إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الكتابه البربريه :اللوبية .التيفيناغ ما حقيقتها ؟؟؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الكتابه البربريه :اللوبية .التيفيناغ ما حقيقتها ؟؟؟

    الكتابة البربريّة: اللوبيّة ـ التّيفيناغ ما حقيقتها؟
    سبق لي أن تناولت هذا الموضوع بالدراسة([1]) في سياق مواجهة النزعة البربرية المتمزّعة التي أخذت تستفحل في المنطقة، بدعم من فرنسا والصهيونية.
    واستجابة للدعوة الكريمة من بيت الحكمة ببغداد للمشاركة في ندوتها حول "الصلات المشتركة بين أبجديات الوطن العربي القديمة". عدت إلى هذا الموضوع ثانية، لأعمقه، وأضيف إليه ما أمكن جمعه من المعلومات الجديدة، مع التوسّع في الجداول وتنظيمها.
    وما أريد أن أؤكد عليه، في هذا الصدد، ضرورة الانتباه إلى ما تقوم به النزعة البربرية من تهويش في موضوع "الكتابة البربرية"، وفي كلمة "أمازيغ". فقد تسلّطت عليهما، ووظفتهما توظيفا مغرضا معاديا للانتماء العربي للمنطقة. وهي هنا لا تخلف المدرسة التاريخية الاستعمارية في مواصلة الأطروحات القديمة، وفي تزييف الحقائق وتحريفها، وهو ما سنرى طرفاً منه في أثناء هذه الدراسة، بل إن المرامي التلفيقية لهذه النزعة المتمزّغة المروّج لها على الصعيد السياسي والثقافي والشعبي، هي التي أملت التطرّق إلى موضوع "الكتابة البربرية"، لمعرفة نشأتها، وحقيقة ظهورها، على ضوء ما توصّل إليه البحث وتوفّر من المعلومات. فالمعروف في تاريخ الكتابة عموما أن أول كتابة ظهرت في الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط، هي الكتابة الفينيقية، ومنها أخذت الكتابتان: اليونانية واللاتينية. واستعمل البربر في تاريخهم القديم هذه الكتابات الثلاث، إلاّ أنهم لم يقتصروا عليها، فقد استعملوا كتابة أخرى نسميها اليوم: الكتابة البربرية. وقع التعرّف عليها من قبل الأجانب، من فرنسيين وغيرهم، في القرن التاسع عشر، وهي متكوّنة من خطّين هما: الخطّ اللوبي وخطّ التيفيناغ.
    الخطّ اللوبي([2](
    اكتشف هذا الخطّ في النصف الأول من القرن التاسع عشر، كما تشير إلى ذلك تواريخ العثور على النقائش. فقد عثر على وحدة منها سنة 1842 (1) وهو أقدم تاريخ للّقى المسجّلة.
    وما إنْ اكتشف هذا الخطّ، حتى انصبّ اهتمام الباحثين عليه. فجمعوا المئات من نقائشه، وحفظوا صورها في مدوّنات([3]) مهمّة، أذكر منها على سبيل المثال مدوّنة الباحث "ج. ب. شبو J.B.Chabot" المعنونة بـ "مجموعة نقوش ليبية Recueil des inscriptions libyques". بلغ ما جمعه فيها من صور النقائش 1125 صورة.
    ومن ضمن النقائش المكتشفة، نقائش مزدوجة الكتابة، منها ما هو باللغة البونية واللوبية. ومنها ما هو باللغة اللاتينية واللوبية. وبالاعتماد على النقوش اللوبية ـ البونية تمّ ضبط أبجدية الخطّ اللوبي المتكوّنة من 22 حرفاً كما في الجدول التالي:

    الأبجدية اللوبية موضّحة بالحروف العربيّة



  • #2
    وأقدم تاريخ معروف لهذه النقائش هي نقيشة دقّة التي يعود تاريخها إلى حدود سنة 139 ق.م الموافقة للسنة العاشرة من حكم الملك البربري "مكوسن ابن الملك مسنسن"، أمّا ما عدا ذلك فلا نملك زمناً محدّداً لأيّ نقيشة قبل هذا التاريخ. والاحتمال القائم هو أن بعضها قد يعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد المتميّز ـ كما هو معروف ـ بوجود ممالك بربرية مهمّة، ولكن التقدير الذي يوغل بالكتابة اللوبية إلى القرن الخامس قبل الميلاد (29)، لا يستند إلى معطى يبرّره في ضوء المعلومات المتوفرّة، ولذا فهو تقدير لا يتّسم بالجدّية، لما فيه من إفراط. أمّا تواصل استعماله فهو يمتدّ إلى القرن الثاني الميلادي، كما تؤكّده النقائش المزدوجة المكتوبة باللاّتينية واللوبية. ومن الجائز أنها استمرّت إلى ما بعد هذا الزمن.
    والشيء المهمّ في هذا الصدد هو أنها كانت منتشرة على نطاق واسع في بلدان المغرب العربي الثلاثة: تونس والجزائر والمغرب. بقطع النظر عن الجهة التي تتوفّر فيها النقائش أكثر من غيرها وهي نقائش كثيرة تصل بها بعض المصادر إلى 1300 نقيشة (3)، أغلبها خاصّ بالضرائح، لا تتعدّى اسم الميّت واسم أبيه. فالنصوص الطويلة لا وجود لها، باستثناء بعض النقائش المتكونة من عدّة أسطر، أغلبها قصير.
    والنقائش اللوبية كتبت من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين ومن أسفل إلى أعلى ومن أعلى إلى أسفل. وقد أدّى عدم الانتظام هذا، إلى تغيير في وضع بعض الحروف، فاللام والواو والميم مثلا تكتب في الوضع الأفقي (horizontale) هكذا:
    || (ل) = (و) É (م)
    وعند كتابتها في الوضع العمودي
    = (ل) || (و) · (م)
    (انظر نماذج مختارة)
    وما يزال جانب كبير من النقائش مستعصياً على الفهم، وقد يكون هذا راجعاً إلى كونها كتبت بلهجة انقرضت أو صارت مفردتها ـ كما يقول الدكتور علي فهمي خشيم ـ ((من "الميّت" أو "المهمل")) (4) الذي عفا عليه الزمن. وفي هذه الحالة، وحتى في الحالات الأخرى، لا مفرّ من اللجوء إلى المعجم اللّغوي للّغات العربية القديمة، دون الاقتصار على ما تحتفظ به اللهجات البربرية الحالية من القديم في مفرداتها.
    ويتّضح من كلّ هذه النقائش التي تمّ العثور عليها والتي تكاد تكون مقتصرة على الضرائح أن الكتابة اللوبية استعملت استعمالا ضيّقا للغاية. فقد كانت هامشية، مفتقرة من الوهلة الأولى إلى الدوافع التي تجعل منها الأداة الأساسية للتدوين والتعبير الحضاري. ولذا وجدنا الأدباء والكتاب ورجال السياسة من البربر يتوسّلون في ميدان الثقافة والمعاملات باللغة الفينيقية واليونانية واللاتينية. وهو ما يجعلنا نستنتج أنّ البربر في تلك العهود الغابرة لم يتبنّوا هذه الكتابة بصفة أساسية.
    وبقطع النظر، عن الدواعي التي جعلتهم لا يدخلونها في مجالات حياتهم وأعمالهم الحيوية، فقد وقع التخلّي عنها منذ وقت مبكر. وإذا كان هناك احتمال، بأنها استعملت في مناسبة من المناسبات بعد القرن الثاني الميلادي، فإنه من الثابت والأكيد أن البربر بدخولهم في الإسلام وانخراطهم في التحوّلات الجديدة قد تبنّوا العربية بالكامل. وهذا واضح تماماً منذ القرن الثاني للهجرة (الثامن ميلادي)، عندما سيطر الفكر الخارجي الشرقي من صفري وإباضي على كامل المنطقة، ممّا ساعد على انتشار العربية وقوّى من حركة التعريب التلقائية، فعلماء البربر الأوائل كالإباضيين ومن جاء بعدهم كانوا يكتبون بالعربية، وإذا ما اضطرّوا إلى الكتابة بالبربرية، فبحروف عربية، وذلك في مسائل يغلب عليها الطابع الديني والفقهي، بقصد تقريبها من الفهم لبعض الجماعات البربرية، حرصاً على إكمال إسلامهم، وتخليصه من بعض الشوائب. ولم تشذّ المنطقة عن هذا، إلاّ في العهد الاستعماري حيث اتّجهت النيّة ـ كما هو معروف ـ إلى القضاء على العربية. ومن الوسائل المتوخّاة لهذا الغرض محاولة جعل البربرية بديلاً عن العربية، فكتبت بحروف لاتينية، وصارت تدرس بصفة رسمية منذ سنة 1913 بمعهد الدراسات الشرقية في باريس. وهذا الحرص الاستعماري المزعوم لا يقصد منه تطوير البربرية وجعلها أداة لغوية ملائمة للعصر، وإنما لاتّخاذها خطوة تكتيكية لعزل العربية ممّا يفسح المجال لإحلال الفرنسية محل الاثنتين. (5)
    وتبنّى أصحاب النزعة البربرية من القبائل على وجه الخصوص هذا المنزع الذي استحكم فيهم وحوّلهم إلى طائفيين وجهويين داخل المجتمع الجزائري والمغربي بصفة عامّة.
    نماذج مختارة
    فيما يلي أربعة نماذج مختارة. أقدّمها للقارئ على سبيل الاطّلاع, لأخذ فكرة مباشرة ـ ولو محدودة ـ عن النقائش اللّوبية. كما تمّ تحويل الحروف اللّوبية, في هذه النماذج إلى ما يقابلها في العربية.
    النموذج الأول "أ": لنقيشة مزدوجة الكتابة "بونية ـ لوبية" عرفت باسم "حجر مسنسن" عثر عليها بمنطقة "دقّة" الواقعة في الشمال التونسي بولاية([4]) الكاف. ونصّها من أكبر النصوص في النقائش المعثور عليها, يتحدّث بصفة عامّة عن تشييد سكان "دقّة" معبداً للملك "مسنسن" في السنة العاشرة من حكم ابنه الملك "مكوسن".
    وبما أن الملك "مسنسن" توفّي سنة 148 ق.م أي قبل سقوط قرطاج على يد الرومان بعامين, فإنّ تاريخ إعداد هذه النقيشة يكون في سنة 139 ق.م وحجرها عرضه: 68 سم. وارتفاعه 33 سم وسمكه 25 سم.
    شرح نصّ هذه النقيشة كلّ من "شَبُو" و"مرسي". وشرحه كذلك الدكتور علي فهمي خشيّم بهدف تأصيل النّص وإثبات هويّته العربية(6).
    النموذج الثاني "ب": لنصوص قصيرة مزدوجة الكتابة "بونية ـ لوبية" أو "لوبية ـ بونية". والنصوص اللوبية الثلاثية كتبت من الأسفل إلى الأعلى والسطر الأول فيها يبدأ من اليسار.
    النموذج الثالث "ت": لنصوص قصيرة أيضاً مزوجة الكتابة "لاتينية ـ لوبية". والنصوص اللوبية الثلاثة كتبت من الأسفل إلى الأعلى, إلاّ أنّ النّصّين الأول والثاني يبدأان من اليسار. أمّا النّصّ الثالث فيبدأ من اليمين.
    النموذج الرابع "ث": لأنصاب ضريحية مرتبطة ببعض المعتقدات, كما تشير إلى ذلك الرسوم الموجودة عليها. ونصوص النقائش الخمسة الأولى كتبت كلّها من الأسفل إلى الأعلى, وهو الأسلوب الغالب على النقوش الضريحية.
    أمّا النقيشة السادسة فنصّها من نصوص الأنصاب الضريحية النادرة المكتوبة أفقياً. والتي تبدأ من اليسار إلى اليمين. ولذا تختلف فيها وضعية الحروف عن نظيراتها في الكتابات العمودية.
    أ

    تعليق


    • #3


      خطّ التّيفيناغ
      وهو الخّط الذي كتب به "الطوارق" بربر الصحراء المنتشرون فيما بين موريتانيا والجزائر وليبيا والتشاد والنيجر ومالي. ويقال لهم أيضاً "التوارق" بالتاء بدل الطاء مع نطق القاف بالصورة التي ينطق بها في الأرياف والبوادي المشابه لنطق الجيم المصرية.
      والتسمية بالطوارق أو التوارق هي تسمية خارجة لا يطلقها بربر الصحراء على أنفسهم, فهم يتسمّون بأسماء القبائل والعشائر التي ينتمون إليها. والخطّ الذي كتبوا به منذ العهود القديمة يسمّونه "تيفيناغ" وسيأتي تحليل هذه الكلمة عند البحث في أصل هذا الخطّ.
      وإذا كان الخطّ اللوبي قد توقّف عن الاستعمال في وقت مبكر, فإنّ خطّ "التيفيناغ" لم يكن كذلك, فقد احتفظ به إلى عصرنا في ظلّ التبنّي الكامل للعربية. وهذا الاحتفاظ, بالطبع لم يكن بذي بال, إذ ليس للطوارق تراث ثقافيّ بهذا الخطّ, فأدبهم من شعر وحكايات وأساطير وأمثال وغير ذلك, كله شفويّ "ينتقل من جيل إلى جيل بالمشافهة"(7).
      والمعروف في زماننا أن نساء الطوارق هنّ مَن يحسنّ الكتابة بخطّ "التيفيناغ", وهنّ مَن يعلّمنَ حروفه. ويقول القشاط في هذا الصدد: "وحروف التوارق, لا يتقنها كل التوارق بل تتقنها النساء والخدم وبعض الذين تعلموها من النساء"(8).
      وانفراد المرأة الطارقية بهذا النوع من المعرفة, قد يكون راجعاً إلى مكانتها الاجتماعية. فهي, من دون سائر نساء المجموعات البربرية الأخرى, تحظى باحترام فائق في المجتمع الطارقي, تعيش سافرة الوجه, وتتسوّق, وتبيع, وتشتري, وترعى الماشية وغير ذلك من الأعمال. والمعلومات المتوفّرة, تشير إلى أن الطوارق قد يكونون منحدرين مما كان يسمّى "بنظام الأمومة", فهم ما يزالون إلى اليوم ينتسبون إلى قبائل أمهاتهم, والولد عنهم أكثر اندماجاً مع أهل أمّه. والخال صاحب الخطوة الأساسية بينهم. قد تكون هذه المنزلة الاجتماعية الرفيعة التي تحظى بها المرأة الطارقية, هي التي جعلتها تختصّ بمعرفة خطّ "التيفيناغ" أكثر من الرجل وتواصل المحافظة عليه.
      أبجدية التيفيناغ:
      من الواضح أن استعمال هذا الخط كان محدوداً منذ البداية, وهذا راجع إلى ظروف مجتمعات الصحراء من حيث جمود الحياة فيها, والعزلة عن العالم الخارجي, والحاجيات المحدودة. ومثل هذه الظروف, لا تسمح عادة باستعمال الكتابة على نطاق واسع.
      وهذا ما نستخلصه من عدد الحرف التي وقع التعامل بها في أول الأمر. فبعض الدارسين(9) يذكر أن خطّ "التيفيناغ" كان يتكون من عشرة أحرف هي:

      وجميع هذه الحروف (14 حرفاً) صامتة, أضيفت إليها أشكال أخرى على هيئة نقاط, لها وظيفة الحركات, والضوابط, صارت فيما بعد حروفاً هجائية يسميّها أصحابها "تِيْدبَاكِين" معناها "الدليل على العمل والتوسع"(11).
      وأصبحت أبجدية هذا الخط المشاعة بين "الطوارق" تبلغ 22 حرفاً, مع الملاحظة أن هناك اختلافاً بين قبائل الطوارق في نطق بعض الأصوات ـ فقد يكون الصوت لدى فريق أقرب إلى السين, وقد يكون لدى فريق آخر أقرب إلى الشين أو الزاي, وقد يكون مفخّماً لدى هذا وغير مفخّم لدى ذلك, شأنهم في هذا شأن الجماعات العربية قديماً وحديثاً.
      واللهجة الطارقية لا يوجد فيها حرفا الحاء والعين (ح. ع) وكذلك حروف ث, ذ, ظ, التي لا توجد في سائر اللهجات البربرية. وإذا ما وجدت في بعض المناطق, فهي من قبيل النطق المحلي, بدليل أنها تنطق في مناطق أخرى ت, د. ض.
      فالنعجة مثلاً يقال في الأطلس وفي الريف المغربي "ثخسي" بالتاء, ويقال لها في القبائل "تسا", وفي الشاوية "هيخسي".
      ويقال للركبة "أفوذ", وأصلها بالدال "أفود", بدليل وجودها في صيغ أخرى من الجذر نفسه (أ, د, ل), ففي جمع هذا المفرد يقال: "إفادّن" بالدال.
      أمّا الظاء فلا وجود له. وإذا ما افترضنا أنه نطق به في كلمة من الكلمات, فأصله بكل تأكيد ضاد, كما هو في سائر النطق بهذه الكلمة لدى الجمهور العامّ, كما أنه عند التضعيف ينطق بهذا الظاء طاء. وهذا من خاصيّات الضاد. فـ"يوضن" بمعنى "مرض" بالضاد, عند التضعيف تتحول إلى طاء فيقال: "أطّان" (المرض).
      ويذكر محمد شفيق أن هذه الكلمة قد ينطق بها "يوضن"(12) بالظاء إلا أنه عند التضعيف تتحول إلى طاء فيقال "أطّان" وهذا دليل على أنها في الأصل ضاد.
      وعدم وجود الحاء والعين في اللهجة الطارقية, وكذلك عدم وجود الثاء والذال والظاء في سائر اللهجات البربرية, يدلّ بكل تأكيد على الانتماء الشرقي لهذه اللهجات. فهذه الحروف (ث, د. ظاء) لا توجد أيضاً لدى بعض الجماعات العربية القديمة كالفينيقيين والآراميين والنبطيين وغيرها.
      وخطّ "التيفيناغ" مثل الخطّ "اللوبي" كتب هو الآخر من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين ومن الأعلى إلى تحت ومن تحت إلى الأعلى ثمّ غلبت عليه الكتابة من اليمين إلى اليسار اقتداء بالعربية, إلاّ في الحالات النادرة عندما يتوقّع الطارقي أن رسالته ستقع "في يد الأعداء, فإنه يضطر إلى الكتابة في كل الاتّجاهات... وهنا يستغرق فكّ رموز الرسالة الواحدة عدة أيام"(13).
      وتصرّف الطوارق في بعض حروف "التيفيناغ", فكتبوا الحرف الواحد بعدة أشكال, كالباء والجيم وغير ذلك.
      والأبجدية التالية وقع ضبطها, بالاعتماد على مصادر عديدة, خاصّة المصادر التي عاش أصحابها بين قبائل الطوارق واستمدّوا معلوماتهم من أصحابها مباشرة. أخصّ بالذكر منها المصدرين التاليين:
      ـ القاموس الوجيز: طارقي ـ فرنسي, للسيد شارل فكولد([5]).
      ـ التوارق عرب الصحراء الكبرى, للدكتور محمد سعيد القشاط. وفي ما يلي أبجدية "التيفيناغ":
      أبجدية التيفيناغ موضّحة بالحروف العربية


      تعليق


      • #4

        متى استعمل هذا الخطّ؟
        إذا كانت لدينا بعض المعلومات عن الفترة الأولى التي استعمل فيها "الخطّ اللوبي", فإننا بالنسبة لخطّ التيفيناغ, لا نملك شيئاً واضحاً ومحدّداً حول بداية استعماله. ولكن هذا لا يمنعنا من الاستناد إلى بعض المعطيات المساعدة على ضبط بداية عامّة لظهوره. فكلمة "تيفيناغ" التي هي بمعنى "فينيقي"تؤكّد عراقة هذا الخطّ, وتربطه بالدور الفينيقي, وتأثيراته في المنطقة الغربية لحوض البحر الأبيض المتوسط. هذا الدور كان قريباً من عمق الصحراء, لوجوده في الساحل الليبي, وللأعمال التجارية لقرطاج تجاه الداخل الإفريقي. والصحراء كما هو معروف كانت مصدراً مهمّا لثروة قرطاج. فمن الطبيعي والحالة هذه, أن ينتشر مع هذا المدّ الحضاري الواسع النطاق الخطّ الفينيقي, وأن يبلغ الصحراء, خاصّة في النصف الثاني من الألف الأولى قبل الميلاد, عندما انهزم جيش قرطاج في معركة "هيميرا" سنة 480 ق.م. ممّا جعلها تهتمّ بالعمل الفلاحيّ وتتجّه بشكل أقوى إلى التجارة عبر البراري.
        هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى, فإنّ أشكال حروف "خطّ التيفيناغ" من حيث طابعها الهندسي العامّ, ومن خلال مقارنتها بالخطوط القديمة المشابهة لها, يمكن أن نعود بها إلى ما بعد الميلاد أو قبله بقليل, حيث ظهرت في هذه الفترة عدّة خطوط, من الجائز أنّ بعضها تجاوز منطقته عن طريق الهجرة أو غيرها. وهذا الكلام ليس من قبيل التخمين, فهناك ما يرجّحه ويدعمه بالاعتماد على ما تقولـه قبائل الطوارق عن نفسها, من كونها قبائل مهاجرة ذات أصول شرقية(14), إذ هي فروع, منحدرة ـ بالأساس ـ من "صنهاجة" و"لمطة" و"هوارة". وهذه القبائل كانت موجودة ـ كما يذكر ابن خلدون([6]) ـ منذ ما قبل الفتح بزمن طويل, وانتقلت داخل الصحراء على مراحل. والراجح أن "صنهاجة" و"لمطة" قدمتا من الجنوب عبر تشاد, بدليل وجود كثير من الأسماء والكلمات ذات الأصل الحميري على خط السير هذا. كما تحدث الدكتور عبد الغني سعود عن انتشار عدّة ممالك "حول بحيرة تشاد إلى الغرب من السودان, ينسب رجالها إلى سيف بن ذي يزن"(15) وقد أكّد على هذا في قوله: "ومن الصعب أن نجد سيفاً يدعو إلى الحكم ببطلان هذا الزعم, أو أن هجرة يمينه لم تؤثّر على الأقلّ في الطبقات الحاكمة في تلك الأقطار قبل الإسلام بقرون"(16).
        أمّا هوارة فالواضح في شأنها, أنها قدمت من الشرق عبر مصر, بدليل أنها كانت نازلة بها من غرب الإسكندرية حتّى برقة([7]), ثمّ توغّلت غرباً, واتّجه فريق منها صوب الصحراء بجنوب الجزائر بمنطقة الهقار المسمّاة باسمها, مع حصول تغيير في نطق الواو الذي صار يشبه الجيم المصرية(17).
        وهجرة هذه القبائل الثلاث يمكن أن نربطها بالتحرّك البشري الذي حدث في الجزيرة العربية, ودفع ببعض الجماعات فيها إلى الهجرة. وحسب بعض الدراسات(18) فإن هذه الهجرة كانت فيما بين القرن الثاني قبل الميلاد وبعد الميلاد بعدة قرون.
        وقدوم هذه القبائل من الجنوب ومن الشرق, يمكن أن يكون مصحوباً ببعض الخطوط, كالمسند والصفوي والثمودي واللحياني التي يعود تاريخها إلى ما قبل الميلاد وإلى ما بعده. وبالطبع فإن المقارنة بين هذه الخطوط وبين خط التيفيناغ ستؤكّد هذا أو تنفيه.
        وخلاصة كل ما تقدّم أنّ أقدم فترة ترجّح لاستعمال خطّ التيفيناغ, تعود إلى ما قبل الميلاد بقليل. ومن الصعب أن نوغل به إلى الوراء وإلى ما هو أبعد من هذا التاريخ, تمشيا مع المعطيات المذكورة. أمّا ما يقوله المتمزّغون من أن خطّ التيفيناغ يعود إلى 3000 سنة أو ما قبلها, فهو من قبيل الهوس الذي لا يعبأ به.
        تسلّط النزعة البربريّة على "خطّ التيفيناغ".
        إنّ سعي المتمزّغين الدائم, في كل أنشطتهم السياسية والثقافية والإعلامية إلى فصل البربر عن العرب, واعتبارهما من جنسين مختلفين لا يمتّان إلى بعضهما بأيّ صلة, دفع بهم إلى التسلّط على كلمة "تيفيناغ" وكذلك كلمة "أمازيغ" جاعلين منهما ـ في هوس منقطع النظير ـ مظهرين لهويّة مزعومة, هي الهويّة البربرية أو الأمازيغية (الشعار الجديد) معارضين بها في عداء صريح الهويّة العربية للمنطقة.
        والنزعة البربرية, من عهد فرنسا, هي نزعة موجّهة أساساً ضدّ الانتماء العربي. ولذا لم تسلم الكلمتان من التفسيرات المكذوبة والتلبيسات المغرضة. وسبق لي أن تناولت كلمة "أمازيغ" بالدراسة, وأثبت أنها عربية من كل الوجوه([8]). أمّا كلمة "تيفيناغ" فقد صنع حولها المتمزّغون ضجّة غير معتادة, ولاكوها في كل اتّجاه, وأسالوا, في شأنها, حبراً غزيراً. ونشط ذوو المعرفة اللسانية منهم لتقديم ما عنّ لهم من الأطروحات والنظرات, نورد بعضها فيما يلي:
        1 . تفسير كلمة "تيفيناغ" بأنها تعني "الخطّ والعلامة أي الأبجدية"(19), بدون أن يقدّموا ما يبرّر هذا التفسير بأيّ وجه من الوجوه مؤسّسين عليه ادّعاءهم بأن البربر توصّلوا في غابر العهود إلى ابتكار الكتابة "في وقت لم تكن الكتابة فيه قائمة"(20). وتحدّثت الأكاديمية البربرية بباريس في إحدى وثائقها عن هذا الموضوع في شيء من النخوة والاعتزاز, قائلة: "وإذا كان العرب يدينون بالفضل للآراميين, والأوروبيون يدينون للفينيقيين.. فإن البربر لا يدينون لأحد في وضع الحروف الهجائية للغتهم.. أي أنهم قد اخترعوا ـ إذن ـ هذه الحروف التي ترجع إلى عهد ضارب في القدم (3000 سنة), والتي حافظ لنا عليها اخوتنا في التوارق في الصحراء"(21). ومن الواضح أن هذا لا أساس لـه من الصحّة, إذ هو افتراء محض على التاريخ, هدفه بلبلة الفكر وخلق أديولوجيا مفتعلة لدعم هويّة مفتعلة.
        وهناك تفسيرات أخرى, أعطيت أيضاً لهذه الكلمة, منها أنها تعني: الكتابة(22) ومنها أنها مركّبة من كلمتين هنا: تيفين, بمعنى اكتشاف. وأناغ بمعنى: ملكنا(23), أي أن أبجدية التيفيناغ من اكتشافنا وإبداعنا وملكيتنا. وهذا التحليل اللفظي التعسّفي الخاطئ من ابتكار الفكر الطائفي لمتمزّغي القبائل. فكلمة "تيفيناغ" هي كلمة "فينيقي" مبربرة ولا شيء غير ذلك. وهو ما سنراه في تحليلنا لها في الفقرة القادمة (ما هو أصل الكتابة البربرية؟).
        2. الادّعاء بأن لخطّ التيفيناغ من العمر ما يزيد عن خمسة آلاف سنة, وزعموا "أن أقدم نقش وصل إلينا يعود تاريخه إلى أكثر من 3000 سنة ق.م كتب بالتيفيناغ"(24). ومثل هذا الكلام الملقى على عواهنه, ليس بالغريب عن منظّري النزعة البربرية الذين عوّدونا على التهويش والاستهانة بالحقائق العلمية. فالصحراء في هذا التاريخ (3000 سنة ق.م) ما تزال في مرحلة ما قبل التاريخ, في فترة العصر الحجري الحديث, وهو عصر فقير جدّاً, امتدّ إلى الألف الثانية قبل الميلاد, غير مؤهّل تماماً لأن تظهر فيه الكتابة التي هي ثمرة لتطوّر واسع, ولنشوء حاجيات جديدة تفضي على المستوى الثقافي والمعرفي عموماً إلى ابتكار ما يناسب تلك الحاجيات. وهو أمر لم تتوفّر عليه منطقتنا لضعف في تحوّلاتها العامّة, وتطوّراتها الداخلية.
        3. هناك وجهة نظر أخرى, في المساق نفسه, تزعم "أن الأمازيغية المندثرة كانت تكتب بالهيروغليفية, ثمّ كتبت بها المصرية, وهي من جنس الكتابة الأبجدية قبل أن تكتب بالتيفيناغ الأصلية"(25). والجديد في هذه الوجهة أن "الهيروغليفية" من ابتكار الأمازيغيين القدماء, وعنهم أخذها المصريون. وهذا يعني أن الصحراء عرفت الكتابة قبل مصر. ونظرا لتهافت هذه الفكرة المتهوّرة. فقد وقع تعديلها وتحويرها بهذه الصيغة "إنّ أول أبجدية في التاريخ عرفتها الكتابة, هي الكتابة "الهيروغليفية". وقد تكون الأمازيغية قد استخدمت هذه الحروف, ثمّ طورتها" (26), والأمر لا يقف عند هذا الحدّ, بل يذهب أصحاب هذه الوجهة في شطحاتهم الفكرية إلى حدّ ضمّ مصر, وجعلها ضمن أرض "تامازغا" (الأمازيغية).
        4. محاولة إحياء "خطّ التيفيناغ", وبعثه للوجود من جديد, سعياً لتأصيل الهويّة البربريّة (الأمازيغية), فطرحت آراء كثيرة في هذا الشان, وانعقدت من أجل ذلك الملتقيات الثقافية واللغوية, لدراسة هذا الموضوع, ووضع الخطط العملية لتجسيده على صعيد الواقع.
        وبما أن أبجدية التيفيناغ قديمة, ومتخلّفة, وغير مستوعبة لأصوات كثيرة. فبذلت الجهود لتكييفها والزيادة في عدد حروفها. فقد أوصلها Blanguerno إلى 26 صوتاً(27) وأوصلها سالم شاكر إلى 29 صوتا مع ثلاثة مصوّتات(28), وأوصلتها الأكاديمية البربرية بباريس إلى 37 صوتاً ثمّ إلى 44 صوتاً(29). وما تزال عملية الاختراع متواصلة لم يوضع لها حدّ بعد.
        ويبدو أن البعض سئم من هذا الاختراع المتواصل, والتعديل التعسّفي الذي لا نهاية له. وخشي أن الأمر إذا زاد عن حدّه انقلب إلى ضدّه, وأن الأمازيغية, ستتحوّل من جراء ذلك إلى لغة مخبرية مصطنعة.
        فخط التيفيناغ خط قديم, شأنه شأن الخطوط العربية القديمة, حروفه منفصلة عن بعضها, لا تواصل بينها, والكتابة بها بطيئة, وتكتب في كل الاتجاهات. وبيّنت إحدى الدراسات القائمة على المقارنة في كتابة نص بخطوط ثلاثة "أن المكتوب بالخط العربي أقلّ كلفة في الجهد, وأكثر اقتصاداً في الورق من المكتوب بالتيفيناغ واللاتينية"(30).
        وكل هذا يشير إلى أن مشروع إحياء "خطّ التيفيناغ" محكوم عليه بالفشل, وأنّ عملية إنعاشه في مخابر الأكاديمية البربرية بباريس لا جدوى منها. وقد رأى البعض في هذه العملية المصطنعة مجرد تغطية لأغراض مبيّتة بدليل وجود توجّه يدعو صراحة إلى تبنّي الخط اللاتيني على غرار تركيا, لكونه أكثر ملاءمة لروح العصر. والمعروف أن غلاة المتمزّغين يتعاملون بالفرنسية لا بالأمازيغية, يكتبون بها مختلف أبحاثهم وأعمالهم الثقافية. وهذا يعني كما قال أحدهم: "أن اللغة الأمازيغية تكون عطاء لا غير, في انتظار إثبات عجزها, وعند ذلك يلتجأ إلى الفرنسية, على اعتبار أن مشاكلها المادية محلولة, وخطها جيّد ومنمّط, وأن لها باعاً كبيراً في الوسط الجزائري, فإذن لا بدليل عنها"(31), بل إن الكثيرين من المهتمّين بالأمازيغية يرون أن كتابة الأمازيغية بالحروف اللاتيتية لا يراد منه خدمة "الأمازيغية", بل من ورائها أهداف استعمارية أخرى, وهي بقاء الحرف اللاتيني الذي تمثّله اللغة الفرنسية في الجزائر. ومن ذلك فنكون قد ساهمنا بهذا الحرف في خدمة اللغة الفرنسية"(32).
        وأصحاب هذا التوجّه, مهما اختلفت مشاربهم, وتلوّنت مواقفهم, معروفون بعدائهم الشديد للعربية والإسلام. ومنذ أن استحكمت سياسة التطبيع في المنطقة, صاروا يردّدون جهرة(33):
        ـ اللغة العربية لغة القرآن, لغة فرضت علينا, وليست لغتنا, والإسلام دين غريب عنّا.
        ـ اللغة الفرنسية والفرنسيون أقرب إلينا من اللغة العربية والعرب.
        هذه هي حقيقة المتمزّغين ومنظّري النزعة البربرية, فهم في الأعماق لا يؤمنون بأن هناك هويّة أمازيغية أو بربرية حقيقية. بدليل ما قاله أحد أقطاب التمزّغ "معطوب الوناس" في أحد تصريحاته الهوجاء "لو عُمّمت اللغة الفرنسية منذ سنة 1962 في الجزائر لما كانت اليوم قضية اسمها (تمازيغت)". فأين الإيمان بالهويّة الأمازيغية, وأين الانتماء إليها والتعلّق بها, أليست مجرّد شعار ملّفق ومفتعل لخدمة فرنسا وثقافتها وأهدافها الخبيثة في المنطقة.
        ما هو أصل الكتابة البربريّة؟
        كان اكتشاف الكتابة البربرية حدثاً مهمّاً في حدّ ذاته. استغلّته المدرسة التاريخية الاستعمارية, وسعت منذ البداية إلى ربط هذه الكتابة بما عرف من كتابات أروبية قديمة, فأجرت مقارنات مع كتابات إسبانية وأتروسكية (بإيطاليا) ويونانية وإيجيه (أهل بحر إيجه), وكانت النتائج مخيّبة للآمال, فلم يكن للكتابة البربرية أي شبه مع واحدة من تلك الكتابات العديدة, وتوقّفت المقارنة عند هذا الحدّ, فلم تخرج كما هو حال الكثير من قضايا شمال إفريقيا عن إطار العلاقة مع أروبا. وأثّر هذا على مجرى البحث طيلة العقود الماضية, وذلك بسبب تلك القناعات التي خلقتها المدرسة التاريخية الاستعمارية النافية بشكل مسبق لأيّ إمكانية أخرى للبحث والمقارنة خارج ذلك الإطار, ولذا أصيب الدارسون من أبناء المنطقة بالعجز عن تقديم الجديد في هذا الموضوع, وفي غيره من الموضوعات المهمّة. فمال بعضهم بحكم التوجّهات الطائفية إلى التهويش, كما هو الحال بالنسبة للزمرة المتفرنسة من القبائل, ومال بعضهم الآخر, تحت وطأة الاستسلام إلى الإرجاء, كما هو الحال في تونس, حيث نجد على سبيل المثال لدى السيد منصور غاقي شعوراً خفياً بالإحباط, من جراء خيبة الأمل في ما آلت إليه نتائج البحث في الكتابة البربرية, ولذا نجده, يقول: "لقد حاول العديد من البحّاث الخوض في هذا الموضوع, غير أن نتائج هذه المحاولات, بقيت إلى يومنا هذا هزيلة".
        ويردف: "يبقى الملفّ مفتوحاً, ما لم نعثر على نوع آخر من النقائش...(34) وهذا الإرجاء يكشف عن روح الاستسلام, وعلى أن صاحبه ما يزال حبيساً لتلك القناعات المغرضة, وكان عليه وعلى غيره أن يحرّروا أنفسهم من ذلك القمقم, ويوسّعوا من دائرة البحث, وأن يجولوا بأبصارهم في كلّ الاتجاهات لا في جهة واحدة.
        وكل هذا يدعونا إلى الخوض في موضوع الكتابة البربرية لمعالجته, في إطار جديد من العلاقات والبحث الموضوعي, بعيداً عن ترّهات المدرسة التاريخية الاستعمارية, وقناعاتهم الوهمية والمزيّفية, وبعيداً أيضاً عن حمّى البربرة المتمزّغة, وما تسبّبه من تهويش وتشويه للحقائق.
        والبداية تكون بطرح سؤال مهمّ في مسار هذا البحث, يتعلّق بالكتابة البربرية نفسها (اللوبية ـ التيفيناغ), هل هي كتابة مستحدثة أم هي كتابة مشتقّة من كتابات أخرى؟ وإذا كانت مشتقّة فما هي هذه الكتابات التي اشتقّت منها؟
        ما نملكه من معلومات متنوّعة عن المنطقة وتاريخها القديم, وما قمت به من مقارنات واسعة في عالم الأبجديات يجعلني أجزم بأنّ الكتابة البربرية ليست مستحدثة. وأنّ البربر لم يستنبطوها, حتّى أننا نجد لديهم عزوفاً واضحاً عن التعامل بها, وهو عكس ما نعرفه عن بعض الشعوب الأخرى التي استنبطت فعلاً نوعاً من الكتابة, استعملته في التدوين وفي المسائل الرسمية وفي كل ما أنشأته من علم وأدب وفن.
        ومن المنطقي ألاّ تكون للمنطقة كتابة مستنبطة, إذ هي بحكم ظروفها قبل مجيء الفينقيين غير مهيّأة لظهور الكتابة, فالعصر الحجري الحديث امتدّ فيها حتّى الألف الثانية قبل الميلاد, وثقافته ضعيفة ومحدودة (الحجارة المصقولة, الفخار, زخرفة الأواني...). ولذلك لم تظهر التطوّرات والحاجيات المهيّئة لإبداع الكتابة.
        وإذا تقرّر أن الكتابة البربرية غير مستحدثة, فمن أيّ كتابة أو كتابات اشتقّت؟ هنا لا بدّ من التفكير في تلك الآراء التي ترجّح النسب الشرقي للكتابة البربرية.
        فهناك من يرى أنها مأخوذة من الكتابة الفينيقية: مثل جوليان الذي يقول: "كانوا يحذقون كتابة بقي أصلها مجهولاً, وربما كانت فينيقية, احتفظ علم الخطوط بآثارها"(35).
        ومثل الدكتور رشيد الناضوري الذي يقول: "فقد بدأ البربر بتسجيل لهجاتهم في القرن الثاني قبل الميلاد متأثّرين باللغة البونية الفينيقية الأصل"(36).
        ومثل جورج غيرستر الذي يقول: "الكتابة الليبية ـ البربرية المشتقّة من الحروف الفينيقية"(37).
        ومثل هَلفي Halevy: الذي يقول إن حروف الهجاء اللوبية أصلها فينيقي(38).
        وهناك من يقول إن الكتابة البربرية مشتقّة من إحدى الأبجديات السامية الجنوبية مثل "لِتّمنّ Enno Littmann الذي قارن في دارسة مهمّة قديمة (1904) بين حروف الخطّين: اللوبي والتيفيناغي بحروف الخطّين: الثمودي والصفوي المعروفين بالجزيرة العربية والشام, مؤكّداً على أن "النقوش الليبية وكتابة التيفيناغ تشبهان جيّداً النقوش العربية القديمة أكثر ممّا تشبهان النقوش الفينيقية"(39). وبالرغم من قدم هذه الدراسة المهمّة التي ربطت لأول مرّة ـ على ما يبدو ـ الكتابة البربرية بالكتابات العربية القديمة, فإن الفرنكوفونيين تجاهلوا هذه الدراسة, ولا يمكن أن يكون ذلك إلاّ عن عمد. وهذا واضح من اهتمامهم في مجال المقارنة بالكتابات الأوروبية القديمة دون غيرها من الكتابات الأخرى (الكتابات الشرقية).
        ومن المنطقي أن يتّجه الباحثون هذا الاتّجاه, لكون الفينيقيين هم أوّل من أشاع الكتابة في المنطقة والعالم الغربي قاطبة, ولوجود روابط متنوّعة بين البربر والمشرق العربي. ولا نجد من يرفضه إلاّ المدرسة الفرنسية التاريخية الاستعمارية, وأصحاب النزعة البربرية, وهو أمر طبيعي منهما لمعاداتها لأيّ صلات شرقية.
        وإذا نعود إلى هذه الآراء من جديد, فليس لأهمّيتها العلمية فحسب, وإنّما أيضاً لننطلق منها إلى عالم أوسع من الخطوط, وأعني به: عالم الخطوط العربية القديمة, وذلك للنظر في الكتابة البربرية من خلال منظور حضاري واسع, وفي إطار أشمل لهذه الخطوط. وهذا من شأنه, أن يقودنا إلى الظفر ببعض الحقائق المهمّة عن حقيقة هذه الكتابة وأصول نشأتها. وبالاعتماد على هذا المنهج, وما يوفّره من المقارنة الشاملة أسوق الملاحظات التالية:
        1. هناك ما يمكن تسميته بالطابع العامّ الموحّد بين مجموعة من الخطوط. وأعني به ذلك التشابه الذي نجده عادة بين عدة كتابات في منحى خطوطها ورسومها وأشكالها الهندسية, كما هو الحال بالنسبة لعموم الخطوط التي ظهرت بمنطقة المشرق العربي المتميّزة بطابع عامّ, في منحاها وشتّى أشكالها. وعندما نضع في إطارها الخطّ اللوبي وخطّ التيفيناغ, نجد أن هذين الخطين ليسا بالغريبين عن تلك الخطوط, بل هما متوحّدان معها في السمات وفي ذلك الطابع العامّ. وهذا يدل على أنّهما وتلك الخطوط من أرومة حضارية واحدة. أنظر الجدول التالي. وهو يضمّ نماذج معيّنة من حروف الخطوط المذكورة إذ لكل حرف أشكال عديدة, تعذّر في هذا المقام ذكرها جميعاً.



        تعليق


        • #5

          2. الكتابة البربرية كتابة صامتة (Consonantique)، لا حركات لها، ولا حروف إشباع (الألف والواو والياء)، وهي في هذا تشبه الكتابات العربية القديمة (المسمّاة بالسامية) فالخط الفينيقي والآرامي والعبري والمسند واللحياني والثمودي والصفوي وغير ذلك كلّها خطوط متكوّنة من حروف صامتة، لا تعرف الحركات، ولا حروف الإشباع. وهذه الخاصيّة الحضارية تجعل الخط اللوبي وخط التيفيناغ وهذه الخطوط كلها في دائرة واحدة، ومجال حضاري واحد.
          3. الخط اللوبي وخط التيفيناغ كتبا في اتّجاهات مختلفة من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين من أعلى إلى تحت ومن تحت إلى أعلى. وهما في هذا يشبهان أيضاً الخطوط العربية القديمة، كالمسند واللحياني والثمودي والصفوي التي كتبت هي الأخرى بهذه الطريقة، بل وبطريقة حلزونية وبصورة الهلال وغيره ذلك.
          وعدم الانتظام في اتّجاه معيّن هو خاصيّة عربية قديمة، تجعل أيضاً الخط اللوبي وخط التيفيناغ في دائرة واحدة مع تلك الخطوط وفي مجال ثقافي واحد.
          4. المعروف أن الكتابة العربية القديمة استعملت التنقيط وإنْ بشكل مختلف، فالعربية الفصحى استعملته فقط للتفريق بين الحروف ولذا جاءت الباء مختلفة عن التاء. والثاء مختلفة عنهما معاً، وكذلك الأمر في الحروف المنقوطة الأخرى. أما في الكتابات العربية الأخرى ذات الحروف الصامتة فالتنقيط فيها كان بمنزلة الحركات يقوم بدورها. يقول جواد علي في هذا الصدد: "فالحركات في بعض اللغات السامية يعبر عنها بنقاط توضع فوق الحرف أو تحته (40) واستعملت الكتابة الحبشية المستمدّة من المسند التنقيط، ودمجته مع الحروف الصامتة"، فظهرت بذلك أقلام شعبية تنقط وتشكل استعملها السواد" (41)، واستعمل العبرانيون التنقيط في بعض الحالات "فكانوا ينقطون بعض حروف الكلمات لتنبيه القارئ إلى أهميّة الكلمة ولمكانتها المقدّسة" (42). فقد نقطوا على سبيل المثال لفظة (عانقه) من الآية الرابعة من الإصحاح 33 (سفر التكوين).
          خاصية التنقيط هذه مهما اختلفت أغراضها، من كتابة إلى أخرى، نجدها شيئاً أساسياً في خط التيفيناغ فقد كانت لها في الأول وظيفة الحركات والضوابط ثم صارت فيما بعد حروفاً هجائية مثل:

          تعليق


          • #6
            . الكتابة البربرية كتابة صامتة (Consonantique)، لا حركات لها، ولا حروف إشباع (الألف والواو والياء)، وهي في هذا تشبه الكتابات العربية القديمة (المسمّاة بالسامية) فالخط الفينيقي والآرامي والعبري والمسند واللحياني والثمودي والصفوي وغير ذلك كلّها خطوط متكوّنة من حروف صامتة، لا تعرف الحركات، ولا حروف الإشباع. وهذه الخاصيّة الحضارية تجعل الخط اللوبي وخط التيفيناغ وهذه الخطوط كلها في دائرة واحدة، ومجال حضاري واحد.3. الخط اللوبي وخط التيفيناغ كتبا في اتّجاهات مختلفة من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين من أعلى إلى تحت ومن تحت إلى أعلى. وهما في هذا يشبهان أيضاً الخطوط العربية القديمة، كالمسند واللحياني والثمودي والصفوي التي كتبت هي الأخرى بهذه الطريقة، بل وبطريقة حلزونية وبصورة الهلال وغيره ذلك.
            وعدم الانتظام في اتّجاه معيّن هو خاصيّة عربية قديمة، تجعل أيضاً الخط اللوبي وخط التيفيناغ في دائرة واحدة مع تلك الخطوط وفي مجال ثقافي واحد.


            كما يستخدم التنقيط لتمييز حرف عن آخر، مثل تمييز السين عن الراء في خط التيفيناغ:
            فالسين تكتب هكذا: §
            والراء تكتب هكذا: £
            كما أن الكتابة اللوبية استعملت للتفريق بين حرفي الضاد والقاف:
            ــ = ض ÷= ق
            وبين حرفي الباء والراء:
            = ب = ر
            والمهمّ هنا، هو أن التنقيط سمة من سمات الحضارة العربية، نجدها ماثلة في الكتابة البربريّة، مما يؤكّد عمق الرابطة الثقافية بين هذه الكتابة والكتابات العربية القديمة.
            5. يذكر عثمان سعدي أن الأستاذ "بات Bates" (43) الباحث اللغوي الإنكليزي، أجرى مقارنة بين حروف خط "التيفيناغ" وحروف الخط الفينيقي، وتوصّل إلى أنّ الثانية هي الأصل الذي أخذت منه الأولى، رابطا الخطين معا بإطار (الخط المسماري). وما يهمنا من عمل (بات) إدراكه بأن الكتابة العربية هي الإطار العامّ الحقيقي الذي يجب أن تنزّل فيه الكتابة البربرية.
            6. النتيجة التي توصّل إليها "بات" "تدعونا إلى التوقّف عند كلمة (تيفيناغ)، وهي التسمية التي يطلقها الطوارق على أبجديتهم، كما مرّ بنا، ويذكر البعض أنها تعني: (الحروف المنزّلة) أي المنزّلة من عند الإله، لأنهم يعتقدون أنها ليست من صنع البشر... (44).
            وهذا الاعتقاد الأسطوري ينبئ بالعقلية الخرافية لأصحابه، وبأنهم باتوا ـ كما يبدو ـ يجهلون سبب ظهور هذا الخطّ، وانتشاره بينهم، كما أن القول بأن "التيفيناغ" هي "التيفينار" غير صحيح. ومنشأ هذا الخطأ الكتاب الفرنسيون. فيما أن الغين عندهم أصلها راء. فقد حوّل بعضهم غين "التيفيناغ" إلى راء. وكتبوها هكذا "Tifinar". وعندما نقلت إلى العربية أبقي على الراء. وهذا ما يحفزنا أكثر على التساؤل عن حقيقة هذه التسمية؟ وما هي العلاقة بينها وبين الأبجدية التي تتسمّى بها؟.
            لمعرفة هذا الموضوع والوقوف على حقيقته، نبدأ بتحليل كلمة "فينيقي" لما في تركيبها، من الناحية اللغوية، من إضافات زائدة عن الأصل، لأنّ ذلك سيساعدنا، على معرفة بنية كلمة "التيفيناغ" وفهم أصلها. وكلمة "فينيقي" مشتملة من الناحية اللغوية على نسبتين الأولى بالياء، وأصل الكلمة "فوني" (Puni)، ولذا يقال: الفونيون، الشعب الفوني، الحضارة الفونية، لكنّ الكتابات الغربية من إغريق ولاتين أشاعت كلمة (Punique) والمقطع (que) للنسبة، وبدل أن تبقى مقالبة لـ "فوني"، فقد وقعت مقابلتها في الكتابات العربية بكلمة "فينيقي"، مبقية على النسبة الغربية المتمثّلة في القاف (que) إلى جانب النسبة العربية، وهي الياء. وتكرّس هذا الاستعمال وصار شائعاً.
            وإذا عدنا إلى كلمة "تيفيناغ"، نجدها متكوّنة من التاء المعروفة في الكلمات البربرية: تليلان، تطوان، توشين، تفشيش، وهي تاء التأنيث، ومن "فينا"، وهي "فون" السابقة، ومن الغين التي أصلها القاف (تيفيناق)، ولذا فإن "تيفيناغ"، هي في الحقيقة كلمة "فينيقي". والمعروف أن القاف تحولت في كثير من اللهجات البربرية إلى غين، كما في هاتين الكلمتين على سبيل المثال:
            إغْرَسْ (مزق) ـ إرْوَغْ (يصفرّ)
            فالغين فيهما أصلها قاف بدليل وجودها قافا.
            في الأكدية: قَرَاشُ (شقّ، فرّق) ـ ورّاقُ (يصفر، أخضر)
            وفي العبرية: يراق (بين الصفرة والخضرة).
            فالتاء والغين في كلمة "تيفيناغ"، هما سمتا تبربرها أي أنها كلمة "فينيقي" مبربرة، وبهذا نعرف أن الطوارق عندما يطلقون على الحروف التي يستعملونها كلمة "تيفيناغ"، هم في الحقيقة يسمّونها باسم من أخذت عنهم هذه الحروف، وهم الفينيقيون دون أن يكونوا حاليّا واعين بذلك، وهذا شأن الكثير من الأشياء الموروثة التي لم تعد معروفة الأصل والنشأة. وهذا ما يسهّل أحياناً نشوء بعض الخرافات، كما هو الحال بالنسبة لكلمة "تيفيناغ". وبهذا تسقط الادّعاءات الباطلة التي نسجها المتمزّغون حول هذه الكلمة وحقيقة انتمائها.
            7. إذا تجاوزنا فكرة الطابع العامّ، وتوجّهنا إلى مقارنة حروف الكتابة البربرية بحروف الكتابات العربية القديمة. فسنفاجأ بما بين عدد من حروفهما من تشابه قوي، بقطع النظر عن الاتّجاه الذي كتب فيه الحرف، إذ المهمّ هنا هو الشكل الهندسيّ والمنحى العامّ للحرف.

            4. المعروف أن الكتابة العربية القديمة استعملت التنقيط وإنْ بشكل مختلف، فالعربية الفصحى استعملته فقط للتفريق بين الحروف ولذا جاءت الباء مختلفة عن التاء. والثاء مختلفة عنهما معاً، وكذلك الأمر في الحروف المنقوطة الأخرى. أما في الكتابات العربية الأخرى ذات الحروف الصامتة فالتنقيط فيها كان بمنزلة الحركات يقوم بدورها. يقول جواد علي في هذا الصدد: "فالحركات في بعض اللغات السامية يعبر عنها بنقاط توضع فوق الحرف أو تحته (40) واستعملت الكتابة الحبشية المستمدّة من المسند التنقيط، ودمجته مع الحروف الصامتة"، فظهرت بذلك أقلام شعبية تنقط وتشكل استعملها السواد" (41)، واستعمل العبرانيون التنقيط في بعض الحالات "فكانوا ينقطون بعض حروف الكلمات لتنبيه القارئ إلى أهميّة الكلمة ولمكانتها المقدّسة" (42). فقد نقطوا على سبيل المثال لفظة (عانقه) من الآية الرابعة من الإصحاح 33 (سفر التكوين).
            خاصية التنقيط هذه مهما اختلفت أغراضها، من كتابة إلى أخرى، نجدها شيئاً أساسياً في خط التيفيناغ فقد كانت لها في الأول وظيفة الحركات والضوابط ثم صارت فيما بعد حروفاً هجائية مثل:

            جدول مقارنة الحروف اللوبيّة بما يشبهها من الحروف العربيّة القديمة

            تعليق


            • #7
              جدول مقارنة حروف التيفيناغ بما بشبهها من الحروف العربيّة القديمة





              تعليق


              • #8
                وهكذا تتجلّى لنا الحقيقة ناصعة، وهي أن الكتابة البربرية ما هي إلاّ نموذج من نماذج الكتابة العربية القديمة، سواء كانت معتمدة في أصولها على الفينيقية والخطوط العربية الأخرى، أو كانت متضمّنة لبعض الحروف التي يمكن أن تكون مستنبطة. فنسقها، وسمات منحى خطوطها، والطابع العامّ، لها عربيّ في العمق ومن كل الوجوه، وليس هذا بالأمر الغريب طالما أن البربر ما هم في الحقيقة إلاّ عرب قدامى (45) توافدوا على المنطقة، على مراحل حملوا معهم تنوّعهم اللغوي وأنماطا شتّى من عاداتهم وثقافتهم الشرقية.
                وبهذا تسقط تهويمات أصحاب النزعة البربرية الذين أرهقوا أنفسهم بالسفر إلى متاحف روما، وأكلّوا أبصارهم في التحديق إلى حجارة "تاسيلي" و"الهقار" بالجنوب الجزائري، بحثا عما يمكن أن يكون أصلا للخط اللوبي وخط "التيفيناغ"، والحال أنّ الأمر ما كان يتطلّب كل هذا منهم، لو تخلّوا عن فرنكوفونيتهم المتمزّعة، وتفكيرهم الذاتي اللاّعلمي.
                إنّ ما وقع التوصّل إليه من أنّ الكتابة البربرية هي كتابة عربية قديمة، لن يرضى أبداً المعادين لانتماء المنطقة العربي، وسوف يستشاطون غيظاً لهذا الكلام ومثله، فكل شيء يمكن أن يكون مقبولاً لديهم ما عدا شيئاً واحداً، وهو أن يُرْبَطَ بين العرب والبربر بأيِّ سبيل من السبل، وهذا هو موقف المدرسة التاريخية الاستعمارية التي نجحت في بثّ الكثير من الأفكار المغرضة، وتحويلها إلى قناعات مسلّم بها. حتى أن تاريخ المنطقة، وما يتعلّق بالبربر وبأصولهم لا ينظر إليه إلاّ في إطار العلاقة مع أوروبا، أمّا في إطار العلاقة مع المشرق. فقد كان هناك رفض مسبق لأنْ تبحث تلك المسائل في نطاق هذه العلاقة. وهو رفض ضدّ العلم والنظرة النزيهة والموضوعية للأشياء. فالأمر هنا محكوم في الأساس بالأغراض السياسية، وبالذاتيات المريضة، وما المناداة في هذه الظروف بشعار الأمازيغية، بمضامينه التلفيقية إلاّ ابتكار جديد ينضاف في هذا المساق، إلى ابتكارات المدرسة التاريخية الاستعمارية التي عملت على بثّ الانقسام، وتحطيم وحدة سكان المنطقة

                تعليق


                • #9

                  الكتابة البربريّة: اللوبيّة ـ التّيفيناغ ما حقيقتها؟
                  سبق لي أن تناولت هذا الموضوع بالدراسة([1]) في سياق مواجهة النزعة البربرية المتمزّعة التي أخذت تستفحل في المنطقة، بدعم من فرنسا والصهيونية.
                  واستجابة للدعوة الكريمة من بيت الحكمة ببغداد للمشاركة في ندوتها حول "الصلات المشتركة بين أبجديات الوطن العربي القديمة". عدت إلى هذا الموضوع ثانية، لأعمقه، وأضيف إليه ما أمكن جمعه من المعلومات الجديدة، مع التوسّع في الجداول وتنظيمها.
                  وما أريد أن أؤكد عليه، في هذا الصدد، ضرورة الانتباه إلى ما تقوم به النزعة البربرية من تهويش في موضوع "الكتابة البربرية"، وفي كلمة "أمازيغ". فقد تسلّطت عليهما، ووظفتهما توظيفا مغرضا معاديا للانتماء العربي للمنطقة. وهي هنا لا تخلف المدرسة التاريخية الاستعمارية في مواصلة الأطروحات القديمة، وفي تزييف الحقائق وتحريفها، وهو ما سنرى طرفاً منه في أثناء هذه الدراسة، بل إن المرامي التلفيقية لهذه النزعة المتمزّغة المروّج لها على الصعيد السياسي والثقافي والشعبي، هي التي أملت التطرّق إلى موضوع "الكتابة البربرية"، لمعرفة نشأتها، وحقيقة ظهورها، على ضوء ما توصّل إليه البحث وتوفّر من المعلومات. فالمعروف في تاريخ الكتابة عموما أن أول كتابة ظهرت في الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط، هي الكتابة الفينيقية، ومنها أخذت الكتابتان: اليونانية واللاتينية. واستعمل البربر في تاريخهم القديم هذه الكتابات الثلاث، إلاّ أنهم لم يقتصروا عليها، فقد استعملوا كتابة أخرى نسميها اليوم: الكتابة البربرية. وقع التعرّف عليها من قبل الأجانب، من فرنسيين وغيرهم، في القرن التاسع عشر، وهي متكوّنة من خطّين هما: الخطّ اللوبي وخطّ التيفيناغ.

                  الخطّ اللوبي([2](
                  اكتشف هذا الخطّ في النصف الأول من القرن التاسع عشر، كما تشير إلى ذلك تواريخ العثور على النقائش. فقد عثر على وحدة منها سنة 1842 (1) وهو أقدم تاريخ للّقى المسجّلة.
                  وما إنْ اكتشف هذا الخطّ، حتى انصبّ اهتمام الباحثين عليه. فجمعوا المئات من نقائشه، وحفظوا صورها في مدوّنات([3]) مهمّة، أذكر منها على سبيل المثال مدوّنة الباحث "ج. ب. شبو J.B.Chabot" المعنونة بـ "مجموعة نقوش ليبية Recueil des inscriptions libyques". بلغ ما جمعه فيها من صور النقائش 1125 صورة.
                  ومن ضمن النقائش المكتشفة، نقائش مزدوجة الكتابة، منها ما هو باللغة البونية واللوبية. ومنها ما هو باللغة اللاتينية واللوبية. وبالاعتماد على النقوش اللوبية ـ البونية تمّ ضبط أبجدية الخطّ اللوبي المتكوّنة من 22 حرفاً كما في الجدول التالي:

                  الأبجدية اللوبية موضّحة بالحروف العربيّةالأبجدية اللوبية موضّحة بالحروف العربيّة
                  وأقدم تاريخ معروف لهذه النقائش هي نقيشة دقّة التي يعود تاريخها إلى حدود سنة 139 ق.م الموافقة للسنة العاشرة من حكم الملك البربري "مكوسن ابن الملك مسنسن"، أمّا ما عدا ذلك فلا نملك زمناً محدّداً لأيّ نقيشة قبل هذا التاريخ. والاحتمال القائم هو أن بعضها قد يعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد المتميّز ـ كما هو معروف ـ بوجود ممالك بربرية مهمّة، ولكن التقدير الذي يوغل بالكتابة اللوبية إلى القرن الخامس قبل الميلاد (29)، لا يستند إلى معطى يبرّره في ضوء المعلومات المتوفرّة، ولذا فهو تقدير لا يتّسم بالجدّية، لما فيه من إفراط. أمّا تواصل استعماله فهو يمتدّ إلى القرن الثاني الميلادي، كما تؤكّده النقائش المزدوجة المكتوبة باللاّتينية واللوبية. ومن الجائز أنها استمرّت إلى ما بعد هذا الزمن.
                  والشيء المهمّ في هذا الصدد هو أنها كانت منتشرة على نطاق واسع في بلدان المغرب العربي الثلاثة: تونس والجزائر والمغرب. بقطع النظر عن الجهة التي تتوفّر فيها النقائش أكثر من غيرها وهي نقائش كثيرة تصل بها بعض المصادر إلى 1300 نقيشة (3)، أغلبها خاصّ بالضرائح، لا تتعدّى اسم الميّت واسم أبيه. فالنصوص الطويلة لا وجود لها، باستثناء بعض النقائش المتكونة من عدّة أسطر، أغلبها قصير.
                  والنقائش اللوبية كتبت من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين ومن أسفل إلى أعلى ومن أعلى إلى أسفل. وقد أدّى عدم الانتظام هذا، إلى تغيير في وضع بعض الحروف، فاللام والواو والميم مثلا تكتب في الوضع الأفقي (horizontale) هكذا:
                  || (ل) = (و) É (م)
                  وعند كتابتها في الوضع العمودي
                  = (ل) || (و) · (م)
                  (انظر نماذج مختارة)
                  وما يزال جانب كبير من النقائش مستعصياً على الفهم، وقد يكون هذا راجعاً إلى كونها كتبت بلهجة انقرضت أو صارت مفردتها ـ كما يقول الدكتور علي فهمي خشيم ـ ((من "الميّت" أو "المهمل")) (4) الذي عفا عليه الزمن. وفي هذه الحالة، وحتى في الحالات الأخرى، لا مفرّ من اللجوء إلى المعجم اللّغوي للّغات العربية القديمة، دون الاقتصار على ما تحتفظ به اللهجات البربرية الحالية من القديم في مفرداتها.
                  ويتّضح من كلّ هذه النقائش التي تمّ العثور عليها والتي تكاد تكون مقتصرة على الضرائح أن الكتابة اللوبية استعملت استعمالا ضيّقا للغاية. فقد كانت هامشية، مفتقرة من الوهلة الأولى إلى الدوافع التي تجعل منها الأداة الأساسية للتدوين والتعبير الحضاري. ولذا وجدنا الأدباء والكتاب ورجال السياسة من البربر يتوسّلون في ميدان الثقافة والمعاملات باللغة الفينيقية واليونانية واللاتينية. وهو ما يجعلنا نستنتج أنّ البربر في تلك العهود الغابرة لم يتبنّوا هذه الكتابة بصفة أساسية.
                  وبقطع النظر، عن الدواعي التي جعلتهم لا يدخلونها في مجالات حياتهم وأعمالهم الحيوية، فقد وقع التخلّي عنها منذ وقت مبكر. وإذا كان هناك احتمال، بأنها استعملت في مناسبة من المناسبات بعد القرن الثاني الميلادي، فإنه من الثابت والأكيد أن البربر بدخولهم في الإسلام وانخراطهم في التحوّلات الجديدة قد تبنّوا العربية بالكامل. وهذا واضح تماماً منذ القرن الثاني للهجرة (الثامن ميلادي)، عندما سيطر الفكر الخارجي الشرقي من صفري وإباضي على كامل المنطقة، ممّا ساعد على انتشار العربية وقوّى من حركة التعريب التلقائية، فعلماء البربر الأوائل كالإباضيين ومن جاء بعدهم كانوا يكتبون بالعربية، وإذا ما اضطرّوا إلى الكتابة بالبربرية، فبحروف عربية، وذلك في مسائل يغلب عليها الطابع الديني والفقهي، بقصد تقريبها من الفهم لبعض الجماعات البربرية، حرصاً على إكمال إسلامهم، وتخليصه من بعض الشوائب. ولم تشذّ المنطقة عن هذا، إلاّ في العهد الاستعماري حيث اتّجهت النيّة ـ كما هو معروف ـ إلى القضاء على العربية. ومن الوسائل المتوخّاة لهذا الغرض محاولة جعل البربرية بديلاً عن العربية، فكتبت بحروف لاتينية، وصارت تدرس بصفة رسمية منذ سنة 1913 بمعهد الدراسات الشرقية في باريس. وهذا الحرص الاستعماري المزعوم لا يقصد منه تطوير البربرية وجعلها أداة لغوية ملائمة للعصر، وإنما لاتّخاذها خطوة تكتيكية لعزل العربية ممّا يفسح المجال لإحلال الفرنسية محل الاثنتين. (5)
                  وتبنّى أصحاب النزعة البربرية من القبائل على وجه الخصوص هذا المنزع الذي استحكم فيهم وحوّلهم إلى طائفيين وجهويين داخل المجتمع الجزائري والمغربي بصفة عامّة.
                  نماذج مختارة
                  فيما يلي أربعة نماذج مختارة. أقدّمها للقارئ على سبيل الاطّلاع, لأخذ فكرة مباشرة ـ ولو محدودة ـ عن النقائش اللّوبية. كما تمّ تحويل الحروف اللّوبية, في هذه النماذج إلى ما يقابلها في العربية.
                  النموذج الأول "أ": لنقيشة مزدوجة الكتابة "بونية ـ لوبية" عرفت باسم "حجر مسنسن" عثر عليها بمنطقة "دقّة" الواقعة في الشمال التونسي بولاية([4]) الكاف. ونصّها من أكبر النصوص في النقائش المعثور عليها, يتحدّث بصفة عامّة عن تشييد سكان "دقّة" معبداً للملك "مسنسن" في السنة العاشرة من حكم ابنه الملك "مكوسن".
                  وبما أن الملك "مسنسن" توفّي سنة 148 ق.م أي قبل سقوط قرطاج على يد الرومان بعامين, فإنّ تاريخ إعداد هذه النقيشة يكون في سنة 139 ق.م وحجرها عرضه: 68 سم. وارتفاعه 33 سم وسمكه 25 سم.
                  شرح نصّ هذه النقيشة كلّ من "شَبُو" و"مرسي". وشرحه كذلك الدكتور علي فهمي خشيّم بهدف تأصيل النّص وإثبات هويّته العربية(6).
                  النموذج الثاني "ب": لنصوص قصيرة مزدوجة الكتابة "بونية ـ لوبية" أو "لوبية ـ بونية". والنصوص اللوبية الثلاثية كتبت من الأسفل إلى الأعلى والسطر الأول فيها يبدأ من اليسار.
                  النموذج الثالث "ت": لنصوص قصيرة أيضاً مزوجة الكتابة "لاتينية ـ لوبية". والنصوص اللوبية الثلاثة كتبت من الأسفل إلى الأعلى, إلاّ أنّ النّصّين الأول والثاني يبدأان من اليسار. أمّا النّصّ الثالث فيبدأ من اليمين.
                  النموذج الرابع "ث": لأنصاب ضريحية مرتبطة ببعض المعتقدات, كما تشير إلى ذلك الرسوم الموجودة عليها. ونصوص النقائش الخمسة الأولى كتبت كلّها من الأسفل إلى الأعلى, وهو الأسلوب الغالب على النقوش الضريحية.
                  أمّا النقيشة السادسة فنصّها من نصوص الأنصاب الضريحية النادرة المكتوبة أفقياً. والتي تبدأ من اليسار إلى اليمين. ولذا تختلف فيها وضعية الحروف عن نظيراتها في الكتابات العمودية.

                  أبتثخطّ التّيفيناغ
                  وهو الخّط الذي كتب به "الطوارق" بربر الصحراء المنتشرون فيما بين موريتانيا والجزائر وليبيا والتشاد والنيجر ومالي. ويقال لهم أيضاً "التوارق" بالتاء بدل الطاء مع نطق القاف بالصورة التي ينطق بها في الأرياف والبوادي المشابه لنطق الجيم المصرية.
                  والتسمية بالطوارق أو التوارق هي تسمية خارجة لا يطلقها بربر الصحراء على أنفسهم, فهم يتسمّون بأسماء القبائل والعشائر التي ينتمون إليها. والخطّ الذي كتبوا به منذ العهود القديمة يسمّونه "تيفيناغ" وسيأتي تحليل هذه الكلمة عند البحث في أصل هذا الخطّ.
                  وإذا كان الخطّ اللوبي قد توقّف عن الاستعمال في وقت مبكر, فإنّ خطّ "التيفيناغ" لم يكن كذلك, فقد احتفظ به إلى عصرنا في ظلّ التبنّي الكامل للعربية. وهذا الاحتفاظ, بالطبع لم يكن بذي بال, إذ ليس للطوارق تراث ثقافيّ بهذا الخطّ, فأدبهم من شعر وحكايات وأساطير وأمثال وغير ذلك, كله شفويّ "ينتقل من جيل إلى جيل بالمشافهة"(7).
                  والمعروف في زماننا أن نساء الطوارق هنّ مَن يحسنّ الكتابة بخطّ "التيفيناغ", وهنّ مَن يعلّمنَ حروفه. ويقول القشاط في هذا الصدد: "وحروف التوارق, لا يتقنها كل التوارق بل تتقنها النساء والخدم وبعض الذين تعلموها من النساء"(8).
                  وانفراد المرأة الطارقية بهذا النوع من المعرفة, قد يكون راجعاً إلى مكانتها الاجتماعية. فهي, من دون سائر نساء المجموعات البربرية الأخرى, تحظى باحترام فائق في المجتمع الطارقي, تعيش سافرة الوجه, وتتسوّق, وتبيع, وتشتري, وترعى الماشية وغير ذلك من الأعمال. والمعلومات المتوفّرة, تشير إلى أن الطوارق قد يكونون منحدرين مما كان يسمّى "بنظام الأمومة", فهم ما يزالون إلى اليوم ينتسبون إلى قبائل أمهاتهم, والولد عنهم أكثر اندماجاً مع أهل أمّه. والخال صاحب الخطوة الأساسية بينهم. قد تكون هذه المنزلة الاجتماعية الرفيعة التي تحظى بها المرأة الطارقية, هي التي جعلتها تختصّ بمعرفة خطّ "التيفيناغ" أكثر من الرجل وتواصل المحافظة عليه.
                  أبجدية التيفيناغ:
                  من الواضح أن استعمال هذا الخط كان محدوداً منذ البداية, وهذا راجع إلى ظروف مجتمعات الصحراء من حيث جمود الحياة فيها, والعزلة عن العالم الخارجي, والحاجيات المحدودة. ومثل هذه الظروف, لا تسمح عادة باستعمال الكتابة على نطاق واسع.
                  وهذا ما نستخلصه من عدد الحرف التي وقع التعامل بها في أول الأمر. فبعض الدارسين(9) يذكر أن خطّ "التيفيناغ" كان يتكون من عشرة أحرف هي:

                  وجميع هذه الحروف (14 حرفاً) صامتة, أضيفت إليها أشكال أخرى على هيئة نقاط, لها وظيفة الحركات, والضوابط, صارت فيما بعد حروفاً هجائية يسميّها أصحابها "تِيْدبَاكِين" معناها "الدليل على العمل والتوسع"(11).
                  وأصبحت أبجدية هذا الخط المشاعة بين "الطوارق" تبلغ 22 حرفاً, مع الملاحظة أن هناك اختلافاً بين قبائل الطوارق في نطق بعض الأصوات ـ فقد يكون الصوت لدى فريق أقرب إلى السين, وقد يكون لدى فريق آخر أقرب إلى الشين أو الزاي, وقد يكون مفخّماً لدى هذا وغير مفخّم لدى ذلك, شأنهم في هذا شأن الجماعات العربية قديماً وحديثاً.
                  واللهجة الطارقية لا يوجد فيها حرفا الحاء والعين (ح. ع) وكذلك حروف ث, ذ, ظ, التي لا توجد في سائر اللهجات البربرية. وإذا ما وجدت في بعض المناطق, فهي من قبيل النطق المحلي, بدليل أنها تنطق في مناطق أخرى ت, د. ض.
                  فالنعجة مثلاً يقال في الأطلس وفي الريف المغربي "ثخسي" بالتاء, ويقال لها في القبائل "تسا", وفي الشاوية "هيخسي".
                  ويقال للركبة "أفوذ", وأصلها بالدال "أفود", بدليل وجودها في صيغ أخرى من الجذر نفسه (أ, د, ل), ففي جمع هذا المفرد يقال: "إفادّن" بالدال.
                  أمّا الظاء فلا وجود له. وإذا ما افترضنا أنه نطق به في كلمة من الكلمات, فأصله بكل تأكيد ضاد, كما هو في سائر النطق بهذه الكلمة لدى الجمهور العامّ, كما أنه عند التضعيف ينطق بهذا الظاء طاء. وهذا من خاصيّات الضاد. فـ"يوضن" بمعنى "مرض" بالضاد, عند التضعيف تتحول إلى طاء فيقال: "أطّان" (المرض).
                  ويذكر محمد شفيق أن هذه الكلمة قد ينطق بها "يوضن"(12) بالظاء إلا أنه عند التضعيف تتحول إلى طاء فيقال "أطّان" وهذا دليل على أنها في الأصل ضاد.
                  وعدم وجود الحاء والعين في اللهجة الطارقية, وكذلك عدم وجود الثاء والذال والظاء في سائر اللهجات البربرية, يدلّ بكل تأكيد على الانتماء الشرقي لهذه اللهجات. فهذه الحروف (ث, د. ظاء) لا توجد أيضاً لدى بعض الجماعات العربية القديمة كالفينيقيين والآراميين والنبطيين وغيرها.
                  وخطّ "التيفيناغ" مثل الخطّ "اللوبي" كتب هو الآخر من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين ومن الأعلى إلى تحت ومن تحت إلى الأعلى ثمّ غلبت عليه الكتابة من اليمين إلى اليسار اقتداء بالعربية, إلاّ في الحالات النادرة عندما يتوقّع الطارقي أن رسالته ستقع "في يد الأعداء, فإنه يضطر إلى الكتابة في كل الاتّجاهات... وهنا يستغرق فكّ رموز الرسالة الواحدة عدة أيام"(13).
                  وتصرّف الطوارق في بعض حروف "التيفيناغ", فكتبوا الحرف الواحد بعدة أشكال, كالباء والجيم وغير ذلك.
                  والأبجدية التالية وقع ضبطها, بالاعتماد على مصادر عديدة, خاصّة المصادر التي عاش أصحابها بين قبائل الطوارق واستمدّوا معلوماتهم من أصحابها مباشرة. أخصّ بالذكر منها المصدرين التاليين:
                  ـ القاموس الوجيز: طارقي ـ فرنسي, للسيد شارل فكولد([5]).
                  ـ التوارق عرب الصحراء الكبرى, للدكتور محمد سعيد القشاط. وفي ما يلي أبجدية "التيفيناغ":
                  أبجدية التيفيناغ موضّحة بالحروف العربية

                  متى استعمل هذا الخطّ؟
                  إذا كانت لدينا بعض المعلومات عن الفترة الأولى التي استعمل فيها "الخطّ اللوبي", فإننا بالنسبة لخطّ التيفيناغ, لا نملك شيئاً واضحاً ومحدّداً حول بداية استعماله. ولكن هذا لا يمنعنا من الاستناد إلى بعض المعطيات المساعدة على ضبط بداية عامّة لظهوره. فكلمة "تيفيناغ" التي هي بمعنى "فينيقي"تؤكّد عراقة هذا الخطّ, وتربطه بالدور الفينيقي, وتأثيراته في المنطقة الغربية لحوض البحر الأبيض المتوسط. هذا الدور كان قريباً من عمق الصحراء, لوجوده في الساحل الليبي, وللأعمال التجارية لقرطاج تجاه الداخل الإفريقي. والصحراء كما هو معروف كانت مصدراً مهمّا لثروة قرطاج. فمن الطبيعي والحالة هذه, أن ينتشر مع هذا المدّ الحضاري الواسع النطاق الخطّ الفينيقي, وأن يبلغ الصحراء, خاصّة في النصف الثاني من الألف الأولى قبل الميلاد, عندما انهزم جيش قرطاج في معركة "هيميرا" سنة 480 ق.م. ممّا جعلها تهتمّ بالعمل الفلاحيّ وتتجّه بشكل أقوى إلى التجارة عبر البراري.
                  هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى, فإنّ أشكال حروف "خطّ التيفيناغ" من حيث طابعها الهندسي العامّ, ومن خلال مقارنتها بالخطوط القديمة المشابهة لها, يمكن أن نعود بها إلى ما بعد الميلاد أو قبله بقليل, حيث ظهرت في هذه الفترة عدّة خطوط, من الجائز أنّ بعضها تجاوز منطقته عن طريق الهجرة أو غيرها. وهذا الكلام ليس من قبيل التخمين, فهناك ما يرجّحه ويدعمه بالاعتماد على ما تقولـه قبائل الطوارق عن نفسها, من كونها قبائل مهاجرة ذات أصول شرقية(14), إذ هي فروع, منحدرة ـ بالأساس ـ من "صنهاجة" و"لمطة" و"هوارة". وهذه القبائل كانت موجودة ـ كما يذكر ابن خلدون([6]) ـ منذ ما قبل الفتح بزمن طويل, وانتقلت داخل الصحراء على مراحل. والراجح أن "صنهاجة" و"لمطة" قدمتا من الجنوب عبر تشاد, بدليل وجود كثير من الأسماء والكلمات ذات الأصل الحميري على خط السير هذا. كما تحدث الدكتور عبد الغني سعود عن انتشار عدّة ممالك "حول بحيرة تشاد إلى الغرب من السودان, ينسب رجالها إلى سيف بن ذي يزن"(15) وقد أكّد على هذا في قوله: "ومن الصعب أن نجد سيفاً يدعو إلى الحكم ببطلان هذا الزعم, أو أن هجرة يمينه لم تؤثّر على الأقلّ في الطبقات الحاكمة في تلك الأقطار قبل الإسلام بقرون"(16).
                  أمّا هوارة فالواضح في شأنها, أنها قدمت من الشرق عبر مصر, بدليل أنها كانت نازلة بها من غرب الإسكندرية حتّى برقة([7]), ثمّ توغّلت غرباً, واتّجه فريق منها صوب الصحراء بجنوب الجزائر بمنطقة الهقار المسمّاة باسمها, مع حصول تغيير في نطق الواو الذي صار يشبه الجيم المصرية(17).
                  وهجرة هذه القبائل الثلاث يمكن أن نربطها بالتحرّك البشري الذي حدث في الجزيرة العربية, ودفع ببعض الجماعات فيها إلى الهجرة. وحسب بعض الدراسات(18) فإن هذه الهجرة كانت فيما بين القرن الثاني قبل الميلاد وبعد الميلاد بعدة قرون.
                  وقدوم هذه القبائل من الجنوب ومن الشرق, يمكن أن يكون مصحوباً ببعض الخطوط, كالمسند والصفوي والثمودي واللحياني التي يعود تاريخها إلى ما قبل الميلاد وإلى ما بعده. وبالطبع فإن المقارنة بين هذه الخطوط وبين خط التيفيناغ ستؤكّد هذا أو تنفيه.
                  وخلاصة كل ما تقدّم أنّ أقدم فترة ترجّح لاستعمال خطّ التيفيناغ, تعود إلى ما قبل الميلاد بقليل. ومن الصعب أن نوغل به إلى الوراء وإلى ما هو أبعد من هذا التاريخ, تمشيا مع المعطيات المذكورة. أمّا ما يقوله المتمزّغون من أن خطّ التيفيناغ يعود إلى 3000 سنة أو ما قبلها, فهو من قبيل الهوس الذي لا يعبأ به.
                  تسلّط النزعة البربريّة على "خطّ التيفيناغ".
                  إنّ سعي المتمزّغين الدائم, في كل أنشطتهم السياسية والثقافية والإعلامية إلى فصل البربر عن العرب, واعتبارهما من جنسين مختلفين لا يمتّان إلى بعضهما بأيّ صلة, دفع بهم إلى التسلّط على كلمة "تيفيناغ" وكذلك كلمة "أمازيغ" جاعلين منهما ـ في هوس منقطع النظير ـ مظهرين لهويّة مزعومة, هي الهويّة البربرية أو الأمازيغية (الشعار الجديد) معارضين بها في عداء صريح الهويّة العربية للمنطقة.
                  والنزعة البربرية, من عهد فرنسا, هي نزعة موجّهة أساساً ضدّ الانتماء العربي. ولذا لم تسلم الكلمتان من التفسيرات المكذوبة والتلبيسات المغرضة. وسبق لي أن تناولت كلمة "أمازيغ" بالدراسة, وأثبت أنها عربية من كل الوجوه([8]). أمّا كلمة "تيفيناغ" فقد صنع حولها المتمزّغون ضجّة غير معتادة, ولاكوها في كل اتّجاه, وأسالوا, في شأنها, حبراً غزيراً. ونشط ذوو المعرفة اللسانية منهم لتقديم ما عنّ لهم من الأطروحات والنظرات, نورد بعضها فيما يلي:
                  1 . تفسير كلمة "تيفيناغ" بأنها تعني "الخطّ والعلامة أي الأبجدية"(19), بدون أن يقدّموا ما يبرّر هذا التفسير بأيّ وجه من الوجوه مؤسّسين عليه ادّعاءهم بأن البربر توصّلوا في غابر العهود إلى ابتكار الكتابة "في وقت لم تكن الكتابة فيه قائمة"(20). وتحدّثت الأكاديمية البربرية بباريس في إحدى وثائقها عن هذا الموضوع في شيء من النخوة والاعتزاز, قائلة: "وإذا كان العرب يدينون بالفضل للآراميين, والأوروبيون يدينون للفينيقيين.. فإن البربر لا يدينون لأحد في وضع الحروف الهجائية للغتهم.. أي أنهم قد اخترعوا ـ إذن ـ هذه الحروف التي ترجع إلى عهد ضارب في القدم (3000 سنة), والتي حافظ لنا عليها اخوتنا في التوارق في الصحراء"(21). ومن الواضح أن هذا لا أساس لـه من الصحّة, إذ هو افتراء محض على التاريخ, هدفه بلبلة الفكر وخلق أديولوجيا مفتعلة لدعم هويّة مفتعلة.
                  وهناك تفسيرات أخرى, أعطيت أيضاً لهذه الكلمة, منها أنها تعني: الكتابة(22) ومنها أنها مركّبة من كلمتين هنا: تيفين, بمعنى اكتشاف. وأناغ بمعنى: ملكنا(23), أي أن أبجدية التيفيناغ من اكتشافنا وإبداعنا وملكيتنا. وهذا التحليل اللفظي التعسّفي الخاطئ من ابتكار الفكر الطائفي لمتمزّغي القبائل. فكلمة "تيفيناغ" هي كلمة "فينيقي" مبربرة ولا شيء غير ذلك. وهو ما سنراه في تحليلنا لها في الفقرة القادمة (ما هو أصل الكتابة البربرية؟).
                  2. الادّعاء بأن لخطّ التيفيناغ من العمر ما يزيد عن خمسة آلاف سنة, وزعموا "أن أقدم نقش وصل إلينا يعود تاريخه إلى أكثر من 3000 سنة ق.م كتب بالتيفيناغ"(24). ومثل هذا الكلام الملقى على عواهنه, ليس بالغريب عن منظّري النزعة البربرية الذين عوّدونا على التهويش والاستهانة بالحقائق العلمية. فالصحراء في هذا التاريخ (3000 سنة ق.م) ما تزال في مرحلة ما قبل التاريخ, في فترة العصر الحجري الحديث, وهو عصر فقير جدّاً, امتدّ إلى الألف الثانية قبل الميلاد, غير مؤهّل تماماً لأن تظهر فيه الكتابة التي هي ثمرة لتطوّر واسع, ولنشوء حاجيات جديدة تفضي على المستوى الثقافي والمعرفي عموماً إلى ابتكار ما يناسب تلك الحاجيات. وهو أمر لم تتوفّر عليه منطقتنا لضعف في تحوّلاتها العامّة, وتطوّراتها الداخلية.
                  3. هناك وجهة نظر أخرى, في المساق نفسه, تزعم "أن الأمازيغية المندثرة كانت تكتب بالهيروغليفية, ثمّ كتبت بها المصرية, وهي من جنس الكتابة الأبجدية قبل أن تكتب بالتيفيناغ الأصلية"(25). والجديد في هذه الوجهة أن "الهيروغليفية" من ابتكار الأمازيغيين القدماء, وعنهم أخذها المصريون. وهذا يعني أن الصحراء عرفت الكتابة قبل مصر. ونظرا لتهافت هذه الفكرة المتهوّرة. فقد وقع تعديلها وتحويرها بهذه الصيغة "إنّ أول أبجدية في التاريخ عرفتها الكتابة, هي الكتابة "الهيروغليفية". وقد تكون الأمازيغية قد استخدمت هذه الحروف, ثمّ طورتها" (26), والأمر لا يقف عند هذا الحدّ, بل يذهب أصحاب هذه الوجهة في شطحاتهم الفكرية إلى حدّ ضمّ مصر, وجعلها ضمن أرض "تامازغا" (الأمازيغية).
                  4. محاولة إحياء "خطّ التيفيناغ", وبعثه للوجود من جديد, سعياً لتأصيل الهويّة البربريّة (الأمازيغية), فطرحت آراء كثيرة في هذا الشان, وانعقدت من أجل ذلك الملتقيات الثقافية واللغوية, لدراسة هذا الموضوع, ووضع الخطط العملية لتجسيده على صعيد الواقع.
                  وبما أن أبجدية التيفيناغ قديمة, ومتخلّفة, وغير مستوعبة لأصوات كثيرة. فبذلت الجهود لتكييفها والزيادة في عدد حروفها. فقد أوصلها Blanguerno إلى 26 صوتاً(27) وأوصلها سالم شاكر إلى 29 صوتا مع ثلاثة مصوّتات(28), وأوصلتها الأكاديمية البربرية بباريس إلى 37 صوتاً ثمّ إلى 44 صوتاً(29). وما تزال عملية الاختراع متواصلة لم يوضع لها حدّ بعد.
                  ويبدو أن البعض سئم من هذا الاختراع المتواصل, والتعديل التعسّفي الذي لا نهاية له. وخشي أن الأمر إذا زاد عن حدّه انقلب إلى ضدّه, وأن الأمازيغية, ستتحوّل من جراء ذلك إلى لغة مخبرية مصطنعة.
                  فخط التيفيناغ خط قديم, شأنه شأن الخطوط العربية القديمة, حروفه منفصلة عن بعضها, لا تواصل بينها, والكتابة بها بطيئة, وتكتب في كل الاتجاهات. وبيّنت إحدى الدراسات القائمة على المقارنة في كتابة نص بخطوط ثلاثة "أن المكتوب بالخط العربي أقلّ كلفة في الجهد, وأكثر اقتصاداً في الورق من المكتوب بالتيفيناغ واللاتينية"(30).
                  وكل هذا يشير إلى أن مشروع إحياء "خطّ التيفيناغ" محكوم عليه بالفشل, وأنّ عملية إنعاشه في مخابر الأكاديمية البربرية بباريس لا جدوى منها. وقد رأى البعض في هذه العملية المصطنعة مجرد تغطية لأغراض مبيّتة بدليل وجود توجّه يدعو صراحة إلى تبنّي الخط اللاتيني على غرار تركيا, لكونه أكثر ملاءمة لروح العصر. والمعروف أن غلاة المتمزّغين يتعاملون بالفرنسية لا بالأمازيغية, يكتبون بها مختلف أبحاثهم وأعمالهم الثقافية. وهذا يعني كما قال أحدهم: "أن اللغة الأمازيغية تكون عطاء لا غير, في انتظار إثبات عجزها, وعند ذلك يلتجأ إلى الفرنسية, على اعتبار أن مشاكلها المادية محلولة, وخطها جيّد ومنمّط, وأن لها باعاً كبيراً في الوسط الجزائري, فإذن لا بدليل عنها"(31), بل إن الكثيرين من المهتمّين بالأمازيغية يرون أن كتابة الأمازيغية بالحروف اللاتيتية لا يراد منه خدمة "الأمازيغية", بل من ورائها أهداف استعمارية أخرى, وهي بقاء الحرف اللاتيني الذي تمثّله اللغة الفرنسية في الجزائر. ومن ذلك فنكون قد ساهمنا بهذا الحرف في خدمة اللغة الفرنسية"(32).
                  وأصحاب هذا التوجّه, مهما اختلفت مشاربهم, وتلوّنت مواقفهم, معروفون بعدائهم الشديد للعربية والإسلام. ومنذ أن استحكمت سياسة التطبيع في المنطقة, صاروا يردّدون جهرة(33):
                  ـ اللغة العربية لغة القرآن, لغة فرضت علينا, وليست لغتنا, والإسلام دين غريب عنّا.
                  ـ اللغة الفرنسية والفرنسيون أقرب إلينا من اللغة العربية والعرب.
                  هذه هي حقيقة المتمزّغين ومنظّري النزعة البربرية, فهم في الأعماق لا يؤمنون بأن هناك هويّة أمازيغية أو بربرية حقيقية. بدليل ما قاله أحد أقطاب التمزّغ "معطوب الوناس" في أحد تصريحاته الهوجاء "لو عُمّمت اللغة الفرنسية منذ سنة 1962 في الجزائر لما كانت اليوم قضية اسمها (تمازيغت)". فأين الإيمان بالهويّة الأمازيغية, وأين الانتماء إليها والتعلّق بها, أليست مجرّد شعار ملّفق ومفتعل لخدمة فرنسا وثقافتها وأهدافها الخبيثة في المنطقة.
                  ما هو أصل الكتابة البربريّة؟
                  كان اكتشاف الكتابة البربرية حدثاً مهمّاً في حدّ ذاته. استغلّته المدرسة التاريخية الاستعمارية, وسعت منذ البداية إلى ربط هذه الكتابة بما عرف من كتابات أروبية قديمة, فأجرت مقارنات مع كتابات إسبانية وأتروسكية (بإيطاليا) ويونانية وإيجيه (أهل بحر إيجه), وكانت النتائج مخيّبة للآمال, فلم يكن للكتابة البربرية أي شبه مع واحدة من تلك الكتابات العديدة, وتوقّفت المقارنة عند هذا الحدّ, فلم تخرج كما هو حال الكثير من قضايا شمال إفريقيا عن إطار العلاقة مع أروبا. وأثّر هذا على مجرى البحث طيلة العقود الماضية, وذلك بسبب تلك القناعات التي خلقتها المدرسة التاريخية الاستعمارية النافية بشكل مسبق لأيّ إمكانية أخرى للبحث والمقارنة خارج ذلك الإطار, ولذا أصيب الدارسون من أبناء المنطقة بالعجز عن تقديم الجديد في هذا الموضوع, وفي غيره من الموضوعات المهمّة. فمال بعضهم بحكم التوجّهات الطائفية إلى التهويش, كما هو الحال بالنسبة للزمرة المتفرنسة من القبائل, ومال بعضهم الآخر, تحت وطأة الاستسلام إلى الإرجاء, كما هو الحال في تونس, حيث نجد على سبيل المثال لدى السيد منصور غاقي شعوراً خفياً بالإحباط, من جراء خيبة الأمل في ما آلت إليه نتائج البحث في الكتابة البربرية, ولذا نجده, يقول: "لقد حاول العديد من البحّاث الخوض في هذا الموضوع, غير أن نتائج هذه المحاولات, بقيت إلى يومنا هذا هزيلة".
                  ويردف: "يبقى الملفّ مفتوحاً, ما لم نعثر على نوع آخر من النقائش...(34) وهذا الإرجاء يكشف عن روح الاستسلام, وعلى أن صاحبه ما يزال حبيساً لتلك القناعات المغرضة, وكان عليه وعلى غيره أن يحرّروا أنفسهم من ذلك القمقم, ويوسّعوا من دائرة البحث, وأن يجولوا بأبصارهم في كلّ الاتجاهات لا في جهة واحدة.
                  وكل هذا يدعونا إلى الخوض في موضوع الكتابة البربرية لمعالجته, في إطار جديد من العلاقات والبحث الموضوعي, بعيداً عن ترّهات المدرسة التاريخية الاستعمارية, وقناعاتهم الوهمية والمزيّفية, وبعيداً أيضاً عن حمّى البربرة المتمزّغة, وما تسبّبه من تهويش وتشويه للحقائق.
                  والبداية تكون بطرح سؤال مهمّ في مسار هذا البحث, يتعلّق بالكتابة البربرية نفسها (اللوبية ـ التيفيناغ), هل هي كتابة مستحدثة أم هي كتابة مشتقّة من كتابات أخرى؟ وإذا كانت مشتقّة فما هي هذه الكتابات التي اشتقّت منها؟
                  ما نملكه من معلومات متنوّعة عن المنطقة وتاريخها القديم, وما قمت به من مقارنات واسعة في عالم الأبجديات يجعلني أجزم بأنّ الكتابة البربرية ليست مستحدثة. وأنّ البربر لم يستنبطوها, حتّى أننا نجد لديهم عزوفاً واضحاً عن التعامل بها, وهو عكس ما نعرفه عن بعض الشعوب الأخرى التي استنبطت فعلاً نوعاً من الكتابة, استعملته في التدوين وفي المسائل الرسمية وفي كل ما أنشأته من علم وأدب وفن.
                  ومن المنطقي ألاّ تكون للمنطقة كتابة مستنبطة, إذ هي بحكم ظروفها قبل مجيء الفينقيين غير مهيّأة لظهور الكتابة, فالعصر الحجري الحديث امتدّ فيها حتّى الألف الثانية قبل الميلاد, وثقافته ضعيفة ومحدودة (الحجارة المصقولة, الفخار, زخرفة الأواني...). ولذلك لم تظهر التطوّرات والحاجيات المهيّئة لإبداع الكتابة.
                  وإذا تقرّر أن الكتابة البربرية غير مستحدثة, فمن أيّ كتابة أو كتابات اشتقّت؟ هنا لا بدّ من التفكير في تلك الآراء التي ترجّح النسب الشرقي للكتابة البربرية.
                  فهناك من يرى أنها مأخوذة من الكتابة الفينيقية: مثل جوليان الذي يقول: "كانوا يحذقون كتابة بقي أصلها مجهولاً, وربما كانت فينيقية, احتفظ علم الخطوط بآثارها"(35).
                  ومثل الدكتور رشيد الناضوري الذي يقول: "فقد بدأ البربر بتسجيل لهجاتهم في القرن الثاني قبل الميلاد متأثّرين باللغة البونية الفينيقية الأصل"(36).
                  ومثل جورج غيرستر الذي يقول: "الكتابة الليبية ـ البربرية المشتقّة من الحروف الفينيقية"(37).
                  ومثل هَلفي Halevy: الذي يقول إن حروف الهجاء اللوبية أصلها فينيقي(38).
                  وهناك من يقول إن الكتابة البربرية مشتقّة من إحدى الأبجديات السامية الجنوبية مثل "لِتّمنّ Enno Littmann الذي قارن في دارسة مهمّة قديمة (1904) بين حروف الخطّين: اللوبي والتيفيناغي بحروف الخطّين: الثمودي والصفوي المعروفين بالجزيرة العربية والشام, مؤكّداً على أن "النقوش الليبية وكتابة التيفيناغ تشبهان جيّداً النقوش العربية القديمة أكثر ممّا تشبهان النقوش الفينيقية"(39). وبالرغم من قدم هذه الدراسة المهمّة التي ربطت لأول مرّة ـ على ما يبدو ـ الكتابة البربرية بالكتابات العربية القديمة, فإن الفرنكوفونيين تجاهلوا هذه الدراسة, ولا يمكن أن يكون ذلك إلاّ عن عمد. وهذا واضح من اهتمامهم في مجال المقارنة بالكتابات الأوروبية القديمة دون غيرها من الكتابات الأخرى (الكتابات الشرقية).
                  ومن المنطقي أن يتّجه الباحثون هذا الاتّجاه, لكون الفينيقيين هم أوّل من أشاع الكتابة في المنطقة والعالم الغربي قاطبة, ولوجود روابط متنوّعة بين البربر والمشرق العربي. ولا نجد من يرفضه إلاّ المدرسة الفرنسية التاريخية الاستعمارية, وأصحاب النزعة البربرية, وهو أمر طبيعي منهما لمعاداتها لأيّ صلات شرقية.
                  وإذا نعود إلى هذه الآراء من جديد, فليس لأهمّيتها العلمية فحسب, وإنّما أيضاً لننطلق منها إلى عالم أوسع من الخطوط, وأعني به: عالم الخطوط العربية القديمة, وذلك للنظر في الكتابة البربرية من خلال منظور حضاري واسع, وفي إطار أشمل لهذه الخطوط. وهذا من شأنه, أن يقودنا إلى الظفر ببعض الحقائق المهمّة عن حقيقة هذه الكتابة وأصول نشأتها. وبالاعتماد على هذا المنهج, وما يوفّره من المقارنة الشاملة أسوق الملاحظات التالية:
                  1. هناك ما يمكن تسميته بالطابع العامّ الموحّد بين مجموعة من الخطوط. وأعني به ذلك التشابه الذي نجده عادة بين عدة كتابات في منحى خطوطها ورسومها وأشكالها الهندسية, كما هو الحال بالنسبة لعموم الخطوط التي ظهرت بمنطقة المشرق العربي المتميّزة بطابع عامّ, في منحاها وشتّى أشكالها. وعندما نضع في إطارها الخطّ اللوبي وخطّ التيفيناغ, نجد أن هذين الخطين ليسا بالغريبين عن تلك الخطوط, بل هما متوحّدان معها في السمات وفي ذلك الطابع العامّ. وهذا يدل على أنّهما وتلك الخطوط من أرومة حضارية واحدة. أنظر الجدول التالي. وهو يضمّ نماذج معيّنة من حروف الخطوط المذكورة إذ لكل حرف أشكال عديدة, تعذّر في هذا المقام ذكرها جميعاً.

                  2. الكتابة البربرية كتابة صامتة (Consonantique)، لا حركات لها، ولا حروف إشباع (الألف والواو والياء)، وهي في هذا تشبه الكتابات العربية القديمة (المسمّاة بالسامية) فالخط الفينيقي والآرامي والعبري والمسند واللحياني والثمودي والصفوي وغير ذلك كلّها خطوط متكوّنة من حروف صامتة، لا تعرف الحركات، ولا حروف الإشباع. وهذه الخاصيّة الحضارية تجعل الخط اللوبي وخط التيفيناغ وهذه الخطوط كلها في دائرة واحدة، ومجال حضاري واحد.
                  3. الخط اللوبي وخط التيفيناغ كتبا في اتّجاهات مختلفة من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين من أعلى إلى تحت ومن تحت إلى أعلى. وهما في هذا يشبهان أيضاً الخطوط العربية القديمة، كالمسند واللحياني والثمودي والصفوي التي كتبت هي الأخرى بهذه الطريقة، بل وبطريقة حلزونية وبصورة الهلال وغيره ذلك.
                  وعدم الانتظام في اتّجاه معيّن هو خاصيّة عربية قديمة، تجعل أيضاً الخط اللوبي وخط التيفيناغ في دائرة واحدة مع تلك الخطوط وفي مجال ثقافي واحد.
                  4. المعروف أن الكتابة العربية القديمة استعملت التنقيط وإنْ بشكل مختلف، فالعربية الفصحى استعملته فقط للتفريق بين الحروف ولذا جاءت الباء مختلفة عن التاء. والثاء مختلفة عنهما معاً، وكذلك الأمر في الحروف المنقوطة الأخرى. أما في الكتابات العربية الأخرى ذات الحروف الصامتة فالتنقيط فيها كان بمنزلة الحركات يقوم بدورها. يقول جواد علي في هذا الصدد: "فالحركات في بعض اللغات السامية يعبر عنها بنقاط توضع فوق الحرف أو تحته (40) واستعملت الكتابة الحبشية المستمدّة من المسند التنقيط، ودمجته مع الحروف الصامتة"، فظهرت بذلك أقلام شعبية تنقط وتشكل استعملها السواد" (41)، واستعمل العبرانيون التنقيط في بعض الحالات "فكانوا ينقطون بعض حروف الكلمات لتنبيه القارئ إلى أهميّة الكلمة ولمكانتها المقدّسة" (42). فقد نقطوا على سبيل المثال لفظة (عانقه) من الآية الرابعة من الإصحاح 33 (سفر التكوين).
                  خاصية التنقيط هذه مهما اختلفت أغراضها، من كتابة إلى أخرى، نجدها شيئاً أساسياً في خط التيفيناغ فقد كانت لها في الأول وظيفة الحركات والضوابط ثم صارت فيما بعد حروفاً هجائية مثل:

                  وفيما يلي كلمات بخط التيفيناغ بها خاصية التنقيط:

                  كما يستخدم التنقيط لتمييز حرف عن آخر، مثل تمييز السين عن الراء في خط التيفيناغ:
                  فالسين تكتب هكذا: §
                  والراء تكتب هكذا: £
                  كما أن الكتابة اللوبية استعملت للتفريق بين حرفي الضاد والقاف:
                  ــ = ض ÷= ق
                  وبين حرفي الباء والراء:
                  = ب = ر
                  والمهمّ هنا، هو أن التنقيط سمة من سمات الحضارة العربية، نجدها ماثلة في الكتابة البربريّة، مما يؤكّد عمق الرابطة الثقافية بين هذه الكتابة والكتابات العربية القديمة.
                  5. يذكر عثمان سعدي أن الأستاذ "بات Bates" (43) الباحث اللغوي الإنكليزي، أجرى مقارنة بين حروف خط "التيفيناغ" وحروف الخط الفينيقي، وتوصّل إلى أنّ الثانية هي الأصل الذي أخذت منه الأولى، رابطا الخطين معا بإطار (الخط المسماري). وما يهمنا من عمل (بات) إدراكه بأن الكتابة العربية هي الإطار العامّ الحقيقي الذي يجب أن تنزّل فيه الكتابة البربرية.
                  6. النتيجة التي توصّل إليها "بات" "تدعونا إلى التوقّف عند كلمة (تيفيناغ)، وهي التسمية التي يطلقها الطوارق على أبجديتهم، كما مرّ بنا، ويذكر البعض أنها تعني: (الحروف المنزّلة) أي المنزّلة من عند الإله، لأنهم يعتقدون أنها ليست من صنع البشر... (44).
                  وهذا الاعتقاد الأسطوري ينبئ بالعقلية الخرافية لأصحابه، وبأنهم باتوا ـ كما يبدو ـ يجهلون سبب ظهور هذا الخطّ، وانتشاره بينهم، كما أن القول بأن "التيفيناغ" هي "التيفينار" غير صحيح. ومنشأ هذا الخطأ الكتاب الفرنسيون. فيما أن الغين عندهم أصلها راء. فقد حوّل بعضهم غين "التيفيناغ" إلى راء. وكتبوها هكذا "Tifinar". وعندما نقلت إلى العربية أبقي على الراء. وهذا ما يحفزنا أكثر على التساؤل عن حقيقة هذه التسمية؟ وما هي العلاقة بينها وبين الأبجدية التي تتسمّى بها؟.
                  لمعرفة هذا الموضوع والوقوف على حقيقته، نبدأ بتحليل كلمة "فينيقي" لما في تركيبها، من الناحية اللغوية، من إضافات زائدة عن الأصل، لأنّ ذلك سيساعدنا، على معرفة بنية كلمة "التيفيناغ" وفهم أصلها. وكلمة "فينيقي" مشتملة من الناحية اللغوية على نسبتين الأولى بالياء، وأصل الكلمة "فوني" (Puni)، ولذا يقال: الفونيون، الشعب الفوني، الحضارة الفونية، لكنّ الكتابات الغربية من إغريق ولاتين أشاعت كلمة (Punique) والمقطع (que) للنسبة، وبدل أن تبقى مقالبة لـ "فوني"، فقد وقعت مقابلتها في الكتابات العربية بكلمة "فينيقي"، مبقية على النسبة الغربية المتمثّلة في القاف (que) إلى جانب النسبة العربية، وهي الياء. وتكرّس هذا الاستعمال وصار شائعاً.
                  وإذا عدنا إلى كلمة "تيفيناغ"، نجدها متكوّنة من التاء المعروفة في الكلمات البربرية: تليلان، تطوان، توشين، تفشيش، وهي تاء التأنيث، ومن "فينا"، وهي "فون" السابقة، ومن الغين التي أصلها القاف (تيفيناق)، ولذا فإن "تيفيناغ"، هي في الحقيقة كلمة "فينيقي". والمعروف أن القاف تحولت في كثير من اللهجات البربرية إلى غين، كما في هاتين الكلمتين على سبيل المثال:
                  إغْرَسْ (مزق) ـ إرْوَغْ (يصفرّ)
                  فالغين فيهما أصلها قاف بدليل وجودها قافا.
                  في الأكدية: قَرَاشُ (شقّ، فرّق) ـ ورّاقُ (يصفر، أخضر)
                  وفي العبرية: يراق (بين الصفرة والخضرة).
                  فالتاء والغين في كلمة "تيفيناغ"، هما سمتا تبربرها أي أنها كلمة "فينيقي" مبربرة، وبهذا نعرف أن الطوارق عندما يطلقون على الحروف التي يستعملونها كلمة "تيفيناغ"، هم في الحقيقة يسمّونها باسم من أخذت عنهم هذه الحروف، وهم الفينيقيون دون أن يكونوا حاليّا واعين بذلك، وهذا شأن الكثير من الأشياء الموروثة التي لم تعد معروفة الأصل والنشأة. وهذا ما يسهّل أحياناً نشوء بعض الخرافات، كما هو الحال بالنسبة لكلمة "تيفيناغ". وبهذا تسقط الادّعاءات الباطلة التي نسجها المتمزّغون حول هذه الكلمة وحقيقة انتمائها.
                  7. إذا تجاوزنا فكرة الطابع العامّ، وتوجّهنا إلى مقارنة حروف الكتابة البربرية بحروف الكتابات العربية القديمة. فسنفاجأ بما بين عدد من حروفهما من تشابه قوي، بقطع النظر عن الاتّجاه الذي كتب فيه الحرف، إذ المهمّ هنا هو الشكل الهندسيّ والمنحى العامّ للحرف.

                  جدول مقارنة الحروف اللوبيّة بما يشبهها من الحروف العربيّة القديمةجدول مقارنة حروف التيفيناغ بما بشبهها من الحروف العربيّة القديمة
                  جدول مقارنة حروف التيفيناغ بما يشبهها من الحروف العربيّة القديمة
                  "ب"
                  وهكذا تتجلّى لنا الحقيقة ناصعة، وهي أن الكتابة البربرية ما هي إلاّ نموذج من نماذج الكتابة العربية القديمة، سواء كانت معتمدة في أصولها على الفينيقية والخطوط العربية الأخرى، أو كانت متضمّنة لبعض الحروف التي يمكن أن تكون مستنبطة. فنسقها، وسمات منحى خطوطها، والطابع العامّ، لها عربيّ في العمق ومن كل الوجوه، وليس هذا بالأمر الغريب طالما أن البربر ما هم في الحقيقة إلاّ عرب قدامى (45) توافدوا على المنطقة، على مراحل حملوا معهم تنوّعهم اللغوي وأنماطا شتّى من عاداتهم وثقافتهم الشرقية.
                  وبهذا تسقط تهويمات أصحاب النزعة البربرية الذين أرهقوا أنفسهم بالسفر إلى متاحف روما، وأكلّوا أبصارهم في التحديق إلى حجارة "تاسيلي" و"الهقار" بالجنوب الجزائري، بحثا عما يمكن أن يكون أصلا للخط اللوبي وخط "التيفيناغ"، والحال أنّ الأمر ما كان يتطلّب كل هذا منهم، لو تخلّوا عن فرنكوفونيتهم المتمزّعة، وتفكيرهم الذاتي اللاّعلمي.
                  إنّ ما وقع التوصّل إليه من أنّ الكتابة البربرية هي كتابة عربية قديمة، لن يرضى أبداً المعادين لانتماء المنطقة العربي، وسوف يستشاطون غيظاً لهذا الكلام ومثله، فكل شيء يمكن أن يكون مقبولاً لديهم ما عدا شيئاً واحداً، وهو أن يُرْبَطَ بين العرب والبربر بأيِّ سبيل من السبل، وهذا هو موقف المدرسة التاريخية الاستعمارية التي نجحت في بثّ الكثير من الأفكار المغرضة، وتحويلها إلى قناعات مسلّم بها. حتى أن تاريخ المنطقة، وما يتعلّق بالبربر وبأصولهم لا ينظر إليه إلاّ في إطار العلاقة مع أوروبا، أمّا في إطار العلاقة مع المشرق. فقد كان هناك رفض مسبق لأنْ تبحث تلك المسائل في نطاق هذه العلاقة. وهو رفض ضدّ العلم والنظرة النزيهة والموضوعية للأشياء. فالأمر هنا محكوم في الأساس بالأغراض السياسية، وبالذاتيات المريضة، وما المناداة في هذه الظروف بشعار الأمازيغية، بمضامينه التلفيقية إلاّ ابتكار جديد ينضاف في هذا المساق، إلى ابتكارات المدرسة التاريخية الاستعمارية التي عملت على بثّ الانقسام، وتحطيم وحدة سكان المنطقة.
                  الهوامش
                  (1) نقيشة عدد 1 ص 2 ـ
                  J.B Chabot: Recueil des inscriptions libyques imprimerie nationale Paris 1940
                  (2) كما جاء في "الكتابة في البحر المتوسط" أليف، تونس 1988 ص 35
                  (3) الكتابة في البحر الأبيض المتوسط. دار أليف تونس 1988 ص 34، 35
                  (4) دراسة نقش قرطاجيّ ـ ليبيّ قديم: النقائش والرسوم الصخرية في الوطن العربي ـ المنظّمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. تونس 1997 ص 197.
                  (5) محمد المختار العرباوي: البربر عرب قدامى ـ طبعة ثانية. تونس 2000 ص 11، 12
                  (6) دراسة نقش قرطاجيّ ـ ليبيّ... المصدر المذكور سابقاً ص 194
                  (7) د. محمد سعيد القشاط: التوارق عرب الصحراء الكبرى ـ مركز دراسات وأبحاث شؤون الصحراء، طبعة ثانية. كاليري ـ إيطاليا 1989 ص 125
                  (8) التوارق عرب الصحراء الكبرى... المصدر نفسه ص 34 و99
                  (9) مبارك بن محمد الميلي: تاريخ الجزائر في القديم والحديث. الشركة الوطنية للنشر والتوزيع. تقديم وتصحيح محمد الميلي. الجزائر 1976 ص 120
                  (10) مبارك بن محمد الميلي: تاريخ الجزائر... المصدر نفسه ص 120
                  (11) مبارك بن محمد الميلي: تاريخ الجزائر... المصدر نفسه ص 119
                  (12) المعجم العربي الأمازيغي: أكاديمية المملكة المغربية ـ الرباط 1993 ص 22
                  (13) د. محمد سعيد القشاط: التوارق عرب الصحراء... المصدر المذكور سابقاً ص 34
                  (14) انظر ما أورده، د. محمد سعيد القشاط على سبيل المثال في كتابه: التوارق عرب الصحراء الكبرى ـ السابق الذكر ص 23
                  (15) (16) قضايا إفريقية ـ سلسلة (عالم المعرفة) المجلس الوطني للثقافة والفنون والأدب بالكويت ـ الكويت 1980 ص 70
                  (17) تاريخ ابن خلدون: مج 6 ص 286
                  (18) طه باقر: مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ـ دار الشؤون الثقافية العامة الطبعة الثانية ـ بغداد 1986 ج1 ص 74 ـ د. عبد الغني سعود: قضايا إفريقية... مصدر سبق ذكره ص 66 ـ محمد مبروك: تاريخ العرب عصر ما قبل الإسلام ص 124
                  (19) (20) الأستاذ صالح بلعيد: في المسألة الأمازيغية ـ الجزائر 1999 ص 90
                  (21) د. أحمد بن نعمان: فرنسا والأطروحات البربرية ـ دار الأمة للطباعة والترجمة والنشر والتوزيع ـ طبعة ثانية، الجزائر 1997 ص 216
                  (22) (23) الأستاذ صالح بلعيد: في المسألة الأمازيغية المصدر المذكور سابقاً ص 91
                  (24) المصدر نفسه ص 90
                  (25) المصدر نفسه ص 91، 92
                  (26) المصدر نفسه ص 99
                  (27) المصدر نفسه، انظر ص 105و210 وفي فصل "مشكلة الخط" توجد جداول المحاولات المذكورة.
                  (28) المصدر نفسه ص 107، 210
                  (29) المصدر نفسه ص 210
                  (30) المصدر نفسه ص 158
                  (31) (32) المصدر نفسه ص 136
                  (33) انظر البربر أمازيغ عرب عاربة، لعثمان سعدي ـ دار الملتقى للطباعة والنشر ـ بيروت 1998 ص 218
                  (34) النقائش والكتابات القديمة في الوطن العربي ـ المنظّمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ـ تونس 1988 ص 37
                  (35) تاريخ شمال إفريقيا: تعريب محمد مزالي والبشير بن سلامة ـ الدار التونسية للنشر، النشرة الثالثة تونس 1978 ج1 ص 12
                  (36) المغرب الكبير ـ العصور القديمة. دار النهضة العربية، بيروت 1981 ج1 ص 255
                  (37) نقلا عن د. محمد سعيد القشاط: التوارق عرب الصحراء الكبرى... المصدر المذكور سابقا ص 35
                  (38) J. Halevy: Essai d'epigraphie libyque
                  (39) L'origine de l'alphabet libyen: journal asiatique Dixieme serie Tome IV. Novembre - Decembre 1904 Paris. P. 427
                  (40) المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ـ دار العلم للملايين، الطبعة الثانية بيروت ومكتبة النهضة ببغداد 1978 ج8 ص 189
                  (41) جواد علي: المفصل... المصدر نفسه ص 190
                  (42) جواد علي: المفصل... المصدر نفسه ص 192
                  (43) عروبة الجزائر عبر التاريخ ـ الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر 1982 ص 43
                  (44) مبارك محمد الميلي: تاريخ الجزائر القديم... مصدر سابق ص 119
                  (45) البربر عرب قدامى: عنوان كتاب للمؤلف عالج فيه هذه الأطروحة من وجوه مختلفة. تقدم ذكره.



                  ([1]) في كتاب صغير بعنوان: الأمازيغ والتوجه الطائفي الجديد (تونس 1997) ثم طبعت مع دراسات أخرى في الغرض نفسه بعنوان: في مواجهة النزعة البربرية وأخطارها الإنقسامية (تونس 1998) ثم فصلت من الكتاب وحولت إلى دراسة مستقلة ونشرت بمجلة قسم الدراسات التاريخية ببيت الحكمة ببغداد ـ العدد الثالث والرابع. كانون الأول 1999.

                  ([2]) استعملنا "لوبي" بدل "ليبي" لأنه الاسم الغالب استعماله في القديم فقد ورد في التوراة بصيغة "لوبي" في سفر أخبار الأيام الثاني، الإصحاح 12 الآية 3 والإصحاح 16 الآية 8 وفي سفر دانيال الإصحاح 11 الآية 43. وورد بصيغة "لوبيم" في سفر ناحوم الإصحاح 3 الآية 9. وورد في المراجع الإسلامية بصيغة "لوبية" ـ ابن عبد الحكم في "فتوح إفريقية والأندلس" تحقيق عبد الله أنيس الطباع، بيروت 1964 ص 28 ـ وابن خرداذبة في "السمالك والممالك" ليدن 1889 ص19.

                  ([3]) من المراجع الهامّة في هذا الموضوع:
                  Faidherbe: collection complete inscription numidique 1870
                  MG Marcy: les inscriptions libyques bilingues de lAfrique du Nord imprimerie nationale de Paris -1936

                  ([4]) الولاية في تونس تقابل المحافظة في الشرق.

                  ([5]) عنوانه الأصلي: Charles de Foucauld: Dictionnaire obrege, touarg-Francais.

                  ([6]) يقول ابن خلدون عن فروع من صنهاجة: "هذه الطبقة من صنهاجة هم الملثّمون الموطّنون بالقفر وراء الرمال الصحراوية بالجنوب أبعد في المجالات هنالك منذ دهور قبل الفتح لا يعرف لها أول" تاريخ ابن خلدون مج 6 ص 370, 371 ويقول عن لمطة: "فأكثرهم مجاورون الملثّمين من صنهاجة" المصدر نفسه. ص 420. ولمطة هذه كانت بليبيا ثمّ انتقلت إلى "ناحية قابس وشط الجريد" (تونس). د. عبد القادر طليمات: سكان ليبيا عند اليعقوبي ـ ليبيا في التاريخ 1968 ص 230. أمّا هوارة فيقول ابن خلدون إن مواطنها في "أول الفتح بنواحي طرابلس وما يليها من برقة" ثمّ فارق بعضهم هذا الموطن في اتجاه الصحراء "وجاوزوا لمطة من قبائل الملثمين" المصدر نفسه ص 284, 286, ويذكر القلقشندي أن منازل هوارة كانت "بالديار المصرية وبالبحيرة, من الأسكندرية غرباً إلى العقبة الكبرى من برقة", نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب, القاهرة 1959 ص 441.

                  ([7]) يذكر القلقشندي أن منازل هوارة "بالديار المصرية وبالبحيرة, من الإسكندرية غرباً إلى العقبة الكبرى من برقة" نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ـ القاهرة 1959 ص 441.

                  ([8]) كلمة "أمازيغ" اسم قديم لمجموعة من القبائل يقال لها "بنو مازيغ". وتذكر الروايات المتعلقة بهم أنهم كانوا يقطنون بلاد الشام. والمعروف في تاريخ شمال إفريقيا القديم أن هذا الاسم كان يطلق أيضاً على قبائل عديدة قبيل احتلال الرومان للمنطقة. ولا يمكن أن يفسر هذا التشابه إلا بالهجرة, أي هجرة بني مزيغ من المشرق إلى المغرب, وهذا أمر معقول إذ الهجرة لم تعد محل شك فقد أثبتتها الدراسات المختلفة.


                  لتحميل الصور الموجوده في الموضوع على هذا الرابط
                  Download +(3)...docx تحميل ملفات اوفيس مجانا

                  تعليق


                  • #10
                    الله يعطيك العافيه اخوي ابو فوزي على الموضوع
                    اختيار رائع وموفق
                    موضوع تستحق الشكر عليه
                    لك مني أجمل تحية

                    دمت في حفظ الله


                    تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                    قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                    "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                    وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                    تعليق


                    • #11
                      بارك الله بك اخي الغالي سلمت اياديك ياغالي على عباراتك العطره دمتم بكل ود

                      تعليق

                      يعمل...
                      X