إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

دولة فراكسينتوم الإسلامية في قلب أوروبا الصليبية!

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • دولة فراكسينتوم الإسلامية في قلب أوروبا الصليبية!



    دولة فراكسينتوم الإسلامية في قلب أوروبا الصليبية!


    دولة فراكسينتوم الإسلامية ربما لم يسمع بها الكثير منا بسبب إهمالنا لتاريخنا الاسلامي المجيد.

    وتُعرف هذه الدولة أو الإمارة بـ”إمارة فراكسينتوم”، وهو مقرُّها في فرنسا، أو دولة “جبل القلال” في المصادر العربية؛ حيث يورد

    الأستاذ محمود شاكر السوري صاحب “التاريخ الإسلامي” في وصفها ما يلي: “دولة أسَّسها المسلمون شمال مارسيليا، وامتدَّت من

    ساحل البحر الأبيض المتوسط جنوبًا حتى سويسرا شمالاً، وقد ضمَّت شمال إيطاليا وجنوب شرق فرنسا وأجزاءً من سويسرا، ودامت

    أيامُها من عام (277هـ / 890م وحتى 365هـ / 975م)”.
    يوم وصل المسلمون إلى سويسرا:



    كان البحر المتوسط بحرًا إسلاميًّا خالصًا منذ فَتْح إفريقية وامتداد الإسلام إلى الأندلس؛ حيث كان نشاط البحَّارة الأندلسيِّين والمغارِبة

    ومِن بعدهم الأتراك يمثِّل رعبًا لكامل أوروبا، التي لم تجد مناصًا من عقد الهُدْنات ودَفْع جزيةٍ سنويَّة لأمراء البحار لكفِّ أذاهم عن موانئ

    المدُن الأوروبية.

    وتورِد المصادِر التاريخية خطًّا متصلاً من غارات البحَّارة المسلمين السريعة الخاطفة، تتَّسم بالجرأة والبَسالة التي عُرفَت عن المسلمين

    في عصرهم الذَّهبي، غير أنَّ أجرأ هذه الهجمات وأكثرها غرابة وإِثارة للإعجاب والدَّهشة - هي "إمارة فراكسينتوم" التي أسَّسها

    مجموعة من البحَّارة الأندلسيِّين والمغارِبة في قَلب أوروبا ذاتِها، والتي وُصفَت بأنَّها "أعجب دولةٍ إسلاميَّة غربيَّة مقحمة في صَمْد بلاد

    النصرانية"، قُدِّر لها أن تظلَّ عشرات السنين دون أن يستطيع ملوكُ أوروبا القضاءَ عليها.

    وتورِد المصادر الغربيَّة قصَّتهم بأنهم مجموعة من البحَّارة الأندلسيِّين، وكانت المصادر الغربية تصفهم دومًا بأنهم "قراصنة"، قد

    اعتادوا على الإغارة على سواحل فرنسا ومصبِّ نهر الرون؛ حيث تورد حوليات سان برتان Annales de saint Bertin

    مجموعةً من غارات الأندلسيين الخاطفة في أعوام 842، و850، و869م.
    ثم في عام 891م كما يذكر "بروفنسال" تمكَّنَ

    مجموعةٌ منهم من الوصول إلى خليج "سان تروبيز - Saint Tropez" على شاطئ بروفانس، وتحصَّنوا في جبل "فراكسينتوم"

    وهو الموضع المعروف اليوم باسم "جارد فرينيه - Garde Frienet"، ثمَّ مضوا يفتحون القُرى ويغِيرون عليها في نواحي

    "كونتية - Frejus"، ثمَّ أوغَلوا في منطقة "مرسيليا" وخربوا كنيسةَ "سان فيكتور - Saint Victor" الشهيرة، ثمَّ صعدوا

    مع نهر "الرون" ونشروا الرُّعبَ في مقاطعتَي "فالنتان - Valentin" و"فين - Vienne".
    وتعدُّ هذه من المحاولات الكامِلة

    للمسلمين في غَزو جنوب فرنسا، بشكل مثير، ولم يمض وقت طويل حتى كان "البروفانس" كله بيد المسلمين.

    يذكر الأمير "شكيب أرسلان" في مؤلَّفه "تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط": "فلم يطأ هؤلاء

    القرصان تلكَ الأرض حتى أرسلوا إلى إسبانيا وإفريقية، يطلبون من إخوانهم الانضمام إليهم، وبدؤوا هم بالعمل في مكانهم، فما مضَت

    عدَّة سنوات حتى امتلأت تلك الأرض بالحصونِ والمعاقل، وكان أهم تلك الحصون المسمَّى فركسيناتوم Fraxinetum الذي يشتق

    مِن اسم شجر الدردار الكثير في تلك الجهات، والمظنون أن فركسيناتوم كانت في القريةِ الحاضرة التي يقال لها:

    غارد فرينه Garde Frainet الواقعة في ذَيل الجبل إلى جهة الألب، وممَّا لا جدال فيه أنَّ مركز هذه القرية كان في غاية الأهمية؛

    لأنها الطريق الوحيد من الخليجِ إلى الشَّمال، وإلى الآن يجد الناس في أعلى الجبل آثارَ خرابٍ وبقايا عمران:

    جدرانًا متهدِّمة، وبنيانًا منحوتًا في الصخر، وبئرًا منحوتة في الصخر أيضًا".


    وقد وصل الرُّعبُ من هؤلاء البحَّارة إلى أنَّ أمراء تِلك المناطق كانوا يدفعون لهم الجزيةَ لصدِّهم عن بلدانهم، وبعضهم كان يستعين بهم

    على إخوانه من الأمراء الآخرين، وبلغ من شجاعة هؤلاء الفرسان أنَّ الواحد منهم صار لا يبالِي بأن يلاقي ألفًا من عوامِّ النصارى لملكَةِ

    الرعب منهم في قلوبهم، ويروي الأميرُ "شكيب أرسلان" بأنَّ من جملة الأدلة على سطوتهم:

    "أنَّه وجدت في قبر القديسة مادلينه في فيزلاي من بورغونية - كتابة تفيد أنَّ جسد القدِّيسة نُقِل من مدينة إكس في بروفنس إلى هناك،

    خوفًا من العرب"!
    وفي سنة ٩١١م كان رئيس أساقفة أربونة يريد السَّفر إلى روما لأمرٍ مهمٍّ مستعجل، فلم يقدر على السَّفر خوفًا من

    أمراء فراكسينتوم، وكانوا لا يسمحون لأحد أن يمرَّ دون أن يأخذوا منه رسمًا معلومًا.
    وفي القرن العاشر الميلادي امتدَّ نشاطهم حتى

    سفوح جبالِ الألب، وملكوا نواصِي الجبال والممرَّات على طول طريق الحُجَّاج إلى روما، وكانوا يقطعون طريقَ الحُجَّاج الإنجليز

    والفرنسيين والألمان إلى روما.
    وكثرَت غاراتهم في ناحيتَي "أمبرن - Embrundan" و"يفودان - Graisivan

    بل توغَّلوا في الوديان الإيطالية دونما رادِع؛ حيث خربوا دير أولكس، ثمَّ توغَّلوا في "بيدمونت" حتى "أكي- Acqui"

    و"أستي- Asti"، وقد حاولَت حملةٌ يؤيِّدها أسطولٌ بيزنطي القضاءَ على خطرهم دون جدوى عام 931م.

    وفي سنة 933م كان نفوذهم قد صار خطيرًا ومتعاظمًا، وكوَّنوا ميليشيات قتاليَّة تُغِير على ما حولهم من مدنٍ أوروبية، ثمَّ يعودون

    للاعتصام في مركزهم في "فراكسينتوم"، وفي سنة 939م توغَّلَت جماعاتُ المسلمين من فراكسينتوم في جبال الألب حتى وصلوا إلى

    "سان جالن -St. Gallen" (في سويسرا الحاليَّة)، ونهبوا كنيستها، وتعدُّ هذه هي أول مرَّة تصل فيها طائفة من المسلمين

    سويسرا ويقومون بفتح إحدى مدنها.
    وتروي المصادِرُ أنَّه "لما تقدَّموا إلى بلاد الجورة في سويسرا - وكانت سويسرا حينئذٍ من مملكة

    بورغنية أو برغندية - فَرَّت منهم أمُّ الملك كوبراد إلى برج مُنْفرِد في نيوشاتل، وهي إحدى ولايات سويسرا اليوم".

    ويورد المؤرِّخون أنَّه كانت هناك محاولات جادَّة لإخراج العرب من منطقةِ جبال الألب بأيِّ طريقةٍ لتزايد خطرهم، ومنها سفارات متبادلة

    بين الإمبراطور الألماني أوتو الكبير والخليفةِ الأموي بالأندلس عبدالرحمن الناصر لوضع حَدٍّ لمحاولات مُجاهِدي فراكسينتوم فتحَ جنوب

    فرنسا وغرب إيطاليا، وأنَّ تلك السفارات قد فشلَت في تحقيق غايتها؛ لما صَرَّح به عبدالرحمن النَّاصر لسُفَراء أوتو من كون البحَّارة

    المذكورين لا علاقة لهم بالخِلافة الأموية في الأندلس، وغير داخلين تحت سلطانها، ولا فعلوا ما فعلوه بإذنٍ منها أو تنسيقٍ معها، وهو

    الأمر الذي لم يَطْمَئن إليه بعض مؤرِّخي النَّصارى في تلك الفترة؛ إذ كانوا يشعرون بوجودِ علاقة خَفِيَّة بين الناصر وبين أولئك البَحَّارة المُغامِرين.
    ولمَّا زاد خطرهم توجَّهَت نحوهم حملةٌ عظيمة بقيادة "هوجو" ملك إيطاليا و"رومانوس" إمبراطور بيزنطة، ولكن لم تستطِع طردهم

    من فراكسينتوم، ولم يتمَّ إخراجُهم من هذا الإقليم الجبلي سوى عام 972م عندما سار إليهم "أوتو" إمبراطور ألمانيا، وهزمَهم

    وأخرجَهم من معتصَمِهم عند خليج "سانت تروبيز"؛ لتنتهي آخرُ فصول أقوى محاولة جريئة للتوسُّع داخل عُمق أوروبا بواسطة

    مجموعةٍ قتاليَّة صغيرة من المسلمين المغارِبة وأهل الأندلس!
    يذكر د. حسين مؤنس في كتابه "تاريخ المسلمون في البحر المتوسط"

    ذاكرًا تلك الأيام الخالدة في تاريخ المسلمين: "... هذه هي قصَّة أولئك المغامرين الأندلسيِّين، الذين قاموا بأجرأ محاولةٍ قام بها

    المسلمون على شواطئ جنوب أوروبا الغربيَّة على طول التاريخ، وقد أسهَبْنا في ذِكرها لأنها تدلُّ على قوَّة أولئك الغزاة البحريِّين، ومقدار

    ما كانوا يستطيعون إنزاله من الأَذى ببلاد أوروبا النصرانيَّة".








    من عاش عمراً طويلاً له الخبرة و الحكمة في الحياة، فالحياة ما هي إلا مسرح و الجميع ممثلون فيها ، و كلٌ يلعب دوراً في سيرها، لذلك للكل بصمة خاصّة به يضعها لكي يفيد بهاالآخرين.
يعمل...
X