئر التي كانت تشرب منها الناقة(2) فيرده العقل والمنطق, فـــــالناقة يجب أن تشرب بنفسها, ولو كانت تشرب من بئر لاحتاجت إلى من يجذب لها الماء من البشر, ولو كان الأمر كذلك لما احتاجت ثمود إلى عقرها, بل يكفيهم أن يمتنعوا عن جذب الماء لها فتهلك عطشاً, وحجر وادي القرى يقع على طريق قوافل - بسبيل مقيم – وقــد قال جـلّ وعلا لثمود: ((أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ )), وهذا يدل على أنهم كانوا في موقع حصين بتضاريسه, يحقق لهم الأمن و العزلة, وأحسب أن كلمة الحجر في الآية جاءت لبيان ما امتن الله به عليهم من نعمة الأمن, بسبب حصانة الموقع, وسبب تفسير المفسرين للحجر بحجر وادي القرى شهرة الاسم وشهرة القبور النبطية في ذلك الموقع, وما ذكر في هذا الشأن من أحاديث لم يتم تتبع رواتها وروايتها, لأن علماء الفقه يتساهلون في أخبار التاريخ, إذ ليست هي من أمور التشريع, فإذا كان رأيي هذا وافق الحق فــحـجــر الـمـديـنـة ليس موطن أصحاب الناقة, ولا أدري هل في حجر المدينة جنات وعيون أم لا, ويغلب على ظني أن أرض ثمود كانت وعرة غير مناسبة لحياة الإبل, لذلك سألوا نبيهم أن يخرج لهم من صخرة ناقة ليجمعوا عليه إعجازين, الأول اسـتـحالـة تـولـد حـــيّ مـــن جــمـاد بـقـدرة الـمـخـلـوق, الثاني ضـمـان عدم الاحتيال في إدخال الحيوان المطلوب في الصخرة وإخراجه مــنــها بأي حـيـلـة كانت, فـالـحـيوان المطلوب لا وجــــــــــود له بأرضهم, وحجر المدينة بانفتاحه على نجد أرض إبل.



    زمن ثمود:

    أول الأمم أمة نوح عليه السلام, هكذا تسلسل الأمم في القرآن الكريم, فلما أغرقهم الله ونجى من آمن بنوح في السفينة استقرت تلك الأمة في الأحقاف وكانت منهم قبيلة عاد, هذه رواية القرآن الكريم أحسن القصص, قال تعالى في سورة الأحقاف مخاطباً عاداً: (( وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً )), فلما أرسل الله عليهم الريح العقيم نجى هوداً والذين آمنوا معه إلى الأرض التي كانت فيها ثمود قال تعالى في سورة الأعراف على لسان نـبـيـه صـالـح مـخـاطـباً ثـمـود: (( وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْض ِ)), فلما أهلك الله ثمود نجى نبيه صالحاً ومن معه إلى أرض لم يرد لها تعريف في القرآن وإن كان في كتاب الله أن أبينا إبراهيم كان بعد ذلك, ولا صحة لقول من قال إن أبينا إبراهيم أدرك نـبي الله نـوحاً وفي قصة أصحاب الأيكة ما يفيد بتقدم ثمود وتأخر نبي الله إبراهيم عليه السلام, قال تعالى في سورة هود على لسان نبيه شعيب مخاطباً قومه أصحاب الأيكة: (( وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ )), ومن المعلوم أن لوطاً عليه السلام كان معاصراً لأبينا إبراهيم, وهذا يعني أن ثمود أقدم من فراعنة مصر.



    آية التمكين لثمود:


    يتفضل الله على كل أمة بتمكينهم من أمر ما, فإذا غرتهم قوتهم وانصرفوا عن شكر الخالق الذي هداهم لذلك, ويسره لهم, ذكرهم نعمته, فإذا تمادوا في طغيانهم أخذهم أخذ عزيز مقتدر, ليكونوا عبرة لمن بعدهم, يعرفون منها أن القوة لله وحده ولقد ذكر لنا القرآن ما مكن الله فيه بعض الأمم, كمدينة إرم, وقطع ثمود الصخور العظام وأهرامات الفراعنة, وسد مأرب.


    لقد فكرت كثيراً في قوله تعالى في سورة الفجر: ((أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ {6} إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ {7} الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ {8} وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ {9} وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ )), بعض المفسرين يذهب إلى أن إرم قبيلة لا مدينة, والذي أعتقده أنها مدينة, لأن الله جلّ جلاله ذكر عن كل أمة ما مكنها فيه من عظيم الصنع فثمود قطعوا الجبال ونحتوها, والفراعنة بنوا ما يشبه الجبال, ووجب أن تكون إرم من صنع عاد لا عاداً نفسها, ولقد ترسخ في ذهني أن قطع ثمود للصخور كان عملاً عظيماً قد يكون كالأهرامات, وكنتيجة لهذا الاعتقاد بدأت أفكر في الآثار الموجودة في حجر المدينة, هل هي موافقة لما تحدث به القرآن الكريم عن ثمود, الذي يجعلني أشك في كونها من عمل ثمود أولاً أنها ليست بيوتاً, و لاهي صالحة للسكنى البتة الأمر الثاني أن الكتابات التي عليها كتابات نبطية(1), والقبور حفرها الأنباط لــمــوتاهــم, أضف إلى ذلك أن كثيراً من علماء الآثار زاروا تلك القبور ولم يجدوا فيها ولا فيما حولها ما يدل على ثمود(2), وهذا ما جعلني أقرر زيارة المنطقة التي يدعي أهلها أن الناقة كانت بأرضهم, وأن جـــبــلاً مــشــقــوقاً لديهم يسمع منه صوت بعير, وكان ما سأكشف عنه في هذا المقال,ولكن قبل ذلك أود القول إن معنى قوله تعالى: (( وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ )) أي قطعوا, فالجوب هـو القطع والأسلوب الذي حـفـرت بـه الـقـبـور الـتي فـي الـحـجـر لا يوافق صفة القطع فالقطع يشق المقطوع لا يثقبه, والله جلّ جلاله ذكر عن ثمود نحتهم الجبال للسكنى والمفسرون ذهبوا إلى أن المـراد واحد "القطع والنحت" ولا أحسب هذا صائباً, قــال تــعــالـى فـي سـورة الأعراف: ((وَتَـنْـحِتُونَ الْـجِبَالَ بُيُوتاً )), وقــال عــزّ مـن قــائـل فــي ســــورة الـشـعـراء: (( وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً )), لا أظن الذي لم يشاهد الجبال المنحوتة في موطن ثمود في منطقة جيزان يلمس دقة التعبير في الآيتين, أما الذي يشاهد تلك الجبال في جبل القهر يجد دقة المعنى تتجلى في تلك البيوت التي لا تزال مسكونة إلى يومنا هذا, ولعله يقول مثلما خيل إليّ حيث قلت إن قبور حجر المدينة لو جاز أن نقول عن عملها نحتاً فالأولى أن نقول في غير لفظ الآية "في الجبال بيوتاً", فهو أوفق لماهيتها, ولا نقول "من الجبال بيوتاً" والنحت هو البري كفعل النجار في الخشب بالقدوم, قال الـشاعر:




    موقع ديار ثمود من منطقة جيزان:

    تقع ديار ثمود في جبل القهر شرقي مدينة بيش, على بعد ثمانين كيلومترا على وجه التقريب, وجبل القهر أعظم وأعجب جبال تهامة دون استثناء, ويسمى كذلك زهوان ويعد من جبال الغور " تـهــامـة ", ووجه الغرابة فيه أنه يمتد في شكل دائري, بقطر خمسين كيلاً, تزيد قليلاً أو تنقص قليلاً, والمساحة داخل الدائرة تتكون من حداب وأودية, وهو حجر حصين لا يستطيع غير سكانه الوصول إليه, فجبل القهر جميع جهاته الخارجية كالجدار, صــخــور مـلـسـاء لا سـبيـل لرقيها, وليس له غير طريق واحدة من جهة الغرب, يتحكم فيها سكان هذا الجبل فيسدونها وقت شاءوا, ولا يعرفها غيرهم, كان هذا إلى عهد قريب, ويقال إن للجبل طريقاً أخرى من ناحية الشرق تتصل بقحطان, أشد وعورة من الطريق الغربية المتصلة بسهل تهامة وليست الوعورة مقصورة على الجهات الخارجية للجبل بل تجد المنحدرات الملساء التي لا يمكن تسلقها أو الانحدار منها داخل الجبل, حول المزارع على وجه الخصوص, ولا تخطئ العـين أثـــر الـقـطع فـي هـذه الـصخور, وسوف نأتي على ذكر ذلك, وسكان هذا الجبل هم قبائل الريث, نسبةً إلى ريث بن غطفان تمازجوا وانصهروا مع أبناء حطيط بن ثقيف "منبه", بضم الحاء, وحلف غطفان وأبناء حطيط بن ثقيف مذكور في كتب التاريخ, كان قبل الإسلام, هذا رأيي, لم أسأل فيه أحداً, وإذا تمعنت في السفح الغربي الخارجي للجبل يتردد في صدرك أنه قُطِع بفعل فاعل حتى صار كالجدار, خاصة الطرف الجنوبي من ذروته الغربية.


    ثمود حضرموت وعمان:

    شاهدت ذات يوم في التلفزيون خبراً مصوراً يدعي منتجه أن ثمود كانت بأرض عمان, وعرضوا صورة قَبر, قالوا إنه قبر نبي الله صالح, وشاهدت فلماً آخر يتحدث عن آثار حضرموت, يعرض فيه صاحبه قطعة من الأرض جوار جبل وهو يقول هاهنا كانت تبرك ناقة نبي الله صالح, ولم يقدم أي من الفلمين دليلاً أو شبه دليل يمكن أن يؤخذ به, فكل ما عرض في الفلمين مجرد تخرصات وأوهام أميين, ليس لها حظ من المنطق.


    ثمود في كتب التاريخ:

    تواترت روايات المفسرين والمؤرخين على أن ثمود كانوا أهل أوثان, وفي كتاب الله أنهم كانوا يعبدون غير الله, دون تبيان لمعبودهم أوثان أو كواكب أو شجر وكانوا حسب روايات المؤرخين - وحسب منطوق الآيات الواردة فيهم- في رفاغة عيش وبعض المؤرخين يزعم أن غالب أموالهم الماشية, وورد في القرآن أنه كان لهم جنات و زروع ونخل, وبعث الله إليهم عبده صالحاً يحاجهم ويدعوهم إلى عبادة الله وحده, فسألوه كضرب من التحدي أن يخرج لهم ناقة من صخرة بعينها(1), يذكر ابن الأثير أن هذه الصخرة كانت بموضع تجتمع فيه ثمود في يوم عيدها(2), أي أن خروج الناقة من الصخرة كان في يوم عيدهم وهم مجتمعون في ذلك الموضع, أما الطبري فيقول إن نبي الله صالحاً خرج بهم إلى تلك الصخرة وقد عاهدوه على الإيمان إن أخرج منها ناقة, فدعا الله فتمخضت الصخرة تمخض النفساء, أي أنَّت وتوجعت حتى خرجت منها ناقة عشراء, ما لبثت أن تمخضت ووضعت فصيلها سوف يدهش القارئ من الصور التي ترد لاحقاً ثم لا يجادل في صحة هذه الرواية والذي أنا على يقين منه أن قبائل الريث أو معظمهم لا يعلمون أن الناقة خرجت من صخرة, ولا أنها خرجت عشراء وتمخضت عن سقبها, إنما قادوني إلى موضع لأرى أثر أخفاف توارثوا أنه أثر الناقة, وهم لا يعرفون شيئاً عن الصخرة و الفصيل, وسيدهش القارئ إذا علم أن الصخرة وأثر الفصيل وأثر الناقة مجتمعة في موضع واحد.



    عدم وفاء ثمود بما اشترط عليهم:

    اشترط الله جلّ جلاله على ثمود أن يذروا ناقته ترعى حيث شاءت من أرض الله ولا يمسوها بسوء, وأن لا يقربوا الماء يوم وردها, وكانت لا ترد في غير يومها وبحكم الطبع البشري, وتأثير الطالح على الصالح, غلب السفهاء على أمر ثمود وتآمر ثلاثة نفر على عقرها, رجلان وصبي, والصبي هو من عقر الناقة, والذي أرجوه من القارئ أن يذكر أن بين المتآمرين صبي صغير, ويرجح أن ثمود كانت راضية سلفاً بما عقدوا العزم عليه من عقر الناقة.


    أمر الفصيل:


    اختلف المؤرخون في أمر الفصيل, فعند الطبري أن نبي الله صالحاً حين جاءه خبر عقر ثمود الناقة, خرج إليهم فتبرءوا من عقرها, وقالوا إنما عقرها فلان فقال أدركوا الفصيل فإن أدركتموه نجوتم من العذاب, فنفر حتى صعد قارة, فحاولوا اللحاق به فاستطالت القارة حتى بلغت عنان السماء(1), وعند البعض أنهم قتلوه وجمعوا لحمه على لحم أمه, وروى القرطبي أنه دابة الأرض التي تخرج في آخر الزمان(2) بين يدي طلوع الشمس من مغربها تكلم الناس, واستشهد بما رواه أبوا داود الطيالسي عن حذيفة بن أسيد الغفاري في ذكر الدابة " ولم يرعهم إلا وهي ترغو بين الركن والمقام" وقال الرغاء إنما يكون للإبل, ثم فسر ذلك فقال " وذلك أن الفصيل لما عقرت أمه هرب فــانــفــتح له حجر فدخل في جوفه, ثم انطبق عليه, فهو فيه حتى يخرج بإذن الله عزّ وجلّ ", أرجو أن لا تغيب هذه الرواية عن ذهن القارئ.


    رحلتي إلى جبل القهر موطن ثمود:

    لقد قدمت تعريفاً بجبل القهر وكيف أنه كمحيط الدائرة وفي طرفه الغربي في أعلى قمة منه أرض مستوية أقل من كيلومتر مربع تعرف بالرهوة, وتمثل هامة القهر التي تتفرع منها سائر الطرقات, ولأننا خرجنا من بيش عصراً بتنا ليلتنا في الرهوة وبكرنا في الصباح متجهين إلى الشمال الشرقي, ثم انحدرنا إلى الواديين حيث مزارع محدودة للذرة والدخن, لم أر في خصوبة تربتها, وكنت منقاداً للفريق المرافق, بسبب عدم معرفتي بالمنطقة وآثارها, ولم تكن قد تولدت لدي فكرة ما لذلك لم أنتبه للآثار العظيمة حول مزارع الواديين, التي كانت في الرحـلات الــتـالـية الــكـتـاب الـذي قـرأت مـنـه حـضـارة ثـمـود, وكـأنـمـا قـولـه تـعـالــى: (( وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ )) مسطور على صفحة الجبل, لقد كانت ثمود تقطع الجبال العظام لغايات وليس عبثاً, والذي جعلني لم أتنبه لتلك الآثار في تلك الرحلة مشابهتها لفعل الطبيعة في العين غير الفاحصة, ولأن الفريق كان همه أن يريني قبراً في ذروة من الجبل, لا يصل إليه إنسان أو حيوان, وكانوا مشغولين يبحثون عن جواب السؤال: من قبره في ذلك الموضع؟ ووجدت الجواب في الرحلات التالية في قوله تــعـالى: (( وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ )), لقد كان الجبل أسفل القبر مقطوعاً كالجدار, والظاهر أن القبر سبق القطع, وعبثاً حاولت أن أزيل عن أذهان مرافقي قناعتهم بالأساطير التي تحاك حول القبر, وقد أفلحت فيما بـعـد بعد أن أقنعتهم أن الكهوف التي يسكنونها, والمنحدرات الصعبة التي يرونها, وغـيرها وغيرها, بفعل الإنسان لا بفعل الرياح أو المصادفة, وفي تلك الرحلة لم أجد بداً من السكوت وعدم الرد على أساطير الرجل الخارق الذي صعد ذلك المكان الذي لا يرتقيه إنسان أو حيوان, وهو في الرمق الأخير, ثم تمدد في قبره, ووضع سيفه بجواره, واستقبل ملك الموت, وكان همُّ أصحابي في هذه الرحلة أن أرى ثلاثة مواضع, أثر الناقة ومنحرها, والصخرة التي طبع فيها عاقروها أكفهم, والجبل الصغير المشقوق الذي يسمع غير بعيد عنه صوت الحوار, لقد كانوا يسعون وأنا معهم إلى غاية محدودة, لذلك لم أتنبه في طريقنا إلى منحر الناقة "هكذا اسمه" لأعمال ثمودية, إلاّ في الرحلات التالية, منها عين إنسان مرسومة في الصخر تنظر إلى القادم من الناحية التي كان فيها مسجد نبي الله صالح, وذكرتني هذه العين بقوله تعالى في سورة النمل: ((قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ )), أظن أن تصويرهم العيون كان من قبيل التطير, كذلك لم أتنبه إلى أحواض في ربوة بلقع من الأرض, لاهي قرب وادٍ ولا بئر, وأظنها لاستقبال ماء المطر ولا أدري إن كانت عملت للمسافر أم للحيوان أم للوحش, أم لكل أولئك, ولأي شأن صنعت فهي دليل ترف ولين عيش فبينها وبين الوادي مسير دقائق ليس إلاّ, وفجأة انحدرنا في لصب ضيق تحك مرآتا السيارة في جانبيه, ومن ذلك المضيق نفذنا إلى صخرة الكفوف, وغير بعيد منها منحر الناقة وأثـر أخـفـافـهـا فـــي الصخر, ومن يرى ذلك المضيق والموضعين المذكورين آنفاً, يجزم أن عاقري الناقة كمنوا لها عند فم المضيق, حيث لا تستطيع الهرب, أو الانحراف يميناً أو شمالاً, أو أنهم أشرفوا عليها من شرفتيه.



    عين مرسومة في الصخر.
    صورة رقم (1)





    عينان في الطريق إلى الشرقي تنظران إلى الجبل المربع.
    صورة رقم (2)





    حوض لتلقي ماء المطر.
    صورة رقم (3)




    صخرة المعاهدات:


    أفضى بنا المضيق إلى وادٍ صغير أوقفنا فيه السيارة وترجلنا عنها حسب طلب المرشد, وصعدنا صخرة ترتفع عن مجرى السيل قليلاً, صلدة بعض الشيء ومعظم صخور جبل القهر غير صلدة, وهذه الصخرة من ثلاثة أجزاء متصلة بعضها ببعض, جزء منها كالسقف في غير استواء, يتدرج من أعلى إلى أسفل في البعد عن المحور, وجزء كالمصطبة وقفنا عليه خمستنا ويتسع لأكثر من ذلك, أما الجزء الثالث فأمامنا كلوحة الدرس, وعلى الجزء الذي نقف عليه قبران أسطوانيا الشكل مبنيان من الحجارة والخلب, ومغطاة بجذوع العرعر والصفا.

    نبهني أحد المرافقين وأنا أنظر لجزء الصخرة الذي كالسبورة أمامي قائلاً: ما رأيك في هذه الكفوف المرسومة؟, لم أكن أرى في الصخرة أي شيء قبل أن ينبهني صاحبي, وبعد ثوان معدودة, ظهرت لي أكف مطبوعة في تلك الصخرة, كأنما جاءتني من الغيب, منها أكف غير واضحة,ومنها ما هو في غاية الوضوح, والذي أثار انتباهي أن تسعة أكف طبعها أصحابها في مكان واحد, وبأسلوب أرادوا به التدليل أنهم فريق واحد, إنهم لاشك يتعاهدون على أمر, ويغلب على الظن أن طبع الأكف على الصخر كان أسلوب التقاسم والتعاهد لدى ثمود, وبين تلك الأكف كف غلام, وهذا ما أثار دهشتي, فطلبت من أحد المرافقين أن يكشف عن القبرين ويعد الجماجم, فالعظام قد رمت, فوجدها تسعا إحداها لغلام, لقد تعاهد التسعة على أمر وهلكوا عليه, وقبل هذا تنبهت إلى الصخرة, إذ لم تكن على تلك الهيئة دون تدخل الإنسان, بل أنها مقطوعة من الأعلى إلى الأسفل, بأسلوب هندسي يحقق للوحة إضاءة تامة, ويمنع المطر من الوصول إلى الأكف والقبرين, بل وأظنه يمنع الرطوبة أيضاً لأن الخشب الذي يغطي القبرين سليم لم يتعفن أو يتحلل, ولم تمسه الأرضة والعثة,إن الميول المتخذة في قطع الصخرة تدل على حساب دقيق, ومعرفة جيدة فاللوحة تبدوا مكشوفة ولكنها محمية من المطر!, ولقد رأيت رمة أحدهم مكفنة الصدر والبطن بنطع مهترئ, وقد ذر على تلك الرمم النؤرة أو شيء يشبهها وأحسب ذلك ساعة قبروا, و الأكف مطبوعة بأسلوب التفريغ, كأنهم وضعوا أكفهم على الصخرة وقام آخر برش مسحوق أكسيد الحديد على أكفهم والصخرة, فلما نزعوها بقي أثر الأكف مطبوعاً على الصخرة, سواء فعلوا ذلك دفعة واحدة أو واحد بعد الآخر, والذي يتتبع الصخرة من اليمين إلى اليسار يجزم أنهم تتابعوا على ذلك الموضع, ولم يحضروا دفعة واحدة, وأحسب أن أول من حضر منهم ثلاثة لا أظن الغلام منهم, ثم اكتملوا تسعة, والغريب أننا حين أردنا أن نصور رفات تلك الرمم وجدنا بطاريات الفلاش فارغة من الكهرباء "لا أعرف للفلاش تعريباً" واضطررنا أن نصور دون إضاءة والجو شبه غائم, على أن نعود لتلك الصخرة مرة أخرى ولقد جاءت الصور أفضل مما لو أننا استعملنا الفلاش, سواء في تصوير الأكف, أو في تصويرنا لإحدى الجماجم, لا أدري هل سبب ذلك يعود لأسلوب قطع الصخرة أو للمادة التي دفن فيها أولئك الرهط, وحتى الجزء الذي طبعت عليه الأكف من الصخرة, كأنه مُطين بخليط من مسحوق حجر أسود ورمل أبيض, ولا شك أن الصخرة كانت مقطوعة قبل طبع الأكف, والحقيقة التي أود الإشارة إليها أني لم أعد الجماجم بنفسي وحاولت فلم أفلح, ولكن وجدنا لوحة أخرى في موضع بعيد, رسم فيها كفان وعدد الرفات لشخصين, فوثقت بعد صاحبي للجماجم, ولقد ذكرني هذا العدد بالرهط التسعة الذين أرادوا قتل نبي الله صالح فرضختهم الملائكة بالحجارة وهم تحت صخرة, غير بعيد من مسجد نبي الله صالح, وفي هذه الصخرة "أقصد صخرة المعاهدات" سهم يشير إلى أسفل, كأنه يشير إلى حيث هلك أصحاب القبرين يضاف إلى ذلك أن ما بقي من رفات لأولئك التسعة يدل على أنهم ماتوا ما بين مقرفص ومقرفط ومتكور, وكأنهم يتقون رجماً, أما أنا فعلى اقتناع تام أنهم من قال الله فيهم في ســورة الـنـمـل: (( وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ {48} قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ )), يغلب على ظني ومن فهمي لروايات المؤرخين ومن مشاهداتي لصخرة المعاهدات أن أول ما وصل إلى الصخرة ثلاثة عقروا الناقة ثم تبعهم ستة, فتأمروا "جميعهم" على تبييت نبي الله صالح وطبعوا أكفهم كنوع من العهد.



    تسعة أكف, الكف الأخير الأسفل الذي على يسار المشاهد كف غلام.
    صورة رقم (4)





    جمجمة أحد التسعة.
    صورة رقم (5)





    أحد القبرين اللذين تحت صخرة المعاهدات.
    صورة رقم (6)





    القبر الآخر الذي تحت صخرة المعاهدات.
    صورة رقم (7)




    أخفاف الناقة و الفصيل:

    بعد فراغنا من صخرة المعاهدات توجهنا إلى موضع غير بعيد ليريني الاخوة رفقاء الرحلة أثر أخفاف ناقة مطبوعاً في الصخر, يظهر تارة ويختفي أخرى, وعدد المرات التي ظهر فيها في تلك الأرض الصلبة محدود, وبعد خطوة أو خطوتين ظهر إلى جوار أثر الناقة أثر فصيل, يسير بجوارها, يخيل لمن يعاينه أن جسمه أحياناً يحتك بجسدها, فعل الفصلان مع أمهاتها, وأثر الناقة يسير مبتعداً عن أكمة مجوفة كأنها قوس منصوب, لم يهتم الفريق المرافق بتلك الأكمة, ولا بوجود الأثر وكأنه يخرج منها متجهاً جنوباً إلى شعب صغير, لأنهم لم يسمعوا أن الناقة خرجت من أكمة, فقد كانت الأمية والعزلة غالبة على سكان جبل القهر إلى عهد قريب, وقد توارثوا أن ذلك الأثر لناقة نبي الله صالح, وأن تلك الكفوف المرسومة لعاقريها يغمسون أيديهم في دمها ويطبعونها في تلك الصخرة ويتضاحكون, هذا حدود علمهم بخبر ثمود والناقة, لقد كانت الكتاتيب تنتشر في قرى جيزان عموماً إلاّ القهر فلم يعرف الكتاتيب فيما أعلم, ولم يعرف المدارس إلاّ في أواخر عهد الملك سعود رحمه الله, حيث افتتحت أول مدرسة ابتدائية, وأقول هذا لأبين للقارئ أن ادعاءهم عن ناقة نبي الله صالح وعاقريها ليس عن قراءة في كتاب, بل هي أساطير متوارثة حول تلك الآثار, وعلى العارفين عبء إثبات صحة ذلك الإدعاء من عدمه, والذي أثر فيّ وأشدهني حال رؤيتي الأثر ثلاث ملاحظات, أولاها تلك الأكمة المجوفة, فمهما غالطت عقلك وحاولت أن تنسب ذلك التجويف للزلازل أو للرياح أو الأمطار فلن تستطيع ولن يقبل ذلك عقلك, فذلك التجويف نتج عن جسم خرج منه لا ريب, ولا يزال الكثير من القلع على جانبي التجويف, والتجويف يتسع في الأسفل ويضيق في الأعلى, وثانية الملاحظات أن أخفاف الناقة تبدأ في الظهور, ثم تختفي ثلاثة أمتار على وجه التقدير, ثم يعود الأثر وبجانبه أثر فصيل صغير, وهذا يوافق رواية أن الناقة خرجت عشراء ثم تمخضت وولدت فصيلها, واثر الناقة يبدو مغادراً الأكمة وليس متجهاً إليها, فكأنما خرجت منها, أما الملاحظة الثالثة فإنه تلي الأكمة منطقة تنفرج عنها الجبال فسيحة, ورواية ابن الأثير أن الناقة خرجت من الصخرة وقد اجتمعوا في يوم عيدهم(1) فذلك المكان صالح لأن تجتمع فيه القبيلة وتعيد فيه والمناطق الفسيحة في الجبال نادرة, والذي أرجوه من القارئ أن لا يتخيل أثر الناقة و فصيلها يمتد عشرات الأمتار, فالأرض صخرية صلدة, وعدد الأخفاف محدود ولكنه يُقنع كل عاقل, وهو دليل يضاف إلى أدلة, وما يدريك أن الله أبقاه آية للناس.




    صورة من الأمام للصخرة التي تمخضت عن الناقة.
    صورة رقم (8)





    صورة من الخلف للصخرة التي تمخضت عن الناقة.
    صورة رقم (9)





    أثر خف في عرصة الصخرة التي تمخضت عن الناقة.
    صورة رقم (10)





    أحد أخفاف الناقة واضح فيه أثر زمعيه الخلفيين.
    صورة رقم (11)




    أثر أخفاف الناقة.
    صورة رقم (12)




    منحر الناقة:


    بعد أن فرغت من تصوير أثر الناقة والفصيل طلب مني أحد الأدلاء وهو أعرفهم أن أتقدم إليه, وكان يقف مني على بعد خطوات, وهو ينظر إلى ربوة شرقينا تنحدر صوب شعب صغير شرقي الأكمة, وحين وقفت بجانبه ونظرت إلى تلك الربوة رأيت عجباً, إن جزأها الغربي بني يضرب إلى حمرة يسيرة, وأعلاها وطرفاها الجنوبي والشمالي ما بين رملي أبيض وصخور فاتحة اللون, فأشار لي صاحبي إلى الجانب المحمر من الربوة وقال: هنا نحرت الناقة فيما يقال والله أعلم وهذا أثر دمها, وقبائل الريث حريصون في الرواية لا يقطعون للزائر في هذه الآثار برأي رغم قناعتهم أنها ثمودية, بعد أن صورت منحر الناقة تحرك صاحبي وطلب مني أن أتبعه وهو يقول: تعال أريك لبن الناقة, فـقـلـت لــه لا أريد شاهداً بعد لون المنحر فألح علي ولكني لم أطعه, لأني كنت مجهداً, وإذا صحت ظنونهم في لبن الناقة فإنها كانت تحلب في فم ذلك الشعب الصغير, ولم أندم ندمي على عدم رؤية ما يزعم أنه لبن الناقة, والسبب أن الصور التي التقطتها لمنحر الناقة, عند طبعها لم توافق ما رأته عيني من لون الربوة, لأن أشعة الشمس كانت متوهجة عند التصوير وآلة التصوير لدي ليست بتلك, ولا هي مزودة بمكثف ضوئي يمتص جزءاً من أشعة الشمس عند توقد الحجارة.

    لا يمكن لمثلي أن يفتي في حمرة تلك الصخور, والأمر بحاجة إلى تحـليل مخبري أما أنا فأظن الأمر لا يعدوا أن تكون تلك الحجارة تحمل قدراً من أكسيد الحديد, لأن الأرض لا تمتص الدم حسب علمي, ولو فرضنا أن ذلك اللون كان دماً فهل كان ذلك الموضع منسكاً وثنياً, أم هو دم الناقة أبقاه الله آية, فكم من منسك وثني كان بجزيرة العرب لم يبق له أثر.



    مـنـحــــر الــنـــاقـــــة.
    صورة رقم (13)



    نادينا الحوار فحن كما تحن الإبل:

    ترددت كثيراً في رواية ما حدث بيننا وبين الحوار من نداء وإجابة, و أحسبني تأثرت بقبائل الريث, لقد وجدت حتى صغارهم لا يروون لك الخبر الصادق إذا خافوا أن ترتاب فيه, ولكن لم لا أذكر ما حدث مادمت صادقاً فوالله لم أكذب, مع أول مدرسة ابتدائية افتتحت في رخية وأظن ذلك في الثمانينات, التحق بالتدريس فيها بعض أبناء قريتنا فبدأنا نسمع عن جبل مشقوق داخل جبل القهر, يسمع منه صوت بعير أو حوار ورخية هي قرية قبائل الريث, تقع في السفح الغربي لجبل القهر وتصلهم بقرى السهل, ولكن في عسر ومشقة, حتى منّ الله عليها مؤخراً بطريق مزفتة, وأحسب أن كل وعر في منطقة جيزان سوف يذلل بعد الآن بهمة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن ناصر مع توفيق الله دون شك.

    حين كنت أسمع في الثمانينات عن ذلك الجبل المشقوق وصوت البعير الذي يسمع منه, تمنيت أن أراه حتى أخرج برأي في ذلك الصوت, وكانت الأخبار عنه تصلنا مغلوطة, من أناس لم يقفوا على حقيقة الأمر وجليته, فقد قيل لي إنك إذا وضعت أذنك على الشق سمعت صوت البعير, وقيل إذا سال الوادي ظهر الزبد من الشق من أعلى الجبل, وقيل إن بعثة من وزارة الزراعة توجهت إلى ذلك الجبل لدراسة تلك الظاهرة وخرجت بنتيجة أن تحت الجبل بحيرة فإذا سال الوادي تسرب إليها الماء فكان لها خرير يشبه صوت البعير, ومنهم من قال: بل توصلوا إلى رأي مفاده أن الصوت متولد عن تسرب الريح إلى ذلك الشق في موضع ما من الوادي وبسبب تلك الروايات تخيلت الجبل المشقوق طوداً عظيماً شامخاً, و الوادي عند سفحه البعيد وصادف أ ن تعرفت على شاب من أبناء الريث قبل عامين, سألته عن الجبل المشقوق الذي تضع أذنك على الشق الذي فيه فتسمع صوت بعير, فقال لي: تسمعه دون أن تضع أذنك على الشق, وتسمعه من الوادي لا من الجبل, وفي أيام الربيع وخاصة بعد المطر تسمعه كل مرة من ناحية مختلفة, كأنه يتتبع المرعى, ثم سألني هل سمعت عن الكف الأحمر المرسوم في الصخرة, فأجبته بلا, وبسبب هذا الحديث قررت زيارة جبل القهر, ولازلت ألتمس الرفيق حتى وجدته, وكانت رحلات لا رحلة, وكان هذا المقال الذي بين يديك.

    لقد كانت وجهتنا بعد منحر الناقة إلى الجبل المشقوق نزوره ونسمع صوت الحوار فانكفأنا غرباً وكأننا عائدون أدراجنا, وفي الطريق ونحن لا نزال على مقربة من منحر الناقة, شاهدت في ذروة جبل رسماً يشبه السهم يشير إلى ناحية من الوادي مرسوم بنفس اللون الزهري الذي رسمت به معظم اللوحات الثمودية, وأخبرني أحد المرافقين عن وجود أسهم تتتابع حتى تشير إلى ناحية الجبل المشقوق, وقد غلب على ظن كثير منهم أن تلك الرسومات والأسهم تشير إلى كنز أو كنوز, وهم محقون في ذلك, فجبل القهر كنز سياحي كبير, ولما وصلنا إلى الجبل المشقوق وجدته صخرة مكورة كأنها الربوة, ثلثها الشمالي مشقوق من أول الجبل إلى آخره, وقيل لي إن الشق أو ذلك الصدع الضيق يمتد في القف الذي يليه إلى الوادي, وفي الجانب الغربي لتلك القارة أو الجبل حجران أملسان كأنهما ليسا منه بل غرسا فيه, ولما صعدت إليهما وجدتهما كأنما حرقا بالنار حتى صارا أملسين, وهما كعينين للجبل ينظر بهما إلى الغرب وأحسب ذلك من عادة ثمود في التطير, وإن لتلك القارة عندهم شأناً وصعدنا الجبل نبحث عن أي أثر للحوار, فوجدنا ما يشبه أثر حوار مضطرب, يتجه هنا وهناك وإن كان في غير وضوح لا يستطيع المرء أن يجزم انه أثر حوار ولا أن ينسبه لحيوان بعينه, ولقد صورته حتى يراه القارئ ويحكم عليه بنفسه, ثم انحدرنا إلى أسفل الشق من الناحية الغربية, والشق في عمومه ضيق لا يمكن إدخال كف الإنسان العادي فيه, إلاّ عند ملامسته للأرض من الناحية الغربية فإن بجانبه كسر في الصخرة وليس في الصدع نفسه, ومن عجيب صنع الله أنه يخرج من الصدع من باطن الأرض تيار هوائي لا ينقطع, ويروون كــابـراً عــن كـابـر أنه أزلي لا يتوقف لحظة, وبرغم أنه من باطن الأرض, لا يـــختلف فــــي حــرارتـه عـن الـهـواء الـمــحـيـط إلاّ بنصف درجة أو درجة هـــو أدفـأ, وإذا عــرضـت له كوباً من الزجاج مقلوباً, تلاحظ تكون قطرات خفيفة من الماء على جدران الكوب, أظنه بسبب اختلاف درجة الحرارة, وهذا التيار الهوائي كأنما تنفثه مروحة كهربائية سواء كانت الريح راكدة أو مـــتحركة, وسواء كــانت فـي اتجاهه أو مـعاكـسـة له, فإذا كان متولداً عن الهواء الخارجي فلماذا لا يتوقف إذا ركدت الريح؟!.

    بعدما تلمست بيدي ذلك التيار الهوائي تنحيت جانباً وقلت في نفسي: إذا كان حوار ناقة صالح في باطن هذه الصخرة, قد ضرب الله على أذنيه كما ضرب على آذان أهل الكهف, فهذا الهواء يحفظ حياته في رقدته بإذن الله, واستغرب أصحابي أن الحوار لم يحنَّ, وهو الذي ما أن يقترب أحد من الجبل إلا ويحن كفصيل يطلب أمه وبسبب ذلك الصمت منه, أخذ أحد المرافقين يناديه من أسفل الشق قرب التيار الهوائي بنداء الرعاة للإبل, فسمعنا بعد ثوانٍ صوت حاشي يحن من الوادي, والوادي منا على بعد ما يقارب الكيلومتر, فقال صاحبي هل سمعت؟ ثم استدرك: لا أدري إن كان في الوادي إبل أم لا, حال سماعي الصوت استشعرت أنه مشابه كثيراً لصوت الإبل, وصـمـت صاحبي وصـمـت البعير, فــقـلت له ادعه أخرى, فناداه بنداء الرعاة إبلهم, فعاود الحنين هذه المرة فيما يشبه صوت الناقة, ولا أدري كيف استرجع عقلي في أجزاء من الثانية حنين النوق الذي كنت أسمعه وأنا في الخامسة من عمري تنادي صغارها, ولا أدري كيف تيقنت أن الصوت تقليد وليس حقيقياً, فاستشعر قلبي أنه شيطان يضلل الناس, فأخذت أردد آية الكرسي في سري وطلبت من صاحبي أن يناديه فناداه فلم يجب,وأعدنا النداء المرة تلو الأخرى, ولم يجب في أي مرة, بل لم يحن بعد ذلك في أي زيارة من زياراتي اللاحقة, لا أدري إن كانت قراءتي صادفت انقطاع المسبب الطبيعي المولد لذلك الصوت, أم أنه شيطان, وقلبي إلى أنه شيطان أميل,وما يقال عن أنه ناتج عن الرياح أو السيل مما كنت سمعته عنه قبل هذه الزيارة لا يمكن الاقتناع به, فهو يكون مع وجود المطر ومع صحو السماء وحال الريح وحال ركود الهواء وليس هو صدى مناداتنا, فقد نادينا ولم يرتد إلينا صدى, فكل تعليل سمعته عنه لا أجده مقنعاً.


    الجــبــل الـمـشـقـــوق.
    صورة رقم (14)





    ربما يكون الفصيل دخل من هذا الموضع والأثر أثر أخفافه.
    صورة رقم (15)



    الرحلات اللاحقة:

    انفض عني ذلك الفريق الطيب, ولم يبق غير يحيى علي معيض, ولو لم يكن معي لتعذر علي إكمال هذا الجهد, ولكنه سامحه الله كان يهمه ما يعتقد لا ما أراه أنا ذلك أن أحد الأصدقاء قال لنا: إنكم إن وجدتم أثراً مكتوباً حل لكم لغز تلك الحضارة إن كانت لثمود أو لأمة أخرى, فجشمنا يحيى كل صعب, وسلك بنا كل وعر, نمر بالآثار التي تنطق بأفصح لسان أنها ثمودية دون أن يتوقف, ولا يمر بأحد إلاّ وسأله إن كان يعلم عن نقوش أو كتابات, فيجد جواباً واحداً في كل مرة " هناك صور حيوانات" وخرجنا من ذلك البحث المرهق بزيارة ثلاث لوحات, لوحة لصور غزلان في الجبل الشرقي, وأخرى في الشرقي كذلك, للصوص سرقوا بعض المواشي ولحق بهم الطلب من شخصين بسيفيهما, واستنقذا المواشي من الأبقار والأغنام, أما اللوحة الثالثة فإنها تؤرخ لمعركة ذات أهمية في ذلك الزمن, فقد أبدع الفنان رسمها رغم بدائية الرسم, وهي مرسومة في صخرة مقطوعة بنفس ميول لوحات الرسم الأخرى, وتحت الصخرة قبران فيهما جمجمتان لرجلين, وفي الرسمة صورة كفين, إحداهما لظاهر كف والأخرى لباطن كف أخرى, وأظنهما للتدليل على أن صاحبي القبرين تعاهدا على الموت, أو أنهما أبليا بلاءً حسناً, وفي اللوحة صورة ثلاث سلاسل جبلية تدل على مكان المعركة, وفيها رسم للبيوت, مما يدل على أنها وقعت في الحمى, وفيها صورة أحسبها لامرأة سبيت واستنقذت, أو أنها سبية, وفيها صور حيوانات غنمت أو اســتـنـقـذت, وأحــســب أن الحـمار كــان له قيمة عند ثمود فوعورة الجبل ومنحدراته ومزالقه, لا تصلح للخيل ولا للمطايا, وافضل مركوب فيها الحمير, ولم نجد في أي لوحة صورة للإبل أو للخيل, وفي اللوحة صورة جوارح الطير تتبعهم, وطالما فخر الشعراء أنهم إذا ساروا تبعتهم الطيور الجارحة كما أن صور المحاربين توحي بخطة الحرب, من تقديم حملة الرماح والسيوف وتأخير الرماة, وترى المحاربين يتجالدون في صورة ناطقة, إنها لوحة معبرة رغم بدائية الرسم, وحـيـن وقـفـت أمـامـهـا أنا وصاحبي قلت له: أتدري ماذا تقول هذه الصورة؟ فالتفت إليّ, فقلت: إن أمة تؤرخ لأيامها بالرسم أمة أمية لا تعرف القراءة والكتابة فلا تشغلنا بالبحث عن كتابات وحروف.




    فارس الجبل الشرقي الذي استنقذ المواشي.
    صورة رقم (16)





    قطعت ذراع اللص "الجبل الشرقي".
    صورة رقم (17)





    معركة الشاميّة- الرجل قرب الكف أطلق سهماً "لوحة الشامية".
    صورة رقم (18)





    المحاربون يتجالدون " لوحة الشامية ".
    صورة رقم (19)





    حملة السيوف يتجالدون.
    صورة رقم (20)





    حملة السيوف يتجالدون.
    صورة رقم (21)





    شخص يهم بركوب حماره للهرب "لوحة الشامية".
    صورة رقم (22)





    واحدة من الغنائم (تيس) "لوحة الشامية".
    صورة رقم (23)





    ثلاث سلاسل جبلية تدل على موقع المعركة "الشامية".
    صورة رقم (24)





    بيوت الحي (الشامية).
    صورة رقم (25)





    صورة كواسر الطير وهي تتبع المحاربين كما تغنى بها شعراء العرب (الشامية).
    صورة رقم (26)





    الأطفال يقذفون اللوحات بضفع البقر, لطالما طالبت الجهة المختصة بحماية هذه الآثار أو زيارتها على الأقل وكانت صرخة في واد.
    صورة رقم (27) صورة رقم (28)
    ===========================
    اللهم أرزقني الصحة والعافية
    ===========================

  • #2
    كتاب ثمود الخالد:


    قلت فيما سلف إن الواديين كتاب مفتوح تقرأ فيه خبر ثمود, إلاّ أن يحيى لم يمكننا من الوقوف فيها وقوف الدارس المتأمل, ولكنه لما اقتنع أنه ليس من السهل أن نجد كتابات تفصح عن أصحاب تلك الحضارة, كان يمهلنا أن نشاهد ونصور بعض الوقت, فبرغم اقتناعه أن الصخور المقطوعة, والجبال المنجورة, بفعل فاعل وليست بفعل الطبيعة, إلاّ أن هاجس وجود لوحات مكتوبة كان غالباً عليه, وكان يريد منا زيارة غيران سمع عنها من غير ثقة, لعلنا نجد كتابات ما, ولكني من الواديين استطعت أن أعرف الغايات التي كانت تقطع لأجلها ثمود الصخور وتنحت الجبال والقرآن الكريم اخبرنا عن إحدى غاياتهم وهو بناء البيوت, قـال جـل جـلاله: ((وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ )) الأعــراف وأضمر الغايات الأخرى في قوله عزّ من قائل فـــي ســورة الفـجـر: ((وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ )), وظن أكثر الناس أن نحتهم الجبال بيوتاً هو المعني بالآية الأخيرة, والقرآن أدق وأبلغ من ظننا وفهمنا المحدود, ولو لم أتتبع هذه الآثار, لما دار بخلدي أن ثمود كانوا يقطعون الصخور لغايات غير السكنى, أما الآن فبإمكاني أن أسمي بعض الأغراض التي تنحت ثمود لأجلها الجبال, ولست بحاجة إلى شرح أسلوب القطع لكل غرض وسأكتفي بتقديم الصور, فالصورة تكفي لبيان الغرض من القطع وتوضيح الاختلاف الهندسي المتخذ المناسب للغرض, فمن تلك الأغراض اتخاذ البيوت من الجبال ويقول المؤرخون إن ذلك بسبب طول أعمارهم, فبيوتهم تتهدم وهم لا يزالون أحياء وأحسب أن دفئ البيوت المتخذة من الجبال شتاءً واعتدالها صيفاً, وعدم وجود الجص بأرضهم, وعدم وجود الطين إلاّ في مزارعهم وهو فيها قشرة رقيقة, وهم به ضنينون لا محالة, وما ألهمهم الله ومكنهم فيه من قطع الصخور ونحت الجبال كل تلك الأمور جعلت نحت الجبال أيسر وأقــل كـلـفـة مـن بناء البيوت, وهم يعمدون إلى الجبل أو إلى نتوء فيه, ثم ينحتونه نجراً على ما أظن, أو لعلهم يقطعونه ابتداءً ثم يكون النجر بعد ذلك, حتى يكون كالكهف, والكهف غير الغار, وحفر الجبال في حجر وادي القرى على هيئة أغوار صغيرة, لذلك قلت عن قبور النبطيين فيه حفراً لا قطعاً وبين نحت ثمود للبيوت وللوحات التي تحمل الرسومات تشابه, ولكن درجة الميول تختلف, ولجعل الكهف المنحوت بيتاً يعمدون إلى سد واجهته بجدار, وعمل باب فيه والجدار حجارة مرصوصة فوق بعضها من دون مادة لاصقة تمسك بعضها إلى بعض, ولا تزال معظم هذه البيوت الثمودية مسكونة إلى يومنا هذا وليست كقبور الحجر التي لم تسكن قط, وغير صالحة للسكنى البتة, وحاشى الله أن يقول عنها بيوتاً وهي غير ذلك, إن علينا أن نقتنع أنها ليست بيوت ثمود المذكورة في كتاب الله, لقد بينت بعض أغراض قطع ثمود للصخور وبقي ما سأذكره, والقرآن يذكر أن ثمود اتخذوا من السهول قصوراً, ولكنها لم تخلد خلود هذه البيوت المنحوته.




    بيت طور الإعداد في موضع بيت ثمودي.صورة رقم (29)




    بيت ثمودي حديث مسكون.صورة رقم (30)



    تحصين المواقع:

    يظهر هذا التحصين حول المزارع, مما يؤكد أن هذه المزارع باقية من عهد ثمود وهي مزارع مطرية, تزرع فيها الحبوب بماء المطر المتحدر عليها من الجبال المحيطة بها, والملاحظ أن كل منحدر يمكن الهبوط منه إلى المزارع, عمد الثموديون إلى قطعه, حتى صار كالجدار لا يمكن تسلقه, ومن حاول الانحدار منه لقي حتفه, ثم هم لا يبقون غير طريق واحدة تكون معروفة لديهم, ولا تزال هذه المواضع على هذه الحال إلى وقتنا الحاضر, ومن هذه الصخور المقطوعة ما يكون بارتفاع عشرات الأمتار, وهذا تلاحظه أنّى وجدت المزارع داخل جبل القهر, وقد يحسبه الزائر أول وهلة من فعل العوامل الجوية, أو أنها طبيعة تضاريس ذلك الجبل وإذا كان ذا بصر سيعرف أنها لا هذا ولا ذاك, وأنها هندسة ثمود الفائقة, ولا يمكن للعوامل الجوية أن تعمد إلى كل موقع فيه مزارع فتوعر كل ما حوله ثم لا تبقي غير طريق واحدة, هكذا في كل مرة, أقول هذا لمن يحب الجدل لذات الجدل, وإلاّ فإن آثار القطع والنحت بادية للعيان.



    الصخر في الأسفل مقطوع للتحصين.صورة رقم (31)




    صخر مقطوع للتحصين.صورة رقم (32)



    هذه الصخرة كانت في القمة قبل القطع.صورة رقم (33)



    عقود الغلال:

    هذه العقود هي ما بهرني في هذه الحضارة, فهي الشيء الأهم الذي يدل على أن ثمود كان لهم علم ما, ولعل الأيام تكشف لنا عن علم محير في هذه العقود, ليست هي أكثر من نحت لصفحات الجبال على شكل عقود, مفتوحة على الوادي, والجبل من خلفها, وأمام كل عقد من هذه العقود صخرة بعيدة بعض الشيء عن قاعدته وعلى قاعدة العقد فرشت أعواد يوضع عليها الذرة أو الدخن عند حصاده مباشرة والقصب يحمل السنابل, ويترك إلى أن يجف الحب تماماً, ثم يستخرج الحب بالطرق المعروفة ويوضع في الأكياس, إلى هنا يبدوا الأمر طبيعياً, لا والله ليس طبيعياً فأمطار جبال الغور تأتي فجأة ودون انتظام, وقد تكون خفيفة ولكن الحبوب تتضرر بالمطر, لذلك نحتت ثمود تلك العقود المعجزة.إن تلك العقود التي ترى مكشوفة لا يصيب المطر من جلس تحتها من أي جهة جاء ولو كان مصحوباً بريح عاصف, ونصفها مكشوف تماماً, ونصفها يحميه الجبل, فهو له كالجدار, والغريب أن الصخرة الموضوعة أمام العقد ترى في العراء والذي يجلس عليها لا يصيبه المطر, فإذا كان الريح عاصفاً بالغ الشدة قد يشعر الجالس فوق الصخرة برذاذ خفيف, على أي حساب عملت تلك العقود؟, هل عرفوا بأي زاوية تنحرف الرياح إذا اصطدمت بالجبل؟, فحفروا في موضع بعينه وبمقدار معين فصار الجزء المنجور في المنطقة الصفر التي لا تمر بها الريح في انحرافها من أي ناحية كان عصفها وهبوبها, وحفر هذه العقود غير غائر ولا عميق, فحافته كحافة العقد في الجدار, والموضع في العين مكشوف, والذي أثار دهشتي أن باطن العقد الضخم الذي في الواديين ليس صخرة واحدة وهو متماسك كالصخرة, فهل كانت ثمود ترش الصخور التي تقطعها بمادة تمنع تهيل تربتها, فيصير التراب والحصى والصخور متماسكة كصخرة واحدة, ليت شركات الطرق تتعلم منها فتمنع تهيل الجبال, وفي الواديين عقد آخر على يمين العقد الكبير يعلوه كثيراً وهو كذلك يمنع وصول المطر إلى قاعدته, وفي قمته الآن ثلمة, وقد سألت عنه فقيل إن الذي يجلس الآن تحته أثناء المطر إذا كان فيه ريح عاصف فإنه يصيبه رذاذ يسير ولم يكن كذلك إلى عهد قريب, فنبهتهم إلى الثلمة, فقالوا: صدقت لم تكن فيه.




    عقد الغلال المثلوم "الواديين".صورة رقم (34)




    أكبر عقد غلال, إنه عمل عظيم "الواديين".صورة رقم (35)




    عقدا غلال في بقعة بن فيصل.صورة رقم (36)


    النحت للزينة والجمال:

    في الطريق إلى الشامية وفي تفرع الوادي, توجد ثلاثة جبال منخفضة متشابهة, شكلاً وصخوراً, لذلك عمد أصحاب تلك الحضارة إلى أوسطها فنحتوه في أشكال تُطيف به في معظم محيطه, كل نحت منها كالحزام, وهم إن لم يكن نـحـتهم له كمعلم يعرف به المتجه إلى الشامية والصادر عنها طريقه, فإنهم نحتوه للجمال ليس إلا, كما نفعل في حضارتنا الحالية من مجسمات وخلافه, ونحت هذا الجبل عمل عظيم وجهد كبير ولا أظنه مجرد عبث, وسوف يشاهد القـارئ فـي الـصـورة الـمـنـشـورة له حجراً في صفحة الجزء المنحوت, ليس من جنس تربته, كأنما طعم به, كتطعيم الحلوى بفاكهة الكرز, لا يمكن الوصول إليه بالتسلق, و أتمنى أن لا يستخدم أحد وسيلة ما للوصول إليه فيعبث به, والنحت في هذا الجبل كأنما تم البارحة, لا أثر فيه للمطر ولا للرياح ولا تهيلت تربته, أليس ذلك محيراً.




    جانب من الجبل المنحوت جمالياً (في الطريق إلى الشامية).صورة رقم (37)



    هل طُعِّم الجبل بهذا الحجر أم هو متخلف عن النحت؟ (في الطريق إلى الشامية).صورة رقم (38)



    جنات وعيون ثمود:

    قــال تـعـالى مـخـاطـبـاً ثـمود على لسان نبي الله صالح عليه السلام في سورة الشـعراء: ((أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ {146} فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ {147} وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ )), لقد ذكرت سابقاً أن مزارع القهر تسقى بماء المطر, وتزرع فيها الذرة والدخن, وهي خصبة غزيرة الإنتاج, ولم أشاهد أي مزارع في مدرجات في القهر شأن المناطق الجبلية الأخرى, وإذا ذكـر الـزرع أو الـزروع فـالمراد الحبوب " البر والشعير والذرة والدخن وغير ذلك ", وليس في جبل القهر نخل ولكن فيه الشٌَطب بضم الشين وفتحها, وهو من فصيلة النخل وثمره كالبسر, وهذا دليل على صلاحية جبل القهر لزراعة النخيل, وما دامت زراعته ممكنة وبيئة القـهـر له مناسبة فنفي أنه كان مزروعاً في زمن ما من الأزمان الغابرة ضرب من اللجج, أما العيون فلا عيون في مزارعهم في الوقت الحاضر الذي شحت فيه الأمطار, ولكن في السفح الغربي للجبل في وادي يَخْرَف, بفتح الياء وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء ثم فاء موحدة, وربما في أودية لم أزرها يسيل الغيل بغزارة ودون انقطاع, وليس بمستبعد أن يوجد الغيل أو العيون داخل الجبل إذا توفرت الأمطار, وما دمت مقتنعاً من واقع الشواهد التي لا تحصى أن ثمود كانوا بجبل القهر, فأنا مقتنع أنه كان في القهر جنات وعيون, وهذا الاقتناع واجب عليّ شرعاً, ولقد وجدت ما زادني طمأنينة.



    مــزارع الـــواديين.صورة رقم (39)



    مزارع جبل القهر في الأودية.صورة رقم (40)



    عنب في صراع للبقاء وموز تنعم به القرود:


    لم أسمع عن فاكهة في جزيرة العرب لا تزال تنمو في البراري مع أشجار العضاه دون تدخل الإنسان, حتى وجدت ذلك في جبل القهر, ولا أدري إن كان غيري سمع عن أشجار فاكهة في بريّة, تسقى بماء السماء وتنعم بها القرود, ليست هذه الفاكهة في موضع واحد في جبل القهر, بل في موضعين متباعدين, الموضع الأول في وادي أتران حيث توجد غابة صغيرة من الموز, والموضع الثاني في بقعة بن فيصل, حيث توجد في شعبين متباعدين شجرتا عنب معمرتان قد غطتا على ما حولهما من الأشجار, حتى أن الرائي ليحسبهما غابتين صغيرتين من العنب, ولو سألت أسن من في القرية لقال لك عن أبيه عن جده عن جد أبيه عن جد جده أنه لا يعرف الزمن الذي لم تكونا فيه, وأنه ما عرف نفسه إلاّ وهما كذلك, ووعورة موقعهما وعدم وجود ما يدل أنه كان في زمن من الأزمان مزرعة, بل وعدم صلاحيته لذلك, أكبر دليل على أنهما من شجر القفر, أتمنى إذا كان لدى وزارة الزراعة وسيلة يقدر بها عمر أشجار العنب أن يعرف عمرهما, كما يوجد شجر موز في شعبين لا يستطيع الوصول إليه إلاّ شخص أو شخصين من أبناء القرية وبمشقة بالغة, وإذا قلنا قد تكون الطيور جلبت بذور العنب من مكان بعيد, فـمن جلب الموز؟, وليس للموز بذور وإذا كان وجود الموز غريباً فوجود العنب لا يخلو من غرابة, فهذا النوع نادر ولا أظنه موجوداً في أي موقع آخر من جزيرة العرب, كما أن العنب لا يزرع في تهامة لا في سهلها ولا في جبالها, لأنه لا يجود فيها لحاجته إلى الجو البارد, فأكثر مزارع العنب في السراة من صنعاء إلى الطائف, أما هذا العنب فينمو دون عناية, في جو أدفأ من السراة وبدون سقيا إلاّ ما تجود به السماء على فترات, وبرغم ذلك ينمو ويثمر وتستمتع به القرود, كل ذلك على ماء المطر والأكثر غرابة أنه ينبت في موسم إنباته في مزارعهم المخصصة للحبوب فيخلعونه وقد ينجح بعضه فلا يرونه إلاّ وقــد تــسـلـق على أقرب شجرة, فيعمدون إلى قطعه بالـفــؤوس, إنـه فـي صــــراع للــبـقـاء وهــذا يــدل عــلـى أنـه ابن البـيئة, أو أن الـبـيـئـة مـنـاســــبة له غاية المناسبة ولو أن الهيئة الملكية لتطوير فيفا, أو وزارة الزراعة, أو أي جهة حكومية تأخذ من بذره أو عُـقـَلاً من سوقه, وتزرعه في مشتل في بيئته, أو في بيئة مماثلة, ثم تقنع به الزرّاع في جبال الغور, فإنه لا شك سيتكاثر وسوف تصبح تهامة مصدرة للعنب لأول مرة, كيف لا ينمو ويجود وهو الآن ينمو بشكل جيد, دون عناية أو ريّ ويبقى السؤال: هل هذا العنب وهذا الموز منذ كانت جزيرة العرب عيون وانهار وجنات, أم هو من بقايا ثمود, فالمؤكد أنه لم تزرعه يد إنسان, لا أحد من السخف بحيث يزرع الموز في شعاب غائرة لا يصل إليها إنسان والزارع يحتاج أن يغادي زرعه ويماسيه, ويقال إن هذا العنب حلو, ولكني جئته وهو لا يزال حصرماً ولم يكن أحد من أهل الجبل يقرب ذلك العنب أو الموز, بل تستمتع به القرود, ويقال إن البعض ممن اتصل بالمدن, بدا يتجشم مشقة الوصول إليه, ويأتي بالقطف والقطفين, لقد حفظته وعورة شعابه, ولعل الله جلّ جلاله أبقاه لأمر.




    عـنـب لا يـزال بـريــاً.صورة رقم (41)




    هذا العنب نادر لا يوجد منه في جزيرة العرب.صورة رقم (42)


    ===========================
    اللهم أرزقني الصحة والعافية
    ===========================

    تعليق


    • #3
      ما بعد إجازة البحث:


      بعد أن استوفيت تصوير الآثار في جبل القهر, أو هكذا خيل إليّ, تقدمت بالبحث الآنف إلى فرع وزارة الإعلام بجدة أطلب إجازته, بصفتي أول من تعرف على تلك الآثار, وأول من وثقها وقدم لها رؤية تاريخية مؤسسة على حجج, لا ينقص قيمتها أنها جاءت من غير متخصص, ولا أحسب ذا معرفة يدير لها ظهره بسهولة ولا أظن الآثاريين سيذهبون بعيداً عما ذهبت إليه, ولكني بعد أن أجزت بحثي وجدت آثاراً ذات أهمية وإن كانت محدودة العدد, وسأذكرها تالياً, والعثور عليها يؤكد الحاجة إلى المزيد من الجهد والوقت والإمكانيات, سيما إذا عرفنا اتساع جبل القهر ولكني صرت متيقناً أن التسول على أبواب المساجد أكرم بالمرء من البحث عن ممول لأمر علمي يعود نفعه على الوطن, وبسبب قناعتي هذه فضلت أن أعمل بقدراتي التي لا تسمى وأتجرع الصاب, ولا ألتفت لما يجنيه من لا يعملون ويؤذي نفوسهم أن يعمل الآخرون, ولعمري الصاب خير من المن والسلوى تجنى بسيمياء التزلف.



      أولها: لوحة أكف الصبية:


      قبل أن أتحدث عن هذه اللوحة أود أن أذكر ملحوظة مهمة عن رسومات جبل القهر فهي تنقسم إلى قسمين, الأول يتمثل في حفر يسير جداً في الصخر لرسومات غير ملونة وأظن هذا الأسلوب كان سابقاً, والقسم الآخر يتمثل في رسومات طبعت بما يشبه الريشة ملونة باللون الزهري وتمثل مرحلة تالية تدل على تطور مدني وأجيال تالية للأولى, ولوحة أكف الصبية في الواديين من النمط الأخير الملون, بل لفت نظري وجود خطوط مرسومة بعضها صاعد وبعضها ساقط, ولم أجد مثل هذه الخطوط في أي لوحة أخرى, وهي لاشك تعبر عن شيء, كتعبير الحروف عن الكلام, وإن كان بصورة بدائية, بل أظنها أول أشكال الكتابة في جزيرة العرب, إن لم يكن في العالم, وعدد الأكف إما أربعة أو خمسة وكل كف يشي بعمر صاحبه وجميعهم أغيلمه ما بين الصبا وبواكير الشباب, وهذه الأكف والخطوط مرسومة في صخرة قد قطعت بنفس أسلوب القطع الذي يحفظ الرسومات من عوامل التعرية وأحد الأكف كأنما حمل على عصا, وأسفل من الخطوط صورة ذات ثلاث شعب استوقفتني كثيراً وتأملتها ملياً, عند رؤيتي لها أول وهلة قلت ربما تكون صورة لزهرة ترمز إلى أن الصبية ماتوا وهم في عمر الزهور, ثم عدلت عن هذا الرأي وقلت لعلها رجل طائر قتل أولئك الأطفال, وتراجعت عن هذا الرأي لأقول لعلها ترمز لكوكب ما, ثم ترجح لديّ أنها صورة للشمس ولعل تلك الأمة كانت تعبد الشمس, ووجود الشمس في اللوحة تعبير عن صعود أرواح الصبية إلى الإله الذي يعتقدون, والسؤال الأهم من هذا, ما الذي جعل أصحاب تلك القرية يخلدون هؤلاء الصبية في لوحة؟, لعل السر يكمن في حادثة موتهم, ورممهم لا تزال موجودة جماجم وبقية من عظام نخرة, وربما يكمن الجواب عن سبب موتهم في صورة الكف المحمول على العصا, وفي كتب التاريخ ذكر لمقتل أبناء قوم من ثمود وردت بصورة لا يقبلها العقل, لعل حادثة القتل صحيحة ولكن القصة تحولت إلى أسطورة مع تعاقب الأجيال, فمن المعلوم أن من آمن من ثمود ظل نسلهم يتعاقب حتى اتصل بالعرب, إن لم يكن العرب منهم, و ظلت قصة هلاك من هلك منهم تداول حتى نزل القرآن وجاء ذكرهم فيه بالسرد القرآني الموجز فمازج الرواة بين ما لديهم من أساطير وما في كتاب الله, ومن ذلك قصة قتل الصبية أو قتل الأبناء حسب ما ورد في كتب التاريخ, وسأجتزئ منها هنا اللب والخلاصة, وعلى من يريد الإستزادة أن يرجع إلى كتب التاريخ,فقد ذكر المؤرخون ومنهم الطبري أن نبي الله صالحاً حين أوحى الله إليه أن قومه سيعقرون الناقة قال لهم ذلك فقالوا: ما كنا لنفعل قال: لا تعقروها أنتم, أوشك أن يولد فيكم مولود يعقرها, قالوا ما علامة ذلك المولود فوالله لا نجده إلاّ قتلناه؟ قال: فإنه غلام أشقر أزرق أصهب أحمر, فاختاروا ثماني نسوة قوابل من القرية وجعلوا معهن شُرطاً كانوا يطوفون في القرية فإذا وجدوا المرأة تمخض نظروا ما ولدها فإن كان غلاماً قتلنه وإن كانت جارية أعرضن عنها.وفي موضع آخر عند ذكر خبر مهلك التسعة الرهط الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون حين بيتوا قتل نبي الله صالح, أن رجالاً ممن اطلع على ما عزموا عليه حين وجدوهم رضخاً رجعوا يصيحون في القرية أي عباد الله أما رضي صالح أن أمرهم أن يقتلوا أولادهم حتى قتلهم.الراجح عندي أن لهذه القصة أصل في الواقع ولكن غلب عليها الجانب الأسطوري الذي لا يقره العقل, فكون نبي الله صالح أمرهم بقتل أبنائهم أو أنهم كانوا يقتلونهم بعلمه فأمر محال يخالف خلق المرسلين, وإذا كانوا يفعلون ذلك دون علمه فأمر ينافي خلق أتباع الرسل, أما الكفار من قومه فما أطاعوه في العبادة أيطيعونه في قتل أبنائهم؟!, كما يخالف هذا الفعل الفطرة السوية وما جبل عليه البشر من حب الأبناء, وعلى أي وجهة قلبت قتل الآباء لأبنائهم فإن العقل يردها ناهيك عما فيها من قطع للذرية وسيلة بقاء الجنس البشري, ولكن إن كان لهذه القصة من أصل فقد يكون شخص أو أشخاص ما قتلوا صبية ثم ألصقوا التهمة بنبي الله صالح وأتباعه كأن يقال إن المؤمنين قتلوهم حتى لا يكون منهم عاقر الناقة الذي قال عنه نبي الله صالح يوشك أن يولد فيكم من يعقرها فإذا كان الأمر على هذا الوجه أو قريباً منه فلعل هذه اللوحة تعبر عن هؤلاء الصبية الذين غُدر بهم ليتهم بهم نبي الله صالح عليه السلام وأتباعه, وأعداء الرسل يفعلون أكبر من ذلك, والله أعلم بالحقيقة.




      كف على يمين الصورة (لوحة الصبية في الواديين).صورة رقم (43)




      عن ماذا تعبر هذه الخطوط (لوحة الصبية في الواديين).صورة رقم (44)




      لأيّ شيء يرمز هذا الشكل؟؟ يشبه شعار الشمس في معبد الشمس في مصر إن لم تخني الذاكرة (لوحة الصبية في الواديين).صورة رقم (45)




      رسمة كف (لوحة الصبية في الواديين).صورة رقم (46)




      كف محمول على عصا أو رمح غير واضح في الصورة (لوحة الصبية في الواديين).صورة رقم (47)




      كف لشخص في باكورة الشباب (لوحة الصبية في الواديين).صورة رقم (48)




      كــف أحـــد الصبية.صورة رقم (49)




      لوحة الراعي:


      لقد نوهت فيما سلف أن الرسومات في جبل القهر ليست عبثية وليست أعمال لهو ولا إظهار براعة في الرسم, بل هي تدوين لأحداث يعدُّها أصحاب تلك الحضارة أحداثاً جساماً, ولا أظن لوحة الراعي تشذ عن هذه القاعدة, وإن كان أهم ما يدل على سبب تدوينها لم يعد واضحاً حتى يقال فيها بيقين.تقع لوحة الراعي في الشامية, وهي من الرسم القديم غير الملون, والغريب في هذا الرسم بقاؤه إلى وقتنا الحاضر, وأنا في كل مرة لا أتحسسه بيدي خشية أن أفسده لدقته, لقد تحسست في لوحة الشرقي صورة الفارسين فوجدتهما رُسِما بالحفر الغائر في صخر صلب بقدر ما لا يفسده اللمس, ولم أتحسس صور الحيوانات لأعرف هل هي رسم غائر أم بارز أم ملاط خفيف طبعت عليه الصور, خشية أن تحات الصورة بلمسي لها, وإن كنت أرجح أنه رسم بارز محفور فيه ما حول الصورة, وطبيعة الصخر الذي يميل إلى اللون الأبيض يعطي الصورة الوضوح المطلوب, وإذا كانت صور الحيوانات على هذا النحو فإن فيها إعجاز غريب, إذ لا بروز لها ظاهر, ولوحة الراعي هذه تشغل حيزاً أقدره بعشرين متراً طولاً أو أكثر وكل المساحة التي رسمت فيها اللوحة نحتت بنفس الطريقة التي نحتت بها اللوحات الأخرى, التي تحمي الرسوم من عوامل التعرية, إنها هندسة عجيبة, وليس في اللوحة غير أغنام يتبع بعضها بعضاً, وفي مقدمتها الراعي متوشحاً سيفه على عاتقه الأيمن, ولقد لفت نظري في لوحة معركة الشامية أن حملة السيوف قد علقوا الأغماد على عواتقهم الأيامن, وأظن تلك عادة الناس في توشح السيوف, فإذا حزب حامل السيف أمر سحبه بيسراه من فوق منكبه بغمده ونجاده واستله (النصل) بيمناه, إذ كيف يستل السيف من غمده وهو معلق على عاتقه الأيمن إلاّ بهذه الطريقة, أو أن يستله من فوق كتفه, وكون الراعي يسير في مقدمة أغنامه يدل على أنه في حالة رواح لا غدو, لأن الراعي إذا غدا للمرعى سار في مؤخرة أغنامه يسوقها, وإذا راح سار في مقدمتها وهي تتبعه وخلف ذلك الراعي يسير حمار عري, ويحمل الراعي فوق رأسه شيئاً غير واضح في الصورة, لقد تمعنت فيه كثيراً لكنه لم يعد واضحاً, لا أدري إن كان يحمل نتاج إحدى معيزه حديث الولادة, أو لعله وحش هاجم أغنامه فقتله وجاء به يحمله إلى المراح, فكان ذلك منه عملاً بطولياً استوجب تخليده في تلك اللوحة.




      الراعي يحمل على رأسه شيئاً ما وخلفه الحمار (لوحة الراعي).صورة رقم (50)




      أحد تيوس القطيع (لوحة الراعي).صورة رقم (51)







      مجموعة من الأغنام ( لوحة الراعي).صورة رقم (52)




      صورة تيس واضحة لحيته (لوحة الرعي).صورة رقم (53)



      فرحة وترحة:


      مع ترددي على جبل القهر صار لي مرافق من نفس سكانه اسمه شعبان مداوي في باكورة الشباب, تحمس لفكرة البحث, فكان إذا غاب يحيى الشمراني تكفل بقيادة السيارة, وقد طلبت منه أن يفتح عينيه على كل صخرة وشعب يستطيع الوصول إليه, فإن هو رأى لوحة أو نقشاً عليه أن يتصل بي لأجيء من جدة لتصويره.لقد كان شعبان مني كأحد أبنائي, أدعوه فيجيب, وآمره فيطيع, ويقضي في صحبتي اليوم كاملاً, دون أجر أو وظيفة, بل شهامة ونبلاً, لا تزال مقاطعة جيزان بخير, وبفضل هذا الشاب عثرنا على لوحة أكف الصبية ولوحة الراعي, ولم يعثر عليهما مصادفة, بل بالبحث وسؤال المسنين من سكان الجبل, وفرصته في هذا الجانب أفضل مني, فلو أني ذهبت أسأل كبار السن في جبل القهر لأثرت ريبتهم.حين اتصل بي شعبان وأخبرني أنه وجد لوحة ومقبرة أثرية غير معروفة التاريخ توجهت إليه دون إبطاء, وصعدنا الجبل وتوجهنا إلى الشامية, وأراني لوحة الراعي التي عرفت بها فيما سلف, وبعد تصويرها عدنا أدراجنا إلى المقبرة التي أخبرني عنها, وترجلت أمشي بين القبور وشعبان وأصدقائه لم يغادروا السيارة, ولم أعرف سبب تفضيلهم عدم النزول, وقد لفت نظري في المقبرة أنها فوق الأرض وليست في باطنها, يبنى القبر بناءً مستطيلاً فيه ضلعان أطول من الآخرين, وذلك برص الحجارة فوق بعضها دون خلب لاصق, حتى إذا ارتفع القبر على قدر معين وضع الميت داخله ثم دفن بتراب أظنه يؤتى به من المزارع المجاورة, والبعض الآخر من القبور بنيت بنصب عدد من الصفا للجدارين الطوليين بدلاً من رص الحجارة فوق بعضها, ويوضع الميت بينهما فوق الأرض ثم يهال عليه التراب المجلوب, وقلت لنفسي إن الذي أملى على هذه الأمة دفن الموتى فوق الأرض كون أرضهم صخرية يصعب حفرها, ويخيل إلي أن صخور بعض القبور مقطوعة ومهيأة لتناسب البناء, وهذا ما جعلني أميل إلى قول شعبان ورفاقه إنها في غاية القدم ولا يعرف زمانها.ومن هذه القبور ما يبلغ ارتفاع بنائه المتر, وأكثرها دون ذلك, والمبني منها برص الحجارة فوق بعضها يوحي بجاه المدفون, حيث هي أكثر إحكاماً, ومنها ما كأنه بني بالأمس لولا ما يدل عليه التراب الذي بداخله من قدم.وبعد أن قمت بتصوير تلك القبور عدت إلى السيارة وسألت شعبان ورفاقه وبإلحاح شديد إن كانت تلك المقبرة حقاً قديمة, فأصروا جميعاً إنها أثرية, فعدت إلى جدة وفي نفسي من المقبرة شيء, كنت أتمنى أن تكون لثمود, وفي قرارة نفسي أنها ليست كذلك, ولكن أين موتى من خلدوا تلك الجبال المنحوتة واللوحات المرسومة في أعمال جليلة لا يقوى عليها سوى أصحاب حضارة وقدرات جسدية غير عادية وربما عقلية كذلك, إن لي ما يقارب الثلاثة أعوام أتجول في هذا الجبل, صحيح أن ما قطعته منه هو القليل, والمجاهيل المتبقية لا تحصى, ولكني زرت الأماكن التي تجاور المزارع, في الواديين والشرقي والشامية وبقعة بن فيصل, وأي أمة عاشت في جبل القهر يجب أن تكون عاشت في مطمئنات الجبل حول تلك المزارع, وطوال تجوالي لم أجد قبوراً يمكن الجزم أنها ثمودية, غير قبر الصبية في الواديين تحت لوحة الصبية, وقبري القتيلين في معركة الشامية تحت لوحة الشامية, وقبري التسعة الرهط تحت صخرة المعاهدات في الشرقي, وقبراً في الشرقي في كهف ليس جواره ما يدل على أهميته ولا يمكن الجزم أنه ثمودي, ولا أدري لم دفن منفرداً في قفر؟ وهذا القبر قريب من حفرة الحبوب التي سيرد ذكرها, لعله أحد من حفروها مات أثناء العمل فدفن غير بعيد عنها, ولم يحمل إلى المقبرة, ولهذا السبب لا يزال في ذهني سؤال عن ثمود هل كانوا يحرقون موتاهم؟, لا أظن فهم أمة أرسل لهم رسول, ولم يرد في القرآن ذكر لذلك, والرمم التي ذكرت تنفي مثل هذا الظن, أم أن لهم مقبرة في مجاهيل الجبل لم أزرها بعد, الأمر المرجح عقلاً أن يكون لهم جوار كل موقع تقوم حوله حياة ومساكن مقبرة, حتى لا يتطلب دفن الموتى سفراً, فإذا كانت هذه المقبرة التي عثرنا عليها في الشامية ثمودية فأين المقابر في الشرقي والواديين وبقعة بن فيصل, ولقد سألت شعبان هل هم الآن يدفنون موتاهم على نفس المنوال فوق الأرض فأجاب بالنفي فترجح لديّ أن تلك المقبرة موغلة في القدم, وما هي إلاّ أيام على إقامتي في جدة حتى خطر لي خاطر, لقد قلت لنفسي لا بد من العودة إلى تلك المقبرة والتأكد من قبورها هل هي موجهة للقبلة فنحكم أن موتاها مسلمون أو هي إلى غير القبلة فنحكم أن عمرها لا يقل عن ألف وخمسمائة سنة, لذلك عدت أدراجي وقد اصطحبت معي بوصلة وآلة لتحديد القبلة, وقبل وصولنا إلى المقبرة بمسافة قصيرة رأيت مقبرة تشبهها ظننتها هي, فترجلت لأعاين قبورها, ولكن شعبان هتف بي إنها ليست التي نريد, ولم أجبه بل أخذت ومعي يحيى الشمراني نعاين القبور ونحدد القبلة, وسألنا شعبان إن كانت القبلة كما تشير الآلة فأجاب بنعم فهالنا أن نجد جميع القبور غير موجهة للقبلة, ومعظمها في اتجاه واحد, فحكمت دون تردد أن عمرها أكثر من ألف وخمسمائة سنة, وقلت إن لم تكن ثمودية فهي أثرية وذات أهمية تاريخية, والله وحده يعلم كم كانت فرحتي وفرحة الإخوة المرافقين بهذا الكشف, وقلت في سري إن هذه الأمة وإن تكن غير إسلامية فإن لها اعتقاداً ما في دفن الموتى, فجميع القبور تمتد طولياُ في اتجاه واحد, ثم توجهنا إلى المقبرة الأخرى لأجبر خاطر شعبان, وإلاّ فقد اكتفى عقلي بهذه المقبرة, وفي نفس اتجاه قبور المقبرة التي عاينا وجدت قبور المقبرة الثانية, تنحرف عن القبلة في نفس الإتجاه, وسرت خطوات مع صف القبور فرأيت عدداً يسيراً من القبور تنحرف عن عامة المقبرة في اتجاه آخر, ولا تتجه إلى القبلة, وقبراً واحداً منفرداً يتجه إلى القبلة, وذهبت أفلسف الأمر فقدرت أن أصحاب المقبرتين أهل ملتين, وداخلني بعض الشك بسبب القبر المنـفرد, ورحت أسأل شعبان فكان يصر أن المقبرة سابقة للإسلام فقبورها إلى غير القبلة, ومرتفعة عن مستوى الأرض بمتر أحياناً, وبرغم هاتين الحجتين بقي في نفسي شيء ولكنه ظن وارتياب لا يدعمه دليل, وفي الطريق وجدنا شيخاً ينيف على السبعين أشار لنا أن نحمله معنا وما أن أخذ مجلسه حتى أمطرته بالأسئلة عن المقبرة لحاجتي للمعلومة اليقينية, فأكد لي قدمها, وأن لا أحد يعرف تاريخها فسألته إن كان أدرك الناس وهم يقبرون فيها فأجاب بنعم, حين كان صغيراً في سن الصبا, فتعجبت وقلت بإنكار شديد كيف والقبور موجهة لغير القبلة؟, فضحك وقال والله ما عرفنا الإسلام إلاّ من اثنتين وخمسين سنة, ومراده ما تفقهنا في الدين إلاّ منذ كيت وكيت وأردف ولقد كنا ندفن موتانا كيفما اتفق, وكان يشير بقوله هذا إلى عام 1374هـ حين أدخلت الدولة إلى جبلهم عنوة من يعلمهم ويفقههم في الدين, وكانوا في عزلة لا يدخل موطنهم غريب وأصبحوا على ما هم عليه الآن, إن الزائر ليسر من محافظتهم على الصلوات الأميّ منهم والمتعلم, ولا أظن دولة دخلت جبل القهر قبل ذلك على مر التاريخ, إنه قلعة طبيعية وحجر حصين, لذلك لم يكن الشيخ مجانباً للصواب في قوله, ولكنه أحال فرحتي بالمقبرة إلى ترحة, كم كنت أتمنى أن يثبت أنها من العصر الجاهلي على الأقل, فعدت أسأل نفسي أين مقابر ثمود؟, فكل جبال جبل القهر تشهد أن ثمود عاشت هنا, لقد ترجح لدي أن بعض قبور المقابر الحالية القريبة من المزارع والمساكن داخل الجبل ثمودية, وأن الناس في هذا الجبل توارثوا مقابر ثمود وطريقتهم في بناء القبور الآنف بيانها حتى كان عام 1374هـ فعرفوا حفر القبور ودفن الموتى وتوجيههم إلى القبلة, ولعل الآثاريين إن قدر لهم أن يزوروا جبل القهر ويشاهدوا أعظم آثار جزيرة العرب أن يجلوا لنا علامة الاستفهام هذه, إن عدم معرفة قبائل الريث بتوجيه موتاهم إلى القبلة يؤكد أن إدعاءهم أن ناقة صالح كانت بأرضهم معلومة متوارثة تناقلتها الألسن جيلاً بعد جيل, لا عن قراءة في كتاب, وهذا يزيد يقيننا أن ثمود كانت في هذا الجبل الحجر الممتنع.




      مـقـبـرة الـشـامـيـة.صورة رقم (54)




      أحد قبور مقبرة الشامية يقارب طوله الثلاثة أمتار.صورة رقم (55)




      قبر آخر طوله ثلاثة أمتار تقريباً.صورة رقم (56)




      مجموعة من قبور مقبرة الشامية.صورة رقم (57)



      حفرة الحبوب:

      حين سمعت أن حفرة في الشرقي " أي الجهة الشرقية من القهر" محفورة في الصخر توجهت إليها, فوجدت حفرة محفورة بإتقان لا نستطيع بالمثاقب الحالية التي تعمل بضغط الهواء أو بالكهرباء أن نحفر مثلها دون أن يتشظى الصخر من حولها برغم أنها محفورة في صخر رملي, وقطر فوهة هذه الحفرة 54 سم وتنبسط قليلاً في الأعلى إلى 82 سم, حيث موضع الصخرة الغطاء التي تسد بها عند اللزوم وعمقها "الحفرة" 150سم, وتتسع كلما اقتربت من القاعدة, وليس في جبل القهر على شاكلتها حفرة سواها, وقد سألت إن كانت تستعمل لشيء فقيل فيما مضى كان يوضع فيها الحب "الطعام" عند الخوف وتسد فوهتها بصفاة وتطين, فإذا ارتحل عنها أهل ذلك الموضع لا يهتدي الأعداء إليها, فإذا أمنوا وعادوا إلى الديار وجدوا الحب بداخلها سليماً, وهذا الكلام إن صح فإنه يقتضي أن يكون الحب المدفون نوعاً واحداً لا أكثر إما دخناً أو ذرة, كما يشير إلى خلافات كانت تقع بين عشائر الريث فوصول القبائل المجاورة إليهم محال, ويغلب على ظني أن هذه الحفرة غير ثمودية وأنها حفرت في وقت متأخر, واخبرني يمني أن في قرى صعدة حفر مشابهة وأظن في إريتريا كذلك, وربما في أماكن أخرى من السراة.





      حفرة الحبوب في الشرقي.صورة رقم (58)



      قبر داخل كهف في ذروة جبل قرب حفرة الحبوب... ربما يكون لواحد ممن حفروا الحفرة؟صورة رقم (59)




      قمة الجبل سليمة من النحت باقية على حالها وما فوق الغار تبدو آثار النحت فيه جلية.صورة رقم (60)


      في كل مرة ينحسر القناع شعرة:

      هذه الحضارة التي أتردد عليها كالحسناء المقنعة الراغبة المتمنعة التي تكشف مرة عن حاجب وأخرى عن عين وتارة عن شفة وهكذا, فكلما عدت من زيارة عمل وعناء بمعلومات أقول هي الأخيرة, ما أن تمر أيام حتى تثور في ذهني أسئلة تتطلب مني العودة للبحث عن إجاباتها, فأعود وأنا أعلم مشقة زيارة تلك الأرض الوعرة وتمنحني كل زيارة زيادة على إجابة الأسئلة التي بذهني معلومة جديدة, فتكشف عن معلم جديد وشاهد عملاق من أعمال ثمود, كنت أمر به دون أن أتنبه له, وأول هذه المعالم جبل سميته الجبل المربع.


      الجبل المربع:

      ويقع جنوب قارة البعير, وهذا الجبل أقرب ما يكون إلى الشرقي, وذروته أو قل ثلثه العلوي منحوت على هيئة تجعله متماثلاً من الأربع الجهات, ومخلفات النحت لا تزال على صفحته, تشبه مخلفات شق ورصف الطرق الجبلية, حيث يتهيل الحصى والأتربة على صفحة الجبل على امتداد الطريق, ولأن ذروة هذا الجبل منحوتة على هيئة تشبه جنباتها الأربع بعضها بعضاً, لذلك فقد يتغير موقعك منه دون أن تتنبه, من الغرب إلى الشمال أو من الشمال للشرق, وفي تشابه جنبات ذروته قدر من الإتقان يثير الإعجاب, وإن لم يكن متطابقاً كل التطابق, فهو تشكيل لجبل بالقداديم وليس تشكيل قطعة حلوى, ولأن هذا الجبل لا تصل إليه السيارة لم أقترب منه ناهيك عن صعوده, وأخبرني بعض الرعاة أنهم صعدوه إلى ما دون النحت, ويخيل إليّ أن الجزء المنحوت يحول دون اعتلائه.




      الجبل المربع من إحدى جهاته.صورة رقم (61)




      المتناظران:

      جبلان عظيمان في الشرقي على جانبي الوادي جوار صخرة المعاهدات بينها وبين الأكمة التي خرجت منها الناقة, ذاهبان في السماء, وهما منحوتان من الذروة إلى القاعدة في شكل يثير الإعجاب ويبهر العقل, شكل في غاية الجمال ولكن التعب حال بيني وبين تصويرهما, ويتعذر تصويرهما أو أحدهما من القمة إلى مسيل الوادي بآلة التصوير التي لدي, ويمكن تصوير جزء منهما إذا استلقيت على ظهري على رمال الوادي, ولن يبين جمال نحتهما إلاّ بآلة تصوير تلفزيوني.




      رسمة طير في أحد الجبلين المتناظرين.
      صورة رقم (62)





      شكل يشبه رأس بطة مرسوم في الجبلين المتناظرين.
      صورة رقم (63)




      الجبل المموج:

      الجبال المنحوتة في جبل القهر أكثر من أن تحصى, وكثير منها منحوت على هيئة مدرجات, وفي الغالب ينتهي الجبل في أعلاه بما يشبه القبعة أو رأس أبي الهول وفي الشرقي كثير من هذه النحوت, وفي الواديين بقدر أقل, أما في الشامية فأظن أنه كان بينها وبين الشرقي تنافس في نحت الجبال, وأجمل ما رأيت على هذه الشاكلة جبلاً في الشامية على يمين الطريق وبعيداً عنها منحوتاً في مدرجات تراه فلا تشبهه إلاّ بموج البحر يتبع بعضه بعضاً, لا شك أن ثمود لم تكن تنحت الجبال لحاجة ليس إلاّ, فاعتقادي أنه كان للتفاخر والبطر دور في نحت بعضها.



      الجبل المموج (الشامية).
      صورة رقم (64)




      في بيت ثمودي:

      للمفسرين في من آمن من ثمود قولان, أحدهما أنهم خرجوا من ديارهم حين أنذر قومهم العذاب ثم عادوا إليها فيما بعد, وقول يرى أصحابه أنهم خرجوا من ديارهم ومواطنهم ولم يعودوا إليها, ولا أريد أن أناقش الرأيين برغم أن لي فيهما قول, ولكن الذي لا مرية فيه أن أبناء إسماعيل سكنوا هذا الجبل وعرفوا بيوت ثمود وسكنوها وبنوا على منوالها ما يناسب أجسامهم وحاجاتهم, لقد وجدوا جبالاً منحوتة وتحت البعض منها بيوتاً سليمة أو متهدمة فكانت لهم خير مرشد, ولا يزال البعض القليل من الناس يبني مثل هذه البيوت ويسكنها, وقال لي أحدهم إن الذباب لا يدخلها وإذا صح هذا القول فذلك يعود لهندسة النحت, ولقد تيسر لنا دخول بيت ثمودي مهجور منذ أمد بعيد, يتكون من غرفتين منفصلتين متجاورتين, يمثل الجزء المنحوت من الجبل الجدار الداخلي الخلفي لكل غرفة, كما يكون الجبل جزءاً من السقف, أما ما تبقى من السقف فمن القلام وجذوع الشجر, وإحداهما أوسع من الأخرى, يغلب على ظني أن الصغرى كانت مطبخاً والأخرى سكناً, فجدار الصغرى يضرب إلى السواد, إذ تبدو عليه ما يشبه آثار الدخان المتصاعد عن الطبخ, وبجوار الغرفتين حائط متهدم أظنه كان يستعمل زريبة للمواشي, ربما أنه كان متصلاً بذروة الجبل ليكون دافئاً للماشية في فصل الشتاء, وفي الغرفة المطبخ وجدنا رفاً موضوعاً عليه بعض الآنية غير المستعملة في وقتنا الحاضر, و لقد كانت تستعمل في الماضي القريب, وجدناها موضوعة على رف من الصخر, وهذا الرف يتكون من صفاة مثبتة في الجدار بثقل ما فوقها من الحجارة المرصوصة فوق بعضها وبقليل من الخلب, والجدار المبني فيه خلب من الداخل يسد فراغاته, وليس هو على هيئة ملاط يجعل الجدار أملس, كما نفعل بالجص والإسمنت, أما الباب فمنخفض جداً في الغرفتين يحتاج الداخل إلى الانحناء كثيراً حتى يلج فيه, وباب الغرفة التي للسكن له مصراعان, أظنهما من خشب السدر, أما باب المطبخ فمن مصراع واحد وفتحة الباب ضيقة, وهذا يدل على نحافة أجساد ساكنيه,لقد كان دخولنا الغرفتين غير مريح, بل يثير الضيق وهو لمرة واحدة, فكيف كان ساكنو هذا البيت يدخلون ويخرجون آناء الليل وآناء النهار, ومرد ضيق الأبواب في هذا البيت الثمودي فيما أظن عائد للعرف والعادة ولدفع برد الشتاء ولذوق سكانه, وإن كان يوحي بقصر قامات ساكنيه ونحافة أجسادهم, وقد رأينا بيوتاً على شاكلته أبوابها في علوّ أبوبنا أو تقل شيئاً يسيراً, وكانت رؤيتنا لها عن بعد يسير, ولقد أثار تعجبي عدم وجود أي رائحة غير مستحبة في هذا البيت المهجور, وكأن ساكنيه غادروه قبل وصولنا بأيام.



      الغرفتان الثموديتان في الأعلى.
      صورة رقم (65)





      إحدى الغرفتين من الخارج (البناء قديم ومتقن).
      صورة رقم (66)





      الجدار المبني من البيت الثمودي (من الداخل).
      صورة رقم (67)





      مشجب من الخشب مثبت في الجدار المبني.
      صورة رقم (68)





      البيت الثمودي من الداخل "غرفة الطبخ" (الشامية).
      " الجدار المنحوت من الجبل"
      صورة رقم (69)





      أخشاب السقف في البيت الثمودي.
      صورة رقم (70)





      القطعة البيضاء في الصورة هي مفتاح من الخشب للباب موضوع على نتوء من الجدار المنحوت من الجبل.
      صورة رقم (71)





      رف من الصفا مثبت في الجدار المبني من الحجارة بالخلب وبثقل الحجارة التي تعلوه.
      صورة رقم (72)





      سارية البيت الثمودي التي تحمل السقف المكون من القصب وأغصان الشجر.
      صورة رقم (73)





      آنية وجدناها في البيت الثمودي.
      (ليست ثمودية كانت تستعمل إلى عهد قريب).
      صورة رقم (74)




      دلائل أخرى:




      هذا الجبل منحوت من أكثر من جهة وقمته منحوتة على شكل رأس أبي الهول ( أو رأس حيّة كبرى) وأسفل منه يشبه الفناء (الشرقي).
      صورة رقم (75)





      قمة الجبل منحوتة في هيئة تشبه رأس أبي الهول (الشرقي).
      صورة رقم (76)





      جبل منحوت في الشرقي.
      صورة رقم (77)





      جبل آخر منحوت مدرجات في الشرقي.
      صورة رقم (78)





      جبل منحوت في الشرقي أسفله رسم.
      صورة رقم (79)





      جبال منحوتة مدرجات في الشرقي.
      صورة رقم (80)





      نحت في صفحة الجبل.
      صورة رقم (81)





      نحت بارز في جبل يقع في الواديين يقع أسفل منه بيت ثمودي.
      صورة رقم (82)




      الناقة تخرج من الصخرة:


      في أول زيارة من زياراتي لآثار ثمود أو قل آثار جبل القهر أراني أحد المرافقين رسماً غير مفهوم, قمت بتصويره في حينه, ولأني لم أفهمه أهملته, ثم لم ألبث أن نسيت موضعه الذي رأيته فيه, ولست الوحيد الذي احتار في فهمه, فكل واحد من مرافقي أو ممن صادفتهم يفسره برأي يخالف الآخرين, وبعض التفسيرات أقرب إلى الأماني والأحلام, ويقع هذا الرسم على يمين المتجه إلى أثر الناقة في صفحة الجبل بين صخرة المعاهدات والأكمة التي خرجت الناقة منها, وأول شخص أرانيه أشار بيده إلى أحد أرجل الرسم وهو يقول: أليس هذا سهم يشير إلى الأسفل, إن في الأسفل سراً كبيراً, وقال الآخر: لعله كنز, وبعد رحلات متعددة أخذني شعبان إلى هذا الرسم, وما أن نظرت إليه حتى تولد لدي رأي ارتسم في ذهني وشعبان يشرح لي تفسيره له قائلاً: إنه صورة لقلب إنسان, وخطر لي قول من قال إنه يشير لسر يرجح أنه كنز مدفون في الأسفل, وبتحليل ذهني سريع أخذت أنظر إلى العرصة التي تعلوها اللوحة فإذا هي صخرة ملساء صماء ليس فيها أثر لمعول, لا حفراً ولا شقاً ولا ثقباً, فاستبعدت فكرة السهم وما يشير إليه من سر, وبتمعن يسير في هذا الرسم الغريب غلب على ظني أنه صورة حيوان يخرج من صخر, يدفع الصخر برأسه للخروج, ولأن هذا الحيوان يبذل جهداً فقوائمه محنية غير قائمة, إنه يشبه حصاناً يجر عربة بمشقة بالغة لما عليها من أحمال, وقد خلف الحيوان الذي في الصورة وراءه فجوة شبيهة من حيث الشكل والهيئة بالجانب الخلفي للفجوة الموجودة في أكمة الناقة الذي يلي الوادي, يغلب على ظني أن هذا الرسم تخليد لخروج ناقة نبي الله صالح من الأكمة, وبإمكان القارئ أن يرجع إلى صورة الأكمة التي خرجت منها الناقة }صورة رقم9{ ويقارنها بالتجويف الذي يحيط بهذا الحيوان, وهذه الصورة تؤكد أن الناقة خرجت بادئ ذي بدء إلى الناحية الخلفية للأكمة ووضعت فصيلها ثمّ سارا معاً شرقاً عبر الأكمة وقد صارت جوفاء كالقوس, الناقة في اليسار وفصيلها على يمينها, وأثر الناقة وفصيلها يبدأ من الناحية الخلفية للأكمة المقابلة للوادي, وعلى هذا بنيت قولي إن الناقة خرجت أولاً إلى ناحية الوادي, وعلى من يزور هذه الآثار أن يتنبه لهذا الأمر, كأني بالرسام قد وقف يشاهد الفتحة من ناحيتها الخلفية الموضحة في الصورة أنفة الذكر, ثم جاء إلى صفحة الجبل ليرسم ما ارتسم في ذهنه بقدر لا بأس به من الإتقان, أرجو أن يكون ظني موافقاً للحق.




      صورة حيوان يخرج من الصخر.
      ربما تكون رسمة لناقة صالح؟؟؟
      صورة رقم (83)





      التجويف الذي يحيط بالحيوان يماثل التجويف الذي خرجت منه ناقة صالح.
      صورة رقم (84)




      أثر أقدام إنسان وأخفاف راحلة:


      حين سلكنا الوادي المفضي إلى لوحة الأحرف الأولى لاحظت وجود أثار لإنسان وناقة كأنه يسوقها أو يتبعها, وهذه الآثار مطبوعة في الصخر في مسيل الوادي حيث تقع خطوات السالك للوادي, وبرغم أنه لا يدخل ضمن هذا البحث إلاّ أني أردت أن أدونه عسى أن يأتي عالم آثار فيقدر عمره, وعمر أثر الناقة وفصيلها الذي سلف إيضاحه.



      أثر قدم إنسان محفور في الصخر.
      صورة رقم (85)





      أثر آخر لقدم إنسان في الصخر.
      صورة رقم (86)





      آثار أخفاف راحلة.
      صورة رقم (87)




      لوحة الأحرف الأولى:


      هذه اللوحة توجد في الجبل الشرقي شمال شرق اللوحة التي سميتها فارس الشرقي المبينة في الصورة رقم }16{, يدع المتجه إليها لوحة فارس الشرقي إلى يساره ثم يسلك الوادي حتى يفضي إلى ما يشبه المزرعة الصغيرة وسيجد اللوحة مرسومة في الجبل الذي يعلو المزرعة من ضلعها الغربي, إذا جعل المزرعة خلفه ستكون اللوحة أمامه, وأحمد الله أني لم أعثر على هذه اللوحة في بداية البحث, لأنها محيرة لم أهتدِ إلى معرفة ما ترمز إليه رسومها, حيث من رسموها ما أحسبه أشكالاً أولى للكتابة فهي تعتمد أكثر ما تعتمد على الخط الساقط الذي يشبه الألف أو الواحد أو الإنسان الواقف, وعلى النقطة وأعجب كيف خلا الخط العربي من النقط إذا كانت ثمود قد عبرت بالنقطة عن معنى, وعلى المربع ولكن بدلالات لم أستطع حتى تخمين ما ترمز إليه, وهي تُحَدِّث عن محاولات إنسان جزيرة العرب المبكرة لابتكار حروف الخط, وهذه اللوحة ملونة باللون الزهري وهذا يدل على تأخرها, وأحسبها متأخرة جداً في عهد ثمود, ويغلب على ظني أنها تعبر عن مناسبة اجتمع فيها الناس ربما تكون عيداً, لقد كنت أظنها تعبر عن سوق أسبوعي ولكنها خلت من صور الحيوان ومن صور السلع, لهذا السبب أرجح أنها تعبر عن اجتماع في غير بيع ولا شراء ولا حكم, وأقول ولا حكم لأن الحكم يقتضي جلوس الناس وتحلقهم وما شابه ذلك, وأول مكونات هذه اللوحة من اليسار تتمثل في خمسة أشكال كل واحد منها مقفل من ثلاث جهات ومفتوح من الأعلى وبداخله نقطة يشبه حرف النون في خطنا الحالي, وأسفل من هذه الأشكال رسم لنصل رمح, وأسفل من هذا النصل عند طرفه ثلاثة خطوط موصولة بخط من الأعلى, يليها خطان كرقم الأحد عشر في أرقامنا بينهما نقطة, ثم خطان متقابلان كأحد عشر ثم آخران, وفي اللوحة كثير من هذه الخطوط المتقابلة أشبه ما تكون بشخصين يتجاذبان الحديث قياماً, ويعلو هذه الخطوط خمسة عشر مربعاً موصولة بعضها ببعض, وفي كل مربع منها نقطة, ويعلو هذه المربعات مربعات أربعة نُقِّط اثنان منها بنقطتين فوق بعضهما لكل واحد من المربعين, وأحيط الجميع بعدد من النقاط, ولابد أن يكون لكل ذلك دلالات, وفي اللوحة رجل يقف ماداً ذراعيه مفرجاً بينهما كمن يحيي بفرحة زائدة صديقاً يريد أن يحضنه, إلاّ أن صورة ذلك الشخص بالكاد ترى, لقد اضطررنا إلى نضحه بالماء حتى ظهرت الصورة ظهوراً باهتاً في أعيننا ولكنها لم تظهر في التصوير, وأظن عدم ارتفاع الرسم عن الأرض بالقدر الكافي جعل اللوحة عرضة لحك الحيوانات أجسادها بها, وفي يمين اللوحة كفان لا يحملان نفس تعبير الكفوف في اللوحات السابقة, وإن كانا في وضع يشبه لوحة أكف الصبية في الواديين وأظن أن لهما دلالة لفظية, ويوجد في اللوحة أشكال باهتة جداً لم نتمكن من التعرف عليها منها ما يشبه صورة حمار, وإذا كان لي أن أقول برأي في هذه اللوحة فلن أتردد في القول إنها جمعت الصورة وهي أول ما عبر به الإنسان عن مكنون نفسه والحرف الذي صار وعاء حضارة الإنسان التراكمية.




      أشكال تشبه حرف النون.
      صورة رقم (88)





      جانب من لوحة الأحرف الأولى.
      صورة رقم (89)





      مربعات وخطوط ونقط على ماذا تدل؟
      صورة رقم (90)





      خمسة عشر مربعاً في وسط كل واحد منها نقطة.
      صورة رقم (91)





      خطوط تشبه الألف أو الواحد.
      صورة رقم (92)





      صورة شخص يمد ذراعيه.
      صورة رقم (93)





      صور ورسومات لم تعد واضحة.
      صورة رقم (94)





      صورة ربما تكون لنصل رمح.
      صورة رقم (95)





      كلمة أخيرة:


      إن كثيراً من الرسومات في الجبل بدائية ولكن حفظها إلى وقتنا الحاضر أمران مع المشيئة الإلهية, أولهما هندسة قطع اللوحات الصخرية,الذي يحقق لها حماية من العوامل الجوية, الثاني احترام قبائل الريث رغم أميّة الأكثرية منهم لآثارهم, فأيديهم بل وأيدي أطفالهم لا تمتد إليها بسوء, وإنّي لأتمنى إن يسر الله عمل طريق مزفته داخل هذا الجبل, أن يراعى وضع إجراءات تحفظ هذه الآثار من عبث الزوار, و أود أن يعلم القارئ أن هذا المقال لا يستوفي آثار جبل القهر, وسوف تكون لي زيارات لاحقة إذا يسر الله لي ذلك, وأسأله العون.

      مع الأخذ بعين الاعتبار أن جميع الصور الآنفة ليست ملكاً, لأحد وقد صورتها من الجبال والصخور بنفسي ولا أظن أحداً سبقني إلى تصوير آثار الريث أو فهمها على الوجه الأنف, وأقول دون وجل إن هذه الصور ملكي وتمثل القليل مما لدي عن هذا البحث, وقد اكتفيت بها لتخفيض تكلفة طبع هذا البحث.




      مفسوح من وزارة الإعلام
      برقم 10683/ م / ج وتاريخ 18 / 12 / 1425هـ





      يتبع المحاورات التي دارت حول موطن ثمود والردود عليها....







      هادي بن علي بن أحـمـد أبوعامرية.
      ===========================
      اللهم أرزقني الصحة والعافية
      ===========================

      تعليق


      • #4
        موضوع يستحق القراءة .

        أنصحكم بقراءته .
        ===========================
        اللهم أرزقني الصحة والعافية
        ===========================

        تعليق


        • #5
          سلمت يداك اخوي على الموضوع الجميل وشيق جدا

          بصدق اتحفتنا بهاذا الموضوع




          مربعات وخطوط ونقط على ماذا تدل؟

          الله وعلم انها دل على قبور جماعيه من قبيله واحده

          اوعدد مساكن للقبيله التي سكنت في المنطقه

          والله اعلم
          سبحان الله قل ربي زدني علماً



          [fot1]
          سندباد
          [/fot1]

          تعليق


          • #6
            موضوع لا يمكنني سوى ان اقول عنه ممتاز
            هذا ليعلم الجميع سر نجاح قدماء لان اعمدة هذا المنتدى هي من فعلا الذهب الخالص
            ارجو من الجميع قراءة هذه السطور و تحية وتقدير لاخونا ابن بطوطة على هذه المجهودات


            =D>=D>=D>=D>=D>=D>=D>
            Naeem

            تعليق


            • #7
              جزاك الله عنا كل خير أخي ابن بطوطة

              تعليق


              • #8
                شكرا ابن بطوطه...........احسنت الاختيار
                ليس كل ما يلمع ذهبا

                لا تصدق كل ماتسمع ولا نصف ما ترى

                ستبدي لك الايام ما كنت جاهلا
                وياتيك بالاخبار من لم تزود

                لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين

                تعليق


                • #9
                  بحث رائع جدا...................
                  [CENTER][SIZE=4][FONT=times new roman][/FONT][/SIZE]
                  [/CENTER]

                  تعليق

                  يعمل...
                  X