إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الدولة العثمانية مالها وما عليها بحيادية وموضوعية

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #31
    وثيقة للسلطان مراد الثالث حول اليمن‎




    فرمانان يتعلقان بدفع مبلغ 3 يوك اقچه، والذي يُفترض أن يُسحب من “بقايا” ضرائب اليمن. وهذا المبلغ ضروري لسفينة حربية (قديرغه) يحتاج لها الأسطول الامبريالي. الفرمان الأول، المؤرخ في 15 جمادى الأول 28.02/1000، 1592، مُوجه إلى الوزير حسن باشا، مسؤول حرس اليمن (f. 320 a, u.a. 138)، والثاني مؤرخ في 18 جمادى الأول 28.02/1000، 1592، ومُوجه إلى “دفتردار” اليمن.
    ولعدم الوفاء بالمبلغ اللازم، أُرسل “مُبشرين” من السلطات وهما اسكندر، قائد بلوك “بلوكباشي” وحسين، حاجب قاپوجى ، لجمع المبلغ في أسرع وقت ممكن وإرساله إلى العاصمة.


    تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

    قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
    "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
    وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

    تعليق


    • #32
      فرمان للسلطان مراد الثالث (982-1003/1574-1595)‎





      الفرمان الأول، مؤرخ في 20-29 (أواخر) ذي الحجة 991/04-13.01.1584 وموجه إلى عويس، حاكم (بكلربك) إقليم الشام (سوريا)، وهو يتعلق بنظام التمار في العالم العربي. فبحسب أحد الدفاتر التي سلمها ” بكلربك” اليمن، حسن، وقُدِّم إلى السلطان، من الواضح أن حامل بندقية (أو جندي راجل توفنكچى tüfenĸčî) من البُلوك رقم 27، آق علي يشارك تماره مع شخص اسمه ابراهيم. وفي الواقع أن هذا الأخير يستلم 2/3 المبلغ السنوي من عائدات التمار التي تصل إلى 18,000 آقچه [1]
      ____________

      الهوامش:
      1. اقچه = 1/3 من الپاره. 120 اقچه = 1 قروش.


      تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

      قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
      "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
      وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

      تعليق


      • #33
        شفرة واردة من ولاية البصرة إلى الباب العالي



        ذيلاً [للبرقية المرسلة] في 25 كانون الأول 326[1 رومي: 6 محرم 1329هـ/8 يناير 1911م] فإن دبي لا تقع على سواحل حضرموت، بل إنها من الأجزاء المتممة للممالك العثمانية التي تقع في سنجق نجد بقضاء قطر.
        وبموجب مبدأ غرينتش الطولي فإنها تقع تقريباً على خط الطول الشرقي 5ر56، والعرض الشمالي 26 درجة. كما تبين ذلك من التحقيقات الأخيرة. وعلى الرغم من عدم التمكن من صحة تحقق ذلك، إلا أنني أرى توجه قائد الولاية بالسفينة “مرمريس” إلى قضاء قطر للتأكد من صحة ذلك والقيام باتخاذ المعاملة المقتضية في المسألة. وإذن القيام بذلك منوط لنظارتكم الجليلة. والمرجو إشعارنا بما ترونه في هذا الصدد.


        27 كانون الأول 326[1 رومي: 8 محرم 1329هـ/10 يناير 1911م].
        والي البصرة جلال.

        ______________

        الهوامش

        1. هذه الوثيقة محفوظة في الأرشيف العثماني بإستانبول تحت تصنيف

        تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

        قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
        "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
        وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

        تعليق


        • #34
          الوثيقة العثمانية [1] : واردات قطر والإمارات من صيد اللؤلؤ من وكالة قائممقامية قطر




          بناءً على التحقيقات الموثوقة المخمنة التي قمنا بها في موسم الغوص لهذه السنة، ونظراً للجداول الملحقة المقدمة إلى جنابكم بطيه، فإن واردات السفن الموجودة بقضاء قطر كافة من اللؤلؤ، قد بلغت مليونين وخمسمائة وأربعين قيراطاً. وبلغت الرسوم التي حصلها القائممقام الشيخ جاسم آل ثاني سبعة وسبعين ألفاً وأربعمائة وثلاثة قرانًا[2]. وهي الرسوم التي يحصلها الشيخ كل سنة من الغواصين وغيرهم باسم قالطة والرقابية وزكاة الأغنام ورسم الذبحية. وكان هناك رسم للصيد، يؤخذ عن كل قرية من قرى القضاء المذكور التابعة لها وبلدتي الزبارة والعديد. وكان القسم الأعظم من اللؤلؤ يستخرج من بلدة العديد.
          وقد نشب خلاف بين شيخ أبو ظبي زايد والقائممقام جاسم آل ثاني قبل أربعة عشر عاماً. ومنذ ذلك الوقت وإلى يومنا هذا تحصل مناوشات برية وبحرية بين القبائل التابعة لكل طرف، للسيطرة على الطرف الآخر. فـتُرك أمر الاستفادة من صيد اللؤلؤ نتيجة لذلك، لأهالي ساحل عمان والشيخ زايد المذكـور. وبعـد إجـراء التحقيـق تبين أن أهالــي عمـان المذكورة والموقع المعروف بأبو ظبي يمتلكون أكثر من ألفي سفينة. كما اتضح أن أهالي العديد ودلمة وغيرهما من الجزر والمواقع مجهولة الأسماء لا يحصلون على رخصة الصيد ما لم يقوموا بدفع مبلغ أربعين إلى عشرين ريالاً – حسب مراتبهم – للشيخ زايد المذكور. وكما أنه لا يمكن منح الرخصة لكائن من كان ما لم يتم تحصيل المبلغ المذكور، فإنه وقبل نشوب الخلاف المذكور بين الطرفين والذي سبق ذكره، فإن أهالي ساحل عمان وقضاء قطر المذكورة كانوا موحدين بحكم صلة القربى الموجودة فيما بينهم. أما اليوم فلا يستطيعون الخروج على حكم المذكورين. كما أنهم ومن خلال التكاليف الضريبية المفروضة عليهم من شيوخهم، وتسلط العشائر البدوية عليهم، ونظراً لعدم وجود حاكم قوي يضبط الأمر ويكون ظهيراً لهم، فإنهم انقطعوا عن التجارة التي كانت متداولة فيما بينهم من القديم. وبناءً على ذلك فقد خرب أكثر الأماكن التابعة للقضاء المذكور. ولذلك ونظراً لميل التجار الأجانب إلى العمل في تلك المنطقة ومحبتهم لأهاليها، وبناءً على الجو الآمن الذي وفرته حكومة جناب السلطان، فإنه إذا تم تشكيل الحكومة، سواء في بلدتي الزبارة والعديد أو في قطر، ومنحت الضمانات اللازمة للأهالي كافة، فسوف تبقى تجارة اللؤلؤ محصورة في القضاء المذكور، وتزداد بذلك الواردات المعروضة في الجدول السابق وكذلك عدد السكان، أضعافاً مضاعفة. ولا سيما وجود الجو المعتدل والماء العذب وقرب الأهالي من أماكن الغوص ولين جانبهم وحسن التعامل. والأمر إليكم.
          2 ربيع الثاني 309[1هـ/4 نوفمبر 1891م].. 26 تشرين الأول 307[1رومي].
          ______________

          الهوامش :
          1. هذه الوثيقة محفوظة في الأرشيف العثماني بإستانبول حتت تصنيف Y.A.Res. 60/12 وفي هذا التصنيف نفسه وثيقة أخرى – ضمن العديد من الوثائق – وهي ترجمة محضر عربي رفعه ستة وثلاثون تاجراً من الأحساء إلى الصدارة، اشتكوا فيه من أن الأشخاص الذين قاموا بنهب قافلتهم التجارية القادمة من العقير إلى الأحساء، يحتمون بالشيخ زايد.
          2. ) أصل الكلمة يونانية تعني القرن، أي قرن الحيوانات. و24 قيراطاً يساوي مثقالاً واحداً. وخمسة قراريط يساوي جراماً واحداً على وجه التقريب. قاموس حياة ( التركية ) Hayat Turkce Sozluk. Ist.196-. sy. 716

          تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

          قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
          "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
          وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

          تعليق


          • #35
            آثار التغريب السياسي على المجتمع العثماني : التحدي والاستجابة (الجزء الثاني)




            دور النزعات الاستقلالية والتغريبية في إفشال مشاريعنا النهضوية


            معضلة النزعات الاستقلالية عن الكيان الوحدوي الجامع: الاستقلال مقدمة الاحتلال
            كانت فكرة الاستقلال عن الكيان العثماني الجامع هي البوابة التي دخل منها الاحتلال الأجنبي الغربي في أمثلة عديدة، وقبل العصر العثماني بقليل”لم يجد الإسبان من الدويلات المسلمة في شمال أفريقيا مواجهة تذكر لتوسعهم الكاسح…تعاوُن الحكام المسلمين مع الغزاة الإسبان أفقدهم مصداقيتهم لدى العامة”[1]، فلما جاء العثمانيون قضوا على التجزئة والخيانة، ومما له دلالة مهمة أن ذلك تم بمعاونة طليعية من الموريسكيين الأندلسيين في المغرب العربي[2] والذين كانوا يدركون أبعاد معركة المصير ضد الصليبية الإيبيرية، ويلاحظ كثير من مؤرخي حوادث القرن التاسع عشر الأثر السلبي الذي خلفته النزعة الاستقلالية لبعض الولايات العثمانية على مستقبلها الذي أصبح رهينة التسلط والاحتلال الأجنبي، ومن هؤلاء المؤرخين يوجين روجان الذي قال: “كانت دمشق وحلب جزءاً لا يتجزأ من الإمبراطورية العثمانية، في حين أصبحت تونس ومصر دولاً مستقلة تابعة للإمبراطورية العثمانية، وصارت بلاد شمال أفريقيا أكثر عرضة للاحتلال الأوروبي بسبب نفس التطورات التي عززت استقلالها والتي تمثلت في ظهور أسر حاكمة مستقلة ترأست حكومات زادت مساحات استقلالها مع الوقت”[3]، ويقول عن الجزائر: “استغل دايات الجزائر استقلالهم، وبنوا علاقات تجارية وسياسية مع أوروبا بعيداً عن سلطة اسطنبول، لكنهم حين فقدوا ثقل الإمبراطورية العثمانية لم يعد لهم وزن أمام الأوروبيين الذين شاركوهم التجارة، ولذا لم يجد الدايات آذاناً صاغية عندما طالبوا الحكومة الفرنسية مراراً وتكراراً بالوفاء بالالتزامات المترتبة عليها…(و) مرت عقود طويلة دون أن يسدد الفرنسيون ديونهم” مما أدى إلى توتر العلاقات الذي انتهى بالاحتلال الفرنسي[4]، ويقول أيضاً عند الحديث عن محاولة الخديو إسماعيل “تأمين مكان مصر بين الدول المتحضرة” التي ألجأته إلى الاستدانة :”والمفارقة في هذا الموقف هي أن مصر أخذت على عاتقها القيام بمشروعات التنمية من أجل ضمان الاستقلال عن الهيمنة العثمانية والأوروبية، لكن الحكومة المصرية كانت تجعل نفسها أكثر عرضة للانتهاكات الأوروبية لسيادتها مع كل امتياز جديد تمنحه للأجانب”[5]، ويلاحظ كل من المؤرخين شارل عيساوي وروجر أوين أن استقلال مصر عن الدولة العثمانية وعدم تمتعها بثقل العثمانيين الدولي أديا إلى تكالب الدائنين عليها ومن ثم وقوعها في براثن الاحتلال البريطاني بعد إفلاسها سنة 1876 [6]، ثم كان فصلها رسمياً عن التبعية العثمانية هو المقدمة القانونية لإعلان الحماية البريطانية عليها بعد اندلاع الحرب الكبرى (1914)، ومن الطريف أن بريطانيا خلعت الخديو عباس حلمي الثاني المحسوب على العثمانيين لتنصب محله عمه حسين كامل سلطاناً على مصر ليكون محسوباً عليها وأرفع مقاماً من مقام الخديو السابق وليناوئ السلطان العثماني بمقام السلطنة في نفس الوقت[7] ولكن كان منصبه في الحقيقة أقل صلاحيات من منصب الخديو[8] ومجرد ألعوبة في يد الاحتلال لفظها شعب مصر بأكثر من محاولة اغتيال، وقد لاحظنا دائماً أن حكام الاستقلال والتجزئة يبالغون في الألقاب والأبهة من حولهم لتعوض ضعفهم وتبعيتهم ويبالغ الاستعمار في مسايرة تضخيم ذواتهم ليركنوا إليه في حكم امبراطورياتهم المجهرية.


            ويلاحظ المؤرخون أن النفوذ الأجنبي الذي اتخذ صيغة الامتيازات الأجنبية والذي انتهى بالاحتلال الأجنبي في أمثلة عديدة، كان أكثر قوة في البلاد التي انتهجت سياسة “مستقلة” منه في الكيان العثماني الجامع، فقد لاحظ المؤرخ المصري عبد الرحمن الرافعي ذلك عند المقارنة بين “حدود الامتيازات الأجنبية في تركيا” و”اتساع حدود الامتيازات في مصر”،”ولقد كان من أسباب هذا الطغيان مجاملة الخديو إسماعيل لقناصل الدول لكي ينال رضا حكوماتهم ويكسب تأييدهم إياه في خلافه مع تركيا”[9]، وهو ما انتهى بمصر إلى الاحتلال العسكري البريطاني، كما لاحظ لوتسكي أن مراكش التي كانت مستقلة عن الدولة العثمانية شهدت فيها الامتيازات الأجنبية أنظمة لم تعرفها الامتيازات الأجنبية العثمانية، ورغم احتفاظها باستقلالها الشكلي طيلة القرن التاسع عشر فإنها “تحولت في الواقع في غضون القرن ذاته إلى شبه مستعمرة للدول الأوروبية، وأعدت هذه الدول العدة للاستيلاء عليها مستغلة ضعفها وتأخرها”[10].
            كما كان الدفاع عن استقلال تونس عن الدولة العثمانية هو البوابة التي دخل منها الاستعمار الفرنسي كما سيأتي، وكان “تحرير” العراق من العثمانيين هو الاحتلال البريطاني نفسه، ثم توجت الميول الاستقلالية بالثورة العربية الكبرى(1916) والتي كانت البوابة التي خرجت منها الدولة العثمانية من بلادنا العربية لتدخلها دول الاحتلال الأجنبي التي تقاسمت أراضينا في نفس الوقت الذي كانت تعدنا فيه بالحرية والاستقلال، وبهذا احتلت بلادنا في البداية سواء كانت دائنة أو مدينة نتيجة استقلالها عن الكيان الموحد فخالفت بذلك الحكمة القديمة والبسيطة والتي تؤكد أن العصي تأبى إذا اجتمعن تكسراً وإذا تفرقت تكسرت آحاداً، ثم أصبح التحرر من الدولة العثمانية هو نفسه الوقوع في براثن الاحتلال الأجنبي الذي استدعينا جيوشه لتنقذنا فانقضت علينا.

            معضلة المشاريع النهضوية في القرن التاسع عشر هي الدوافع الذاتية

            إن نقطة الضعف الرئيسة في المشاريع النهضوية التي أقامها الولاة العثمانيون في القرن التاسع عشر هي اختلاط الدوافع الذاتية بالعوامل الموضوعية، وقد اشتركت في ذلك مع مجمل الثورات التي قادها الزعماء الطامحون والتي لم يكن يحركها أكثر من هذا الطموح الشخصي[11]، فعندما شرع محمد علي باشا في نهضته، سخّر في البداية قوته لصالح عموم الدولة العثمانية، ولكن مع تزايد انتصاراته وتراكم إنجازاته، بدأت المشاعر الذاتية تطغى على مشروعه وأصبح يرى أنه يستحق مكانة أكبر مما أعطاه السلطان[12]، ولو كانت الساحة العالمية آنذاك خالية من الدول الكبرى المعادية لأمكن له أن يحسم خلافه مع السلطان محمود الثاني بالقوة فتصبح قوته قوة لتجديد شباب الدولة الإسلامية، ولكن حضور القوى العظمى كان يفرض على الطرفين المصري والعثماني شيئاً من الحذر في التعامل لئلا يتلاعب الأوروبيون بهما، فيشجعون محمد علي على العصيان لشق الدولة العثمانية إلى نصفين: عربي وتركي[13] فتستنجد هي بأي طرف خارجي-وهو هنا روسيا ألد الأعداء- لإنقاذها بحكم الغريزة، ولما يتجاوز الوالي الحد المرسوم ويهدد بإعادة القوة الإسلامية ينقلب الجميع ضده ويؤازرون السلطان العثماني عليه لتظل الأطراف الإسلامية جميعها ضعيفة، ثم تقوم بريطانيا التي قادت لعبة تحجيم محمد علي سابقاً بحجة الانتصار للسلطان العثماني، بتشجيع خلفاء محمد علي على الاستقلال عن العثمانيين ثانية بعدما منعت جدهم من ذلك أولاً عندما كان استقلاله مرتبطاً بإنشاء كيان موحد كبير ولكنها شجعت الأحفاد على الاستقلال بكيان صغير، لتنفرد بمصر وتحتلها هذه المرة، وقد سقط الخديو إسماعيل في الفخ وتنازل لأوروبا لتؤيده في خلافه مع السلطنة كما مر، مما جعل المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعي يعجب من هذه النزعة التغريبية عند الخديو لأن “الخطر الذي يتهدد كيان مصر لم يكن آتياُ من تركيا الضعيفة، بل كان مصدره الاستعمار الأوروبي السياسي والمالي، وقد دلت الحوادث على هذه الحقيقة، ولكن نزعة إسماعيل الأوروبية كانت تحجب عنه كثيراً من الحقائق” وهذا ما أدى إلى الاحتلال البريطاني (1882)[14] ، والحديث نفسه ينطبق على داود باشا في العراق الذي سار على خطى محمد علي في نفس الفترة، إذ اختلطت مشاريعه النهضوية بالدوافع الذاتية التي دفعته لتسخير نهضته في سبيل علو شأنه ومكانته ولم يتردد في انتهاز فرصة هزيمة الدولة العثمانية أمام روسيا في حرب 1827-1829 ليعلن الخروج عليها مما أدى لهزيمته وهزيمة مشروعه في النهاية (1831)[15]، وكان العامل الموضوعي الذي دفع السلطنة العثمانية للوقوف ضد داود باشا هو”أن السلطان كان ينظر إلى النفوذ الأجنبي في الدولة العثمانية وفي الولايات التابعة لها والشبه مستقلة منها بنوع خاص على أنه أداة لهدم الدولة وتفككها إلى ولايات مستقلة أو شبه مستقلة يسهل على الدول الاستعمارية ابتلاعها”، ولأن مشروع داود باشا توقف تحقيقه على إنجازات الإنجليز، فقد كان من شأن ذلك أن يصبح العراق مطمعاً للاستعمار البريطاني ولم يكن يمكن لولاية أن تصمد في وجه الإمبراطورية البريطانية “ومن ثم وجب أن تكون العراق تحت عين الباب العالي وفي متناول يده لتدبر الأمور وفق مصالح الدولة العثمانية كلها لا وفق مصالح ولاية بعينها” كما يقول الدكتور عبد العزيز نوار[16]، والخلاصة أن المشاريع التي تستهدف إنهاض الأمة يجب ألا تؤثر العوامل الشخصية فيها على مصالح الأمة عامة، فلو سخّر كل من السلطان العثماني وولاة مصر والعراق وتونس جهودهم للنهوض بالدولة عموما وتهاونوا في المصالح الشخصية لأمكن لبلادنا تحقيق ما هو أفضل مما حدث.



            حجب الحقائق هو دور النزعات التغريبية الذي أدى إلى فشل المشاريع النهضوية

            الحديث عن فشل المشاريع النهضوية وعدم تحققها كما أرادها القائمون عليها بسبب غلبة دوافع الطموح الذاتي عندهم، لا يعني عدم وجود ثغرات أخرى في هذه المشاريع، فالنزعة التغريبية التي اعتنقها ولاة مصر بدءاً من محمد علي باشا جعلتهم يطلبون رضا الغرب[17] عن مشاريعهم ظناً منهم أنه لا يمانع في تطور بلادنا، وكانت هذه النظرة استمراراً لنظرة الزعماء الطامحين من غير أصحاب المشاريع والذين وجد الغرب في طموحاتهم منفذاً للتدخل في شئون المجتمع الإسلامي، وكان هذا بدء الوهن، إذ أن دخول الغربيين في المشاريع النهضوية جعلهم يسيرونها وفقاً لمصالحهم، “فهم يؤيدون المشروع العربي لمحمد علي، فإذا أوشك أن ينجح، وقفوا ضده، مع الإسلام العثماني، ثم هم يناصرون العروبة بالمشرق، ضد إسلام آل عثمان، وفي ذات الوقت يقتسمون الوطن العربي، ويخرجون من الحرب العالمية الأولى بتصفية الخلافة الإسلامية ومشروع الدولة العربية جميعاً، وفي مواجهة الفكر الإسلامي زرعوا العلمانية والتغريب، ولمحاربة المد القومي الناصري سعوا لإقامة الأحلاف تحت أعلام الإسلام” كما يقول الدكتور محمد عمارة[18]، وقد ورث خلفاء محمد علي هذه النزعة التغريبية التي فصلتهم عن الرابطة العثمانية وفتحت أبواب مصر للمغامرين والأفاقين والباحثين عن الثراء من الأوروبيين-وليس العلماء وحدهم كما اقتضت النهضة- والذين قال عنهم المؤرخ هرشلاغ:”في الإسكندرية وحدها كان يوجد أكثر من 70 ألف هيئة تجارية أجنبية في 1837، تمثل مصالح يونانية وفرنسية وبريطانية ونمسوية وإيطالية …إلخ . إن موجات الأجانب التي غمرت مصر أصبحت عديدة، خاصة أثناء الفترات اللاحقة، بين 1857 و 1861، عندما كان يدخل البلاد 30 ألف أجنبي في المتوسط كل سنة”[19]، ثم ورطت هذه المصالح الأجنبية مصر في الديون التي عبرت عن مصالح غربية للإقراض أكثر من مصالح مصرية للإقتراض[20]، وغرق في تلك الديون الخديو إسماعيل الذي أراد -نتيجة لنزعته التغريبية- تحويل مصر إلى قطعة من أوروبا، فكانت خطيئة الاستدانة من الأجانب-أكثر من خطيئة التبديد الداخلي-هي التي قادت إلى الإفلاس فالهيمنة الأجنبية على الوزارة ثم الاحتلال العسكري البريطاني (1882)، وذلك بعدما دفعت النزعة التغريبية الخديو نفسه إلى طلب الاستقلال عن الدولة العثمانية مستنداً إلى الدعم الأوروبي الذي لم يقدم إلا بثمن باهظ من التنازلات التي لم يجد بها الخديو ورئيس وزرائه نوبار باشا أية غضاضة بسبب “نزعتهما الأوروبية” التي حجبت الحقائق عن الخديو كما مر حين صورت له الخطر آتياً من جهة الدولة العثمانية الضعيفة وليس من قبل الاستعمار الغربي، وهي تنازلات جعلت الإصلاح “معكوساً مشوهاً..ومهد لتغلغل النفوذ الأجنبي في سلطة القضاء والتشريع وفي كيان البلاد المالي والاقتصادي”[21] وهو ما جعل مصر وحيدة في مواجهة الغرب الأوروبي الذي انتهز الفرصة وقام بالهجوم الاقتصادي ثم السياسي ثم العسكري.


            وعلى الضفة التونسية فإن الإصلاحات التي قام بها البايات “مهدت الطريق في آخر المطاف إلى الصيارفة الأوروبيين الذين كانوا على أهبة الاستعداد للاستيلاء على تونس واستعبادها”[22]، وقد “تسببت تجربة الإصلاح التي خاضتها تونس وما تبعها من إفلاس في نقل البلاد من الخضوع غير الرسمي للسيطرة الأوروبية إلى الهيمنة الإمبريالية التامة”[23]، وكانت مشاريع داود باشا في العراق معتمدة على جهود بريطانيا الفنية والاقتصادية ومن ضمن ذلك مشروع الملاحة البخارية الذي ربط العراق بمواصلات الإمبراطورية البريطانية وأصبح محط آمال الاستعمار البريطاني ولكنه كان أضعف من أن يقف وحده في وجه السياسة الاستعمارية الأوروبية التي تعنى كلها بمشكلة المواصلات بين الهند وأوروبا[24]، وهذا هو ملخص لأثر النزعة التغريبية التي كانت فرعاً من دوافع الولاة الاستقلالية عن الدولة العثمانية، والمعجبة إلى حد الانبهار بأوروبا، إرضاء لشهوة السلطة والحكم .
            التجزئة مطلب غربي يقوم على حراسة مقدار التغريب المسموح به
            وفي العصر الحديث كانت الدولة الاستعمارية الكبرى التي تنشأ لها مصالح في ولاية عثمانية تقوم بمحاولة سلخها عن الدولة العثمانية بالدفاع عن فكرة استقلالها الأزلي وتتشبث بأدلة واهية كانت هي نفسها في السابق لا تلقي إليها بالاً ولكن عندما تستجد المصلحة تغير الحقائق وتبدل الوقائع وتشجع الولاة من أصحاب النزعات التغريبية كأبناء محمد علي باشا في مصر وبايات تونس على الانسلاخ عن الخلافة وإثبات استقلالهم وتقدم في سبيل ذلك “مبالغ ضخمة” من الأموال للمساعدة على تفكيك الرابطة مع اسطنبول كما فعلت بريطانيا وإيطاليا وفرنسا حينما أقرضت البايات التونسيين لتحقيق هذه الغاية[25]، كما مهدت فرنسا لاستيلائها على تونس بالإعلان أن تونس دولة مستقلة عن تركيا وأنها تنوي الدفاع عن استقلال هذا البلد[26]، وذلك تماماً كما وقفت أوروبا بجانب الخديو إسماعيل لإثبات استقلاله عن اسطنبول فكانت النتيجة هي الوقوع في براثن الاحتلال العسكري الغربي في كل من مصر وتونس، وكذلك دافعت بريطانيا عن استقلال الكويت عن العثمانيين لتحقق المصلحة البريطانية في تعطيل وصول سكة حديد بغداد إلى ساحل الخليج مع وجود مصلحة أكيدة للكويت في هذه السكة إذ كانت ستحولها إلى ميناء عالمي مزدهر ومحطة نهائية لخط طويل يربطها بعواصم أوروبا واسطنبول وبغداد قبل ظهور النفط بعشرات السنين فلا يصبح اقتصادها بعد ذلك مجرد معتمد على تصدير منتج واحد.


            ثم أصبح القضاء على الكيان العثماني الموحد هدفاً متداولاً بين الدول الغربية لاسيما بعد اندلاع الحرب الكبرى الأولى (1914-1918) كما أفصحت عن ذلك رسائل ومذكرات من بلفور ولورنس (كما جاء في الجزء الأول من هذه الدراسة)، وسياسات الحلفاء التي مزقت الدولة العثمانية بعد الحرب بطريقة لم تحدث حتى مع ألمانيا نفسها التي قادت الحرب ضد هؤلاء الحلفاء، هذا بالإضافة إلى إصرار المنتصرين في الحرب على الحصول على تنازل تركي عن الأملاك العثمانية وهو ما حصلوا عليه في معاهدة لوزان (1923) التي أكدت على ما جاء في معاهدة الاستسلام في سيفر (1920) في ذلك المجال مما جعل الحلفاء يتهاونون في بقية المطالب ويمنحون الكيان الكمالي تنازلات شكلية، إذ لم تعد الدول الغربية بحاجة إلى استنزاف دولة معادية تسيطر على الشرق بعد انتفاء وجودها ولهذا تم إلغاء الامتيازات الأجنبية التي حفزت شركة الهند الشرقية البريطانية في الماضي على إعلان حرب بالمدافع والبوارج على والي العراق داود باشا عندما جرؤ على إلغائها (1821)[27]، فلما قسمت المنطقة إلى دول صغيرة يسيطر الحلفاء عليها وعلى مجرى الحوادث في منطقتها لم يعد هناك حاجة لمثل هذه الامتيازات فقام الغرب بالتنازل عنها بسهولة نسبية مع احتفاظ مندوبيه بالغطرسة الاستعمارية في عملية التنازل[28].
            ثم كان الغرب هو من قام برسم وتخطيط وفرض التقسيم على أجزاء الدولة العثمانية التي وضع أيديه عليها قبل وبعد هزيمة الحرب الكبرى الأولى، فشطر وادي النيل في اتفاقية الحكم الثنائي (1899) ثم تقاسمت دوله شرق المتوسط في اتفاقية سايكس بيكو (1916) ثم رعت بريطانيا سلسلة من اتفاقيات التجزئة في الخليج والجزيرة العربية كالعقير (1922) وحداء (11/1925) وبحرة (12/1925)، ولم يكتف الإنجليز بشطر وادي النيل حتى أصروا قبل مغادرته (1953) على عدم عودة وحدته بعد خروجهم منه[29]، وكانوا منذ البداية قد بذروا بذور تقسيم آخر هو الانفصال الجنوبي[30]الذي رعته الولايات المتحدة والصهيونية وثوار عرب فيما بعد حتى أثمر دولة ثالثة في الوادي سنة 2011.
            وكثيراً ما كان الموظفون الاستعماريون البريطانيون يتفاوضون فيما بينهم ممثلين عن الدول العربية لتقرير الحدود بين أصحاب الملك والصولجان، وتزخر الوثائق البريطانية بالمفاوضات والمراسلات بين الموظفين الإنجليز أنفسهم نيابة عن حكام كل من العراق والكويت بعد الحرب الكبرى الأولى، حين تُرك موضوع الحدود برمته بين أيدي حكومة صاحبة الجلالة، لتقرير ما تراه مناسباً، ومن الطرائف التي تدل على حقيقة الأهداف والمتحكمين في مسار الأحداث أنه بينما كان العراق والكويت يتجادلان بواسطة الموظفين البريطانيين على موقع نخلة مندثرة تفصل البلدين وتقسم الشعبين وتحدد ملكية ميناء أم قصر، وذلك أثناء الحرب الكبرى الثانية، “قررت بريطانيا إدارة هذا الميناء عسكرياً أثناء فترة الحرب وعدم عائديته لأي من الطرفين، ومن ثم تفكيكه وهدمه وإزالته بعد انتهاء الحرب” (1942)[31]، وبهذا انتهكت قدسية النخلة التي سالت لأجلها أنهار من الدماء فيما بعد وأما البريطاني فلم يرد على انتهاكه أحد (!)، وهكذا نختلف فيما بيننا دائماً حتى ينقض الأجنبي على ما نختلف عليه فنخسر جميعاً ونحن راضون بالهزيمة للعدو الخارجي الذي يخرج وحده غالباً من بيننا.

            ولم يكن منح الاستقلال للبلدان المستعمَرة إلا شكلاً جديداً من عملية إحكام السيطرة عليها وتأقلماً مع الظروف التي استجدت في عالم الاستعمار، وفي ذلك يقول المؤرخ روجان إن النفقات الرسمية للحفاظ على الإمبراطورية الاستعمارية البريطانية تصاعدت نتيجة المقاومة العنيفة التي واجهتها في الشرق في كل من مصر والعراق وفلسطين، فحاولت بريطانيا “تخفيف شروط الإمبراطورية بمنح مستعمراتها استقلالاً صورياً وتأمين مصالحها الاستراتيجية من خلال المعاهدات..ومع إفلات العالم العربي من سيطرة بريطانيا، أصبحت الإمبراطورية البريطانية في الشرق الأوسط عائقاً أكثر منها مصدر قوة”، ولم تكن فرنسا أوفر حظاً من الإنجليز[32].
            ووجد الغربيون أنفسهم منسجمين مع دول الاستقلال والتجزئة التي قامت على أنقاض الكيان العثماني الموحد أكثر من انسجامهم مع هذا الكيان في الماضي، ولهذا بادروا بمساعدة هذه الكيانات حتى بعد استقلالها وكانوا يقدمون لها مبالغ كبيرة كونت نسباً عالية من ميزانيات بعضها مقابل الخدمات التي تقدمها[33]، وإن الانسجام بين الغرب والحكومات التي تبنت التغريب في إيران البهلوية وتركيا الكمالية بالإضافة إلى الحكومات الليبرالية والتغريبية في المملكة المصرية والمملكة العراقية والجمهورية التونسية والجمهورية اللبنانية بعد الاستقلال والحكومات التقليدية في ممالك الجزيرة العربية وبقية الممالك في الشام وشمال إفريقيا يدلنا على النموذج الأمثل الذي يريده الغرب لنا بعيداً عن أي نهوض أو توحد،وقد جاء في وثيقة أمريكية رسمية صيغت في سنة 1992-1993 بعنوان “مخطط البرنامج الدفاعي” ما يلي:”لا بد من منع كل قوة معادية من التحكم في منطقة تؤهلها مواردها للارتقاء إلى مصاف القوى العظمى، وكذا إفشال محاولة أي دولة مصنعة متقدمة من منازعة زعامتنا الدولية، وقلب الوضع السياسي والاقتصادي القائم”[34]، ويرجى ملاحظة الحرص على الوضع القائم أي على إدامة التخلف والضعف، وقد اعترف عميد السياسة الخارجية الأمريكية المعاصر هنري كيسنجر في مقال كتبه إنه لمدة أكثر من نصف قرن، وجهت عدة أهداف أمنية السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط منها منع أية قوة في المنطقة من الظهور والهيمنة(صحيفة الواشنطن بوست 31/3/2012).
            ومما يؤكد ذلك ما يتسم به التأريخ الغربي لبلادنا من تأييد للجبرية السياسية المناقضة لديمقراطيته إذا اقتصرت إنجازاتها على تقليد الغرب في القوانين الشخصية وشرب الخمر والتفسخ الاجتماعي واستعمال اللغات الأجنبية بدلاً من الوطنية ولبس الزي الأوروبي وبقية المظاهر الفارغة ، وعندئذ يُمدح المستبد الذي يقود هذه التغيرات حتى لو كان ذلك بطرق دموية فيوصف بإعجاب بأنه “المصلح الذي لا يعرف الرحمة” كما قيل عن كمال أتاتورك مثلاً الذي مدحه مستشرقون ومؤرخون غربيون كبار بل لقد جعل منه عميد المحافظين الجدد برنارد لويس علاجاً شاملاً للعرب تصور أن يُستنسخ مثيل له في العراق بعد اجتياحه[35] رغم أن إنجازاته لم تنقل تركيا نقلة نوعية مقارنة بثورات أخرى معاصرة بل أدت إلى تراجعها السياسي من دولة عظمى إلى إحدى دول العالم الثالث[36] واقتصرت جذريتها على مظاهر سطحية فارغة كالأزياء الأوروبية والحروف اللاتينية وتغيير يوم العطلة، وعن هذه الإنجازات تتحدث الموسوعة البريطانية فتقول إن المصلح المتميز مصطفى كمال كان يطمح إلى تغيير الحياة الاجتماعية في تركيا بضربة واحدة، فلما واتته الفرصة ألغى الخلافة الإسلامية وأغلق جميع المؤسسات القائمة على الشريعة بالإضافة إلى الطرق الصوفية، كما ألغى التعليم التقليدي وأسس تعليماً علمانياً مكانه، وحدّث القضاء بقوانين جديدة بدلاً من الشريعة الإسلامية، وتخللت إصلاحاته الحياة اليومية للشعب التركي فاستبدل بالملابس القديمة الملابس الأوروبية، وانتشر الرقص والحفلات المختلطة والمسرح والموسيقى، وساوى بين الجنسين، واستبدل بالحروف العربية الحروف اللاتينية، وعمل على إحلال الرابطة القومية مكان الرابطة الإسلامية، وحكم بواسطة نظام الحزب الواحد وقمع المعارضة بعنف، وباختصار فقد شملت إصلاحاته السياسة والثقافة والقانون فتمكنت وجهة النظر الغربية من اكتساب نفوذ بين الطبقة المتعلمة مما جعل العودة إلى النظام القديم مستحيلة، أما عن التصنيع، وهو مربط الفرس في المشاريع النهضوية، فتقول الموسوعة “إنه لم يحقق أي نجاح مهم”، سواء بواسطة رأس المال الخاص أم بواسطة التدخل الحكومي، وذلك رغم أنه برر إصلاحاته بكون العلم هو الموجه الأمثل للحياة[37].
            وعن نتيجة هذه التجربة الإصلاحية والمحاولة النهضوية يلاحظ فيليب روبنس أن “تركيا المعاصرة التي أسست على أيديولوجية الدولة-الأمة؛ أي النزعة القومية العلمانية؛ والتطلع نحو غرب الصناعة والعلم والحداثة سرعان ما أجبرتها وقائع التاريخ الصلبة على اكتشاف أن حلم التماثل مع الغرب عسير المنال؛ إذ لا يكفي لتحقيقه التنكر لهوية الشعب الدينية والثقافية وفرض نظام قانوني غربي محل الشريعة الإسلامية وإلغاء التعليم الديني والأخذ بالرموز المسيحية بدلاً من الإسلامية وبالأبجدية اللاتينية عوضاً عن العربية وإحلال الزي الأوروبي مقابل اللباس المحلي…إلخ من مظاهر خيّل لنخبة أنها تختزل جوهر الغرب ولبه”[38]، ويلاحَظ أن هذه السطحية تشبه إلى حد بعيد سطحية كثير من إجراءات التنظيمات العثمانية التي أدخلت النماذج الأوروبية في الموسيقى والمسرح والأزياء والمعمار، وزادت الإجراءات الكمالية عليها بمزيد من فرض سطحية التقليد بالعنف.
            هذا هو النموذج الذي حاز على رضا الغرب وثنائه وتقديس أتباع التغريب وتأليههم، استبداد سياسي يقود إلى التبعية الحضارية والفشل الصناعي، فكيف إذا أضاف المستبد لما سبق صداقة حميمة مع الكيان الصهيوني ممثل الحضارة الغربية في الشرق، وهو أمر يضفي على من يقوم به مدائح التسامح العصري، بل الدعم المادي السخي[39]، ولكن مع كل التنازلات التي قدمتها الجمهورية الكمالية والتبعية التي دانت بها للغرب لم تحصل على عضوية النادي الأوروبي في الوقت الذي قُبلت فيه في عضوية التحالف الأطلسي منذ البداية كما قبلت عضوية بلاد عربية وإسلامية في أحلاف عسكرية غربية كحلف بغداد مثلاً دون الوصول إلى مستوى المعيشة الغربية، وهي مفارقة تدل على المكانة القصوى التي يسمح لأي تابع من بلادنا أن يتبوأها مهما بالغ في التشبه بالغرب الذي لا يكف عن الحرص على حصرية امتيازاته ولهذا يتقبل من الأتباع أن يقوموا بالخدمات السياسية والاقتصادية والعسكرية ولكنه لا يقبل أن يشاركهم في التمتع بمزاياه.
            أما إذا رام هذا المصلح أو ذاك المشاركة في مزايا الحضارة الغربية والحصول على ما هو أكثر من تلك الشكليات التي طبقتها الثورة الكمالية، للوصول إلى ما هو أكثر من التقليد السطحي لما عند الغرب أيضاً كالوحدة والتصنيع الثقيل والتسلح والمقاومة فإنه يصبح حينئذ فقط ديكتاتوراً متوحشاً ويُنسى المديح الذي كان يُكال لعدم رحمته من قبل، ويتم تحطيم إنجازاته فلا يجد في إمكانات الدولة القُطرية ما يواجه به العدوان، وخلاصة الأمر أن هنالك جرعة محددة من التغريب مسموح لنا بها وهذا سر إغداق الإطراء حديثاً على نموذج دبي[40]رغم أنه لا يقدم وصفة عامة قادرة على الحياة المكتفية المستمرة حتى لنخبتها فضلاً عن حشود الجماهير الفقيرة في منطقة الشرق العربي الإسلامي، وهو مديح يذكرنا بإطراء النموذج التونسي ودعمه زمن بورقيبة[41]وبن علي حين أُطلق على تونس لقب الدولة-النموذج[42]بسبب نجاحات وقتية وجزئية استكثِرت على بلادنا ولكنها لا تمثل انتقالاً حاسماً في مسيرات النهوض.

            الفرق بين التغريب العثماني المستقل والتغريب التابع عند كيانات التجزئة
            عندما ظهر الضعف بوضوح في المجتمع الإسلامي زمن الدولة العثمانية، استخدم الغرب لواء الإصلاح وفق نموذجه حجة لتبرير تدخلاته وتحقيق الربح على حساب هذا المجتمع الشرقي، وقد تمكن بهذه الأداة من القيام بعمليات هدم في بناء هذا المجتمع الذي تراجعت قوته باتباع هذه الوصفة الخارجية (كما مر وسيأتي في سلسلة دراسات آثار التغريب على المجتمع العثماني)، وحين كانت المبادئ لا تحقق الهدف المنشود كان الغرب يعامل الآخرين بغير ما يرضاه لنفسه ويطلب منهم ما لا يطبقه داخل بلاده بكل صفاقة وعدم حياء، فوقف في وجه كل إصلاح ابتغى به العثمانيون تقدم بلادهم حتى لو كان مما يطبقه الغربيون أنفسهم في بلادهم هم في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمالية والإدارية والقضائية، ويكفي في هذا المقام الإشارة إلى إصرار الأوروبيين على العمل بالامتيازات الأجنبية رغم علمهم بآثارها الضارة على الدولة العثمانية وإصرارهم كذلك على ابتزازها في لحظات الهزيمة بمعاهدات التجارة الحرة رغم اتباعهم سياسات الحماية الجمركية، وتدخلهم في الشئون العثمانية الداخلية بحماية الأقليات وهو ما لا يقبلوه في دواخلهم، ومعارضتهم كذلك لمشروع سكة حديد الحجاز ومشروع سكة حديد بغداد بصفتهما مشروعين حيويين، ولم يكن من الغريب أن تستهدف بريطانيا خط حديد الحجاز بالتدمير في الحرب الكبرى بعد أن بنته أموال المسلمين وجهودهم دون الحاجة إلى قروض الغرب، هذا بالإضافة إلى معارضة مشروع الإصلاح الضريبي والبريد العثماني والإصلاح القضائي ثم دعم بريطانيا وفرنسا للمعارضة الدستورية ضد الحكم الحميدي رغم أن المستعمرين كانوا يعترضون على الحكم الدستوري في محمياتهم ومستعمراتهم ثم انقلبوا على الحكم الدستوري العثماني نفسه وكان جشع أوروبا وطمعها بممتلكات العثمانيين أقوى من التزامها الديمقراطي تجاههم كما يقول المؤرخان شو[43]، ولهذا وجد أنصار التغريب في المجتمع الإسلامي أنفسهم بين خيارين: إما الخضوع لحاضر الغرب الذي يتضمن القبول بما لا يقبله الغربيون لأنفسهم ومن ثم عدم تطبيق النموذج الغربي كاملاً، وهؤلاء كان مصيرهم الدخول في قفص الاحتلال الأجنبي المباشر مثل بايات تونس (1881) وخديويي مصر (1882)، أما الخيار الثاني فهو الإصرار على تحقيق ما حققه الغرب لنفسه وفق نموذجه وهذا ما لم يكن مقبولاً لدى الغربيين أنفسهم الذين تأمرهم مبادئهم بالربح والمنفعة ولو على حساب المبادئ التي ينادون بها، ويعملون بلا كلل على منع ظهور أقطاب كبرى تنافس هيمنتهم، ولأن ساسة التغريب العثمانيين كانوا ينتمون لدولة كبرى رغم ضعفها ويحتم عليها وضعها أن تسعى للتكافؤ مع أقرانها العظام فإن منطق الاستقلالية فرض نفسه عليهم فكانوا -مثل المحافظين من ساسة الدولة أيضاً-يرون مكان دولتهم بين الكبار[44]، و”يعتقدون بجلاء بأن مكان الإمبراطورية العثمانية هو بين دول أوروبا العظمى وأن تقوية هذه الدولة هو السبيل الذي لا غنى عنه لتحقيق هذا الهدف”[45]، “ولم يكونوا مجرد أدوات للنفوذ الغربي بل طبقوا جدولهم الخاص وسعوا لدعم برنامجهم السياسي الذاتي”[46]، وكانوا يتبعون نهج التغريب آملين به دعم دولتهم العثمانية لتتمكن من مواجهة التحديات الأوروبية وهو أمر لم يخطر ببال أنصار التغريب في دول الاستقلال الوهمي والتجزئة المجهرية التي قامت فيما بعد وكان أقصى ما تسعى إليه هو الازدهار في كنف قوة غربية عظمى مهما بلغت درجة التبعية والاستغلال، وهذا المنطق بالطبع لم يناسب دولة كبرى وإن كانت ضعيفة كالدولة العثمانية ولهذا فإن النتائج التي أسفر عنها التغريب أدت إلى استياء أتباعه وعدم موافقتهم على فقدان الاستقلال العثماني في مواجهة الأطماع الغربية، وكان من أوائل منتقدي هذه النتائج التغريبية الوزير العثماني ورائد التغريب مصطفى رشيد باشا الذي استنكر إلحاق فرمان الإصلاح الهمايوني سنة 1856 بمعاهدة باريس التي أنهت حرب القرم وجعله التزاماً دولياً على السلطنة لأن ذلك خطر على شرف السلطان واستقلال الدولة، ومن المنتقدين أيضا الأديب الشهير نامق كمال (ت1888) الذي اتهم الإداريين العثمانيين بإفساح المجال للتوغل الاقتصادي الغربي وعدم إدراك أهمية التقاليد الإسلامية الإيجابية[47]، وقد وصل الأمر بأصحاب هذا الخيار بالانتقال من الارتباط الفكري والسياسي الوثيق بالغرب الأوروبي إلى الانفصال السياسي الحاسم عنه وإعلان الحرب على أطماعه كما حدث لأتباع جمعية الاتحاد والترقي زمن الحرب الكبرى الأولى (1914-1918) بعدما نشئوا في الحضن الغربي،وهذا ما أحب لفت النظر إليه دائماً من فرق بين التغريب المستقل الذي يعمل لما يتصوره صالح الذات مما يؤدي لاصطدامه بالتربص الغربي بهذه المصالح، والتغريب التابع الذي يعمل على خدمة مصالح الغرب حتى ولو تناقضت مع الفكر الغربي ومصالح الذات مما يجعله مجرد أداة بيد سادته فلا يقدم تطوراً لأمته، فكانت هذه هي دائما معضلة التغريب في دولة التجزئة مع غرب لا يرى إدخال الآخرين في جنته المزعومة ومع ذلك لا يكف عن تقديمها بصيغة موعودة.


            معضلة التغريب التابع هي نخبوية الحضارة الغربية
            ومنشأ هذه المعضلة هي في كون الإنسان يشعر بالتآلف مع من يتفق معه في الفكر، ومن الطبيعي أن يشعر المتغربون بالميل إلى جهة مرجعيتهم الفكرية، ولكن المشكلة أن الحضارة الغربية لا تؤمن بدخول الآخرين جنتها الموعودة لأنها حضارة حصرية وتؤصل هذه النخبوية بفكرة المنفعة المغروسة في النفس البشرية والتي تسعى إلى احتكار اللذة والفائدة لصاحبها المدعوم بالفكر الدارويني الذي يرى أن لا بقاء إلا للأقوى وليس هناك مكان للضعيف رغم كل الكلام الإنساني الأجوف عن الإخاء والمساواة والقانون وغير ذلك، وبهذا يجد أتباع الغرب أنفسهم في مشكلة أمام جمهورهم وليس أمام أنفسهم لأن ألفتهم مع الغرب تجعلهم تبعاً لمصالحه الحصرية التي تستثنيهم من نعمها وتقودهم لأن يصبحوا عملاء وليسوا أصدقاء ولا نصيب لهم من التقدم الغربي إلا بما يبقيهم أتباعاً ضعفاء محتاجين إليه ولا أمل لهم بتكرار نموذج النهضة الغربية الذي حتى لو كان ممكناً فإن الغربيين لن يسمحوا به حتى لا يخلقوا عمالقة تنافسهم ولهذا انتهت كل المحاولات للنهوض المستقل على خطى الغرب بالتدمير والتحطيم بالقوة الغربية نفسها لأن الغرب لا يؤمن إلا بالاستتباع وليس بالتكافؤ في التعامل.


            ولو وضعنا الأمر في سياقه التاريخي لقلنا إنه من الطبيعي أن يشعر الإنسان بالألفة مع من يماثله فكرياً، وقد كان التقدم الأوروبي حافزاً لنخبة متعلمة في بلادنا أن تنبهر بالحضارة الغربية، كما كانت حالة التراجع والضعف التي عاشتها دولة الخلافة في مراحلها الأخيرة مبرراً إضافياً لأصحاب التوجهات التغريبية للشعور بالغربة من مجتمعهم والمراهنة على التطور عن طريق التبعية للغرب المتقدم، حتى لو كانت هذه التبعية مفضية إلى تأييد الاستعمار الذي تصوروا أنه سيأتي لنا بالخروج من التخلف، ولكن المعضلة التي واجهت التغريب أن الحضارة الغربية حضارة منفعة واستئثار لا تؤمن بالمشاركة، أي أن مكان “الآخر” فيها هو مكان التابع الذي يخدم المصالح الغربية ولكنه لا يصعد إلى درجة التكافؤ مع أصحاب هذه الحضارة، وكان على أنصار التغريب الاختيار بين خيارين: إما التبعية وخدمة المصالح الغربية على حساب أمتهم دون الحصول على مركز متقدم كتقدم الغرب، وهذا هو السبب الذي دعا القيادات القومية، التي نادت بالاستقلال العربي والوحدة العربية زمن الدولة العثمانية بتحريض من الحلفاء، للتخلي عن هذا الحلم لما تخلت عنه المصالح البريطانية[48] بعدما استفادت منه في القضاء على الخلافة، فأصبح دعاة الاستقلال والوحدة هم قادة الانفصال والتجزئة[49] الذين كانوا يتلقون “النصائح” من سفراء بريطانيا[50] أو ضباط المخابرات البريطانية الذين يوجهونهم ويملون عليهم ما تتطلبه مصالحهم الغربية[51]، ولم يتردد رؤساء الدول العربية ورؤساء الحكومات من إفشاء قراراتهم “السرية”ونقلها حرفياً إلى سفراء بريطانيا المعتمدين لديهم[52]، ولم يتحرج أصحاب الفخامة والسمو والصولجان من العمل كالموظفين عند الموظفين بتقديم التقارير السرية إلى الموظفين الإنجليز[53]، وهذا ما يريده الغربيون ويسعون له تحت لافتات الإصلاح الذي ينادون به، أما الخيار الثاني أمام المتغربين فكان الصدام مع الغربيين الذين لا يسمحون بتكرار تجربتهم لكي لا تظهر أقطاب قوية أخرى تنافسهم، وهذا ما حدث مع بعض أنصار التغريب مثل جمعية الاتحاد والترقي التي دخلت الحرب الكبرى 1914 ضد الحلفاء الذين كانوا أصدقاءها بالأمس بعدما اكتشفت حقيقة الأهداف الغربية والتي تحدث عنها السلطان عبد الحميد مبكراً وأشار إلى غفلة رجال التغريب عن الأطماع الأوروبية[54] وفضح شعارات الإصلاح الغربية التي لا يراد منها سوى تدمير الدولة العثمانية[55].
            وقد واصل الغرب معاملة دولة التجزئة بخلاف ما يقبله لنفسه، كما عامل العثمانيين من قبل، وذلك رغم اختلاف الظروف وخضوع حكام العرب له، ولم يصغ لتوسلات ساسة التغريب الذين وضعوا الآمال العربية تحت رحمة السياسات الاستعمارية وطالما طالبوا الحكومات الغربية المسيطرة بدعم تطلع العرب لأية صيغة وحدوية حتى لو اقتصرت على كيانات أصغر من وحدة المشرق العربي كسوريا الكبرى مثلاً أو الهلال الخصيب، لأن الحوادث التي جرت في البلاد العربية أثبتت ضعف الدويلات كما قال نوري السعيد للإنجليز سنة 1942 مضيفاً أنه “لا بد من نبذ الفكرة القديمة الرامية إلى إنشاء دولة فلسطينية مستقلة ودولة لبنانية سورية مستقلة والنظر في حل جديد”مبيناً حاجة العراق إلى منفذ بحري وحاجة فلسطين إلى سوق كبير لصناعتها ولهذا فإن”الحل المنصف الوحيد” هو إعادة توحيد بلاد الشام ونشوء عصبة عربية بين الشام والعراق يباح لبقية العرب الدخول فيها لو شاءوا، وذلك “لضمان دوام السلم والاطمئنان والتقدم في هذه المناطق العربية”[56]، وكأن غاية غايات الدول الكبرى من الاستعمار والانتداب والحماية هي سعادة العرب وهناؤهم يا دولة الباشا (!)، وكانت النتيجة هي نبذ كل هذه الاقتراحات حتى لو بنيت على أساس الحرص على حماية وتحصين مصالح الحلفاء ضد استغلال ودعاية المحور في زمن الحرب الكبرى الحرج، وكذلك ضمان الأمن والسعادة للوجود الصهيوني الذي سيزول القلق منه عند أهل فلسطين وسيتقبلونه ضمن دولة الوحدة السورية وستتوقف المقاومة ضده، وكان الرد على كل هذه الضمانات هو الإمعان في التجزئة والتقسيم والتهويد مما أثبت بُعد النوايا الغربية عن آمال النهوض العربي مهما تنازل، وعن آمال التغريب في الغربيين مهما تجمل لهم، ولهذا ظل البريطانيون يصمون آذانهم عن نصائح نوري السعيد حتى عندما قدم تنازلاً جديداً ونصح العرب بالإيجابية والاعتدال والعقلانية في المطالب(1951) وذلك بالرجوع إلى خطوط تقسيم فلسطين معتمداً على أننا “نستطيع بواسطة أصدقائنا في لندن أن نرغم إسرائيل على قبول هذا الحل” (!)، وهو أمر يذكرنا بوضع 99% من أوراق الحل في يد أمريكا بعد ذلك بعشرات السنين، والحال يغني عن بيان ما أسفرت عنه هذه العقلانية والثقة في الغرب.
            وحتى عندما “لم يبق بين الرجال الذين تعتمد بريطانيا عليهم في المنطقة، بعد إعفاء غلوب (1956)، سوى نوري السعيد في بغداد”[57]، لم يتم الإصغاء إلى مشاريعه وآرائه، وحتى عندما دخل العراق في الاتحاد العربي مع الأردن استجابة لمصلحة بريطانيا في مناوأة الجمهورية العربية المتحدة (1958) رفضت الحكومة البريطانية بقوة مشروعه لمنح الكويت استقلالها وضمها إلى الاتحاد دون أن تجعله يفقد الثقة فيها أو تضعف حماسته في مقاومة مصر وسوريا، أي أن وظيفته هو خدمة المصالح البريطانية دون التدخل فيها أو الحصول على مكاسب منها، وكان سبب الرفض هو شعور بريطانيا أن العراق والأردن يريدان وضع الأيدي على ثروة الكويت في الوقت الذي تحرص فيه بريطانيا على بقاء هذه الثروة ذخراً لها كما اتضح بعد أشهر عند قيام ثورة14 تموز في العراق فصرح رئيس الوزراء البريطاني معبراً عن القلق من امتدادها إلى الخليج حيث “الكويت بإنتاجها الضخم من النفط مفتاح لحياة بريطانيا وأوروبا”[58]، وظل الاهتمام البريطاني منصباً على استغلال العرب في مشاريعهم الخاصة المفصلة على المقاس الإنجليزي وحده كحلف بغداد (1955) دون محاولة تقديم أي تنازل ولو كان شكلياً للجانب العربي المخلص لهم، كما كان الإنجليز قد تحفظوا على مشروع الوحدة العربية لرئيس الوزراء العراقي الآخر فاضل الجمالي (1954) ورفضوا السير قدماً في تنفيذه رغم تأكيده أنه مستعد لحماية المصالح البريطانية في أي اتحاد فيدرالي يتم التوصل إليه، وأنه لا يمكن تحقيق الخطوة الأولى إلا بالاتفاق مع البريطانيين[59]، وقد ساهم كل ما سبق في النهاية الدموية للحكم الملكي في العراق ولعرابه نوري السعيد شخصياً.
            ومن الأمثلة الدامغة التي قررت مستقبل بلادنا خلافاً لأوضاع الغربيين الذين سيطروا علينا أنهم قسموا هذه البلاد ووضعوا الحدود الفاصلة بينها في الوقت الذي كانت فيه أممهم تتجه للتكتل، وانسجموا مع قيادات مستبدة وحكومات فاسدة لا يقبلون بها في الغرب، وأيدوا إقامة دولة تعتمد الهوية الدينية على أنقاض شعب فلسطين رغم أن الغرب نفسه يرفض اعتماد التصنيفات الدينية في الكيانات السياسية، وحدث ذلك بإهمال حق تقرير المصير الذي رفعوا لواءه منذ الحرب الكبرى الأولى وميثاق الأمم المتحدة التي نشأت بعد الحرب الثانية[60]، كما أنشأ الفرنسيون كياناً طائفياً في لبنان يخالف كل أعراف الغرب العلمانية ومن أعجب مظاهره أن آخر إحصاء تم فيه كان منذ أكثر من ثمانين عاماً وذلك بسبب الخشية من اهتزاز الصيغة الطائفية التي رسمها الغرب ويريدها لهذا البلد، كما ابتلى الغربيون مصر بزراعة المحصول الواحد لتكون ممولاً لصناعات القطن في بلادهم وتهمل اكتفاءها الذاتي الذي عمر فيها قروناً ماضية، كما فرض الغرب على إيران حكماً مستبداً لعشرات السنين على أنقاض حكم منتخب ديمقراطياً(1953)، ومازال الغرب يثير نعرات العصبية والانفصال والتقسيم في بلادنا بعد أن قضى على معظم الجيوب الإثنية داخله بالعنف.
            ولعل الفرق بين سويسرا الغرب وسويسرا الشرق، أي لبنان، يلخص معضلة التغريب بين واقع الغرب المبهر وما يريده الغربيون لنا من تخلف: فمنذ مؤتمر فيينا سنة 1815 أقرت أوروبا حياد سويسرا وظل الفرقاء الأوروبيون جميعاً يحترمون هذا القرار حتى أثناء الحربين العظميين إذ لم يقدم أحد حتى النازيون على خرقه، أما سويسرا الشرق التي صنعها الغرب أيضا فقد سمح لذيله الصهيوني باتخاذها مسرحاً لمغامراته الدموية ولو دون سبب كما حدث في غزو1982، كما أن النموذج السياسي الطائفي الذي صنعه الغرب في لبنان والذي ولد سيولاً من الدماء لا يمكن أن نعثر عليه في مكان في الغرب حتى سويسرا المتنوعة دينياً، الفرق بين السويسرتين هو الفرق بين ما يصنعه الغرب بإتقان لنفسه وما يصدره لنا من قمامته الفكرية فضلاً عن قمامته النووية وهو درس عجز الكثيرون عن التقاطه والاعتبار به، وما زال أنصار التبعية يصرون على عدم الاعتبار بدروس الماضي وينادون بالخضوع للغرب ليأتي لنا بالتقدم رغم كل النتائج السلبية التي أسفر عنها اتباع نهجه والكوارث التي حلت بنا من التعامل معه، وهذا الخضوع هو سر تفضيلهم الحكم الاستعماري على الحكم العثماني أو حتى على أي حكم وطني وإن حاول الخروج من نفق التخلف بنفس الآليات التي اتبعها الغرب في تاريخه الطويل.

            تواضع إنجازات التغريب وأسبابه والدروس المستفادة من التحدي النهضوي ضد الهيمنة الغربية
            وفي الوقت الذي اهتمت فيه بدايات نهضات القرن العشرين في الاتحاد السوفييتي والصين بمناوأة المشاريع الغربية التي تشدها إلى الوراء، انشغل ساسة العالم العربي بالتأقلم مع المصالح الغربية، فالقيادات التقليدية كانت لا ترى إلا ما تراه حكومة “الدولة البهية القيصرية الإنكليس”، إذ “هل يقول(المسئول البريطاني) كوكرين إلا الخير؟” !، ولهذا كان الغرب يفضل هذا النوع التقليدي المتسم بالجهل من القيادات، ورغم ادعاء الغربيين العمل على تطوير الممتلكات والمحميات الاستعمارية فإنهم كانوا يفضلون التعامل مع الزعامات التقليدية المطواعة على التعامل مع المتعلمين[61]، وقد أوضحت حوادث الثورة العربية (1916) سهولة انقياد الجمهور التقليدي من زعماء القبائل ورجالها للرغبات الأجنبية التي مثلها الجاسوس البريطاني لورنس الذي حرضهم وقادهم لتدمير معلم حضاري بارز هو سكة حديد الحجاز التي قامت قيادات التجزئة فيما بعد بحراسة تعطيل تشغيلها كاملة إلى اليوم، وهو حدث يبين بوضوح ارتباط التجزئة بالغرب والتخلف كما يبين بوضوح موقف الغرب من تنمية بلادنا رغم ادعاءاته ودعاياته عن جلب الحضارة والتمدن.


            أما القيادات الليبرالية المثقفة فقد آمنت أن مصالح بلادها مرهونة بالاتفاق مع السيد الاستعماري الديمقراطي رغم وضوح القمع والطمع اللذين كانا من المفترض أن ينتهيا نهاية سعيدة إذا اندمج العرب في مخططات الغرب (!)[62]، وبهذا كان العمل للاستقلال الحقيقي بواسطة التغريب كمحاولة الخروج من الرمال المتحركة لا تزيد الغريق إلا غرقاً كما سبق توضيح تجربة نوري السعيد الذي وضح أول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية الأستاذ أحمد الشقيري بعدما حل بالباشا المصير المحتوم أن إيجابيته وصداقته الممتدة مع بريطانيا لمدة أربعين عاماً لم تحقق شيئاً مذكوراً[63]، وأما القيادات الثورية فقد لعبت على وتر الخلافات بين الأقطاب الدولية فارتبط كثير منها بمركز ضد آخر حتى أننا رأينا تواطؤاً بين الشيوعيين والمستعمرين الغربيين عامة وبريطانيا خاصة ضد نفوذ دول كبرى أخرى كألمانيا مرة والولايات المتحدة مرة أخرى[64]، هذا إضافة لقيادات ثورية أخرى اعتقدت صدق الأمريكيين في مناوأة الاستعمار[65]ولهذا تورطت زمناً بالميل إليهم والتنسيق معهم رغم تناقض الأهداف والذي أدى في النهاية إلى الصدام المسلح وتدمير المحاولات النهضوية، وخلاصة الحديث أن الانصياع للمصالح الغربية طبع دولة التجزئة منذ سقوط الخلافة العثمانية مما أدى إلى تراجع إنجازاتها كما ينبئ عن ذلك واقع جميع الدول التي انسجم حكامها مع المصالح الغربية وخدموها بإخلاص، ولا عجب في ذلك فقد كان الغربيون هم الذين أوجدوا هذه الكيانات ونصبوا عليها هذه الزعامات، وما زال كثير من أقطار التجزئة يبني شرعية وجوده على لحظة تحالفه مع بريطانيا التي فصلته عن كيان الخلافة الإسلامية ويشعر بالامتنان لها على ذلك ووجوب استمرار دفع الثمن الباهظ سداداً لديْن الميلاد.
            هذا في الوقت الذي نهضت فيه بلاد ناوأت الغرب ثم انتقلت إلى التفاوض معه من موقع القوة وليس التبعية التي طبعت سلوكنا منذ ولادة دولة الاستقلال والتجزئة التي وجدت أن مصالحها تابعة لمصالح مؤسسيها من السادة الاستعماريين بصورة موضوعية لا دخل للميول الذاتية في تقريرها، ولهذا لم يتمكن حتى المؤيدون لسياسات زعامات التجزئة الخاضعة من الفخر إلا بإنجازات متواضعة كتحقيق استقلال منقوص أو دخول منظمة دولية في المجال السياسي[66]وهي إنجازات لا تحسب ضمن الجهود النهضوية الكبرى، أو كالتعليم وزيادة أعداد السكان والرعاية الصحية وتراجع معدلات الوفيات وزيادة الرقعة المزروعة ونشوء صناعات حديثة وتطور وسائل المواصلات والاتصالات في المجال الاقتصادي[67]، وهي كلها إنجازات إما: 1-سخرت لإفادة الغرب بثرواتنا كالمحاصيل الزراعية التي توسعت رقعتها ورغم ذلك عجزت عن إطعام زراعها في الوقت الذي تزود فيه مصانع الغرب بالمواد الخام، وكالنفط الذي توصله وسائل المواصلات الحديثة فيحرك مصانع الغرب ولا يستفيد أصحابه إلا من ثمنه لتمويل ترف يعود على الغرب ذاته بالفائدة سواء عند الشراء أو الادخار، أو 2-لم تستفد دولنا منها كأعداد السكان التي أصبحت عبئاً بدلاً من مزية وصار معظمها غارقاً في الفقر والمرض، أو 3-هي في النهاية فوائد قاصرة كالتعليم الذي لا يجد فرصه للتطبيق إلا بالأعمال المكتبية والخدمية أو بالهجرة إلى الغرب، وهي أيضاً غير مرشحة للنمو إلى درجة تنافسية كالصناعة التي ما زالت تحبو وقصرت عن المنافسة في أي مجال حديث حتى فيما تحتكره بلادنا من ثروات معدنية أو يتوفر فيها على الأقل من إمكانات.
            وفي الوقت الذي قصرت فيه فوائد الاندماج بالنظام الدولي الغربي عن بناء نموذج نهضوي كالغرب ذاته أو حتى عن إنشاء كيانات مستقلة ومكتفية وقابلة للحياة المستمرة دون التطفل على غيرها، وذلك رغم الخطوات الواسعة التي حققها غيرنا في الشرق والغرب، فقد فاقت أضرار هذا الاندماج محاسنه وذلك بتكريس تقسيمنا وشرذمتنا وضعفنا عن طريق حماية الصيغة السياسية التي تقوم عليها دولنا بتوافق دولي يحرس التجزئة المضادة للنهوض كما سيأتي.
            التقليد مضاد لنهوض الضعفاء ومقدمة لانهيار الأقوياء
            وكان من مظاهر تبعية التغريب وخضوعه للجداول الغربية تقليده الحرفي للنموذج الغربي وعدم بذل أي جهد في تطويع الأفكار الغربية للحاجات العربية المحلية رغم محاولة فرض هذه الأفكار على الشعب العربي، وفي ذلك يقول الدكتور مجيد خدوري إن الدول الغربية لما استعمرت بلادنا كانت تقدم مصالحها على بناء المؤسسات الديمقراطية على غرار المؤسسات القائمة في أوروبا، وإنها استغلت الأوضاع المناقضة للديمقراطية لتقوية مواقعها في هذه البلاد، ولم تتردد في دعم الاستبداد أو إلغاء الحياة النيابية عندما تقتضي مصالحها، وإنها لم تكن تهتم بمدى ملاءمة هذه المؤسسات للواقع المحلي في البلاد العربية، مما أفقد العملية الديمقراطية الحماس الشعبي لأن الشعوب أحست بأن هذه المؤسسات لم تقم لأجل المصلحة القومية، كما أحست بالمذلة نتيجة الخضوع السياسي للهيمنة الأجنبية، وأصبحت الديمقراطية تقليداً زائفاً لمن رام الديمقراطية الحقيقية.

            أما مدرسة التغريب الحاكمة التي خضعت للتوجيه الغربي بعد توليها السلطة بعد الحرب الكبرى الأولى فلم تر تناقضاً بين هذا الخضوع والمؤسسات الديمقراطية، وكان أمل المتغربين أن تزول السيطرة الأوروبية لتحل محلها مؤسسات جديدة توفق بين المصالح الأجنبية والوطنية، مما جعل هذه المؤسسات منذ البداية غير مستمدة من الواقع الاجتماعي وغير معبرة عن الرغبات الشعبية الحقيقية، ولم تنظر مدرسة التغريب إلى مدى ملاءمة الأفكار المستوردة للواقع العربي التقليدي، ولم تبذل أي جهد لتمحيص هذه الأفكار وهضمها ودمجها بالمفاهيم الإسلامية أو تعديلها وفق الأوضاع القائمة، ولما فشلت في تحقيق التطور المنشود أو تضميد جرح الكرامة، أدى ذلك إلى انهيار المؤسسات التي أنشأتها هذه المدرسة بعد فشلها في اكتساب ولاء الشعوب واحترامها[68].
            ويتحدث في هذا الموضوع المفكر الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري قائلاً إن الإنسان الذي لا هوية له لا يمكنه أن يبدع، لأن الإبداع مرهون بأن ينظر للعالم بمنظاره هو وليس بمناظير الآخرين، ولو فقد هويته ونظر بمنظار غيره فإنه سيكرر ما يقوله الآخرون ويصبح تابعاً لهم همه التقليد والإبداع داخل إطار مغاير كما يحدث للعلماء العرب المهاجرين للخارج، كما كان القضاء على التراث الروحي والثقافي للهند ضرورياً للقضاء على ثرائها ورقيها وأخلاقها ومن ثم هزيمتها وجعلها تابعة لبريطانيا، وإن تفعيل الهوية جزء رئيس في عملية النهوض الحضاري[69]، والانفتاح لا يعني الخضوع والتبعية بل تفاعلاً يأخذ ويعطي، وليس من الممكن أن نبدع عندما نتبنى مفاهيم الآخرين، وإذا أردنا تحقيق ما حققوه فإن ذلك لن يتم بالتقليد الذي ينقل الشيء بحذافيره كما يفعل دعاة التغريب، بل بالمحاكاة وهي الوصول إلى جوهر الشيء وتوليد ما يتناسب مع زمان المحاكي ومكانه وليس مجرد استنساخ أعمى يؤدي إلى عدم الإفادة من النموذج المحاكى كما يحدث لبعض دعاة التنوير العرب الذين لا يطبقون آليات النقد والتحليل الغربية على الحضارة الغربية واكتفوا بتطبيقها على التراث الإسلامي بطريقة ثأرية، ولقد أدت محاولة اللحاق بالغرب إلى انهيار الاتحاد السوفييتي الذي أسقط نموذجه الخاص بما فيه من مثل إنسانية وحاول تقليد النموذج الاستهلاكي الغربي[70]، وقد سقط العرب في التبعية الإدراكية فصاروا يدركون الغرب كما يريد هو ولا يطرحون الأسئلة التي تحتمها أوضاعنا ومصالحنا ومبادئنا، ومن ذلك مثلاً أننا نعتقد أن الثورة الفرنسية (1789) هي ثورة الحرية والإخاء والمساواة دون طرح الأسئلة التي تتعارض مع هذه الرؤية حتى لو كان الغرب هو الذي يطرحها فضلاً عما علينا نحن أن نطرحه فيما يتعلق بالحملة الفرنسية على مصر (1798) أو احتلال الجزائر (1830)، بل لقد أصبحنا ندرك أنفسنا كما يريد لنا الآخرون ونحكم عليها بالهزيمة قبل دخول المعركة ومهما بذلت من جهد كما نحكم عليها بالتخلف مهما قدمت من عمل، ولهذا يتحدث تأريخنا كالتاريخ الغربي تماماً عن الدولة العثمانية بصفتها “رجل أوروبا المريض” ولا نتحدث عن “رجل أوروبا النهم” الذي نشر الإبادة في الأمريكتين وأستراليا ونيوزيلندا وإفريقيا واستعبد آسيا ونشر فيها تعاطي الأفيون، مع أنه لو ترك الرجل المريض وشأنه لربما شفي أو تعافى على يد “رجل مصر الفتي”[71].

            مرض القوي الموحد ليس كمرض الضعيف المقطع
            يتساءل بتعجب بعض من يطلعون على إنجازات الدولة العثمانية في آخر أيامها كما فصلت جانباً منها في دراسات سابقة، عن حقيقة قدرة الدولة على أن تقوم بهذه الإنجازات وأن تقاوم عوامل الفناء ونوائب الدهر بهذا العناد وهي في مرحلة الانهيار؟ وتجيب عن سبب ذلك إحدى فقرات المؤرخ دونالد كواترت في كتابه الدولة العثمانية أثناء حديثه عن تراجع هذه الدولة العظمى بما يبين الفرق بين تراجع العظماء وأحوال الضعفاء سواء في ضعفهم أو حتى في عافيتهم، فيقول:”ما من شك أن الدولة العثمانية كانت سنة 1500 تعد من أقوى دول العالم….لكن هذه الدولة العظمى التي أقضت مضجع القوى الأوروبية لقرون، بدأت تضمحل بعد أن قلب الدهر لها ظهر المجن، ومع بداية القرن الثامن عشر أصبح مصطلح رجل أوروبا المريض عبارة متداولة عند الإشارة إلى الدولة العثمانية، وعلى الرغم من ذلك فقد بقي العثمانيون أثناء القرن التاسع عشر قوة يحسب حسابها في السياسة الخارجية في كل من بريطانيا وفرنسا وإمبراطورية النمسا وكذلك ألمانيا وإيطاليا، ومن جهة أخرى فقد بقيت قوى محلية في الهند وآسيا الوسطى وشمال إفريقية تتطلع إلى الدولة العثمانية لحماية مصالحها”[72]، وبهذا يتبين لنا أن مرض القوي ليس كمرض الضعيف وربما كان القوي في ضعفه أقوى من الضعيف في قوته، ولهذا حرص الغرب على تمزيق وحدتنا والقضاء على آثارها الإيجابية.


            التمهيد لنكباتنا بإزالة أثر وحدتنا
            قضية العرب المركزية في مهب العاصفة: فلسطين بين الماضي العثماني والانتداب البريطاني: قامت سلطات الاحتلال البريطاني في فلسطين بإلغاء جميع الإجراءات العثمانية التي ساندت الفلاح العربي وضيقت على الزائر والمهاجر الصهيوني، وفي ذلك يقول الدكتور محمد عيسى صالحية في كتابه مدينة القدس إن هربرت صموئيل أول مندوب سام”أصدر قراراً في آذار / مارس 1921 بتصفية البنك الزراعي العثماني، بنك الفلاحين العرب، الذي يقدم القروض الميسرة، بحجة اضطراب أعماله، والهدف من هذا القرار حرمان الفلاح العربي من خدمات البنك وتسهيلاته، والتضييق عليه، وإجبار المضطرين من الفلاحين العرب على اللجوء إلى البنوك والمصارف والمرابين اليهود، والاقتراض منهم بفوائد فاحشة وضمانات رهنية صارمة”[73]، ويضيف إن حكومة الانتداب عمدت “إلى إصدار شهادات عرفت بالورقة البيضاء (التذكرة)، نكاية بالورقة (التذكرة الحمراء)، التي كانت تصدرها الإدارة العثمانية للزوار والسياح والحجاج من اليهود مدتها ثلاثة أشهر، والتي كان عليهم بانتهاء المدة مغادرة فلسطين، وعدم التخلف أو الإقامة في البلاد، أما الورقة البيضاء البريطانية فهي إذن للهجرة والاستقرار”[74]، ويزيد الدكتور بشارة خضر من تعداد هذه الإجراءات البريطانية فيذكر “مرسوم محلول الأرض (1920) الذي يمنع الفلاحين من زيادة أملاكهم بحسب التقاليد العثمانية، ومرسوم الأرض الموات (1921) الذي ألغى التشريع العثماني الذي كان يتيح للفلاح ضم الأراضي البائرة”[75]، وكان هدف كل تلك الإجراءات عرقلة جهود الفلاحين العرب وتسهيل انتقال الأراضي للمهاجرين الصهاينة، كما فتحت أبواب الهجرة الصهيونية الواسعة لمن كانت السلطات العثمانية قد نفتهم أثناء الحرب ولغيرهم أيضا.


            ولم تقتصر عملية إزالة آثار الوحدة على إقامة الكيان الصهيوني، فمنذ وطئت أقدام المحتلين الأجانب بلادنا قاموا بوضع الحدود بينها وقضوا على وحدتها السياسية الماضية، كما استولوا على مواردها التي كانت مسخرة لاكتفائها الذاتي، وربطوا اقتصادها باقتصاديات المراكز الاستعمارية بعدما كانت التجارة داخل الشرق العثماني أهم كثيراً من تجارته الخارجية حتى عندما ازدادت أهمية التجارة العالمية ابتداء من منتصف القرن الثامن عشر[76]، ووضعوا الحواجز بين ما كان حتى وقت قريب منطقة تجارية واحدة[77]، وسهلوا المواصلات مع بلاد الغرب البعيدة لإحكام القبضة الاستعمارية وتسهيل تدفق الثروات من بلادنا في الوقت الذي تراجع حتى في زمن الاستقلال الاتصال بين بلدان المنطقة القريبة من بعضها البعض لصالح هذه المواصلات الخارجية[78]، وسقوا بذور الخلافات والانشقاقات وأشعلوا فتن الانفصال حتى غدا ما كان مجتمعاً موحداً قبائل متفرقة متناحرة متحاسدة قام الكيان الصهيوني وسطها ليحرس انقسامها وتخلفها وتبعيتها إذ أعلن منذ البداية أنه جبهة متقدمة للحضارة الغربية ضد البربرية الشرقية وأنه رأس جسر غربي يعبر الغزاة عليه وقاعدة تحرس مصالحهم وحاملة طائرات تؤوي جيوشهم، وقد استمرت في عهد الاستقلال جميع العيوب التي صنعها الاستعمار ولكنها أصبحت الآن برعاية السيادة الوطنية وحراسة جيوشها المظفرة وتحت راياتها المنصورة (!)

            تبعات قضاء الغرب على وحدة المنطقة المتمثلة في الخلافة العثمانية وإحلال المشروع الغربي محلها
            يتحدث المؤرخ الأمريكي مايكل أورين عن إنجازات بلاده في الحرب الكبرى الأولى فيقول بعد أن يعد بعض الإخفاقات الأمريكية وأهمها الفشل في بناء شرق أوسط جديد وفق مبادئ الرئيس الأمريكي ويلسون:”ولكن الحكم القاسي على أداء أمريكا في دبلوماسية الحرب العالمية الأولى يتجاهل عدداً من الإنجازات المبهرة طويلة الأمد: فحسب توصيات “لجنة التحقيق” (التي ألفها ويلسون لصياغة خطط ما بعد الحرب وقدمت تقريرها سنة 1918) تم تفكيك الامبراطورية العثمانية، ولكن تم الحفاظ على سيادة تركيا، وكانت أسس الدولة اليهودية المستقبلية قد وضعت في فلسطين التي كانت تحت الإدارة البريطانية، وفي مناطق الانتداب في سوريا والعراق، وفي ذلك الوقت كانت بريطانيا قد كونت إمارة عربية منفصلة شرقي نهر الأردن، أما الفرنسيون ففصلوا لبنان ذا الغالبية المارونية عن سوريا، ومنحوا كلاً منهما حق تقرير المصير” بالإضافة إلى الاعتراف بحق الاستقلال الأرمني الذي لم يطبق آنذاك وازدهار الأنشطة التبشيرية[79]، ولعل هذه “الإنجازات” التي تتمحور حول التجزئة والتغريب تنطق بأهمية السياج العثماني الذي كان يحمي بلادنا من الأطماع، وهو ما أكدته التبعات التي ترتبت على التجزئة كما سيأتي ، “وبذلك تم محو الإمبراطورية العثمانية، التي ظلت لقرون طويلة كياناً سياسياً له هيبة وسطوة، والتي سيطرت على التقاء الطرق وتقاطعها في العالم، باثة الرعب في الغربيين-ومنهم الأمريكيون-أحياناً، وملهمة إياهم في أحيان أخرى”[80]، فما هي نتائج الإجهاز عليها في بلادنا؟


            لقد ألف القانوني الأمريكي دافيد فرومكين كتابا بعنوان”سلام ينهي كل سلام: ولادة الشرق الأوسط 1914-1922″ يؤرخ فيه لجذور أزمات المنطقة في القرن العشرين ويشير إلى بروز هذه الأزمات من عاملين : “من تدمير بريطانيا للنظام القديم في المنطقة عام 1918، ومن قراراتها عام 1922 بشأن كيفية استبدال ذلك النظام، بل تنبثق أيضا من غياب القناعة في السنين اللاحقة ببرنامجها الذي فرض التسوية عام 1922″[81]، وعن العامل الأول يقول إن رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج كان مقتنعاً تماماً سنة1921 بقول رئيس الوزراء اليوناني : “إن النتيجة الأهم للحرب الكبرى بالنسبة للإنسانية هي اختفاء الإمبراطورية التركية، وليس حل امبراطورية النمسا-المجر، ولا تقليص الإمبراطورية الألمانية”[82]، وبناء على زوال الدولة العثمانية كان ذلك العصر “عصراً اصطنعت فيه بلدان الشرق الأوسط وحدوده في أوروبا..وقد اعتقدت الدول الأوروبية آنذاك أن باستطاعتها أن تغير آسيا الإسلامية في صميم أساسيات وجودها السياسي…فقد استحدثت نظام دول مصطنعة في الشرق الأوسط…ويبدو لي أن عام 1922 كان نقطة اللاعودة من حيث وضع مختلف العشائر في الشرق الأوسط على طرقها المؤدية إلى التصادم…لقد بدأ الشرق الأوسط في ذلك العام السير على طريق كان من شأنه أن يقود إلى حروب لا نهاية لها، من ضمنها الحروب بين إسرائيل وجاراتها ،وبين الميليشيات المتناحرة في لبنان”[83].
            أما نزاعات التجزئة العربية فلها بداية وليس لها نهاية وتكاد لا ترى جارين ليس بينهما نزاع أو ربما حرب، منذ الخلاف السوري اللبناني (1949) ثم الخلاف بين الأردن والبلاد العربية على ضم الضفة الغربية (1950) والنزاع السوداني المصري على حلايب (1958) الذي لحقه الأزمة بين لبنان والجمهورية العربية المتحدة ثم بين الأردن ونفس الجمهورية في نفس العام،وهما نزاعان جلبا التدخل الأمريكي البريطاني، ثم النزاع بين العراق والكويت (1961)والذي كان مدخلاً للتدخل الأجنبي البريطاني أيضاً، ثم النزاع بين دمشق والقاهرة داخل الجمهورية العربية المتحدة نفسها في نفس العام (1961)، ثم اندلاع حرب اليمن الضروس بعد الانقلاب الجمهوري في العام التالي (1962) بين مصر والسعودية، وهو نزاع حدث فيه استقطاب داخل المعسكر الغربي نفسه بين اعتراف أمريكي بالجمهورية ودعم بريطاني للملكية[84]، وبعدها نشب الخلاف الحدودي بين الجزائر والمغرب (1963) الذي ما أن هدأ حتى اندلعت مشكلة الصحراء الغربية بين الجزائر والمغرب وموريتانيا في السنة التالية (1964)، ثم نشوب معارك أيلول بين الأردن والمقاومة الفلسطينية (1970) والخلاف السوري المصري بعد حرب أكتوبر (1973) ثم الحرب المصرية الليبية (1977)، ولم تنته خلافات العرب والمسلمين بالحرب العراقية الإيرانية الطاحنة (1980-1988) وأزمة الكويت الفاضحة (1990) التي استدعت التدخل الأجنبي الكاسح هذه المرة والذي لم ينته أيضاً باحتلال العراق (2003) بمساهمة عربية فاعلة منذ البداية، وتطور التدخل الأجنبي الذي كان يستدعى من خلف الستار أو تحت الطاولة ليصبح الأمر علنياً وبتمويل عربي يهدم أقطاراً عربية أخرى لمجرد خلافات قد لا تعدو الصفة الشخصية بين الزعماء فيذهب ضحيتها مئات الألوف من أفراد الشعوب، ثم لا تجد أبرع من الصهاينة في إحصاء أثر هذه الخلافات وعدد ضحاياها[85]، ولا أكثر منهم فرحاً بنشوبها لإثبات أن الوجود الصهيوني ليس الأشد خطراً على المنطقة، على عكس ما يدعي العرب، ولإيضاح أن هؤلاء العرب بحر تخلف وهمجية ودموية تتوسطه جزيرة التطور والحضارة الصهيونية.
            التجزئة ضد النهضة: هل يمكن لدولنا الصغيرة أن تنمو بعيداً عن التجمع؟
            إن كثرة الإمكانات التي توفرها الوحدة هي الأرضية الصالحة لأية عملية نهوض، ويلاحظ بأن وفرة إمكانات العالم العربي وحده موزعة بين عدة جهات، فالإمكانات المالية والاقتصادية في جهة، والإمكانات المائية والزراعية في جهة ثانية، والإمكانات البشرية في جهة ثالثة، والإمكانات العلمية والثقافية تهاجر إلى جهات خارجية بسبب التضييق عليها نتيجة سياسات التبعية، وعلى سبيل المثال كيف ستستطيع دولة صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها المليون أن توفر الإمكانات البشرية العلمية اللازمة لعملية التصنيع، أو السوق اللازمة لتصريف المنتجات وإيداع الفوائض المالية، أو الإرادة السياسية لتحدي أقطاب الصناعة في الغرب، أو موارد الاكتفاء الذاتي التي تغنيها عن الحاجة إليهم؟ وقد أثبتت تجارب حديثة أنه حتى الدول الكبيرة في منظومة التجزئة العربية والإسلامية لا تستطيع الخروج على الإرادة السياسية الغربية التي قد تصل حد تنصيب الحكام بالقوة (حادث 4 فبراير 1942 في مصر ثم انقلاب 1953 في إيران البهلوية ثم غزو العراق 2003)، ولا تستطيع أيضاً الخروج على قرارات الدول الكبرى التي تمنعها من العمل على الاكتفاء الغذائي الذاتي للاستغناء عن المعونات والصدقات التي تربطها بعجلة السياسات الكبرى رغم الإمكانات الزراعية العربية الكبيرة التي توظف لصالح الاقتصاديات الغربية ومصانعها، وتمنعها أيضاً من الوصول إلى اكتفاء من السلاح لتدافع عن وجودها، ولعل استمرار حاجة إيران البهلوية إلى الإمداد العسكري الغربي[86] رغم الغطرسة الامبراطورية وحاجة تركيا الجمهورية إلى المظلة الأطلسية مثالان واضحان على العجز رغم كبر الحجم، وهو عجز لا يستدل عليه بمجرد الانضمام إلى المشاريع العسكرية الغربية، فدول كبرى كدول أوروبا تنضم للولايات المتحدة في هذه المشاريع ولكنها تملك حرية أكبر في إظهار مواقف تتعارض مع السياسة الأمريكية، أما دول كإيران وتركيا فلم يكن أمامها سوى الإذعان للمصالح الأمريكية والسير في ركابها حتى لو كان ذلك ضد شعوب إسلامية أخرى وهو ما لا يمكن أن ترتكبه شعوب الغرب ضد بعضها البعض، بل لعل دولة التجزئة أسرع انقياداً لعداوة الأخ وقتاله من قتال العدو الحقيقي، ولعل المثل الإيراني الإسلامي الذي تعاون مع السياسة الشيطانية الأمريكية ضد جاريه المسلمين في الشرق الأفغاني والغرب العراقي يؤكد حتمية هذا الانحراف باستمرار السياسة الشاهنشاهية-برؤية جديدة- والتي استندت إلى دعم الوجود الأمريكي في المنطقة للحصول على دور فيها وهو ما لا يمكن للدول الصغرى أن تخرج عن إطاره مهما كبر حجمها وتغيرت مبادئها وادعت مثاليتها، وذلك استجلاباً لرضا الدول الكبرى واعترافها، كما تعجز بقلة إمكاناتها عن الخروج عن المعادلات السياسية الدولية التي تفرض التجزئة التي هي أساس الضعف في العالم العربي والإسلامي.


            وعندما كان يجتمع لأي قُطر من الإمكانات ما يمكنه من السير قليلاً في طريق الخروج من نفق التخلف والتبعية كان الغرب يقف بالمرصاد لأية محاولة من هذا النوع في بلادنا ويحطمها بقوة السلاح، ولم يكن لأصحابها حينئذ من الإمكانات أو العمق ما يواجهون به هذا العدوان كما فعلت الجماهير السوفييتية مثلاً عندما واجهت التدخل الغربي ضد الثورة البلشفية اعتماداً على عمقها الجغرافي أو عندما انتصرت الثورة الصينية (1949) اعتماداً على نفس العامل، ويكفي دولة التجزئة فشلاً أنها امتلكت مصدر القوة الرئيس في اقتصاديات عالمنا المعاصر وهو النفط ومع ذلك عجزت عن الإفادة منه مع أنه كالدم الذي يسري في شريان حياة الاقتصاد العالمي، وقد عبر الرئيس الأمريكي أيزنهاور سنة 1957 عن ذلك بالقول “إن سيطرة الغرب على النفط العربي لا تقل أهمية عن منظمة حلف شمال الأطلنطي، بل إن المنظمة تفقد أهميتها لو فقدنا السيطرة على النفط، العربي”[87]، وما زالت أهمية النفط العربي في تزايد حتى يومنا هذا وإلى عشرات مقبلة من السنين، إذ يفوق الاحتياطي العربي نصف الاحتياطي العالمي، وتصل نسبة التصدير العربي في السوق العالمي ما يقارب 40% حسب أرقام سنة 2006 [88]، ومع ذلك لم تستطع الدولة القطرية تحويل هذه القدرة الكامنة إلى نهضة علمية أو قوة عملية لنفسها أو حتى مصدر ضغط سياسي لصالح القضايا القومية والوطنية في اللحظات الحرجة التي سجلت الفشل العربي في اللعب بالأوراق المتوفرة لصالح أي حق من حقوق العرب وذلك كما حدث عندما قرر الزعماء العرب في مؤتمر بلودان (1946) مقاطعة أمريكا وبريطانيا نصرة لفلسطين ثم انبروا للاعتذار لسفرائهما وتبرير القرارات بأنها مجرد مسايرة للرأي العام العربي الغاضب، وفشل العرب كذلك في استخدام سلاح النفط في سنة1948 ووصف الرئيس الأمريكي ترومان تهديداتهم بالكلام الفارغ، ثم كان أول قرارات مؤتمر الخرطوم بعد نكسة 1967 هو استئناف ضخ النفط لاستخدامه في إزالة آثار العدوان، وفي حرب 1973 قرر العرب استخدام سلاح النفط حتى يجبر الغرب الكيان الصهيوني على الانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة[89]، وليس الرحيل كلياً عن بلادنا، ومع ذلك تراجع القادة بعد أشهر مقابل مجرد وعود كتبت بالماء ولم ينفذ منها شيء، كبقية الوعود الأمريكية التي ما زلنا نلهث خلف سرابها إلى اليوم، وكانت الولايات المتحدة ودول بحر الشمال هي من استفاد أساساً من ارتفاع أسعار النفط في هذه المعركة[90]، ثم انسحب النفط من تمويل معركة أمته ليتحول إلى تمويل معارك الغرب وسياسات العدوان الغربي على أمتنا وشراء المواقف لتمريرها، ويمكننا مقارنة ذلك بقدرة السلطان العثماني رغم الضعف والتراجع والهزيمة في آخر أيام الخلافة على التلاعب بتنافس الدول الكبرى واستماتتها للحصول على امتيازات النفط، فكان يعطي دولاً منها أو يمنعها أو يطردها أو يستدرج منافسيها أو يبحث عن غيرها وهدفه الأول والأخير هو تحقيق مصالح دولته وتمكن من ذلك بكل حزم وقوة غير مستسلم حتى لأصدقائه ودائم اليقظة حتى لحلفائه[91].
            أما في عهد التجزئة فلم نتمكن نحن بل تمكن الآخرون من دعم أنفسهم وإقامة نهضاتهم الذاتية بل والسيطرة على العالم بتحكمهم بهذا النفط العربي[92]الذي لم يفد أصحابه وتحول إلى نقمة على مالكيه نتيجة تكالب حشود الطامعين والمتطفلين عليهم في ظرف ضعفهم وانقسامهم وتشرذمهم مع إمكان حدوث العكس لو كانت كلمتهم موحدة في وجه العالم الخارجي، ورغم كل الحديث الأجوف عن الحرية والديمقراطية فقد كان كل الانهماك الغربي في أزمة الخليج سنة 1990 بسبب الخوف من وقوع احتياطيات الخليج النفطية الضخمة تحت سيطرة سياسية واحدة كما صرح الرئيس الأمريكي آنذاك لشعبه[93]، ولهذا صرحت خطة البنتاغون التي سبق ذكرها وأعدها وولفوتز سنة 1992 إن هدف الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وجنوب غرب آسيا هو إبقاؤها خارج نفوذ أية قوة إقليمية وردع أي هجوم عليها والاحتفاظ بالحق في استخدام أجوائها وممراتها المائية مع التركيز على الحؤول دون هيمنة قوة أو تحالف قوى إقليمية عليها لا سيما الجزيرة العربية[94]، ولعل نظرة خاطفة لإنجازات النفط في العالم المعاصر في التصنيع والتجارة والفوائض المالية وعموم الاقتصاد والسياسة والحرب، تكفي لحساب ما فات ملاكه من عوامل القوة والنهضة والسيادة وهم ما يزالون من أضعف الدول وأكثرها تبعية وتراجعاً، أي أن الدولة القطرية منحت القوة والنهضة لسواها ولم تستطع تحقيق ذلك لنفسها، ويبدو أن الأطراف الغربية تدرك أن استمرار هيمنتها على هذا المورد رهن لاستمرار ضعف مالكيه ولهذا تحرص على إبقائهم في هذا الوضع المتخلف.
            ولهذا يكذب من يدعي أنه مع النهضة وفي الوقت نفسه يتمسك بواقع دولة التجزئة الوطنية، أو أنه ليس أكثر من جاهل لا يعرف المتطلبات الرئيسة لهذه النهضة وواقع عظمة الدول إذ لا تنمو دولة صغيرة إلا في الحالات الاستثنائية وفي ظروفها الخاصة التي تكون الاستثناء الذي يثبت القاعدة، وإنه لمن العجيب رؤية مثقف محترم يدعي التنور والعلم ثم يقف مدافعاً عن الدولة الوطنية رغم سجل فشلها الطويل، ويتمسك بها هرباً من بعبع الخلافة الإسلامية الوحدوية، ولهذا لا أفهم وطنية من يدافع عن هذه الدولة القطرية، إذ كيف يحب وطنه من يصر على عزله عن أشقائه وعدم تكامله معهم في زمن تتنافس الأمم فيه على التكتل ولا ينجح منها إلا الكبار الموحدون، كما لا يكون للصغير شأن إلا بالاستناد إلى أشقائه كما سيأتي.
            لن ينجح أي مشروع نهضوي يتخذ من دولة التجزئة قاعدة له، فإضافة لقصور إمكاناتها البشرية والمادية القليلة عن تحقيق الطموحات النهضوية الكبرى، فإن هذا القصور يدفع حكامها إلى التعلق بالأقوياء(الذين هم أعداؤنا في هذا الزمن والذين لا مصلحة لهم في نهوضنا) لضمان استمرار الكراسي والظهور على النظراء المنافسين والمتحاسدين، بالإضافة إلى ضمان استمرار حياة الكيانات السياسية الضعيفة التي يحكمونها ولو بواسطة تنمية تابعة حتى لا يصيبها عقاب الحصار الاقتصادي الذي أنهك المتمردين، وهذا يوضح بجلاء أن الخيانة من طبيعة تكوين كيانات التجزئة، والملخص أن الضعف يحكم هذه الكيانات ويفرض منطقه الخياني عليها فلا تستطيع الخروج من إساره خلافاً لمنطق عظمة الوحدة التي ترفض التبعية حتى زمن الهزيمة، ومقارنة حال دولة كبرى كالدولة العثمانية الضعيفة في آخر أيامها بحالات الولايات التي عملت للاستقلال عنها بمساعدة الأجانب ثم بحالات دول التجزئة يثبت كل ما سبق ذكره.
            لقد ثبت عجز الدولة القطرية أمام كل التحديات التي واجهتها، فلم تستطع إطعام نفسها حتى لو كانت بلاداً زراعية تقليدية، أو الدفاع عن حدودها فضلاً عن ضمان وجودها رغم تكديس الأسلحة، أو كفاية حاجات مواطنيها رغم كثرة الصناعات التي هي في حقيقتها هامشية لا تمس الاحتياجات الأساسية، وباختصار عجزت دولة الاستقلال عن الحياة إلا بالتعلق بأهداب الدول الكبرى لتضمن لها وجودها ، هذا فضلاً عن فشلها في إقامة المشاريع الحيوية لأبناء المنطقة أو حتى إعادة بناء ما أنجزته الدولة العثمانية ودمرته الأيادي الاستعمارية كسكة الحجاز وسكة بغداد، وهو ما يوضح التناقض بين التجزئة والتطور، فقد عملت هذه التجزئة في افتتاح عهدها الذي جسدت الثورة العربية على الدولة العثمانية (1916) بدايته الرسمية، على تدمير مشروع حضاري حيوي هو سكة الحجاز، وظلت عاجزة عن إعادة تسييره وذلك وفقاً لما أملاه عليها منطقها المفعم بالتنافس والتحاسد وتوزع مراكز اتخاذ القرار بين كيانات الانفصال.
            وعملت دوامة الحزازات بين القيادات العربية على إفشال كل قضاياها التي تتطلب وحدة الكلمة مثل قضية فلسطين قبل النكبة حين استعرت الخلافات بين سوريا والأردن، وبين العراق والقيادة الفلسطينية[95]، ثم في زمن النكسة حين كانت “الحملات الإعلامية بين دمشق وبغداد وصلت إلى عنان السماء، الحكومة المغربية سحبت سفيريها في دمشق وبيروت، ثم قطعت علاقاتها الدبلوماسية بالجمهورية العربية السورية، وعاد التوتر بين القاهرة وصنعاء والرياض بسبب أزمة اليمن، وبالنسبة إلى الخلاف بين المنظمة والأردن فقد سوي على الورق ولم نستطع الوصول إلى مرحلة التنفيذ، و..و..إلخ” كما يقول الأستاذ أحمد الشقيري في مذكراته[96]، هذا فضلاً عن فشل أي مشروع وحدوي يتم طرحه للتنفيذ مثل مشروع سوريا الكبرى أو مشروع الهلال الخصيب أو الوحدة بين مصر وسوريا بسبب المنافسات العربية، فالأسرتان العلوية في مصر والسعودية في الرياض تتصديان لمشروع الملك الهاشمي عبد الله لتوحيد سوريا الكبرى، كما تتصديان لمشروع الهلال الخصيب الذي طرحه نوري السعيد في العراق، وبغداد وعمّان تتنافسان على غنيمة هذه الوحدة[97]التي طُرح انضمام الكويت الغنية إليها ولكن بريطانيا تتصدى لذلك بقوة[98]، ولما تقوم وحدة بين سوريا ومصر يقوم اتحاد مناوئ لها بين الأردن والعراق، وتتوتر العلاقات في المغرب العربي إذا اتحدت ليبيا وتونس[99]، ومن الطريف أن تتباكى المملكة أحياناً على النظام الجمهوري في بلد ثان حتى تعيق مشروعاً وحدوياً تطرحه مملكة أخرى[100]، ومعظم المشاريع تأتمر بأمر الأجنبي وتطلب إذنه لتتحقق أو لا تتحقق، فيجتمع العرب إذا طالب الأجنبي أو رضي (الجامعة العربية 1945 واتحاد الجنوب العربي 1959 الذي استهدفت بريطانيا منه فصل عدن عن صنعاء[101]، واتحاد الإمارات العربية 1971 الذي استهدفت منه عزل الثروة النفطية في هذه الإمارات عن العراق والسعودية[102])، ويتفرق العرب حين لا يأذن لهم الأجنبي بالاجتماع[103]، ومن المعيب أن تجد حاكماً عربياً يطمئن الوكيل البريطاني أن تعاون هذا الحاكم مع الجامعة العربية سيكون محدوداً ولن يطال المسئوليات البريطانية المتحكمة في بلده[104]، ومن المخزي أن تجد الموظفين الإنجليز يتفاوضون مع بعضهم البعض نيابة عن الأطراف العربية المتنازعة أو يحكمون بغطرسة وصلف في الخلافات بين الأطراف العربية الخانعة(مؤتمر العقير سنة 1922)[105]على عكس صلفها مع الخليفة العثماني في السابق حتى عندما كان يروم مصالح بلادها بتأسيس مشاريع حيوية مثل سكة الحجاز وسكة بغداد اللتين واجهتا معارضة عربية اتسمت بالإيذاء الذاتي، هذا فضلاً عن تعامل الأطراف العربية مع بعضها البعض بطريقة تبالغ في التحاسد والتنابذ والحرص الأجوف على الكرامة المهدرة التي لا تجد من يدافع عنها عند خنوع الزعامات الكبرى أمام أصغر موظف بريطاني، ولا تسل عن عمليات تحريض الأجنبي القوي ضد الأشقاء وهي ظاهرة ما زلنا نعيشها إلى اليوم وقد اتخذت أبعاداً علنية طرحت كل براقع الستر والحياء بعدما أهدرت كثيراً من موارد الأمة واستنزفت طاقاتها في الخلافات الجانبية التي كثيراً ما عطلت عمليات نهوض واعدة، ولما برز التحدي الصهيوني كان سبب الفشل العربي هو استفراد الصهاينة بكل جيش عربي على حدة في جبهة مستقلة حتى تمكنوا من هزيمة الجيوش جميعاً سنة 1948 [106]، وما زال وجود الصهاينة في بلادنا هو سبب ضعفنا وفرقتنا إذ يتعهد الغرب القوي مجتمعاً بضمان استمرار تفوقهم النوعي على مجموع طاقات دولنا، وهو إقرار واضح لا لبس فيه بالعمل المستمر على إبقائنا متخلفين ولعل هذا هو السر في ضرب كل محاولات الخروج من نفق التخلف.

            النموذج المصري بين فاعلية الوحدة وعجز الاستقلال

            إن سجل الوحدة زاخر بالنجاح الفعلي والإنجاز العملي في زمن الخلافة، الضعف والتراجع طارئ عليه، أما سجل التجزئة والاستقلال فليس فيه سوى أحلام وأماني خيالية لم يتحقق منها غير الهزيمة والفشل والتراجع، والنجاح الفعلي هو الطارئ والمؤقت وظروفه خاصة، وعند المقارنة التاريخية بين ريادة مصر ودورها الفاعل عندما كانت “تابعة” لدولة الخلافة حين أنقذت المسلمين من المجاعة في عام الرمادة ثم أصبحت مركزاً للخلافة (ومن المفارقات أن ليبرالية التغريب ترفض حتى هذه المركزية لمصر باسم الهوية المستقلة) ثم هزمت حملات الفرنجة الصليبية وصدت الغزو المغولي لتعود مركزاً للخلافة ثانية ثم أصبحت الولاية الأولى في دولة الخلافة العثمانية مقدمة على الأناضول وأوروبا العثمانية، وبين فشلها وتراجعها زمن “الاستقلال” الذي صنعته بريطانيا حين سقط حكام مصر ضحية مشاريعهم لاستقلالها فدخل المسلمون في صراع داخلي أذكته أوروبا بين مصر والدولة العثمانية فتحطم الإثنان، ثم وقعت مصر تحت براثن الإفلاس ثم الهيمنة الأوروبية ثم الاحتلال البريطاني ولم تحقق نجاحاً مؤقتاً إلا اعتماداً على اختلاف الدول العظمى التي لم تلبث أن تكالبت عليها (1967) لتلحقها بمصالحها ثانية وتتخذ منها أداة للسيطرة على المنطقة العربية وتمرير السياسات الأمريكية وقيادة التطبيع مع الصهاينة وتدمير دولة عربية (1990-2003)، ومع ذلك لم تمكنها كل هذه الخدمات من تحقيق مصالحها الوطنية الضيقة فكبل اقتصادها بالقروض والمساعدات والإصلاح الاقتصادي على حساب الاكتفاء الذاتي والمصالح المصرية وذلك لخدمة السياسة الأمريكية، ولعل المثل الأبرز في هذا المجال بيع النفط والغاز المصريين للكيان الصهيوني بخسارة لمصر بلغت ملايين الدولارات يومياً في حالة الغاز، وهو عبء كبير على الاقتصاد المصري المنهك أصلاً ومع ذلك فقد ضحت الدولة “المستقلة” بمصالحها الوطنية المباشرة لأجل مصالح الأقوياء، وقبلت كذلك بالتعاون العسكري الأمريكي الصهيوني الذي وصفه مبارك بالكارثة على الدول العربية المعتدلة وبالعقبة في طريق السلام (6/12/1983)ثم اضطر للاستسلام، والتزمت مصر بمعاهدة السلام مع الصهاينة “على الرغم من الانتهاكات الإسرائيلية للاتفاقية” كما قال مبارك (11/3/1984)، ومنحت تسهيلات للقوات الأجنبية في مياهها ضد سيادتها وضد البلاد العربية الأخرى، بالإضافة إلى عجزها عن فرض رؤيتها لترتيبات أمنية عربية في الخليج بعد حرب الكويت واستسلامها للوجود الأمريكي هناك[107]، هذا إذا لم نذكر تحييد دورها وتهميشه وتأمين جانبها أثناء شن الصهاينة حروبهم ضد أشقائها العرب (1982و2003 و 2006)، هذا إذا لم تشارك في العدوان فعليا (1991 و2008)، وإذا استدعينا نموذجاً بسيطاً لا يتطلب طموحات كبرى ومع ذلك يدل على مدى عجز دولة التجزئة مهما كبر حجمها عن الخروج على إملاءات الدول الكبرى، فسنجد ذلك على الحدود بين الأراضي الفلسطينية ومصر، حيث استمرار التوتر فيها رغم تعاقب الأنظمة ذات الهويات المختلفة يؤكد أن عداوة الإخوة والجيران هو منطق دولة التجزئة المقيدة بسياسات الكبار التي تمنعها حتى من تحقيق مصالح قُطرية صغيرة كتبادل تجاري محدود، بين الأشقاء والأقارب في مدينة واحدة مقسمة بشكل هزلي بأمر الكبار، وذلك حين تقتضي المصالح الغربية ذلك المنع، ويصبح الأخ أداة لخنق أخيه الواقف خلف الحدود، إكراماً لتسلط الأجنبي وغطرسته واحتلاله، ولهذا فإن أية مراهنة على تحقيق أي نجاح نهضوي مهما صغر بواسطة الدولة القُطرية لن يكون مصيرها سوى إفساد المراهنين وجرهم إلى مستنقع المساومات فهزيمة كل مشاريعهم، إذ مهما تغيرت هويات الحكام سيجدون أنفسهم مقيدين بقلة إمكانات كيانات التجزئة التي التزموا بها ومن ثم عدم قدرتهم على تنفيذ أحلامهم وتحدي الأعداء الكبار، وسواء كانت الأحلام قومية واسعة أو إسلامية أوسع أو وطنية ضيقة لتوحيد شطري دولة أو حتى الحفاظ على وحدتها أو تحقيق مصالحها الوطنية لن يكون حاكم التجزئة في كل ذلك إلا أداة تطبق ما تقبله سياسات الكبار بغض النظر عن مشروعه وآماله.


            ومما له دلالة أن دولة التجزئة الوطنية المصرية في عز سلطانها وقمة عنفوانها لم تستطع الحؤول دون فقدانها جميع مكملاتها ومقتضيات مصلحتها (السودان 1956، سوريا 1961، غزة وسيناء 1967) أمام التآمر الأجنبي وهو ما لا يضاهي في زمن الوحدة التي جسدتها الخلافة الإسلامية إلا أشد عصورها تراجعاً وهزيمة وضعفاً عندما كانت تفقد ولاياتها واحدة تلو الأخرى أمام الاحتلال الأجنبي، ومع ذلك يسجل لدولة الخلافة أنها لم تعترف بكل إجراءات الاستعمار في العالم العربي حتى وقّعت على ذلك وتنازلت عنه تركيا الكمالية (1923)، كما أن الدولة الوطنية المصرية في أبهى عصورها عندما تحدت العدوان الثلاثي في جو من التأييد العالمي لم تستطع إلا أن تطالب بالحقوق التي شرعتها اتفاقيات قناة السويس زمن الخلافة في أضعف حالاتها (اتفاقية القسطنطينية 1888)، كما جاء في تصريح الحكومة المصرية في 24 إبريل/نيسان/أفريل 1957[108]، ولم تقدر على ما هو أفضل من ذلك رغم كل الظروف العالمية المؤاتية، وكل ما سبق يحسم الخلاف والجدال عن “ضرورة” الدولة القُطرية و”أهميتها”، فوقوف المرء في صف متراص مع الإخوة لا يلغي الذات أو يمحوها بل يعزز موقفها ويقويها، والوقوف “مستقلاً” وحيداً هو الذي يمهد لافتراس المرء وزواله بجعله عرضة لهجوم أي وحش عابر في الغابة التي نعيش فيها.

            لماذا نما بعض الصغار؟
            وإن تاريخ التنمية في العالم الثالث بعد مرحلة الاستقلال يؤكد أن عدم التنمية هي القاعدة في الوقت الذي كانت ندرة التنمية هي الشذوذ الذي يثبت هذه القاعدة، ففي الوقت الذي لم ينم 130 بلدا على الأقل، تمثل الاستثناء بكوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة وهونغ كونغ وهي مراكز اضطرت الولايات المتحدة واليابان إلى تعزيز اقتصاداتها بعد الحرب العظمى الثانية لاحتواء الشيوعية التي كانت تهدد بسقوط متتال للدول كأحجار الدومينو في تلك المنطقة بعد انتصار الصين الشعبية (1949)، وهو أمر انتهى بسقوط المعسكر الاشتراكي[109]، أما في الشرق العربي الإسلامي فقد كانت مصالح الغرب تعمل الضد مساعدة بلادنا على التنمية أو حتى تركها تنمو وحدها، وقد سبقت الإشارة إلى نوايا السياسة الأمريكية تجاه بلادنا، والغرب يعترف كل يوم بالتزامه بتفوق الكيان الصهيوني النوعي على مجموع العرب فكيف يمكنه الموافقة على تنمية أي قطر تنمية تضارع هذا الكيان قوة وقد رأينا ماذا حدث للتجربتين البعثية في العراق والناصرية في مصر واللتين حُطمتا بقوة السلاح، وأي قُطر يحاول تنمية نفسه منعزلاً عن قضايا المنطقة لن يستطيع ذلك حتى لو ركع للغرب كما فعل كثير من زعماء التغريب (نوري السعيد في العراق والوفد في مصر وبورقيبة في تونس) فلم تنفعهم إيجابيتهم مع الاستعمار قط، بل لقد وصل بعضهم كالوفد (1951) إلى اليأس من سادتهم ومقاومتهم ولكن بعد فوات الأوان، هذا فضلاً عن الزعامات التقليدية المستسلمة ومع ذلك لم تصبح بلادهم كسنغافورة الصغيرة المدعومة،ومن هنا كان القول إن نهوضنا لن يتحقق إلا بتجميع طاقاتنا للتصدي للغيلان العالمية الكبرى.


            الفرق بين انقسامات الأمس الإسلامي وانقسامات اليوم الاستعمارية
            إن تشبيه الانقسامات السياسية في تاريخ الإسلام بالتجزئة الاستعمارية فيه كثير من التجني وعدم الموضوعية الذي تكشفه حقيقة أن المسلم أينما ذهب في تلك العصور داخل دار الإسلام لم يكن يعد أجنبياً، كما كانت الخلافة هي المركز الذي يجمع المسلمين حتى في عصور الضعف وكثرة السلاطين، وعن الفترة التي أعقبت سقوط بغداد على أيدي المغول سنة 656 / 1258 م يقول المستشرق برنارد لويس: ” رغم زوال الخلافة وتجزئة عالم الإسلام إلى عدد كبير من الكيانات السياسية المستقلة المنفصلة والمتحاربة في كثير من الأحيان، فقد بقي الشعور بالهوية والتماسك، وبأن المسلمين أمة واحدة من دون الناس، قوياً وفعالاً، ورغم أن هذا الشعور كان أضعف من أن يحفظ الوحدة السياسية للعالم الإسلامي، فقد كان قوياً إلى الحد الذي يكفي لكي يحول لمدة طويلة جداً دون ظهور كيانات سياسية دائمة ومستقرة”[110]، وزيادة على كون تعدد الحكام لم يؤد إلى انقسام دار الإسلام، فقد أدى الشعور بالوحدة إلى الميل دائماً نحو التوحد بعد الانقسام، وفي ذلك يقول إيفانوف : ” لكن وجود عدد كبير نسبياً من الحكام المسلمين الأقوياء المستقلين الذين أضفوا على أنفسهم ألقاب الإمامة والخلافة، لم يعن قط غياب وحدة الأمة الإسلامية عن عقول المسلمين، فبغض النظر عن الحدود السياسية، كانت دار الإسلام تعد أيضاً موحدة على الدوام…فكان لا بد من أن يكون لهذه الأمة الإسلامية الموحدة قائد ومرشد واحد يعد فوق كل الحكام المسلمين وأكثرهم نفوذاً”[111]، وكان ظهور العثمانيين في الشرق في بداية القرن السادس عشر بعد تجارب المماليك والأيوبيين هو الذي حل اختبار القوة الذي طرحته التحديات آنذاك على الأمة الإسلامية.


            ولما جاء العثمانيون أصبح خلفاؤهم يتولون “المسئولية العليا للسلطة الزمنية للمسلمين إلى حدود بعيدة كالسنغال وسومطرة”[112] كما يقول المؤرخ نيكولاس دومانيس، وذلك رغم أن الحدود العثمانية السياسية لم تصل إلى هذه البلاد البعيدة، ويؤكد المؤرخ يلماز أوزتونا ذلك بالقول إن النفوذ العثماني وصل إندونيسيا وإفريقيا الوسطى وأوروبا الوسطى، و”كان البادشاه في الربع الثالث من القرن 19 يصادق على حكم سلطان بورنو في نيجيريا، وسلطان دارفور في السودان على حدود تشاد، وعلى كثير أمثالهم. تقلد أمين باشا الولاية في أوغندا التي كانت تسمى إيالة خط الاستواء مدة 16 سنة (7/5/ 1876- 23/10/1892)”[113].
            وليس من الحكمة اليوم بعد التجارب المريرة من الضعف والهزيمة والخيانة التي مرت بنا في الحياة القُطرية الاستمرار في الدفاع عن الهويات الجزئية، وإذا كانت الجغرافيا متنوعة فهذا لا يعني وجوب الانقسام السياسي وهذا ملاحظ في جميع الدول الكبرى اليوم التي تحوي تنوعات جغرافية عديدة، واستمرار الاحتفاء بالهويات الجزئية سيؤدي إلى مزيد من الانقسامات إذ ستطالب كل محافظة أو مدينة أو أقلية بالاستقلال بناء على تميز لهجتها أو هويتها وهذا طريق وعر سيقودنا إلى تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ وأن يصبح كل فرد فينا دولة بعلم ونشيد باسم تميزه عن أخيه وصديقه وجاره كما تثبت ذلك بطاقة هويته الشخصية المختلفة عن هوياتهم (!) في الوقت الذي تسخر الدول العظمى منا ومن ضعفنا إذ أن جميع دول الاستقلال الوهمي والتجزئة المجهرية غير قادرة على الاستقلال الحقيقي لأن قلة إمكاناتها الناتجة عن صغر مساحاتها تجعلها غير قادرة على إطعام مواطنيها أو الدفاع عن أنفسها أو كفاية حاجاتها وتضعها في منافسة مع جيرانها مما يجعل الحل بالتعلق بالأجنبي القوي لضمان البقاء أو التفوق على الأقران وبهذا فإن الخيانة من طبيعة هذه الدول كما سبق ذكره.

            تلخيص واستنتاجات
            1-علاقة الاستقلال بالتغريب: بدأت المشاريع النهضوية في بلادنا بطموحات فردية أدت إلى عكس الاستقلال المراد منها لأنها تركت أقطارها وحيدة في مواجهة غيلان الدول الكبرى وبعيدة عن الكيان العثماني الجامع، وقد استغلت الدول الغربية العظمى ميول الولاة الاستقلالية وطموحاتهم الذاتية لتغريهم ثم تفرض عليهم صيغاً من التغريب انتهت بالوقوع في براثن الهيمنة الاستعمارية، وقد كانت فكرة الاستقلال القُطري تستخدم دائماً غطاء للمصالح الحريصة على إفشال المشاريع الوحدوية والنهضوية لأي سبب من الأسباب الاستعمارية أو الإقليمية أو حتى الشخصية، ثم أصبحت غطاء لتدمير من يخرج عن بيت الطاعة الغربي.


            2-وكانت متتالية التغريب كالآتي:من التقليد للحصول على قوة الغرب والتصدي له زمن العثمانيين إلى تقمص الغرب وإلغاء الذات والرضا بالاستسلام زمن دولة التجزئة، كان التغريب العثماني مستقلاً يستهدف الوصول إلى ما وصل الغربيون إليه من قوة ليتصدى لهم ويرفع شأن أمته بذلك ولكنه سلك طريقاً مسدوداً لأن نهضة التغريب عصية سواء بالاتفاق مع الغرب أو بمناوأته: فالمنفعة تمنع الغربيين من مساعدة أقطاب تستغني عنهم وتتحول إلى منافستهم، ومصارعتهم تؤدي إلى التحطم أمام قوتهم بعد تكريس الاعتماد عليهم، فكانت جرعة التغريب المسموح بها دائماً سطحية ومحكومة بما لا يضر المصالح الغربية، ولهذا فقد اصطدم التغريب العثماني بمن نشأ في حضنهم فدخلت جمعية الاتحاد والترقي الحرب الكبرى 1914 لتكسر قيود الغرب وانتهي التغريب المستقل بهزيمته واستمر تغريب التجزئة بضعفه.
            3- تغريب التجزئة ضد نفسه: عرف تغريب دولة التجزئة حجمه الحقيقي فتخلى عن المشاريع الكبرى وألغى ذاته واختار تقمص مصالح الغرب وخدمتها بدل تقليدها وتمكن من الاستمرار مع التخلف والخيانة اللتين هما من طبيعة بنية التجزئة إذ يتنافس الأقزام فيما بينهم لضمان بقائهم بالحصول على رضا الكبير القوي الذي يهمه إبقاؤهم في حجمهم منعاً لخروجهم عن سيطرته وتملكهم ثرواتهم، ولهذا تميز تغريب التجزئة دائماً بالعجز عن حماية حتى المصالح الضيقة لكياناته العاجزة، وكان ذلك في زمن الاستعمار حين وقف المتغربون ضد بلادهم المستعمَرة وضد أماني شعوبهم التي كانت تتمنى الهزيمة للمستعمِرين، فنصروا الحلفاء وقاتلوا إلى جانب مضطهِديهم أملاً فيما عندهم من سراب، وما زالت ذيول التغريب إلى اليوم تعيب على الشعوب إحساسها بذاتها ووقوفها ضد ظالميها آنذاك إذ كان عليها في رأيهم أن تعاكس مصالحها الذاتية وتدعو بالنصر للمحتلين الديمقراطيين (!)، ويتجلى اليوم عجز القطرية عن حماية مصالحها في هدر ثرواتها لصالح الاقتصاد الغربي على حساب اقتصادياتها، وإذا كانت دولة كبيرة مثل مصر قد أهدرت ثرواتها من النفط والغاز لصالح مشروع غربي حقير كالكيان الصهيوني، فما هو حال الثروات الأكبر للكيانات الأصغر والأكثر عجزاً في الخليج والتي يطمع بها عمالقة الغرب كله؟
            4- عقاب المتمردين ووجوب الاعتبار: وكل من حاول الخروج على هذه المعادلة تم تحطيمه بالقوة، وساعد على ذلك قلة إمكانات الدولة القطرية التي انطلقت منها المشاريع في مواجهة الكبار، بالإضافة إلى خيانة الأقران ووشاية الأشقاء وتعاون الجيران مع الاستعمار، وعلى أصحاب المشروع الإسلامي الذي طرح آمالاً كباراً في الماضي أن يفوا بوعودهم المقاومة ويستفيدوا من دروس غيرهم فلا يسعون للتأقلم مع الظروف التي قهرت غيرهم وإلا فإنهم سيسيرون في نفس المتتالية التي أنهكت المدرسة التغريبية ومن خلفها المجتمعات العربية التي خضعت لها.
            5- تواضع إنجازات التغريب: رغم كثرة الحديث عن مزايا اندماج بلادنا بالغرب كزيادة السكان وانخفاض معدل الوفيات وتطور المواصلات ومكافحة الأمراض وزيادة الرقعة الزراعية والتعليم والصناعة وغير ذلك مما حققته الاختراعات الغربية الحديثة، فإن هذا الاندماج نفسه هو الذي كرس عجز دولنا وشرذمتها، ودون الدخول في جدال أو أسئلة محرجة عن أهمية زيادة أعدادنا وكثير منها يعيش حياة مزرية في الفقر والمرض والجهل أو عن أهمية كثير من الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية التي تحققت باستنزاف ثروة ناضبة ولن يكتب لها الاستمرار في حال النضوب أو إيجاد بديل للنفط، أو عن أهمية زراعة لا تحقق اكتفاء ذاتياً كان متحققاً فعلاً في زمن الدولة العثمانية قبل زيادة الرقعة المزروعة وهي مسخرة الآن لتزويد مصانع الغرب بالمواد الأولية بدلاً من إطعام المزارعين أنفسهم، فإن الملخص أن التغريب رغم قصائد المديح التي حصل عليها لا يستطيع الفخر بأنه حقق نموذجاً نهضوياً على غرار الغرب ذاته ولا حتى إقامة كيان مستقل ومكتف وقابل للحياة المستمرة دون الاعتماد التابع على سادة الغرب الذين يضنون بمساعدة غيرهم على الوصول لما وصلوا إليه ومشاركتهم مزاياهم لا سيما بعد الصداع الذي سببه النهوض الياباني لهم، وذلك العجز حدث رغم الفرصة الواسعة التي حظي بها التغريب مسنوداً من سادته الغربيين منذ زمن الاستعمار والانتداب والحماية ثم زمن الاستقلال والتجزئة، وذلك في فترة حقق الآخرون فيها نهوضاً ملحوظاً سواء بالنموذج الشرقي (الصين والاتحاد السوفييتي) أو الغربي (اليابان).
            6- ضعف القوي خير من قوة الضعيف: توضح المقارنة بين أفضل أوضاع التجزئة وأضعف حالات الوحدة، أن التجزئة القُطرية لم تستطع في قمة عنفوانها وأعظم إنجازاتها وأقوى حالاتها أن تحقق ما حققته وحدة الخلافة الإسلامية في أضعف حالاتها وأسوأ مآلاتها، كما عجزت التجزئة عن الإفادة من مصادر القوة التي توفرت بأيديها بعد اكتشاف الثروات الاقتصادية المعاصرة، بل لقد تمكن أعداء أمتنا من دعم قوتهم وزيادة هيمنتهم بالسيطرة على ثروات عجز نفس أصحابها عن حراستها واستخدامها والاستفادة منها.
            7- وجوب النأي بالنفس عن التورط مع الغرب: فمن الواجب على الجميع بعد الدروس المؤلمة عدم اللهاث خلف تأييد من الغرب والحذر من الفرح بهذا التأييد لو حدث، فهو فتنة أشد ضرراً من المواجهة مع الغرب وقتاله، وفي زمن الخلاف بين السلطان العثماني (محمود الثاني ثم عبد المجيد الأول) ومحمد علي باشا تسابق الطرفان لتقديم التنازلات لأوروبا طمعاً في نيل تأييدها ضد الخصم، فكانت النتيجة أن خرج السلطان والباشا مهزومين ضعيفين وتم تدمير المشروع النهضوي المصري واستغل الغرب التنازلات العثمانية لزيادة ضعف الدولة بعدما أنهكها بتحريض الباشا عليها واستمر دق الأسافين بين الطرفين حتى تفردت بريطانيا بمصر واحتلتها (1882) ثم قضى الحلفاء على الدولة العثمانية بعد الحرب الكبرى الأولى وذلك بإقرار من الوزير المشئوم بلفور وعميل المخابرات لورنس، والخلاصة أن التأييد الغربي مهلكة وليس منجاة ومن يفرح به في لحظة السكرة سيرجع نادماً عندما تحل الفكرة، هذا لو كان مخلصاً ومهتماً بصالح أمته، أما العميل فليس له هم إلا إرضاء سادته وقهر منافسيه من الأشقاء.

            ____________

            الهوامش
            [1]-يوجين روجان، العرب من الفتوحات العثمانية إلى الحاضر، كلمات عربية للترجمة والنشر، القاهرة، 2011، ترجمة: محمد إبراهيم الجندي، ص 44.
            [2]-نيقولاي إيفانوف، الفتح العثماني للأقطار العربية 1516-1574، دار الفارابي، بيروت، 2004، ترجمة: يوسف عطا الله، ص 137و228 و 261.
            [3] -يوجين روجان، ص 144.
            [4] -نفس المرجع، ص 145.
            [5] -نفس المرجع، ص 132-133.
            [6] -روجر أوين، الشرق الأوسط في الإقتصاد العالمي1800-1914، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، 1990، ترجمة: سامي الرزاز، ص177-178.
            -Charles Issawi, An Economic History of the Middle East and North Africa, Routledge, London, 2010, p. 66.
            [7] -يوجين روجان، ص 210.
            [8] -دكتور عبد اللطيف بن محمد الحميد، البحر الأحمر والجزيرة العربية في الصراع العثماني البريطاني خلال الحرب العالمية الأولى، مكتبة العبيكان، الرياض، 1994، ص 152.
            [9] – عبد الرحمن الرافعي، عصر إسماعيل، دار المعارف، القاهرة، 1987، ج2 ص263- 265.
            [10]- لوتسكي، تاريخ الأقطار العربية الحديث، دار الفارابي، بيروت، 2007، ص 317.
            [11] -يوجين روجان، ص 67.
            [12] -نفس المرجع، ص 103.
            -لوتسكي، ص 118.
            [13] -زين نور الدين زين، نشوء القومية العربية مع دراسة في العلاقات العربية التركية، دار النهار للنشر، بيروت، 1986، ص 188.
            -د. جوزف حجار، أوروبا ومصير الشرق العربي:حرب الاستعمار على محمد علي والنهضة العربية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1976، ترجمة: بطرس الحلاق وماجد نعمه، ص 98.
            [14] -عبد الرحمن الرافعي، ج2 ص 265.
            [15] -لوتسكي، ص 86.
            [16] -الدكتور عبد العزيز سليمان نوار، داود باشا والي بغداد، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، القاهرة،1967، ص 242-243.
            [17] -د. جوزف حجار، أوروبا ومصير الشرق العربي: حرب الاستعمار على محمد علي والنهضة العربية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1976، ترجمة: بطرس الحلاق وماجد نعمه، ص 37-47 و55 و 96 و 135 و 142 .
            [18] -الدكتور محمد عمارة، الإسلام والعروبة والعلمانية، دار الوحدة، بيروت، 1981، ص 55 والغلاف الخلفي.
            [19]-ز. ي. هرشلاغ، مدخل إلى التاريخ الاقتصادي الحديث للشرق الأوسط، دار الحقيقة، بيروت، 1973، ترجمة: مصطفى الحسيني، ص 118.
            [20] -جلال أمين، قصة الاقتصاد المصري من عهد محمد علي إلى عهد مبارك، دار الشروق، القاهرة، 2012، ص 31.
            [21] -عبد الرحمن الرافعي، ج2 ص 265-267.
            [22]-لوتسكي، ص 204.
            [23] -يوجين روجان، ص 158.
            [24] -الدكتور عبد العزيز سليمان نوار، ص 242-243.
            [25] -هاري ماجدوف، الإمبريالية من عصر الاستعمار حتى اليوم، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، 1981، ص 65.
            [26] -لوتسكي، ص 203.
            [27] -الدكتور عبد العزيز سليمان نوار، ص 210.
            -لوتسكي، ص 84.
            [28] -محمد شعبان صوان، السلطان والمنزل: الحياة الاقتصادية في آخر أيام الخلافة العثمانية ومقاومتها لتمدد الرأسمالية الغربية، دار الروافد الثقافية-ناشرون، بيروت، ودار ابن النديم للنشر والتوزيع، الجزائر،2013، ص 266.
            [29] -الدكتور علي محافظة، بريطانيا والوحدة العربية 1945-2005، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2011، ص 416.
            [30]-د. عبد الوهاب الكيالي (تحرير)، موسوعة السياسة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1993، ج3 ص 272.
            [31] – وليد حمدي الأعظمي، الكويت في الوثائق البريطانية 1752-1960، رياض الريس للكتب والنشر، لندن وقبرص، 1991، ص 162 و 199 و211- 212.
            [32] -يوجين روجان، ص 270.
            [33] -الدكتور علي محافظة، ص 141.
            [34] -عطية الويشي، الصراع في الفكر الغربي، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 2007، ص 172.
            [35]-فشر، تاريخ أوروبا في العصر الحديث(1789-1950)، دار المعارف، القاهرة، 1993، ترجمة: أحمد نجيب هاشم ووديع الضبع، ص 585.
            -دوجلاس ليتل، الاستشراق الأمريكي: الولايات المتحدة والشرق الأوسط منذ 1945، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2009، ترجمة: طلعت الشايب، ص 549.
            [36] -د. تهاني شوقي عبد الرحمن، نشأة دولة تركيا الحديثة 1918-1938، دار العالم العربي، القاهرة، 2011، ص 316.
            [37] -The New Encyclopedia Britannica, 15th Edition, 1987, Macropedia, Vol. 14, pp. 295-297.
            [38] -فيليب روبنس، تركيا والشرق الأوسط، دار قرطبة للنشر والتوثيق والأبحاث، ليماسول-قبرص، 1993، ترجمة: ميخائيل نجم خوري، الغلاف الخلفي.
            [39] – سعد محيو، مأزق الحداثة العربية من احتلال مصر إلى احتلال العراق، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2010، ص214.
            [40] -زاكري كارابل، أهل الكتاب: التاريخ المنسي لعلاقة الإسلام بالغرب، دار الكتاب العربي، بيروت، 2010، ترجمة:د. أحمد إيبش، ص347-353 (فصل: هل دبي هي المستقبل؟).
            [41] -الدكتور علي محافظة، ص 184 و 314.
            [42] -سعد محيو، ص 248.
            [43] -Stanford J. Shaw & Ezel Kural Shaw, History of the Ottoman Empire and Modern Turkey, Cambridge University Press, 2002, Vol. 2 (Reform, Revolution, and Republic/ The Rise of Modern Turkey, 1808-1975), p. 276.
            [44] -مذكرات السلطان عبد الحميد، دار القلم، دمشق، 1991، ترجمة: الدكتور محمد حرب، ص 137.
            -زين نور الدين زين، ص 186.
            [45] -Resat Kasaba, The Ottoman Empire and the World Economy: The Nineteenth Century, State University of New York, 1988, p. 56.
            [46] -Ehud R. Toledano, Slavery and Abolition in the Ottoman Middle East, University of Washington Press, Seattle, 1998, p. 114.
            [47] -قيس جواد العزاوي، الدولة العثمانية: قراءة جديدة لعوامل الانحطاط، الدار العربية للعلوم، بيروت، ومركز دراسات الإسلام والعالم، فلوريدا، 1994، ص 66 و 75-76.
            [48] -الموسوعة الفلسطينية (القسم الثاني: الدراسات الخاصة)، هيئة الموسوعة الفلسطينية، بيروت، 1990، ج3 (دراسات الحضارة) ص 666 (فكتور سحاب، الفكر السياسي الفلسطيني بعد عام 1948: الكتابات السياسية الفلسطينية حول قضايا أخرى/ ثانياً: القومية العربية).
            [49] -نفس المرجع، ص 669.
            -أحمد الشقيري، الأعمال الكاملة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2006، ج1 (المذكرات/1) ص 936 (حوار وأسرار مع الملوك والرؤساء).
            [50] -الدكتورة سهيلا سليمان الشلبي، العلاقات الأردنية-البريطانية 1951-1967، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2006، ص127 وما بعدها.
            -أنثوني بايسونز، مذكرات آخر سفير بريطاني في طهران في عهد الشاه، الدار العربية للموسوعات، بيروت، 2010، ترجمة: د. خالد سليم أحمد، ص 38 و 80 و 192.
            [51] -أحمد الشقيري، ج4 (الكتب والدراسات القومية/ 2) ص 3153و 3155 و 3199 (الجامعة العربية: كيف تكون جامعة وكيف تصبح عربية).
            -الدكتور علي محافظة، ص 65.
            [52] -الدكتور علي محافظة، ص 75.
            [53] -نفس المرجع، ص 66 و 105.
            [54] -مذكرات السلطان عبد الحميد، ص 110.
            [55] -نفس المرجع، ص 109.
            [56] -نوري باشا السعيد، قضايا عربية: الاستقلال-الوحدة-فلسطين 1942 م، الدار العربية للموسوعات، بيروت،2010، ص 5-30.
            [57] -الدكتور علي محافظة، ص 151.
            [58] -نفس المرجع، ص 172 و 178.
            [59] -نفس المرجع، ص 108-114.
            [60] -الموسوعة الفلسطينية (القسم العام)، هيئة الموسوعة الفلسطينية، دمشق، 1984، ج1 ص 418 (بلفور، وعد-) و 559 (تقسيم فلسطين).
            [61] -سعد محيو، ص 100.
            -صوفي بيسيس، الغرب والآخرون:قصة هيمنة، دار العالم الثالث، القاهرة، 2002، ترجمة: نبيل سعد، ص 75.
            -الدكتور علي محافظة، ص 238.
            [62] -الدكتور مجيد خدوري، عرب معاصرون: أدوار القادة في السياسة، الدار المتحدة للنشر، بيروت، 1972، ص 65 (نوري السعيد) و 201-220(الحبيب بورقيبة) و 331-332 (أحمد لطفي السيد).
            [63] -أحمد الشقيري، ج 1 (المذكرات/1) ص 498 (أربعون عاماً في الحياة العربية والدولية).
            [64] -محمد جلال كشك، ثورة يوليو الأمريكية: علاقة عبد الناصر بالمخابرات الأمريكية، الزهراء للإعلام العربي، القاهرة، 1988، ص 88 و190.
            -الدكتور مجيد خدوري، الاتجاهات السياسية في العالم العربي: دور الأفكار والمثل العليا في السياسة، الدار المتحدة للنشر، بيروت، 1985، ص 132-133.
            -الدكتور مجيد خدوري، 1972، ص286.
            [65] -بنوميشان، ذكريات سياسية 1957-1958، الدار العربية للموسوعات، بيروت، 2002، ص 25.
            [66] -الدكتور مجيد خدوري، 1972، ص 203 (الملك فيصل الأول) و230 (الحبيب بورقيبة).
            [67] -سعد محيو، ص 237-238.
            [68] -الدكتور مجيد خدوري، 1985، ص19-20 و 46-57 و 70.
            [69] -سوزان حرفي (تحرير)، الدكتور عبد الوهاب المسيري/ حوارات(3): الهوية والحركية الإسلامية، دار الفكر، دمشق،2009، ص148-149.
            [70] -سوزان حرفي (تحرير)، الدكتور عبد الوهاب المسيري/ حوارات(1): الثقافة والمنهج، دار الفكر، دمشق، 2009، ص201 و 307 و 324 و 350.
            [71] -عبد الوهاب المسيري، دفاع عن الإنسان: دراسات نظرية وتطبيقية في النماذج المركبة، دار الشروق، القاهرة،2003، ص 278-279 و 283-284.
            [72] -دونالد كواترت، الدولة العثمانية 1700-1922م، مكتبة العبيكان، الرياض، 2004، ترجمة: أيمن أرمنازي، ص 148-149.
            [73] -أ. د. محمد عيسى صالحية، مدينة القدس: السكان والأرض(العرب واليهود) 1275-1368 / 1858-1948 م، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت، 2009، ص 68 (نسخة من الإنترنت).
            [74] -نفس المرجع، ص 76-77.
            [75] -الدكتور بشارة خضر، أوروبا وفلسطين: من الحروب الصليبية حتى اليوم، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2003، ترجمة: منصور القاضي، ص 170.
            [76] -دونالد كواترت، ص 231-237.
            [77] -ز. ي. هرشلاغ، مدخل إلى التاريخ الاقتصادي الحديث للشرق الأوسط، دار الحقيقة، بيروت، 1973، ترجمة: مصطفى الحسيني، ص 104.
            [78] -الياس توما، التطورات الاقتصادية والسياسية في الوطن العربي منذ سنة 1950: دراسة مقارنة، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، الكويت،1987، ترجمة: عبد الوهاب الأمين، ص 287.
            [79] -مايكل أورين، القوة والإيمان والخيال: أمريكا في الشرق الأوسط منذ عام 1776 حتى اليوم، كلمة، أبو ظبي، وكلمت عربية للترجمة والنشر، 2008، ترجمة: آسر حطيبة، ص 384-385.
            [80] -نفس المرجع ، ص 382.
            [81] -دافيد فرومكين، سلام ما بعده سلام: ولادة الشرق الأوسط 1914-1922، رياض الريس للكتب والنشر، لندن وقبرص، 1992، ص 17.
            [82] -نفس المرجع، ص 485.
            [83] -نفس المرجع، ص 15-16.
            [84] -الدكتور علي محافظة، ص 217.
            [85] -حمدان حمدان، إغتيال التاريخ: رداً على نتنياهو في مكانه تحت الشمس، بيسان للنشر والتوزيع والإعلام، بيروت، 1997، ص 95.
            -بنيامين نتنياهو، مكان بين الأمم: إسرائيل والعالم، الأهلية للنشر والتوزيع، بيروت، 1996، ترجمة: محمد عودة الدويري، ص107-120.
            [86] -تريتا بارزي، حلف المصالح المشتركة: التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، 2008، ترجمة: أمين الأيوبي، ص 104.
            [87] -الدكتور عاطف سليمان، الثروة النفطية ودورها العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2009، ص 64.
            [88] -نفس المرجع، ص 52 و 55 و96-97.
            [89] -أحمد الشقيري، ج 1 (المذكرات/1) ص 429-430 ( أربعون عاماً في الحياة العربية والدولية)، ج 2 (المذكرات/2) ص 1862-1863 (الهزيمة الكبرى مع الملوك والرؤساء: من بيت عبد الناصر إلى غرفة العمليات)، ج 4 (الكتب والدراسات القومية/2) ص 2969-2984 (الطريق إلى مؤتمر جنيف).
            [90] -عبد الحي زلوم، نذر العولمة: هل بوسع العالم أن يقول لا للرأسمالية المعلومالية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1999، ص 213.
            [91] -مذكرات السلطان عبد الحميد، ص 154-158.
            [92] -عبد الحي زلوم، ص 195.
            [93] -دوجلاس ليتل، الاستشراق الأمريكي: الولايات المتحدة والشرق الأوسط منذ 1945، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2009، ترجمة: طلعت الشايب، ص 109 و156.
            [94] -عبد الحي زلوم، حروب البترول الصليبية والقرن الأمريكي الجديد، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2005، ص 47.
            [95]-أحمد الشقيري، ج1 (المذكرات/1) ص 442 (أربعون عاماً في الحياة العربية والدولية).
            [96] -نفس المرجع، ج2 (المذكرات/2)ص 1351 (على طريق الهزيمة مع الملوك والرؤساء).
            [97] -هامش رقم (61).
            [98] -الدكتور علي محافظة، ص 172 و418.
            [99] -الدكتور علي محافظة، ص312-313.
            [100] -أحمد الشقيري، ج1 (المذكرات/1) ص 794-795 (حوار وأسرار مع الملوك والرؤساء).
            [101] -الدكتر علي محافظة، ص 215.
            [102] -نفس المرجع، 419.
            [103] -أحمد الشقيري، ج3 (الكتب والدراسات القومية/1) ص 2633 (علم واحد وعشرون نجمة)، وج4 (الكتب والدراسات القومية/2) ص 3040-3041 و 3047 (الجامعة العربية كيف تكون جامعة وكيف تصبح عربية).
            -الدكتور علي محافظة، 108.
            [104] -الدكتور علي محافظة، ص 129.
            [105] -مي محمد الخليفة، سبزآباد ورجال الدولة البهية: قصة السيطرة البريطانية على الخليج العربي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1998، 407-431.
            [106] -وليد الخالدي، فلسطين وصراعنا مع الصهيونية وإسرائيل: مجموعة مقالات ومحاضرات 1957-2009، مؤسسة الدراسات الفلسطينية والنادي الثقافي العربي، بيروت، 2009، ص 76-77.
            [107] -الدكتورة زينب عبد العظيم محمد، السياسة المصرية تجاه الولايات المتحدة 1981-1991، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1999، ص199- 200 و 256-260 و 305.
            [108] – http://www.moqatel.com/openshare/Beh...10.doc_cvt.htm
            [109] -أزوالدو دي ريفيرو، خرافة التنمية: الاقتصادات غير القابلة للحياة في القرن الحادي والعشرين، كلمة، أبو ظبي، 2011، ص 167-169.
            [110] -شاخت وبوزورث، تراث الإسلام/القسم الأول، سلسلة عالم المعرفة (8)، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، أغسطس 1978، ترجمة: الدكتور محمد زهير السمهوري، ص 252 (الفصل الرابع: برنارد لويس، السياسة والحرب).
            [111] -نيقولاي إيفانوف، الفتح العثماني للأقطار العربية1516-1574، دار الفارابي، بيروت، 2004، ترجمة: يوسف عطا الله، ص 52.
            [112] -Robert Aldrich (ed), The Age of Empires, Thames& Hudson, London, 2007, p. 26.
            [113] -يلماز أوزتونا، تاريخ الدولة العثمانية، مؤسسة فيصل للتمويل، استانبول، 1990، ترجمة: عدنان محمود سلمان، ج2 ص 761 و 873.


            تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

            قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
            "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
            وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

            تعليق


            • #36
              موقف الشيخ زايد بن خلية بن شخبوط[2] من أهالي قطر


              برقية إلى نظارة الداخلية من ولاية بغداد[3]
              إن قائم مقام قطر جاسم آل ثاني، وتركه في حاله دون أي تعرض على الحركات [غير الملائمة لسياسة الدولة العثمانية] التي يقوم بها، غير سليم. والحركات التي قام بها البانيان[4] في العام الماضي، أدت إلى توجه السفن الإنجليزية إلى قطر وتهديد الأهالي. ونتج عن ذلك فرض ثمانية آلاف روبية عليهم. كما سبق أن عرضناه على جنابكم بالمعروض المرسل بتاريخ 8 نيسان 99 [12 رومي: 13 جمادى الثانية 1300هـ/21 أبريل 1883م] ورقم واحد وثلاثين، والذي عرضنا فيه أيضاً ضرورة تعيين وكيل قائم مقام مدبّر للأمور، مع توفير سفينة حربية في المنطقة، وضرورة الاستعجال في ذلك. وتفصيلات هذا الموضوع مع التطورات الأخرى معلومة لدى ولايتكم. ولقد سبق أن كتبنا تفصيلات هذا الموضوع لوكالة ولاية البصرة سبع مرات. وعلى الرغم من مرور سنتين على هذا الوضع إلا أنه لم يصدر عنه أي قرار حتى الآن. وفي هذه الأثناء فقد نشبت مسألة آل بانيان من جديد. ووصلت سفينة حربية إنجليزية إلى قطر من جديد. فتوجه إليها آل بانيان، دون الرجوع إلى مركز اللواء. فأخذوا ورقة المصالحة مقابل دفع ثمانية آلاف روبية بالتدريج. وتبين فيما بعد أن هذا كان مبنياً على دسيسة وحيلة.
              وفي المعروض الذي قدمناه بتاريخ 22 مارس 300 [1 رومي: 9 شعبان 1301هـ/3 يونيو 1884م] ورقم سبعة وثلاثين، أشرنا إلى أن الشيخ زايد – من رؤساء عمان – على وشك القيام بهجوم مع عشائره على قطر، بسبب البرودة التي حصلت بين الطرفين. وقد طلبنا من [ولاية] البصرة – بناءً على رغبة الشيخ قاسم – إرسال سفينة حربية إلى قطر، بغية توقيف أعمال الشيخ زايد أولاً، والحفاظ على حياة الأهالي ثانياً، حيث سبق أن كتبنا تفصيلات الموضوع. وعلى الرغم من إجراء المباحثات في هذا الأمر منذ سنتين بناءً على متطلبات المنطقة، إلا أن المسألة بقيت على حالها دون أي نتيجة مثمرة. وسوف يجري سريان هذا الموضوع على البدو، المعروفين بأن عقولهم في عيونهم، ويؤثر بالتالي على الاستقرار والأمن المتوافرين في منطقة نجد، ويكون أثره سيئاً على الأوضاع. ولذلك فالمرجو اتخاذ الأسباب المشار إليها في المعروض المقدم بتاريخ 8 نيسان 99 [12 رومي: 13 جمادى الثانية 1300هـ/21 أبريل 1883م] وذلك بالتنسيق مع الباب العالي بالبرقية. ونحن ننتظر النتيجة سريعاً.. 28 تموز 301 [1 رومي: 27 شوال 1302هـ/9 آب 1885م]
              إلى نظارة الداخلية الجليلة :
              لقد تم بعاليه عرض التقرير الوارد أخيراً من مجلس إدارة نجد[5] بالبرقية. وعلى الرغم من عرض هذا الموضوع في 19 مايو99 [12 رومي : 24 رجب 1300هـ/31 مايو 1883م] والأول من كانون الأول 99 [12 رومي : 13 صفر 1301هـ / 13 ديسمبر 1883م] و 30 نيسان 300 [1 رومي: 17 رجب 1301هـ / 12 مايو 1884م] برقم 9 و 152 و 40 و61 لاتخاذ اللازم في هذا الصدد، نظراً لأهمية الموقع؛ إلا أنه لم يرد حتى الآن أي جواب. وفي الوقت الذي أعرض فيه على جنابكم ما يصدع رأسكم؛ لأقدم إليكم العذر والاستجابة للموضوع، وهو منوط لنظارتكم.. 12 أغسطس 301 [1 رومي: 13 ذوالقعدة 1302هـ/24 آب 1885م].
              تقي الدين
              ____________
              الهوامش :
              1. هذه الوثيقة محفوظة في الأرشيف العثماني بإستانبول تحت تصنيف Sura-I Devlet 2157/10

              2. زايد بن خلية بن شخبوط بن ذياب، من آل بوفلاح. شيخ بلدة أبوظبي. بناها بعض أسلافه حوالي سنة 1175هـ، وتوارثوا حكمها. وكان أشهرهم جده شخبوط. حكمها سنة 1210 وحتى 1231هـ. واضطرب أمرها بعد ذلك إلى أن تولاها صاحب الترجمة (الشيخ زايد) سنة 1271هـ. فاستقرت، وأصبح أقوى رجل على الساحل في جنوب الخليج. وكانت إمارته من أقوى إمارات تلك البقعة. عاش قريباً من تسعين سنة، وتوفي فيها عام 1326هـ.. الأعلام / خير الدين الزركلي.- ط5.- بيروت: دار العلم للملايين، 1985م، 3/40-41.

              3. النص المدرج في هذه البرقية التي رفعتها ولاية بغداد إلى نظارة الداخلية، من مجلس إدارة لواء نجد (الأحساء). كما أشار إلى ذلك والي بغداد تقي الدين باشا في الفقرة الأخيرة من البرقية.
              4. البانيان: الجالية الهندية العاملة في موانىء الخليج العربي، وكانت مظهراً من مظاهر النفوذ الاقتصادي البريطاني. وكانت من رعايا الإنجليز، تمتعوا بالامتيازات القنصلية، وباستثناء المسلمين منهم فإنهم لم يندمجوا في البيئات الخليجية؛ بل كانت تنتظر تنمية ثرواتها للعودة بها إلى الوطن، حينما تسنح الفرصة. التيارات السياسية في الخليج العربي / صلاح العقاد، مرجع سابق. ص 168.
              5. وهي متصرفية نجد التي يقصد بها في التشكيل الإداري العثماني الأحساء.

              تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

              قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
              "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
              وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

              تعليق


              • #37

                موقف الحكومة العثمانية من هجرة 46 يهوديا تونسيا إلى القدس

                كان اليهود القاطنون في الأراضي التّابعة للدولة العثمانية يتمتعون بحقوق دينية وسياسية واجتماعية لا تُقارن بما كانوا يُعانونه من ظلم واضطهاد في أماكن وجودهم في بقية أنحاء العالم سواء في دول أوروبا أو في روسيا أو أمريكا. وقد كانوا في تونس مكرّمين محفُوظي الحقوق، مُصاني الكرامة. وبعد قيام دولة إسرائيل في فلسطين المحتلة سنة 1948 م نشطت هجرة اليهود من تونس، وأغلب الباحثين في التاريخ يؤرخون لبداية هجرتهم انطلاقا من هذه الفترة، غير أن بعض الوثائق العثمانية التي أمكننا الحصول عليها تبيّن أن هجرة يهود تونس إلى القدس قد بدأت قبل ذلك بوقت طويل وتحديدًا منذ عام 1887م.
                وتشيــــر الوثيقــــة الأولى (الأرشيف العثماني، رقم ID 1060/83195, LEF 1) المؤرخة بتاريخ 21 سبتمبر سنة 1887م والقادمة من متصرفية القُدس إلى وزارة الداخلية العثمانية إلى أنّ 46 يهوديا تونسيّا انتقلوا إلى القدس الشّريف من أجل الاستقرار فيها، وتساءلت المتصرفيّة عن الإجراءات التي يتعيّن اتخاذها في شأنهم، فجاء الردّ بتاريخ 26 أكتوبر سنة 1887م من وزارة الخارجية (الأرشيف العثماني، رقم ID 1060/83195, LEF 2) بأنّ هؤلاء اليهود تونسيّون، وبما أن تونس داخلة ضمن الممالك العثمانية فإنّ جميع التونسيّين هم من رعاياها، وبالتالي يُعاملون كما يُعامل بقية اليهود في الولايات العثمانية الأُخرى. ولهذا فإنه يُسمح لهم بالسّكن والإقامة في القُدس.
                فالملاحظ أنه بالرغم من أن تونس أصبحت منذ سنة 1881م تحت الاحتلال الفرنسي فإن الدولة العثمانية ما تزال تُعامل التّونسيين على أنهم من بين رعاياها، وينطبق ذلك أيضا على الجزائريّين. فعندما كان الجزائريون والتّونسيون يُهاجرون من بلادهم إلى الشام أو العراق أو اسطنبول أو أية ولاية عثمانية أخرى كانت تُمنح لهم الجنسية العثمانيّة على الفور ويُعاملون معاملة الرّعايا العثمانيين الذين لم تخرج مناطقهم عن النفوذ العثماني.
                وقد كان السّلطان عبد الحميد الثاني بذلك يعمل على تأليف المسلمين وجمع شتاتهم وتقوية الرّوابط بين بعضهم البعض خاصة بعد أن كثرت المؤامرات الأوربية بهدف تمزيق أوصال الدولة والتخطيط لإقامة وطن خاص باليهود في فلسطين.
                وهذا بالفعل ما تفطن له، وبدأ يستشعر المخاطر التي تتهدّد القدس بعد تزايد عمليات الهجرة إليها من أماكن مختلفة انطلاقا من نهاية العقد الأخير من القرن التاسع عشر. ولهذا نلاحظ أنه بتاريخ 1891م تمّ اتخاذ جملة من القرارات تمنع هجرة اليهود إلى فلسطين، وخصوصا اليهود غير التابعين للدّولة العثمانية، وقد جاء في الفرمان الصادر بتاريخ 28 جوان سنة 1891م ما يلي ” لا يُسمح بإجراء ينتج عنه قبول اللاّجئين اليهود المطرُودين من كلّ بلد يترتّب عليه إنشاء حكومة موسوية في القدس مستقبلاً. وبما أنّ هؤلاء ليسوا من مواطني إمبراطوريتنا فيتحتّم إرسالهم إلى أمريكا. يُرفض قبولهم وقبول غيرهم في البلاد، بل يجب تهجيرهم إلى بلاد أمريكا بوضعهم في السفن دون تأخير وعرض الموضوع علينا بعد اتخاذ قرار خطير بشأن تفاصيله. لماذا نقبلُ في بلادنا من طردهم الأوروبيون المتمدنون وأخرجوهم من ديارهم؟ لا محلّ لقبولهم مادامت عندنا فتنة أرمنية”. (أيوب سمير، وثائق في أساسية في الصراع العربي الصهيوني، الجزء 1، بيروت 1984، ص. 267-268).
                ولكن السؤال الذي يمكن أن يُطرح بخصوص اليهود التّونسيين الـ46 الذين هاجروا من تونس ليستقروا في القُدس، والذين تمّ ذِكرهم في الوثائق هو: هل كانت هجرتهم بدافع ديني بحت، أم كانت تدخل ضمن المخطط الاستراتيجي الكبير الذي حذّر منه السلطان عبد الحميد وهو “إقامة حكومة موسوية في القدس”؟ ثم ألا يمكن أن يكون هؤلاء المهاجرون يهودًا فرنسيّين منحهم الاحتلال الفرنسي الجنسية التونسيّة لكي يتمكنوا من العبور والاستيطان بسهولة في القدس استغلالا للتّسامح الذي كانت تُبديه الدّولة العثمانية مع رعاياها في الولايات التي كانت تابعة لها؟
                لقد كانت الدّول الأوربية كانت تسعى للتخلص من اليهود الذين كانوا يقيمون بين ظهرانيها، واليهود أنفسهم كانوا يتعرّضون للمظالم البشعة خصوصًا في الدّول الأوروبية، وكانوا في حاجة للفرار من هذه البلدان والاستقرار في أماكن أكثرا أمانًا، وهذا ما وجوده في الدولة العثمانية التي استقبلتهم منذ وقت مبكر وأحسنت معاملتهم. لكنّهم للأسف قابلوا هذا الإحسان بالجحود في أكثر الأحيان بأن تغلغلوا داخل مفاصل الدولة، وتسارعت مساعيهم لتحقيق حلم قديم في إقامة دولة لهم في فلسطين. وفي بال بسويسرا عام 1897 م عُقد أوّل مؤتمر عالمي لهم كشفوا فيه المخطط لإقامة دولة لهم في أرض فلسطين، وهو ما تحقّق فعلا بعد نصف قرن من لك.
                ترجمة المذكرة المــرسلة من متصرفيّة القدس إلى وزارة الدّاخلية العثمانية حول وصول 46 يهوديا تونسيا للإقامة في القدس:
                متصرفية القدس الشريف،
                إلى وزارة الداخلية الجليلة،
                صاحب الدولة، حضرة سيدي،
                “لقد قدم إلى القُدس للاستيطان فيها في هذه الفترة 46 شخصا من الموسويين من أهالي تونس، وبما أن إيالة تونس تُعد تابعة للممالك العثمانية المحروسة فإنه لا يُعرف بالتحديد ما هي الإجراءات التي يتعيّن اتخاذها بخصوص هؤلاء الموسويين، والأمر في هذا الباب لحضرة من له الأمر. في 3 محرم الحرام سنة 1305 هـ، وفي 8 أيلول سنة 1303 (رومي) متصرف لواء القدس الشريف” (الأرشيف العثماني، رقم ID 1060/83195, LEF 1).

                ______________
                المصدر / صحيفة الضمير التونسية



                تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                تعليق


                • #38
                  من هم رياس البحر في الجزائر؟



                  هم من المقاتلين الذين ينجحون في أداء الاختبار الذي يعد من قبل مجموعة من رجال البحر ذوي الخبرة والحنكة في فنون الملاحة، ويكون الشخص المتطوع في اغلب الأحيان ممن عمل سابقاً في مجال البحر وركوب السفن كي يمنح بعد نجاحه لقب (ريّس) ليقاتل العدو في البحر بعد توليه قيادة سفينة أو مركب بصفة مالك أو قائد.كان الرياس من أصول نصرانية أوربية وينتمون إلى جزر (أيبيريا وكورسيكا وفينيسيا وجنوه ونابولي وعدد منهم يونانيين)، إما البحارة الأتراك فقد كانوا أقلية، ويعتمد رياس البحر في تمويلهم على الخزينة العامة وغنائم المعارك البحرية.


                  تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                  قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                  "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                  وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                  تعليق


                  • #39

                    من هم فرقة اليولداش في الجزائر؟



                    هم فرقة أنشأها خير الدين باشا (بابروس) في بداية ترأسه لولاية الجزائر، وهم من المسلمين والنصارى الذين اعتنقوا الإسلام، وكانت العضوية والانخراط فيها تمكن صاحبها من الحصول على امتيازات منها الإعفاء من الضرائب والعقوبات التي يتعرضون لها كانت سرية وخاصة.اشتهر جنود الفرقة بالشجاعة والإقدام، ولكنهم اشتهروا في الوقت ذاته بإنعدام الثقافة، والصلف والعنف، مما جعل منهم قوة خطيرة لفترة طويلة يتطلب استعمالها ايدي حازمة ومهارة خارقة.
                    كانوا يرقون بالرتب والمرتبات، وتمنح أعلى الرتب للأتراك في الدرجة الأولى، وقد تمنح ايضاً للمسيحيين الذين اعتنقوا الإسلام. أما الكراغلة (المولودين من آب تركي وأم جزائرية) فقد سمح لهم الإنخراط في الفرقة ولم يحصلوا على الرتب العسكرية العليا.
                    يقول المؤرخ الشيخ مبارك الميلي حول هذه المسألة: “الواقع ان حرمان الكراغلة والجزائريين من هذا يرجع فقط الى سنة 1633م عندما استولت فرقة اليولداش التركية على الحكم، فانتقمت بذلك من الجزائريين سكان العاصمة الذين ايدوا طائفة الرياس”


                    تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                    قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                    "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                    وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                    تعليق


                    • #40
                      سر السلطان عبد الحميد



                      ما هو السر الذي احتفظ به السلطان عبد الحميد طوال حكمه (33) سنة، ولم يبح به لأحد؟ ما هو السر الذي كان يؤمل عليه رجوع الدولة العثمانية دولة كبرى؟ ما هو السر الذي احتفظ به وهيأ الظروف له حتى اتهمه الصديق بالضعف والعدو بالظلم والغدر؟ لنستمع إليه حيث يقول في مذكراته (17 مارس 1333): “منذ أربعين عامًا وأنا أنتظر أن تشتبك الدول الكبرى مع بعضها البعض ـ روسيا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا ـ كان هذا كل أملي؛ كنت أرى أنّ سعادة الدولة العثمانية مرتبطة بهذا وجاء ذلك اليوم الذي كنت أنتظره، ولكن …
                      هيهات فقد أبعدوني عن العرش، وابتعد الذين حكموا البلاد بعدي عن العقل والتبصر، والفرصة العظيمة التي ظللت أربعين عامًا في انتظارها ولت وأفلتت من يد الدولة العثمانية إلى الأبد.
                      جاهدت لكي لا يعزلوني عن العرش طوال ثلاثين عامًا، وجهادي هذا كان من أجل هذه الفرصة.
                      حبست الأسطول في الخليج ولم أخرجه ولو للتدريب، وحبسي له كان من أجل هذه الفرصة.
                      تجاهلت الحرب اليونانية لكي لا أدع للإنجليز منفذا للاستيلاء على كريت، وتجاهلي هذا كان من أجل هذه الفرصة، بمعنى آخر: إنّ كل مجهودي قرابة ثلاثين عامًا، بصوابه وبخطئه، إنّما كان من أجل هذه الفرصة.
                      وحفظت هذا السر في نفسي أربعين عامًا.

                      وسأوضحه لأحفادي لكي يعرفوا أنّي لم أفاتح فيه أحدًا، حتى مع أكثر صدوري العظام ثقة، لأنّي تعلمت بالتجارب أنّ شيئًا يعرفه اثنان يخرج عن كونه سرًا، ولذلك كان من ألزم الأمور ألاّ يعرف مقصدي هذا أحد، وألاّ تحس به الدول الأجنبية.
                      كان تقديري أنّ استخدام العثمانيين لفرصة كهذه في وقتها، وبتبصر كفيل بأن ينقذهم، فيعيدون لدولتهم مكانتها في مصاف الدول العظمى.
                      كان الواضح أنّ التنافس بين الدول الكبرى سيجرها أخيرا إلى التصارع والتصادم فيما بينها، وعلى هذا فإنّ الدولة العثمانية أمام تصارع وتصادم كهذا تصبح بعيدة عن أخطار التمزق والتقسيم، ويوم التصادم سيوضح قيمتها بين الدول.
                      هذا هو سر سياستي التي استمرت 33 عامًا”.
                      رحم الله السلطان عبد الحميد الذي هُضم قدره من قبل مثقفينا، والذي كان يفكر بقوة وإرادة أجداده سلاطين بني عثمان، وقاتل الله أدعياء العلم والتحرر، كيف جروا هذه الأمة إلى ويلات وإلى نكبات عظام لها أول وليس لها آخر، حتى أصبحت دولة عظيمة من دول الإسلام، تمتد عبر قارات ثلاث، أصبحت في مدى عشر سنوات حفنة من تراب.
                      _______
                      المصدر مجلة البيان



                      تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                      قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                      "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                      وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                      تعليق


                      • #41
                        ما بين الجزائر والدولة العثمانية.. علاقة السيد بالسيد!!

                        لم يكن التدخل العثماني في المغرب العربي امراً متوقعاً، ولم يكن يدور في أروقة الدولة العثمانية نفسها ذلك الأمر، بل حكمت الظروف السائدة في المغرب العربي بعد غزوات الأسبان المتكررة على سواحلها، وظهور عرّوج للدفاع عنها، وانقاذ المسلمين من سيطرتيم حتى وفاته، وتسلم أخوه خير الدين والملقب (بربروس) السلطة من بعده، وطلب من السلطان العثماني سليم الأول الانضواء تحت حكمه نتيجة مبادرة اشترك فيها أهل الجزائر، كرد فعل منهما على التدخل الاسباني، وبعد استتاب الأمر وتوحيد الجزائر تحت مسمى واحد، أصبحت الجزائر تحكم كدولة كبرى شأنها شأن أية دولة أخرى وأخذ حكامها على امتداد مراحل الحكم حتى عهد الدايات يطورون عمل أجهزتها الإدارية، والمؤسساتية، واستكمال متطلبات الدولة الاقتصادية، والاجتماعية وتنظيمهما حسب الشريعة الإسلامية دون التدخل بالنسيج الاجتماعي أو اللحمة المغاربية.

                        بدأت العلاقات الجزائرية العثمانية بالإنحسار تدريجيا بعد أن فقدت الأخيرة عدداً من الأراضي لروسيا والنمسا، وتزامن مع فترة حكم الدايات 1671 – 1830، ﻭﺍﻗﺘﺼﺭﺕ ﻋﻠﻰ تقديم ضرﻭﺏ الولاء والطاعة للسلطان العثماني باعتباره خليفة المسلمين وتبادل الهدايا وارسال الإعانات وجلب المتطوعين الأتراك للعمل في الجيش الإنكشاري لمساعدتهم على إدارة دفة الحكم دون تدخل الدولة العثمانية مباشرة في حكم الجزائر، إذ ان الاتفاقات الرسمية بين الجزائر والدول الأوربية كانت تُجرى باسم الحكام الجزائريين وليس باسم السلطان العثماني وهو ما ولد وضعاً دولياً خطيراً كانت نتائجه سلبية على الجزائر، ولاسيما بينها وبين فرنسا التي انتهت باحتلال فرنسا الجزائر في 5 تموز 1830.
                        يقول الدكتور محمد الزبيري “ﻭﻟﻤﺎ كان عهد الدايات أصبحت العلاقة بين الجزائر والباب العالي علاقة السيد بالسيد فكانت الجزائر كلما تريد تعيين داي جديد تبعث الى عاصمة الخلافة العثمانية اسطنبول رسولا يأتي بالفرمان وتبعث معه هدية وأن ثمن هذه الهدية لا يتجاوز 250 قنطار من القمح وبالمقابل يقدم الباب العالي للإيالة في كل مرة مساعدة من العتاد الحربي والمراكب الجاهزة..”
                        وهناك موقف يدل على قوة إيالة الجزائر؛ أن الدولة العثمانية كانت قد اصدرت فرمانا أمرت كلاً من تونس وطرابلس الغرب والجزائر بمهاجمة السفن الفرنسية رداً على الحملة الفرنسية على مصر عام 1798م، وقد استجابت كل من تونس وطرابلس الغرب أما الجزائر فإنها لم تستجب لأنها قد وقعت معاهدة مع فرنسا، ويكشف هذا المسلك عن قوة إيالة الجزائر الى الحد الذي جعلها تتمرد أحياناً على أوامر السلطان العثماني. ولكن المساعي البريطانية المعادية لفرنسا نجحت في جعل السلطان العثماني يصدر فرماناً ثانياً ويكرر طلبه للجزائر.
                        وفي عام 1800م بعد توقيع المعاهدة الجزائرية الأمريكية ارسل داي الجزائر وفدا على ظهر سفينة أمريكية الى اسطنبول محملا بالهدايا الى السلطان سليم الثالث وكان يهدف من وراء ذلك استرضاؤه، وإيضاح الأسباب التي دفعت الداي الى عقد معاهدة مع فرنسا، وفي عام 1801م عادت السفينة الأمريكية إلى الجزائر ولكن بدون الوفد فقد أمر السلطان سليم بالتحفظ عليه حتى تطيع الجزائر الفرمان، وتهاجم السفن الفرنسية، وعندئذ امتثلت الجزائر لأوامر السلطان، وأعلنت الحرب على فرنسا رغم المعاهدة التي عقدتها معها.


                        تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                        قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                        "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                        وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                        تعليق


                        • #42
                          الأوضاع السكانية في فلسطين في عهد التنظيمات العثمانية



                          كان المجتمع الفلسطيني ينقسم إلى ثلاث فئات اجتماعية رئيسية هي: سكان المدن، وسكان القرى من الفلاحين، والبدو. وبحسب تقديرات سالنامه العام 1288 هجري/1871-1872 ميلادي، التي يستشهد بها عبد الكريم رافق، كان عدد سكان ألوية فلسطين 317195 نسمة، بلغ عدد المسلمين منهم 269960 نسمة، يمثّلون 11، 85 في المئة من مجموع السكان، بينما بلغ عدد غير المسلمين 47235نسمة، شكّل المسيحيون نحو 11 في المئة منهم، في حين بلغت نسبة اليهود أقل من 4 في المئة، عاشوا في مدن القدس والخليل وصفد وطبرية. وبينما كانت الأغلبية الساحقة من سكان فلسطين من الفلاحين الذين يسكنون في مئات القرى، عاش نحو خمس السكان في المدن، وقُدّرت نسبة البدو بحوالي 10 في المئة من مجموع عدد السكان. وفي الفترة 1865-1866، أصيبت فلسطين ” بخسائر بشرية عالية نتيجة وباء الكوليرا الذي انتشر في معظم مدنها “. لكن البلد شهد بعد ذلك ” نمواً سريعاً للسكان حتى وصل عددهم، في أوائل الثمانينات، إلى نحو 470000 نسمة تقريباً”، وهو ما عكس، ” التحولات الإيجابية في أوضاع البلد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في فترة التنظيمات العثمانية “.
                          وإلى جانب التنوع الديني الذي كان عليه سكان فلسطين، كان هناك تنوع في أصول السكان وفي الأماكن التي قدموا منها، حيث، يتفق الباحثون، على أن فلسطين شهدت، في القرن التاسع عشر، عدة هجرات سكانية، بعضها سببه سياسي، كهجرة المغاربة والشراكسة، وبعضها سببه ديني، للمجاورة في الأماكن المقدسة، كما كان هناك، أحياناً، سبب اقتصادي للهجرة، كهجرة المصريين، وسبب عسكري، حيث كان بعض المجندين الأجانب يستقرون في فلسطين بعد تأديتهم الخدمة العسكرية فيها. وكانت أكبر الجاليات العربية في فلسطين، من خارج بلاد الشام، هي الجالية المصرية، التي كان معظم أفرادها يقطنون في قضاء غزة. وبينما كانت الهجرة اليهودية إلى فلسطين مقتصرة، خلال القرن الثامن عشر والنصف الأول من القرن التاسع عشر، على اليهود ” المتدينين “، ومعظمهم من الفقراء المسنين الذين كانوا يعيشون على الإعانات الخارجية ويتجمعون في القدس وطبرية وصفد، راحت هذه الهجرة تتزايد في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وتتخذ طابعاً ” سياسياً واستعمارياً “، حيث صار اليهود يستغلون تبعيتهم للدول الأوروبية كي يقوموا بشراء الأراضي في فلسطين وإقامة المستوطنات اليهودية عليها.
                          كما شهدت فلسطين في أواخر ستينيات القرن التاسع عشر هجرة مجموعات من الألمان من أتباع طائفة المعبد (الهيكل) ، التي نشأت في الأربعينيات من القرن التاسع عشر ” كحركة دينية انشقت عن الكنيسة البروتستانتية”. وفي عام 1858، قام عدد من أعضاء هذه الجمعية برحلة استكشاف إلى فلسطين لدراسة ظروف الاستيطان فيها. وبعد صدور قانون تمليك الأرض للأجانب، أسس “الهيكليون”، في سنة 1869، مستوطنتين رئيسيتين في فلسطين: واحدة في حيفا والأخرى في يافا ، كما أسسوا، سنة 1873، مستوطنتين أصغر حجماً في سارونا شمال يافا وفي القدس. وكان المجموع الكلي لسكان هذه المستعمرات الأربع ” الألف نسمة في أواخر السبعينات “. بيد أن هذا المشروع الاستيطاني لم ينجح ” بسبب عدم تجنيد الكم الكافي من التمويل والمستوطنين “.
                          ___________________

                          المراجع:
                          1. زهير عبد اللطيف محمود غنايم، ، لواء عكا في عهد التنظيمات العثمانية 1281-1337 هجرية/1864-1918 ميلادية، بيروت، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2005.
                          2. عبد الكريم رافق، فلسطين في عهد العثمانيين (2)من مطلع القرن الثالث عشر الهجري/التاسع عشر الميلادي إلى العام 1326 هجري/1918 ميلادي”؛ في: الموسوعة الفلسطينية، القسم الثاني (الدراسات الخاصة)، المجلد الثاني، بيروت، 1990.
                          3. مناع، عادل، تاريخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700-1918 (قراءة جديدة)، بيروت، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2003 (الطبعة الثانية


                          تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                          قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                          "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                          وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                          تعليق


                          • #43
                            يهود الدونمة ودورهم في سقوط الدولة العثمانية



                            المقدمة :شكل اعتناق بعض اليهود للدين الإسلامي إشكالية كبيرة لدى الكثير من الباحثين في تاريخ الدولة الإسلامية منذ عهد الرسول (ص) حتى سقوط الدولة العثمانية ، حيث تدور الشكوك حول أسباب اعتناقهم للدين الإسلامي ، وهي شكوكٌ لطالما لها ما يبررها ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر فإن الدراسات حول اليهود وجماعاتهم في العالم الإسلامي لم تنل القسط الوافي من الأبحاث العلمية والموضوعية ، وهنا تكمن أهمية هذا البحث عن ( تاريخ يهود الدونمة في الدولة العثمانية ) وكيف نشأت هذه الحركة وتغلغلت في الدولة العثمانية اقتصادياً وفكرياً وسياسياً ؟ وهل فعلاً اعتنق أعضاء هذه الحركة الإسلام الصحيح أم كانت لهم نوايا وخفايا وأهداف بعيدة المدى ؟ .

                            فيهود الدونمة فئةٌ أقامت في الدولة العثمانية منذ القرن السادس عشر الميلادي ولها جذورها لليوم الحاضر ، فهي جمعت بين اليهودية والإسلام ، وترجع أساس العلاقة بين اليهود والعثمانيين للقرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين ، حين استضافت الدولة العثمانية اليهود الهاربين من أوروبا وخاصة أسبانيا نتيجة لما يسمونه الاضطهاد الديني لليهود بعد مرسوم نفي اليهود الذي أصدره الملك فرديناند والملكة إيزابيلا في الثلاثين من آذار 1492م . حيث وجد هؤلاء المكان الآمن لعيشهم فاندمجوا بمجتمعات الدولة العثمانية ، وخاصة أنهم وجدوا التسامح الديني الإسلامي مع أهل الذمة ، فسكنوا كبريات المدن العثمانية ، وتغلغلوا في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، فأصبحوا مالكين للتجارة في أزمير وسالونيك واستانبول ، كما تم منح حاخام اليهود الحق في تمثيل اليهود في الدولة أمام الحكومة العثمانية.
                            حيث أصبح ليهود الدونمة السلطة والنفوذ في كثير من مرافق الدولة العثمانية بهويتهم ولغاتهم وثقافاتهم المزدوجة ، ومن هنا تكمن أهمية هذا البحث في الكشف عن هوية هذه الحركة وحقيقتها ، بطريقة علمية موضوعية أكاديمية ومنهجية تصل لجميع القراء والباحثين .


                            أقسام اليهود في العالم ولغاتهم في الدولة العثمانيةكادت أن تدخل الدولة العثمانية في القرن السابع عشر الميلادي مرحة الانهيار نتيجة حربها مع البنادقة في عهد السلطان مراد الرابع (1623 – 1640م) ، بالإضافة لحروبها مع روسيا ، ومن ثمة محاصرتها لفيينا في عهد السلطان محمد الرابع ( 1648-1687م ) عام 1683م للمرة الثانية بعد حصار السلطان سليمان القانوني( 1520-1566م) ، فبدأت مرحلة من التراجع في الدولة العثمانية نتيجة هذه الحروب . (1)

                            وسط هذه الأحداث والتطورات ، ظهر لدى اليهود المعتقد بفكرة الخلاص من سيطرة الدول الأوروبية السياسية والاقتصادية عليهم ، حيث ظهرت حركات معادية لليهود في روسيا وبولونيا وأوكرانيا عام 1648م ، إذ ترسخ لدى اليهود فكرة الخلاص في هذه الفترة. (2)
                            واعتقد اليهود في هذه الأثناء أن الحروب التي شاركوا بها وخاضوها في أوروبا لم تحل لهم مشكلاتهم ولم تضمن حقوقهم ، فتطلعوا لشخصٍ منقذ يحكمهم وينفذ أحلامهم بالسيطرة والنفوذ .



                            ويقسم المؤرخون اليهود في العالم إلى ثلاثة أقسام رئيسية :
                            1. الأشكنازيون ( Ashkenazim) :
                            هم الذين يعودون بأصولهم إلى ألمانيا ويتحدثون اللغة الألمانية ، وكانوا يدعونها لغة ( الييدش) ، وهي مزيج من اللغتين الألمانية والآرامية وبعض الكلمات الأجنبية ، وتعود أصل كلمة أشكناز إلى شكناز وتعني ألمانيا ، وكانوا في البداية يضمون يهود ألمانيا فقط ثم شملت الجماعة يهود فرنسا وقسم من النمسا (3) ، ويطلق عليهم في أوروبا اسم المتهودون . وهم غُلاة الصهاينة في الوقت الحاضر.



                            2. السفارديم (Sephardim) :
                            هؤلاء الذين هاجروا إلى شبه الجزيرة الأيبيرية بعد الفتح العربي الإسلامي لها عام 711م ، وتحدثوا اللغة العربية في البداية ، ولكن في القرن الثالث عشر الميلادي تحولوا إلى اللغة الاسبانية فأصبحت لغتهم الأساسية وتعرف اليوم باسم ( اللادينو ) (4)، وكان السفارديم يعتزون بثقافتهم بسبب استفادتهم من الحضارة العربية في الأندلس على عكس الأشكنازيين المنطوين على أنفسهم ، كما كان السفارديم لا يخالطون الاشكناز ولا يتزوجون منهم وبقي الحال على هذا المنوال حتى القرن الثامن عشر الميلادي . (5)



                            3. اليهود الشرقيون :
                            هؤلاء الذين هجروا فلسطين بعد السبي البابلي ، حيث انتشروا في العراق وبلاد فارس وشمال إفريقيا ، حيث تكلموا لغة البلاد التي نزلوا بها وتعايشوا مع سكانها .



                            ويمكن تقسيم لغات اليهود في الدولة العثمانية حسب الجماعات اليهودية التي قطنت بها .
                            أ – يهود أسبانيا ويتكلم 77% منهم لغة اللادينو ، وهي مركبة من الأسبانية واللاتينية ، وفي نهاية القرن الخامس عشر الميلادي انقسمت هذه اللغة إلى فرعين : هي الكاستيليا ، والثانية اللغة المتداولة في شمال أسبانيا والبرتغال وشكلها المكتوب يسمى لادينو ، ويستخدم فيها الحروف الهجائية التركية الحديثة ، وبها حروف تفرقها في الشكل عن الأسبانية .


                            ب- المتحدثون باللغة الفرنسية يشكلون نسبة 96% . جـ – الأشكناز ويتحدثون الألمانية بنسبة 31% منهم . د- المتحدثون اللغة العبرية ويشكلون 8% من مجموع اليهود فقط .
                            وكان 48% من اليهود يتحدثون الإنكليزية ، وبالمجمل كانوا يتحدثون بشكل عام بأكثر من لغة . ومن الملاحظ أن جميع اليهود في الدولة العثمانية يتحدثون التركية بطلاقة . (6)
                            كما تحدث اليهود الذين عاشوا في أورفة وديار بكر العربية بطلاقة ، وفي عام 1660م كان اليهود المهاجرون من أسبانيا يتحدثون الأسبانية في الأراضي التي سكنوها بجوار البحر الأبيض المتوسط إلى أن حل القرن التاسع عشر الميلادي فأصبح الجميع يتكلم بالتركية .(7)
                            ظهور يهود الدونمة في الدولة العثمانية عام 1648م.
                            تميزت الدولة العثمانية بمعاملتها الجيدة لأهل الذمة طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية ، حيث عدتهم أصحاب ديانات سماوية لهم كافة الحقوق لممارسة شعائرهم الدينية ، بالإضافة لحرية العمل والسفر والبيع وشراء الأراضي ، كما تمتعوا بالحصانة القضائية ، حيث أثرت تلك الامتيازات لأهل الذمة لأن يقوموا بتشكيل أشبه بدولة داخل دولة . (8)

                            وفي هذه الأثناء سيطر على اليهود خلال الصراع المذهبي في أوروبا في القرن السابع عشر الميلادي فكرة الخلاص من الدول التي كانت تضطهدهم حسب اعتقادهم. (9)
                            من خلال تلك الأحداث في أوروبا وخاصة أسبانيا ، استلهم اليهود فكرة المسيح المنتظر لينقذهم مما هم فيه من ظلم وهوان وبدأوا بالهجرة للدولة العثمانية بأعداد كبيرة نظراً للتسامح الذي ميز العثمانيين عن غيرهم في أوروبا . ومن خلال المعاهدات التي وقعتها الدولة العثمانية مع أوروبا والخاصة بحقوق الأقليات الدينية في الدولة ، حصل اليهود على العديد من الامتيازات ومنها حق إقامة شعائرهم حيث مارس الحاخام الأكبر لليهود شعائره في العاصمة استانبول . (10) وحسب هذه المعاملة من العثمانيين فقد وصل اليهود لمكانة مرموقة علمياً وتجارياً وتمتعوا بما يشبه الاستقلال الذاتي والإداري والطائفي . حيث كان اليهود الذين وفدوا من أسبانيا أصحاب مهن وحرف وتمكنوا من إدخال أول مطبعة إلى الدولة العثمانية عام 1493 م عندما نزحوا من اسبانيا بالإضافة إلى أن النقود الاسبانية والبرتغالية التي جلبها هؤلاء كانت عملة مفضلة بالنسبة للعثمانيين ، فكان اليهود يستخدمونها في شراء المواد الباهظـة الثمن (11) .
                            وقد كان خطأ الدولة العثمانية حسب رأي الباحث أنها لم تعي حقيقة الشخصية اليهودية التي فتحت لها أبوابها من مصراعيها من حرية واستقلال داخل أراضيها .
                            من هذا المنطلق انتشرت في أوساط اليهود فكرة مفادها أن المسيح المنتظر سيظهر في أوساط اليهود عام 1648م بالتحديد ، والمسيح كلمة عبرانية تعني المطهر ، وتعني الرجل الذي طهره ( يهوه) أي الإله عند اليهود . كما يطلق هذا اللفظ عند اليهود في التوراة على الملوك والأنبياء .

                            وفي المعنى الخاص ، المخلص الذي سيخلص بني إسرائيل . (12)

                            وسط هذه الظروف التي تحيط باليهود ، ظهر شخص اسمه سبتاي زيفي عام 1648م أسباني الأصل ، والده موردخان زيفي السمسار اليهودي المعروف بين العثمانيين باسم ( قرة منتشة ) حيث اشتهر بالذكاء والطموح ، ومعرفة بالأمور الدينية وقواعدها وأصولها اسحاق دلبع لتي تعلمها من أستاذه ، وكان سريع البديهة مما مكنه من الانتصار على منافسيه ثم أصبح سبتاي حاخام مدينة أزمير بعد تعلمه التوراة والتلمود (13) . ولقد تعلم من النصوص العبرانية حسب منهج القابلا (Kabbalah) (14) أن ظهور المسيح سيكون عام 1648م، ثم كتب كتاباً أسماه ( سر العقيدة الصحيح ) يقول فيه بضرورة الإيمان بإلهين ، واحد للعالمين وآخر لليهود، وأن رب العالمين هو العلة الأولى ومنه أتى إله اليهود ، وأن إله إسرائيل هو الوجود والموجودات مع الاعتقاد بالـ( شخيناه ) وهي حلول الله في الشعب. (15)
                            في عام 1648م ألقى سبتاي زيفي أول بيان للشعب اليهودي قال فيه : ( من أول ابن لله سبتاي زيفي ، المسيح مخلص شعب إسرائيل إلى جميع أبناء إسرائيل .. السلام .. لما كان قد قدر لكم أن تكونوا جديرين برؤية اليوم العظيم وإنجاز وعد الله إلى أبنائه، فلا بد أن تغيروا أحزانكم فرحاً وصومكم مرحاً ، لأنكم لن تبكوا بعد الآن فاستمتعوا وغنوا واستبدلوا باليوم الذي كان من قبل يقضي في حزن وآلام ، يوم عيد، لأني ظهرت ). (16)
                            واجه سبتاي زيفي معارضةً قوية من قبل حاخامات أزمير وعدوه مختل عقلياً ، وبلغوا السلطات العثمانية عنه فيما بعد ، فهرب مع أتباعه إلى سالونيك مركز رجال القبالا وعاش بها بأمان لثماني سنوات (17)، وعندما أصدر اليهود بياناً بكفره هرب إلى أثينا ثم عاد إلى أزمير فاستانبول مرة أخرى . ( 18) .
                            في عام 1663م سافر سبتاي إلى القدس معلناً قدوم الخلاص على يديه وأنه المسيح المنظر والمتصرف والمتحكم بمصير العالم كله ، وأن له أثني عشر حوارياً يمثلون أسباط بني إسرائيل . ( 19) وفي مصر آمن به واتبعه رئيس الطائفة اليهودية في القاهرة رفائيل يوسف جلبي ومنحه أموالاً كثيرة لمساعدة يهود القدس . وفي غزة اتبعه ناثان هاليفي المعروف بناثان الغزاوي وهو من أصل ألماني أشكنازي حيث أعلن أنه النبي المنظر وقال في بيان لأتباعه أن التغييرات التي تطرأ على مزاج سبتاي هي عبارة عن الصراع الداخلي في كيانه بين الخير والشر. (20)
                            وهكذا انهالت على سبتاي زيفي الوفود من أزمير ، وأدرنة ، وصوفيا ، واليونان ، وألمانيا، ورودس ، وقاموا بمنحه تاج ملك الملوك ، وقام اليهود من أتباعه بالامتناع عن الدعاء للسلطان العثماني محمد الرابع ، وقاموا بالدعاء لملكهم ونبيهم المنتظر سبتاي حتى في المعابد اليهودية في استانبول ، وكانت بعض كلمات هذا الدعاء تقول : ( إن الذي يمنح الخلاص للملوك والحمك للأمراء ، مالك الملك الأبدي الذي خلص عبده داوود من السيف القاتل ، الذي يعبد طرقاً في البحر ، ويشق سبلاً في المياه العظيمة ……… ملك الملوك سبتاي زيفي ليحفظه الملك الأكبر ويمنحه الحياة ويجعل قلوب الملوك والأمراء تتجه نحوه ونحونا ونحو إسرائيل بالخير ، آمين ) (21).
                            بعد أن جمع سبتاي عدداً كبيراً من الأتباع ، أباح لهم النطق باسم يهوه ( اسم الله الأعظم ) بعد أن كان ممنوع النطق به ، حيث كانوا ينادونه أدوناي أي سيدنا ، وأعلن سبتاي أن غضب الله قد زال عن الأمة بإرساله لهم وأن الاسم المحرم أصبح محلل . (22)
                            ذاع صيت سبتاي زيفي والخلافات بينه وبين اليهود التقليديين في استانبول ، فأمر الصدر الأعظم فاضل أحمد كوبرلي بالقبض عليه ، إذ تم سجنه في سجن زندان قابو في استانبول عام 1666م بتهمة ادعاء النبوة .(23) ثم أرسل إلى أدرنة للمحاكمة ، حيث حضر وكيل الصدر الأعظم مصطفى باشا وشيخ الإسلام منقاري زادة يحي أفندي ، وإمام السلطان الواعظ محمد أفندي الواني ، كما حضر رئيس الأطباء حياتي زادة مصطفى أفندي وهو يهودي أسلم بالظاهريتحدث اللغة الأسبانية كمترجم لسبتاي زيفي ، وبعد المرافعات صدر القرار بإعدام سبتاي زيفي ، إلا أن تدخل رئيس الأطباء الذي طلب من زيفي إعلان إسلامه للعفو عنه منع ذلك ، وبالفعل أعلن سبتاي زيفي الإسلام فأطلق السلطان سراحه . (24)
                            بعد أن تم إطلاق سراح سبتاي زيفي جرت مراسيم إعلان إسلامه بتغيير أسمه لمحمد عزيز أفندي ثم اغتساله ونطقه للشهادتين ، ولبس الجبة والعمامة ، ثم تم تسليمه مهام رئيس البوابين في القصر السلطاني وبمرتب شهري مائة وخمسون أوقية فضية عثمانية . بعد ذلك أرسل رسالة إلى أتباعه يقول فيها : ( جعلني يهوه مسلماً أنا أخوكم محمد البواب هكذا أمرني فأطعت ) وبما أن الكتب اليهودية تذكر أن المسيح سيتبعه المسلمون أكد على أن : ( كيان سبتاي القديم صعد إلى السماء وبأمر من يهوه ترك ملكاً يستمر في كونه المسيح ولكن تحت جبة وعمامة )(25). وهكذا فهم اليهود مراد سبتاي من كلامه وكانت هذه بداية يهود الدونمة ( Donmeh) (26). وهي كلمة تركية مركبة من كلمتين دو وتعني اثنين بالفارسية ، ونما وتعني نوع وتعني الكلمة الفرقة القائمة على نوعين اليهودية والإسلام ، ولقد أطلق العثمانيون على اليهود المتظاهرين بالإسلام اسم دونمة وهي مشتقة من فعل دونمك أي عاد ورجع ، أما المصدر منه فيعني المرتدون عن دينهم (27) .
                            تقدم سبتاي زيفي بطلب إلى السلطات العثمانية يطلب فيه أن يقوم بدعوة أتباعه للدخول بالإسلام ، وبناء عليه فقد دخل عدد كبير منهم الإسلام ظاهرياً ، وأصبح لكل يهودي اسمان اسمه السابق وأسم مسلم ، وأصبحوا يمارسون الشعائر الإسلامية من صلاة ودخول للمساجد وصوم وحج ، ولكنهم مع ذلك احتفظوا بعاداتهم وتقاليدهم ولباسهم وشعائرهم باللغة الأسبانية ، وبسبب التقارير التي رفعها الأمن العثماني عنهم وعن أفكارهم وحقدهم على الإسلام والمسلمين ، اتضح للحكومة العثمانية بعد حوالي 10 سنوات أن إسلام سبتاي كان ظاهرياً فقط لينجو مع أتباعه وأن هدفهم كان ضرب الإسلام من الداخل. (28)
                            قامت السلطات العثمانية في زمن السلطان محمد الرابع باعتقال سبتاي زيفي وبعض أتباعه داخل المعبد اليهودي وهو يرتدي الزي اليهودي وكانوا محاطين بالنساء ويشربون الخمور ، وقد اتهم سبتاي بأنه يدعو المسلمين للارتداد عن دينهم . ( 29) وأما أتباعه من اليهود فيبقون على دينهم وكان يعظهم باللغة العبرية ، فتمت محاكمته في قصر السلطنة القديم في أدرنة ، وحكم عليه بالإعدام ، غير أن شيخ الإسلام اعترض على الحكم كي لا يدعي أتباعه عروجه للسماء (30)، وتم نفيه إلى مدينة دولكون (Dolcigno) بألبانيا عام 1673م وتوفي فيها في الثلاثين من أيلول 1675م. (31)
                            ولا يزال الكثير من أتباعه يؤمنون بعدم موته حسب عقيدتهم في القبالا التي تقول بتناسخ الأرواح بقولهم : ( سبتاي زيفي نحن في انتظارك ) . ولا تزال عقيدتهم موجودة حتى اليوم لدى بعض اليهود في مدينة سالونيك. (32)
                            بعد وفاة سبتاي زيفي جمع يعقوب جلبي وشقيقته ( يوهيفيد ) زوجة سبتاي ، أتباعهما من يهود الدونمة وكانوا يشكلون القرابة 200 أسرة ، وذهبا بهم إلى سالونيك حيث انضم إليهم الكثير من دونمة أوروبا . (33) وعندما تسلم يعقوب جلبي زعامة الدونمة في سالونيك حضّهم على ممارسة الشعائر الدينية ، وقسمهم إلى مجموعتين هما : الأغنياء والفقراء ، وكان لكل منهما زي خاص ، وتلقبوا باليعاقبة ( يعقوبلر ) ، إذ ادعى اليعاقبة أن روح سبتاي زيفي انتقلت إلى جسد يعقوب جلبي ، ثم قام بالحج لتغطية يهوديته ، وتوفي وهو هناك . (34)
                            أثناء ولاية مدحت باشا لسالونيك ، تنبه لارتداء الدونمة أزياء خاصة إلا أنه لم يعترض على ذلك ولم يطلب منهم تغيير عاداتهم ، حتى أنهم تلقوا المساعدات المالية من الطريقة البكتاشية في سالونيك ، حيث حاول الدونمة كثيراً التقرب من الطرق الصوفية للاستفادة منها مالياً وكنوع من أنواع النفاق والمداراة والتظاهر في محاولة لإثبات إسلامهم الشكلي ،ولقد كان من هؤلاء من تسلم مناصب رفيعة ومهمة في الدولة العثمانية أمثال رئيس بلدية سالونيك ( حمدي بك )،وأمين الترسانة ، وكتخدا القصر السلطاني ، وكتخدا المدينة ، وأمين الصرة.(35)
                            دبت الخلافات في جماعة دونمة اليعاقبة وأعلن مصطفى جلبي الانشقاق عن الجماعة للخلاف حول تأدية الشعائر الإسلامية حيث كانت الجماعة الجديدة ترى أن لا ضرورة للقيام بها ولا الالتزام بالتقاليد العثمانية ، وتسموا باسم ( القره قاشيون ) ، والمهم ذكره أن جاويد بك ناظر المالية من أعضاء هذه الجماعة الجديدة (36)، ومنهم فائق نزهت أحد وزراء المالية في الدولة العثمانية ، وعبدي ايبكجي وكانت لهما علاقات مع البولونيين . (37)

                            استمر الصراع قائماً بين طوائف الدونمة حتى القرن التاسع عشر الميلادي ، وبلغ الحد بينهم أنهم كانوا يحرمون البيع والشراء من أي طائفة بينهم ، ولا يمكن زواج بنات طائفة من طائفة أخرى ، وتم إزالة هذه المجموعات اليهودية بقيام الدولة التركية الحديثة ، وحاولوا التخفي والانصهار بين الأتراك ، وعلى الرغم من ذلك فقد بقي يهود الدونمة في تركيا محافظين على تقاليدهم وشعائرهم ، وخصوصاً بعض المثقفين أمثال ( خالدة أديب ) ، و( شفيق حسني ) ، وعائلة ايبكجي . (38)
                            كما أصبحت المؤسسات التعليمية ليهود الدونمة مثل مدرسة ( الفيزية ) و( الترقي ) من أكبر مدارس تركيا تطوراً ، وكانت الأسس التي يسير عليها الساباتائيون تتفق مع الماسونية واليهودية ، ولقد درسوا الثقافات واللغات الأجنبية ، ومع هذا فقد كانوا يخفون أصولهم.(39)
                            يتميز الجيل الحديث من يهود الدونمة بمحاولته إزالة كل أسباب الخلاف بين المجموعات الساباتائية والاندماج في المجتمع التركي ، كما يحاولون التخلص من لقب الدونمة الذي يحملونه ، بسبب صعوبة العمل على وجود طائفة منغلقة على نفسها وسرية في تركيا في الوقت الحالي نتيجة الثورة الاجتماعية التي حدثت في تركيا وأدت إلى انصهارهم بالمجتمع. (40)

                            تأثير الحركة الاقتصادي والسياسي في الدولة العثمانيةتغلغل يهود الدونمة في مؤسسات الدولة العثمانية كافة بطرق سرية من خلال أغنياء اليهود ، الذين تسللوا إلى أجهزة الدولة السياسية والاقتصادية ، بقصد فرض نفوذهم وسيطرتهم على الدولة العثمانية وقراراتها الداخلية والخارجية ، فأصبحوا أصحاب قرار وتأثير قوي وكبير داخل الدولة . ومن الصعوبة بمكان الفصل بين الدور الاقتصادي والدور السياسي للدونمة ، فالاقتصاد هو محرك السياسة ، ومن هنا جاءت قوة ونفوذ يهود الدونمة وخاصة أواخر عهد الدولة العثمانية ، ولكننا سنحاول في هذا البحث قدر الإمكان التحدث عن كل دور على حدة .

                            1. تأثيرهم الاقتصادي في الدولة العثمانية :
                            قامت الدولة العثمانية بمنح اليهود عامة والدونمة خاصة الفرص للعمل في كافة مرافق البلاد الاقتصادية بحرية تامة نتيجة نظام الامتيازات التي كفلته لرعاياها ، ولاسيما أن اليهود كانوا أصحاب مهن وخبرة في مجال التجارة والصيرفة ، ونتيجة لتلك الامتيازات تسلل يهود الدونمة إلى الميزان الاقتصادي العثماني عن طري شركات الصرافة اليهودية الأوروبية والأميركية فيما بعد التي كانت تمنحهم المساعدات المالية ، مما دفع إلى ازدهار حركة الاقتصاد العثماني ، ناهيك عن العملات الأسبانية والنمساوية التي أحضرها اليهود معهم إلى الدولة العثمانية ، حيث كان العثمانيون يفضلون تلك العملات كثيراً ويستخدمونها في شراء السلع الغالية الثمن . (41) كما أدت شخصيات يهودية دوراً بارزاً في الاقتصاد العثماني ومنهم ( جاويد بك ) الذي تسلم منصب وزير المالية في الدولة العثمانية بصلاحيات واسعة ، فكان يعقد الصفقات الاقتصادية الكبرى ويقوم بتدبير الأموال اللازمة لهجرة اليهود إلى فلسطين وكان على علاقة واسعة مع أثرياء يهود باريس ، حيث مارس ضغوطاً كبيرة على العثمانيين لأجل هجرة اليهود إلى فلسطين وتحقيق أهدافهم . (42)

                            ومن الشخصيات التي كانت تسيطر على شركات كبيرة جداً في الدولة العثمانية ، موشيه الآتيني الذي كان يملك مصنعاً للتبغ إلى جانب سيطرته على عدد من الشركات التجارية التي كان لها دور مؤثر في الاقتصاد العثماني ، كما امتهنت عائلة الآتيني تجارة الأفيون والنبيذ والخضار والفاكهة في الأناضول دون أن يترتب عليهم أية رسوم أو ضرائب . (43)



                            2. تأثيرهم السياسي في الدولة العثمانية :
                            يرى بعض المؤرخين الأتراك أن رجال طائفة يهود الدونمة محرومون من الشعور بالانتماء إلى الأمة والوطن ، حيث أنهم دخلوا الإسلام خوفاً وقهراً ، وانتسبوا للمجتمع العثماني كعبيد ، فكانوا ينظرون إلى العثمانيين نظرةً حاقدة وسيئة . (44) وذلك على الرغم من تغلغلهم الاقتصادي والسياسي في كيان الدولة العثمانية والجمهورية التركية الحديثة ، حيث شغلوا مناصب قيادية في الدولة . حيث شهدت السنوات التي سبقت تولي السلطان عبد الحميد الثاني الحكم سيطرة يهود الدونمة والماسونية بشكل كبير على سياسة الدولة ، ومنها محاولة وزير الخارجية مصطفى رشيد باشا الذي أصدر تشريعات أواخر حكم السلطان محمود الثاني عام 1839م تشجع الأقليات في الدولة العثمانية على محاولات الانفصال عن الدولة ، وأصدر تشريعات أخرى تدعو إلى التغريب تحت مسمى الإصلاحات ، وعلى الرغم من أن تشريعاته قوبلت بالرفض من قبل علماء الدين وطره من الحكومة عام 1841م ، إلا أنه عاد مرة ثانية عام 1845م وتولى منصب الصدر الأعظم ولم يعزل إلا عام 1858م. (45)

                            استمرت التشريعات البعيدة عن الشريعة الإسلامية في عهد الدولة العثمانية في عهد كل من السلطانين عبد المجيد الأول ( 1839- 1861م) وأخيه عبد العزيز(1861-1876م) ، كتشريعات الوالي مدحت باشا الدونمي الأصل والذي أصبح الصدر الأعظم ، وخطط لقتل السلطان عبد العزيز في محاولة لتولية مراد الخامس ابن السلطان عبد المجيد الأول والذي كان عضواً في المنظمات الماسونية اليهودية. (46) بعد محاولة السلطان عبد العزيز العودة بالحكم حسب التشريعات الإسلامية ، لكن نتيجة الفتوى التي أصدرها شيخ الإسلام حسن خير الله بجواز عزل مراد الخامس عن الحكم ( 1876- 1876م )، أمضى بقية حياته في قصر جراغان ،وتولى الحكم بعده السلطان عبد الحميد الثاني( 1876- 1909م )والذي تم إجباره في بداية حكمه على قبول كافة التشريعات والإصلاحات الممهدة لإعلان النظام الجمهوري.(47)
                            ومن خلال الدور الذي أداه يهود الدونمة في إضعاف الدولة العثمانية عن طريق حركة ( جون ترك ) وهي جمعية سرية تابعة للجمعية الماسونية الفرنسية وكانت تعمل من سالونيك حيث ضمت أكثر يهود أوروبا نفوذاً وثراءً . و ( جمعية الاتحاد والترقي ) إذ كان هؤلاء الدونمة على رأس هذه الحركات التي بذلت الجهد الكبير لتنحية السلطان عبد الحميد الثاني عن السلطنة بزعامة رئيسهم الدونمي ( رمزي بك ) الذي بدلاً من محاكمته عسكرياً بسبب سوء تصرف الجنود الذين كانوا تحت إمرته عُينَ رئيساً لأركان حرب السلطان محمد الخامس (48)، وكان المحامي ( قره صو ) اليهودي الدونمي ضمن الوفد الذي أخبر السلطان عبد الحميد الثاني بقرار عزله عن الحكم في الدولة العثمانية ، وكان موشيه الآتيني الدونمي المرافق الخاص للسلطان عبد الحميد بعد نفيه إلى سالونيك . (49) وفي هذا المجال يؤكد السلطان عبد الحميد الثاني في مذكراته عن مدحت باشا وأهدافه الماسونية فيقول : ( لقد وجدت مدحت باشا ينصب نفسه آمراً ووصياً عليّ ، وكان في معاملته بعيداً عن المشروطية والديمقراطية وأقرب إلى الاستبداد). (50) وعلى الرغم من ذلك فقد شهد عهد السلطان عبد الحميد الثاني تسامحاً كبيراً مع اليهود ، وهذا ما جاء في كتابات اليهود ، حيث ذكرت الموسوعة اليهودية أن السلطان عبد الحميد الثاني عامل اليهود معاملةً طيبة (51)، وهذا الأمر أكده صديقه الشخصي اليهودي (ارمنيوس فامبيري )( 52) الذي قال : ( خلال الصداقة المستمرة التي تربطني بالسلطان عبد الحميد الثاني منذ سنوات طويلة ، كان لي الفرصة للتعرف على معاملته الطيبة لليهود وكان أول حاكم تركي يعطيهم المساواة مع المسلمين أمام القانون ، وعندما استلم الحكم أمر بمنح راتب شهري لحاخام تركيا الأكبر ، واتخذ تقليداً بأن يرسل سنوياً في عيد الفصح مبلغ ثمانية آلاف فرنك إلى حاخام استانبول لتوزع على فقراء اليهود في العاصمة التركية ، وعندما أعلنت سلطات كريت المحلية عام 1881م منع اليهود المشاركة بالانتخابات البلدية ، ألغى السلطان هذه الانتخابات ووبخ سلطات كريت ، وعندما حدث حريق عام 1882م في الحي اليهودي ( حسبنكي) وتشردت ستة آلاف عائلة يهودية ، بذل السلطان ما باستطاعته لتخفيف هذه الكارثة على اليهود ) (53)

                            رابعاً: علاقة يهود الدونمة بالماسونية وجمعية الاتحاد والترقي
                            استطاع يهود الدونمة أن يستغلوا ويحاولوا الاستفادة قدر المستطاع من الجمعيات الماسونية السرية التي أنشأت في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية لتحقيق أهدافهم وغاياتهم في السيطرة ليس فقط في الأناضول بل عالمياً ولأجل إقامة مملكون صهيون العالمية(54)، ومن تلك الجمعيات الماسونية : البناء الحر (55) وأخوة الشيطان (56) ، وشهود يهوه (57)، وأصحاب القداس الأسود (58)،وبني برت (59) .

                            كما كان ليهود الدونمة الصلة الوثيقة بالصهيونية خلال فترة اضمحلال النفوذ العثماني وضعف الدولة العثمانية ، من خلال الدور الذي أداه الدونمة في الحركة الصهيونية التي كانت تنادي بفلسطين وطناً قومياً لليهود ، ودورهم في تأسيس جمعية الاتحاد والترقي عام 1889م والتي كان لها التأثير الكبير على مجريات الأمور في نهاية الدولة العثمانية وتركيا الحديثة فيما بعد . فمن هؤلاء الدونمة الذي كان لهم الدور في تأسيس الاتحاد والترقي المحامي اليهودي ( عمانويل كراسو ) والذي استطاع إقناع أعضاء الجمعية بعقد جلساتهم السرية داخل المحفل الماسوني ( مكدونيا ريزورتا ) الذي أسسه اليهودي الدونمي السلانيكي قره صو ، مستفيداً من معاهدة الامتيازات الأجنبية التي كفلت الحصانة للرعايا الأجانب وحمايتهم وأملاكهم من القضاء العثماني إلى درجة منع تفتيش منازلهم . (60)
                            ولأجل إحكام سيطرة الدونمة على جمعية الاتحاد والترقي والتحكم برجالاتها من مدنيين وعسكريين ، أقنع عمانويل كراسو أعضاء الجمعية بالانضمام رسمياً للمحفل الماسوني مكدونيا بحجة أن مقر المحفل هو منزل لأحد الرعايا الأجانب والذي يتمتع بحصانة من التفتيش ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر لقيت جمعية الاتحاد والترقي الدعم المالي من يهود الدونمة بهدف تنفيذ برنامج اليهود في الدولة العثمانية ، حتى أصبح الناس يقولون أن جمعية الإتحاد يهودية ماسونية وهذا ما أكدته وثيقة بريطانية عام 1910م مرسلة من السفير البريطاني في استانبول لوزارة الخارجية البريطانية (61) إذ تقول ( إن جمعية الاتحاد والترقي تبدو في تشكيلها الداخلي تحالفاً تركياً يهودياً مشتركاً فالأتراك يمدونها بالمادة العسكرية الفاخرة ، واليهود يمدونها بالعقل المدبر . إذ أن اليهود يسعون للسيطرة الاقتصادية والصناعية على تركيا الفتاة، ولكي يصل اليهود إلى مكان النفوذ في تركيا الفتاة فإنهم يشجعون الاتجاهات القومية التركية ). (62)
                            ولقد كانت جمعية الاتحاد والترقي في السابق فرعاً لحزب تركيا الفتاة الذي تأسس على أيدي الأتراك المثقفين بالثقافة الفرنسي بزعامة ( أحمد رضا بك ) ، وكانت تعمل في الخفاء ولها مراكز في سالونيك واستانبول وبرلين ، وفرع سالونيك بالتحديد كان يضم معظم الضباط العثمانيين ، ومن بينهم طلعت بك الذي تولى رئاسة الوزراء فيما بعد . (63)
                            اتخذت جمعية الاتحاد والترقي شعاراً لها الحرية والمساواة بين شعوب الدولة ، واشتهرت بإشاعة الدعايات ضد السلطان عبد الحميد الثاني . وكانت المحافل الماسونية في فرنسا وإيطاليا تقوم بتقديم الدعم المالي والسياسي والإعلامي للجمعية لتباشر نشاطها ضد السلطان عبد الحميد الثاني داخل الدولة العثمانية وخارجها .(64) حيث كان عدداً كبيراً من أعضاء هذه الجمعية من يهود الدونمة ممن كانوا يعيشون في أوروبا ، وكانوا على صلة كبيرة بالدبلوماسية الأوروبية التي تمدهم بالمساعدات وخاصة من فيينا وبودابست وبرلين وباريس ولندن .(65)
                            خطط يهود الدونمة مع جمعية الاتحاد والترقي لإلغاء السلطنة العثمانية وتأليب الرأي العام المسلم ضدها ، فاتبعوا إجراءات عدة لتحقيق هدفهم ومنها :
                            1. إثارة الأقليات غير المسلمة كالأرمن ضدّ السلطان عبد الحميد الثاني ، بهدف إقامة دولة أرمنية في الأناضول . واستغلال الطوائف المسيحية الأخرى للتمرد على الدولة العثمانية ، وهذا ما يؤكده السلطان عبد الحميد في مذكراته بقوله : ( لم أكن أُدهش لهيام الأرمن بحب الاستقلال ، وخاصة بعد معرفة إثارة الدول الكبرى لهم بلا توقف ، لكني أُدهش لقيام بعض أفراد ( تركيا الفتاة ) الذين هربوا إلى أوروبا وأصدروا هناك صحفاً ضدّي ، كانوا يتعاونون مع أعضاء المنظمات والجمعيات الأرمنية ، كما أُدهش لأنهم كانوا يتلقون الأموال منهم)(66)
                            2. تعظيم الحضارة الغربية ، والعمل على تغريب تركيا ، والابتعاد عن التقاليد والشعائر الدينية الإسلامية ، حيث كانوا يعملون على تدريس الشباب التركي الاتجاهات الفكرية ، والعادات والتقاليد الغربية . (67) بالوقت الذي أغروا فيه الطلاب الأتراك مادياً للانضمام إلى صفوفهم ، ومن كانوا يريدونه ويرفض الانضمام يلفقون له التهم بالانضمام إلى الجمعيات والأحزاب السرية المناهضة للدولة . (68)
                            3. سياسة التتريك وبعث القوميات ، حيث عمل الدونمة على إحياء القوميات الأخرى التي انصهرت في الدولة العثمانية ،وإثارة النعرات الطائفية بهدف تمزيق الدولة التي بقيت متماسكة زهاء أربعة قرون . (69) ونتيجة لتلك السياسة التي اتبعها الدونمة تم اضطهاد الأرمن مما جعل اليهود يحلون مكانهم اقتصادياً خاصة في استانبول وأزمير وسالونيك . (70)
                            لقد كانت سياسة التتريك التي عمل على تروجيها اليهود مع حزب تركيا الفتاة ، قد ظهرت في عهد السلطان عبد الحميد الثاني وأثارت ضدّه الكثير من المعارضات ، فقاد فرع ( القبانجية) من الدونمة انقلاب حزب تركيا الفتاة ضد السلطان ، مما أفسح المجال أم جمعية الاتحاد والترقي لتسلم زمام الأمور في تركيا .(71)
                            وكان من أبرز أعضاء جمعية الاتحاد والترقي من يهود الدونمة الذين كان لهم دور كبير في الحياة السياسية التركية :
                            نزهت فائق أحد وزراء المالية في ذلك العهد ، ومصطفى عارف أحد وزراء الداخلية في عهد الاتحاد والترقي ، مصلح الدين عادل عمل كمستشاراً لوزارة التعليم التركية وكان نائباً لوزير التربية . (72) ورمزي بك أحد قواد الجيش أيام السلطان عبد الحميد الثاني ثم أحد مساعدي السلطان محمد رشاد . وأحمد أمين يلمان ، الذي درس الحقوق وحصل على دكتوراه بالفلسفة من جامعة كولومبيا، ثم أسس جريدة الصباح عام 1907م ثم رئيساً لتحرير صحيفة طنين عام 1908م ، ثم رئيساً لتحرير جريدتي الوطن والصباح عام 1918م . (73)
                            كان ليهود الدونمة دورهم البارز داخل جمعية الاتحاد والترقي ، فقد أوعزوا لأنصارهم لاغتيال محمود شوكت قائد الانقلاب على السلطان عبد الحميد الثاني بعد أن اصطدم بهم حيث لم يكن ماسونياً . (74) كما عملوا على اغتيال السلطان عبد العزيز لأنه كان يفضل التعامل مع الأرمن على اليهود ولإبعاده اليهود عن المراكز الحساسة في الدولة ، وعينوا مراد الخامس ، ومن بين هؤلاء المتآمرين كان مدحت باشا والي الدانوب ( الطونة ) ابن حاخام هنغاري وهو الذي أنشأ المدارس اليهودية في الشرق . (75) وفي عام 1908م هاجر عدد كبير جداً من يهود الدونمة إلى استانبول ، حيث مارسوا سياسة الضغط السياسي والاقتصادي على العثمانيين . (76) وهؤلاء هم الذين قاموا بأحداث عام 1908م في استانبول، حيث ثبت تأثير الدونمة في صفوف الجيش العثماني عندما تخفوا في زيّ الجنود وبدأوا بتحريضهم على الثورة . (77)
                            كان السلطان عبد الحميد يعلم حقيقية يهود الدونمة في التآمر عليه مع جمعية الاتحاد والترقي، حيث طلب من حاخام استانبول ( موشيه ليفي ) كتابة تاريخهم له ، فكتبه وتمت ترجمته للغة العثمانية ، وتقديمه للسلطان عبد الحميد ، إلا أنه لم يتخذ أي إجراء ضدهم . (78) وكان العثمانيون يعلمون هذا الأمر ويعلمون أن مركز الانقلاب ضد السلطان عبد الحميد كان من سالونيك مركز الدونمة بعد أن قام السلطان عبد الحميد الثاني بإبعادهم من استانبول إليها .
                            ومن الجدير بالذكر أنه كان ليهود الدونمة دور كبير في مذابح الأرمن شرق الأناضول ، ودخول تركيا الحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانيا بعد إقناعهم السلطان محمد رشاد بالدخول في تلك الحرب الخاسرة ، حيث احتل الحلفاء معظم أراضي الدولة العثمانية وحاصروا استانبول ، وقبل ذلك شعر العرب بضعف الدولة العثمانية وسيطرة اليهود عليها وفساد البلاط العثماني فاختاروا الانفصال بدعم بريطاني ، حيث كان السلطان لعبة بيد الدونمة ولا يعلم ما يجري خارج قصره ، حيث كان منصبه تشريفياً فقط لكسب ولاء الشعب . (79)
                            وفي عام 1923م أعلنت الجمعية الوطنية التركية قيام الجمهورية التركية وانتخاب مصطفى كمال أتاتورك المولود في سالونيك في أحد منازل يهود الدونمة كأول رئيس لها ، بعد تعهده لبريطانيا بالموافقة على جميع شروطها ومنها (80)
                            1. قطع تركيا علاقتها بالإسلام .
                            2. إلغاء الخلافة الإسلامية .
                            3.القضاء على أية حركة تسعى لإحياء الخلافة .
                            4.وضع دستور علماني وصياغة قوانين وضعية مكان الإسلامية .
                            تظاهر أتاتورك مؤقتاً بالحفاظ على الخلافة وعيّن السلطان عبد المجيد بدلاً من محمد السادس الذي غادر إلى مالطة على ظهر بارجة بريطانية ، إلا أن السلطان عبد المجيد لم يمارس مهامه في الحكم . وفي عام 1924م قام أتاتورك بإلغاء الخلافة الإسلامية ونفي السلطان خارج البلاد ، وإعلان الدستور العلماني الجديد لتركيا ، وتبديل الحروف العربية باللاتينية وبدأ حكمه كرئيس للجمهورية التركية رسمياً .


                            الخــاتـــمــة :

                            بعد البحث في تاريخ يهود الدونمة في الدولة العثمانية يمكن وضع النتائج الآتية :
                            1. تعدّ حركة يهود الدونمة من الحركات الدينية السياسية الموجهة ضدّ الدولة العثمانية كونها من أكبر الحركات الدينية التي أدت دوراً بارزاً في سقوط الدولة العثمانية .
                            2. عملت حركة يهود الدونمة على هدم القيم الإسلامية داخل المجتمع العثماني عن طريق نشر الإلحاد والأفكار الغربية والدعوة لرفع الحجاب والاختلاط بين النساء والرجال وخاصة في المدارس والجامعات .
                            3. قام يهود الدونمة بتأسيس المحافل الماسونية داخل الدولة العثمانية ، وأدوا دورهم البارز في تأسيس جمعية الإتحاد والترقي ونشر شعارات براقة كاذبة كالحرية والعدل والمساواة بهدف جذب البسطاء من الناس والترويج للأفكار الهدامة .
                            4. يعدّ سبتاي زيفي أول من نادى بضرورة جعل فلسطين وطن قومي لليهود وذلك قبل هرتزل بثلاثة قرون. فهو بذلك أول من أسس الصهيونية العالمية .
                            5. أدى يهود الدونمة والماسونية دورهم ببث الدعايات ضدّ السلطان عبد الحميد الثاني من مركزهم في سالونيك ، وتغلغلوا في صفوف الجيش العثماني لأجل الإطاحة به.
                            6. كان للدونمة اليد الطولى في اتخاذ القرارات في جمعية الإتحاد والترقي ، وتطبيق الدستور العلماني للدولة .



                            _________________
                            الهوامش :
                            (1) محمد حرب ، يهود الدونمة ، دراسات إسلامية تاريخية ، مؤسسة الدراسات التاريخية ، الكويت ، د. ت ، ص 11 .
                            (2) أحمد عثمان ، تاريخ اليهود ، مكتبة الشروق ، القاهرة 1994م ، ج3، ص 55.
                            (3) أحمد سوسة ، العرب واليهود في التاريخ ، العربي للطباعة والنشر والتوزيع ، ط7، دمشق ، د. ت ، ص 698- 699.
                            (4) لقد أطلق لقب السفارديم على يهود أسبانيا وهم من نسل قبيلة بنيامين وقد أنشأوا لأنفسهم حياة خاصة ، وكانت لهم طقوس دينية متميزة، وكانت أعدادهم في الدولة العثمانية تفوق جميع الفئات اليهودية الأخرى . سوسة ، المرجع السابق ، ص 700. جمال حمدان ، اليهود أنثروبولوجيا ، المكتبة الثقافية 169، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، القاهرة ، 1967م، ص 23.
                            (5) سوسة ، المرجع السابق ، ص 700.
                            (6) أحمد نوري النعيمي ، اليهود والدولة العثمانية ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، دار البشير ، الأردن ، 1997م ، ص 22-29.
                            (7) عبد الوهاب المسيري ، اليد الخفية ، دار الشروق ،د.ط ، بيروت 1998م ، ص 101.
                            (8) عبد العزيز الشناوي ، الدولة العثمانية دولة مفترى عليها ، مكتبة الأنجلو – مصرية ، ج2 ، د. ت ، ص 75.
                            (9) سمحت الدولة العثمانية لليهود المهاجرين من أوروبا الإمامة في أراضيها ، ولقد سبق وتوسطت لهم ( روكسلانة ) زوجة السلطان سليمان القانوني الروسية اليهودية الأصل ، التي أنجبت منه ولدين بايزيد وسليم الثاني ، ونجحت بإفساح المجال لولديها بولاية العهد بعد مقتل مصطفى الولد الأكبر للسلطان من أمه الشركسية. عبد الله التل ، الأفعى اليهودية في معاقل الإسلام ، القاهرة 2000م ، د.ط ، ص 29. كما حصلت روكسلانة على مرسوم من السلطان بالموافقة على هجرة اليهود للدولة العثمانية ، حيث أقام قسم منهم في أزمير، ومنهم ظهرت أسرة ( زيفي ) ومنها ظهر سبتاي زئيفي الذي ولد عام 1626م والذي انتسب له الدونمة . محمود شاكر، التاريخ الإسلامي العهد العثماني ، المكتب الإسلامي ،د.ط بيروت ، 1987م ، ص 203.
                            (10) ميم كامل اوكي ، السلطان عبد الحميد بين الصهيونية العالمية والمشكلة الفلسطينية ، ترجمة إسماعيل صادق ، الزهراء للإعلام العربي ، د. ط ، القاهرة 1992م ، ص 56.
                            (11) هدى درويش ، العلاقات التركية اليهودية وأثرها على البلاد العربية، دار القلم ،ط1 دمشق ، 2002م ،ج1 ، ص99.
                            (12) محمد حرب ، يهود الدونمة إلى الآن يحجون ويصومون ويدخلون المساجد ، مجلة العربي ، العدد 55 ، 1980م ، ص 44.
                            (13) التلمود ، إيضاحات وتفسيرات للتوراة ، ( أقوال الحاخامات ) ومنزلتها لدى اليهود أرفع من منزلة التوراة ، انظر ، رشيد الخيون ، الأديان والمذاهب بالعراق ، لندن 2002م ، د.ط ، ص 313.
                            (14) ثريا شاهين ، دور الكنيسة في الدولة العثمانية ، ترجمة ، محمد حرب ، استانبول ، 1997م ، ص 118. والقابالا عند المؤمنين بها هي تعلم جميع المعاني الرمزية لتجسيم الله والقباليون يدعون أن كتاب التكوين عندهم مأخوذ من موسى ، وموسى استمده من إبراهيم ، ويبحث هؤلاء في معرفة الإشارات التي تنبئ بقدوم المسيح اليهودي . أنظر ، سوسة ، مرجع سابق ، ص 403. أنظر الملاحق حول القابالا
                            (15) هدى درويش ، حقيقة يهود الدونمة في تركيا وثائق جديدة ، معهد الدراسات الآسيوية ، جامعة الزقازيق ، ط1 ، 2003م ، ص 18.
                            (16) أحمد شلبي ، اليهودية ، مكتبة النهضة الحديثة ، القاهرة ، ط1 ، 1992، ص 244.
                            (17) سالونيك في الوقت الحاضر ميناء يوناني تبعد عن اسطنبول حوالي 250كم ولها موقع تجاري مهم دخلت إلى حكم العثمانيين عام 1430م حتى 1913م، حيث تخلى عنها العثمانيون بموجب معاهدة بوخارست ، أحمد نوري النعيمي، يهود الدونمة دراسة في الأصول والعقائد والمواقف ، ط1 ،دار البشير، بيروت ،1995 ص26.
                            (18) درويش ، حقيقية يهود الدونمة ، المرجع السابق ، ص 21.
                            (19) عثمان ، مرجع سابق ، ص 57.
                            (20) المسيري ، مرجع سابق ، ص 99.
                            (21) درويش ، المرجع السابق ، ص 21 .
                            (22) حسن ظاظا ، الفكر الديني اليهودي ، دار القلم ، ط4 ، 1999م ، ص125.
                            (23) عبد الرحمن البوسيري ، اليهودية والماسونية ، القاهرة 1999م ، د.ط ، ص 32.
                            (24) منصور عبد الحكيم ، عبد الحميد الثاني المفترى عليه ، القاهرة ، 2010م ، ص112.
                            (25) النعيمي ، اليهود والدولة العثمانية ، مرجع سابق ، ص 44.
                            (26) الدونمة كلمة تركية تعني المتخفي ، أنظر ، جلال هاشم ، الأقلية اليهودية في تركيا ، مجلة السياسة الدولية ، القاهرة ، العدد ،131، ص91. أو الردة وتطلق على اليهود الذين يعلنون إسلامهم ظاهرياً ويكتمون تمسكهم بالديانة اليهودية ، أنظر، محمد علي قطب،ماذا تعرف عن يهود الدونمة ، دار الأنصار ، ط، 1القاهرة ، 1987، ص9.
                            (27) النعيمي ، اليهود والدولة العثمانية ، المرجع السابق ، ص 34.
                            (28) محمد حرب ، مذكرات السلطان عبد الحميد ، القاهرة 1998م ، د.ط ، ص 92.
                            (29) النعيمي ، يهود الدونمة ، ص 41.
                            (30) درويش ، العلاقات التركية اليهودية، ص 90.
                            (31) مصطفى طوران ، أسرار الانقلاب العثماني ، ترجمة كمال خوجة ، استانبول ، 2000م ، ص 63.
                            (32) النعيمي ، يهود الدونمة ، ص 42-45.
                            (33) المرجع السابق ، ص 47-54.
                            (34) درويش ، العلاقات التركية اليهودية، ص 91.
                            (35) طوران ، أسرار الانقلاب ، مرجع سابق ، ص 22-27.
                            (36) Ilgaz Zorlu, Turkiye Sabetaycilige , Istanbul , 1998, p 95.
                            واليغاز زورلو مؤلف كتاب السبتائية في تركيا ، هو يهودي من سالونيك ولد عام 1969م ، تخرج من جامعة بورصة عام 1990م، ثم ذهب إلى القدس ليعمل ببعض الدراسات في معهد بن زيفي الذي يحتفظ بأهم مصادر يهود الدونمة في الدولة العثمانية ، واليغاز هو الحفيد السادس لشمس أفندي مدرس كمال أتاتورك ، ويعتقد زولو وهو سابتائي ، أن سابتاي زيفي هو واضع أكبر نظرية للساباتائية في منهج التصوف اليهودي.
                            (37) Ibid , p,128.
                            (38) Hikmet Tanyu , Tarih Boyunca Yahudiler ve Turkler, Istanbul , 1976, C.II,p . 722-723. طانيو ، اليهود والأتراك عبر التاريخ ، ج1 ، استانبول ، 1976م
                            (39) Ilgaz Zorlu, op cit , p147.
                            (40) النعيمي ، يهود الدونمة ، مرجع سابق ، ص 65.
                            (41) درويش ، حقيقة يهود الدونمة ، ص 33.
                            (42) صالح زهر الدين ، اليهود في تركيا ودورهم في قيام الحلف التركي الإسرائيلي، الدار الوطنية للدراسات والنشر والتوزيع ، كفر نبرخ ، 1998م ، ص90.
                            (43) درويش ، حقيقة يهود الدونمة ، ص 34.
                            (44) Ismail Hami Danismend, Izahli Osmanli Tarihi Kronolojisi , c1. Istanbul ,1972, p.354. إسماعيل حامي دانشمند ، تقويم التاريخ العثماني الموضح ، استانبول ، 1972م ، ص 354.
                            (45) مفيد الزيدي ، العصر العثماني ، عُمان ، 2003م ، ص 255.
                            (46) الحكيم ، عبد الحميد الثاني ، مرجع سابق ، ص 402.
                            (47) المرجع السابق ، ص 402.
                            (48) وثائق في الماسونية ، مخطوط مركز بحوث العالم التركي ، القاهرة . انظر في الملحق صورة أعضاء جمعية جون ترك في اجتماعهم عام 1902م في باريس .
                            (49) عبد الحكيم ، مرجع سابق ، ص 446.
                            (50) حرب ، مرجع سابق ، ص 121.المشروطية وتعني الدستور العثماني والذي يحدد سلطات الحاكم. ومدحت باشا (1822- 1885م) تولى منصب الصدر الأعظم في عهد السلطان عبد الحميد الثاني ، كان أكبر الداعين للأخذ عن الغرب ومن الداعمين لتحجيم دور السلطان عن طريق إعلان الدستور وكان له الدور في الحرب مع روسيا وهزيمة العثمانيين ، وقد نفاه السلطان خارج الدولة .
                            (51) رفيق شاكر النتشة ، السلطان عبد الحميد وفلسطين ( السلطان الذي فقد عرشه في فلسطين ) دار الكرمل ، ط1 ، عمان ، 1984م ، ص27.
                            (52) عبد الوهاب المسيري ، موسوعة اليهود واليهودية الصهيونية ، دار الشروق ، ط1 ، م2 ، ج2، القاهرة 1999م ، ص306.
                            (53) النتشة ، المرجع السابق ، ص 27.
                            (54) صابر طعيمة ، الماسونية ذلك العالم المجهول ، دار الجيل ،د.ط ، بيروت 1975م ، ص15.
                            (55) تعمل هذه الجمعية الماسونية على بث الدسائس السياسية تحت شعار الإخاء والصداقة، أنظر ، محمد محمد إبراهيم زغروت ، دور يهود الدونمة في إسقاط الخلافة العثمانية ، دار التوزيع والنشر الإسلامية ، القاهرة ، 1995م ، ص 25.
                            (56) أخوة الشيطان : وتلك الجماعة تتخذ من الشيطان زعيماً لها ، لأنه كما يدعون أنه تزعم ثورة الملائكة في السماء، ورفض أن يسجد لآدم ، ويعتقدون أنه لا وجود لله ، ورمز معبدهم صورة امرأة عارية ونجمة خماسية رمزاً للشيطان ، وأول ما ظهرت هذه الجمعيات كانت في سان فرانسيسكو عام 1966م . أنظر داوود عبد العفو ، القوى الخفية اليهودية العالمية الماسونية ، دار الفرقان ، د.ط ،1983م ، ص328-330.
                            (57) شهود يهوه : جماعة يهود يتظاهرون بالمسيحية تحقيقاً لرغباتهم ، ويزعمون أنهم يدعون للخير ، لكن أهدافهم تسعى لإقامة مملكة يهوه . أنظر ، محمد حرب ، شهود يهوه ، سلسلة دراسات تاريخية ، ط2 ، بيروت ،1983م ، ص 36-37.
                            (58) أصحاب القداس الأسود: ظهرت في جنوب فرنسا ضد الكنيسة ويدعون إلى الانضواء تحت لواء الشيطان ومحاربة الأخلاق ، وتعود بأصولها إلى القبالا اليهودية وتعتمد على السحر والشعوذة . انظر ، فهمي الشناوي ، مصرع الخلافة العثمانية ، المختار الإسلامي ، القاهرة 1995م ، ص 69.
                            (59) بني برت : وهي جمعية ماسونية تأسست في نيويورك عام 1834م من كبار زعماء اليهود في العالم أمثال : ( ناحوم سوكولوف )، و (حاييم وايزمن ) ، و (مائير برلين) ، وتزعم أنها تنشر الخير بين الناس ،وكان لها فرع في كل بلد يدرس الوضع الاقتصادي والسياسي فيه ، وبني برت كلمة عبرية تعني أصحاب العهد ، أنظر ، عبد الوهاب المسيري، موسوعة المفاهيم والمصطلحات اليهودية ، مركز الدراسات الإستراتيجية بالأهرام ،القاهرة 1975م ، ص 108.
                            (60) محمد توفيق حسن ، دور اليهود والماسونيون في الانقلاب 1908م ( وثيقة مترجمة )، مجلة آفاق عربية ، ع9 ، أيار 1978م ، ص 58.
                            (61) درويش ، العلاقات التركية اليهودية، مرجع سابق ، ص 356-367.
                            (62) حسن صبري الخولي ، سياسة الاستعمار والصهيونية تجاه فلسطين في النصف الأول من القرن العشرين ، مج2 ، دار المعارف بمصر ، 1970م ، ص 107.
                            (63) درويش ، يهود الدونمة ، مرج سابق ، ص 107-108.
                            (64) زغروت ، مرجع سابق ، ص 31.
                            (65) حسان علي حلاق ، موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية ، دار الهدى ، ط2 ، جامعة بيروت العربية ، 1990م، ص 297-298.
                            (66) حرب ، مذكرات السلطان ، مصدر سابق ، ص 129.
                            (67) س ناجي ، المفسدون في الأرض ، العربي للإعلان والنشر ، ط2 ، دمشق ، 1973م ص314.
                            (68) هـ. س . أرمسترونج ، الذئب الأغبر ، مصطفى كمال ، دار الهلال ،د.ط، القاهرة 1952م،206.
                            (69) زغروت ، مرجع سابق ، ص 64.
                            (70) أرمسترونج ، المصدر السابق ، ص 315.
                            (71) درويش ، العلاقات التركية العربية ، مرجع سابق ، ص 116-117.
                            (72) حلاق ، المرجع السابق ، ص 312.
                            (73) النعيمي ، دور يهود الدونمة ، مرجع سابق ، ص 66-76.
                            (74) ناجي ، المرجع السابق ، ص 317.
                            (75) أنور الجندي ، اليقظة الإسلامية في مواجهة الاستعمار ، دار الاعتصام ، د.ط ، القاهرة، د.ت ، ص 125.
                            (76) حلاق ، المرجع السابق ، ص 314.
                            (77) حلاق ، موقف الدولة العثمانية ، المرجع السابق ، ص 311.
                            (78) درويش ، العلاقات التركية العربية ، ص 121.
                            (79) زكريا سلوم بيومي ، قراءة جديدة في تاريخ العثمانيين ، القاهرة 1998م ، ص 43.
                            (80) نوري النعيمي ، الحركة الإسلامية الحديثة في تركيا ، القاهرة ، 2000م ، ص 23.
                            (81) عبد الحكيم ، السلطان عبد الحميد ، مرجع سابق ، ص456.


                            تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                            قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                            "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                            وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                            تعليق


                            • #44
                              المشاركة الأصلية بواسطة صباحو مشاهدة المشاركة
                              الوثيقة العثمانية [1] : واردات قطر والإمارات من صيد اللؤلؤ من وكالة قائممقامية قطر
                              اخي بارك الله فيك .. بالفعل جهد يستحق الثناء ..
                              اخي هل ورد اسم الامارات هكذا في الوثيقة .. ام انك قمت بالتعديل على العنوان بحيث تقصد بالامارات , امارة ابو ظبي وساحل عمان .. حيث انه لم تكن هذه الامارات ( ابو ظبي وغيرها ) قد توحدت تحت مسمى ( الامارات العربية المتحدة ) في ذلك الوقت ..
                              [CENTER][SIZE=6][COLOR=#ff0000][FONT=microsoft sans serif]قدماء[/FONT][/COLOR][/SIZE]
                              [/CENTER]

                              [COLOR=#40e0d0][SIZE=4][SIZE=5][SIZE=6][SIZE=4][RIGHT]"[COLOR=#ff0000]ركني الحاني ومغناي الشفيق
                              [/COLOR][/RIGHT]
                              [/SIZE][/SIZE][/SIZE][/SIZE][/COLOR][SIZE=4][SIZE=5][SIZE=6][SIZE=4][LEFT][COLOR=#ff0000]وظلال الخلد للعاني الطليح[/COLOR][/LEFT]
                              [RIGHT][COLOR=#ff0000]علم الله لقد طال الطريـــــــــق [/COLOR][/RIGHT]
                              [LEFT][COLOR=#ff0000]وأنا جئتك كيما استريــــــح[/COLOR][COLOR=#40e0d0]"[/COLOR][/LEFT]
                              [/SIZE][/SIZE][/SIZE][/SIZE]

                              تعليق


                              • #45
                                الأتراك وقصة “خيانة العرب” في الحرب العالميّة الأولى



                                بعد قيام الجمهورية التركية الحديثة على يد مصطفى كمال أتارتوك حدثت تغييرات جذريّة في الكثير من المجالات، وأُريد للشّعب التّركي أن تنقطع صلته تماما بكل ما يمت بصلة إلى العرب واللّغة العربيّة. ومن أجل تنفير النّاس من العرب دأب عدد كبير من المؤرخين الأتراك على ترويج فكرة أن العرب طعنوا الأتراك من الخلف وخانوهم بتحالفهم مع أعدائهم أثناء الحرب العالمية الأولى. وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بُذلت لترسيخ هذه الأفكار والقناعات فقد نشأ جيل جديد من المؤرخين الذين احترموا قواعد البحث العلمي ونظروا في الحقائق التاريخية بعيدا عن الأهواء والإيديولوجيات وبعيدا عن التأثيرات السياسية ليخلصوا أخيرا إلى أن ما زُعم من “الخيانة العربية الكُبـرى” لا تعدو أن تكون حركة منفصلة قام بها عدد قليل جدّا من العرب، ولذلك تعدّ استثناء قياسا إلى مواقف الجماهير العريضة.
                                يقول المؤرخ والكاتب في صحيفة “حريّت” التّـركية مراد بارداقجي أوغلي متسائلاً “لماذا انهارت الدّولة العثمانية بسبب الدّين الّذي زُعم طويلاً أنّه العنصر الموحّد والجامع؟ ولماذا تلقّى الأتراك طعنة موجعة من العرب والمسلمين الذين كانوا يشكلون العُنصر الأكبر في الدّولة في فترة تفكك الدّولة وتشرذمها”؟ وهو بذلك ينتقد الرأي الذي عاد للظّهور بقوة في السّاحة التركية في الوقت الحاضر، عند الكثير من الكتاب والسّياسيين من أن الدّين كان عاملاً مهمّا في قوة الدولة العثمانية واستمرارها لمدة ما يقرب من ستمائة عام، وسوف يظل كذلك حسب رأيهم.
                                في الواقع بارداقجي أوغلي لم يأت بشيء جديد، فهو يكرّر القصة القديمة التي ظلت تُلقّن للناس لأكثر من ثمانين عاما وتبدأ بالقول “إن إخوانَكم العرب والمسلمين الآخرين قد باعوكُم في الحرب العالمية الأولى”، وتنتهي بالقول “لا صديقَ حميمًا للتّركي غير التّركي”.
                                في الواقع لا يمكن إنكار حقيقة أنّ هناك من بين العرب من وقف ضدّ الأتراك في فترة انهيار الدولة العثمانية، وساند الأعداء، بل وهناك من تلقى الأمــوال بسخاء من الانكليز من عرب الجزيرة العربية لكي يساندوهم في إثارة النّاس ضد حكم العثمانيين، وينقلوا لهم الأخبار بالتفصيل ويجهضوا عمليات المقاومة التي كانت تتشكل في مناطق مختلفة. لكن من الخطأ الكبير اعتبار هذه التّحركات المعادية للأتراك هي الموقف العام للشّعوب العربية آنذاك.
                                مثلما ذكرنا من قبل كان كلّ شابّ تركي، فترة تعلّمه بالمدرسة وبالجامعة يتلقى معلومات مكرّرة، ويتشربّها منذ نعومة أظافره مفادها “أنّ العرب خذلونا في الحرب العالمية الأولى”. وهذا صحيح بشكل جزئيّ جدا، فمن المعروف أنّ الشّريف حسين أمير مكّة تحالف مع الانكليز وأعلن العصيان ضدّ العثمانيين، وطعن الجيش العثماني في الظّهر، ولا أحد يُنكر هذا، لكن ما يجب توضيحه هنا هو المغالطة التي يقع فيها الكثير من الدّارسين، فالشريف حسين لم يكن يمثل العربَ جميعَهم، بل بالعكس من ذلك كان نشازًا واستثناء. وفي هذا السّياق يقول الباحث والمتخصص في شؤون الشّرق الأوسط جنكيز جاندار مبيّنا الفرق بين الحقائق التاريخيّة ومزاعم “خيانة العرب”: “صحيح أن الشّريف حسين أمير مكّة حرّض بعض القبائل البدوية العربية على العصيان والتمرّد في الحجاز وتحالف مع الانكليز سنة 1916م، لكن في ما يتعلّق بالحرب العالمية الأولى، فإنّ كل دارس وصاحب علم يعرف أن ما قام به لم تكن له أية قيمة من النّاحية العسكرية. ومعلوم أن الانكليز أخلّوا فيما بعد بوعد الاستقلال الذي منحوه للشّريف حسين وتبين أنه خُدع بكلامهم.
                                أما في فلسطين فلم نر عربيا واحدًا يُعلن العصيان، كما أنه لم تُلاحظ ولو حادثة واحدة يُطعن فيها تُركي من الظّهر من بين أفراد القوات المتمركزة سواء في سوريا أو في العراق أو في لبنان. والأغلبية الكبيرة من العرب بقيت مخلصة لاسطنبول ولتركيا، وباستثناء الجبهة الممتدة من منطقة الحجاز بالجزيرة العربية إلى العقبة لم يحدث أن تعرّضت القوات التركية لأي أذًى من قبل العرب، ولا يُوجد أيّ دليل تاريخي على ذلك”. والحقيقة نفسها يؤكدها الخبير الأمريكي في شؤون الشرق الأوسط ميشال ج. بارد فيقول: “بعكس ما يروج فإن العرب في تلك الفترة (الحرب العالمية الأولى) لم يقاتلوا ضدّ الأتراك”. ومن بين المؤرخين الأتراك المتخصّصين الذين تحدثوا في هذه المسألة البروفيسور الدكتور زكريا قورشون، فقد ألف كتبا قيمة في العلاقات العربية التركية، ومن أهمها كتاب “العلاقات العربية التركية في مفترق طرق”. وقد أوضح فيه الكثير من المسائل وفند فيه الكثير من الأمور التي اعتبرت إلى وقت قريب من المسلّمات، واعتمد في أبحاثه على المصادر الأرشيفية الموثوقة. يقول الدكتور قورشون في معرض حديثه عن التعاون العربي التركي في مواجهة الهجمات الغربية ” في الحرب العالمية الأولى أظهر العرب شجاعة فائقة في قتالهم جنبًا إلى جنب مع الجيش التّركي في جبهات مختلفة”.


                                ومن الأمور التي ينبغي التنبيه لها أن نزعة القوميّة العربية قد نشأت قبل نشوء النّزعة القومية لدى الأتراك. وقد نشأت هذه النزعة في ستينيات القرن التاسع عشر بين المثقفين العرب السوريين. وما يجلب الانتباه هنا هو أنّ أغلب الذي تزعموا هذه الحركة القومية هم من المسيحيين مثل بطرس البستاني وفارس الشدياق والنقاش وجرجي زيدان، أما الذين شاركوا في هذه الحركة من المسلمين فأغلبهم قد تأثر بالفكر الأوروبي وبفكر الحركات القومية في أوروبا. ومن الملاحظ أن عددًا كبيرا من الشيّعة في العراق وفي سوريا بقوا متعلقين بالخلافة وبالدولة العثمانية إلى جانب أغلب العرب السنة. وفي سياق التأكيد على أن العرب – باستثناء المسيحيين- لم ينخرطوا في لعبة الانفصال حتى آخر لحظة يقول المؤرخ التّركي الكبير كمال كارباط ” من الملاحظ أن حركة القوميّة العربية لدى العرب لم تكن في الأساس حركة انفصالية، وأغلب العرب لم يكونوا ينظرون إلى الحكام العثمانيين على أنّهم قوة أجنبية محتلّة، بل ينظرون إليهم على أنهم حكام من غير العرب، وما داموا مسلمين ويحترمون عادات العرب وتقاليدهم، ويقفون سدا منيعا في وجه الاحتلال الأوروبي لبلادهم فإنهم لا يقصرون في أداء واجب الطّاعة. وفي الماضي أوّل من أراد الرجوع إلى الأصول العربية الأولى والتباهي بها لم يكن مسلما بل كان عربيّا مسيحيا”.
                                إننا اليوم عندما ننبه إلى هذه الحقائق ندرك أهميّة ما لأحداث التّاريخ من تأثير في واقعنا اليوم. فالمعلومات التاريخية التي تتعلمها الأجيال المتعاقبة ، والتي تصور العرب على أنهم “خونة” أو تصوّر الأتراك على أنّهم “طغاة” لا شكّ تقفز إلى الواجهة في المنعطفات الكبرى التي تمر بها العلاقات التركية العربيّة، وتترك تأثيرها واضحاً، بل وتُبنى على أساسها المواقف وترسم السياسات. ومن الخطأ الجسيم أن تظل العلاقات التركية العربية خاضعة للأهواء والإيديولوجيات ومواقف الأشخاص الفردية. من الحكمة أن نتخلّى عن العواطف في عالمنا العربي في مجالات البحوث العلمية، خصوصا في مجالات العلوم الإنسانية والتاريخ أساسا لكي نبني لأنفسنا معرفة راسخة تقوم على قواعد صلبة ينهض بها أهل الاختصاص. ولقد تمكن الجيل الجديد من المؤرخين في تركيا من قطع شوط كبير في هذا الدّرب وتخلصوا من إرث ثقيل ظلوا يرزحون تحته مدة عشرات السنين بسبب الفجوة التي أحدثها مصطفى كمال أتارتوك بإحداثه القطيعة الكاملة مع العرب في لحظة تاريخية ما.
                                ____________
                                المصدر صحيفة الضمير التونسية



                                تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                                قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                                "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                                وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                                تعليق

                                يعمل...
                                X