إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الفردوس المفقــود

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    الدور العلمي للأندلس


    حديثه طويل ومتشعب ومادته غزيرة نجدها فيما تبقى لدينا من تراث أندلسي، ولا سيما كتب التراجم والفهارس والرسائل التي تناولت موضع فضائل أهل الأندلس، مثل رسالة "أبي محمد بن حزم " (ت 456 هـ) إلى "الحسن بن الربيب القيرواني "، ورسالة " أبي الوليد الشقندي"(ت 639هـ) إلى "يحيى بن المعلم الطنجي " ورسالة "لسان الدين بن الخطيب " (ت 776 هـ) في مفاخرات " مالقة "وسلا "، ورسائل علي بن سعيد المغربي " (ت 685 هـ) التي أوردها "أحمد المقري " (ت 1041 هـ) في موسوعته نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب.
    ولقد أنجبت الأندلس عدد أ كبيراً من العلماء والفقهاء والأدباء والشعراء والمؤرخين والأطباء وغيرهم، ممن أثروا الحركة الفكرية بمؤلفاتهم، ووصلوا إلى العقل الأوروبي وأثروا فيه.
    وما أسرده هنا من أسماء إن هو إلا قليل من كثير وحصاة من ثبير كما يقولون :
    فهناك الفقيه " أبو محمد على بن حزم القرطبي " (ت 456 هـ/1063 م) الذي تظهر أصالته واعتزازه بنفسه ووطنه في كتاباته التي سبقت عصرنا. نذكر منها كتاب تطوق الحمامة في الألفة والآلاف " الذي يتناول فيه صفة الحب ومعانيه وأسابه وأعراضه. فنجده يعرض عن ذكر ما كتبه الأقدمون من أشعار الغزل وبكاء الأطلال والدمن ويسلك طريقاً مستقلاً يبين نضجه وأصالته.
    وقد اهتم الأوروبيون بهذا الكتاب واعتبروه أول دراسة نفسية تحليلية لعاطفة الحب والمحبين، وترجموه إلى لغات عديدة. أما كتابه "الفصل في الملل والأهواء والنحل "، فهو عبارة عن دراسة نقدية للأديان والمذاهب والفرق الدينية المختلفة، ومقارنة بعضها بالبعض الآخر ويلاحظ أن هذا النوع من الدراسة، وهو التاريخ المقارن للأديان، لم يوجد في أوروبا إلا في القرن الماضي، وهذا يرينا أصالة هذا الكتاب واسهامه في الحضارة الإنسانية.
    وما يقال عن "ابن بحزم " يقال أيضاً عن معاصره وصديقه "أبي مروان بن حيان القرطبي " (ت 469 هـ077 1 م) الذي يعتبر أعظم مؤرخ أنجبته أسبانيا الإسلامية والمسيحية في العصر الوسيط. فلقد ثبت من الأخبار التي أوردها في كتابيه "المقتبس " والمتين "، أنه ، على دراية واسعة ومعرفة دقيقة بكل ما يتعلق بتاريخ الأندلس وتاريخ الممالك الأسبانية المسيحية، بل وأيضا بعض جوانب من التاريخ الفرنسي فيما وراء جبال البرتات.
    والواقع أن كتابات " ابن حيان " بالنسبة للباحثين الحديثين هي بمثابة خزانة علمية لهذا التراث الأسباني العربي بمختلف صوره وأشكاله، ولا يمكن لأي باحث أن يستغني عن قراءتها والرجوع إليها.
    ومن أبناء" قرطبة "أيضاً الجراح الشهر"أبو القاسم خلف الزهراوي ،(ت 403 هـ/1013م) الذي ينسب إلى منية الزهراء في ضواحي غرب "قرطبة" وقد اشتهر في أوروبا بأسم (ABULCASIS ) " ويعتبر كتابه "التصريف لمن عجز عن التأليف "، موسوعة طبية مزودة برسوم الآلات الجراحية. ويعتبر "الزهراوي " بهذا العمل أول من جعل الجراحة علماً مستقلاً بذاته، وقائماً على أساس من العلم بالتشريح. وقد ترجم هذا الكتاب من قديم إلى اللاتينية والعبرية، كما نشر في " حيدر أباد" بالهند. كذلك أنجبت "اشبيلية" أسرة " بني زهر" التي كانت لها شهرة وزعامة ومؤلفات في عالم الطب على عهد المرابطين والموحدين، حتى صار اسم "ابن زهر" علماً معروفاً في الأوساط العلمية الأوروبية باسم AVENZOA .
    أما في ميدان الفلسفة فحسبنا أن نذكر "أبا الوليد محمد بن رشد القرطبي"(ت 595 هـ/ 1198 م) الذي اشتهر بشروحه لكتب أرسطو وصارت فلسفته تدرس في جامعات أوروبا مثل جامعة " باريس "، وجامعة " بادوا " PADOVA " في إيطاليا. وقد بلغ من حب الأوروبيين لشروحه أن تخيلوا أرسطو بعمامة كما يقولون، وذلك لأن كتاباته امتازت بالعمق في التحليل والقوة في الشرح والأمانة في الترجمة. وقد أطلقوا عليه اسم المعلم الأكبر ويسمونه AVERROES وقد وضعه الشاعر الإيطالي دانتي في ملحمته الشعرية"الكوميديا الإلهية" في منطقة اللمبو LIMBOبين الفردوس والجحيم أي ما يقابل الأعراف في الإسلام، ووضع معه "ابن سينا" و "صلاح الدين " من المشرق، لأنهم من فضلاء الناس وتقديراً لأعمالهم. ولقد ترجم "ميخائيل سكوت " أعمال "ابن رشد" إلى اللاتينية في مدرسة "، طليطلة سنة 1330 م " فكان أول من أدخل فلسفة " ابن رشد" إلى أوروبا.
    وفى مجال الشعر الشعبي نذكر الشاعر الضرير "مقدم بن معافى القبري "(ت 399 هـ/912 م) نسبة إلى بلدة "قبرة" من أعمال "قرطبة". وهـو الذي ابتكر فن الموشحات الذي يعتبر ثورة في الشعر العربي وحركة من حركات التجديد التي حررته من قواعد العروض. وبالمثل يقال بالنسبة للشاعر "أبي بكر محمد بن قزمان القرطبي " (ت 507 هـ/1114 م) الذي ابتكر فن الأزجال، وصار يتغنى به في الأسواق بمساعدة بعض الآلات وجوقة من المنشدين. ويلاحظ أن الموشحة والزجل فن شعري واحد مع فارق أساسي هو أن الموشحة عربية صميمه ما عدا الجزء الأخير منها وهو الخرجة باللغة الأسبانية أو العامية الأندلسية. أما لغة الأزجال فهي كلها باللغة العامية الدارجة الجارية على ألسنة عامة الناس تتخللها كلمات وعبارات من عجمية أهل الأندلس. ويلاحظ أن هذه الأغنية الشعبية الأذدلسية ذات الخرجة الأوروبية وما تطور عنها من زجل بعد ذلك، لم تؤثر في الشعر العربي فحسب بل أثرت أيضاً في الشعر الأوربي الذي أخذ في الظهور في جنوب أوروبا في أواخر القرن الخامس الهجري (11م)، وكان ينشده المغنون الجوالون المعروفون باسم التروبادور TROUBADURES في جنوب فرنسا، والخوجلارس JUGLARESفي شمال أسبانيا. كذلك يقال أن الأغاني التي كان ينشدها الأسبان في أعياد الميلاد باسم ( VILLANCICO) هي زجل أندلسي.
    ونختم هذه النخبة القليلة من العلماء الأندلسيين باسم الوزير العالم الغرناطي "لسان الدين بن الخطيب "(ت 776 هـ/1374 م) الذي امتدت كتاباته ومواعظه ونصائحه إلى ملوك عصره من المسلمين والمسيحيين فكان لها تأثير كبير عليهم، وكثيراً ما استجابوا لها، فنجحت بذلك معظم أهدافه السياسية. وحسبنا أن نشير إلى النصائح التي أرسلها إلى ملك " قشتالة " بدرو الأول، والتي أوردها باللغة الإسبانية المؤرخ الإسباني المعاصر، " لويت دي أيالا " في مدونته عن تاريخ ملوك "قشتالة".
    ويضيف المؤرخ الإسباني القديم "استبان جاريباي)، في مدونته مختصر تاريخ ممالك أسبانيا "أن القيم الأخلاقية التي اتسمت بها مواعظ هـذا المسلم ابن الخطيب تفوق في قيمتها ما كتبه سينكا وغيره من فلاسفة الرواقيين الأقدمين ".

    تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

    قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
    "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
    وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

    تعليق


    • #17

      علماء وأعلام الأندلس



      كان العالم الإسلامي مفتوح الحدود، تجتازه قوافل التجارة وأفواج الرحالة والحجاج المسلمون القاصدون لبيت الله الحرام، والحجاج المسيحيون القاصدون لبيت المقدس، ويجتازه طلاب العلم جيئة وذهابا، فترى طرق البر والبحر مشغولة بنقل طلاب العلم من الأندلس وإفريقية إلى مصر والشام وإلى أصفهان وهمذان وبخارى وسمرقند وتراها مشغولة بنقل طلاب هذه المدن إلى (بلرم) و (سالرنو) و(ومازرة) في صقلية وإلى القيروان وفاس ومراكش في إفريقيا وإلى قرطبة وأشبيلية وبلنسية ومرسية وغرناطة في الأندلس. ولما استولى النورمان على صقلية سنة 495هـ/1102م بزعامة روجيه الأول، وأمتد الغزو الإسباني بعدئذ في الأندلس وتمّ الاستيلاء على طليطلة وأشبيلية وبلنسية وقرطبة، كانت شهرة هذه المدن بمدارسها وعلمائها قد ذاعت في أوروبا.وقد لقيت هذه المدارس رعاية من ملوك إسبانيا وكان أكثرهم رعاية لها وعناية بها ملك قشتالة ألفونسو العاشر، فقد كان محباً للعلم، وكان شاعراً ومؤرخاً فلقب بالملك الحكيم. وقد أنشأ في مرسية مدرسة للترجمة وتولى الترجمة فيها من العربية إلى اللاتينية مترجمون، من مسلمين ونصارى ويهود. وفي صقلية أحاط روجيه الأول المسلمين برعايته واحتفظ بالنظام الإداري الذي أقامه المسلمون في دولتهم السابقة, وسار ابنه روجيه الثاني سيرته، وفي عهده استمرت الحركة العلمية في نشاطها, وكان أبرزها ما قام به الشريف الإدريسي من أبحاث في الفلك والجغرافية وتأليفه كتاباً في الفلك الجغرافي أهداه إلى (روجيه) وعرف باسم (كتاب روجيه) أو (الروجيري). وفي سنة 601هـ/1205م آلت جزيرة صقلية إلى الملك الألماني فردريك الثاني فازداد برعايته نشاط الحركة العلمية وولعه بالعلماء العرب في مصر والشام فكان يتصل بهم ويستطلع منهم عما يشكل عليه, من ذلك أنه أرسل إلى صديقه الملك الكامل بعدة مسائل في الهندسة والرياضة فبعث بها إلى علم الدين قيصر بن أبي القاسم الأسفوني المعروف بقيصر تعاسيف (ت: 650هـ) فكتب جوابها, وكان قيصر أشهر من أنجبت مصر والشام من الرياضيين. وقد أنشأ فردريك معاهد للعلم في (بلرم) عاصمة الجزيرة وفي (سالرنو) و (نابولي) وكان يفد إليها كثير من طلاب العلم والمعرفة يتلقونها عن علماء عرب, وفيها كانت تترجم إلى اللغة اللاتينية كثير من كتب العرب. ولم يحمل بلاط ألفونسو العاشر وفرديريك الثاني من الطابع المسيحي إلا الاسم، إذ غلب عليهما طابع الحضارة الإسلامية.

      وفي مستهل القرن الثالث عشر للميلاد (السابع الهجري) بدأ إنشاء الجامعات في أوروبا. ففي عام 1211م أنشئت جامعة باريس, وفي عام 1215م أنشئت جامعة أكسفورد, وفي عام 1221م أنشئت جامعة مونبيلية بفرنسا وفي عام 1228م أنشئت جامعة (سلمنكا) بإسبانيا، وفي عام 1230م أنشئت بمساعي الملك فرديريك الثاني جامعة في (بلرمو) و{بادوفا} وفي عام 1232م أنشئت جامعة كمبريدج، وتوالى بعد ذلك إنشاء الجامعات. ومن هذه الجامعات التي ورثت علم العرب المطبوع بالثقافة الهيلينية انبثق عصر النهضة. وكما كان سقراط وأفلاطون وأرسطو وأرخميدس وايبوقراط وجالينوس وبطليموس وغيرهم من عباقرة اليونان رواد العرب في العلم والفلسفة كذلك فإن الكندي والرازي والبتاني وابن سينا والفارابي وابن الهيثم والبيروني وابن النفيس والزهراوي وابن زهر وابن رشد وابن الطفيل وابن باجة وابن البيطار وغيرهم كانوا رواد أعلام الأندلس.

      إبن فرناس 274هـ / 888م
      في الكيمياء، أستنبط الزجاج من الحجارة. في الفلك ، صنع آلة لحساب الزمن ومثَّل في بيته السماء بنجومها وغيومها وبروقها ورعودها.في الطيران، حاول الطيران بكسوة جسمه بالحرير وألصق عليه ريشاً ومّد لنفسه جناحين متحركين ولم يجعل لنفسه ذنباً فلما ألقى بنفسه من شاهق سقط ومات شهيد العلم.

      مسلمة المجريطي 398هـ / 1008م
      في الفلك، أوسع الأندلسيين إحاطة بعلم الفلك وحركات النجوم، ويعتبر المجريطي من نوابغ علماء العرب والمسلمين في الأندلس إذ كان موسوعة زمانه في جميع فروع المعرفة . انتشرت شهرته كعالم رياضيات في الأندلس وكعالم كيمياء في المشرق . امتاز بالدقة وقوة الملاحظة بين علماء عصره ، لذا يرى أن المتخصص في فرع من فروع العلوم التطبيقية كالكيمياء مثلاً، يلزمه الإلمام التام بالرياضيات لأن الرياضيات بطبيعتها تعتمد على التفكير المنطقي والاستنتاجات الدقيقة .ساهم المجريطي في تحرير علم الكيمياء من الخرافات والسحر والطلاسمات التي كانت مسيطرة عليه آنذاك . قاد الحركة الفكرية في الأندلس ، فكان له ريادة في حقل الكيمياء فاعتنى فعلاً بالتجارب والاحتراق والتفاعلات التي تحدث بين الأجسام تحت ظروف معينة . نال المجريطي شهرة عظيمة بتحضيره أكسيد الزئبق . بالإضافة إلى ضلوعه في علم الكيمياء . يعتبر المجريطي من ألمع علماء الأندلس في الفلك والرياضيات والكيمياء والمنطق والموسيقى .

      أبو القاسم الزهراوي 403هـ / 1013م
      في الطب، أكبر جراحي زمانه، أول من ألف في الجراحة من العرب، أول من أستعمل ربط الشريان بخيط من الحرير، أول من أوقف النزيف بالكيّ، وقد توسع باستعماله في فتح الجراحات وإستئصال السرطان، في كتابه ( التصريف لمن عجز عن التأليف ) أشار إلى أهمية درس التشريح وقد شرح العمليات وبيّن آلاتها وأمتاز برسومه للآلات الجراحية، أهتم بطبابة الأسنان وأستعمل الكلاليب لقلعها كما أستعمل المبارد لنشر الزائد منها وصته من عظام الحيوانات أسناناً مكان الأسنان المفقودة أو المخلوعة، أستأصل اللوزتين، صنع آلة لاستخراج الجنين في حال الولادة المستعصية، أول من أستعمل القثطرة في غسيل المثانة أو في إزالة الدم من تجويف الصدر أو من الجروح، أول من أستعمل السنانير في استئصال البوليب، أول من أجرى عمليات تفتيت الحصاة في المثانة.

      إبن حزم 456هـ / 1064م
      في الفلك،قال بكروية الأرض وأٍستدل على ذلك بقوله تعالى: يُكوَّرُ اللَّيَلَ عَلى النَّهَار وَيكوَّرَ النَّهَار عَلى اللَيّل. في التنجيم، في كتابه (الفصل في الملل والأهواء والنحل) حارب الأوهام, ورد الأحداث إلى أسبابها الطبيعية ورفض مزاعم من يقول: إن الفلك والنجوم تعقل وتسمع وترى وأن لها تأثيرا في أعمالنا وخالف الأقوال التي كانت تزعم أن الليل وجيحون ودجلة والفرات تنبع من دجلة، وتهكم على قائليها، فهذه الأنهار لها منابع معروفة في الأرض.

      أبو عبيد البكري 487هـ / 1085م
      أول الجغرافيين الكبار بالأندلس فيما وصل إلينا من كتابه {المسالك والممالك} وصف جغرافية الأندلس وأوروبا وأفريقيا الشمالية، وفي كتابه {معجم ما أستعجم} أثبت أسماء الأماكن التي جاء ذكرها في أشعار العرب.

      إبن الزرقالي 493هـ / 1099م
      في الفلك، صنع أصطرلابا عرف باسمه, وحظي بأهمية كبرى في ميدان علم الفلك, وكان أكبر راصد في عصره، شارك في وضع جداول فلكية لمدينة طيطلة.

      الشريف الإدريسي 560هـ / 1160م
      أشهر جغرافيي الأندلس، في كتابه {نزهة المشتاق} الذي أهداه إلى {روجيه الثاني النورماندي} ملك صقلية وعُرف بكتاب روجيه، تكلم الإدريسي عن أقاليم العالم كلها وخاصة في أوروبا، وقد صنع الخرائط الدقيقة التي توضح جانباً من مواقع الأماكن الواردة في الكتاب. ويمتاز الكتاب بدقته في حساب الأطوال والعروض للبلاد المختلفة بعد تقسيمه الأرض إلى سبعة أقاليم ثم تقسيمه هذه الأقاليم إلى عشرة أقسام متساوية من الغرب إلى الشرق، فصار مجموعها سبعين قسماً، ووضع لكل قسم خريطة خاصة زيادة على الخريطة الجامعة.
      في الصيدلة، له كتاب في الأدوية المفردة تعرض فيها لمنافعها ومنابتها.

      إبن زهر 464هـ / 1071م
      عبد الملك بن زهر بن عبد الملك بن مروان بن زهر الأيادي أبو مروان الأشبيلي عالم طب وطبيب معالج ولد بمدينة أشبيلية ونشأ في أسرة أنجبت أطباء نابهين وظهرت فيها طبيبتان ماهرتان في تطبيب النساء هما : أم عمرو ابنه عبد الملك وابنتها وفي اشبيلية درس ابن زهر علوم الدين واللغة والحديث واخذ الطب عن أبيه ولم يمارس طوال حياته غيره من العلوم ، وكان حسن المعالجة والتشخيص وماهرا في معرفة الأدوية المفردة والمركبة وفوائدهما وقد ربطت بينه ربين ابن رشد صداقة قوية . وقد قام ابن زهر برحلة في شبابه ، فزار القيروان ومصر، وربما العراق طلبا لمزيد من المعرفة بالطب والعلاج ، واستقر في أشبيلية بقية عمره وقد عرف ابن زهر في أوروبا باسمه.

      إبن رشد 520هـ / 1198م
      هو محمد بن احمد بن محمد بن رشد ، ويكنى أبا الوليد ، ولد في قرطبة بالأندلس وهو سليل أسرة عرفت بالعلم والجاه. عائلة ابن رشد بمذهب مالكي، وجده أبو الوليد محمد (توفي 1126) كان كبير قضاة قرطبة تحت حكم المرابطين، وشغل والده ذات المنصب حتى مجيء الموحدين. ابن رشد من أهم الفلاسفة العرب، دافع عن الفلسفة وصحح علماء وفلاسفة سابقين له كابن سينا والفارابي في فهم بعض نظريات أفلاطون وأرسطو. درس الكلام والفقه والشعر والطب والرياضيات والفلك والفلسفة، قدمه ابن طفيل لأبي يعقوب خليفة الموحدين عام 1182م فعينه طبيبا له ثم قاضيا في قرطبة. تولّى ابن رشد منصب القضاء في اشبيلية، وأقبل على تفسير آثار أرسطو، تلبية لرغبة الخليفة الموحدي أبي يعقوب يوسف، وكان قد دخل في خدمته بواسطة الفيلسوف ابن الطفيل، ثم عاد إلى قرطبة حيث تولى منصب قاضي القضاة، وبعد ذلك بنحو عشر سنوات أُلحق بالبلاط المراكشي كطبيب الخليفة الخاص. لكن الحكمة والسياسة وعزوف الخليفة الجديد (أبو يوسف يعقوب المنصور 1184 - 1198) عن الفلاسفة، ناهيك عن دسائس الأعداء والحاقدين، جعل المنصور ينكب فيلسوفنا، قاضي القضاة وطبيبه الخاص، ويتهمه مع ثلة من مبغضيه بالكفر والضلال ثم يبعده إلى "أليسانه" (بلدة صغيرة بجانب قرطبة أغلبها من اليهود)، ولا يتورع عن حرق جميع مؤلفاته الفلسفية، وحظر الاشتغال بالفلسفة والعلوم جملة، ما عدا الطب، والفلك، والحساب. كانت النيران تأكل عصارة عقل جبار وسحط اتهام الحاقدين بمروق الفيلسوف، وزيغه عن دروب الحق والهداية... كي يعود الخليفة بعدها فيرضى عن أبي الوليد ويلحقه ببلاطه، ولكن قطار العمر كان قد فات أثنيهما فتوفي ابن رشد والمنصور في السنة ذاتها (1198 للميلاد)، في مراكش.

      إبن البيطار 646هـ / 1248م
      هو أبو محمد ضياء الدين عبد الله بن أحمد بن البيطار، المالقي الأندلسي، وهو طبيب وعشاب، ويعتبر من أشهر علماء النبات عند العرب. ولد في أواخر القرن السادس الهجري، ودرس على أبي العباس النباتي الأندلسي، الذي كان يعشب، أي يجمع النباتات لدرسها وتصنيفها، في منطقة اشبيلية. سافر ابن البيطار، وهو في أول شبابه، إلى المغرب، فجاب مراكش والجزائر وتونس، معشباً ودارساً وقيل أن تجاوز إلى بلاد الأغارقة وأقصى بلاد الروم، آخذاً من علماء النبات فيها. واستقر به الحال في مصر، متصلاً بخدمة الملك الأيوبي الكامل الذي عينه (رئيساً على سائر العشابين وأصحاب البسطات) كما يقول ابن أبى أصيبعة، وكان يعتمد علليه في الأدوية المفردة والحشائش. ثم خدم ابنه الملك الصالح نجم الدين صاحب دمشق. من دمشق كان ابن البيطار يقوم بجولات في مناطق الشام والأناضول، فيعشب ويدرس. وفي هذه الفترة اتصل به ابن أبي أصيبعة صاحب (طبقات الأطباء)، فشاهد معه كثيراً من النبات في أماكنه بظاهر دمشق، وقرأ معه تفاسير أدوية كتاب ديسقوريدس. وقد توفي ابن البيطار بدمشق سنة 646 هـ، تاركاً مصنفات أهمها: كتاب الجامع لمفردات الأدوية والأغذية، وهو معروف بمفردات ابن البيطار، وقد سماه ابن أبي أصيبعة (كاتب الجامع في الأدوية المفردة)، وهو مجموعة من العلاجات البسيطة المستمدة من عناصر الطبيعة، وقد ترجم وطبع. كما له كتاب المغني في الأدوية المفردة، يتناول فيه الأعضاء واحداً واحداً، ويذكر طريقة معالجتها بالعقاقير. كما ترك ابن البيطار مؤلفات أخرى، أهمها كتاب الأفعال الغريبة، والخواص العجيبة، والإبانة والإعلام على ما في المنهاج من الخلل والأوهام. ومن صفات ابن البيطار، كما جاء على لسان ابن أبي أصيبعة، أنه كان صاحب أخلاق سامية، ومروءة كاملة، وعلم غزير. وكان لابن البيطار قوة ذاكرة عجيبة، وقد أعانته ذاكرته القوية على تصنيف الأدوية التي قرأ عنها، واستخلص من النباتات العقاقير المتنوعة فلم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا طبقها، بعد تحقيقات طويلة. وعنه يقول ماكس مايرهوف: أنه أعظم كاتب عربي ظهر في علم النبات.

      الحسن المراكشي 660هـ / 1261م
      هو أبو علي الحسن بن علي بن عمر المراكشي، من علماء المغرب، عاش في عصر الموحدين في النصف الأول من القرن السابع الهجري / منتصف القرن الثالث عشر للميلاد. وقد اشتهر المراكشي في الفلك، والرياضيات، والجغرافيا، وصناعة الساعات الشمسية. له بحوث في المثلثات مع إدخال عدد من التجديدات عليها. فقد أدخل فيها الجيب، وجيب التمام، والسهم. وعمل أيضاً الجداول للجيب، كما جاء بحلول لبعض المسائل الفلكية. وقدم تفصيلات عن أكثر من 240 نجماً لسنة 622هـ. وهو أول من استعمل الخطوط الدالة على الساعات المتساوية. وإضافةً إلى ذلك، فقد قام المراكشي بإدخال تصحيحات جغرافية مهمة، وجدد في رسم خريطة المغرب.

      إبن زيدون
      هو أبو الوليد أحمد بن عبد الله الشهير بإبن زيدون. ولد في قرطبة عام 1003 م، من أسرة تنتمي إلى بني مخزوم، ونشأ فيها ودرس على أبيه وعلماء قرطبة وأدبائها، فحفظ الكثير من الشعر واللغة والأخبار والسير والحكم والأمثال.
      وكانت قرطبة في ذلك العهد غاصة بالعلماء والأدباء، وأهلها في رخاء من العيش، ميالون إلى اللهو والطرب، فمثلهم إبن زيدون في شخصه أحسن تمثيل إذ كان خفيف الروح، كثير الدعابة، ميالا إلى المجون، فنال شهرة واسعة في مجالس قرطبة الأدبية والاجتماعية. وكان للنساء أثر عظيم في هذه المجالس، ولبعضهن منتديات أدبية، فأثر ذلك في أخلاق الأدباء، وتسابقوا إلى نيل الحظوة عند هؤلاء النساء. وظهرت آثار ذلك في نثرهم ونظمهم منهم إبن زيدون، وخاصة في مواقفه من ولادة بنت المستكفي، ومنافسة إبن عبدوس له.
      كان واسع الطموح السياسي، شديد التأثر بالحب والجمال. وقد حمله طموحه على الاشتراك في ثورة إبن جهور على آخر خلفاء بني أمية، فاتخذه بعد فوزه كاتبا ووزيرا، ولقبه بذي الوزارتين، وهو بعد شاب لم يبلغ الثلاثين. وكان له حساده ومنافسوه حتى أوغروا صدر أميره عليه، فألقاه في السجن مع المجرمين. فأرهف الألم إحساسه وشاعريته، فنظم في سجنه قصائد كثيرة يستعطفه بها، ولكنه لم يستطع أن يلين قلبه.
      هرب من السجن واختفى، واستجار بأبي الوليد إبن أميره فشفع به، ولما أصبح الأمر له استوزره. ثم خشي الشاعر من كيد الحساد وأن يناله من الإبن ما ناله من أبيه، ففر إلى بني عباد في إشبيلية فاستوزروه، واستولوا على قرطبة بإغرائه وهمته، ونقلوا مقر حكمهم إليها، ولكن ثورة حدثت في إشبيلية، فأرسلوا إبن زيدون ليهدئها لما له من المكانة في قلوب أهلها، وكان شيخا مريضا، فتوفي فيها سنة 1070 م.

      زرياب .... / ....
      هو أبو الحسن علي بن نافع مولى المهدي الخليفة العباسي. واسم زرياب طير أسود اللون عذب التغريد، ولما كان أبو الحسن من فطاحل المغنين عذب الصوت وأسود اللون، لقب بزرياب.
      نشأ زرياب في بغداد وكان تلميذا لإسحق الموصلي بصورة سرية إلى أن أتقن في الغناء عليه، ففي ذات يوم طلب الخليفة هارون الرشيد من أسحق الموصلي بأن يأتي معه بمغني جديد يجيد الغناء، فأحضر إسحق زرياب فاستأذن من الخليفة بأن يغني فأذن له:

      يا أيها الملك الميمون طائره .. هارون راح إليك الناس وابتكروا

      إلى أن أكمل نوبته فطار الرشيد فرحا وتعجب منه كثيرا وطلب من أستاذه إسحق أن يعتز به، إلا أن إسحاقا داخله الحسد والحقد فهدد زريابا وخيره بالخروج من بغداد أو يغتاله، فرجح زرياب الخروج من بغداد فخرج وتوجه إلى الأندلس وكان الخليفة هناك آنذلك عبد الرحمن الثاني، فكتب زرياب إلى الخليفة يستأذنه بالدخول إلى بلاطه فرد عليه حسنا ورحب به، وبعد أن دخل بلاط الخليفة وأصبح من حاشيته غنى بحضرته وما أن سمعه الخليفة حتى شغف به وقربه إليه وأصبح نديمه ومن أقرب الناس إليه. وعندما اشتهر زرياب في الأندلس وتمركز بها، أسس مدرسة للغناء وللموسيقى وتعتبر هذه أول مدرسة أسست لتعليم علم الموسيقى والغناء وأساليبها وقواعدها.
      وإن زريابا يعتبر هو السبب في اختراع الموشح لأنه عمم طريقة الغناء على أصول النوبة، وكانت هذه الطريقة هي السبب في اختراع الموشح. وقد أدخل زرياب على فن الغناء والموسيقى في الأندلس تحسينات كثيرة وأهم هذه التحسينات:
      أولا: جعل أوتار العود خمسة مع العلم أنها كانت أربعة أوتار.
      ثانيا: أدخل على الموسيقى مقامات كثيرة لم تكن معروفة من قبله.
      ثالثا: جعل مضراب العود من قوادم النسر بدلا من الخشب.
      رابعا: افتتاح الغناء بالنشيد قبل البدء بالنقر، كما أنه أول من وضع قواعد لتعليم الغناء للمبتدئين وأهمها هي:
      · يتعلم المبتدئ ميزان الشعر ويقرأ الأشعار على نقر الدف ليتعلم الميزان الغنائي
      ·يعطى اللحن للمبتدئ ساذجا خاليا من كل زخرفة
      ·يتعلم المبتدئ الزخرفة والتغني في الألحان مع الضروب بعد تعلمه الميزان والضرب واللحن. وقد وضع أسسا وقواعد لفحص المبتدئين قبل قبولهم وهي أن يجلس المبتدئ في مكان عال ثم يوعز إليه بأن يصبح بجواب صوته ثم ينزل تدريجيا إلى قراره، وبهذه الطريقة كان يعرف مدى صوته وحلاوته. والموسيقى هما:
      · طريقة الغناء على أصول النوبة
      · طريقة تطبيق الإيقاع الغنائي مع الإيقاع الشعري
      توفي في قرطبة سنة 230 هـ، 845 م.
      وقد نقل زرياب من بغداد إلى الأندلس طريقتين في الغناء
      وغيرهم الكثير من العلماء والأعلام يضيق المجال بذكرهم.


      تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

      قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
      "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
      وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

      تعليق


      • #18
        الازدهار الحضاري في الاندلس

        شهدت الصناعات المعدنية في بلاد الاندلس تقدماً عظيماً، فاشتهرت مرسية بمصنوعاتها من الحديد، كما اشتهرت طليطلة بالسيوف، وقرطبة بالدروع، وازدهرت كذلك الصناعات اليدوية.. وكان في قرطبة وحدها (13000) نساج، وكان المشترون في كل مكان يقبلون على شراء السجاجيد، والوسائد، والأرائك الأندلسية، واخترع ابن فرناس القرطبي في القرن التاسع الميلادي النظارات، والساعات الدقاقة المعقدة التركيب، كما اخترع آلة طائرة.
        وقد ظلت الأكاديميات العلمية في أوروبا قروناً كثيرة تعتمد المراجع العلمية التي استعارتها من الأندلس، ونقلتها من العربية الى اللاتينية، فمثلاً كانت الموسوعة الطبية المسماة “التصريف”، وهي ثلاثة كتب في الجراحة ألفها “أبو القاسم الزهراوي 936_1013م” طبيب عبد الرحمن الثالث، المرجع الأعلى في الجراحة عدة قرون بعد ترجمتها الى اللاتينية.
        وهكذا أضحت اسبانيا بعد ان أشرقت بنور الاسلام، مصدراً للعطاء والالهام المعرفي لأوروبا، كما صرح بذلك المستشرق الاسباني الدكتور بدور مارتينيز مونتابث، بقوله:
        (إن اسبانيا ما كان لها ان تدخل التاريخ الحضاري، لولا القرون الثمانية التي عاشتها في ظل الاسلام، وحضارته، وكانت بذلك باعثة النور والثقافة الى أوروبا المجاورة، المتخبطة آنذاك في ظلمات الجهل والتخلف).
        ولم يكن مستوى النمو والتطور في القطاع الزراعي أو التجاري، أدنى من الصناعي، فقد كان أهل الأندلس من أنبغ الشعوب في فلاحة الأرض، وتربية الماشية، وغرس الحدائق، وتنظيم طرق الري والصرف، ومعرفة أحوال الجو، وكل ما يتعلق بفنون الزراعة، وخواص النبات، وكانت مزارعهم وحدائقهم مضرب الأمثال في الجودة والنماء، وقد نقل العرب من المشرق وشمال افريقية الى اسبانيا كثيراً من المحاصيل والاشجار، كالقطن، والأرز، وقصب السكر، والزعفران، والنخيل، الذي ما زالت تزدان به الحدائق والمدن الاسبانية الجنوبية، والزيتون الذي غدا فيما بعد، وحتى اليوم أعظم محاصيل اسبانيا..
        وأما نبوغ مسلمي الأندلس في تنظيم وسائل الري والصرف، واستجلاب المياه وتوزيعها بالطرق الفنية، فما زالت تشهد به آثارهم الباقية الى الآن في وديان الأندلس، من القناطر والجداول الدارسة، وما زالت ثمة مناطق كثيرة، ولا سيما في أحواز بلنسية ومرسية، تقوم في زراعتها على مشاريع الري الأندلسية القديمة.
        كما سعى المسلمون لإعادة تنظيم ملكية الأراضي، وتنظيم حركة العمل والانتاج والتوزيع الزراعي، بما يضمن إزدهار الانتاج الزراعي، واستئصال أساليب الاستغلال غير المشروع للفلاحين، واحتكار مساحات شاسعة من الأراضي على شكل اقطاعيات.
        وهكذا (كان حكم العرب _ كما يقول ديورانت _ نعمة وبركة قصيرة الأجل على الزراع من أهل البلاد، ذلك ان الفاتحين لم يبقوا على الضياع التي كبرت فوق ما يجب، والتي كان يمتلكها القوط الغربيون، وحرروا رقيق الأرض من عبودية الاقطاع… وكان العرب في معظم الأحوال يتركون أعمال الزراعة الى أهل البلاد، ولكنهم كانوا يستعينون بأحدث ما أُلف من الكتب في علومها، وبفضل توجيههم بلغت هذه العلوم في اسبانيا من التقدم أكثر مما بلغته في أوروبا المسيحية… وكان هناك اسطول تجاري يزيد على ألف سفينة يحمل غلات الأندلس ومصنوعاتها الى أفريقية وآسية..).
        كما ان الفنون الزراعية انتقلت على يد المسلمين الى جنوبي فرنسا، وجنوبي سويسرة، وكان علماء النبات الأندلسيون، هم أعظم من نبغ في هذا الميدان في العالم الاسلامي، فمثلا كان أبو العباس بن الرومية الأشبيلي المتوفى سنة 637ه* (1239م)، وتلميذه ابن البيطار المالقي المتوفى سنة 646ه* (1248م)، كانا من أعظم علماء النبات بعد ديسقوريدس اليوناني.
        واشتهر آخرون في الأندلس بذلك، ووصلت الينا مؤلفاتهم، من أنبغهم: أبو عبد الله بن بصّال الطليطلي، وابن مالك الطغنري الغرناطي، وابن العوام الاشبيلي، وابن لونكو القرطبي، وقد نُشِرَ كتاب ابن بصّال “الفلاحة” في المغرب، فيما لا يزال كتاب تلميذه الطغنري الغرناطي “زهر البستان ونزهة الأذهان” مخطوطاً، أما “كتاب الفلاحة” لابن العوام الاشبيلي فقد نُشِرَ في وقت مبكر عام (1802م)، بمدينة مدريد عن نسخته المخطوطة المحفوظة بمكتبة الاسكوريال، حيث قام بنشره المستشرق القس يوسف انطونيو بانكيري، وقرنه بترجمة اسبانية، فبلغ النص العربي والترجمة الفاً وأربعمائة صفحة كبيرة.
        وعموماً كان الأندلسيون كما يؤكد المؤرخ الكبير ويل ديورانت أقدر أهل زمانهم على تصريف الشؤون العامة في العالم الغربي، فكانت قوانينهم قائمة على العقل والرحمة، تشرف على تنفيذها هيئة قضائية حسنة النظام، وكان أهل البلاد المغلوبون يُحكَمون في معظم الأحوال حسب قوانينهم، وعلى أيدي موظفين منهم، وكان في المدينة شرطة تسهر على الامن فيها، وقد فرضت على الأسواق والمكاييل والموازين رقابة محكمة، وكانت الحكومة تقوم باحصاء عام للسكان والأملاك، في فترات منظمة، وكانت الضرائب معقولة، اذا قورنت بما كانت تفرضه منها روما أو بيزنطة. وبلغت الايرادات أيام عبد الرحمن الثالث 12045000 دينار ذهبي، وأكبر الظن أن هذا كان يفوق ايرادات حكومات البلاد المسيحية اللاتينية مجتمعة.
        ولم يكن مصدر هذه الايرادات هو الضرائب العالية، بقدر ما كان أثراً من آثار الحكم الصالح، وتقدم الزراعة والصناعة، ورواج التجارة… وكانت قرطبة في أيام المنصور من أعظم مدن العالم حضارة، لا يفضلها في هذا إلا بغداد والقسطنطينية وكان فيها كما يقول المقري:
        200077 منزلاً، و 60300 قصر، و 600 مسجد، و 700 حمام.. وكانت الشوارع مرصوفة، لكل منها طواران على الجانبين، تضاء أثناء الليل، ويستطيع الانسان أن يسافر في الليل عشرة أميال على ضوء مصابيح الشوارع وبين صفين لا ينقطعان من المباني.

        تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

        قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
        "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
        وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

        تعليق


        • #19
          الطب الأندلسي نظرياته وتطبيقاته



          بداية الطب الأندلسي وتطوره :
          كيف بدأ الطب الأندلسي ؟ وكيف تطور ؟ هل كانت صناعة الطب ـ عموماً توقيفه ألهما الله عبادة ؟ أم هل كانت وضعية تواضع الناس عليها تلقائياً وبمقتضى الضرورات الملحة فاعملوا عقولهم ، وأجرو ا تجاربهم ، ومارسوا طريقة المحاولة والخطأ Trial and error فتوافر لديهم ـ آخر المطاف ـ شيء من لاشيء وتوفروا ـ في نهاية الأمر على علم قائم بذاته ، له قواعده وأصوله ؟؟ .
          من الصعب تتبع هذه الأسئلة والإجابة عنها في هذه العجالة إنما يكفي أن أشير إلى أن الدلائل تدل على أن الطب إنما هو وليد الوحي والإلهام من جهة ، وثمرة التجربة والمعاناة من جهة ثانية . يقول العلامة أبو العباس احمد بن أبى أصيبعه السعدي (1 ) ( ت . 668 ـ 1269 م ) : " وبالجملة فإنه قد يكون من هذا ( ويعني الإلهام ) ومما وقع بالتجربة والاتفاق والمصادفة أكثر ما حصلوه من هذه الصناعة ، ثم تكاثر ذلك بينهم ، وعضدة القياس بحسب ما شدوه ، وأدتهم إليه فطرهم ، فاجتمع لهم من جميع ذلك .. أشياء كثيرة . ثم إنهم تأملوا تلك الأشياء واستخرجوا عللها ، والمناسبات التي بينها ، فتحصل لهم من جميع ذلك قوانين كلية ، ومبادئ عامة …." ثم يعقب بملاحظة جديرة بالإعجاب حين يقول : " إنه ليس يلزم أن يكون هذا مختصاً بموضوع دون موضع ،ولا يفرد به قوم دون آخرين ، إلا بحسب الأكثر والأقل وبحسب تنوع المداواة ولهذا فإن كل قوم هم مصطلحون على أدوية يألفونها ، ويتداوون بها … " ثم يضيف قائلا ً : يمكن أن تكون صناعة الطب في أمة أو في بقعة من الأرض فتدثر وتبيد بأسباب سماوية أو أرضية كالطواعين المفنية والقحوط الجلية، والحروب المبيدة والملوك المتغلبة والسير المخالفة فإذا انقرضت في أمة، ونشأت في أمة أخري وتطاول الزمان عليها ، نسي ما تقدم، وصارت الصناعة تنسب إلي الأمة الثانية دون الأولي
          طبقاً لهذا المقياس السليم ، كانت للطب الأندلسي ملامحه الخاصة ، وشخصيته المميزة ، وتبعاً لهذا القياس المنطقي أردت الإسهام بهذا الموضع الدقيق، علني أستطيع ـ عبر ضباب القرون تلكم الملاحم ، وإبراز تلك الشخصية على قدر ما أتيح لي من فهم وإدراك أو ما توافر لدي من مراجع عربية وغير عربية .
          نواة أو عدة نوي ، بني عليها، ونماها على مر الزمان . إن الطب قديم قدم البشر على وجه البسيطة ، فالإنسان البدائي حتى في مرحلة الصيد وجمع الثمار ، وهي أدني مراحل حضارته ـ عرف كيف يداوي الجروح، ويجبر الكسور، ويرد التخلعات من المجازفة القول بأن الشعب الفلاني هو أبو عذرة الطب . بل الرأي الأسد القول بأن الطب ثمرة تعاون الشعوب قاطبة : قاصيها ودانيها ، قديمها وحديثها .
          يقول أحد علماء الأسبان :يعتبر الطب الأندلسي مزيجاً من الكيمياء المسيحية، ومن بقايا الثقافة الإغريقية الرومانية، ومن الثقافة القوطية الغربية Visigotica
          وفي مكان آخر قال : إن أطباء شبه الجزيرة الايبيريه خلال قرن الترجمات (الثالث الهجري/ التاسع الميلادي) كانوا يعتمدون كثيراً على دروس الطبيب المسيحي تياذوق الرئيس الروحي لمدرسة ظلت تغذي الطب الخلفي (بالأندلس) أثناء أعوام كثيرة " .
          والحق أن الطب الأندلسي ثمرة ذلك كله، إلي جانب الطب النبوي الذي حوته صدور بعض الصحابة والتابعين، والمعارف الطبية العربية- المغربية التي حذفها بعض الفاتحين. حقيقة أننا لا نتوفر على قائمة أو كشف بأسماء الأطباء الطبيعيين Physicians الذين رافقوا الحملة، ولا على مراجع طبية أو تاريخية تكشف لنا عن طبيعة المعالجات،ونوعها، ولكن، مما لا ريب فيه أن الحملة التي قادها البطلان: طارق بن زياد الليثي وموسى بن نصير، لم تكن لتخلو من رجال نابهين في فن المعالجة يتولون التخفيف من آلام الجرحى، ويسعون في شفائهم بمختلف الوسائل، كما لم تخل من أبطال ضحوا بأرواحهم في ساحات الوغى، وجاهدوا في الله حق جهاده.
          من خلال المراجع المتوافرة الآن، نجد قوائم طويلة بأسماء الأطباء الذين زاولوا مهنتهم الطبية في بيئات وعصور مختلفة حتى عصر الجاهلية وصدر الإسلام، فمن ذلك- مثلاً- الحارث بن كلدة وابنه النضر (ابن خالة رسول الله، ) وعدوه اللدود في الوقت ذاته)، ثم ابن أبي رمثة التميمى، وعبد الملك بن أبجر الكناني الذي مارس تدريس الطب بمدينة الإسكندرية قبل الفتح الإسلامي، وقد تم إسلامه فما بعد على يد والي مصر حينئذ الأمير عمر بن عبد العزيز، ثم زينب الأودية التي قال في حقها الشاعر أبو سماك الأسدي :
          أمخترمي ريب المنون ولم أزر
          طبيب بني أود ـ على النأي ـ زينبا ؟
          ويظهر أن الشاعر زار هذه الطبيبة فيما بعد، وشفته من مرضه كما عالجت ابن أخيه من بعده، وشفته من مرض ألم بعينيه. وتذكر المصادر أن المريض- وهو ممدد علي فراش العلاج- استشهد بهذا البيت، فقالت له الطبيب المعالجة: إنني أنا المعنية بهذا البيت وعمك هو قائله.
          لاشك أن سائر البلدان العربية- الإسلامية- ومن ضمنها الأندلس- كانت تحتضن مثل هؤلاء الأطباء الرواد الذين مارسوا التطبيب بنجاح، وحذقوا حتى بعض لغات العجم كالفارسية والسريانية، والعبرية، والإغريقية، واللاتينية، ونقلوا منها إلى العربية.
          ومهما يكن من أمر، فالمعلومات الطفيفة التي تتوافر لدينا عن مزاولة الطب الأندلسي في القرنين الثاني والثالث الهجريين (الثامن والتاسع الميلاديين)، لا تسمح لنا بإعطاء صورة كاملة ونهائية عن الطب العربي بالأندلس، ولكننا نستطيع القول بأن عرب الأندلس لم يكونوا منزوين أو معزولين في شبه جزيرتهم، بل كانوا يعيشون عصرهم، كما كانوا على اتصال وثيق بمعاصريهم، وكانوا موقنين بأن العلم لا يعترف بحدود أو قيود من أي نوع كانت. والدليل أن أي كتاب طبي يؤلف في الشرق، يكون له صدى في الغرب، والعكس صحيح.
          ألف أبو بكر محمد بن ذكريا الرازي (ت 313 هـ- 925 م) كتابه " الحاوي "، فاعتبر معلمة طبية وجهت الطب الأندلسي وجهة علمية لم يحد عنها بتاتاً. وكذلك ألف الطبيب علي بن العباس الأهوازي (ت 3330 هـ/ 944 م) كتابه " الملكي " فكان له صدى بالأندلس حميد. ويعتبر هذا الكتاب قاموس طب وصيدلة، بل موسوعة تناولت معلومات العصر في سعة وإسهاب لم يتمكن حتى الإغريق من التوصل إلى محاولتها أو ادعائها، على حد تعبير بعض العلماء.
          ليس معنى هذا الكلام، أن أطباء الأندلس، كانوا مجرد امعات مقلدين، بل كانت لهم شخصيتهم العلمية، وكانت لهم أفكارهم ونظرياتهم وتجاربهم وكتبهم التي كانت تعبر الحدود إلى الشمال تارة فيكب الأوربيون على دراستها مترجمة إلى لغتهم اللاتينية، وإلى الشرق تارة أخرى حيث كانوا يرحلون هم أنفسهم فيستفيدون ويفيدون.

          تطور ملموس
          :

          في الأعوام التي تلت الفتح الأندلسي، كان يسود ميدان الطب، نوع من الجبرية والاعتقاد بالقضاء والقدر، يتمشى مع تعاليم المجتمع الإسلامي وتقاليده وتطلعاته، فكان الأطباء يكتبون في مواضيع كشف الطالع، وعن تأثيرات النجوم والأجواء Atmospheres وعن تحول المعادن من خسيس إلى نفيس، وكانت عمليات الفصد (لوحة ا) والحجامة تجرى عندما يوجد القمر في وجه من أوجهه المعلومة، أو حينما يحتل منزلة من منازله المعروفة. ثم إن الأعشاب الطبية يجب أن تجمع تحت برج معين. ولكي يكون عمل الحكماء مجدياً، كانوا يلجئون إلى جمل مبهمة، وتعازيم ورقى، وكان البعض منهم يقبعون في عقر ديارهم ليعلقوا على جدرانها جثثاً محنطة للبوم Barn والهام Barn - Owls والتماسيح ، وليعرضوا في قنيناتهم وقواريرهم ضفادع البر Toadsوالأجنة Foetusوالعقارب وغيرها من الحيوانات القذرة التي تثير الاشمئزاز أحياناً وليبيعوا بثمن الذهب سوائل وأشربة ومراهم ذات تركيب سري عجيب.
          كما كانوا يعالجون مرضاهم على طريقة الكهانة الروحية Necromacyويحيطون أنفسهم بمظاهر معينة، ويقومون بطقوس خاصة تضفي على أعمالهم ألواناً من الجدية والمهابة والوقار المصطنع أحياناً .
          سرعان ما ينضج جيل من الأطباء جديد، فيبدأ رد الفعل ضد هذه الممارسات غير المعقولة أحياناً. يأخذ هذا الجيل في شق طرق وطرائق جديدة مثمرة، طبعت الطب الأندلسي القائم الذات الثابت الكيان، بطابع خاص يكاد يخلو من التأثيرات الغريبة أو المتعلقة بالسلف Ancestral
          إن المذهب التجريبي الذي كانت تعالج به الأمراض حسب المعتاد، وقع التخلي عنه في الأندلس، وتولى الأطباء الأندلسيون علاج مرضاهم حسبما تتطلبه حالة كل منهم على حدة، مع الالتفات إلى شهية المريض، وبنيته، وخلقه ومزاجه. إن الفكرة التي أصبحت الآن مقبولة على النطاق العالمي، وهي فكرة أنه لا توجد أمراض، وإنما يوجد مرضى، تبدو الآن واضحة جلية في الطب الأندلسي، سواء في ناحيته العلمية النظرية، أو في مجالاته العملية لتطبيقية.
          وهكذا، بعد أن كان الطب مذهبياً عقيدياً Dogmatic ونمطياً روتينياً" في الأعوام الأولى من تاريخ الإسلام بشبه جزيرة إيبيريا، أصبح في النهاية، في أواخر القرن الثالث الهجري ( أواخر التاسع الميلادي) يكسر القوالب القديمة، ويفتح آفاقاً جديدة لم يكن يلمحها أحد من قبل. ويشرع الأطباء في التفكير بطرق خاصة، ويناقشون القديم، ويسمحون لأنفسهم بإبداء الرأي السديد النزيه.
          كتاب ديوسقو ريديس :يزدهر الحكم الأموي بالأندلس، ويعتلي عرش البلاد عبد الرحمن الثالث الذي لم يلبث أن أعلن نفسه خليفة وأميراً للمؤمنين، وتلقب بلقب " الناصر لدين الله ". خطب وده ملوك أوربا وهادوه، ومن هؤلاء إمبراطور بيزنطة قسطنطين السابع الذي أرسل إليه سنة 336 هـ 948 م سفارة تحمل هدايا من جملتها نسخة إغريقية أصيلة من كتاب ديوسقو ريديس Dioscurides المعروف باسم " المادة الطبية " Materia Medica
          وبما أن الأندلسيين لم يكونوا يتقنون اللسان اليوناني فإن الخليفة أرسل إلى الإمبراطور قسطنطين، يسأله إرسال أحد العارفين باللغتين معاً: الإغريقية واللاتينية، فبعث له الراهب نيقولاس الذي وصل إلى قرطبة سنة 340 هـ 951 م. وتم تعريب الكتاب على أيدي فريق من العلماء فيهم المسلم والمسيحي واليهودي، لأن البحث العلمي من جهة وروح الإسلام السمحة من جهة أخرى، لا يعترفان بالتميز العنصري أو الديني بأي حال من الأحوال.
          قامت اللجنة بمهمتها خير قيام، فبحثت عن مقابل الاسم الإغريقي في اللغة العربية أو في اللهجة الأندلسية. وكان لزاماً أن تسقط اللجنة من اعتبارها، النباتات التي لا تنمو بالأندلس، وأن تترجم فقط تلك التي تنمو بها، مع إضافة النباتات الخاصة بالأندلس والتي لا توجد في الأصل الإغريقي. ولأجل هذا الهدف، كان لا بد من الطواف بأنحاء المملكة، في رحلات استكشافية تجول في السهل والجبل، في الداخل والساحل، بغية جمع النباتات، وجمع الملاحظات، والموازنة. وبعبارة أخرى: إنجاز مهمة الدراسة والبحث على خير وجه ممكن، في ميادين علوم النباتات " Pharmacology والطب. وسيظل هذا الكتاب قطب رحى البحث العلمي في الأندلس ردحاً من الزمان، حيث سيدرسه وينقحه ويؤلف في موضوعه علماء أندلسيون عديدون كسليمان بن حسان المعروف بابن جلجل، وأبي جعفر أحمد بن محمد بن السيد الغافقي وهو غير طبيب العيون محمد بن قسوم بن أسلم الغافقي مؤلف كتاب (المرشد في الكحل)- ومثل الوزير أبي المطرف عبد الرحمن بن وافد اللخمي. وبعبارة أخرى يمكن القول بأن علم المعالجة النباتية Terapeutica Vegetal قد بدأ يؤتى ثماره الناضجة وهكذا أنجزت دراسات هامة عديدة عن خانق الذئب، وحب الأنيسون حبة الكلاوة ، والحماض ، والترياق.. وأنتجت أدوية كثيرة مثل الحبوب الكبيرة Bolus بلوعات وأقراص، وقطرات عيون، ولعوقات، وزيوت ومراهم، ولازوقات ، وحقن شرجية (الجهاز والمادة)... إلى غير ذلك.
          إن دراسة النبات كعلم، وممارسة الطب كمهنة، وتطبيق النظريات العلمية كفن، كل ذلك أصبح الآن عملاً قومياً ممتازاً، وبات في الإمكان حينئذ التحدث عن طب إسلامي- أندلسي صميم. وعن مدرسة علمية شاملة، تزعمها عالم أندلسي قح، هو أبو القاسم مسلمة بن أحمد المجريطي ثم القرطبي (ت 3940 هـ/ 1004 م) الذي عاش في زمن الخليفتين الأمويين الحكم الثاني وابنه هشام الثاني، ولم يلتحق بالرفيق الأعلى، إلا بعد أن شغل بنبوغه، وشمل بفضله وعلمه وتعليمه عدة أجيال. وهكذا نجده على الرغم من أنه كان مهندساً وفلكياً أكثر منه طبيباً، ينجب أتباعاًَ وتلاميذ عديدين، لم ينجب عالم بالأندلس مثلهم، معظمهم برع في الرياضيات والهندسة والتنجيم، إلى جانب فن التطبيب. ونذكر منهم على سبيل المثال لا الاستقصاء:
          v أبا القاسم أصبغ بن محمد بن السمح، المهندس الغرناطي المتوفى في رجب 426 أبريل 1035.
          v أبا القاسم أحمد بن عبد الله بن عمر بن الصفار القرطبي، ثم الداني. وتوفي بدانية من أرض الأندلس.
          v أبا الحسن علي بن سليمان الزهراوي(نسبة إلى مدينة الزهراء قرب قرطبة)، وهو غير أبي القاسم الزهراويالآتي الحديث عنه بعد، فقد تتلمذ على مسلمة، وصحبه مدة.
          v أبا الحكم عمرو بن أحمد بن علي الكرماني القرطبي ثم السر قسطي. رحل إلى المشرق، وجلب إلى الأندلس- لأول مرة فيما يعتقد- " رسائل إخوان الصفا ". كان الكرماني مهندساً وطبيباً جراحاً .
          v أبا مسلم عمر بن أحمد بن خلدون الحضرمي، من أعيان اشبيلية كان فيلسوفاً ومهندساً ومنجماً وطبيباً .

          طعام الحمية
          :

          ورد في الأثر أن "المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء"، وروى عن النبي r قوله: "نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع ". ويأتي في القرن العشرين عالم إنكليزي هو جير الدين برايت Geraidine brayant ليؤكد ما قاله رسول الله منذ أربعة عشر قرناً عن نظام الحمية في التغذية قال هذا العالم ما يلي: { كل ما تشتهي في اعتدال، لكن- وهذه لكن كبيرة- أنه الأكل حينما تشعر أنك تستطيع المزيد قليلاً}
          ثم يضيف براينت قائلاً :{في هذه الجملة الأخيرة يكمن واحد من الأسرار الحقيقية للصحة، والجمال ولطول العمر كذلك }.
          أجل، إن علم الغذاء الحميي Dietetics موضوع استحق سن أطباء الأندلس كل التفات واهتمام، لأن الأطباء في الحقيقة هم قبل كل شيء، علماء في قوانين حفظ الصحة Hygienists وهكذا نراهم يؤلفون الكتب العديدة في الأدوية المفردة والمركبة ويطرقون موضوعات التغذية الصحية، والمواد الغذائية، والأشربة وأصناف الطبيخ، لا بالطريقة الأختبارية Empiric method التقليدية، التي كانت قد تبنتها المدرسة القديمة، ولكن بطريقة الملاحظة Observation والخبرة Experience معاً .


          تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

          قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
          "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
          وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

          تعليق


          • #20


            تخصصات الطب
            :

            يبدأ التخصص في الطب، فيمهر في طب العيون " Ophthalmology مثلاً أحمد بن يونس الحراني، الذي يقول عنه أبو داود بن جلجل: " رأيت اثني عشر صبياً صقالبة، طباخين للأشربة، صناعين للمعجونات بين يديه. وكان يعطي منها- بإذن الخليقة المستنصر- من احتاج إليها من المساكين، والمرضى، كما كان يداوى العين مداواة نفيسة، وله بقرطبة آثارها ذلك.... وكان يواسي بعلمه وفنه، صديقه وجاره والمساكين، والضعفاء ومع ذلك توفي وخلف ما قيمته أزيد من مائة ألف دينار ".
            ومن أطباء العيون الوزير أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن وافد اللخمي (466 هـ 1074 م) الذي ألف في هذا ألف كتاب تدقيق النظر، في علل حاسة البصر ".
            وممن برز في ميدان طب العيون، ونال فيه شهرة فائقة محمد بن قاسم ( أو قسوم) بن أسلم الغافقي الذي ألف كتاباً خاصاً بأمراض العيون سماه (المرشد في الكحول)، ويوجد مخطوطاً في مكتبة الاسكوريال (بأسبانيا) ويحمل رقماً قديماً هو830 وآخر حديثاً هو 835 .
            ولأهمية هذا الكتاب الذي تزدان صفحاته بأدوات طبية اخترعها مؤلفه ليستعين بها في علاج مرضاه (انظر الشكل رقم ا)، نخصه بالحديث التالي :
            يذكر الغافقي أن الداعي لتأليف كتاب " المرشد " هو أنه وجد كتب أسلافه السابقين ناقصة غير مكتملة. ويعين أولئك الأسلاف بالاسم فينص على حنين ( يعني ابن إسحاق )، وتلميذه عيسى بن علي (طبيب المعتمد على أحمد بن المتوكل )، والرازي، وابن سينا وعمر بن علي، وأبي القاسم خلف الزهرأوي.
            ومن التخصصات أيضاً، طب الأطفال pediatria وعلم التوليد Obstetricsويمكن القول بأن هذين العلمين ولدا بولادة كتاب للطبيب الأندلسي المعروف: عريب بن سعيد الكاتب، من أهل قرطبة (ت 369 هـ/ 0 98 م) سما 5 " كتاب خلق الجنين، وتدبير الحبالى والمولدين "، وتوجد منه نسخة في مكتبة الاسكوريال، وقد انتهى من تأليفه قبل الوفاة بنحو خمس سنوات.

            ويدرس هنا الكتاب العجيب الموضوعات التالية موزعة على خمسة عشر فصلاً:
            المني نوعه، وسائل تحسينه وتكثيره، أسباب العقم، كيفية التعرف على ما إذا كان الجنات الذي في الرحم ذكراً أو أنثى، لماذا أعضاء الجنين تزيد أو تنقص، الوقت الذي بمكثه في بطن أمه، الذي يحدث في الأيام الأخيرة من الحمل، نظام تغذية الحبالى، العلامات الأولى للمخاض، لسهولة الولادة، نظام تغذية النفساء، وفرة الحليب، الرضاعة، كيفية المحافظة والتوجيه لصحة المولود النمو والتحولات التي تعتريه، التسنين، طريقة علاج اختلالا ته والأسباب التي تحدثها، التدبير الغذائي الذي يجب اتباعه قبل التسنين وبعده حتى سن البلوغ.
            وجدير بالملاحظة، أن علم التوليد، وعلم أمراض النساء "، Gynaecology كذلك، ظلا ضعيفين للأسباب المانعة من كشف العورة. ولكن هذه المشكلة أمكن التغلب عليها جزئياً، إذ كانت القابلات هن اللائى يحضرن عند النفاس، ويتولين التوليد. كان الأطباء المختصون يقدمن طن النصائح والإرشادات عن بعد، ويقمن هن بالتنفيذ، فينجزن عمليات: منها تصحيح وضعية الجنين في الرحم وتقليبه تمهيداً لولادته بكيفية سليمة، ومنها تشريح الأجنة وتقطيعها لاستخراجها أرباً أرباً عندما تكون الولادة مستحيلة نظراً لضيق حوض الولادة، أو غيره من عوامل النقص في التكوين.


            مجلس أطباء
            :

            تألف هنا المجلس لإبداء الرأي في علاج الحالات المرضية العويصة، وكان يجتمع خاصة عندما يمرض الخليفة، أو إحدى الشخصيات الهامة في البلاط الملكي أو الديوان الحكومي. من ذلك يروى من أن الوزير عبد الله بن بدر، مرض ابنه محمد- ذات مرة- بقروح شملت بدنه كله، فجمع لفيفاً من الأطباء، كان فيهم محمد بن فتح المعروف بطملون (مولى عمران بن أبي عمرو طبيب عبد الرحمن الأوسط)، فسألهم الوزير علاج تلك القروح، وأبدى كل طبيب رأيه، وظل طملون صامتاً، فقال له الوزير: ماذا عندك؟ إني أراك ساكتاً.. فأجاب الطبيب: عندي مرهم ينفع هذه القروح من يومه.. مال الوزير إلى تصديق كلامه، فأمره بإحضار المرهم، فأحضره، وطلى به القروح كلها، فجفت من ليلتها. وصله الوزير بخمسين ديناراً، وانصرف الأطباء الآخرون بدون صلة.

            أول مرض
            سري:

            من الأمراض السرية Venereal Diseases السيلان والزهري syphilis وهما مرضان خطران، ساد الاعتقاد زمناً بأنهما أوربيان، ولذا أطلق على كل منهما اسم " المرض الإفرنجي " لكن يبدو أن أول حالة لمرض سري، نشأت في أوروبا حقيقة، إنما في بلاد الأندلس المسلمة.
            كان الطبيب المعالج هو أبو ذكريا يحي بن إسحاق، طبيب الخليفة الأموي عبد الرحمن الثالث ووزيره، وكان المريض بالسيلان رجلاً بدوياً أقبل راكباً على حمار وهو يصيح في شوارع قرطبة:
            أد ركوني أد ركوني! تكلموا إلى الوزير بشأني! سمع الوزير صراخ الرجل فقال له:{ ماذا بك يا هذا؟} فأجاب المريض قائلاً :{ أيها الوزير، ورم في إحليلي، منعني البولي منذ أيام كثيرة وأنا على وشك الموت}. قال الوزير: {اكشف عنه}. كشف عنه فإذا هو وارم. قال الوزير لرجل آخر أقبل مع المريض:{ اطلب لي حجراً أملس}. طلبه فوجده وأتاه به. قال الوزير:{ضعه في كفك}، وضع عليه الإحليل. فلما فعل، جمع الوزير يده وضرب بها الإحليل، ضربة غشي بها على المريض، ثم اندفع الصديد يجري. وما أنتهي الصديد حتى فتح الرجل عينيه وبال في إثر ذلك.
            قال الطبيب الوزير:اذهب فقد برئت من علتك. وأنت رجل عابث، وأقعت بهيمة في دبرها، فصادفت شعيرة من علفها لحجت (نشبت) في عين الإحليل فورم لها، وقد خرجت الآن مع الصديد .
            إعترف الرجل البدوي بفعلته، وأقر بكل استنتاجات الوزير، مما يدل على صدق حدس الطبيب وسرعة بديهته، وجودة قريحته، وعلى صرامته أيضاً، فقد ثبت أنه عاقب البدوي على ذنبه .


            مولد فن جديد
            :

            لا نريد أن نغادر هذا القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي ، دون أن نعرج على معلمة من معالمه الخالدة وقع تجاهلها من بعض الباحثين، ونعني بها الطبيب النطاسي، والجراح الماهر، أبا القاسم خلف بن عباس الزهـراوي مؤلف كتب عديدة في الطب أهمها وأشهرها كتاب (التصريف لمن عجز عن التأليف) الذي يعتبر موسوعة طبية تقع في ثلاثين جزءاً، آخرها خاص بالجراحة.
            ترجم الكتاب إلى البر وفنصالية provencal ،كما ترجمه إلى اللاتينية الإيطالي جيرادو الكريموني Gerardo de Cremona وإلى العبرية الحبر شم طب Sem Tob وكان الجزء الثلاثون الذي نشر باللاتينية تحت عنوان الجراحة Chirurgia أوسع الأجزاء انتشاراً، وأكثرها أهمية في تاريخ الطب كله، مما رفع مكانة الزهراويإلى طبقة أبقراط Hipocratesوجالينوس ، وجعل فن الجراحة- لأول مرة- عملاً مستقلاً عن الطب، قائماً على أساس من علم التشريح ، وعلم وظائف الأعضاء " physiologyوقد ألحق الجراح الفرنسي الشهير Guy de Chauliac (1300- 68) الترجمة اللاتينية بأحد كتبه .
            ويحتوي كتاب التصريف، على رسوم توضيحية للآلات الجراحية التي صنعها المؤلف بنفسه، وكان لها التأثير البالغ في المؤلفين العرب الآخرين، وساعدت بصفة خاصة على وضع أسس الجراحة في القارة الأوروبية.
            يتضح من هذا، أن أبا القاسم الزهرأوي، درس علم وظائف الأعضاء في أناة وعمق، كما افتتح بين العرب والمسلمين دراسة علم التشريح، وقام بتطبيقه فشرح جثث المحكوم عليهم بالإعدام، وجثث الموتى بالمستشفيات ممن غاب عنهم أهلهم وذووهم. ولكن عالمنا الجليل، لم يكن يلجأ إلى الجراحة، إلا إذا كان لا بد مما ليس منه بد. كان يقدم لتلاميذه نصائح غالية، تنم عن حسن إدراكه، وإخلاصه للمهنة. وتقديره للمسئولية: لا تقوما- تقوموا- البتة- بعمليات جراحية، ما لم تعرفوا بالضبط موقع الأوردة Veins والأعصاب Nervesوأوتار العضلات Tendons .
            تأكيد ذو أهمية خارقة للعادة، يحدث لأول مرة في تاريخ الطب الإسلامي، ويدل على اتجاه جديد في مزاولة المهنة.
            ويزيد الأستاذ في نصح تلاميذه فيقول لهم :اعتمدوا دائماً على ملاحظاتكم الخاصة. لا ينبغي لأحد منكم أن ينسى الحالات التي تعرض عليه بقصد دراستها، ذلك لأنه إذا ما قدمت له حالات أخرى مماثلة، فما يكون قد تعلمه بطريقة مباشرة يفوق كل ما خلفه لنا القدامى مدوناً في كتبهم.
            بالمثل، استخدموا التجربة والخبرة :ليس من المسموح به القيام بعملية جراحية في شخص ما لم تجرب تلك العملية في الحيوانات مسبقاً، وما لم يكن لدى الطبيب اليقين الكامل، والتأكد التام، من توافر كل ذرائع الأسلوب الفني(التقنيات)، فعملية فتح القصبة الهوائية " Tracheotomy مثلاً ينبغي أن تنجز في الماعز، وطالما لم يتم إنجازها مراراً كثيرة، دون أن يموت الحيوان، فليس من المباح إجراؤها في إنسان.
            ألا نلاحظ في هذه النصائح أو الدرر، نظرة شديدة الوضوح للكيفية التي يجب أن تكون عليها النظرية والتطبيق في الطب؟ أليس جديراً بالإعجاب أن تصدر مثل هذه التعليمات الفطنة من طبيب أندلسي منذ ألف سنة مضت؟
            أظننا لا نستنكر أو نستغرب صدور مثل هذه النصائح من رجل عبقري، فاق أقرانه، ويرجع إليه الفضل في إنشاء فن جديد هو الجراحة.
            كانت العمليات الجراحية قبل الزهرأوي، مقصورة على الفصادة، ورد التخلعات بطريقة المقاومة الفجائية، وجبر الكسور، واستخراج السهام من الجروح. وربما كان ذلك كله عملاً تافهاً مزدرى من قبل الأطباء وعملاً جيداً يجيده فقط الحجامون (الحلاقون) والعبيد، والمرتزقة الفضوليون. ولكن لما جاء الزهرأوي، أرتفع بفن الجراحة إلى الأوج وعرف كيف يخترع عدداً من الأجهزة والأدوات والأساليب الفنية، معلناً بذلك آلية الفن الجراحي الذي لم ينبعث طبقاً لبداهته العجيبة، ودفعته القوية فحسب، بل ليبلغ بفضله أهمية لم يعد ليفقدها قط.
            فأبو القاسم الزهراوي استطاع في الواقع أن يربط الشرايين Arteries وأن يستخرج الأورام الليفية polypus وأن يجري عمليات صعبة لاستخراج الحصى من الحويصلة، أو لتفتيتها بالمثانة بغية إفرازها مع البول، وخاط المصارين المثقوبة، وصنع كلاليب جراحية Fptcepsمتقنة، كما صنع أجهزة تقويمية Pthopaedic Apparatus لإصلاح تشوهات المرضى أو إيقافها أو تجميلها..


            استشارات طبية
            :

            كانت المستشفيات والبيمارستانات في الأندلس خاصة وفي بلدان الإسلام عامة، أماكن للعلاج وللدراسة معاً، كما كانت الدور الخاصة عيادات يؤمها المرضى، كما هي الحال الآن، وكما كانت عند الطبيب الأندلسي المسيحي ابن ملوكه الذي جعل أمام داره ثلاثين كرسياً، يستريح عليها مرضاه في انتظار أدوارهم للكشف عنهم وعلاجهم.
            ففي المستوصفات مثلاً كان يحضر المريض، ويمثل أمام الطبيب فيلاحظه ويسأله، أو يدعو بعض تلاميذه لفحصه، ثم يجري معهم حواراً مناسباً للحالة، داعياً إياهم إلى عرض كل ما يعرفونه عن المرض الذي يعاني منه الزائر. ثم يعقب ذلك شرح ضليع للحالة يقوم به الأستاذ، ثم يعين العلاج.


            وفيما يلي نماذج من هذه
            الاستشارات الطبية:

            1- رجل يشكو ألماً شديداً برأسه. يسأله الطبيب: أين الألم؟ في مقدمة الرأس أم في مؤخرته؟ وهل تحس بخفقات في الصدغين ؟ يجيب المريض : أحس كأن بهما ضربات مطرقة ! يقول الأستاذ :
            ستأخذ البابونج Chamomile وورق الورد، ورؤوسا صغيرة من الخشخاش (الأفيون)، تخلص الجميع في مرجل وتضيف ماء لتغطية ذلك كله، ثم تغلي الجميع- انكب بوجهك فوق المرجل، وتنفس الأبخرة بعمق. افعل ذلك خلال ثلاثة أيام، صباحاً ومساء. وكغذاء لك، خذ كل الأشياء الرطبة السهلة الهضم.
            2 - مريض بالعشاء (والعشاء : الأبصار بالنهار فقط، مع عدم الإبصار كلياً أو جزئياً بالليل). يوصيه الطبيب بأن يأكل كلى جدي مشوي، ولا يتناول أي أدوية.
            3 - مريض آخر يحضر وثؤلول pimplفي حجم برعم بجفنه الأعلى. يبعث رئيس العيادة تلميذاً لفحص المريض. الثؤلول يتحرك، يقلب الجفن ليرى ما إذا كان للثؤلول نتوء في الداخل. لا يوجد نتوء. حينئذ يقول الأستاذ: إنها حبة برد لا ثؤلول. ينصح المريض بعمليات خفيفة من الدلك والدعك بشيء من زيت الزيتون، مع عمل لزقة ( لبيخة ) من خبز ساخن، مدة ثلاثة أيام.
            4- بالنسبة لمصاب بمرض السل التدرني، يلفت الأستاذ أنظار تلاميذه إلى شكل أظافر المريض، ويطلعهم على أن أي علاج سيفشل، وإن نفث الدم سيتواصل. حينئذ ينبه الطبيب مريضه بأن لا شفاء له، فيجب أن يحرر وصيته ويستعد للقاء ربه تعالى .


            في الأوج
            :

            في المشرق كما في المغرب (الأندلس) نلاحظ ظاهرتين عجيبتين جديرتين بالانتباه:
            أولاهما: ظاهرة السياسة والثقافة، فمن حيث بلوغهما الأوج، نجدهما قد لا يتلازمان، ولا يرتبطان تمام الارتباط. فقد دلت الأحداث التاريخية على أن الانحلال والتفكك السياسي قد يكون مبعث التقدم الثقافي والرقي الفكري،فهذه الخلافة العباسية تتفكك في المشرق الإسلامي، فتتولد عنها ممالك وإمارات تتنافس فيما بينها. حقيقة أنها فقدت وحدتها وقوتها السياسية، والاتحاد قوة- كما يقال- ولكن استعداداتها العقلية وقدرتها الإنتاجية في الميادين الفكرية والأدبية والعلمية والفنية تكتمل وتنضج فتبلغ الأوج.
            قل مثل هذا في الجناح الغربي للعروبة والإسلام ونعني به الأندلس، انحلت الخلافة الأموية بقرطبة لتنشأ ممالك طوائف متعددة يستقل فيها الحكام بما كانوا يحكمون، وتخلف العاصمة الواحدة عواصم كثيرة تتنافس فيما بينها في ميادين العلم والأدب والفن، فيكثر الإنتاج وتزدهر البلاد.
            وثانيتهما: ظاهرة الحروب الصليبية، فقد كان لها وجهان: أحدهما بشع دميم يطفح بالتجهم والعبوس وينم عن كثير من الرذائل النفسانية من حسد وغضب وضغينة وكراهية وبغض، والآخر قد يخلو من الدمامة لأنه يكتسي قناعاً جيرياً ناعم الملمس، هشاً بشاً ، يرمي إلى بعيد وكأنه على رأي المثل العربي " يسر حسواً في ارتغاء " وجه أصحاب الوجه الأول كانت " الشرق " لاستخلاص بيت المقدس من يد الكفار، بينما كانت وجهة الآخرين
            " الأندلس ليستقوا من ينابيعها الثرة، ويدرسوا كتبها العلمية وكتابها الديني (القرآن الكريم) ويترجموا كل ذلك إلى اللاتينية لغة العلم في أوربا آنذاك .

            وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن فترة القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي، تعتبر فترة الازدهار والاكتمال وبلوغ الأوج. بر زفيها كثير من فطاحل العلم ممن لا نطيل الحديث عنهم لأن أسماءهم ملء الأسماع والأبصار وأعمالهم معروفة ومدروسة وأخبارهم تطفع بها المراجع قديمها كالحديث.
            يكفي القرن السادس الهجري فخراً أنه القرن الذهبي لعلوم الطب الأندلسي، وأنه أنجب أمثال أبي بكر محمد ابن يحيى بن الصائغ المعروف بابن باجه (ت 5 2 5 هـ/ 1 3 1 1 م)وأبي الوليد محمد بن رشد(ت 422 / 1031 ) وأمثال بني زهر.


            تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

            قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
            "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
            وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

            تعليق


            • #21
              معجزة الفن الإسلامي



              في قصر الحمراء خفق حيوي متواصل ..لا تعرف كيف تواءمت ظروفه وانشغلت بطريقة لا تكف عن جذب زائره ، فكيف بالمقيمين فيه والمرتادين له في ذلك الزمان ؟

              ولعل ترانيم القواقع المائية المتوزعة في كل ركن من أركان القصر، وبطريقة أيضا لم يكشف المهندسون الحديثون سرها حتى الآن ، هي التي تزيد المشهد جمالا على جمال . ففي كل غرفة من غرف القصر تجد قوقعة مائية يستند معظمها على أفاريز رخامية مزخرفة.
              وتعتبر قاعة الأختين وقاعة بني سراج من أكبر وأشهر قاعات قصر الحمراء، الذي تتزين جدرانه وأبوابه وغرفه وسقوفه التي بعضها مصنوع من خشب الأرز المحمول من لبنان ، بارقى وأدق وأتقن ما توصلت إليه عبقريات الفن الإسلامي في ذلك الزمان ، وبخاصة من ناحية فنون الخط والرقش (الزخرفة ) والحفر والتوريق والتعشيق الخ ..
              وقصر الحمراء، يعتبر مرآة للفن الإسلامي في أبهي مظاهره وتجلياته ، بخاصة في مضمار الزخرف والخط والتوريق ونظام العلاقات في ما بينها.. فالفنان المسلم يستبسل في بحثه .. يتأنى ويوازن ، يدقق ويعاين بغية القبض على أحواله في النتيجة الفنية البهيجة .. وهو هنا يتبع نظاما رياضيا دقيقا، يوائم بين الألوان والفراغات وذبذبتها على الأحجار المنحوتة .. وكذلك أيضا حين يضيف المزيج الملون (الخزف المغربي) .. فمثل هذا التنويع الهارموني الهائل والدقيق يقوم على ركنين أساسيين في لغة الفن التشكيلي هما: «الخيط و«الرمي». والخيط نهج يتبع التخطيط القائم على القواعد الهندسية من خطوط مستقيمة وزوايا حادة ، والرمي منهج يتبع التخطيط القائم على الخطوط المقوسة أو المنحنية.
              وإذا ما تأملنا بعمق جوانب في قصر الحمراء (جدران فناء الرياحين ) رأينا كيف تزاوج «الخيط» و«الرمي» على نحو بارع ، مشكلا طريقة الابداع الفني المضبوط والمستدق لعمل الزخرفة والخط والحفر.
              وكما هو معروف ، فإن الفن الإسلامي عموما يتميز بإلغاء البعد الثالث في المنظور، وأنه فن يكتفي ببعدي الطول والعرض ، وتلك سمات تشتمل عليها تقريبا كل الآثار الإسلامية المعروفة في مختلف قارات الأرض .
              والأجمل بعد في هذا الفن إن لا صلة له بصانعه بالمعنى الذاتي أو العاطفي المزاجي. ومن هنا غياب أسماء فنية مهمة جدا في تاريخ هذا الفن ، بحيث إننا لا نعرف مثلا من استقدم سادة الأندلس من فنانين ومعماريين وحتى مهندسين لامعين قاموا بإبداع هذا الصرح المعجز العظيم، ذلك أن الفنان نفسه ، إنما كان يفعل ذلك مندمجا في بعدية فلسفية تستلهم الرؤية الدينية والتوحد الجمالي معها.. ونقصد بالمتوحد الجمالي هنا أن هذا الفن لم يكن يبشر بالدين بمعني الشرح والتفسير، وإنما يؤكد على الهوية وتميزها.. دينيا وحضاريا ومن هنا نرى أن الفنان المسلم يلفي نفسه في فشروعه ويتساوى معه في الخفاء ليظهره على حساب شخصه الإبداعي.
              ولا غالب إلا الله
              إن الفنان المسلم في هذا العمل يتكامل والفاتح المسلم الموصوف بأنه "أرحم الفاتحين " ، إذ لم يكن فذا الأخير يندفع في مشروعه باسمه هو وإنما باسم الله والإسلام جلالا وإكبارا؟ ومن هنا سبب قراءتنا الدائمة على كل جدران قصر الحمراء العبارة المزخرفة الآتية : "ولا غالب إلا الله" وكذلك عبارة . "الحمدالله على نعمة الإسلام ".. تتكوران في مستوى هارموني متدافع الوضوح .. لكأن الفاتح يريد أن يؤكد أيضا أنه ينفذ أوامر الله ، يحقق واجبا يلح عليه .. والفنان نفسه هو في هذا الهاجس أيضا ولكن بأسلوب مختلف وطريقة جمالية مختلفة .. كلاهما من موقفه إذن كان مشغولا بالحق وتثبيته ، شرعا وفلسفة فنا وجمالا.
              الفن الإسلامي إذاً هو فن شهادة وبرهان كامن عليها.. هو فن لا يخطب ، وإنما يدعو إلى التأمل وتحقيق ذاك النداء الموجه إلى الخلود الإلهي..
              ومن يتجول بعد في " قصر الحمراء" يلحظ على مستوى آخر عناية السلطات الرسمية الاسبانية بهذا الصرح ، والاهتمام به كمصدر من مصادر السياحة ، وعدالة على دالات الحضارة العربية التي يعتز بها الأسبان ، ولاسيما أهل الأندلس منهم هؤلاء الذين يعتبر بعضهم انه أكره على تغيير هويته الإسلامية فغيرها بالشكل فقط .
              أما من ناحية المضمون ، فهذه الشخصية الواهنة لا تزال تعيش انفصاما خصوصيا واضحا. لايعكس نفسه على نحو أخاذ ومدهش إلا في الأدب والفلكلور.

              تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

              قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
              "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
              وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

              تعليق


              • #22
                الذوق الأندلسي


                تربى الذوق الأندلسي مدة طويلة على الشعر المحدث شعر أبي تمام والبحتري وابن الرومي وابن المعتز وأبي العتاهية وعلى الشعر الأندلسي نفسه الذي كان يترسم خطى الشعر المحدث المشرقي ولكننا لا نسمع أن المعركة النقدية حول أبي تمام والبحتري انتقلت إلى الأندلسيين.
                والعصبية بالنسبة لهذا أو ذاك من شعراء المشرق كانت موجودة وأثمرت عنها مواقف نقدية .
                وأخذ الطلاب يتتلمذون على دراسة دواويين الجاهليين والإسلاميين ، ولكن الذوق العام كان أميل إلى الاتجاه المحدث .
                ولم يستطع النقد الأدبي في الأندلس قبل القرن الخامس أن يرتفع إلى مستوى المشكلات الكبرى دارت في النقد الشرقي من حديث عن الطبع والصنعة واللفظ والمعنى والنظم والصدق والكذب وما أشبه . بل ظل بسيطا في مجالي المستوى والتطبيق لا يتعدى نقد بعض الأخطاء اللغوية والنحوية إذ كان القائمون على تدريس الشعر من طبقات المؤدبين لا يتجاوزون في أحسن التوفر على علم معاني الشعر وبعض الدراسات اللغوية والنحوية.
                وقد نجد عند ابن ربه في العقد الفريد وقفات نقدية ولكنها مقتبسة مما عرف عند المشارقة من حديث عن عيوب الشعر الخ.......
                ولكن الطبقات النقدية بدأت تقوى على مر الزمن بسبب الحركة الثقافية التي أوجدها الحكم المستنصر 350-366 هـ
                التي بعثت شعورا بالثقة والاستقلال الذاتي مما اوجد الوعي العميق وهو أول بوادر النقد.
                وكذلك إنشاء ديوان للشعراء لا يقييد فيه اسم الشاعر لينال عطاء إلى بعد أن يثبت تفوقه، فكانت المنافسة كفيلة بإثارة الأذهان للنقد مما شكل تربة صالحة لنمو نقد سليم . إذن تنبهت الأندلس إلى شخصيتها في المجال العلمي والأدبي لذا كان النقد الأدبي دافاعا عن هذه الشخصية ضد الظلم أو التجاهل أو الاتهام بأن الأندلس ليس فيها أدباء وشعراء .


                تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                تعليق


                • #23
                  موزاييك .... الأندلس الملهمة


                  يبقى موشح لسان الدين بن الخطيب باقيا ما بقي اسم الأندلس، يعزف على مر الزمان:
                  يازمان الوصل بالأندلـس ... جادك الغيث إذا الغيث همى
                  في الكرى أو خلسة المختلس .. لم يكن وصلك إلا حلماً
                  أما قصيدة ابن زيدون ونونية الصد التي عاتب فيها عشقه وحبه الأوحد ولادة بنت المستكفي فقد حفظّونا إياها ونحن على مقاعد الدراسة مع مبادئ القراءة وظلت قصيدة “أضحى التنائي بديلا عن تدانينا” في قلوبنا، كبرت معنا وحملنا لشاعرها مشاعر التعاطف ونادينا على البعد محبوبته، نرجوها أن تعطف عليه وترحمه وتعود إليه، رغم انه غاب وغابت معه.

                  وظلت الأندلس مملكة السلام والجمال والتسامح ومجد الرجال الكبار الذين أسسوا أعظم حضارة عرفها الغرب، منحته الفكر والعلوم وأخرجته من ظلمات القرون الوسطى، ملهمة، تسحر كل من أقبل عليها أو سمع بها، وفي كل العصور. فقرطبة زارها مثلا كبار الأدباء الغربيين أمثال شاتوبريان الذي ألف حولها قصته “آخر بني السراج” وفيكتور هيغو الذي سطّر من وحيها “شرقياته” الشهيرة، وواشنطن ارفنغ الذي كتب “قصص الحمراء”، وامنوال فرناندز جونزالت الذي سمى كتابه “الله اكبر”.
                  المخطوط القرمزي

                  وفي العصر الحالي فإن رواية انطونيو جالا “المخطوط القرمزي” تعد واحدة من أهم الأعمال الأدبية التي تشد القارئ وتسكنه ولا يمكنه أن ينساها، فيها يؤرخ الكاتب الإسباني العاشق للأندلس وللشرق، صورة ذلك المجد وتاريخ تلك الحضارة، ويحاول فيها الدفاع عن أبي عبدالله الصغير، فالرواية كلها تقوم على حكاية هذا البطل الذي يكتب يومياته في مخطوط قرمزي قديم مدفون عثر عليه في فاس، مكان الهجرة الذي استقر ومات فيه آخر ملوك الأندلس، وهذا الورق القرمزي الذي كتب عليه ابوعبدالله الصغير يومياته، كان من بين أشياء قليلة حملها معه من دولته، ودفنت معه. يحاول الكاتب أو الملك الذي يتحدث في العمل أن يقدم نفسه للقارئ يشرح الظروف التي أحاطت به، ويعلل نهاية بلده وملكه انه كان ضحية تراكمات وانهزاميات وصراعات وخيانات. ورواية “المخطوط القرمزي” التي طبعت أكثر من عشرين مرة وبلغات عدة وزاد توزيعها على المليون نسخة، حصلت على جائزة “بلانيتا” في بداية التسعينات وتعد هذه أهم جوائز الرواية في إسبانيا.

                  وإسبانيا اليوم رغم أنها دفنت هذه الحضارة العظيمة، وخلت هويتها وثقافتها الرسمية إلا من قشور، تعيش متكسبة من أمجاد الأندلس وآثارها وتحفها الخالدة، ولا تحاول أن ترتبط معها بأكثر من ذلك، إلا أن جينة تلك الحضارة وأولئك العظماء لايزال لها أثر في أحفادهم، رغم انهم نصّروا ومسحوا التاريخ، وفكوا رباطهم بدين الإسلام وأمة العرب، هذه الجينة عادت للوجود، وعاد هؤلاء الأحفاد يبحثون عن الجذور ويفتشون في عظمة حضارة أجدادهم، واهتدوا من جديد إلى الإسلام، هذا ما ذكره تقرير غربي نشر قبل فترة يقول إن ظاهرة اعتناق الإسلام ازدادت فيها مؤخرا بشكل ملحوظ خاصة بمدينة غرناطة جنوب إسبانيا التي كانت آخر معقل للمسلمين قبل سقوطها في يد الملوك الكاثوليك.

                  ويذكر التقرير وحسب إحصاء أجري قبل عام أن هناك نحوا من عشرين ألف أمريكي وأوروبي ممن اعتنقوا الإسلام يعيشون في أسبانيا حاليا ويهدف هؤلاء الأشخاص إلى إعادة تقييم ماضي المسلمين في البلاد وإعادة صياغة هوية أسبانيا وإدخال التأثيرات الإسلامية التي رفضت باعتبارها هرطقة منذ قرون.

                  وقبل عام أو عامين وبعد أكثر من 512 سنة يعود الأذان ليسمع من جديد في بلاد كان اسمها الأندلس، بافتتاح جامع غرناطة، والذي حضره صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، وصلى فيه مع حشد من وزراء وسفراء وعلماء الدين من مختلف دول العالم الإسلامي، كانت لحظة مؤثرة التي بني فيها الجامع ورفع الأذان ورغم أن المتشددين الأسبان عرقلوا لسنوات طويلة إنشاء هذا الجامع، إلا انه بني وأنجز في النهاية. وهكذا يبخلون ويستكثرون على بلاد كانت كلها مآذن ومساجد، نشرت شمس المعرفة، وبنت هذا التراث الخالد وهذا التاريخ والحضارة العظيمة، أن يقام فيها مسجد يرفع فيه اسم الله لأنهم يخشون من عودة ذلك التاريخ!


                  تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                  قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                  "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                  وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                  تعليق


                  • #24
                    المرأة الأندلسيّة

                    عاشت المرأة الأندلسيّة في القرن الخامس الهجري وضعاً يكاد يكون صورة لوضع أختها في المشرق العربي; فقد سيطرت العادات المشرقية على المرأة الأندلسية, ولكن هذا لم يحرمها من أن تتمتع بحريّة في حدود المعقول, فقد كانت تخرج للصلاة يوم الجمعة, وبعد الانتهاء من الصلاة كانت ترى في شوارع المدينة تمضي يوم عطلتها في بهجة ومرح, كما كانت تشترك في الحفلات التي تقام في إشبيلية على ضفاف الوادي الكبير.
                    وأكبر نموذج لحرية المرأة الأندلسية في ذلك العهد اسم "ولادة" فقد كانت "في نساء زمانها واحدة أقرانها... وكان مجلسها بقرطبة منتدى لأحرار المصر, وفناؤها ملعباً لجياد النظم والنثر... يتهالك أفراد الشعراء والكتاب على حلاوة عشرتها... كتبت - زعموا - على أحد عاتقي ثوبها:
                    أنا والله أصلح للمعالي ... وأمشي مشيتي وأتيه تيها

                    وكتبت على الآخر :

                    أمكِّنُ عاشقي من صحن خدّي ... وأعطي قبلتي من يشتهيها

                    ويروي ابن حزم قصصاً كثيرة عن المرأة في ذلك العهد, تصوّر حياة المجتمع والدّور الذي احتلته المرأة فيه, فيورد كثيراً من قصص النساء ذوات الشرف وكيف كنّ يتعلقن بحب رجال من عامّة الناس, ويتم تبادل الرسائل بينهم, وكثيراً ما كان أمرهنّ يفتضح لدى الناس ويسمع به القريب والبعيد.
                    ويبدو أن أثر المرأة في المجتمع كان كبيراً, فقد استطاعت أن تسيطر حتى على كبار الأئمة وتميل قلوبهم وتجعلهم سخرية, وامتد تأثيرها إلى أكثر من ذلك إذ أنها كانت سبباً في جنون بعض الرجال ممن اشتهروا بحسن سيرتهم وأدبهم.
                    ومن النساء من استطاعت أن تملك قلوب الملوك, وتلج إلى قصورهم, وتصبح سيدة القصر الأولى. فقد تمكّنت "اعتماد" المشهورة بالرّميكيّة بفضل ذكائها وفطنتها أن تكون زوجة للمعتمد بن عباد ملك اشبيلية وأمّا لأولاده.
                    وقد كانت المرأة في هذا العهد على قدر كبير من الفطنة والعلم, فابن حزم العالم الفقيه قد تعلّم على أيدي النساء في صباه: "وهنّ علمنني القرآن وروّينني كثيراً من الأشعار ودرّبنني في الخط".
                    ومن النساء اللّواتي اشتهرن بالعلم والأدب "العبادية" التي أهداها مجاهد العامري ملك دانية إلى المعتضد بن عباد والد المعتمد, فقد كانت أديبة ظريفة, كاتبة وشاعرة عالمة بكثير من علوم باللّغة. كما اشتهرات بثينة بنت المعتمد بن عباد وابنة الرّميكية بجمالها وحلاوة نادرتها ونظمها للشعر. وكانت مريم بنت يعقوب الأنصاري تعلّم النساء الأدب. أما نزهون الغرناطية فقد اشتهرت بجمالها وخفة دمها, وحفظها للشعر والأمثال.

                    تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                    قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                    "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                    وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                    تعليق


                    • #25
                      صفات المجتمع الأندلسي في القرن الخامس





                      أسرف ملوك الطوائف في الترف، وتفننوا في صنوف من البذخ، فهذا المعتمد بن عباد ملك إشبيلية يرى زوجته "اعتماد" وهي تطل من شرفات القصر ترقب سقوط الثلج فأجهشت بالبكاء، فسألها المعتمد عن حالها فأخبرته بأنها تحنّ إلى منظر سقوط الثلج، وتريد أن تسافر إلى بلد يكثر فيه سقوط الثلج لتمتع ناظرها بجمال الطبيعة الفاتنة، فطمأنها المعتمد بأنها سترى هذا المنظر في الشتاء القادم في ذلك المكان نفسه. وأصدر أمره في الحال أن تغرس أشجار اللّوز في حدائق القصر حتى إذا أزهرت في فصل الشتاء بدت زهراتها البيضاء في عين "اعتماد" كقطع الثلج تجلّل أغصان الأشجار.
                      ورأت نسوة من العامّة يعجن الطين لصنع اللّبن، فأثر فيها المنظر وبكت، فلما رآها المعتمد باكية سألها عن السبب، فأخبرته بأنها مقيّدة الحريّة لا تستطيع أن تفعل فعل هؤلاء النسوة، فأمر في الحال بإحضار مقدار كبير من المسك والعنبر وبعض الأعطار فعُجن كل ذلك إلى أن أصبح عجينة في حجم تلك التي كانت تعجنها النسوة، فنزلت "اعتماد" إلى مساحة القصر هي وجواريها، وخلعن نعالهن وصرن يعجن بأقدامهن ذلك الطين المصنوع من المسك. وطابت نفس "اعتماد" بذلك!
                      وكان المعتمد ينفق على الشعراء بدون حساب حتى إنه ليخلع على الشاعر منهم خلعاً لا تصلح إلاّ للخلفاء. ومضى المعتمد وكثير من ملوك الطوائف في حياة الترف والمرح، لا ينفقون في مهام الدولة إلاّ القليل من وقتهم، وقد كانت الولائم الكثيرة ومجالسة الشعراء وعقد مجالس الشرب، واللهو مع القيان والجواري تستنفد كثيراً من أموالهم ووقتهم.
                      وكانوا يبنون القصور، وينفقون في هندستها أموالاً باهظة في سبيل تحقيق متعهم; فهذا المأمون بن ذي النون ملك طليطلة يشيّد قصراً عظيماً أنفق عليه الأموال الطائلة ووضع في وسطه بحيرة، "وصنع في وسط البحيرة قبة من زجاج ملوّن منقوش بالذّهب، وجلب الماء على رأس القبة بتدبير أحكمه المهندسون، فكان الماء ينزل من أعلى القبة على جوانبها محيطاً بها ويتّصل بعضه ببعض، فكانت قبة الزجاج في غلالة مما سكب خلف الزجاج لا يفتر من الجري، والمأمون قاعد فيها لا يمسّه من الماء شيءٌ ولا يصله، وتوقد فيها الشموع فيرى لذلك منظر بديع عجيب".
                      وقد كان كل ملك من هؤلاء الملوك يحاول أن يجعل من مملكته ملتقى للشعراء والأدباء والمغنّين، ونشطت بذلك تجارة الرقيق، واجتهد النخّاسون في تعليم الجواري الرّوميات الغناء، وضروباً أخرى من الثقافة لترتفع أجورهنّ. وكثر الطلب على الجواري المغنيات فقد دفع هذيل بن رزين صاحب السهلة في جارية ابن الكتاني ثلاثة آلاف دينار. وكثر المغنون في بلاطات الملوك، وكان في قصورهم أسراب منهم، حتى إن المعتمد بن عباد كان يصحب الموسيقيين معه أثناء حملاته الحربيّة.
                      ولم يقتصر شيوع الغناء على بلاطات الملوك فقط، بل شاع في أوساط العامّة، فها هي بلنسيّة "لا تكاد تجد فيها من يستطيع على شيء من دنياه إلاّ وقد اتخذ عند نفسه مغنّية وأكثر من ذلك، وإنما يتفاخر أهلها بكثرة الأغاني".
                      وكانت مجالس الغناء لا تخلو من الشراب،وكانوا لا يستطيعون الجهر بذلك في عهد الأمويين، أما في عهد ملوك الطوائف فقد أصبح الخمر شائعاً في مجالسهم لضعف الوازع الديني، وبذلك استسلم المجتمع للشهوات فزاد ضعفاً.
                      ولجأ الملوك من أجل إرضاء نزواتهم وتحقيق لذاتهم إلى إثقال كاهل رعاياهم بالضرائب، فهذا مظفر ومبارك العامريان حاكماً بلنسية قد انغمسا في النعيم إلى قمة رأسيهما، وذلك على حساب الرعيّة فقد كانا " يستزيدان عليها في الوظائف الثقال... حتى غدا كثير منهم يلبسون الجلود والحصر ويأكلون البقول والحشيش وفّر كثير منهم من قراهم".
                      وفرضت في عهد الطوائف أنواع من الجباية على الرعيّة، وفرضت المغارم على الأهالي، حتى الحجاج لم ينج من دفع مغارم في موسم الحج، إلى أن أبطل ذلك يوسف بن تاشفين بعد دخوله الأندلس وقضائه على ملوك الطوائف.
                      وقد كان موظفو الدولة ممن يتولّون شؤون الرعيّة لا يراعون الشرع ولا همّ لهم إلاّ أن يزدادوا ثروة وخاصة أولئك الذين أُوكلوا بجمع الضرائب ومراقبة الناس، فابن عبدون يصف أعوان صاحب المدينة بأنهم شر الناس ولا يجب أن يصدّق كلامهم إلاّ إذا شهد على ذلك الجيران "لأن الشر أحب إليهم من الخير، فمنه يأكلون ويلبسون السحت، ومنه يعيشون،وليس للخير إليهم طريق، يجب ألا يخرج منهم في رسالة في المدينة أكثر من واحد لئلا يكثر الجعل والهرج والأذى".
                      وفي ظل هذا الحكم اضطرب المجتمع الأندلسي، وانتكست مثله، واشتد الغلاء وانتشرت الأوبئة وعمت الكوارث، فقد كانت رحى الحروب تعصف بالرعيّة، وانعدم الاستقرار والأمن وفسدت أخلاق الناس، واستبيحت المحرّمات، وهتكت الأستار، ونقضت شرائع الدّين، وفسدت نفوس الحكّام والمحكومين حتى إنه لم يعد يعلم في الأندلس درهماً أو ديناراً حلالاً.
                      وقد حاول المرابطون بعد دخلوهم الأندلس بقيادة يوسف بن تاشفين سنة 495 هـ، وقضائهم على ملوك الطوائف، أن يوفروا الحياة الهادئة للمجتمع الأندلسي، ويحاربوا كثيراً من مظاهر التفكك والانحلال الاجتماعي.

                      تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                      قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                      "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                      وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                      تعليق


                      • #26
                        قصر الحمراء






                        قصر الحمراء درة غرناطة وعنوانها وشعارها التاريخي الأول ، يكاد يكون هو المعلم العربي الأبرز في الأندلس راهنا. يطل على المدينة الحديثة من هضاب عالية تشكل جزءا منها، أو على الأصح هي في موقع القلب من المدينة .. والقصر ولا شك شاهد معجز على عظمة عرب الأندلس ورقيهم الحضاري ونهضتهم العمرانية والهندسية والفنية وقتذاك .
                        بناه سادة الأندلس في العام 1238: وأول من وضع حجر الأساس فيه هو السلطان محمد الأول ابن الأحمر 1203 -1273 مؤسس السلالة الناصرية .. ثم أضاف على البناء فيما بعد كل من يوسف الأول ومحمد الخامس . ومن بعدهما جاء خلفاء آخرون ليوسعوا ويحسنوا فيه ما ارتأوا إلى ذلك سبيلا.
                        وبعد سقوط غرناطة ،تعرض القصر إلى شيء من الهدم والتحوير، بخاصة على يد شارل الخامس 1500 -558 الذي أحب على ما يبدو أن يتشفى من رموز الحضارة العربية الماثلة بقوة هناك ، فبنى فوق جزء من أطلال الحمراء قصرا على طراز عصر النهضة ، لكنه ولحسن الحظ لم يخرب باقي الأجزاء التي لم يتبق منها اليوم سوى بضع قاعات أو أجنحة كبيرة .. مع الحدائق التي كان تم تشكيلها وهندستها ببراعة فائقة في ذلك الزمان العزيز.
                        والحقيقة أن المتجول في قصر الحمراء لا يخاله مجرد قصر مميز، وإنما مدينة إسلامية متكاملة في كل شيء.. وهي تقتض منه يوما كاملا ليتجول في أرجائها، متفحصا الأجنحة ومعالم وظائفها السابقة في الحماية والتخزين ونقل المياه .. علاوة طبقا في المقام الأول على معاينة آيات فن الرقش والحفر والتعشيق ، وأول ما يلفت هو اختيار موقع القصر أساسا، والطريق الوحيدة إليه .. فهو مبني كما أسلفنا على هضبة مشرفة على المدينة : ومن يقصده ، عليه أن يجتاز طريقا متدرجة الارتفاع تشكل بدورها حماية طبيعية للقصر.. وهذه الطريق تشق غابة رهيبة متكاثـفة الأشجار، وتغطي الهضبة كلها، وتمتد لتعانق بخضرتها الهرمة العتيقة أسرار القصر من كل جانب .
                        طبعا، الطريق إلى القصر معبدة، والسيارة تحملك إليه عبر تعرجات لافتة ..لا تسمع من حواليك، باستثناء هدير السيارة سوى غناء السواقي المائية الغزيرة، والتي تستطيب الشرب منها نظرا لنقائها وعذوبتها الفضية الباردة .




                        تصل القصر العالي المنيف وتبدأ جولتك ذات الرهبة فيه، من أول باب تدخله ثم تتوالى المفاجآت المبهرة فصلا تلو آخر، بخاصة عندما تنتقل من جناح إلى آخر؟ فكل جناح مثلا يتوسطه فناء ولا أجمل، وله بالطبع خصائصه المتميزة، فناء الرياحين، فناء السباع .. وتتوسط الأول بحيرة مستطيلة ذات اخضرار نظيف وعميق .. أما فناء السباع ففيه تلك البركة الشهيرة، والتي لم يعرف إلى الآن كيف توصل العرب إلى اختراع طريقة توزيع المياه فيها بقوة قذف متساوية من فم كل سبع يحيط بها. السر ظل غامضا واندفن مع غموضه حين حاول بعض المهندسين حل اللغز. إذ توقفت البركة عن العمل وفق نظامها "التكنولوجي" العربي القديم.

                        تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                        قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                        "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                        وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                        تعليق


                        • #27
                          طرد الأمير أبي عبد الله محمد بن علي آخر ملوك الأندلس

                          لم يكن سقوط غرناطة في يد النصارى حادثًا فجائيًا بل جاء حصاد سنوات من الكيد الصليبي المنظم والغفلة والتخاذل من جانب حكام المسلمين في الأندلس، وكان سقوط غرناطة معناه سقوط دولة الإسلام في الأندلس الأمر الذي أسعد كل صليبي في مشارق الأرض ومغاربها، وأحزن كل شئونها الداخلية، وهكذا كان الصدى الأليم الذي أثارته حوادث الأندلس في الأمم الإسلامية ولكنه بدأ يخبوا شيئًا ولم تمض أعوام قلائل حتى أسدل على تلك الفاجعة حجاب من النسيان ذلك رغم أن المأساة الأندلسية لم تذقه بسقوط غرناطة بل كان عليها أن تجوز فصولاً أخرى أشد فجيعة على كل مسلم قبل أن تصل إلى نهايتها وصفحتنا هذه هي أول فصول الخاتمة المأساوية لما بعد السقوط .كان الملك المنكود أبو عبد الله محمد بن علي هو آخر ملوك الأندلس وقد غادر غرناطة ساعة استيلاء النصارى عليها وسار مع آله وصحبه وحشمه إلى منطقة البشرات واستقر هناك في بلدة أندرش وهي إحدى البلاد التي أقطعت له في تلك المنطقة ليقيم فيها في ظل ملك قشتالة الصليبي، وذلك بناءًا على معاهدة التسليم الشهيرة، وكان وقتها أبو عبد الله في الثلاثين من عمره فعاش في مملكته الصغيرة الذليلة فترة من الدهر في لهو وترف كانا أصلاً السبب في مأساة الأندلس.وعلى الطرف الآخر كان ملك قشتالة الصليبي فرناندو وزوجته الصليبية إيزابيلا بالرغم من انتصارهما الشامل ونيلهما شرف إزالة دولة الإسلام من الأندلس إلا أنهما كانا يتوجسان في أعماق نفسيهما خيفة من بقاء السلطان المخلوع أبي عبد الله في الأراضي الأندلسية، وأنه من الممكن أن يجتمع المسلمون عليه مرة أخرى ويكون بذلك بؤرة للقلاقل والاضطرابات عليهما، لذلك فكانا يفرضان عليه رقابة صارمة ويتلقيا أدق التقارير والأنباء عن حركاته وسكناته ودسا عليه رجلين مسلمين يفترض فيهما الولاء لأبي عبد الله وليس للصليبيين، وهما وزيرا أبي عبد الله [أبي كماشة وابن عبد الملك]، وبعد مرور عام واحد فقط على إقامة السلطان أبي عبد الله في أندرش حتى بدأ الملكان الصليبيان في تنفيذ خطتهما في طرد أبي عبد الله من الأندلس.بدأت المفاوضات سرًا بين وزير الملك الصليبي ووزير السلطان المخلوع ولم يكن أبو عبد الله يعلم شيئًا عن هذه المفاوضات ولم يأذن لهما فيها حتى تم الاتفاق على كل بنود الطرد المهين وبموجبه يتنازل أبو عبد الله عن كل أملاكه وحقوقه نظير مبلغ معين من المال، ولما علم أبو عبد الله بالأمر كاد أن يبطش بوزيره ولكن الوزير الذكي استطاع أن يقنع أبا عبد الله بأن البقاء في أرض العدو في ظل العبودية والهوان لا يليق به، وليس مكفول السلامة والأمان، وأن العبور لأرض الإسلام خير وأبقى، فاقتنع أبو عبد الله بالأمر ولكنه طلب مقابلاً من المال أكثر مما عرض عليه ودارت مساومات ومفاوضات حتى استقر الأمر على أن يخرج أبو عبد الله من الأندلس نهائيًا ويتنازل عن كل أملاكه بالأندلس نظير واحد وعشرين ألف جنيه هبي.وبالفعل تم عقد الطرد المهين لآخر ملوك المسلمين في 23 رمضان 898 هـ وقد كتب أبو عبد الله موافقته على الطرد وهذا هو نص الموافقة التي تدل ألفاظها ومعانيها على مدى الهوان والذل التي وصل لها حال سلطان المسلمين، ويكشف عن السبب الحقيقي لسقوط الأندلس وفيه (( الحمد لله إلى السلطان والسلطانة أضيافي أنا الأمير محمد بن على بن نصر [خديمكم] وصلتني من مقامكم العلي العقد وفيه جميع الفصول الذي عقدها عني وبكم التقديم من خديمي القائد أبي القاسم المليخ ووصلت بخط يدكم الكريمة عليها وبطابعكم العزيز وأني أحلف أني رضيت بها بكلام الوفا مثل خديم جيد وترى هذا خط يدي وطابعي أرقيته عليها لتظهر صحة قولي )) ولقد فرح الصليبيون بهذه الوثيقة لدرجة أنها أصبحت تراثًا قوميًا يورث عندهم وما زالت موجودة في متحف مدريد الحربي بصورة مكبرة يراها زوار المتحف كمفخرة من مفاخر الصليبين على أهل الإسلام المسلمين خاصة أهل المغرب ومصر التي حاولت التدخل، ولكن دون جدوى خاصة لاضطراب ..

                          تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                          قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                          "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                          وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                          تعليق


                          • #28
                            تاريخ سقوط أهم المدن الأندلسية



                            130 هـ \ 748 م: بمبلونة Pmpalone
                            374 هـ \ 985 م: برشلونة Barcelona
                            387 هـ \ 997 م: سانتياغو Santiago
                            392 هـ \ 1002 م : ليون Leon
                            446 هـ \ 1055 م: سلمنقة Salamanca
                            456 هـ \ 1064 م: قلمربة Colambra
                            457 هـ \ 1065 م : بربشتر Barbastr
                            476 هـ \ 1084 م : مدريد Madrid
                            477هـ \ 1085 م : طليطلة Toledo
                            489 هـ \ 1096 م : وشقة Huesca
                            507 هـ \ 1114 م : تطيلة Tudela
                            512 هـ \ 1119 م : سرقسطة Zaragoza
                            543 هـ \ 1177 م : قونقةCuonca
                            585 هـ \ 1179 م : شلب Silves
                            619 هـ \ 1222 م : ماردة Merida
                            627 هـ \ 1229 م : بطليوس Badajos
                            628 هـ \ 1230 م : ميورقة من جزر الباليار Mallorca
                            632 هـ \ 1235 م : يابسة Ibza
                            633 هـ \ 1236 م : قرطبة Cordoba
                            633 هـ \ 1236 م : طلبيرة Tolavera
                            636 هـ \ 1238 م : دانية Denia
                            640 هـ \ 1242 م : قرطاجنة Cartagena
                            641 هـ \ 1243 م : دانية Denia
                            641 هـ \ 1443 م : مرسية Murcia
                            644 هـ \ 1246 م : جيان Jaen
                            645 هـ \ 1247 م : لشبونة Lisbaana
                            645 هـ \ 1247 م : شاطبة Jativa
                            646 \ 1248 م : إشبيلية Sevilla
                            647 هـ \ 1249 م : لاردة Lerida
                            661 هـ \ 1262 م : ولبة Huelva
                            661 هـ \ 1262 م : لبلة Nibela
                            661 هـ \ 1262 م : قادس Cadis
                            702 هـ \ 1310 م : جبل طارق Giraltar
                            818 هـ \ 1415 م : سبتة Ceuta
                            890 هـ \ 1485 م : رندة Ronda
                            893 هـ \ 1487 م : مالقةMalaga
                            894 هـ \ 1488 م : وادي آش Cudix
                            894 هـ \ 1488 م : المرية Almeria
                            898 هـ \ 1492 م : غرناطة Granada


                            تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                            قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                            "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                            وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                            تعليق


                            • #29
                              كيف ضاعت الأندلس







                              فتح المسلمون بلادَ الأندلس أيامَ دولةِ بني أمية في أواخر القرن الأول الهجري، وعلى مر الأيام والسنين قدموا للتاريخ صفحاتٍ باهرات من العلم والمعرفة، وأمجاداً من الآداب والفنون، وشيدوا من المساجد والقصور والحصون ما بقيت آثاره إلى يومنا هذا، دالة على مدى رقيهم وعظمة أيامهم.



                              إن الحضارةَ الزاهرةَ في الأندلس جعلتها مقصدَ طلابِ العلم من مختلف بلاد أوربا يفدون إليها ليتلقوا العلم في مختلف فنونه، وشتى فروعه، من شريعة وفلسفة وطب وفلك وغيرها على أيدي الأساتذة المسلمين الذين أناروا الدنيا بعلمهم.



                              وفي أواخر القرن الرابع الهجريِّ انهار صرح الخلافة الأموية في الأندلس، وقامت دول الطوائف الصغيرة المفككة، وكان سقوط أية دولة منها ضربةً للأمة الإسلامية في الشرق والغرب.



                              وكانت أسبانيا النصرانيةُ المتحصنةُ في أَقصى الشمال في جبال البرانس تتربص ببلاد الأندلس، وبينما كانت الخلافاتُ ناشبَةً بين ملوك الأندَلُسِ في الجنوب والفرقة تكاد تعصف بهم، كانت الإمارات الأسبانية في الشمال تتقارب وتتحد، وبعدها بدأت أسبانيا تستولي على بعض الإمارات الضعيفة، وتتوسع رقعتها شيئاً فشيئاً إلى أن تقلصت الأندلس الإسلامية في جنوب الجزيرة في مملكة غرناطة.



                              وفي خلال هذه الحروب الطويلة ضربت الأمة الإسلامية أروع الأمثلة في الاستبسال والجهاد، وقدم المغرب للأندلس نجدَاتٍ كثيرةً، حتى شهد الأعداءُ بعظمة الجيوش الإسلامية في فنون الحرب والقتال.



                              ولكن تجمع المسلمين وحصرهم في مملكة غرناطة، جعل الأسبانيين يضيقون عليهم الخناق ويشددون الحصار، فاضطر أبو عبد الله محمد آخر ملوك بني أحمر إلى مغادرة غرناطة عاصمة ملكه، فدخلها الأسبان سنة 897 هـ – 1492 م.


                              تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                              قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                              "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                              وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                              تعليق


                              • #30
                                قراءة في وقائع مأساة

                                د. عبد الكريم بكار

                                ليست قراءة التاريخ والوقوف على حقائقه بدقة بالأمر الهين. وليس تحديد عوامل سقوط أمة أو حضارة شيئاً في متناول اليد، فالأمر في الحقيقة أشق بكثير مما نظن. ولا تأتي صعوبة هذا الأمر من مدى إمكانية التحقق من حدوث الوقائع التاريخية فحسب، ولكن من إمكانية قراءتها قراءة راشدة دقيقة، فالناس حين يقرؤون التاريخ لا يقرؤونه على نحو مباشر، وإنما من خلال (إشكالية) كوّنوها لأنفسهم، ولذا فإن تفسير الحقائق يتوقف إلى حد بعيد على المعتقدات والمبادئ والخلفيات الثقافية للمفسرين. وهذا يعني أن علينا أن نرضى بموضوعية ناقصة ونتائج نسبية الصواب. ومشكلة التاريخ أنه يتأبى على الخضوع للتجربة، فنحن لا نستطيع أن نجزم هل لو أن أهل الأندلس لم يغرقوا في النعيم أو لم ينقسموا على أنفسهم، أو لم يصيروا من الهجوم إلى الدفاع... هل كانت أعمار دولهم ستطول أكثر مما كانت عليه؟
                                وذلك لأن أسباب السقوط عديدة، ولا نعرف على وجه التحديد شكل النتائج إذا تخلَّف واحد منها.
                                وتدل شواهد الماضي والحاضر على أن قراءة التاريخ عقيمة بالنسبة إلى السواد الأعظم من الناس، حتى إن بعض الكتاب المسلمين والغربيين يرون أن أخذ العبرة من أحداث التاريخ عبارة عن خرافة كبيرة. لكن هذا القول لا يخلو من المبالغة. والرؤية الإسلامية في هذا الشأن واضحة فهناك فئة قليلة من الناس يتعظون بوقائع التاريخ، ويأخذون منها العبرة، كما قال –جل وعلا-:"لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب". وأولو الألباب المعنيون هم أولئك الذين استطاعوا الطفو فوق أمواج الانحطاط والاحتفاظ بالرؤية المنهجية الصحيحة في وسط يمور باللاهثين خلف الشهوات والمصالح الضيقة.
                                إن الخيال الخصب ليغرينا بتعداد الكثير من الأسباب التي أدَّت إلى خروج المسلمين من الأندلس، لكن ذلك لا يتحصل منه كبير فائدة، كما لا تتحصل فائدة جيدة من قاعدة بلغت استثناءاتها الثلاثين أو الأربعين، ولذا فإن من الأولى الاقتصار على أهم ما يراه المرء من أسباب.


                                إن سقوط الأندلس يشكل مأساة كبرى، لأن سقوطها لم يكن سقوط دولة، وإنما سقوط حضارة كان يمكن لها أن تكون نقطة انطلاق لتمدين العالم في تلك الحقبة، كما أن سقوطها قلع شعباً مسلماً من جذوره وعرَّضه للضياع الكامل، ومن هنا تأتي فرادة النكبة التي حلت بالإسلام والمسلمين في الأندلس.
                                وقد رأيت هنا الاقتصار على ذكر خمسة أسباب جوهرية ساهمت في حصول ما حصل، أسوقها موجزة في السطور الآتية:

                                1.إن التقدم العمراني المذهل الذي حدث في الأندلس يدل على أن المسلمين هناك كانوا يمتلكون الكثير من المعارف والعلوم والخبرات المتقدمة بالنسبة إلى ما كان سائداً في محيطهمعلى الأقل- وهذا ليس موضع جدال. لكن هل كل تقدم عمراني يعد تمدناً وتحضراً، وهل من اللائق أن نقتصر على الدلالات المباشرة للإنجازات الحضارية، أم لا بد من البحث عن دلالات أخرى قد تكون ذات شأن فيما نحن بصدده؟ إن القرآن الكريم يعلمنا أنه ما من أمة من الأمم السابقة هلكت بسبب قصور عمراني، وإنما بسبب الحيدة عن منهج اللهتعالى- واستدبار رسالات الأنبياء –عليهم السلام-. وبناء الأبنية الفخمة في الأندلس قد تجاوز حدود الخيال بسبب الأموال الهائلة التي أنفقت فيها، وكان ذلك مصادماً للبنية العميقة للتدين الحق، ومخالفاً لكل الأدبيات التي تهوِّن من شأن الدنيا وترغِّب في الآخرة. ولنا أن نسأل عن أعداد الفقراء الذين تم اقتطاع تكاليف أشكال الرفاهية من قوتهم اليومي، ومن حصتهم من ناتج البلاد الأندلسية وخيراتها؟ !لا ريب أن أعداداً ضخمة من الناس كانوا يشعرون بالظلم والجور، وهذا من عوامل تفكيك المجتمع وذهاب الريح، وتعجيل الهزيمة. أضف إلى كل هذا أن الرؤية الإسلامية للمنجزات العمرانية تلح دائماً على السياق الذي تمت فيه والمقاصد التي دفعت إليها. ونستطيع أن نقرر هنا أن كثيراً من الأبنية والمشروعات العمرانية، تمت في سياق التنافس في إثبات الذات والغلبة على النظراء وسياق التفاخر والتكاثر، فهي بالتالي شواهد تراجع حضاري أكثر منها أمارات نهوض وتقدم، فقصر الزهراء –مثلاً- والذي اشتغل فيه عشرة آلاف رجل وثلاثون ألف دابة، والتي كانت سواريه –كما زعموا- من المرمر والحجر الشفاف، وكانت رؤوسها مرصعة باللؤلؤ والياقوت، هذا القصر منسوب إلى الزهراء حظية عبدالرحمن الناصر. إنه آية في الإتقان، والجمال لكن لا صلة له بتدين أو رجولة أو إصلاح.
                                2.المال الذي تدفق على الأندلس من خلال غزوات الفاتحين الأولين، ومن خيراته الذاتية، جعل إمكانية غرق أعداد كبيرة من الناس في النعيم الواسع أمراً ميسوراً. وذلك النعيم مزَّق الوحدة الشعورية العميقة لأفراد المجتمع، حيث إن فخامة القصور والمباني وكثرتها أتاحت لكثير من أبناء النخبة والصفوة أن يشكلوا ثقافتهم الخاصة، وأن يصنعوا عالمهم الخاص الذي يعج بالنساء والغلمان والخمور والمغنين وهناك لا يكون هم إسلام ولا مستقبل ولا أندلس ولا أعداء!وظل السواد الأعظم من الناس بين متشوق إلى الحصول على مثل ذلك وباحث عن ثغرة للدخول إلى ذلك العالم، وبين مهمش لا حول له ولا طول. وفي مثل هذه الوضعية يضيع الإحساس بشرف الانتماء للوطن وتضيع الحماسة المطلوبة لمناهضة أعدائه، والدفاع عنه. وتعلمنا تجارب الأمم وشواهد الأيام أن كل قضية يُعزل عنها السواد الأعظم من الناس هي قضية خاسرة، وأن كل حمل يتم خارج رحم الأمة هو كالحمل الكاذب. وآنذاك يسهل بيع الشعوب والمتاجرة بقضاياها ومصيرها من لدن حفنة من الخونة (والخيانة فنون) الذين لا يجدون أي رادع يحول بينهم وبين ما يشتهون. وترينا بعض الوثائق أن الوزيرين أبا القاسم المليح ويوسف بين كماشة كانا عميلين للأعداء، ومع ذلك فإنهما كانا يفاوضان عن المسلمين من قبل أبي عبدالله الصغير آخر ملوك الأندلس. وقد ذكروا أن أبا القاسم المليح خاطب الملكين الكاثوليكين (إيرناندوري نافرا) بقوله: أقسم بالله وبالشريعة أنني إذا استطعت أن أحمل غرناطة على كتفي لحملتها إلى أصحاب الجلالة، وهذا برغبتي وليقض الله عليّ إذا كنت كاذباً كما أتمنى أن ينتهي هذا الأمر (أي تسليم غرناطة للأسبان) على خير. وأرجو أن تكونوا على يقين بأنني خادم شريف ومخلص لأصحاب الجلالة!!
                                3. مما ذهب بريح الأندلسيين أنهم خربوا بأيديهم الأرضية المشتركة التي كانت تمكنهم من تجاوز الانقسامات العنصرية والقبلية. وإن بقاء شوكة المسلمين في الأندلس كان متوقفاً على اتخاذ الإسلام والالتزام بمبادئه وقيمه قاسماً مشتركاً أعظم بين عناصرهم وقبائلهم المختلفة، وقد كان ذلك في بدايات وجودهم هناك حيث كان القائد البربري أو العربي يقود جيشاً جراراً خليطاً من البربر والعرب، وكانت مظلة الإسلام تتسع للجميع، وتغنيهم بالتالي عن الاحتماء بالتنوعات العرقية. لكن لما ضعف الشعور بالوحدة الإسلامية ثارت النعرات العنصرية والقبلية (كما حدث في المشرق تماماً) إلى حد يثير الاشمئزاز، وقد بلغ الانقسام حداً دفع بعض ملوك وأمراء المسلمين أن يعقدوا مع النصارى أحلافاً ومعاهدات ضد إخوانهم المسلمين، بل بلغ الانقسام إلى درجة إرسال الكتائب لمساعدة الأسبان ضد بعض الإمارات الإسلامية، على نحو ما حدث في سرقسطة في عهد ابن هود وما فعله أبو زيد ملك بلنسية وابن الأحمر في غرناطة... بل إن النزاع بين المسلمين أخذ في بعض الأحيان شكل التصفيات الشاملة، وعلى سبيل المثال فقد ولي محمد بن هشام أمر قرطبة عام 399 م وقد رحَّب به أهل قرطبة، وأقاموا الولائم احتفاء بولايته، وقد كان الرجل يبغض البربر بغضاً شديداً، فأمر أن يُنادى في الناس: من أتى برأس بربري فله كذا، فتسارع أهل قرطبة في قتل من قدروا عليه، ولم يبق تاجر ولا جندي إلا اجتهد في القتل والنهب. وقد نُهبت ديار البربر وهُتكت حريمهم، وسبيت نساؤهم وبيعت في السوق، وبُقرت بطون بعض الحوامل !!مع هذا السلوك الإجرامي ومع هذه الروح العنصرية لا يبقى أي شيء مقدس، كما لا يمكن للوحدة السياسية إلا أن تكون في مهب الريح، وهذا ما حدث فقد تحللت الدولة الأموية هناك إلى اثنتين وعشرين دولة، يحارب في كثير من الأحيان بعضها بعضًا (هل هذا هو عدد دول جامعة الدول العربية؟!) ويبحث كل منها عن مصالحه الخاصة والنجاة بنفسه. وهكذا يثبت التاريخ المرة تلو المرة أن العصبيات العنصرية والأنانيات الصارخة كانت تشكل دائماً معول هدم في جسد الإمبراطورية الإسلامية في المغرب كما في المشرق على حد سواء.
                                4.كان الوعي الأندلسي مرتبكاً، فهناك ما لا يحصى من الشواهد على أن التقدم العمراني والرخاء في العيش في الأندلس كان يلازمه على نحو شبه مستمر انخفاض في مستوى التدين والالتزام، وحتى لا نجور على القوم فإن الأندلسيين لم يكونوا استثناء من القاعدة، فتاريخ الأديان في العالم كله ناطق –مع الأسف- بهذه الحقيقة. أصيب الأندلسيون بمرض (الانهيار البطيء) حيث كانت صورة التدين لديهم تبتعد رويداً رويداً عن جوهر التدين الحق، وصارت البيئة العامة أشبه بحبل غليظ جُمعت خيوطه إلى بعضها خيطاً وراء خيط إلى أن استحال قطعه، وصار أهل الإصلاح والصلاح والغيرة يشعرون باتساع الخرق عليهم. وقد حاول بعض كبار علمائهم مثل المنذر بن سعيد وابن حزم وابن عبد البر وأبي الوليد الباجي قد حاولوا إيقاف التدهور، ورد طبقة الصفوة إلى سبيل الرشاد، لكن الأمر كان أكبر منهم. إن مشكلة المترفين أنهم كلما حصلوا على درجة من درجات الترف شعروا أنها حق مكتسب لهم، وعدوا التنازل عنها نوعاً من الفقر والعوز، وهكذا كان الأندلسيون عاجزين عن أن يخطوا خطوة واحدة إلى الوراء، مع أن العدو يتحين الفرص للانقضاض عليهم، فأدركتهم أيام الله. قد انتشرت بينهم الذنوب والمعاصي، وصارت المبادئ السامية عبارة عن شعارات فارغة لا توجه السلوك، بل تتخذ للتزيين والتكميل الشكلي، وقد كان ابن حزم يقسم بأن ملوك الطوائف لو علموا أن في عبادة الصلبان تمشية لأمورهم لعبدوها! وانعدمت الغيرة الدينية لدى كثير من العامة، فصار إنكار المنكرات من الأمور المنسية، وقد ذكر بعض المؤرخين أن رجلاً نصرانياً وقف في شارع عام في قرطبة أيام ابن عبد الجبار، وشتم النبي –صلى الله عليه وسلم- بألفاظ نابية، فلم يكلمه أحد من المسلمين بكلمة! وقد تحركت غيرة أحد المسلمين، فقال مستنهضاً لمن حولـه: ألا تنكرون ما تسمعون! أما أنتم مسلمون؟ فقال جماعة منهم: امض لشغلك! وانتشرت في العديد من المدن الأندلسية أشياء تخدش صفاء العقيدة، فقد كانت قرطاجة –كما وصف بعض المؤرخين- مملوءة بأقواس من الحجارة المزخرفة بالصور والتماثيل وأشكال الناس وصور الحيوانات، مما يدهش الأبصار. إن كل شكل من أشكال المعصية موصول على مستوى ما بشكل من أشكال الهزيمة والانكسار، وهذا ما لم يكن واضحاً لدى القوم!
                                5.إن مصير المسلمين في الأندلس كان مرتبطاً بالخطة التي ينتهجونها في التعامل مع أعدائهم، وفي وضع كوضعهم كان الخيار الصحيح بالنسبة إليهم هو الاستمرار في الجهاد حتى يوجهوا فائض القوة نحو الخارج، وحتى يحافظوا على وحدتهم الداخلية، بالإضافة إلى أن ذلك يمكنهم من فتح خطوط متقدمة في أرض أعدائهم حتى يتمكنوا من الحفاظ على أرضهم (كما فعل اليهود) وقد كان بإمكانهم فعل ذلك، وربع الأموال التي أنفقت على أشكال الترف والسرف كان كافياً لتزويد الحركة الجهادية بما تحتاجه من نفقات، لكن القوم ارتضوا لأنفسهم الخطة الدفاعية في مواجهة عدو له عمق استراتيجي ضخم هو أوربا كلها. وليت القوم أحسنوا الدفاع إذن لخرجوا بشيء ما، لكنهم كانوا طوائف وشيعاً فلم يستطيعوا الوقوف صفاً واحداً، وقد كان حسم المواقف وتحديد الوجهة هو أهم ما ينقصهم، كما هو شأن كل المخذولين.

                                إن المسلمين بإعراضهم عن الجهاد وإدامة الهجوم وضعوا أنفسهم في وضعية المدافع المحاصر وقد قالت العرب قديماً: المحاصر لا يأتي بخير. وعلى كل حال فدولهم الكثيرة التي كانت تتطاحن في مساحة محدودة من الأرض –لم تكن مهيأة لأكثر مما فعلت، فقد كان بين معظمها وبين الحكم بما أنزل الله –تعالى- فجوة كبيرة، وهي كما وصفها ابن حزم –رحمه الله- :"نظم مستبدة مستهينة بالدماء مكثرة من أسباب الترف وضروب العمران واستجلاب المنافقين من الكتاب والوزراء والشعراء، وقد نشأ بينها من المفاسد ما أعوز دفعه، واستحكم ضرره" كلما قرأت في تاريخ الأندلس السليبة تذكرت صراعنا مع اليهود، وأبصرت من أسباب الهزيمة هنا ما أبصرته هناك! ولله الأمر من قبل ومن بعد.

                                ودفعهم ولعهم هذا إلى تأليف كتب ورسائل خاصة في هذا الباب من ذلك مثلاً كتاب "الحدائق" لابن فرج الجياني ت 366هـ وكتاب "البديع في وصف الربيع" لأبي الوليد اسماعيل الحميري ت440هـ وحديقة الارتياح في صفة حقيقة الراح لأبي عامر بن مسلمة وزمان الربيع لأبي بكر الخشني الجياني وغيرها.
                                ولسنا نريد أن نتوسع في الحديث عن شعر الطبيعة... ولكن ينبغي أن نحدد مفهوم شعر الطبيعة وحدّه وتعريفه, ثم بعد ذلك نقف عند شعر ابن زيدون لمعرفة مدى تحقق ذلك المفهوم في شعره وبخاصة قصيدته القافية التي نعدها من أبرز نتاجه المتمثلة فيه بواكير الرومانسية بمفهومها الحديث.
                                يقول الدكتور جودت الركابي إن شعر الطبيعة هو الشعر الذي يمثل الطبيعة وبعض ما اشتملت عليه في جو طبيعي يزيده جمالاً خيال الشاعر, وتتمثل فيه نفسه المرهفة وحبه لها واستغراقه بمفاتنها(3).
                                ويقرر الركابي أن (شعر الطبيعة) تعبير جديد في أدبنا جاءنا من الآداب الغربية... وكان من أهم مظاهر الحركة الإبداعية الرومانسية في أواخر القرن الثامن عشر.. والطبيعة كما يفهمها الرومانسيون صديقة وفيّة يحبونها لما تمنحه من جمال لحسّهم وهدوء لنفوسهم, فيستسلمون اليها ويشاطرونها المناجاة ويبوحون إليها بعواطفهم وآلامهم.
                                وفي العودة إلى شعر ابن زيدون لمعرفة مدى انطباق التعريف السابق على شعره, ولنعرف إن كان حقاً شاعر طبيعة أم أنه يستعين بالطبيعة في زيادة الزهو والجمالية في نتاجه? إن ابن زيدون بحكم النقاد ومؤرخي الأدب العربي لا يعتبر من شعراء الطبيعة مثلما كان ابن خفاجة, وكانت تغلب عليه صفة شاعر الغزل الذي سجل قصة حب عنيفة مع ولادة بنت المستكفي.
                                ولكن ابن زيدون, مع كل ذلك كان يتفاعل مع الطبيعة الأندلسية ويتأثر بها فيشاطرها همومه وأشجانه ويقاسمها مشاعره التي تفيض حباً وحناناً تجاه ولاّدة, فاستعان بصورها وقاموسها وألفاظها في شتئ أغراضه الشعرية وبخاصة الغزل ومجالس اللهو والمرح.
                                تلك القصائد التي بوأته مكانةً عالية بين شعراء الأندلس فأطلق عليه لقب "بحتري الأندلس". فبأي شيء اتفق هذان الشاعران سوى أن يكون القاسم المشترك بينهما متمثلاً في هذه الرقة والعذوبة التي تصطبغ بهما مفردات قصائدهما وما تشيعه من جو ساحر خلاّب, تتوثّق فيه الأصوال وتلين فيه العبارات بوحدة وتلاحم وتعاشق, فكأنها شلاّل ينساب متدفقاً عبر طبيعة زاهية بجمالها ورونقها وعبقها, فيغدو جزءاً مكملاً لها, وتغدو هي إطاراً له يضفي عليه بهاء وروعة, وهكذا فعل الشاعران مع الطبيعة... استعانا بها في بناء القصيدة وتشكيل صور وجزيئات عديدة أضفت على نتاجهما كثيراً من الجدة والجمالية والحيوية. فابن زيدون لم يقل قصائد خالصة في وصف الطبيعة مثلما كان ولع الآخرين من شعراء عصره... ولكننا نشم رائحة الطبيعة الأندلسية الغنّاء ونحس بمعالمها وجمالها في جل نتاجاته الشعرية. فمن الحق القول ان شعر ابن زيدون كله يكاد يكون ألواناً من الطبيعة موشاة, نسجتها يد صانع أبدعت تصوير حواشيها وإبراز نقوشها وخاصة غزله الذي امتزج فيه إحساسه بالطبيعة وإحساسه بالمرأة وجمالها امتزاجاً جعل كلاً من الإحساسين جزءاً من الآخر وامتداداً له في وحدة فنية.
                                ولكن ذلك لا يدفعنا إلى اتهام الشاعر بعدم الإحساس بالطبيعة وظواهرها إحساساً مستقلاً قائماً بذاته, فيفرد لها القصائد والمقطوعات; وقد علل ذلك الدكتور ناصر الدين الأسد بقوله “إنّ إحساس ابن زيدون بالطبيعة كان جزءاً من إحساسه العام بالجمال ممزوجاً بإحساسه بالمرأة وشعوره بها, ومن ذوب هذه الأحاسيس صاغ شعره في الغزل والتشوّق والتذكر... فهو لا ينظر إلى الطبيعة بعين عقله ولا بعين خياله ليتصيد الأوصاف والتشبيهات... وإنما هو شاعر فنان يستجيب لدواعي نفسه ولأحساسيسه الداخلية ومشاعره الخاصة الذاتية... ومن هنا جاء شعوره بالطبيعة مبثوثاً في ثنايا شعره الذي يعبر فيه عن ذوب عاطفته .
                                إنّ ذلك التفاعل الحاصل بين الشاعر وبين المشهد الطبيعي يزيد من حيوية الفن وقدرته على التأثير لأنه يكون أكثر صدقاً في الإثارة وفي البناء والصياغة, فلم يتخذ ابن زيدون الطبيعة لذاتها مكتفياً بوصفها ونقل محسوساتها الخارجية, وليس ذلك بمعجز له أو صعب عليه, وهو الشاعر القدير على النظم والصياغة, ولكنه اتخذ من الطبيعة بجزيئاتها ومظاهرها ومفاتنها عنصراً مكملاً ومتداخلاً مع أشياء أخرى... فلم يتخذها مسرحاً أو مكاناً للحدث وإنما جعلها جزءاً منه... فأنطقها وطبع عليها صفات إنسانية ومنحها حواساً بشرية فهي ترى وتسمع وتشم.! وهي تضحك وتبكي وتفرح وتتألم.
                                إنّ إسقاط الحواس على الطبيعة وبالصيغة التي عرفتها بعض قصائد ابن زيدون وبالطريقة التي تعامل معها شاعرنا لم تكن معروفة لدى شعراء أندلسيين آخرين... كانوا يتباهون ويتبارون بمقدار نجاحهم في ايجاد صورة جميلة لزهرة أو بستان أو نهر أو تشبيه أو استعارة أو غير ذلك لمظهر من مظاهر الطبيعة التي تحيط بهم وتضم ليالي أنسهم أو مجالس سمرهم ولكن ابن زيدون كان يشترك مع شعراء عصره في الاستعانة بألفاظ الطبيعة وديباجتها وجمالها في أغراضهم الشعرية المختلفة... تتسلل إلى قصائدهم لغة أو صورة أو تشبيها أو كناية أو استعارة, فكان معجم الطبيعة طاغياً على الشعر الأندلسي عموماً بعيد القرن الرابع الهجري, فكان الإغراق في استخدام عناصر الطبيعة ومفرداتها سبباً في اتصاف الشعر الأندلسي وأهل الأندلس بعشق الطبيعة والهيام بمفاتنها والتعلق بها... ولا نريد أن نسترسل في هذا الموضوع فنتحدث عن ولع الأندلسيين بالبيئة وألوانها ومناظرها وصورها ولكننا نريد أن نقف عند حالة فريدة وجديدة كان لها أثر كبير في الدراسات اللاحقة, لأنها تشكل تحولاً كبيراً في الشعر العربي... تلك هي القصيدة القافية لابن زيدون التي مزجت بعمق وحيوية وتفاعل يندر وجوده في قصائد أخرى مماثلة في موضوعها بين مشاعر المنتج العاشق وعواطفه وأحاسيسه وبين الطبيعة امتزاجاً تلفّه غلالةٌ من نسيج إنساني تتعاطف فيه كل العناصر المكونة للمشهد... تتبادل الأحاسيس والمشاعر وكأنها عائلة واحدة متماسكة متكافئة متحابة فالنسيم يرق ويعتل والروض على الرغم من كونه مبتسماً, حزين باك وهذا ما توحي به لفظة (شققت فشق الجيوب والكشف عن الصدور تفعله النساء في العادة في المراثي والمآتم, والزهر يبكي وتترقوق الدموع في عيونه...) فجميع مظاهر الطبيعة تتفاعل مع الشاعر الذي خفق قلبه بالشوق والحنين والتذكر إلى حبيبته.. فالمكان والمنظر الطبيعي وهذه الأجزاء المتناثرة هنا وهناك في حديقة الزهراء تذكره أحبابه وتُهيّج شوقه فيتداخل لديه الشعور وترتبط الذكرى في وجدانه فتغدو الزهراء هي ولاّدة... وتصبح ولاّدة هي الزهراء... وهذا الموقف هو الذي دفع بعض النقاد الى توجيه هذه القصيدة وجهة أخرى وجعلها تعبيراً عن مرحلة التشبث بالأمومة في صورها المختلفة: "الأم, الحبيبة, الطبيعة, الوطن, الماضي, الصداقة, معاهد الطفولة... وقد فجر ذلك حادث السجن وزادته قوةُ الانفصال الاضطراري عن الأم الكبرى "قرطبة" وفيه تحضر ولاّدة حضوراً عن غير طريق الغزل المباشر لأنها ليست حبيبة وحسب, بل تمثل جانباً من الأمومة ومن الطبيعة ومن الوطن ومن الماضي, فالحديث عن قرطبة يومئ اليها, والطبيعة الجميلة في الزهراء اطار لها... والفرع الأكبر أن تصبح ولاّدة مثل قرطبة جزءاً من الماضي لا تتاح له عودة.
                                فليست ولاّدة وحدها مجال تنافس وتصارع مع الآخرين من أجل الاستحواذ عليها والفوز بحبها, بل قرطبة أيضاً كانت أيام الفتنة المثيرة وما بعدها تعيش حالة تمزق وتشتت وتصارع وأطماع من أجل التغلب عليها والسيطرة على مقاليدها من قبل المتنافسين السياسيين... فالصورتان متقاربتان في ذهن الشاعر وهما قد تعززان - بما تتضمنانه من ايماء إلى قرطبة مدينته التي كان يعشقها - توجيه هذه القصيدة وقصائد أخرى في الديوان تلك الوجهة التي أشرنا إليها آنفاً.
                                وقد وردت قافية ابن زيدون في كتاب القلائد ممهداً لها بعبارات مشجعة تصف لنا ما كان يكابده الشاعر آنذاك ويعانيه من شوق ولهفة ومن خوف ووجل, موزع القلب والمشاعر:
                                "فلما حلّ بذلك القرب, وانحل عقدُ صبره بعد الكرب.. كرّ إلى الزهراء ليتوارى في نواحيها ويتسلى برؤية ما فيها, فوافاها والربيعُ قد خلع عليها برده, ونثر سوسنة وورده. وأترع جداولها, وأنطق بلابلها... فتشوق إلى لقاء ولادة وحنّ, وخاف تلك النوائب والمحن, فكتب اليها يصف فرط قلقه, وضيق أمده وطلقه, ويعاتبها على اغفال تعهده, ويصف محضرها معه ومشهده".
                                يقول:
                                اني ذكرتك بالزهراء مشتاقا ... والأفق طلق ووجه الأرض قد راقا
                                وللنسيم اعتلال في أصائله ... كأنما رقّ لي فاعل إشفاقا
                                والروض- عن مائه الفضي- مبتسم كما شققت - عن اللبات – أطواقا
                                يوم كأيام لذات لنا انصرمت ... بتنا له حين نام الدهر سراقا
                                نلهو بما يستميل العين من زَهَر ... جال الندى فيه حتى مال أعناقا
                                كأن أعينه اذ عاينتْ أرقي ... بكت لما بي, فجال الدمعُ رقراقا
                                وَرْدٌ تألق في ضاحي منابته ... فازداد منه الضحى في العين اشراقا
                                كلٌّ يهيج لنا ذكرى تُشوقُنا...
                                إليك لم يعد عنها الصدرُ أن ضاقا
                                لو كان وفّى المنى في جمعنا بكمُ... لكان من أكرم الأيام اخلاقا
                                يرى ينافحه نيلوفر عبق ... وسنان نبّه منه الصبحُ أحداقا
                                لو شاء حملي نسيم الريح حين هفا ...وافاكمُ بفتىً أضناه ما لاقا

                                إنّ الجو النفسي الذي عاشه ابن زيدون في أثناء قرضه هذه القصيدة والقلق الذي يحاصره ومقدار الهموم التي تعتصر فؤاده هي التي فجرت هذه اللوحة الفنية الرائعة وأبدعت تلك الصور الجمالية الخالدة, وقد قال الشاعر "ألفريد دو موسيه" بأنه ما من شيء يجعلنا عظماء مثل ألم عظيم".
                                فالكآبة والحزن وقلق التخفي انتقلت إلى الطبيعة فصبغتها بلون أسود قاتم انعكست ملامحها على قصيدته القافية. والقصيدة تمثل حالتين متناقضتين متقابلتين الماضي البهيج الذي تجلى في طلاقة الأفق وصفاء وجه الأرض وابتسام الروض وطرب الزهر وتألق الورد وإشراق الضحى, وفي مقابله تجهم الحاضر وفي اعتلال النسيم واشفاقه, ونعاس النيلوفر وإغفائه, وبكاء الزهر وترقرق دمعه.
                                في حين رأى الدكتور احسان عباس في القصيدة حالة من التوازي بين منظر الطبيعة الضاحك وحال الشاعر الحزين, وأن هذا التوازي حقق عمقاً في المفارقة... أما المنظر نفسه فانه كفل تحقيق مقارنة في نفس الشاعر بين الماضي الجميل والحاضر الذي جاء بكل شيء جميل لولا غيابها:
                                لو كان وفّى المنى في جمعنا بكم ... لكان من أطيب الأيام أخلاقاً

                                إنّ ابن زيدون في قافيته يُنطقُ الجماد ويخلق من الطبيعة الصامتة إنساناً يحاكيه ويبثة شجوه وأنينه, فيتفاعلان ويتجاوبان بتعبيرات إنسانية مملوءة بالحركة والنشاط. وبذلك تكون القصيدة القافية لوحة فنية تنم عن امتزاج الشاعر بالطبيعة وصدق عاطفته نحوها وتشجيعه لها حتى أصبحت لسان نجواه وخفقة قلبه".
                                ولم يكتفِ ابن زيدون في قافيته بالحديث عن حبيبته ولا عن جمالها ومفاتنها وإنما توقف عند عواطفه ومشاعره مسقطاً تلك الانفعالات والمشاعر على الموجودات حوله, وبذلك يخرج ابن زيدون عن تقاليد شعراء الأندلس الآخرين وعن طريقتهم التي يصفها المقري بقوله "إن شعراء الأندلس إذا تغزلوا صاغوا من الورد خدوداً ومن النرجس عيوناً ومن الآس اصداغاً ومن السفرجل نهوداً ومن قصب السكر قدوداً ومن قلوب اللوز وسرر التفاح مباسم ومن ابنة العنب رضاباً".
                                إنّ من يتأمل قصيدة ابن زيدون المذكورة يشعر بمقدار الاتحاد القائم بينه وبين الطبيعة وعمق التلاحم والتمازج بينهما, وهو ما يصعب تلمسه في قصائده الأخرى كما يصعب العثور على أمثاله في شعر غيره من الأندلسيين, ومن هنا تأخذ هذه القصيدة أهميتها في تاريخ الأدب الأندلسي لأنها تعد بادرة نادرة ومحاولة جديدة تقترب من المفهوم الرومانتيكي الذي يرى في الطبيعة صديقاً يقاسمه الهموم والأحزان والمشاعر.
                                وقد أعجب نيكلسون بهذه القصيدة الرائعة وضربها مثلاً لتوضيح الشعور العميق بالطبيعة التي يتميز بها الشعر الأندلسي.
                                قافية ابن زيدون أثارت اهتماماً, وذهب بعض النقاد إلى اعتبارها ذات تأثير قوي في شعر الطبيعة الأوروبي وفي الشعراء الرومانسيين الذين ظهروا في القرن التاسع عشر في أوروبا.
                                ويرى الدكتور إبراهيم سلامة في القافية أنها تمتلك شيئاً من الرمزية الرومانسية وأنّ هذه الرمزية أو هذا التمثل في الطبيعة هو ما يريده النقد الأوروبي, وهو ما فهمه العرب من زمن بعيد وهو ما كان واضح الأثر جلياً في طبيعة الأندلس الواضحة.
                                وهو عند ابن زيدون في قافيته أكثر وضوحاً وتجسيماً وتعبيراً, حتى يكاد ينفرد هذا الشاعر بقدرته على الالتحام والاتحاد مع الطبيعة مازجاً حبه لها بحبه للمرأة, فكان بذلك يجمع بين ذاته الشاعرة و ين الطبيعة والمرأة في توحد صوفي وذوبان لا حدود له.


                                تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                                قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                                "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                                وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                                تعليق

                                يعمل...
                                X