إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب

    فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب


    إن العلماء الأولين ألفوا في فنون متعددة، وأن من سعة علمهم وكثرة اطلاعهم كتبوا في مواضيع قد يراها غيرهم ضيقة.!
    حتى حدا بأحدهم أن يؤلف كتاباً اسمه (فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب).

    ولأن المصادقة أو الأخوة الخاصة تقتضي أن يطّلع المرء على أشياء ممن يؤاخي كأن يقول كلمة،أو يتصرف تصرفا،أو فعل فعل ما, و معنى الأخوة الخاصة إلا أن تكون مؤتمنا على ما رأيت، أن تكون مؤتمنا على ما سمعت، وإلا فيكون كل واحد يتحرز ممن يخالطه، فليس ثَم إذن إخوان صدق، ولا إخوان يحفظون المرء في حضوره، وفي غيبته، مما حَدَا ببعض الناس لما رأى الزمن -زمنه- لما رأى زمنه خلا من هذا الصديق، وهذا المحب الذي يحفظ عِرضه، ويكون وفيًّا معه، هداه أن ألف كتابا وسماه (تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب) لأنه وجد الكلب إذا أحسن إليه من ربَّاه، فإنه يكون وفيا له، حتى يبذل دمه لأجل من أحسن إليه، فقال تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب، لأن كثيرين يخونون؛ يخالط مخالطة خاصة، ويطّلع على أشياء خاصة، ثم ما يلبث أن يبُثَّها، وأن يذكر العيوب التي رأى، وأن يفضحه بأشياء، لو كان ذاك يعلم أنه سيخبر عنه لعدّه عدوا، ولم يعدّه حبيبا موافيا، لهذا من حق أخيك عليك أن تحفظ عرضه بالسكوت عن ذكر عيوبه، سواء بمحضر الناس في حضرته، أو في غيبته من باب أولى، فإن حق المسلم على المسلم أن يحفظ العرض فكيف إذا كان ذلك خاصا.
    وقد أحببت ان اشارك به هنا لما رأيت فيه من الفائدة والواقع المعاش مما
    يسرد المؤلف لقصص في وفاء الكلاب لأصحابها يقارن بينها وبين بعض الأصدقاء غير الوفيين،، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    وهذا الكتاب ألفه
    محمد بن خلف بن المرزبان المتوفى سنة 309 هجرية.
    وهو من منشورات الجمل عام 2003م تحقيق ودراسة د. ركس سميث، ود. محمد عبد الحليم، قال المحققان عنه (إنه لم تذكر كتب السيرة سنة ولادته بالضبط وإن كانت قد اتفقت على سنة وفاته 309 ه، ويبدو أن كاتبنا مثل أفراد آخرين من العائلة المشهورة عرف عادة باسم ابن المرزبان، ومعناها باللغة الفارسية الحاكم على حدود منطقة أو مقاطعة، وله كتب غير هذا الكتاب منها ذم الثقلاء) و(كتاب الشعر والشعراء) وكتاب (من غدر وخان) وقد ألف أيضاً في المواضيع الجدية مثل: (الحاوي في علوم القرآن، في سبعة وعشرين جزءاً) انتهى ما قاله المحققان.

    وقد ذكر المؤلف ابن المرزبان سبب تأليف كتابه هذا فقال:

    وسألتني أعزّك الله تعالى، أن أجمع لك، ما جاء في فضل الكلب على شرار الإخوان، ومحمود خصاله في السر والإعلان، فقد جمعت ما فيه كفاية وبيان,, ولست أشك أنك أعزك الله عارف بخبر عبدالله بن هلال الكوفي الحميري المجذوم صاحب الخاتم، وخبره مع جاره، لما سأله ان يكتب كتاباً إلى ابليس لعنه الله في حاجة له.

    فإن كان العقل يدفع ذلك الخبر، فهو مثل حسن، يعرف في الناس، فكتب إليه الكتاب، وأكده غاية التأكيد، ومضى وأوصل الكتاب إلى ابليس، فقرأه وقبله ووضعه على عينه، وقال: السمع والطاعة، لأبي محمد فما حاجتك؟

    قال: لي جار مكرم لي، شديد الميل إليّ، تفوق علي وعلى أولادي، إن كانت لي حاجة قضاها، أو احتجت إلى قرض أقرضني واسعفني، وان غبت خلفني في أهلي وولدي، يبرهم بكل ما يجد إليه السبيل، من غير أن يناله منا عوض أو شكر,.

    وابليس كلّما سمع منه يقول: هذا حسن، وهذا جميل، وهذا جيد، فلما فرغ من وصفه قال إبليس: فما تحب أن أفعل به؟

    قال: أريد أن تزيل عنه نعمته، وتفقره فقد غاظني أمره، وكثرة ماله، وبقاؤه وطول سلامته.
    فصرخ ابليس صرخة، لم يسمع مثلها منه قط، فاجتمع إليه عفاريته وجنده، وقالوا له: ما الخبر؟ يا سيدهم ومولاهم, فقال لهم: هل تعلمون ان الله عز وجل، خلق خلقاً هو شر مني؟ قالوا: لا, قال إبليس: فانظروا إلى صاحب هذا الكتاب القائم بين يدي، فهو شر مني.
    ولو فتشت في دهرنا هذا لوجدت مثل صاحب الكتاب كثيراً، ممن نعاشرهم، إذا لقيك رحب بك، وإذا غبت عنه أسرف في الغيبة، وتلقاك بوجه المحبة، ويضمر لك الغش والمسبة,, وقد حلمت ما جاء في الغيبة، قال صلى الله عليه وسلم: إياكم والغيبة، فإنها شر من الزنا، إن الرجل ليزني ويتوب، فيتوب الله عليه، وصاحب الغيبة لا يغفرها الله، حتى يغفرها صاحبها (ص 45 48).

    ثم ذكر أقوالاً يذكر أنها آثار والله أعلم بصحتها في وفاء الكلب.

    الكتاب
    بسم الله الرحمن الرحيم
    وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبه تستعين
    أنبأ الفقيه أبو موسى عيسى بن أبي عيسى القابسي قال أنبأ القاضي أبو القاسم علي ابن المحسن بن علي التنوخي قراءةً عليه قال حدثنا أبو عمر محمد بن العباس ابن محمد ابن زكريا ابن حيوية الخراز ولفظه علينا في يوم الأربعاء الحادي عشر من رجب سنة إحدى وثمانين وثلثمائة أن أبا بكر محمد ابن خلف بن الرزبان أخبرهم قال ذكرت أعزّك الله زماننا هذا وفساد مودة أهله وخسَّة أخلاقهم ولُؤم طباعهم وأن أبعد الناس سَفراً من كان سفره في طلب أخٍ صالحٍِ ومن حاول صاحبا يأمن زلته ويدوم اغتباطه كان كصاحب الطريق الحيران الذي لا يزداد لنفسه إتعابا إلا ازداد من غايته بُعداً فالأمر كما وصفتُ.
    وقد يروى عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه قال كان الناس ورقا لا شوك فيه فصاروا شوكاً لا ورق فيه وقال بعضهم كنا نخاف على الإخوان كثرةَ المواعيد وشدة الاعتذار أن يخلطوا مواعيدهم بالكذب واعتذارهمبالتزيُّد فذهب اليوم من يعتذر بالخير ومات من كان يعتذرُ من الذنب.
    قال لبيد كامل:
    ذهب الذين يُعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجربِ
    وأخبرنا أبو العباس المبرِّد قال حدثني بعض مشايخنا قال كنت عند بشر بن الحارث يوماً فرأيته مغموما ما تكلّم حنى غربت الشمس ثم رفع رأسه وقال كامل:
    ذهب الرجل المُقتدى بفعالِهم ... والمُنكرونَ لكلِّ أمرٍ مُنكرِ
    وبقيت في خلفه يزيِّن بعضُهم ... بعضاً ليدفع معورعن مُعوِرِ
    وأنشدنا لغيره كامل:
    ذهب الذين إذا رأوني مُقبلا ... سُرُّوا وقالوا مرحباً بالمُقبلِ
    وبَقِي الذين إذا رأوني مُقبلا ... عبسوا وقالوا ليته لم يُقبِلِ
    وقال آخر خفيف:
    ذهب الناس واستقلوا وصرنا ... خلَفاً في أراذلِ النسناسِ
    في أناسٍ تراهمُ العين ناساً ... فإذا خبِّروا فليسوا بناسِ
    وقال آخر خفيف:
    ذهب الملحُ من كثير من النا ... سِ ومات الذين كانوا مِلاحا
    وبَقِي الأَسمجونَ من كل صنفٍٍ ... ليت ذا الموت منهم قد أراحا
    وقال آخر كامل:
    ذهب الذين إذا مرضت تجهَّلوا ... وإذا جهلت عليهمُ لم يَجهلوا
    وإذا أصبتُ غنيمةً فرحوا بها ... وإذا بخِلتُ عليهمُ لم يبخَلوا
    وأنشدني أبو عبد الله السدوسي كامل:
    ذهب الذين هم الغياث المُسبَلُ ... وبقِي الذين هم العذاب المُنزلُ
    وتقطَّعت أرحامُ أهل زماننا ... فكأنَّما خُلِقت لئلا توصَلُ
    الناس مشتبهونَ من كشَّفتَهُ ... مِنهمْ كشفتَ عن الذي لا يحمل


    ويظنُّ أنَّ له بكثرةِ مالهِ ... فضلا عليك وغيرُهُ المتفضِّلُ
    يتبع...
    من عاش عمراً طويلاً له الخبرة و الحكمة في الحياة، فالحياة ما هي إلا مسرح و الجميع ممثلون فيها ، و كلٌ يلعب دوراً في سيرها، لذلك للكل بصمة خاصّة به يضعها لكي يفيد بهاالآخرين.

  • #2
    وقال آخر كامل:
    ذهب الكرام فأصبحوا أمواتا ... وَرَقاً تُطيِّرهُ الرياحُ رُفاتا
    وتبدَّلت عرصاتُهم مِن بعدهم ... يسوى نبات الصالحين نباتا
    وبقيتُ في دهرٍ أحاذرُ شرَّهُ ... وأخافُ فيهِ من الطريقِ بَياتا
    وقال آخر طويل:
    وما الناس بالناس الذين عهدتُهم ... ولا الدارُ بالدارِ التي كنتَ تعرِفُ
    وما كلُّ من تَهوى يحبَّكَ قلبُهُ ... ولا كلُّ مَن صاحبتَه لك مُنصفُ
    وقال آخر خفيف:
    ذهب الناس وانقضت دولة المجـ ... ـدِ فكلٌّ إلا القليلِ كلابُ
    إنَّ من لم يكن على الناس ذئبا ... أكلتهُ في ذا الزمان الذئابُ
    غير أنَّ الوجوه في صور النا ... س وأبدانُهم عليها الثيابُ
    لستَ تَلقي إلا كَذوباً بخيلا ... بين عينيهِ للإياسِ كتابُ
    وقال آخر كامل:
    ذهب الذين فضولهم معلومةٌ ... ولهم إذا قحط الزمان حَنانُ
    ذهبوا فليسَ لهم نظيرٌ واحدٌ ... أفلا تراهم لا أبا لك كانوا
    لم يبقَ مِن أهل الفضائل والنُّهى ... إلا فلانٌ باسمِهِ وفُلانُ
    وقال آخر كامل:
    ذهب الذين عليهمُ وجدِي ... وبقيتُ بعدَ فراقِهم وحدي
    سلفٌ مضى وبقيتُ بعدهمُ ... وكذاك يذهبُ من أتى بعدي
    تركوا الذي جمعوا لغيرهمُ ... وكذاك أتركهُ لِمن بعدي
    وقال أبو تمام وافر:
    فلو رُفِعت سناتُ الدَّهرِ عنهُ ... وألقَى عن مناكِبِهِ الدِّثارُ
    لعدَّلَ قسمةَ الأيام فينا ... ولكن دهرَنا هذا حصار
    ولغيره أيضا خفيف:
    ذهب المُفضِلونَ والسلفُ المو ... فون بالعهد منهمُ والعقودِ
    ثم خُلِّفتُ في هباءٍ من النا ... س أقاسيهمُ ودهرٍ شديدِ
    فيه سادَ الرعاعُ حبةَ القلـ ... ـبِ والسيِّدُ استوى بالمَسودِ
    سمع للخنى صم عن الخـ ... ـير ينادون من مكان بعيدِ
    فَلَوَ اَنَّ الأمور كانت تتفادى ... لفدينا المفقود بالموجودِ
    أنشدنا لعليّ بن العباس الرومي كامل:
    ذهب الذين تهزُّهم مداحهم ... هز الكماة أعنة الفرسانِ
    كانوا إذا مُدِحوا أروا ما فيهم ... فالأريحية منهم بمكانِ
    والمدحُ يقدحُ قلبَ مَن هو أهلهُ ... قدحَ المواعظِ قلبَ ذي إيمانِ
    فدعِ اللئامَ فما ثوابُ مديحِهِم ... إلا ثوابَ عبادةِ الأوثانِ
    كم قائلٍ لي مِنهُمُ ومدحتُه ... بمدائحٍ مِثل الرياضِ حِسانِ
    أحسنتَ ويحكَ ليسَ فيَّ وإنّما ... أستحسنُ الحسنات في ميزان
    وأنشدني أبو هفان بسيط:
    لا تعجبوا أن تروني بين أظهركم ... أمشي ويركب قوم ماهم أحدا
    لئن علا السادة الأحرار سفلتها ... إن الغثاء ليعلوا الماء والزبد
    قال ولقيت إسماعيل بن بلبل يوما وهو راجل فقلت مالي أراك راجلا فقال مخلع البسيط:
    أرجلني قلةُ الكرامِ ... وكثرةُ المالِ في اللئامِ
    وليس هذا عليَّ وحدي ... هذا شقاءٌ على الأنامِ
    من عاش عمراً طويلاً له الخبرة و الحكمة في الحياة، فالحياة ما هي إلا مسرح و الجميع ممثلون فيها ، و كلٌ يلعب دوراً في سيرها، لذلك للكل بصمة خاصّة به يضعها لكي يفيد بهاالآخرين.

    تعليق


    • #3
      وسألتَني أعزك الله تعالى أن أجمعَ لك ما جاء في فضلِ الكلبِ على شِرار الإخوان ومحمودِ خصاله في السرِّ والإعلان فقد جمعت ما فيه كفاية وبيان ولست أشكُّ أنَّك أعزَّك الله عارف بخير عبد الله بن هلال الكوفي المجذوم صاحب الخاتم وخبر جاره لمّا سأله أن يكتب كتابا إلى إبليس لعنهُ الله في حاجة له فإن كان العقل يدفع ذلك الخبر فهو مثل حسن يعرف مثله في الناس فكتب إليه الكتاب وأكَّده غاية التأكيد ومضى وأوصل الكتاب إلى إبليس فقرأه وقبَّله ووضعه على عينيه وقال السمع والطاعة لأبي محمد فما حاجتك قال لي جار مُكرِم شديد الميل إلى شفوق علي وعلى أولادي إن كانت لي حاجة قضاها أو احتجت إلى قرضٍ أقرضني وأسعفني وإن غبت خلفني في أهلي وولدي يبرُّهم بكلِّ ما يجدُ إليه السبيل وإبليس كلّما سمع منه يقول هذا حسن وهذا جميل فلما فرغ من وصفه قال فما تحب أن أفعل به قال أريد أن تزيل نعمته وتفقره فقد غاظني أمره وكثرة ماله وبقاؤه وطول سلامته فضرخ إبليس صرخة لم يسمع مثلها منه قط فاجتمع إليه عفاريتُه وجندُه وقالوا له:
      ما الخبر ياسيدهم ومولاهم فقال لهم هل تعلمون أن الله عز وجل خلق خلقا هو شرٌّ مني.
      ولو فتشت في دهرنا هذا لوجدت مثل صاحب الكتاب كثيراً ممن تعاشره إذ لقيكَ رحَّب بك وإذ رغبت عنه أسرفَ في الغيبةِ وتلقَّاكَ بوجه المحبة ويضمرُ لك الغشَّ والمسبَّة وقد علمت ما جاء في الغيبة قال صلى الله عليه وسلم:
      "من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار"،
      وقال صلى الله عليه وسلم:
      "إياكم والغيبة فإنها شرٌّ من الزنا إنَّ الرجل ليزني ويتوب فيتوب الله عليه وصاحب الغيبةِ لا يغفرها الله له حتى يغفرها صاحبها".
      وعن بِشر بن الحارث قال قال الفضيل ابن عياض لا يكون الرجل من المتَّقين حتى يأمَنه عدوّه ولا يخافُه صديقُه فقال بعضهم ذهبَ زمنُ الأنسِ ومن كان يعارضُ فاحتفظ مِن صديقك كما تحتفِظ من عدوك وقدِّم الحزم في كلِّ الأمور وإيَّاكَ أن تكاشفه سرَّك فيجاهرك به في وقت الشَّر.
      أنشدني زيد بن علي كامل:
      احذر مودة مأزق ... خلط المرارو بالحلاوةْ
      يُحصى الذنوب عليك أيا ... م الصداقة للعداوةْ
      وقيل لبعض الحكماء أيُّ الناس أحق أن يُتَّقَى قال عدوٌّ قويٌّ وسلطانٌ غشومٌ وصديقٌ مخادعٌ. وأنشد لدعبل بن علي الخزاعي وافر:
      عدوٌّ راح في ثوب الصديق ... كشريك في الصَّبوح وفي الغبوقِ
      له وجهانِ ظاهرهُ ابن عمٍّ ... وباطنُه بن زانيةٍ عتيقِ
      يسرُّكَ مُقبلاً ويسؤك غبيا ... كذاكَ تكونُ أولادُ الطريق
      لكثيرة عزة خفيف:
      أنت في معشرٍ إذا غبت عنهم ... جعلوا كلَّما يزينك شيئا
      وإذا ما رأَوكَ قالوا جميعاً ... أنتَ مِن أكرمِ الرّجالِ علينا
      أنشدني ابن أبي طاهر الكاتب خفيف:
      حالَ عمَّا عَهِدتُ ريبَ الزمانِ ... واستحالت مودة الأخوان
      واستوى الناسُ في الخديعةِ والمكر فكلٌ لسانه اثنانِ
      من عاش عمراً طويلاً له الخبرة و الحكمة في الحياة، فالحياة ما هي إلا مسرح و الجميع ممثلون فيها ، و كلٌ يلعب دوراً في سيرها، لذلك للكل بصمة خاصّة به يضعها لكي يفيد بهاالآخرين.

      تعليق


      • #4
        واعلم أعزَّكَ الله أن الكلب لِمن يقتنيه أشفق من الوالد على ولده والأخ الشقيق على أخيه وذلك أنّه يَحرس ربَّه ويحمي حريمه شاهدا وغائبا ونائما ويقظانا لا يقصِّرُ عن ذلك وإن جَفوه ولا يخذُلهم وإن خذلوه.
        ورُويَ لنا أنَّ رجلاً قال لبعض الحكماء أوصِني قال ازهد في الدنيا ولا تُنازِع فيها أهلها وانصح لله تعالى كنصح الكلب لأهله فإنّهم يُجيعونه ويضربونه ويأبى إلا أن يحوطهم نصحا وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم: رجلا قتيلا فقال: "ما شأن هذا الرجل قتيلا" فقالوا يا رسول الله وثبَ على غنمِ أبي زهرة فأخذ شاةً فوثب عليه كلبُ الماشية فقتَلَه فقال صلى الله عليه وسلم: "قتل نفسَه وأضاعَ دينَه وعَصى ربَّه عز وجل وخان أخاه وكان الكلب خيراً من هذا الغادر" ثم قال صلى الله عليه وسلم: "أيعجز أحدكم أن يحفظ أخاهُ المسلمَ في نفسهِ وأهلهِ كحفظ هذا الكلبِ ماشيةَ أربابه"؟.
        ورأى عمر بن الخطاب أعرابيا يسوقُ كلباً فقال ما هذا معك فقال يا أمير المؤمنين نِعم الصاحبُ إن أعطيته شَكَر وإن منعته صبر قال عمر نِعم الصاحب فاستمسِك به.
        ورأى ابن عمر رضي الله عنه مع أعرابيٍ كلباً فقال له ما هذا معك قال من يشكرني ويكتو سري قال فاحتفظ بصاحبك.
        قال الأحنف بن قيس: إذا بصبص الكلبُ لك فثق بودٍّ منه ولا تثق ببصابصِ الناس فرُبَّ مبصبصٍ خوَّان.
        قال الشعبي خير خصلةٍ في الكلب أنّه لا ينافقُ في محبَّته وقال ابن عباس رضي الله عنهما كلبٌ أمين خيرٌ من إنسانٍ خؤونٍ.
        حدثنا القاسم بن محمد الرّصديّ حدثنا محرز بن عون عن رجل عن جعفر بن سليمان قال رأيت مالك بن دينار ومعه كلب فقلت ما هذا هذا خير من جليس السوء.
        أخبرنا أبو عمر ابن خيرة حدّثنا أبو القاسم ابن بنت منيع حدثنا محرز بن عون بهذا الحديث حدثني ابن أبي طاهر حدثني حماد ابن إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال قال أبي قال أتيت يوما الفضل بن يحيى فصادفته يشرب وبين يديه كلبٌ فقلت له أتنادم كلبا قال: نعم يمنعني أذاهُ ويكفّ عني أذى سواهُ ويشكرُ قليلي ويحرس مبيتي ومقيلي.
        أنشدني الحسن بن عبد الوهاب لرجلٍ يذُّم صديقا له ويمدح كلبا وافر:
        تخيرتُ من الأخلا ... ق ما يفي عن الكلب
        فإن الكلب مجبولٌ ... على النصرةِ والذبِّ
        وفيٌّ يحفظُ العهدا ... ويَحمي عَرصةَ الدربِ
        ويعطيكَ على اللينِ ... ولا يُعطي علي الضَّربِ
        ويشفيكَ من الغيظِ ... وينجيك من الكربِ
        فلو أشبهته لم تَ ... كُ كانونا على القب
        وذكر بعض الرواة قال كان للربيع بن بدر كلبٌ قد ربَّاه فلّما مات الربيع ودُفن جعل الكلب يتضرب على قبره حتى مات ودفن وكان للعامر بن عنترة كلابُ صيدٍ وماشية وكان يحسنُ صُحبتها فلما مات عامر لزمت الكلاب قبره حتى ماتت عنده وتفرّق عنه الأهل والأقارب وروى لنا عن شريك قال:
        كان للأعمشِ كلبٌ يتبعه في الطريق إذا مشى حتى يرجع فقيل له في ذلك فقال لا رأيتُ صبيانا يضربونه ففرقت بينهم وبينه فعرف ذلك لي فشكره فإذا رآني يبصبصُ لي ويتبعني ولو عاش أيَّدك الله الأعمش إلى عصرنا ووقتنا هذا حتى يرى أهل زماننا هذا ويسمع خبر أبي سماعة المعيطي ونظائره لازداد في كلبه رغبةً وله محبة.
        قال هجا أبو سماعة المعيطي خالد بن مالك وكان إليه محسناً فلّما ولِيَ يحيى الوزارة دخل إليه أبو سماعة فيمن دخل من المهنئين فقال أنشدني الأبيات التي قلتها فقال ما هي قال قولك خفيف:
        درت يحيى وخالدا مخلصا ل ... له ديني فاستصغرا بعض شاني
        فلَوَ اَني ألحدتُ في الله يوما ... أو لو اَنِّي عبدتُ ما يعبدانِ
        ما استخفَّا فيما أظن بشأني ... ولا صحبت منهما بمَكاني
        إنَّ شكلي وشكلُ مَن جحد في الله وآياتِهِ لمختلفان
        قال أبو سماعة: لم أعرف هذا الشعر ولا مَن قاله قال لهيحيى ما تملك صدقة إن كنت تعرف من قالها فحلف قال يحيى:وامرأتك طالق؟ فحلف.
        فأقبل يحيى على الغساني ومنصور بن زياد والأشعثي ومحمد بن محمد العبدي وكانوا حضوراً في المجلس فقال ما حسبنا إلا وقد احتجنا إلى أن نجدِّد لأبي سماعة منزلا وآلة وحوما ومتاعاً يا غلام ادفع له عشرةَ آلاف درهم وتختافيه عشرة أثواب فدفع إليه فلما خرج تلقَّتهُ أصحابه يهنئونه ويسألونه عن أمره فقال ما عسيتُ أن أقول إلا أنه ابن زانية أبى إلاّ كرماً فبلَّغت يحيى كلمته من ساعته فأمر به فحضر فقال له يا أبا سماعة لم تفرق في هجائنا ولم تغرف في شمتنا قال أبو سماعة ما عرفته أيها الوزير افتراء وكذب عليّ فنظر إلى يحيى مليا ثمّ أنشأ يقول وافر:
        إذا ما المرء لم يخدش بظفر ... ولم يُوجد له أن عضَّ نابُ
        رمى فيه الغميزة مَن بغاها ... وذلَّلَ من قرائنه الصعابُ
        قال أبو سماعة -كلا أيها الوزير- ولكنه كما قال بسيط:
        لم يبلغ المجد أقوامٌ وإن شَرفوا ... حتى يذلُّوا وإن عزوا لأقوامِ
        ويُشتَموا فَترى الألوان مسفرة ... لا صفحَ ذلٍّ ولكن صفحَ أحلام
        فتبسم يحيى وقال: إنَّا أعذرناك وعلمنا أنك لن تدع مساوي شمتك ولؤم طبعك فلا أعدمك الله ما جبلك عليه من مذموم أخلاقك ثم تمتثل قائلا وافر:
        متى لم تتسع أخلاق قوم ... يضق بهم الفسيح من البلادِ
        إذا ما المرء لم يُخلق لبيبا ... فليس اللبُّّ عن قدمِ الولادِ
        ثم قال هو والله كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه المؤمن لا يشفي غيظه ثم أن أبا سماعة هجا بعد ذلك سليمان بن أبي جعفر وكان إليه محسنا فأمر به الرشيد فحلق رأسه ولحيته ومثلُ أبي سماعة كثير كرهنا أن نطول الكتاب بِذكرِهم.


        من عاش عمراً طويلاً له الخبرة و الحكمة في الحياة، فالحياة ما هي إلا مسرح و الجميع ممثلون فيها ، و كلٌ يلعب دوراً في سيرها، لذلك للكل بصمة خاصّة به يضعها لكي يفيد بهاالآخرين.

        تعليق


        • #5
          وروي عن بعضهم أنه قال الناس في هذاالزمان خنازير فإذا رأيتم كلبا فتمسكوا به فإنه خير من أناس هذا الزمان.
          قال الشاعر بسيط:
          اشدُد يديك بكلبٍ إن ظفرتَ بهِ ... قأكثر الناس قد صاروا خنازيرا
          وأنشدني أبو العباس الأزدي وافر:
          لكلبُ الناسِ إن فكَّرت فيهم ... أضرُّ عليك من كلب الكلابِ
          لأنَّ الكلبَ تخسؤه فيخسا ... وكلبُ الناس يربضُ للعتابِ
          وأنَّ الكلب لا يؤذي جليسا ... وأنتَ الدهرُ من ذا في عذابِ
          حدّثنا أحمد بن منصور عن أبيه عن الأصمعي قال حضَرت بعض الأعراب الوفاة وكلبٌ في جانب خيمة فقال لأكبرِ ولده منسرح:
          أوصيك خيراً به فإن له ... صنائعا لا أزال أحمَدها
          يدل ضيفي عليَّ في غسق الليـ ... ـل إذا النارُ نامَ مُوقدُها
          أخبرني أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر قال أخبرني بعض الأدباء كان لإبراهيم بن هرمة كلاب إذا أبصرت الأضياف بئست لهم ولم تنبح وبصبصت بأذنابها بين أيديهم فقال يمدحها كامل:
          ويدل ضيفي في الضلام إذا سرى ... إيقاد ناري أو نباحُ كلابِ
          حتى إذا واجهته وعرفته ... فديته ببصابصِ الأذنابِ
          وجعلنَ مما قد عرض يقدنَهُ ... ويَكدنَ أن ينطقن بالتّرحابِ
          قال الأصمعي: سمعت بعض الملوك وهو يركض خلف كلبٍ وقد دنا من ظبي وهو يقول من الفرح إيه فدتك نفسي.
          وقال أبو نواس رجز:

          مفدَّيات ومحمياتها ... مسميات ومُعلَّماتها
          وله أيضا رجز:
          أتعب كلبا أهلَه في كدِّه
          قد سعدت جدودهم بجدِّه
          فكلُّ خيرٍ عندهم من عندهِ
          يظلُّ مولاهُ له كعبدِهِ
          يبيتُ أدنى صاحبً من مهدِهِ
          وإن غدا جلَّلهُ ببردِهِ
          ذي غرّةٍ محجَّلٍ بزندِهِ
          تلذُّ منه العينُ حُسنَ قدِّهِ
          يا حسن شدقه وطول خدِّهِ
          تلقى الظباءُ عَنَتاً من طردِهِ
          يا لك من كلبٍ نسيج حده
          وله في هذا المعنى أشياء حسان ومعانٍ مُختارة ومما يدلُّ على قدر الكلب كثرة ما يجري على ألسنة الناس بالخير والشر والمدح الذم حتى قد ذُكر في القرآن وفي الحديث وفي الأشعار والأمثال حتى استعمل على طريق الفأل والطيرة والاشتقاقات للأسماء فمن ذلك أكلب بن ربيعة وكلاب بن ربيعة ومكلب بن ربيعةة ابن نزار وكليب بن يربوع ومكالب بن ربيعة بن قذار وكلاب ابن يربوع ومثل هذا كثير.
          والكلب أيدك الله منافعُه كثيرة فاضلة على مضاره بل هي غامرة لها وغالبة عليها ولم تزل القضاةُ والفقهاء والعباد والولاة والنسّاك الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لا ينكرون اتخاذها في دورهم مع ذلك يشاهدونها في دور الملوك فلوا علموا أن ذلك يكره لتكلموا ونهوا عن اتخاذها بل عندهم أنهم إذا قتلوا الكلب كان فيه عقوبة وأنّ من كان أمر بقتلها في قديم الزمان إنما كان لمعنى ولعلة وأن هذه الكلاب بمعزل عن تلك.
          وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه من لا يعرف الأمور يقول أن الكلب من السباع ولو كان كذلك ما ألِفَ الناسَ واستوحش من السباع وكرِه الغياض وألِفَ الدور واستوحش من البراري وجانب القفار وألِف المجالس والديار وكيف لا يكون كذلك وهو لا يرضى لنفسه بالنوم والربوض على الأرض وهو لا يرى بساطا ولا وسادة إلا علاها وجلس عليها وأيضا فهو لا يجد إلى كل موضع جليلٍ نظيفٍ سبيلا فيقصر عنه وتراه متخيّرا أبداً أرفع المواضع في المجلس وما يصونه صاحبه.
          قلت: والكلب يعرف صاحبه والسنور ويعرفان اسماهما ومواضع منازلِهما ويألفانِ موطنَهما وإذا طُردا رجعا وإذا أُجيعا صبرا وإذا أهينا احتملا وللكلب أيضا من الفضائل إتيانه وجهَ صاحبِه ونظره إليه في عينيه وفي وجهه وحبه له ودنوِّه منه حتى ربما لاعبه ولاعب صبيانه بالعض الذي لا يُؤلم ولا يؤثِّر وله تلك الأنياب التي لو أنشبها في الشجر لأثَّرت.
          قال بعض الشعراء خفيف:
          أيها الشانئ الكلابَ أصِخْ لي ... منك سمعاً ولا تكوننَّ حبسا
          إنّ في الكلبِ فاعلمنَّ خِصالاً ... من شريف الفعال يعددن خمسا
          حِفظُ من كانَ مُحسناً ووفاءٌ ... للذي يتَّخِذهُ حرباً وحرسا
          واتباعٌ لرحله وإذا ما ... صار نطقُ الشجاع للخوفِ همسا
          وهو عونٌ لنابحٍ من بعيدٍ ... مستجيرا بقربه حين أمسا
          من عاش عمراً طويلاً له الخبرة و الحكمة في الحياة، فالحياة ما هي إلا مسرح و الجميع ممثلون فيها ، و كلٌ يلعب دوراً في سيرها، لذلك للكل بصمة خاصّة به يضعها لكي يفيد بهاالآخرين.

          تعليق


          • #6
            قال أبو بكر الصديق:
            إن الرجل في البادية إذا ضلَّ الطريق وهاله الليل نبح نباحَ الكلاب لتنبحَ كلابُ الحي فيتبع أصواتها حتى يصير إلى الحي.
            وقال آخر خفيف:
            إن قوما رأوك شِبها لكلبٍ ... لا رأوا للظلام صُبحاً مُضيّا
            أنت لا تحفظ الزمام لخلقٍ ... وهو يرعى الزمام رعياً وفيّا
            يشكرُ النزرَمن كريمِ فعالٍ ... آخرَ الدهرِ لا تراهُ نسيّا
            وتناديهِ من مكان بعيد ... فيوافيكَ طائعاً مُستحِيّا
            إن سُؤلي وبُغْيتي ومناي ... أن أراك الغداةَ كلباً سويّا
            قد أنشدني أبو عبيدة لبعض الشعراء طويل:
            يعرِّج عنه جارَهُ وشقيقَهُ ... ويرغبُ فيه كلب وهو ضاربُه
            قال أبو عبيدة قيل هذا الشعر في رجلٍ من أهلِ البصرةِ خرج إلى الجبّانة ينتظرُ ركابه فاتبعه كلب له فطردَه وضربَه وذكر أن يتبعه ورماه بحجرٍ فأدماه فأبى الكلب إلا أن يتبعه فلمّا صار إلى الموضع وثب به قوم كانت لهم عنده طائلة وكان معه جار له وأخ فهربا عنه وتركاه وأسلماهُ فجُرح جرحات كثيرة ورُمي به في بئر وحَثوا عليه بالتراب حتى واروهُ ولم يشكوا في موته والكلب مع هذا يهر عليهم وهم يرجمونه فلما انصرفوا أتى الكلب إلى رأس البئر فلم يزل يعوي ويبحث بالتراب بمخاليبه حتى ظهر رأس صاحبه وفيه نفس يتردد وقد كان أشرف على التلف ولو يبق فيه إلا حشاشة نفسه ووصل إليه الروح فبينما هو كذلك إذ مر أناس فأنكروا مكان الكلب ورأوه كأنه يحفر قبرا فجاؤوا فإذا هم بالرجل على تلك الحال فاستخرجوه حيّا وحملوه إلى أهله.
            وزعم أبو عبيدة أن ذلك الموضع يدعى بئر الكلب وهذا الأمر يدل على وفاء طبعي وألِف غريزي ومحاباةٍ شديدة وعلى معرفة وصبر وكرم وغناء ومنفعة تفوق المنافع.
            وحدّثني عبد الله بن محمد الكاتب قال حدثني أبي عن محمد ابن خلاد قال قدم رجلٌ على بعض السلاطين وكان معه حاكم أرمينية منصرفا إلى منزله فمر في طريقه بمقبرة فإذا قبرٌ عليه قبةٌ مبنية مكتوب عليها هذا قبر الكلب فمن أحب أن يعلم خبره فليمضِ إلى قرية كذا وكذا فإنّ فيها من يخبره.
            فسأل الرجلُ عن القرية فدلّوهُ عليها فقصدها وسأل أهلها فدلوه على شيخ فبعث إليه وأحضره وإذا شيخ قد جاوز المائة سنة فسأله فقال نعم كان في هذه الناحية ملِك عظيمُ الشأن وكان مشهورا بالنُزهةِ والصيد والسفر وكان له كلب قد ربّاه وسمّاه باسم وكان لا يفارقه حيث كان فإذا كان وقت غذائه وعشائه أطعمه مما يأكل فخرج يوما إلى بعض منتزهاته وقال لبعضِ غلمانه قل للطباخ يصلح لنا ثريدةَ لبن فقد اشتهيتها فأصلحوها ومضى إلى منتزهاته فوجه الطباخ فجاء بلبن وصنع له ثريدة عظيمة ونسيَ أن يغطّيها بشيء واشتغل بطبخ شيءٍ آخر فخرج من بعض شفوق الغيظان أفعى فكرعت من ذلك اللبن ومجت في الثريدة من سمها والكلبُ رابضٌ يرى ذلك كلّه ولو كان له في الأفعى حيلة لمنعها ولكن لا حيلة للكلب في الأفعى والحيّة وكان عند الملك جارية خرساء زمنا قد رأت ما صنعت الأفعى ووافى الملك من الصيد في آخر النهار فقال يا غلمان أول ما تقدمون إلى الثريدة فأومأت الخرساء إليهم فلم يفهموا ما تقول ونبح الكلب وصاح فلم يلتفتوا إليه وألحّ في الصياح ليعلمهم مراده فيه ثمّ رمى إليه بما كان يرمى إليه فلم يقربه ولجَّ في الصياح فقال لغلمانه نحُّوه عنّا فإن له قصة ومدّ يده إلى اللبن فلما رآه الكلب يريد أن يأكل وثب إلى وسط المائدة وأدخل فمه في اللبن وكرع منه فسقط ميِّتا وتناثر لحمه. وبقي الملك متعجّبا منه ومن وفعله فأومأت الخرساء فعرفوا مرادها بما صنع الكلب فقال الملك لندمائه وحاشيته أن شيئا قد فداني بنفسه لتحقيق بالمكافأة وما يحمله ويدفنه غيري ودفنه بين أبيه وأمّه وبنى عليه قبة وكتب عليها ما قرأت وهذا ما كان من خبره.
            أخبرني أبو العلاء ابن يوسف القاضي قال حدثني شيخ كان مُسِنّا صدوقاً أنه حجَّ سنة من السنين قال وبرزنا أحمالنا إلى الياسرية وجلسنا على قراح نتغدّى وكلبٌ رابض بجوارنا فرمينا إليه من بعض ما نأكل ثم ارتحلنا ونزلنا بنهو الملك فلما قدَّمنا السفرة إذ الكلب بعينه رابض بجوارنا كاليوم الأول فقلت للغلمان قد تبعنا هذا الكلب وقد جب حقُّه علينا فتعهَّدوه ونقض الغلمان السفرة بين يديه فأكل ولم يزل تابعاً لنا من منزل إلى منزل على تلك الحال لا يقدر أحد أن يقرب جِمالنا ولا مَحامِلنا إلا صاح ونبح فكنّا قد أمنّا من سلالة وغيره إلى مكة.
            وعزمنا على الخروج في عمل إلى اليمن فكان معنا في أرض قبا ورجعنا إلى مدينة السلام وهو معنا.
            ذكر أبو عبد الله عن أبي عبيدة النحوي وأبي اليقظان سحيم بن حفص وأبي الحسن علي بن محمد بن المدايني عن محمد بن حفص ابن سلمة بن محارب وقد حدثنا بهذا الحديث أبو بكر عبد الله ابن محمد بن أبي الدنيا بإسناد ذكره وهو حديث مشهور أن الطاعون الجارف أتى على أهل دار فلا يشكّ أحدٌ من أهل المحلة أنه لم يبق فيها صغير ولا كبير ولا كان قد بقى في الدار صبيٌّ رضيع صغير يحبو ولا يقوم فعمد مَن بقيَ من أهل تلك المحلة إلى باب الدار فسدوه فلّما كان بعد ذلك بأشهرٍ تحوّل إليها بعض ورثةِ القوم فلما فُتح الباب وأفضى إلى عرصة الدار إذا هو بصبيٍّ يلعب مع جروِ كلبة كانت لأصحاب الدار فلّما رآها الصبيُّ حَبَا إليها فأمكنته مِن لبنها فعلموا أن الصبي بقي في الدار وصار منسيّا واشتد جوعه ورأى جرو الكلبة يرضع فعطف عليها فلما سقته مرة أدامت له وأدام لها الطلب تلك المدة فسبحان مسبب الأسباب.
            يتبع...
            من عاش عمراً طويلاً له الخبرة و الحكمة في الحياة، فالحياة ما هي إلا مسرح و الجميع ممثلون فيها ، و كلٌ يلعب دوراً في سيرها، لذلك للكل بصمة خاصّة به يضعها لكي يفيد بهاالآخرين.

            تعليق


            • #7
              أخبرني علي بن محمد قال حدثني بن الحسين بن شداد قال:
              ولاني القسم خلافة أحمد بن ميمون بنيسابور فنزلتُ في بعض منازلها فوجدت في جواري جندياً من أصحابه يعرف بنسيم كان يرسم تنظيف غلامه وإذا كلب له يخرج بخروجه ويدخل بدخوله وإذا جلس على بابه قربه وغطاه بدواج كان عليه فسألت الراسبي عن محل الغلام وكيف يقنع الأمير منه بدخول الكلب عليه ويرضى منه بذلك وليس بكلب صيد قال أبو الوليد سَلْه عن حديثه فإنّه يخبرك بشأنه فأحضرتُ الغلام وسألته عن السبب الذي استحقّ به هذه المنزلة منه فقال هذا خلصنب بعد الله عز وجلَّ من أمرٍ عظيم فاستبشعتُ هذا القول منه وأنكرتُه عليه فقال لي اسمع حديثه فإنك تعذرني كان يصحبني رجل من أهل البصرة يقال له محمد بن بكر لا يفارقني يؤاكلني ويعاشرني علي النبيذ وغيره منذ سنين فخرجنا أهل الدينور فلما رجعنا وقربنا من منزلنا كان في وسطي هميان فيه جملة دنانير ومعي متاع كثير أخذته من الغنيمة قد وقف عليه بأسره فنزلنا إلى مواضع فأكلنا وشربنا فلّما عمل الشراب عمد إلي فشدّ يديّ إلى رِجليَّ وأوثقني كِتافاً ورمى بي في واد وأخذ كلّ ما معي وتركني ومضى وآيستُ مِن الحياة وقعد هذا الكلب معي ثم تركني ومضى فما كان بأسرع من أن وافاني ومعه رغيف فطرحه بين يديَّ فأكلته ولم أزل أحبو إلى مواضع فيه ماءٌ فشربت منه ولم يزل الكلب معي بلق ليلي يعوي إلى أن أصبحتُ فحملتني عيناي وفقدت الكلب فما كان بأسرع من أن وافاني ومعه رغيف فأكلتُ وفعلتُ فعلتي في اليوم الأول فلما كان في اليوم الثالث غاب عنِّي فقلت مضى يجيئني بالرغيف قلم يلبث إلا أن جاء ومعه الرغيف فرمى به إليَّ فما استتم أكله وإلا ابني على رأسي يبكي فقال وما تصنع ها هنا وما هي قصتك ونزل فحل كتافي وأخرجني فقلتُ له من أين علمك بمكاني ومن دلَّك علي فقال كان الكلب يأتينا في كل يوم فنطرحُ له الرغيف على رسمه فلا يأكله وقد كان معك فأنكرنا رجوعَه ولستَ أنت معه فكان يحمل الرغيف بفيهِ ولا يذوقه ويخرج ويعود فأنكرنا أمره فأتبعته حتى وقفت عليك فهذا ما كان من خبري وخبر الكلب فهو عندي أعظم مقدارا من الأهل والقرابة قال ورأيت أثر الكتاف في يده قبيحا.
              وحدثني أبو عبد الله قال حدثني أبو الحسين محمد بن الحسين ابن شداد قال قصدت دير مُخارق إلى عبد الله بن الطبري النصراني الذي كان يأتي بالنَّزَل للمعتضد بالله فسألته إحضاري وكيل له يقال له إبراهيم بن داران وطالبته بإحضار الأدلاء لمسامحة قرية تعرف بباصيري السفلى فقال لي يا سيدي قد وجهت في ذلك فقلت له أنا على الطريق جالس وما اجتاز بي أحد فقال لي أما رأيت الكلب الذي كان بين أيدينا قد وجَّهتُ به فغلط ذلك من قوله ونلت من عِرضه وأمرت بما أنا أستغفر الله عزّ وجلَّ منه فقال إن لم يحضرِ القوم الساعة فأنت من دمي في حلٍّ فما مكثُ بعد هذا القول إلا ساعة حتى وافَى القومُ مسرعين والكلب بين أيديهم فسألته كيف تُحمِّله الرسالة فقال أشدُّ في عنُقه رقعةً بما أحتاج إليه وأطرحه على المحجَّة فيقصد القوم وقد عرفوا الخبر فيقرؤون الرقعة فيمتثلون ما فيها وحدثني لصٌ تائبٌ قال دخلتُ مدينةً قد ذكروها إلي فجعلت أطالب شيئاً أسرقه فلم أُصِب ووقعَت عينيّ على صير في مُوسرٍ فما زلت أحتالُ حتى سرقت كيسا له وانسللت فما جزتُ غير بعيد وإذا عجوز معَها كلبٌ قد وقعت على صدري تبوسني وتلزمني وتقول يابني فديتك والكلب يبصبص ويلوذ بي ووقف الناس ينظرون إلينا وجعلت المرأة تقول بالله انظروا إلى الكلب كيف قد عرفه فعجب الناس من ذلك وشككتُ أنا في نفسي وقلتُ لعلّها أرضعتني وأنا لا أعرفها وقالت سِر معي إلى البيت أقيم عندي فلا تفارقني حتى مضيت معها إلى بيتها وإذا عندها جماعة أحداث يشربون وبين أيديهم من جميع الفواكه والرياحين فرحبوا بي وأجلسوني معهم ورأيت لهم بِزَّةً حسنة فوضعتُ عيني عليها وجعلت أسقيهم ويشربون وارفق بنفسي إلى أن ناموا ونام كل من في الدار فقمت وكورت ما عندهم وذهبتُ أخرج فوثبَ عليَّ الكلب وثبة الأسد وصاح وجعل يتراجع وينبح إلى أن انتبه من كان نائما فخجلت واستحيت فلما كان النهار فعلموا مِثل فِعلهم أمس وفعلت أنا أيضا بهم مثل ذلك وجعلت أوقع الحيلة في أمر الكلب إلى الليل فما أمكنني فيه حيلة فلّما ناموا رُمت الذي رُمته فإذا الكلب قد عارضني مثل ما عارضني به فجعلت أحتال ثلاث ليالٍ فلما أَيِست طلبت الخلاص منهم بإذنهم وقلت أتأذونون لي أعزَّكم الله فإني طلبت الخلاص منهم بإذنهم وقلت أتأذنون لي أعزَّكم الله فإني على وِفاز فقالوا الأمر للعجوز فاستأذنها فقالت هاتِ ما معك الذي أخذته من الصيرفي وامض حيث شئت ولا تُقِم في هذه المدينة لأنّه لا يتهيأ لأحد يعمل معي عملا فأخذَتِ الكيس وأخرجتني ووجدتُ أنا أيضاً منأىً أن أسلم من يدها فكان قصارى القول أن أطلب منها نفقةً فدفعَت إليَّ نفقة وخرجت معي حتى أخرجتني عن المدينة والكلب معها حتى جزت حدود المدينة ووقفت ومضيت والكلب يتبعني حتى بعُدت ثم تراجع ينظر إلي ويلتفت وأنا أنظر إليه حتى غاب عني.

              يتبع...
              من عاش عمراً طويلاً له الخبرة و الحكمة في الحياة، فالحياة ما هي إلا مسرح و الجميع ممثلون فيها ، و كلٌ يلعب دوراً في سيرها، لذلك للكل بصمة خاصّة به يضعها لكي يفيد بهاالآخرين.

              تعليق


              • #8
                أخبرني بعض الشيوخ من أهل الحِيَل قال كنت أنا مع جماعة خارجين إلى أصبهان فلما صِرنا إلى بعض الطريق مررنا بخان قديم خراب ليس فيه أحد وإذا صوتُ كلبٍ ينبح وإذا حركة شديدة فدخلنا بأجمعنا الخان فإذا نحن برجل من أصحابنا نعرفه من الفيوح كان معه كلب لا يفارقه حيث كان وإذا بعض المبنجمين تنفذ وقع عليه فكان الفيح وطنا فلما رأى حيلته ليس تنفذ له عليه طرح في عنقه وترا ليخنقه به فلما رأى الكلب ذلك ثار إلى المبنِّج مغشيّا عليه فخلصنا من عنق صاحبنا الوتر وكان قد أشرف على التلف وقبضنا على المبنج فكتَّفناه بوتره ودفعناه إلى السلطان.
                وحدثني إبراهيم بن برقان قال كان في جوارنا رجٌل من أهل أصبهان يعرف بالخصيب ومعه كلب له جاء به من الجبل فوقع بينه وبين جاره خصومة إلى أن تواثبا فلما رأى الكلب ذلك وثب على الرجل الذي واثَب صاحبَه فوضع مخاليبه في أحد عينيه وعضَّ قفاه حتى رأيت الرجل قد غُشِيَ عليه ودماؤُه تجري على الأرض.
                قال بعض من يذم الكلاب: الناس ينامون بالليل الذي جعله الله تعالى مسكنا ويتصرّفون ويبصرون في النهار الذي جعله الله عز وجل مسرحا وهو على ضد ذلك فاحتجَّ من يرد عليه فقال إنّ سهرهم بالليل ونومهم بالنهار خصلة ملوكية ولو كان غير ذلك كان الملوك به أولى وإنّما انتباهها بالليل لأن الليل ينتشر فيه اللصوص ويكثر التسلّق والنقوب والسرق ممّن إذا أفضى إلى منزلِ قومٍ لم يرضَّ إلا بالقتل وركوب السوءة ونهب المال فهي تحرس من هذه الأحوال وتنبِّهُ عليه صاحبه أنشدني بعض الأدباء:
                تاه قلبي مني وأينَ مِنِّيَ قلبُ ... إنَّ ردَّ السرور يا قومُ صعبُ
                شرّدتني خيانةٌ من صديق ... أنا مستسلمٌ له وهو حربُ
                مضمرٌ للنفاق والقلب فيهِ ... مبطنٌ بغضه وباديهِ حبُّ
                قلت يوماً له وإن مضى مِنـ ... ـهُ فعال أتى بها أنتَ كلبُ
                قال: للمزح قلتُ ذا أم لثلبي؟ ... قلت للثلبِ قال ما فيه ثلبُ
                شيمةُ الكلب حفظه لوليٍّ ... وعن الحيِّ في دجا الليل ذبُّ
                يحفظُ الجار للجوار ويُمسي ... ساهِرَ المقلتين يحنوهُ سَغبُ
                يرقدُ النائمون أمنا ويمسي ... خائفا هلكهم يحاكيهم صب
                وتر الكلب في المهامِهِ غوثا ... ويجيب اللهيف والنار تخبو
                وتراه ينابحُ الكلب خوفا ... وإلى الصوت في دجا الليل يحبو
                فلماذا أنحَستَه الحظّ قل لي ... لِمْ تُشِن حُسنَه وما فيه سبُّ
                أنشدني بعض المدنيين يصف كلبا له بالشدة يقال له موق بسيط:
                يا موق لا ذقت بُوس العيش ياموق ... لا منيت بشربٍ فيه ترنيقُ
                ذو هامة كرَحى بئرٍ مُلملمةٍ ... وبرثن فيه للأخوان نخريق
                صُماتُه غضبٌ ونبحهُ كلبٌ ... وعنده سغبٌ ما فيه ترقيق
                العقر نيته والموت كرَّته ... مجتازُ ساحتِهِ بالشرِّ مهروقُ
                والسيف والرمحُ أدنى منه بادرةً ... والنبل أهونُ منهُ والمزاريقُ
                والتركُ والديلمُ المحذور بأسهُما ... والزِّنجُ مِن بعد الروم البطاريقُ
                جماعة القوم إن مرّوا بساحتهِ ... فعنده لاجتماعِ القوم تفريقُ
                أو مرَّ جيشٌ عليه كلّهم بطلٌ ... إذا أناخت بهِم من خوفه النوقُ
                قلت لصديق لي أتعرف في هذا المعنى شيئا قال نعم وأنشدني خفيف:
                قال لي أحمد وأحمد كهل ... ليس في الناس مثله اثنان
                حسنُ خلقٍ وحسنُ خلقٍ وعلمٌ ... بارعٌ زانه بِنطق لسانِ
                هو في العين زينةٌ وجمالٌ ... ولدى الشرب زينةُ البستانِ
                وإذا ما المرء ضاق بالهمِّ صدراً ... فرَّج الهم أحمد المرزبانِ
                يا خليلي حفظتُ في الكلب شيئاً ... قلت في الذمِّ قال لي عظم شان
                قال لي خذ أخي فأَظِهر مقالا ... قد حوى فيه من ظريف المعانِ
                في مديح الكلب مع ذمِّ قومٍ ... فأراني العيانَ قبل العيانِ
                قال إني أراه أوفى ذِماماً ... من كثيرعرفت في الإخوانِ
                وأمين المغيب يُلقي بوجهٍ ... ولقومٍ من الورى وجهانِ
                شاكراً للقليل غير كفورٍ ... وكفورُ الكثيرِ للخلانِ
                حارساً في الحريم يمنع في اللي ... لِ عن القومِ ساهر الأجفانِ
                مثل ليثِ العرين تلقاهُ لمّا ... حلّ في جوف جيشه شِبلانِ
                عارف بالجميل يغضي حياء ... حين تلقاه للفتى عينان
                صابرٌ مانعٌ حفوظٌ أَلوفٌ ... دافعٌ مانعٌ بغيرِ امتنانِ
                ألينُ الخلقِ مِعطفا لحميم ... ولا عدائه كحدِّ السنانِ
                وأرى الناس غير من أنتَ مِنهمْ ... خُلقوا كالذباب والصيران

                من عاش عمراً طويلاً له الخبرة و الحكمة في الحياة، فالحياة ما هي إلا مسرح و الجميع ممثلون فيها ، و كلٌ يلعب دوراً في سيرها، لذلك للكل بصمة خاصّة به يضعها لكي يفيد بهاالآخرين.

                تعليق


                • #9
                  وممن أفسد الصديق بحرمته فأقام الكلب بنصرتهما أخبرونا عن أبي الحسن المدايني يرفعه عن عمرو بن شمر قال كان للحارث ابن صعصعة ندمان لا يفارقهم شديد المحبة لهم فبعث أحدهم بزوجته فراسلها وكان للحارث كلبٌ ربّاه فخرج الحارث في بعض منتزهاته ومعه ندماؤه وتخلَّف عنهُ ذلك الرجل فلما بعد الحارث عن منزله جاء نديمه إلى زوجته فأقام عندها يأكل ويشرب فلما سكرا واضّطجعا ورأى الكلب أنه قد ثار على بطنها وثب الكلب عليهما فقتلهما فلما رجع الحارث إلى منزله ونظر إليهما علاف القصة ووقف ندماؤه على ذلك وأنشأ يقول طويل:
                  وما زال يرعى ذِمَّتي ويحوطني ... ويحفظ عرسي والخليل يخون
                  فواعجبا للخلِّ يهتك حُرمتي ... ويا عجباً للكلب كيف يصونُ
                  قال وهجر من كان يعاشره واتّخذ كلبه نديما وصاحبت فتحدث به العرب وأنشأ يقول طويل:
                  فلَلكلبُ خيرٌ من خليل يخونني ... وينكِحُ عرسي بعدوقت رحيلي
                  سأجعلُ كلبي ما حييتُ منادِمي ... وأمنحُه وُدِّي وصفوَ خليلي
                  وذكر ابن دأب قال كان للحسن بن مالك الغنوي أخوان وندمان فأفسد بعضهم محرما وكان له على باب داره كلب قد رباه فجاء الرجل يوما إلى منزل الحسن فدخل إلى امرأته فقالت له قد بعد فهل لك في جلسة يُسرُّ بعضنا فقال نعم فأكلا وشربا ووقع عليها فلما علاها وثب الكلب عليهما فقتلهما فلما جاء الحسن ورآهما على تلك الحال تبيّن ما فعلا فأنشأ يقول طويل:
                  أضحى خليلي بعد صفو مودتي ... صريعا بدار الذلِّ أسلمه الغدر
                  وطي حُرمتي بعد الإخاء وخانني ... فغادَره كلبي وقد ضَمَّه القبرُ
                  قال الأصمعي: كان لمالك بن الوليد أصدقاء لا يفارقهم ولا يصبر عنهم فأرسل أحدهم إلى زوجته فأجابته وجاء ليلة واستخفي في بعض دور مالك عند امرأته ومالك لا بعلم شيء من ذلك فلما أخذ في شأنها وثب لمالك عليهما فقتلهما ومالك لا يعقل من السكر فلما أفاق وقف عليهما وأنشأ يقول خفيف:
                  كل كلب حفظته لكأرغى ... ما بقي ليوم التنادِ
                  من خليل يخون في النفس والما ... لِ وفي العرس بعد صَفو الوِدادِ
                  وقال آخر خفيف:
                  وإذا قلت ويك الكلب إخسا ... لحظَتني عيناكَ لحظةَ تُهمَهْ
                  أترى إني حبستك كلبا ... أنت عنه من أبعدِ الناس همة
                  ذكرو أن صعصعة بن خالد كان له صديق لا يفارقه فجاء يوما فرآه قتيلا على فراشه مع امرأته فأيقن بخيانتهما فقال كامل:
                  الغدر شيمة كلِّ ندل سِفلةٌ ... والكلب يحفظ عهدَك الدهرا
                  فدعِ اللئامَ وكن لِكلبكَ حافظاً ... فلْتأمنَنَّ الغدر والمَكرا
                  وحدثني بعض أصدقائي قال خرجتُ ليلةً وأنا سكران فقصدت بعض البساتين لأمر من الأمور ومعي كلبان كنت ربيتهما ومعي عصا فحملتني عيني فإذا الكلبان ينبحان ويصيحان فانتبهت بصياحهما فلم أر شيئا أنكِرُه فضربتهما وطردتهما ونمت ثم عادوا الصياح والنُّباح فأنبهاني فلم أر شيئا أنكره أيضا فوثبت إليهما وطردتهما فما أحسستُ إلا وقد سقطا عليَّ يحرِّكاني بأيديهما وأرجلهما كما يحرك اليقظان النائم لأمرٍ هائل فوثبت فإذا بأسود سالح قد قرُب مِنِّي فوثبتُ إليه فقتلته وانصرفت إلى منزلي فكان الكلبان بعد الله عز وجل سببا لخلاصي.
                  ويرى أنه كان لميمونة زوجُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم - كلب يقال له مسمار وكان إذا حجَّت خرجت به معها فليس يطمع أحد بالقرب من رحلِها مع مسمار فإذا رجعت جعلته في بني جديلة وأنفقت عليه فلما مات قيل لها مات مِسمار فبكن وقالت فُجعتُ بمسمار.
                  وحدثني أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله قال حدثنا يحيى بن أيوب عن يونس بن أبي رافع قال كانت للزهري كلبةُ صيدٍ فكان يطلب لها الفحول يلتمس نسلها قال وكان رجل يشرب عند قوم فرأى منهم رجلا يلاحظ امرأته فقال خفيف:
                  كل هنيئا وما شرِبتَ مريئا ... ثم قم فغيرَ كريمِ
                  لا أحبُّ النديم يومضن بالعين ... إذا ما خلى بعِرسِ النديمِ

                  وحدثني صديق لي أنه كان له صديق ماتت امرأته وخلّفت صبيّا وكان له كلب قد رباه فترك يوما ولده في الدار مع الكلب وخرج لبعض الحوائج وعاد بعد ساعة فرأى الكلب في الدهليز وهو ملوِّثٌ بالدم وجهه وبوزَه كلّه فظنَّ الرجل أنه قد قَتل ابنه وأكله.
                  فعمد إلى الكلب فقتله قبل أن يدخل الدار ثم دخل الدار فوجد الصبيَّ نائماً في مهده وإلى جانبه بقية أفعى قد قتلها الكلب وأكل بعضها فندم الرجل على قتله أشد ندامة ودفن الكلب.
                  انتهى.
                  من عاش عمراً طويلاً له الخبرة و الحكمة في الحياة، فالحياة ما هي إلا مسرح و الجميع ممثلون فيها ، و كلٌ يلعب دوراً في سيرها، لذلك للكل بصمة خاصّة به يضعها لكي يفيد بهاالآخرين.

                  تعليق

                  يعمل...
                  X