إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

التصوف اليهودى ... القبالاة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التصوف اليهودى ... القبالاة


    بحث

    التصوف اليهودي
    (القبَّالاه)

    تحدّث القرآن الكريم عن الدين اليهودي بالتفصيل أحياناً، وبالتكرار أحياناً أخرى. وتناول أهم مرتكزات الشريعة اليهودية وأنبياء بني إسرائيل وفرعون وموسى (عليه السلام) في حياته ومهمته الرسالية. وما آل إليه حال اليهود من بعد موسى وداود وسليمان (عليهم السلام) حتى مجيء عيسى (عليه السلام) إليهم. قال تعالى:

    {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ} الصف6.

    أهم مرتكزات الشريعة اليهودية كما حدثنا عنها القرآن الكريم توافق مرتكزات الشريعة الإسلامية، لأن المصدر واحد، واليهودية مثل الإسلام تشريع مرتبط بأوجه الحياة المختلفة الاجتماعية منها والسياسية والمعاشية، وعليه يجب أن تقوم الدولة والمجتمع. وعلى هذا تعمل الأمتان الإسلامية واليهودية على تحقيق السيادة على الأرض. ولهذا نجد أن هناك ارتباط أزلي بين اليهود والمسلمين إلى قيام الساعة. ولكنه ارتباط يكتنفه توتر وعداوة تصل إلى حد القتال. عن عَبْد اللَّهِ بْنَ عُمَرَ (رَضيَ الله عَنْهُ) عنِ النبيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
    (تُقَاتِلُكُمُ الْيَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ). "رواه مسلم".

    أخلص من هذا الحديث أن دراسة الدين اليهودي مهمة وضرورية وإلا لما تحدث القرآن الكريم عنه بهذا العدد الكثير من الآيات. وعموماً دراسة الأديان لا تجد حظها في الجامعات العربية ، ولذلك لا تتوفر المراجع ومصادر المعلومات، .

    هذا البحث محاولة لإلقاء الضوء على جانب مهم من جوانب الدين اليهودي وهو التصوف المعروف باسم القبَّالاه. والقبَّالاه تعمل على نشر ثقافة اليهود وفكرهم الديني. والهدف من البحث توضيح نشأة وتاريخ التصوف اليهودي، ومدى ارتباطه بمفاهيم التوراة وكتب العهد القديم والتلمود. وأهم الموضوعات التي يقوم عليها التصوف اليهودي، وعلاقة اليهود اليوم بالتصوّف. وليس من أهداف البحث مناقشة مفاهيم التصوف اليهودي، فهذا يحتاج لبحث آخر، لأن هذه المفاهيم يحتاج شرحها تفصيلاً ودقة وتوضيحاً نسبة لتعقيدها وارتباطها بالمفاهيم الفلسفية التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتصوف اليهودي، وكذلك بالتصوف الإسلامي والمسيحي، وحتى بالأديان الوضعية، وذلك لأن التصوف ظاهرة إنسانية قديمة مرتبطة بالعقائد الدينية وملازمة للإنسان حتى اليوم

    معنى التصوف في الدين اليهودي:

    يعرف التصوف في اليهودية بكلمة (قبّالاه Kabbalah) وهي كلمة عبرية تفيد معنى القبول أو التقبل أو ما يتلقاه المرء عن السلف أي التقاليد والتراث، وهذا التراث عبارة عن مجموعة ضخمة من التفسيرات والتأويلات الباطنية للنصوص الدينية التي تعرف باسم الشريعة الشفوية. والقبَّالاه تتألف من قصص خيالية ومن شعر وروحانيات تدعو للمثالية في بعض الأحيان، وتنحو نحو المبالغة والشطط أحياناً أخرى . وتطور مصطلح القبَّالاه في معناه، وأصبح يعني التعاليم الغامضة والخفية المتعلقة بطبيعة الإله وعلاقته بالخلق، وقد كانت تعرف القبَّالاه بالحكمة الخفية أو المستورة The Hidden Wisdom. وهي تشبه ما جاء في تراث العهد
    الجديد "We Speak The Wisdom of God in Mystry".

    تأثر الدين اليهودي بالعقائد الدينية للمجتمعات المجاورة مثل الفرعونية والبابلية والآشورية والفارسية. وقد ارتبطت العقائد الدينية لهذه المجتمعات بالسحر والتنجيم وخوارق العادات، وقد انتقل كل هذا إلى الدين اليهودي، وظهرت طبقة من الكهان والقضاة الذين انحرفوا عن العقيدة الصحيحة، وانتشرت فوضى اجتماعية وأخلاقية ودينية هزت المجتمع . لذلك توالى الأنبياء والمصلحون على بني إسرائيل في محاولات لتصحيح الأوضاع المنفلتة. وظهرت على أيام النبي صموئيل في العام 1105 ق. م ما يعرف بمدرسة الأنبياء، يدرّس فيها حوارييه تفسير التوراة وتعاليم الإله.

    وكان الحواريون يؤلفون حلقة حول نبيّهم، ويأتون بحركات راقصة على أنغام آلات موسيقية. وقد كانت الموسيقى والترنيم جزءاً لا يتجزأ من العبادة في العهد القديم، فقد جاء في سفر المزامير "هَلِّلُويَا! سَبِّحُوا اللهَ فِي هَيْكَلِهِ. سَبِّحُوهُ بِصَوْتِ بُوقٍ. سَبِّحُوهُ بِالرَّبَابِ وَالْعُودِ. سَبِّحُوهُ بِالدُّفِّ وَالرَّقْصِ. سَبِّحُوهُ بِأَوْتَارٍ وَمِزْمَارٍ.
    سَبِّحُوهُ عَلَى وَقْعِ الصُّنُوجِ. سَبِّحُوهُ بالصُّنُوجِ الْمُدَاوِّيَّةِ. هَلِّلُويَا".

    وجاء في سفر صموئيل الثاني 6 – 5 "وَكان دَاوُدُ وَكُلُّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ يَلْعَبُونَ أَمَامَ الرَّبِّ بِكُلِّ أَنْوَاعِ الآلاَتِ مِنْ خَشَبِ السَّرْوِ بِالْعِيدَانِ وَبِالرَّبَابِ وَبِالدُّفُوفِ وَبِالْجُنُوكِ وَبِالصُّنُوجِ". ولم تزل الاضطرابات السياسية والفوضى الاجتماعية والانحرافات الدينية تمور في مجتمع بني إسرائيل وتهزه هزّاً عنيفاًً كان من نتاجه ظهور عدد كبير من مدعي النبوة الذين يمارسون خوارق العادات عن طريق السحر، وضاق الناس ذرعاً من هذه الحالة فطلبوا ملكاً يسوسهم، وجاء في سفر التثنية 17- 14: "وَمَتَى بَلَغْتُمُ الأَرْضَ الَّتِي يُوَرِّثُهَا لَكُمُ الرَّبُّ إِلَهُكُمْ وَامْتَلَكْتُمُوهَا وَاسْتَوْطَنْتُمْ فِيهَا وَقُلْتُمْ: لِنُتَوِّجْ عَلَيْنَا مَلِكاً كَبَقِيَّةِ الأُمَمِ الْمُحِيطَةِ بِنَا فَإِنَّكُمْ تُقِيمُونَ عَلَيْكُمْ مَلِكاً الَّذِي يَخْتَارُهُ الرَّبُّ إِلَهُكُمْ، شَرِيطَةَ أَنْ يَكُونَ وَاحِداً مِنْ أَسْبَاطِكُمْ". وقد جاء النص التوراتي موافقاً في بعض معناه لما جاء في القرآن الكريم في سورة البقرة "الآية (246)" {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}.

    تواصل الانهيار في الدولة والمجتمع إلى أن غزاهم البابليون عام 586 ق.م، وحطموا هيكل النبي سليمان عليه السلام الرمز الديني لليهود، والذي كان يقف شاهداً على عظمة دولتهم ومجدهم السياسي، وأخذ اليهود أسرى إلى بابل، وكان من بينهم النبي حزقيال وكان وقتها شاباً يستعد ليكون كاهناً في الهيكل قبل السبي، فقد دعاه الإله ليكون نبياً أثناء وجوده في بابل، وكان يتنبأ لليهود بالخلاص، فكان يبث أشواق الخلاص والعودة للمجد السليماني. وقد اشتهر حزقيال بالرؤيا الرمزية التي هي إعلان للحق الإلهي .

    كتبت العودة لبني إسرائيل لبلادهم على يد الفرس الذين هزموا البابليين، وأعادوا بناء الهيكل، ولكن لم تزل الفوضى، ولم يزل بنو إسرائيل تحت نير الاستعمار والغزو من الدول المجاورة، حتى أرسل الله تعالى عيسى (عليه السلام)، وقد رفض الأحبار والكهنة دعوة سيدنا عيسى (عليه السلام) حينما لم يجدوا فيه المخلص الذي كانوا ينشدونه، فقد كانت دعوته في بداية أمرها موجهه لتصحيح المسلمات الدينية الخاطئة التي أدخلت على الدين اليهودي، فقد كان عيسى عليه السلام يخاطب اليهود "وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُنَقُّونَ خَارِجَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ، وَهُمَا مِنْ دَاخِل مَمْلُوآنِ اخْتِطَافًا وَدَعَارَةً.
    أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّ الأَعْمَى! نَقِّ أَوَّلاً دَاخِلَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ لِكَيْ يَكُونَ خَارِجُهُمَا أَيْضًا نَقِيًّا" .

    غزا الرومان دولة اليهود وحطم قائدهم (تيطس) هيكل سليمان للمرة الثانية عام 70 للميلاد، ولم تقم له قائمة حتى اليوم. وعلى الرغم من رفض اليهود للمسيحية إلاّ أنها انتشرت خاصة بعد أن اعتنق الرومان المسيحية، وأصبحت الدين الرسمي للإمبراطورية، وحينها أدرك اليهود الخطر على دينهم فعكفوا على جمع شتات تعاليم التوراة، فظهر التلمود ما بين القرن الأول والثاني للميلاد، وهو عبارة عن جمع مكتوب لتعاليم التوراة الشفوية المتوارثة عن الأحبار والكهان، ويقال أن أول من جمع التلمود هو "يهوذا الهناسي"، وكان ذلك ما بين القرن الأول والثاني للميلاد .

    ويعتبر التلمود من المصادر الأساسية للفكر الصوفي اليهودي، لأنه يحوي الأساطير التي تتناول قضايا الألوهية والكون ومصير اليهود، وعلاقة اليهودي بالإله، وقضية المخلص الذي انتظره اليهود طويلاً. وبظهور التلمود ظهر معه اتجاه التصوف ما بين القرن الأول والثاني وكذلك الثالث الميلادي، ولكن حركة التصوف اليهودي لم تصل ذروتها إلا ما بين القرن الثاني عشر والقرن الخامس عشر للميلاد .

    يتبع

  • #2
    (2)


    أقسام القبَّالاه:

    تنقسم إلى قسمين:
    القبَّالاه النظرية وهي تختص بالمشاهدات الباطنية والتوجه الروحي، كما تختص بمفاهيم مثل علاقة الإنسان بالإله والعرش والملكوت والتجليات النورانية العشرة (السفيروت) ومفهوم الخلاص.
    والقسم الثاني هو القبَّالاه العملية وترتبط بعلوم تطبيقية مثل السحر وما يتبعه من عمل التمائم والتعاويذ وعمل الأحجبة وقراءة الكف، كما ترتبط بالفراسة والتنجيم وتحضير الأرواح .

    للقبالاه ممارسات متعددة تشتغل بالأقسام المختلفة النظرية والعملية. وكما ذكرت في الفقرة السابقة فقد ظهر اتجاه التصوف اليهودي في القرن الأول والثاني للميلادي وذلك بتشكيل حلقات دينية من أتباع يوحنان بن زكّاي، وهو من معلمي التلمود، وكانت هذه الحلقات تناقش أسرار الخلق وطبيعة العرش الإلهي، هذه المناقشات مهدت فيما بعد لظهور الأدب الصوفي المسمى بـ(الهيخالوت)، والذي ارتبطت موضوعاته بتعاليم التلمود. وأشهر مدارس القبَّالاه هي قبالاه الزوهار، القبَّالاه اللوريانية، والقبَّالاه الحسيدية، أو الحركة الحسيدية. ولكن أقدم تيارات القبَّالاه ظهرت في الفترة ما بين القرن الثالث والقرن السادس الميلادي، وقد استندت على أول نص مكتوب في الفكر الصوفي يعرف بسفر سيتسي. وقد نسب إلى شخص اسمه (إبراهيم)، ويتحدث السفر عن أسرار الخلق الكامنة التي يستدل عليها بالتجليات النورانية العشرة (السيفروت Sefirot) التي تبين قدرات الرب في عملية الخلق ويتحدث السفر كذلك عن الحروف الأبجدية للغة العبرية والقيمة العددية لكل حرف، والتي تشكل من ثم التفسير الباطني للتوارة

    بحلول القرن السابع ثم الثامن الميلادي ظهر الأدب الصوفي الذي يعرف بـ(الهيخالوت) وينسب إلى سليمان بن إلياس. ويصور هذا الأدب سبعة عوالم سماوية تسكنها الملائكة، ويوجد عرش الإله في السماء السابعة، والوصول لهذا المقام لا يكون إلا عن طريق الوصول لمرتبة روحية عالية يكتسبها الصوفي بواسطة الممارسة الصارمة للعبادة والطقوس الدينية، يصل بعدها (الواصل) إلى مقام التجلي والحضور الإلهي ومعاينة العرش الإلهي، ثم كشف أسرار الخلق ومشاهدة الملائكة ومعرفة ميعاد وصول الملخّص.

    وفى القرن الثاني عشر انتقل هذا الأدب الصوفي إلى إيطاليا ثم ألمانيا، وقد ظهر في هذا الوقت سفر الباهير الذي نسب إلى أسحق الأعمى وحاول السفر تفسير الأجزاء الأولى من سفر التكوين تفسيراً باطنياً، وتحدث عن التجليات النورانية ودورها في عملية الخلق، كما تحدث عن خلود المادة وتناسخ الأرواح والرمز في التصوف اليهودي. وباهير كلمة عبرية تعني الساطع أو المشرق.

    وأما في القرن الثالث عشر فقد تأسس مركز للقبالاه في أسبانيا في محاولة من المتصوفة لتجديد تعاليم النبوة. ويعتبر هذا المركز من أكبر وأهم مراكز القبَّالاه، ومنه انتشر التصوف اليهودي، ثم وصلت القبَّالاه قمة ازدهارها في القرن الرابع عشر بظهور سفر (الزوهار) الذي يقال إن مؤلفه هو موسى دي ليون المتوفى في العام 1305م . ولكن د. شمعون مويال في كتابه (التلمود، أصله وتسلسله وآدابه) يقول أن الزوهار يتألف من مجلدات ضخمة منسوبة لشمعون بن يوحاي الذي عاش في القرن الثاني الميلادي في عصر الإمبراطورية الرومانية، وله مكانة دينية رفيعة عند اليهود الذين يحجون إلى قبره ويحتفلون كل عام بعيد يعرف باسمه (قليلوت ربي شمعون) وقد كان الرومان قد حكموا عليه بالإعدام فاختفى منهم وألّف الزوهار في فترة اختفائه

    قبالاه الزوهار:
    زوهار كلمة عبرية تعني النور الساطع والإشراق والضياء، والزوهار مجموعة شروح لأسفار موسى الخمسة مضافاً إليها حواشي سميت (التقاليد الوراثية)، وهي – يقول د. شمعون مويال – مزيج من الأفكار الخيالية تبحث في مسألة الروح وحياة البرزخ.
    والزوهار هو الأكثر رواجاً بين اليهود، وله قدسية، ويتميز بأسلوب القصص الصوفي وقد تأثر أتباعه كثيراً بالأفكار التي وردت في مسألة الروح، ولنأخذ مثالاً واحداً للصوفي (موسى بن نحمان) الذي ألف أغنية الروح، يقول فيها إن الروح نشأت ابتداءً داخل العمق الإلهي، وتحمل خلال مسيرتها روح الإله، وتحتمي في جنابه، وتتنقل في رحابه. تقول بعض أبيات الأغنية:

    From the beginning of time, through centuries,
    I was among his hidden treasures,
    My life flows from the depth of the spheres
    Which give order and form to the soul,Divine forces build it and nourish it,
    Then it is preserved in the chambers of the King
    The soul descended the ladder of Heaven,
    From the prime vale pool of Siloam to the garden of the King

    ومن أشهر رواد قبالاه الزوهار:

    1- شمعون بن يوحاي، الذي ورد ذكره في الفقرة السابقة.

    2- يهوذا بن شمويل، ت 1217م، أسس القبَّالاه في أوربا الشرقية وكان ذو تأثير بالغ ويقال أن أهم مؤلفاته أغاني التوحيد Songs of Unity وأغاني التمجيد Songs of Glory. والجدير بالذكر أن هذه الأغاني توجد في كتب التراتيل، وهي بصفة عامة تتحدث عن طبيعة الإله وعلاقته بالإنسان[16].

    3- إبراهيم أبو العافية، ولد عام 1240م، من أهم مؤسسي القبَّالاه الأسبانية وادعى أنه المخلص وله أتباع كثر ومؤلفات ونسب إليه كتاب الزوهار.

    4- موسى دي ليون، ت 1305 في أسبانيا عمل على نشر سفر الزوهار لذلك نسبه البعض إليه.

    5- إسحاق الأعمى، عاش في القرن الثالث عشر الميلادي ونسب إليه سفر الباهير[19].

    القبَّالاه اللوريانية:
    ظهرت في القرن السادس عشر، وتنادي بمشاركة الإنسان اليهودي مع الإله في عملية الخلاص ، وترجع إلى إسحاق لوريا 1534 – 1572م، الذي عاش في فلسطين، ويقال عنه كانت تنتابه لحظات غيبة تأتيه خلالها رؤى. وقد تأثرت القبَّالاه المعاصرة بأفكاره. وركز إسحاق لوريا على أهمية التصوف في الحياة اليومية. وتوجد في كتب الصلوات في المعابد الشرقية خاصة كثير من تعاليمه. ومن رواد اللوريانية حاييم فيتال 1543- 1620م وموشيه كوردوفيرو الذي عاش في القرن السادس عشر. وتعتبر ألمانيا وإيطاليا مراكز انتشار اللوريانية .

    الحركة الحسيدية:
    "حسيدية" مصطلح عبري من حسيد، ومعناها الإحسان وعمل الخير والجمع حسيديم، والحركة ظهرت في شرق أوربا في أوكرانيا في القرن الثامن عشر الميلادي على يد المتصوف إسرائيل بن اليعاذر 1700 – 1760م، الذي كان يلقب بـ (بعل شم طب Baal Shem Tov)، ومعناها سيد الاسم، والمقصود بالاسم هنا اسم الرب(The Good Master of the Name) . والحسيديم يهود أرثوذكس، وقد اشتهر زعيمها إسرائيل بن اليعاذر بأنه كان يعالج الناس من الأمراض العضوية والنفسية والعقلية مستخدماً الرقي والتمائم والسحر، لطرد الأرواح الشريرة، وللمرأة الحامل وللمولود، ويعلق تمائمه على رقبة المريض، وأصبحت تنسب له أعمال خارقة وكرامات. وكانت له أفكار غريبة منها مثلاً عدم الشعور بالذنب لأن ذلك يدعو للانقباض مما يقلل من عبادة الإله. فالإنسان أثناء الصلاة يجب أن يكون مغموراً بالسعادة والتفاؤل، وذلك بالتأكيد على الأغاني والموسيقى والرقص أثناء الصلاة التي تهدف للالتصاق الروحي بالإله، وهذا ما يعرف (بالديفقوت)، حيث تحلق الروح في عالم الفيوضات وتتلاشى عندها الأشياء المادية المحدودة في اللامحدود في وحدانية الرب، وحينها يكون الحسيد واعياً فقط للإله . ويقول بن اليعاذر إن رقص اليهودي أمام ربه عبادة كما يقول إن كل شيء خلق وصور من وجود الإله، وأن الكون كله خرج من الإله .

    ارتبط الدين اليهودي عموماً والتصوف خصوصاً بالرقص والموسيقى، وكذلك تمجيد ومدح الإله، ارتبط بالغناء والرقص الذي يصاحبه عزف على آلات موسيقية، لأن أسفار العهد القديم تنص على ذلك، فقد جاء في سفر صموئيل الثاني 6 – 5 "وَكان دَاوُدُ وَكُلُّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ يَلْعَبُونَ أَمَامَ الرَّبِّ بِكُلِّ أَنْوَاعِ الآلاَتِ مِنْ خَشَبِ السَّرْوِ بِالْعِيدَانِ وَبِالرَّبَابِ وَبِالدُّفُوفِ وَبِالْجُنُوكِ وَبِالصُّنُوجِ"." وفي سفر الملوك الثاني 3 – 15 جاء على لسان نبيهم اليشع "والآن فأتوني بعواد . ولما ضرب العواد بالعود كانت عليه يد الرب". وفي سفر المزامير المزمور السابع والأربعون "يا جميع الأمم صفقوا بالأيادي واهتفوا لله هتاف الابتهاج... ارتفع الله وسط الهتاف، ارتفع الرب وسط دويّ نفخ البوق، رنموا لله، رنموا، رنموا لملكنا" وفي المزمور الثالث والثلاثون 2 – 4 "اشكروا الرب على العود رنموا له بربابة ذات عشرة أوتار، اعزفوا أمهر عزف مع الهتاف...". وفي سفر المزامير أيضاً " هَلِّلُويَا! سَبِّحُوا اللهَ فِي هَيْكَلِهِ. سَبِّحُوهُ بِصَوْتِ بُوقٍ. سَبِّحُوهُ بِالرَّبَابِ وَالْعُودِ. سَبِّحُوهُ بِالدُّفِّ وَالرَّقْصِ. سَبِّحُوهُ بِأَوْتَارٍ وَمِزْمَارٍ". والأمثلة كثيرة في عدد من الأسفار ويتضح منها أن الوسيلة لتمجيد الرب وتقديسه وشكره وثناءه إنما تكون عن طريق الغناء والرقص والموسيقى.


    يتبع

    تعليق


    • #3

      (3)

      ارتباط القبَّالاه بالسحر والأعداد والرموز :
      السحر والدين في المجتمعات القديمة متلازمان وذلك نابع من رغبة الإنسان الفطرية في اتخاذ معبود يدين له بالولاء والطاعة ويلتجأ إليه عند الحاجة والفزع ويعينه في معرفة أسرار الكون وما وراء الطبيعة والقوى الخفية التي كانت تجبر الإنسان ولا يجد لها تفسيراً إلا حين ربطها بالعقيدة الدينية. لأن الدين ارتبط منذ القدم بالقوى الخفية وهي المعبود نفسه، وكذلك ارتبط بخوارق العادات، وبممارسة شعائر وطقوس خاصة.
      كذلك السحر ارتبط بالقوى الخفية التي ظن الإنسان أنها تطلعه على الغيب وأسرار المستقبل والتواصل مع الإله وأسرار الكون وأحوال الخلق، وذلك عن طريق ممارسة طقوس وتعاويذ ورقى معينة وترديد أسماء وأرقام بطريقة معينة.
      وقد كان هناك شريحة من الناس يشتغلون بالدين، وأخرى بالسحر، ومنهم من يربط الدين بالسحر ويشتغل به، وقد كان هذا هو حال المجتمعات التي جاورت مجتمع بني إسرائيل واختلطت به ومعه، وهم الفراعنة الآشوريون، البابليون، الفرس، والذين جاءوا من قبلهم مثل الكنعانيين والفينيقيين، والذين جاءوا من بعدهم على مر التاريخ مثل اليونان والرومان.
      الغريب في الأمر أن كل هؤلاء كانوا أصحاب معتقدات وثنية، واليهود وحدهم أصحاب العقيدة التوحيدية ذات الرسالة السماوية من لدن إبراهيم إلى موسى (عليهم السلام) ومن بعدهم عيسى بن مريم (عليه السلام)، وخلال آلاف السنين من إبراهيم إلى عيسى كان هناك أنبياء كثر لبني إسرائيل أرسلوا ليثبتوا قواعد الدين التوحيدي والشريعة الإلهية، وجاء ذكرهم في القرآن الكريم وكتب العهد القديم، وبدلاً عن إشاعة الشريعة الإلهية والعقيدة التوحيدية وسط المجتمعات فقد حدث العكس وأخذ اليهود كثيراً من المعتقدات الوثنية والإشراكية، وأقحموها في الدين اليهودي حتى أصبحت جزءاً لا يتجزأ منه، والغريب أيضاً أنها تمس جوهر العقيدة، مثل مفهوم الإلهية.

      والقارئ للتوراة يجد أسماء إله الكنعانيين والفينيقيين مثل (بعل) و(إلوهيم)، ومع أن معظم هذه المعتقدات الوثنية اندثر إلا أنها بقيت عالقة بالدين اليهودي، وأصبحت نصوصاً ليس بالإمكان تغييرها اليوم. من الأشياء التي أقحمت على الدين اليهودي السحر، على الرغم من النصوص التوراتية التي تحرمه. وجاء في التفسير التطبيقي للكتاب المقدس (إن شرائع الله تتكلم بصرامة ضد السحر، وكانت عقوبة السحر هي الموت، لأن السحر جريمة ضد الله نفسه، فاستخدام القوى الشريرة "السحر" كان كسراً للوصية الأولى "لا يكن لك آلهة أخرى سواي" فكان السحر تمرداً ضد الله وسلطانه، فهو تحالف مع الشيطان بدلاً عن التحالف مع الله).

      ورد في سفر اللاويين الإصحاح 31: 19 "لا تضلوا وراء متحضري الأرواح". وفي نفس السفر الإصحاح 6: 20 "وكل نفس غوت وراء أصحاب الجان وتعلقت بالتوابع خيانة لي". وفي سفر التثنية 18: 9 – 14 "ومتى دخلتم إلى الأرض التي يورثكم إياها الرب إلهكم فلا تتعلموا ممارسة رجاسات تلك الأمم، ولا يتعاطى العرافة ولا العيافة ولا ممارسة الفأل أو السحر ولا يرقى رقية ولا يشاور جانّ أو وسيطا أو يستحضر أرواح الموتى ليسألهم، لأن كل من يتعاطى ذلك مكروه لدى الرب... فإن الرب إلهكم يحظر عليكم ذلك".
      الكاهن عند اليهود (وهو رجل الدين اليهودي) والساحر كلاهما مرتبط بالقوى الخفية ويقضي حوائج الناس. فالكاهن يقضي عن طريق إقامة الشعائر والطقوس الدينية، والساحر يقضي حوائج الناس بالتعاويذ والتمائم والرقي، وفي كلا الحالتين يتم ذلك عن طريق الاتصال بالقوى الخفية والقدرة على التنبؤ ومعرفة الأسرار. وقد وجد السحر رواجاً أكبر لارتباطه بخوارق العادات . وقد ارتبط السحر بالدين اليهودي بصورة مخيفة، وذلك لأن النصوص التوراتية نفسها ربطت الأنبياء بممارسة السحر على الرغم من النصوص التي تحرمه. فلم يكن غريباً أن يوصف موسى عليه السلام من قبل بعض المفكرين وعلماء اللاهوت بالساحر، بل أنكر بعضهم نبوة موسى عليه السلام جملة وتفصيلاً، مثل فولتير المفكر الفرنسي الذي عاش في عصر التنوير، وقد اشتهر بأسلوبه العقلاني المادي والساخر، فلم يكن يؤمن بالغيبيات، وقد تحدث في كتابه (القاموس الفلسفي) Dictionary Phylosoplical عن الممارسات اللامعقولة المنسوبة لموسى، مما حدا به لإنكاره، وقال إنه لا يوجد أصلاً شخصاً اسمه موسى والتراث الديني اليهودي وما يحويه من حديث عن موسى إنما أوجده اليهود قديماً على غرار الأساطير الإغريقية التي تتحدث عن بطل غير عادي .

      أما الكاتب اليهودي (نثان أوزوبل) Nathan Ausuble فيقول في كتابه The Book Of Jewish Knowledge"": (كان تحقيق الخوارق عن طريق السحر أمراً متوقعاً من كل نبي، وقد نسب بنو إسرائيل حيازة تلك القدرة إلى النبي موسى، فهو بث الخوف في قلب فرعون حينما حوّل الأنهار إلى دم، وموسى تلقى تدريباً نظامياً على النبوة (الكهانة)، حيث اكتسب علماً كاملاً من الحيل السحرية والتعاويذ والرقي السحرية استخدمها في تحقيق منجزات خارقه للطبيعة. كما أنه كان يقرأ الغيب ويستظهر النذر والإشارات السماوية من أشياء كأمعاء الحيوانات المذبوحة، ويضرب الودع، ويقوم بأعمال التنجيم، وإنه سخر كل هذه القدرات لصالح الشعب وحمايته من الكوارث) .

      ومن ممارسات موسى في السحر ما جاء في سفر العدد الإصحاح 21: 5-9 "وتذمروا (بنى إسرائيل) على الله وعلى موسى، فأطلق الرب على الشعب الحيات السامة فلدغت الشعب فمات منهم قوم كثيرون، فجاء الشعب إلى موسى قائلين "لقد أخطأنا إذ تذمرنا على الرب وعليك فابتهل إلى الرب ليخلصنا من الحيات، فصلى موسى من أجل الشعب فقال الرب لموسى اصنع لك حية سامة وارفعها على عمود لكي يلتفت إليها كل من تلدغه حية فيحيا فصنع موسى حية من نحاس وأقامها على العمود فكان كل من لدغته حية يلتفت إلى حية النحاس فيحيا". وهذا النص يوضح أن حية النحاس استعملت كتعويذة سحرية تعمل على شفاء الناس.
      مثال آخر جاء في سفر العدد الإصحاح 16: 44- 5 يتحدث عن استخدام موسى لأدوات وطقوس السحر حينما تمرد (قورح) وقرر بعدها يهوه إن يضرب الشعب بالوباء وحينها قال يهوه لموسى وهارون "اطلعا من وسط هذه الجماعة فإني أفنيهم بلحظة، فخراّ على وجهيهما وقرر موسى أن يقطع الطريق على يهوه بسحره فقال لهارون "خذ المجمرة واجعل فيها ناراً من على المذبح وضع بخوراً واذهب مسرعاً إلى الجماعة وكفر عليهم، لأن السخط قد وقع من قبل الرب".
      فالبخور هذا أكسبه موسى قوى سحرية وإلا لما استطاع أن يوقف الوباء. ويقول ناثان اوزوبل "إن النبي في أية ديانة من الديانات القديمة سواء ديانة يهوه أو ديانة المعبود الكنعانى بعل" كان يشبه شبهاً قوياً بالشامان، وهو الكاهن الممارس للسحر في المجتمعات البدائية، وكان من خلال التوصل إلى تخدير الذات روحانياً Spiritual Auto - intoxication يوصل نفسه إلى حالة من الانجذاب شبيهة بالغشية لتبلغ ذروتها في نوبة صرع مقدس يسمع خلالها أصنافاً من الوحي ويتنبأ حينها) .

      ويقول شفيق مقار في كتابه (السحر في التوراة) مفنداً هذا الرأي: إن هذا التخدير لم يكن روحانياً، بل كان بسبب تعاطى عقار الهلوسة (أمانينا موسكاريا) الذي كانوا يستخرجونه من نوع من الفطر وصف بأنه مقدس، ويصاحب حالة التخدير هذه إيقاعات موسيقية أشبه بإيقاعات الزار . "وكان العرافون يتنبأون على إيقاع الآلات الموسيقية، كان يطلب من يعزف له فمتى سمع العزف دخلته روح الله فتنبأ".


      يتبع

      تعليق


      • #4
        (4)


        داوم اليهود على ممارسة السحر وأصبحت ممارسته مؤسسية، ومنهجاً في حياتهم اليومية. الباحث البريطاني بول جونسون في كتابه "تاريخ اليهود" يطابق التصوف اليهودي بالسحر فيقول: (ظل اليهود يمارسون السحر بنوعيه الأبيض والأسود، ويمارسون السحر بالنار، ويقيمون جلسات تستمر الليل طوله لاستحضار أرواح خيرة وأرواح شريرة، وظلوا يتدروشون ويغشون وينتشون ويقيمون جلسات لاستحلاف الملائكة، ولم يكن ذلك النهج اللاعقلاني في ممارسة الديانة قاصراً على عامة اليهود بل تفشى بين أعلى طبقاتهم، وأطلقوا على هذه الممارســة (التصوف) .
        ويقول هناك كماً ضخماً من المعارف أعطيت شفاهة وبطريقة سرية لقلة مختارة يمكنها الاتصال مباشرة بالله واستقاء المعرفة منه، ومثال ذلك ما جاء في سفر الأمثال الإصحاح 18 وسفر أيوب الإصحاح 28، وفيها تصريح بأن الحكمة قدرة خلاقة تمكن من يتوصل إليها من النفاذ إلى أسرار الله والكون والمعارف الخبيئة، ومتى أمكن التوصل إلى المفتاح الذي يفكك الشفرة أمكن الحصول على الحكمة الإلهية الخفية التي تصل الإنسان بالله، وهى مستمدة من الإله مباشرة، وتمد حائزها بقوى سحرية خارقة .

        القبَّالاه والأعداد:
        احتلت الأعداد وعلم الرياضيات مكانة رفيعة في الفكر الديني منذ القدم. وكذلك التنجيم وعلم الفلك. ومن أشهر العلماء الذين اشتغلوا بهذا العلم (فيثاغورس) الذي عاش حوالي 560 – 480 ق. م،
        وربط بين الرياضيات والحقائق الأزلية، وهناك ما يعرف بالتصوف الفيثاغورسي "الذي يدعو للتواصل مع المبادئ العليا لله عن طريق الأعداد، خاصة مع الغيبيات والتي هي جزء أصيل في كل الديانات السماوية" .
        "يقول المتصوفة اليهود: إن الحروف الأبجدية العبرية لها قداسة خاصة، ولها دور في عملية الخلق، وتنطوي على قوة غريبة ومعاني خفية، فلكل حرف أو نقطة قيمة عددية، فيجمع المعادل الرقمي للكلمة ليستخلص منها معناها الحقيقي. وهذا المنهج يعرف (بالجماتريا) وهي كلمة أصلها يوناني (جيو متري) معناها هندسة. وقد ظهر منهج الجماتريا بين معلمي التلمود في القرن الثاني للميلاد، ثم أخذه عنهم المتصوفة للوصول إلى العرفان أو الغنوص أو الصيغة التي تؤدي إلى الحكم". ويقول بول جونسون إن استخلاص القيم العددية السحرية لحروف الأبجدية العبرية تمكّن مستخلصها من حيازة وممارسة قوى سحرية خارقة .

        ا
        لقبَّالاه والرموز:
        ارتبط الدين اليهودي بالرموز منذ عهد موسى عليه السلام، فعصاة موسى تمثل رمزاً دينياً وسلطوياً، وهي مثل عصا فرعون التي كانت تمثل رمز القوة والنفوذ.
        ومن أهم الرموز في التصوف اليهودي نجمة داود، وهي جزء من علم دولة إسرائيل، وتعتبر رمز للقوة اليهودية. والنجمة عبارة عن مثلثين متساويي الأضلاع. وهي تشبه الرسم الفرعوني القديم الذي يمثله هرمان مرسومان داخل دائرة، ويمثلان القطبين ومدار الشمس، كما أنهما يمثلان العناصر المؤنثة والعناصر المذكرة التي تولد الكون عند اجتماعهما. وهذا الرسم يعرف في الديانة المصرية القديمة باسم شجرة الحياة، وهو عبارة عن رسم فلكي تخطيطي للعالم السماوي، ويضم الرسم الفرعوني أسماء الإله، ومركز القلب منها هو إله الشمس (رع) وأخذه عن المصريين تلاميذ فيثاغورس واليونانيون ومن بعدهم الرومان. وأطلقوا أسماء آلهتهم، ثم أخذه منهم المتصوفة اليهود واتخذوه في البداية كتميمة سحرية للحماية من السحر والحسد ولدرء الأرواح الشريرة، ثم أخذه السياسيون والعلمانيون رمزاً للهوية اليهودية. وقد كان في السابق (الشمعدان السباعي) هو الرمز التقليدي لليهود، ويعتبر الآن من أهم رموز الدين اليهودي، ويتصدر المعابد والمحافل الرسمية كذلك.

        ا
        لقبَّالاه والفلسفة:
        العلاقة بين الفلسفة والدين اليهودي قوية ومتداخلة وذلك أن أعداداً كبيرة من اليهود استقرت في الإسكندرية التي كانت قبلة لعلوم الفلسفة الإغريقية التي نهل منها علماء الدين اليهودي، وأثرت على تفكيرهم، ونضحت بها مؤلفاتهم، وحاولوا التوفيق بين النصوص التوراتية والمفاهيم الفلسفية التي تحدثت كثيراً عن ماهية الإله خاصة بعد كشف المتناقضات الكثيرة في العهد القديم التي لا يقبلها المنطق ولا العقل. وكانت النتيجة ظهور التصوف الفلسفي اليهودي، ولكنه جاء أكثر تعقيداً وغموضاً من النصوص التوراتية، لأنه حاول تقديم تفسير غيبي لكل متعارض مع المنطق والعقل.
        ومن أوائل وأشهر الفلاسفة اليهود فيلو الإسكندري الذي عاش ما بين 20 ق. م – 40 بعد الميلاد في مدينة الإسكندرية، وتأثر بالفلسفة الهيليينية والإفلاطونية الحديثة. وقد أعطى النصوص التوراتية تأويلات فلسفية، وكانت له مفاهيم خاصة حول الإله جمع فيها بين النص التوراتي والتصور الإفلاطوني والفيثاغورثي، وأنه إله عادل وخالد لا يدرك كنهه. وفيلو الإسكندري استخدم مفهوم اللوغوس logos في مؤلفاته. واللوغوس مفهوم فلسفي عن الإله ويعني (مبدأ التجلي الذاتي الإلهي، واللوغوس هو الله متجلياً لذاته في ذاته، ولهذا حيثما يظهر سواء لذاته أو الآخرين خارج ذاته فإن هذا يعني أن اللوغوس هو الذي يظهر وهو الوسيط بين الله والإنسان) .
        اشتهر من الفلاسفة اليهود الحاخام "سعديا جاؤون" الذي عاش ما بين 892 – 942م في مصر في ظل الدولة الإسلامية، كان فيلسوفاً ومترجماً لكتب العهد القديم، وشارحاً لسفر (يتسيرا). ألف كتاب "الأمانات والمعتقدات"، ويقول فيه إنه لا تناقض بين العقل والوحي. أما الحاخام "بن بقودة" فعاش في القرن الحادي عشر الميلادي، وألف كتاب "فرائض القلوب" وحاول فيه ترجيح الجانب الإيماني والروحي في الفكر اليهودي .
        أشهر الفلاسفة وعلماء اللاهوت اليهود على الإطلاق موسى بن ميمون القرطبي وكتابه "دلالة الحائرين"، ولد عام 1135م بقرطبة، وتوفي عام 1204م بالقاهرة، وتلقى تعليمه على يد عدد من العلماء والفلاسفة المسلمين، منهم "ابن رشد" و"ابن الأقلح". عاش في المجتمع الإسلامي ونشأ في مناخه الفكري. تنقسم مؤلفاته إلى ثلاثة أقسام: الأول خاص بالشريعة اليهودية، والثاني مؤلفاته الفلسفية، والثالث مؤلفاته الطبية. وقد كتب "دلالة الحائرين" في الفترة ما بين 1186م و1190م لتلميذه يوسف بن عقنين، وحاول فيه إثبات "أن الإله لا يدرك إلاّ بالعقل، وأن الصفات الحسية للإله في النص الديني إنما هي رمزية" .
        من الفلاسفة وعلماء الدين اليهودي الحاخام "يهودا هاليفى" وله كتاب "الكوذاري" حاول فيه الفصل بين عالميّ الفلسفة والدين. وهناك الحاخام "ليفي بن جرشوم" كتب "حروب الإله"، وحاول إيجاد تفسير منطقي للمعتقدات الدينية والنصوص التوراتية .
        أما اليهودي باروخ سبينوزا (1623 – 1677م) فهو فيلسوف وعالم لاهوت هولندي من أصل برتغالي، رفض المعتقدات اليهودية والمسيحية فاتهم بالهرطقة. وأسس سبينوزا صرحاً فلسفياً متكاملاً تناول فيه القضايا الكبرى: الله، الطبيعة، نظرية المعرفة، الثنائية، الدين، الأخلاق، الفلسفة، السياسة والحرية، وأجاب عنها بطريقة عقلانية منطقية، وأثار قضية حرية التفلسف في الدين. ويعتبر سبينوزا مؤسس منهج النقد للكتاب المقدس، أهم مؤلفاته "رسالة في اللاهوت والسياسة" و"علم الأخلاق" و"مبادئ فلسفة ديكارت



        يتبع

        تعليق


        • #5

          (5)



          القبَّالاه والغنوصية:

          ما هي الغنوصية:
          مصطلح (الغنوصية) مأخوذ من الكلمة اليونانية (غنوصيص qnosis) ومعناها علم أو معرفة أو حكمة. وتعني العلم بأسرار الحقائق الدينية والخصائص الإلهية. وهي علم الباطن للشرائع مرتبطة بكل ما هو سري وخفي، ومرتبطة كذلك بالتنجيم والسحر. والغنوصية اتجاه فلسفي ديني انتشر وسط الديانات والفلسفات القديمة، ثم انتشر في العهد الإغريقي والروماني خاصة عهد فيثاغورس وأفلاطون اللذان حاولا إيجاد مرتكزات دينية لأفكارهم ونظرياتهم. وقد أثرت الغنوصية على الدين اليهودي خاصة وسط طائفة الفريسيين التي سادت في الفترة ما بين القرن الأول قبل الميلاد والقرن الأول بعد الميلاد. إلاّ أنها تبلورت وانتشرت حوالي القرن الثاني للميلاد، وكما كان لها تأثير مباشر على الدين المسيحي لأن الكنيسة استقت منها قوانين وأحكام لاهوتية وأصبحت حركة ذات مفاهيم، وأصبح لها أتباع .

          والغنوصية لها عدة أوجه للمعرفة، منها التصوف، ومنها المعرفة بالمشاركة، فالغنصوية بالمشاركة يقول بول تلش هي علاقة مثل التي تكون بين زوج وزوجة. فهي ليست ناتجة عن البحث التحليلي والتطبيقي إنما هي معرفة بالاتحاد، وقد عرف الفلاسفة الإغريق الوظيفة المعرفية للإنسان بلغة المشاركة والاتحاد في الإله. وهذا هو مفهوم التصوف اليهودي خاصة القبَّالاه اللوريانية التي تقوم على أساس اشتراك الإنسان مع الإله في عملية الخلاص، وبتعبير آخر لا يتم الخلاص إلاّ من خلال معرفة باطنية (غنوصية) تؤدي بالإنسان إلى معرفة الإله، فالخلاص هو اتحاد الذات الإنسانية مع الذات الإلهية . والغنوصية بهذا هي شكل من أشكال التصوف الحلولي الذي ينادي بوحدة الوجود، وهذا هو وجه الشبه بينها وبين القبَّالاه .
          في واقع الأمر إن الدين اليهودي تأثر من بعد موسى بالعقائد الوثنية للمجتمعات المجاورة، والتي تضم مفاهيم حلولية، وتضم كذلك مفاهيم تعدد الإله، وحتى في عهد موسى عليه السلام لم تزل العقائد الوثنية - خاصة الفرعونية - راسخة في نفوس اليهود، تقول الآية الكريمة من سورة الأعراف {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} الأعراف138. وأصبحت اليهودية خليط من المفاهيم الشركية والحلولية. والغنوص اليهود يشيرون في هذا إلى الإصحاح الأول في سفر التكوين إصحاح 27 "فخلق الإله الإنسان على صورته، على صورة الإله خلقه، ذكراً وأنثى خلقهم". وفي سفر حزقيال اصحاح 26 " وعلى شبه العرش شبه كمنظر إنسان عليه من فوق " وأما كتاب سليمان جاء فيه أن روح الإله (النيوما) توجد في كل الأشياء. والقارئ للعهد القديم وكتب الرؤى (أبو كيلبس) و(ابو كريفا) ومؤلفات فيلون الإسكندري يجدها مليئة بالأفكار الغنوصية .
          من مفاهيم التصوف اليهودي الأساسية (الأين سوف) (الإله الخفي) والفيض الإلهي الذي ينبثق منه الأول وهو الآدم قدمون، وهو عبارة عن التجليات التوراتية العشرة وتسمى أيضاً (السيفروت). وهناك التعبيري الأنثوي للإله وسمي الشخيناه. وبعض أوجه الشبه بين التصوف اليهودي والغنوصية تتمثل في الآتي:
          - عملية الفيض في الغنوصية تسمى الأيونات، وفي القبَّالاه تسمى التجليات النورانية العشرة (السيفروت)، وقد فاضت كلٌّ من التجليات النورانية والأيونات من الإله الخفي (الأين سوف)، حتى تم سد الفجوة بين الإله الخفي والعالم من أجل تحقيق الخلاص. التعبير الأنثوي للإله في الغنوصية أيون يسمى (صوفيا) وفي القبَّالاه يسمى الشخيناه. والشر في الغنوصية ناتج عن خلل حدث نتيجة حب (صوفيا) المفرط للإله، الأمر الذي يؤدي إلى سقوطها ومعها شرارات إلهية تختلط بقوى الظلام - وهذا هو الشر. أما في القبَّالاه فالشر ناتج عن حب الشخيناه المفرط للأين سوف، وتنجب الشر دون أن تدري، إذ أن أحد الشيطان يتغمص (الأين سوف) فتنجب الشخيناه (الأغيار) الذين يحولون العالم إلى مكان معاد لليهود .

          - في الغنوصية صوفيا سماوية وصوفيا أرضية وهي التي تحارب الشر ثم تلحق بأختها السماوية، وفي القبَّالاه توجد شخيناه سماوية وأخرى أرضية تنتقم من أعداء اليهود ثم تلحق بأختها السماوية.

          - فى الغنوصية العالم فاسد ولا جدوى من فعل الخير، والخلاص لا علاقة له بالأخلاق، ولا يوجد بعث للأفراد ولا حساب إنما التحام للروح في الكل الإلهي والذوبان فيه، في القبَّالاه لا توجد فكرة للبعث بل فكرة تناسخ الأرواح .

          لا يتسع المجال لأكثر من هذا، فالمجالات التي تتشابه وأحياناً تتطابق فيها الغنوصية بالقبَّالاه كثيرة، وعلى كل حال فالقبَّالاه فيها قبس من كل الأديان/ السماوية/ الوضعية والمذاهب. على الرغم من أن الديانة اليهودية التي هي الأساس الذي قام عليه التصوف اليهودي وهي من أقدم الشرائع السماوية وكان من الأجدر بها نشر عقيدة التوحيد وإبطال العقائد الفاسدة ولكن ما حدث هو العكس.

          م
          وضوعات القبَّالاه:
          مفهوم العلاقة مع الإله، التجليات النورانية Sephirot، والشخيناه:
          موضوعات القبَّالاه متعددة وشائكة، كما أنها اتسمت بالغموض الشديد والتعقيد ويصعب طرقها في هذه المساحة البحثية، ولكن نتعرض لبعض منها مثل مفهوم العلاقة مع الإله، التجليات النورانية، الشخيناه، والمركافاة، وهذه على سبيل المثال.

          فالقبَّالاه نظرية فيضية ترتبط بعلاقة الإله بالإنسان عامة وبالشعب اليهودي خاصة. وهي تعتبر بنى إسرائيل أتوا من مصدر أرقى مما جاء منه بقية البشر، وعليهم الحفاظ على حياة القداسة والطهارة متى يأتي الخلاص. ويعتقد المتصوفة الإلهية اليهود أن الألوهية نور روحاني مطلق، ونسبوا الوجود لهذا المصدر الإلهي الفياض. واعتقدوا أن روح الإنسان مقتبسة من العوالم العلوية، وأن غايتها النهائية التقرب من الإله. فبدءاً الإله وجد أو أوجد نفسه على مراحل داخل الزمان أي أن اللاشيء الإلهي تحول إلى الشيء الإلهي ويتجه من الداخل إلى الخارج وتعرف هذه العملية بـ(الأين سوف) التي تترجم إلى اللانهائي أو اللامحدود أو العلة الأولى، ولا يستطيع العقل الإحاطة به، بتعبير آخر هو الإله الخفي المطلق الذي يقطن في أعماق العدم. وهكذا انبثق الإله من ذاته وهذه هي بداية الفيض الإلهي ويعرف باسم الإرادة الإلهية، وهي القدرات الإلهية الكامنة التي تأخذ شكل إشعاعات صادرة من النور الذاتي للإله على هيئة تجليات وهي التي أوجدت العالم وهي حلقة الوصل بين الإله والعالم

          والتجليات النورانية هي ما يعرف بـ(السيفروت Sephirot) من مصدر سافار Safar وتعني عملية العد to count ومن سابير Sappir وتعني bright مضيء أو brilliance نباهة وشطارة. ومبدأ التجليات (السفيروت) هو التطور في عملية التجلي وما يتبعها من فيض كل يؤدي إلى شيء آخر، وهنا يلاحظ تأثر فكرة التجليات هذه بالإفلاطونية الحديثة عند حديثها عن الرؤية الفيضية للخلق . وتنقسم التجليات النورانية إلى ثلاث مجموعات عقلي، مادي، وروحي. وترتيبها كالآتي:

          المجموعة الأولى تضم:


          التجلي الأول – كيتر عليون أي التاج The Crown وهو الفيض الذي انبثق من (الأين سوف) وهو حلقة الوصل بين اللامحدود والمحدود.

          التجلي الثاني – حوخمه – الحكمة – Hokhmah وهو الفكر الإلهي الذي يسبق الخلق ويمثل الأب.

          التجلي الثالث – بيناه – الفهم Intelligence – العقل الذي يميز بين الأشياء وتمثل الأم. و(الحكمة) و(الفهم) انبثقا من التجلي الأول وهو التاج.

          المجموعة الثانية تضم:


          التجلي الرابع – جيدولاه – الرحمة Mercy يمثل الأب.

          التجلي الخامس – جي
          بوراه – العدل – Justice ويمثل (أم)، وهي مصدر الحكم الإلهي والشريعة، وينتج التجلي الرابع والخامس

          التجلي السادس وهو تفئريت – الجمال.

          المجموعة الثالثة تضم:


          التجلي السابع وهو نيتسح أي النصر Victory.

          والتجلي الثامن – هود وهو المجد Glory وينتج التجلي السابع والثامن

          التجلي التاسع
          يسود عولام أي أساس العالم.

          أما التجلي العاشر – ملكوت – أو السيادة[52] Sovereignty.

          التجليات النورانية العشرة تمثل ما يعرف في التصوف اليهودي بـ(آدم قدمون) Adam Kadmon أو Primordial Man وهو الإنسان الأول أو الأصلي الذي يوجد الملكوت عند قدميه وتشكل أعضاء جسمه التجليات العشرة. فالتجليات الثلاث الأولى تشكل رأسه، والتجلي الرابع والخامس ذراعاه، والتجلي السادس صدره، والتجليات السابع والثامن ساقاه، والتجلي التاسع عضو التذكير. أما التجلي العاشر فيشير إلى الصورة كلها. وفكرة الآدم قدمون فكرة غنوصية تصور الإنسان الأول.

          الشخيناه:
          هي التجلي الأنثوي للإله، والكلمة عبرية تعني السكينة، وتتضارب الأقوال حول الشخيناه، فهي التعبير الأنثوي للإله الذي يتلقى الفيض الإلهي ويوزعه على العالمين، وهي الرابط بين الإله والشعب لإصلاح الخلل الحادث في الكون، وكان قد اقترب الخلاص لحظة اتحاد الابن الملك في صورة موسى (عليه السلام) مع الشيخناه فوق جبل سيناء، ولكن خطيئة عبادة العجل حالت دون إصلاح الخلل وهدم (مخدع الشيخناه) بسبب هذا الخطأ ونفيت الشيخناه مع الشعب خارج فلسطين، وحتى تعود الشخيناه مع الشعب إلى الأرض المقدسة لا بد أن يلتزم الشعب بالشريعة وبتعاليم التوراة، وأن يردد الدعاء "من أجل توحد الواحد المقدس الحمد له مع أنثاه الشخيناه" .



          يتبع

          تعليق


          • #6


            المركافاة:
            هي العرش الإلهي وعالم الملائكة في السماء السابعة، والوصول للمركافاة يكون عن طريق التدريبات الروحية الصارمة، وهناك يكون الواصل أمام التجلي الإلهي، ويتمكن من ثم الواصل من معرفة أسرار الخلق والكون ومعرفة عالم الملائكة. وقد وصفت هذه الحالة في سفر أشعيا وسفر حزقيال . جاء في سفر أشعيا الإصحاح 6 – 41 " شاهدت السيد جالساً على عرش مرتفع، وأحاط به ملائكة السرافيم لكل واحد منهم ستة أجنحة، أخفى وجهه بجناحين وغطى قدميه بجناحين، ويطير بالجناحين الباقيين. ونادى أحدهم الآخر "قدوس، قدوس الرب القدير أمجده ملء كل الأرض". فالقداسة تعني الكمال والنقاء والانفصال عن كل خطيئة، وقد رأى أشعيا الرب وسمع تسبيح الملائكة وقد كان أشعيا واثقاً من رؤيته لله .

            أما سفر حزقيال فقد جاء وصف المركافاة والصعود إلى الحضرة الإلهية ومخاطبة الذات العليا. وفى اليوم الخامس من الشهر السادس (أي آب – أغسطس) من السنة السادسة، بينما كنت جالساً في بيتي، وشيوخ يهوذا ماثلون أمامي، حلت عليّ قوة السيد الرب هناك، فنظرت وإذا بشبه إنسان وكأنه من نار، وبدأ وكأن ناراً تتأجج من حقويه إلى أسفل. ثم مدّ شبه يدٍ وقبض عليّ بناصية رأسي، وحلق بي روح بين الأرض والسماء، وأحضرني في رؤى الله إلى أورشليم، إلى مدخل البوابة الشمالية للساحة الداخلية حيث ينتصب التمثال المثير للغيرة. فإذا بمجد إله إسرائيل حال هناك كما كان حالاً في الرؤيا التي شاهدتها في السهل.

            ثم خاطبني: "يا ابن آدم، التفت الآن نحو الشمال". فالتفت وإذا بي أرى من شمالي باب المذبح تمثال الغيرة هذا منتصباً في المدخل. وقال لي: "يا ابن آدم هل شاهدت ما يرتكبون: هذه الرجاسات الفظيعة التي يقترفها شعب إسرائيل ليعبدوني عن مقدسي؟ ولكن انتظر فلا تلبث أن تشهد أرجاساً أفظع". فقال لي: "يا ابن آدم أنقب في الجدار". فنقبت الجدار، وإذا باب. فقال لي: "ادخل واشهد الأرجاس المقيتة التي يرتكبونها هنا". فدخلت ونظرت فإذا كل تصاوير أشكال الحيوانات والبهائم النجسة، وجميع أصنام شعب إسرائيل مرسومة على كل جوانب الجدران، وقد مثل أمامها سبعون رجلاً من شيوخ شعب إسرائيل، وانتصب في وسطهم يازنيا بن شافان، وفي يد كل واحد منهم مجمرته تتصاعد منه غمامة عطرة من البخور. فقال لي: "أرأيت يا ابن آدم ما يقترفه كل واحد من شيوخ شعب إسرائيل في محراب تماثيله المنحوتة قائلين: الرب لا يرانا! الرب قد هجر الأرض. موجهة بالأخص إلى الرؤيا التي أخذ خلالها حزقيال من بابل إلى الهيكل في أورشليم ليشاهد الشر العظيم الذي يمارس هناك. فالشعب وقادته الدينيون قد شملهم جميعاً الفساد. فقال لي: "أشهدت يا ابن آدم؟ أقليل ما ارتكبه شعب يهوذا من رجاسات هنا؟ فقد عاثوا في الأرض فساداً، وثابروا على إغاظتي، وقربوا كل ما هو منتن في هيكلي، لذلك أعاقبهم بالغضب، ولا تترأف عيني عليهم ولا أعفوه، وإن استغاثوا بصوت عال لا أستجيب لهم". وفى هذه النصوص شرح الإله لحزقيال لبعض أسرار وأفعال الخلق وما يجري في الهيكل من خطايا فادحة تم بسببها هدم الهيكل ونفي الشخيناه مع شعب إسرائيل خارجه .

            التصوف اليهودي يقول إن سقوط آدم هو سقوط أو هدم للهيكل، بل سقوط الكون كله، وكما تقدم فإن بني إسرائيل جزء من الإله في التجلي العاشر (الشخيناه)، وعليه فإن نفي اليهود خارج أرض الميعاد له دلالات خاصة، فنفيهم يعني تفتت الإله وتبعثره، ولهذا فاليهود لهم دور أساسي في عملية الخلاص، لذا عليهم أن يحيوا الحياة القداسة وتنفيذ التعاليم الإلهية والتمسك بالشريعة، (فالشخيناه) وهي جزء من الإله لن تعود إلا بعودة اليهود، ولن يتم اكتمال وحدة الإله إلا بهذه العودة، وعليه فإن التطابق بين الإله والإنسان وبين العالمين العلوي والسفلي يظهر عند المتصوفة اليهود باستخدامهم صوراً مجازية جنسية، فالابن السفيروت أو التجلي السادس يفيض بالرحمة الإلهية على التجلي العاشر (الشخيناه)، وبالتفاعل بين عناصر الذكورة وعناصر الأنوثة تفيض الرحمة على العالمين وتتحد الذات الإلهية، وتستخدم صورة الزواج المجازي للحديث عن علاقة الإله بالشعب، وتستخدم مصطلحات الجنس وعبارات الغزل والحب في التعبير عن علاقة الإنسان بالإله، فموسى بن ميمون الذي ورد ذكره في فقرة سابقة يفسر نشيد الإنشاد على أنه حواري بين الرب والنفس الإنسانية .

            ونشيد الإنشاد هو نشيد زفاف الشعب إلى الإله، ولقد دار جدل كثير حول هذا النشيد وهو السفر الثاني والعشرون من أسفار العهد القديم، وهو يحكي قصة علاقة حميمة بين رجل وهو الملك سليمان وفتاة يهودية من قرية (شولميت)، والسفر يصف حسياً وبالتفصيل علاقة الحب بينهما، فبعض المتصوفة اليهود يقول إنها قصة رمزية عن محبة الله لشعبه، والبعض الآخر يقول إنها قصة واقعية عن المحبة الزوجية .

            يبدأ السفر بالآتي المحبوبة: "ليلثمني بقبلات فمه، لأن حبك ألذّ من الخمر...". الملك سليمان: "إني أشبهك يا حبيبتي بفرس في مركبات فرعون، ما أجمل خديك بسموط وعنقك بالقلائد الذهبية..." المحبوبة: "بينما الملك مستلق على أريكته فاح نارديني بأريجه. حبيبتي صُرّة مُرّ لي هاجع بين نهدييّ..." وهناك ما هو أكثر صراحة... "فقد ورد في سفر الزوهار نصوص كثيرة استعملت فيها الرموز الجنسية للعلاقة بين الإنسان والرب، فمثلاً هناك نص في الجزء الأول من الزوهار يقول (وعلى هذه الشاكلة يكون حال طلاب التوراة الذين ينفصلون عن نسائهم خلال الستة أيام من الأسبوع ليحرروا أنفسهم لدراسة التوراة، فإن الشريك الإلهي يكون لهم حتى يستمروا لكي يكونوا ذكراً وأنثى...). وتفسير هذا الكلام أن الزوجة في فترة الحيض تحل محلها للزوج الشريك الإلهي حتى يبقى ذكراً مع أنثى". ولعمري لا أدري كيف يمكن أن يكون هناك حتى تصوير مجازي لعلاقة الخالق بالمخلوق على هذا النحو؟ سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً.

            الخاتمة
            ظهر التصوف اليهودي في فترة اتسمت بالفوضى في مجتمع بني إسرائيل، فبعد موت سليمان (عليه السلام) انقسمت الدولة سياسياً وضعفت، كما انحرف الدين اليهودي عن مساره، وتأثر بالعقائد الوثنية للدول المستعمرة والمجاورة، وأضحى المجتمع يشعر بضياع الهوية وعدم الانتماء، خاصة بعد أن حطم إمبراطور بابل هيكل سليمان، وأخذ اليهود أسرى إلى بابل. فالأسر البابلي عام 586 ق. م كان نقطة تحول مهمة في مسار الهوية الدينية اليهودية بسبب ضياع التوراة، وأصبح اليهود في حالة تشتت وتيه وانهزام نفسي. وقد اقتضت هذه الظروف ظهور أنبياء ومصلحين في محاولات لتصحيح مسار العقيدة وإعادة التوازن النفسي للشعب، فظهرت حلقات دينية يقيمها النبي أو المصلح يتحدث فيها للأتباع عن أمور الدين وضرورة ظهور المخلص الذي سيعيد الأمور إلى وضعها الصحيح.

            أما القضايا التي يتناولها التصوف فأهمها قضية الخلق والتكوين، وطبيعة الإله وعلاقته الحسية بالإنسان اليهودي، وموضوع الخلاص والمخلص، وهي نفس موضوعات التوراة وكتب العهد القديم والتلمود، حتى أصبح الدين اليهودي والتصوف شيء واحد يصعب التمييز بينهما، والصحيح من القول أن هذه المصادر الثلاث هي المصادر الأساسية للفكر الصوفي اليهودي. أما المؤثرات التي أحاطت بالتصوف اليهودي مثل خوارق العادات والغموض في الأقوال والأفعال أخذتها القبَّالاه من المذاهب الغنوصية والرمزية كذلك لفهم معاني التوراة، وهو ما يعرف بالعلم الباطني أو الحكمة الإلهية، كما نضح التصوف اليهودي بالأساطير والخيال الشاطح. وأهم هذه المؤثرات هي السحر، الذي ارتبط به اليهود منذ أن كانوا تحت الاستعباد الفرعوني.
            التوراة الحالية وكتب العهد القديم والتلمود كلها تعج بالممارسات السحرية التي يقوم بها موسى وغيره من الأنبياء كما جاء في سفر العدد، على الرغم من النصوص التي تحرم السحر في سفر اللاويين وسفر التثنية. فالتناقص في المفاهيم والقيم واضح ومرصود. وقد ارتبط السحر بالتصوف اليهودي لدرجة أن كلمة السحر أصبحت مرادفة لكلمة التصوف.
            جاء في تاريخ الدين اليهودي أن النبي كان حينما يحدث أتباعه تنتابه حالات غيبة تأتيه خلالها رؤى مثل رؤى النبي حزقيال والنبي دانيال يقال إنها نبوءات كانت تبعث الأمل في النفوس، وكان الأتباع في هذه اللحظات يأتون بحركات راقصة عنيفة يصاحبها عزف على آلات موسيقية. فالموسيقى والرقص ذكرت نصاً في التوراة وكتب العهد القديم والتلمود كجزء أساسي من العبادة، وهي في نفس الوقت شيء أصيل في التصوف اليهودي.
            وأخيراً نقول إن التصوف اليهودي قد تأثر كثيراً بالفلسفة الإغريقية والفلسفة الهيلنية، واقتبس وتبنى أفكارها، وكتابات الفيلسوف المتصوف اليهودي فليو الإسكندري تقف شاهداً ودليلاً على هذا. ومن جاء بعده من الفلاسفة المتصوفة أمثال موسى بن ميمون، فالفلسفة الإغريقية والمذاهب الغنوصية كلها تتحدث عن مفهوم الألوهية، وعلاقة الإنسان بالإله، وتتحدث عن الخلق والتكوين، وارتبطت هذه الموضوعات بالعقائد الدينية عند الشعوب والحضارات القديمة، وأصبحت كذلك في الدين والتصوف اليهودي لم تنقطع أو تنفصل عنه، بل هي متداخلة ولا يمكن التمييز بينهما، واليهودي العادي لا يعلم حقيقة الفرق بين الدين والتصوف.



            المصدر
            د. عبد الوهاب المسيري، "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية"
            ديوارنت وول: "قصة الحضارة"

            تعليق

            يعمل...
            X