إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سقوط الأندلس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سقوط الأندلس


    سقوط الأندلس

    من جملة الأشياء التي اتفق عليها تقريبا كل العرب إلى درجة أنها أصبحت في أذهانهم حقيقة راسخة لا تقبل الجدال، هي أن أجدادنا صنعوا في الأندلس واحدة من أعظم الحضارات في التاريخ وأكثرها تقدما وتسامحا وعدلا وتعايشا بين الأديان… ونسي العرب أن يسألوا أنفسهم:إذا كان عرب إسبانيا بهذه الدرجة من التقدم والتسامح والعدالة، فلماذا طردهم سكان البلاد الأصليين؟
    ولماذا تنكر الإسبان للهوية العربية الإسلامية دون رجعة ودون أي علامة أسف أو ندم؟
    البداية الخاطئة

    كتب “موسى بن نصير” إلى “الوليد بن عبد الملك” يخبره أنه يريد غزو إسبانيا بعد الإشارات الإيجابية التي تلقاها من حاكم سبتة “يوليان”، فأمره الوليد أن يغزوها بالسرايا من البربر وليس من العرب، وذلك خوفا على الجنس العربي من “بحر شديد الأهوال”… بعث موسى رجلاً من الموالي (العبيد) إسمه “طريف” في أربعمائة رجل ومعهم مائة فرس، أغار المسلمون على الجزيرة الخضراء فأصابوا غنائم كثيرة من النساء والأموال والمجوهرات ورجعوا في رمضان سنة 710م. لما رأى البربر ما جلبه “طريف” من الغنائم والأسلاب ، تدافعوا إلى طلب المشاركة في الغزو طمعا في مزيد من السبايا والأموال والأنفال… ولكي ينشر الرعب في الأوساط الإسبانية أشاع طريف ومن معه بأنهم من آكلي لحوم البشر، ويحررون بقية الأسرى لكي ينقلوا الخبر إلى بقية الإسبان … ثم جاء موعد فتح الأندلس سنة 711م، وكان القائد البربري “طارق بن زياد” هو المرشح لقيادة الجيش المتكون من 12.000 جندي من البربر ومعهم قليل من العرب… انتصر جيش طارق بن زياد على مائة ألف مقاتل قوطي يرأسهم الملك لوذريق (رودريك) الذي مات في المعركة، وفتح طارق كل بلاد إسبانيا في بضعة أشهر، وغنم الكثير من النساء والأموال والثروات.

    بلغ موسى بن نصير ما صنعه طارق من غزوات وغنائم فحسده وأحس بالغيرة، فكتب إلى طارق يأمره بأن لا يتوغل بغير إذنه وأن لا يتجاوز مكانه حتى يلحق به. استخلف موسى بن نصير على القيروان ابنه عبد الله وخرج من المدينة في عسكر ضخم قاصدا الأندلس سنة 712م في 18.000 جندي. بمجرد وصوله إلى الأندلس، قام بعزل طارق بن زياد عن الإمارة، وبدأ يبحث عن مدائن لم تسقط ليغزوها وينافس طارق فيما فعله ، ثم استخلف موسى على الأندلس ابنه عبد العزيز بن موسى، ولما عبر البحر إلى سبتة استخلف عليها وعلى طنجة وما والاهما ابنه عبد الملك، واستخلف على إفريقية وأعمالها ابنه الكبير عبد الله، اى احتكر حكم ولايات المغرب والأندلس لأبنائه دون غيرهم!!! .
    ثم سار إلى الشام وحمل الأموال التي غنمها من الأندلس ومعه ثلاثون ألف عذراء (!!!) من بنات ملوك القوط وأعيانهم ومن نفيس الجوهر والأمتعة ما لا يحصى. مات الوليد بن عبد الملك، وخلفه سليمان بن عبد الملك، ولم تكن علاقته جيدة مع موسى بن نصير، فعزله عن جميع أعماله وأقصاه وحبسه وأغرمه حتى احتاج أن يسأل العرب في معونته . دفع موسى بن نصير غاليا ثمن المظالم التي ارتكبها في المغرب والأندلس، ومن ذلك أنهم جاؤوه برأس ابنه عبد العزيز ووضعوها بين يديه . وكان سبب قتله أنه تزوج امرأة رودريك المسيحية، وأحبها جدا وحظيت عنده، وانتشر الخبر بين الناس أنه أصبح مسيحيا، فثار عليه المسلمون وقتلوه وقطعوا رأسه …

    الخلاصة من القراءة الموضوعية لكتب التاريخ التي تحدثت عن فتح الأندلس هي أن العرب فتحوا الأندلس لغاية تكاد تكون وحيدة، وهي تحويل وجهة التدافع الاجتماعي الأمازيغي من الثورة ضد العرب إلى الثورة من أجل غزو الأندلس طمعا في نسائها وثرواتها، ثم إذا ربح البربر في الحرب، استفادت العائلة المالكة الأموية من خمس الغنائم الشرعية، وإذا هلك جند البربر على يد الإسبان، استراح العرب من ثوراتهم المتتالية التي كانت لا تنتهي منذ زمن الكاهنة وكسيلة…

    وتتفق كل كتب التاريخ، على أن القوط (سكان إسبانيا في ذلك الوقت) كانوا يعتقدون أن المسلمين لن يكونوا سوى أداة لإنهاء حكم الملك الغاشم رودريك، وأنهم سيأخذون ما يستطيعون أخذه من الغنائم والنساء وسيعودون أدراجهم إلى افريقية. ولكن اكتشف القوط في نهاية الأمر أن المسلمين كانوا يضمرون البقاء في بلدهم للاستمتاع بنساء إسبانيا وثرواتها إلى الأبد. ولم تذكر المصادر التاريخية عددا يفوق عدد النساء العذارى اللاتي رجع بهن موسى بن نصير إلى الشام
    (30.000 عذراء!!!)، ونكاد نجزم أن المسلمين أفرغوا إسبانيا تقريبا من العذارى في ذلك الوقت!!! وكان واضحا أن الإسبان أضمروا حقدا وكرها دفينا للمسلمين ستظهر ملامحه في الأحداث التاريخية التالية.

    يتبع

  • #2
    الولاية الأموية
    البربر هم الذين فتحوا إسبانيا، ولكن العرب هم الذين استأثروا بالمناصب القيادية… ما حصل في الأندلس، كان موازيا لما حصل في بلاد الفرس (إيران)… غضب الفرس من العرب فأعلن الكثير منهم ولاءهم لمذهب الشيعة، وغضب البربر من العرب فأعلن الكثير منهم ولاءهم لمذهب الخوارج الذين فروا من المشرق إلى المغرب تحت وطأة ضربات الدولة الأموية… وعمت الفتنة بلاد الأندلس، واقتتل المسلمون فيما بينهم تاركين شمال إسبانيا للسكان الأصليين، فاستعاد هؤلاء حلمهم في التخلص من المسلمين الذين استباحوا ثرواتهم ونساءهم…

    ثم كانت الحرب الأهلية بين القيسية (عرب الشام) والمضرية (عرب الحجاز واليمن)، واستغل القوط الفرصة ليستعيدوا المزيد من الأراضي في الشمال، وليكوّنوا دويلات مستقلة إسبانية وبرتغالية ستكبر مع الوقت شيئا فشيئا على حساب الأراضي الإسلامية.

    العصر الذهبي للأندلس…
    استطاع عبد الرحمان الداخل (صقر قريش) النجاة من التصفية العرقية التي قام بها العباسيون تجاه قبيلة بني أمية، وهرب إلى المغرب ثم إلى الأندلس ليكوّن الخلافة الأموية الثانية. اتفقت جميع المصادر التاريخية على نبوغ ودهاء هذا الرجل، حيث استطاع أن يخمد الحرب الأهلية بين القبائل العربية في اسبانيا، وأن يتصدى للمسيحيين شمالا والعباسيين جنوبا… ويبدو أنه استطاع أن يوجّه التدافع الاجتماعي نحو وجهة دينية مذهبية استطاع بها أن يوحد بين كل الأندلسيين، حيث عمل على أن يكون المذهب المالكي هو المذهب المسيطر على الأندلس وعمل على تقوية مكانة رجال الدين في المجتمع ليتمكن من خلالهم من السيطرة على الدولة، وواصل ابنه هشام على منوال والده… ولكن، تقوية مكانة رجال الدين في المجتمع هي سلاح ذو حدين لأنهم عادة ما يتحرجون من الترف والتطور الفكري المصاحبين للتقدم الحضاري
    مع مرور الوقت، ومع ازدهار الحضارة الأندلسية وانتشار بعض أنواع الفنون والفكر والرياضة، انقلب السّحر على الساحر، وثار رجال الدين على أصحاب القرار، وانتشر التكفير وتدافع الناس نحو التطرف الديني، ومن أمثلة ذلك، ثورة الربض التي كان يقودها رجال الدين ومن جملتهم يحي بن يحي الليثي… من جهة أخرى، واصل العرب ومن والاهم من الوصوليين سياستهم الإقطاعية تجاه بقية البربر والسكان الأصليين، ومن أمثلة ذلك أن أسرة “ابن حزم” القريبة من العائلة المالكة الأموية نجحت في امتلاك قرية بأكملها هي “منت ليشم”….

    وساهمت الطبقية في تأجيج التطرف الديني والفتنة والعنف المتبادل بين أفراد المجتمع… استغل المسيحيون ذلك ليستعيدوا برشلونة الاستراتيجية وأصبحت من أوائل المدائن المسلمة التي عادت نهائيا إلى المسيحيين ليصنعوا فيها حضارة عظيمة مازالت متواصلة إلى الآن… تصدى الحكام الأمويون لثورة رجال الدين بكل عنف ووحشية، وساهم ذلك في تحويل التدافع الاجتماعي من تدافع ديني إلى تدافع عرقي وقبلي، فاستقلت القبائل العربية اليمنية وكونت دويلة في اشبيلية، واستقلت القبائل البربرية في غرب الأندلس وجنوب البرتغال، وثار السكان الأصليون فيما يُعرف بثورة المستعربين ثم جاءت ثورة المولدين التي دامت ثلاثين عاما… ثم جاء عهد عبد الرحمان الناصر الذي كان محوريا في تاريخ الدولة الأموية. أعاد الخليفة الأموي توحيد الأندلس ثم تفرّغ لإرساء دعائم الدولة. وفهم عبد الرحمان ومن بعده ابنه الحكم أنه لا يمكن الحفاظ على وحدة الدولة وازدهارها وتقدمها إلا بانتشار العلم والتعلم بين أفراد المجتمع… انتشر العلم في قرطبة وبلغ عدد الكتب “400.000” كتاب في مكتبة واحدة هي “مكتبة الحكم”، وبلغ عدد المكتبات 70 مكتبة، وانتشر العلم بين النساء أيضا وأصبحن عنصرا فاعلا في المجتمع، ومن أمثلة ذلك أنه كان في الربض الشرقي من قرطبة مائة وسبعون امرأة يكتبن المصاحف بالخط الكوفي، ونزعت نساء الأندلس الحجاب، وأصبحن يتجولن في الشوارع سافرات، وكان منهن الطبيبة والحجامة والدلالة والماشطة والمغنية والمعلمة والصانعات في المغزل والنسيج وتفنن الناس في أنواع الطعام والغناء والطرب، واشتهر “زرياب” الذي شغل الناس بابتكاراته في عالم الطعام واللباس والموسيقى، فلكل فصل نوع من الطعام واللباس، ولكل مجلس آداب وتقاليد، ولكل حفلة طرب وغناء وموسيقى بمختلف الألحان، وازدهرت الحضارة ازدهارا عظيما. بلغ عدد حمامات قرطبة 600، وكان فيها مائتا ألف دار وثمانون ألف قصر، وبلغ عدد أرباض قرطبة تسعة أرباض كل ربض كالمدينة الكبيرة، وفي ضواحيها ثلاثة الآف قرية، وقدّر بعض المؤرخين عدد سكان قرطبة في أيام أزدهارها بمليوني نسمة، وكانت شوارعها مبلطة وتُرفع قماماتها وتُنار شوارعها ليلاً بالمصابيح ويستضئ الناس بسروجها ثلاثة فراسخ لا ينقطع عنهم الضوء… وفي محاولة منه للقضاء على العنصرية في الأندلس، لم يشترط الخليفة الأموي عربية الجنس في القضاء (وهو قرار ثوري في ذلك الوقت لأنه ألغى ضمنيا ونسبيا فكرة التفوق العربي على بقية الأجناس المتعايشة في الأندلس)، وأصلح القضاء ووضع شروطا موضوعية لتوليه، وأنشأ قضاءً جديدا أسماه قضاء المظالم (ما يقابل الاستئناف في يومنا هذا). وأصلح نظام الجباية والنظام المالي ككل، فتطورت مداخيل الدولة في إطار من العدالة الاجتماعية، وازدهرت البلاد تبعا لذلك، وأطلق على قرطبة لقب “جوهرة العالم” في ذلك الزمان… كان القرن الرابع للهجرة (القرن العاشر للميلاد) عهدا ذهبيا في الأندلس، ومن خلال قراءتنا لكتب التاريخ، نكتشف أن السبب الرئيسي يكمن في تحويل التدافع الاجتماعي من تدافع ديني أو عرقي إلى “تدافع حضاري” بأتمّ معنى الكلمة… قرطبة في القرن العاشر للميلاد كانت مكانا يتنافس فيه الناس على الحضارة بعلمهم، وفكرهم، وفنّهم، وأدبهم، وأنواع طعامهم ولباسهم… كادت الفوارق الدينية والعرقية أن تذوب في حضارة قرطبة… واستقبلت المدينة طالبي العلم من كل أنحاء العالم… وانتشر التسامح والتعايش بين الأديان بشكل لم يسبق له مثيل…

    أصبحت العلاقة بين الدولة المسلمة في الجنوب والدويلات المسيحية في الشمال علاقات سياسية بحتة غابت فيها العصبية الدينية وحضرت فيها المصالح السياسية والاقتصادية المشتركة… ولكن، نسي الخلفاء الأمويون أن يقوموا بشيء واحد يكملون به مسيرة حضارتهم ويضمنون به استمرار وازدهار مؤسسات دولتهم: لم يفصلوا المدارس عن الجوامع، وبقي التعليم في قرطبة مرتبطا ارتباطا عضويا بأئمة الجوامع والفقهاء. لم يكن بمقدور أي شخص أن يصبح قاضيا أو وزيرا، أو حتى مهندسا أو طبيبا، إلا إذا رضي عنه شيوخ الدين، كل شهائد الدولة كانت تمر عبر أيديهم. هؤلاء الشيوخ بقيت لهم الكلمة الفصل في كل مؤسسات الدولة، وهذا هو الخطأ الكبير الذي ستدفع الدولة الأموية ثمنه غاليا جدا… لم يستسلم شيوخ الأندلس لحضارة قرطبة المتنوعة والمتسامحة ولا لثقافتها المتقدمة، وحافظوا على نفوذهم وسلطتهم، وتنافسوا في التحريم والتكفير، وانقسموا إلى مذاهب عدة متناحرة فيما بينها ومنغلقة على الآخرين، ولم يقع الاختلاط بين الطوائف الأندلسية المتعددة في إطار دولة مدنية تجمع الجميع تحت قانون مدني واحد، كانت للمسلمين قوانينهم الخاصة وللمسيحيين قوانينهم الخاصة ولليهود قوانينهم الخاصة مع إعطاء الأفضلية للقوانين الإسلامية في صورة حصول نزاع بين أفراد منتمين إلى طوائف مختلفة… النتيجة الحتمية لكل ذلك هي أن المسلمين (وخاصة العرب منهم) واصلوا الانفراد بمقاليد الحكم رغم أنهم كانوا أقلية ضمن الواقع الديموغرافي الأندلسي الغني بالبربر والموالي والصقالبة والسكان الأصليين من مسيحيين (مستعربين) ومولدين ويهود…

    وأثبت التاريخ أن الأمم التي تتمتع بتنوع ديني وعرقي وتعطي الأفضلية لدين أو عرق على الأديان والأعراق الأخرى ولا تفصل الدين عن مؤسسات الدولة، سرعان ما تقع فريسة للفتن والانقسامات والحروب الأهلية بمجرد ضعف السلطة المركزية، وهذا بالضبط ما حصل في الأندلس الأموية التي انقسمت إلى عدة دول صغيرة ومتنازعة سُميت دويلات ملوك الطوائف… توسعت الممالك الإسبانية الكاثوليكيه على حساب هذه الدويلات الإسبانية المسلمة مستغلة تنازعها وفساد حكامها وعنصريتهم تجاه المسيحيين وفي النهاية سقطت طليطلة في أيدي جيوش ألفونسو السادس ملك قشتالة القوي والملكة ايزابيلا الأولى في سنة 1085. ولم تنفع انتصارات المسلمين وتوحدهم الوقتي في عهدي المرابطين والموحدين من استرداد طليطلة، وسقطت المدائن الأندلسية الواحدة تلو الأخرى إلى أن سقطت غرناطة سنة 1492 واندثر الوجود الإسلامي نهائيا في بداية القرن السابع عشر بعد محاكم التفتيش التي مارسها المتعصبون الإسبان ضد الموريسكيين…

    وتجدر الإشارة أن قمة التقدم الحضاري الأندلسي حصلت في عهد ملوك الطوائف. ابن رشد، ابن حزم، ابن طفيل، ابن الخطيب، ابن زيدون، ابن زهر، وغيرها من الأسماء اللامعة في الحضارة الأندلسية كانت معاصرة لملوك الطوائف.


    يتبع

    تعليق


    • #3



      دروس السقوط …

      الدرس الأول: سقطت الأندلس لأن الوجود العربي فيها كان استعمارا بأتم معنى الكلمة: خلال قراءتي لكتب التاريخ التي تحدثت عن الوجود العربي في الأندلس، كنت أبحث جاهدا عن أي دليل يثبت أن العرب كانوا يعاملون بقية الأندلسيين على أنهم مواطنون من الدرجة الأولى يتمتعون بكافة الحقوق التي يتمتع بها العربي المسلم في الأندلس، ولم أجد أي دليل على ذلك. رأينا معا أن المسلمين، ومنذ الساعات الأولى لاحتلالهم التراب الإسباني، أثبتوا أنهم دخلوا شبه الجزيرة الأيبيرية من أجل الثروة والنساء والعبيد (مثلما يفعل كل المستعمرون). وخلال كامل فترة حكمهم للأندلس، كانوا يعاملون بقية الأندلسيين على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية وهذا ما يفسر الثورات المتتالية التي كان يقوم بها البربر والمستعربون والمولدون والصقالبة وغيرهم من الأجناس والأعراق المتواجدة هناك في ذلك الزمان.

      الدرس الثاني: سقطت الأندلس لأنه لم تكن هناك “قومية أندلسية” تجمع بين كل الأندلسيين: هذا الدرس هو امتداد للدرس الأول. صحيح أن كتب التاريخ تحدثت عن وجود “لغة منطوقة أندلسية” (لهجة أندلسية) هي خليط بين العربية والبربرية واللاتينية كانت تقريبا تجمع بين كل الأندلسيين وتواصلت حتى بعد سقوط الأندلس بمائتي سنة ولم تندثر اللهجة الأندلسية إلا بالقوة، ومن المعروف أن اللغات واللهجات هي من أهم العوامل المكونة للقوميات. كما تحدثت كتب التاريخ على أن العصبية القبلية العربية في الأندلس كانت أقل بكثير منها في البلدان الإسلامية الأخرى . ورغم ذلك، لم تنجح لا اللهجة الأندلسية المشتركة، ولا التراجع النسبي للعصبية القبلية، ولا حرية المعتقد في المجتمع الأندلسي، في تكوين “قومية أندلسية”. والسبب الرئيسي في ذلك، حسب كتب التاريخ، هو إصرار الفقهاء على منع النصارى من الوصول إلى مؤسسات الحكم، ومن أمثلة ذلك أن الفقهاء حثوا الأمير محمد الأول (الذي كان منحازا ومحبا لكفاءة المسيحيين في الإدارة) على تخيير وزراءه النصارى بين الإسلام أو العزل ، كحال كاتبه القومس بن أنطونين … العنصرية بين أفراد المجتمع هي أكبر عدو للقومية، ولأجل ذلك لم يشعر المستعربون يوما بأنهم مواطنون أندلسيون وكانوا ينتظرون وصول الجيوش المسيحية من الشمال حتى يستطيعون الانصهار ضمن الدولة المسيحية الإسبانية التي ستحفظ لهم حقوقهم كاملة

      ومن الأدلة على ذلك أن الملك الإسباني “ألفونسو الأول” قام أثناء فترة المرابطين بحملة عسكرية على المنطقة الشرقية والجنوبية للأندلس وصل فيها إلى البحر جنوب غرناطة (دون أن يحتل المدائن العربية)، وقام بهذه الحملة بالتنسيق مع المستعربين حتى يتمكنوا من الالتحاق به في دولة الشمال المسيحية، وتقول المصادر التاريخية أنه عاد إلى بلده بخمسين ألف مسيحي أندلسي خيروا الالتحاق بالدولة الإسبانية في الشمال


      الدرس الثالث: سقطت الأندلس لأنها لم تفصل الدين عن الدولة: وهذا الدرس هو أيضا امتداد للدرسين الأولين. الأكيد أن الكثير من القراء سيقولون لي بأن كل الأمم الإسلامية في ذلك الوقت لم تكن تفصل الدين عن الدولة، من الخلافة الراشدة إلى الخلافة الأموية بدمشق إلى الخلافة العباسية ببغداد إلى الخلافة الفاطمية بالمهدية والقاهرة، ورغم ذلك، لم تسقط دمشق بين يدي مسيحيي الشام ولم تسقط القاهرة بين يدي الأقباط… الإجابة هي أن مسيحيي الأندلس كانت لهم ميزتان تميزهما عن مسيحيي الشام ومصر: ميزة ديموغرافية (نسبتهم في المجتمع الأندلسي أكبر من نسبة مسيحيي الشرق في المجتمع المصري والشامي) وميزة جغرافية ( الأندلس بعيدة نسبيا عن منبع الإسلام وهناك بحر يفصل الأندلس عن بقية الأرض الإسلامية)… كان من الممكن لقرطبة الأموية، وهي السابقة لعصرها في التعايش والتسامح بين الأديان، أن تضع حجر الأساس لمجتمع مدني يمحو تماما كل الفوارق بين المواطنين المنتمين إلى أديان مختلفة… لو فعلت قرطبة ذلك، لانصهر المسيحيون واليهود في المؤسسة الحاكمة الأندلسية، ولأصبحوا بذلك يشعرون بأنهم مواطنون أندلسيون بأتم معنى الكلمة، ولكانوا من أكبر المدافعين عن دولتهم أمام الإسبان المتعصّبين عوض الإستعانة بهم على الحكام المسلمين. ضيّعت قرطبة على نفسها الفرصة التي كانت ستجعلها أول دولة علمانية في التاريخ، وضيّعت بالتالي على نفسها أسباب تواصل دولتها المتكوّنة من أقلية مسلمة تمسك بزمام الحكم وأغلبية مسيحية تقتات من فتات المسلمين.


      الدرس الرابع سقطت الأندلس بسبب انقسامها وفساد حكامها: لن أتحدث كثيرا في هذا الموضوع لأن المؤرخين المسلمين سبقوني في ذلك وجعلوا منه السبب الرئيسي لسقوط الأندلس…

      وأخيرا… الكثير من المؤرخين يذكرون أن تهافت الأندلسيين على الفنون والأدب كان سببا من أسباب سقوط بلدهم بين يدي الإسبان، وأنا لا أوافقهم الرأي… الفكر والفن الإنساني يكوّنان العنصر الأساسي المولد للحضارة، وأعظم شيء في الأندلس هو حضارتها… كان من الممكن أن تتوحد كل جيوش ملوك الطوائف في جيش نظامي واحد يحفظ استقلالها الخارجي ويضمن استقلالها الداخلي مثلما تفعل الفيدراليات أو الولايات المتحدة ضمن إطار الدولة الواحدة، ولكن ملوك الطوائف كانوا مثالا للأنانية وللحمق والغباء السياسي وحفروا قبورهم بأيديهم… من جهة أخرى، ازدهار الحضارة في عهد ملوك الطوائف، هو دليل على أن اللامركزية هي أكبر صديق للتقدم والتطور المجتمعي… الحكم الذاتي للولايات داخل أي دولة هو من الأسباب التي تساعد على النمو الاقتصادي والاجتماعي


      المراجع:


      الكامل في التاريخ: ابن الأثير الجزري. دار الكتب العلمية – 1987…
      تاريخ الأمم والملوك: محمد بن جرير الطبري. دار الكتب العلمية – 1986…
      أخبار مجموعة في فتح الأندلس وذكر أمرائها: دار أسامة – 1980…
      الإحاطة في أخبار غرناطة : لسان الدين بن الخطيب. مكتبة الخانجي – 1937…
      البيان المغرب في أخبار ملوك الأندلس والمغرب: ابن عذارى المراكشي. دار صادر – 1988…
      نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب: المقري التلمساني. دار صادر – 1968…
      تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام: الإمام الذهبي. دار الكتاب العربي – 1987…
      المنتظم في تاريخ الملوك والأمم: ابن الجوزي. دار صادر – 1939…
      النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: ابن تغرى بردى. دار الكتب المصريه – 1930…
      البداية والنهاية: الحافظ بن كثير. دار إحياء التراث العربي – 1988…
       ذكر بعض مشاهير أعيان فاس في القديم: تحقيق عبد القادر زمامة. مجلة البحث العلمي، العدد الثالث والرابع، السنة الأولى – عامة قرطبة في عصر
      الخلافة: أحمد الطاهري. منشورات عكاظ – 1988…
       المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوي أهل افريقية والأندلس والمغرب: أحمد بن يحيى الونشريسي. دار الغرب الإسلامي – 1981… وثائق في أحكام قضاء أهل الذمة في الأندلس: مستخرجة من مخطوط الأحكام الكبرى للقاضي أبى الاصبغ عيسى بن سهل الأندلسي. المركز العربي الدولي للإعلام – 1980…
      ثلاث رسائل أندلسية في آداب الحسبة والمحتسب، [تحقيق ليفي بروفانسال]: مطبعة المعهد العلمي الفرنسي – 1955…
      كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر: عبد الرحمان بن خلدون. دار الكتاب – 1999…
      المقتبس من أنباء أهل الأندلس: ابن حيان القرطبي. لجنة إحياء التراث الإسلامي – 1994…
      طوق الحمامة في الألفة واللألاّف: ابن حزم الأندلسي. المكتبة التجارية الكبرى –



      1959

      تعليق

      يعمل...
      X