إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حقيقة الصوفية في ضوء الكتاب والسنة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حقيقة الصوفية في ضوء الكتاب والسنة

    حقيقة الصوفية في ضوء الكتاب والسنة



    بسم الله الرحمن الرحيم
    الكتاب: حقيقة الصوفية في ضوء الكتاب والسنة.
    المؤلف: الدكتور محمد بن ربيع هادي المدخلي، المدرس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.

    مقدمة:
    الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد فهذه محاضرة قمت بإلقائها على طلبة دار الحديث المكية عام 1401 هـ وهي بعنوان"حقيقة الصوفية في ضوء الكتاب والسنة".
    وقد طلب مني بعض المخلصين طبعها ونشرها لتعم بها الفائدة فلبيت رغم ضيق الوقت لديّ ، وقد راعيت عند إعدادها مدارك الطلاب الذين ألقيت عليهم، فجاءت بحمد الله مبسطة مع شمولها لجوانب الموضوع.
    وأسأل الله أن ينفع بها كل طالب للحق والله وراء المقصد .
    المؤلف، مكة المكرمة في 6/3/1404هـ .
    تمهيد:
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
    أما بعد: فإن الله تبارك وتعالى خلقنا في هذه الحياة لحكمة عظيمة يحبها ويرضاها ألا وهي عبادته وحده لا شريك له كما قال تعالى:﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾،[الذاريات:45].
    وقد ميّز الله الإنسان من بين سائر المخلوقات بأن منحه العقل الذي يستطيع أن يعرف به ربه ويستطيع أن يميز بين ما ينفعه ويضره، ومن رحمته سبحانه بعباده لم يكلهم في معرفة الخير والشر إلى العقل وحده، بل أرسل الرسل وأنزل إليهم الكتب التي تشتمل على أوامر الله ونواهيه وأحكامه التي فيها سعادة البشر في الدنيا والآخرة .
    وبعد إرسال الرسل لا تبقى حجة أو عذر لضال أو زائغ عن طريق الله، بل يكون مستحقاً للعذاب، قال تعالى:﴿رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل﴾،[النساء:194].
    وقد ختم الله الرسل بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهو خاتم الرسل وأفضلهم . وقد أنزل عليه أفضل الكتب فكانت شريعته أكمل وأجمل الشرائع، ولم يلتحق صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى حتى أكمل الله الدين وأتم النعمة كما قال تعالى في الآية التي أنزلت قبيل وفاته صلى الله عليه وسلم وذلك في يوم عرفة وهو بالموقف في حجة الوداع ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً﴾،[المائدة:4].فلم يبقى مجال لأحد كائنا من كان أن يبتدع في الدين شيئاً أو يزيد فيه أو ينقص منه. وكان أول ما دعا إليه رسول الله عليه الصلاة والسلام هو التوحيد المتمثل في شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . وقد مكث في مكة بعد البعثة ثلاثة عشر عاماً يدعو إلى هذه الكلمة ولم يدع إلى شيء غيرها، وقد أطبقت الرسل على الدعوة إلى هذه الكلمة، فما منهم من أحد إلا افتتح دعوته لقومه بقوله: ﴿اعبدوا الله مالكم من إله غيره﴾ فالتوحيد هو زبدة الرسالات وغايتها وقطب رحاها ترتكز كلها عليه وتستند في وجودها إليه ولنستشهد ببعض الآيات في ذلك:
    قال الله تعالى: ﴿ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين﴾،[النحل:36].
    وقال تعالى: ﴿لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم﴾،[الأعراف:59].
    وقال تعالى: ﴿وإلى ثمود أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض﴾،[هود:61].وقال تعالى: ﴿وإلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره﴾،[هود:84].
    إلى غير ذلك من الآيات التي تنص على أن الدعوة إلى التوحيد هي أول ما يفاتح به الرسل قومهم لأن التوحيد هو أساس الإسلام الذي هو دين الرسل ولأنبياء جميعاً فإذا ثبت الأساس يبنى عليه غيره من العبادات والأحكام.
    وليس معنى هذا أن يستهين الدعاة بفروع الإسلام الأخرى، ولكن من المتفق عليه أنه لا يصح عمل ولا يقبل ما لم تكن عقيدة صاحب هذا العمل مستقيمة وصحيحة.
    كما انه لا يصح أن نبني داراً قبل أن نثبت الأساس الذي تبنى عليه، و إلا فإن البناء سرعان ما ينهار ويسقط؛ ويؤكد هذا أن الشرك: هو ضد التوحيد أعظم إثماً وجرماً مما سواه من الذنوب ولذلك أخبر الله تعالى أنه من مات على الشرك لا يغفر الله له.
    قال تعالى: ﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك ما يشاء﴾[النساء:116]. وكل ذنب يقترفه الإنسان دون الشرك بالله والكفر به هناك رجاء أن يغفره الله ويدخل صاحبه الجنة إذا كان سالماً من أوضار الشرك. أما من مات على الشرك بالله ولو كان يدعي الإسلام فمصيره المحتوم هو النار أجارنا الله وإياكم منها .
    لذلك أيها الأخوة وأيها الدعاة يجب أن ننتبه لهذا الأمر الجليل فندعو الناس إلى التوحيد ونحذرهم من الشرك بالله ونجعل ذلك في رأس قائمة ما ندعو إليه.
    وحينما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمين ليدعوهم إلى الله علمه كيف يبدأ دعوته حيث أرشده إلى الأهم فالمهم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال له : إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا غله إلا الله – وفي رواية أن يوحدوا الله – فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله أفترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنياهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك بذلك فإياك و كرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب " – متفق عليه - .
    والشاهد من الحديث هو إرشاده صلى اله عليه وسلم معاذاً كيفية الدعوة وأن يبدأ بالدعوة إلى التوحيد قبل كل شيء فمتى دخلوا في التوحيد يدعوهم إلى الشرائع الأخرى بادئاً بالصلاة التي هي رأس العبادات، فينبغي أن يكون لكل داعية في رسول الله أسوة حسنة .
    أيها الأخوة.. وإذا علم هذا فإن خناك دعوات هدامة قامت في صفوف المسلمين زعزعت العقيدة في قلوب كثير من المسلمين وعكرت صفاء العقيدة الإسلامية وتدرجت في مدارجها حتى بلغت مبلغاً خطيراً أدى إلى تفرق المسلمين إلى شيع وأحزاب حيث يصدق عليهم قوله صلى الله عليه وسلم: " ألا وإن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة وهي الجماعة ". رواه أحمد وأبو داود وحسنه الحافظ ولا شك أن كل فرقة من هذه الفرق تزعم نفسها أنها هي الفرقة الناجية، وأنها على الصواب، وأنها تتبع الرسول دون غيرها، علماً بأن طريق الحق هو طريق واحد، وهو المؤدي إلى النجاة وما سواه فهي طرق ضلال تؤدي إلى الهلاك كما وردت في الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " خط لنا رسول الله خطاً بيده: وقال هذا سبيل الله مستقيماً، ثم خط خطوطاً عن يمينه وشماله ثم قال هذه السبل ليس منها إلا سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ثم قرأ : ﴿وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله﴾-رواه مسلم-
    فطريق الحق هو التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعدم مخالفتهما كما ورد في الحديث:"تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض"-صحيح رواه الحاكم-

    وقد بشرنا النبي صلى الله عليه وسلم ببقاء طائفة من أمته على الحق إلى يوم القيامة فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة"-رواه مسلم-.
    أيها الأخوة: كان ذلك تمهيداً للموضوع الذي سأتطرق إليه وهو: " الصوفية في ضوء الكتاب والسنة " ذلك لأن الصوفية قد لعبت دوراً كبيراً في حياة المسلمين منذ القرن الثالث الهجري إلى يومنا هذا وقد بلغت أوج مجدها في القرون المتأخرة. وقد أثرت تأثيراً بالغاً في عقائد المسلمين وغيرتها عن مسارها الصحيح الذي جاء به القرآن الكريم والسنة المطهرة وكان ذلك هو أخطر جانب من جوانب الصوفية حيث اقترن بالفكر الصوفي التعلق بالأولياء والمشايخ والمبالغة في تقديس الأموات كما اقترن بها القول بالحلول و وحدة الوجود، إضافة إلى ما أفسدت الصوفية من الجوانب الأخرى. حيث يتسم أتباعها بالتواكل والرهبنة كما أنها عطلت الروح الجهادية في الأمة الإسلامية إذ اشتغلوا عن الجهاد الإسلامي الذي هو القتال في سبيل الله –حيث يسمونه الجهاد الأصغر-مستندين إلى حديث" رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر جهاد النفس"
    وهو حديث باطل مما أتاح للدول الاستعمارية الفرصة في القرنين الماضيين باحتلال أغلب ديار المسلمين ولا تزال الصوفية ضاربة أطنابها في جميع أرجاء بلاد المسلمين .

    من عاش عمراً طويلاً له الخبرة و الحكمة في الحياة، فالحياة ما هي إلا مسرح و الجميع ممثلون فيها ، و كلٌ يلعب دوراً في سيرها، لذلك للكل بصمة خاصّة به يضعها لكي يفيد بهاالآخرين.

  • #2
    تعريف الصوفية:
    لمَ سميت بهذا الاسم؟
    إن كلمة الصوفية مأخوذة من كلمة يونانية "صوفيا" ومعناها الحكمة . وقيل إنه نسبة إلى لبس الصوف-وهذا هو المعنى الأقرب للصحة-لأن لبس الصوف كان علامة على الزهد. ويقال إن ذلك تشبهٌُ بالمسيح عيسى ابن مريم عليه السلام.
    وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى(1) عن محمد بن سيرين أنه بلغه أن قوما يفضلون لباس الصوف فقال : إن قوما يتخذون الصوف يقولون إنهم يتشبهون بالمسيح ابن مريم، وهدى نبينا أحب إلينا، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يلبس القطن وغيره.
    تاريخ ظهور الصوفية:
    أما تاريخ ظهور الصوفية، فإن لفظ "الصوفية" لم يكن معروفا على عصر الصحابة بل لم يكن مشهوراً في القرون الثلاثة المفضلة. وإنما اشتهر بعد القرون الثلاثة الأول(2).
    ويذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن أول ظهور الصوفية من البصرة بالعراق، وكان في البصرة من المبالغة في الزهد والعبادة ما لم يكن في سائر الأمصار(3).

    ــــــــــــــ
    1-الفتاوى 11/7.
    2-الفتاوى 11/5.
    3-الفتاوى 11/6.




    كيف نشأت الصوفية:
    وعند نشأة التصوف لم يكن هناك تميز كامل للمتصوفة بل كان الأمر مقتصراً على المبالغة في الزهد وملازمة الذكر والخوف الشديد عند الذكر الذي قد يؤدي إلى الإغماء أو الموت عند سماع آية وعيد كقصة زرارة بن اوفى قاضي البصرة فإنه قرأ في صلاة الفجر﴿فإذا نقر في الناقور﴾ فخرّ ميتاً.
    وقصة أبي جهر الأعمى الذي قرأ عليه صالح المرى فمات . وكان فيهم طوائف يصعقون عند سماع القرآن.يقول شيخ الإسلام ابن تيمية معلقاً على ذلك: "ولم يكن الصحابة من هذا الحال . فلما ظهر ذلك أنكر ذلك طائفة من الصحابة والتابعين كأسماء بنت أبي بكر وعبد الله بن الزبير ومحمد بن سيرين.. لأنهم رأوا ذلك بدعة مخالفاً لما عرف من هدي الصحابة"(1).
    ويقول ابن الجوزي في تلبيس إبليس:
    "والتصوف طريقة كان ابتداؤها الزهد الكلي ثم ترخص المنتسبون إليه بالسماع والرقص. فمال إليهم طلاب الآخرة من العوام لما يظهرونه من التزهد ومال إليهم طلاب الدنيا لما يرون عندهم من الراحة واللعب"(2).
    ويقول الشيخ أبو زهرة رحمه الله في بيان سبب ظهور التصوف والينابيع التي استقى منها: "نشأ التصوف من ينبوعين مختلفين تلاقيا:
    1. "الينبوع الأول: هو انصراف بعض العباد المسلمين إلى الزهد في الدنيا والانقطاع للعبادة وقد ابتدأ ذلك في عصر النبي صلى الله عليه وسلم فكان من الصحابة من اعتزم أن يقوم الليل مجتهداً ولا ينام، ومنهم من يصوم ولا يفطر.
    ومنهم من ينقطع عن النساء. فلما بلغ أمرهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: مابال أقوام يقولون كذا وكذا. لكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام وأتزوج النساء. فمن رغب عن سنتي فليس مني .-متفق عليه-
    ولقد نهى القرآن عن بدعة الرهبنة فقال:﴿ورهبانية ابتدعوها﴾[الحديد:27] ؛ ولكن بعد أن انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ودخل الإسلام ناس كثيرون من أهل الديانات السابقة.. كثر الزهاد الذين غالوا في الزهادة في الدنيا ونعيمها.. وفي وسط تلك النفوس وجد
    التصوف مكانه غذ وجد أرضاً خصبة.
    2. والينبوع الثاني: الذي وجه النفوس هو ما سرى إلى المسلمين من فكرتين إحداهما فلسفية والأخرى من الديانات القديمة، وهما:
    الفكرة الأولى: فهي فكرة الإشراقيين من الفلاسفة وهم الذين يرون أن المعرفة تقذف في النفس بالرياضة الروحية والتهذيب النفسي.
    والفكرة الثانية: فكرة الحلول الإلهي في النفوس الإنسانية أو حلول اللاهوت في الناسوت وتلك الفكرة قد ابتدأت تدخل في الطوائف التي كانت تنتمي كذباً إلى الإسلام في الصدر الأول عندما اختلط المسلمون في النصارى، وقد ظهرت تلك الفكرة في السبئية وبعض الكيسانية ثم القرامطة ثم في بعض الباطينة ثم ظهرت في لونها الأخير في بعض الصوفية".
    "وهناك معين آخر أخذت منه فيما يظهر النزعات الصوفية وهو كون النصوص والأحكام-أي نصوص الكتاب والسنة-لها ظاهر وباطن... ويظهر أن المتصوفة قد استفادوا واستعاروا ذلك التفكير من الباطنية..."(3).
    وهكذا اختلطت تلك المنازع كلها من مغالاة في الزهد إلى فتح الباب لأفكار الحلول ثم وحدة الوجود، ثم كان من إختلاطها ذلك التصوف الذي ظهر في الإسلام واشتد في القرن الرابع والخامس، ثم بلغ أقصى مداه فيما بعد ذلك، بعيداً كل البعد عن هدى القرآن الكريم والسنة المطهرة حتى بلغ أن المتصوفة يسمون من يتبع القرآن والسمة أهل الشريعة وأهل الظاهر ويسمون أنفسهم أهل الحقيقة وأهل الباطن .
    مذاهب الصوفية:
    يمكن تقسيم الغلاة من الصوفية إلى ثلاثة أقسام:
    1. القسم الأول : أهل المذهب الإشراقي:
    وهو الذي غلبت فيه الناحية الفلسفية على ما عداها مع الزهد، والمقصود بالمذهب الإشراقي، الإشراق النفسي الذي يفيض في القلب بالنور، والذي يكون نتيجة للتربية النفسية والرياضة الروحية وتعذيب الجسم لتنقية الروح وتصفيتها ومكن أن تكون هذه الصفة يشترك فيها جميع الصوفية وأهل هذا القسم توقفوا عند هذا الحد ولم يقعوا فيما وقع فيه غيرهم من القائلين بالحلول ووحدة الوجود ولكن هذا الأسلوب مخالف لتعاليم الإسلام وهو مأخوذ من الديانات المنحرفة كالبوذية وغيرها .
    2. المذهب الثاني: مذهب الحلول:
    وهم القائلون بأن الله يحل في الإنسان-تعالى الله عن ذلك- وقد نادى بعض الغلاة من الصوفية كالحسين بن منصور الحلاج الذي أفتى العلماء بكفره وقتله. وقد قتل وصلب سنة309 هـ وقد نُسب إليه قوله:
    ــــــــــــــ
    1-الفتاوى 11/6.
    2-تلبيس إبليس ص 161.
    3-كتاب "ابن تيمية" لأبي زهرة ص 197-198.



    سبحان من أظهر ناسوته *** سِرَّسـنا لاهوتـه الثـاقب
    ثم بدا في خلقه ظاهـراً *** في صورة الآكل والشارب
    حتى لقد عاينـه خلقـه *** كلحظة الحـاجب بالحاجب(1)
    وقوله:
    أنا من أهوى ومن أهوى*** أنا نحن روحان حللنا بدنا
    فـإذا أبصرتني أبصرته*** وإذا أبصـرته أبصـرتنا

    فالحلاج حلولي يؤمن بثنائية الحقيقة الإلهية، فيزعم أن الإله له طبيعتان: هما اللاهوت والناسوت. وقد حل اللاهوت في الناسوت فروح الإنسان هي لاهوت الحقيقة الإلهية وبدنه ناسوته.
    ورغم أنه قتل لزندقته فقد تبرأ منه بعض الصوفية وأما بعضهم فقد عدوه من الصوفية وصححوا له حاله ودونوا كلامه ومنهم أبو العباس بن عطاء البغدادي ومحمد بن خفيف الشيرازي وإبراهيم النصراباذي(2) كما نقل ذلك الخطيب البغدادي.
    3. المذهب الثالث: القول بوحدة الوجود:
    وهو يقرر أن الموجود واحد في الحقيقة وكل ما نراه ليس إلا تعينات للذات الإلهية وزعيم هذه الطائفة ابن عربي الحاتمي الطائي المدفون بدمشق والمتوفى سنة 638 هـ ويقول في ذلك في كتابه الفتوحات المكية:
    العبد رب والرب عبد*** يا ليت شعري من المكلف
    إن قلت عبد فذاك حق*** أو قلت رب أنّى يكـلف(3)

    ويقول أيضاً في الفتوحات:
    "إن الذين عبدوا العجل ما عبدوا غير الله" (4) .
    وابن عربي هذا يلقبه الصوفية بالعارف بالله، والقطب الأكبر، والمسك الأذفر، والكبريت الأحمر، مع قوله بوحدة الوجود وغيرها من الطامات، فإنه يمدح فرعون ويحكم بأنه مات على الإيمان. ويذم هارون على إنكاره على قومه عبادة العجل مخالفاً بذلك نص القرآن، ويرى أن النصارى إنما كفروا لأنهم خصصوا عيسى بألوهية ولو عمموا لما كفروا(5).
    ومن هذه الطائفة ابن بشيش الذي يقول: اللهم انشلني من أوحال التوحيد وأغرقني في بحر الوحدة وزج بي في الأحدية حتى لا أرى ولا أسمع ولا أحس إلا بها .
    تقديس المشايخ عند الصوفية:
    فهذه أيها الأخوة مذاهب الصوفية أبسطها الرهبانية التي نهى عنها الإسلام وأفظعها القول بالحلول ووحدة الوجود وقد بالغت جميع الطوائف الصوفية في تقديس المشايخ وإذلال التلميذ المسمى-المريد-لشيخه، فيكون المريد مطيعاً لشيخه طاعة مطلقة لا اعتراض فيها حتى يكون في يد الشيخ كالميت في يد الغاسل .
    ويقول محمد عثمان الصوفي صاحب الهبات المقتبسة عند ذكر آداب المريد: " ومنها أن تجلس جلوس الصلاة عنده، وأن تفنى فيه، وألا تجلس فوق سجادته وألا تتوضأ بإبريقه ولا تتكئ على عكازته واسمع إلى ما قال بعض الأصفياء: من قال لشيخه لِـمَ ؟ لَمْ يفلح !! .
    وقد نظمها مصطفى البكري في " بُلغة المريد " بقوله:
    وسلم الأمر له لا تعترض *** ولو بعصيان أتى إذا فرض
    وكن لديه مثل ميت فانى *** لدى مغسل لتمـس دانـى
    ولا تطأ له على سجـادة *** ولا تـنم لـه على وسـادة(6)

    ففرضت الصوفية على التلميذ أن يكون مستعبد الفكر والبدن لشيخه سليب الإدارة كجثة الميت في يد الغاسل حتى لو رآه يرتكب معصية أو مخالفة فلا يجوز له حتى الاستفسار عن سبب و إلا طر من رحمة شيخه ولم يفلح وهذا من أسباب انحراف الصوفية لأنهم قد ألغوا النهي عن المنكر حتى أصبح المنكر معروفاً عندهم بل قربة وكرامة.

    ــــــــــــــ
    1-الطواسين للحلاج ص 130.
    2-تاريخ بغداد:8/112.
    3-الفتوحات المكية، ص43.
    4-عزاه ابن تيمية في الفتاوى جـ 11 إلى الفتوحات لابن عربي، وانظر تنبيه الغبي للبقاعي ص124-127.
    5-مع كل ضلالات ابن عربي وتكفير ابن عربي له فهو لا يزال مقدساً عند الصوفية وغيرهم من الناس الذين لا يميزون بين الحق و الباطل، والمعرضين عن قبول الحق مع وضوحه كالشمس، ولا تزال كتبه المليئة بالزندقة كالفتوحات المكية وفصوص الحكم متداولة وله تفسير في القرآن سماه "تفسير الباطن"، لأن كل آية عنده ظاهراً وباطناً، فظاهرها لأهل التفسير وباطنها لأهل التأويل. أنظر مقدمته للتفسير المذكور طبع بيروت.
    6-عزاه الوكيل إلى بلغة المريد.

    من عاش عمراً طويلاً له الخبرة و الحكمة في الحياة، فالحياة ما هي إلا مسرح و الجميع ممثلون فيها ، و كلٌ يلعب دوراً في سيرها، لذلك للكل بصمة خاصّة به يضعها لكي يفيد بهاالآخرين.

    تعليق


    • #3
      أما تعاليم الإسلام الصحيحة فإنه لا تجوز الطاعة في المعصية كما قال صلى الله عليه وسلم " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " – صحيح رواه أحمد – وحتى الوالدين اللذين لهما حق أكبر من كل أحد لا يجوز طاعتهما في معصية الله كما قال تعالى: ﴿وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا﴾ [لقمان:15].
      الفرق بين الزهد والتصوف:
      أيها الأخوة: إن دين الإسلام يأمر بالاعتدال والتوسط في كل شيء فلا إفراط ولا تفريط والإسلام بالنسبة للزهد في الدنيا وسط بين جشع اليهود وإفراطهم في حب الدنيا وبين أهل الرهبانية من النصارى الذين فرطوا في الأخذ بالأسباب وقعدوا عن العمل والاكتساب.
      والزهد إذا كان في حدود الإتباع فهو ممدوح في الإسلام ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم أول الزاهدين في متاع الدنيا وكذلك أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وكثير من الصحابة.
      ولم يكن زهدهم إهمال الكسب والعكوف في الأربطة لانتظار ما يجود به عليهم الناس بل كانت الدنيا تأتيهم فينفقونها في وجوه الخير ولم يكونوا يتركون الطيبات إلا حينما تتعذر عليهم، فإذا وجدت تمتعوا بها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب النساء والطيب ويأكل اللحم ويصوم ويفطر، ويقوم، وينام، ويعمل، ويجاهد، ويحكم بين المسلمين ويعلمهم القرآن والخير.
      ووجد في الأئمة زهاد على الطريقة التي كان عليها، رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الزهد الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ليس واجباً على المسلمين بدليل أنه لم يرد في القرآن ولا في السنة الأمر به، وبدليل أن الصحابة فيهم من كان يشتغل بالتجارة ويجمع المال الكثير كعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وكان الأنصار لهم بساتين يشتغلون بها فلم يمنعهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بل ورد في الحديث " نعم المال الصالح للعبد الصالح " – رواه أحمد - .
      ودعا صلى الله عليه وسلم لخادمه أنس بن مالك وكان في آخر دعائه " اللهم أكثر ماله وولده وبارك له " – صحيح البخاري كتاب الدعوات، رقم(6344) – .
      وأما زهد الصوفية... فهو ترك التكسب من الحلال والعمل النافع والعكوف في الأربطة لانتظار ما يجود به الناس أو التكفف والاستجداء أو غشيان الحكام والتجار والتدجيل عليهم... ومدحهم لينالوا من فتات موائدهم.
      وكذلك التكلف في الظهور بمظهر الفاقة في ملابسهم بلبس المرقعات البالية إظهاراً للتزهد والصلاح والولاية.
      وبعضهم قد يكون صادقاً في تقشفه فيمكث الأيام الكثيرة لا يأكل أو يأكل الخبز الناشف بالملح وهو قادر على أن يأكل من الطيبات. مخالفاً لسنته صلى الله عليه وسلم وقد قال: " فمن رغب عن سنتي فليس مني " – متفق عليه - ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل اللحم ويحب الذراع من الشاة . وبعض الصوفية يبالغ فيما يضره فقد يأكل بعضهم الرماد والتراب ويتعمد شرب الماء العكر ويتجنب الماء الصافي والبارد بحجة أنه لا يستطيع أن يؤدي شكره.
      وهذه حجة واهية، فهل إذا ترك الماء البارد يكون قد أدى الشكر لله على بقية النعم، كالبصر والسمع والصحة وغير ذلك ؟ بل من يفعل ذلك فهو آثم لأنه فعل ما يضر بجسمه ويؤدي به إلى الهلاك والله تعالى يقول: ﴿ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً﴾، وقال تعالى: ﴿يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر﴾، وقد أباح للمسلم أن يفطر في رمضان إذا كان مسافراً أو مريضاً رحمة بنا فلله الحمد والمنة.
      وقد كان التقشف المشار إليه في أوائل المتصوفة أما المتأخرون فصارت همتهم المأكل والمشرب يقول ابن الجوزي في تلبيس إبليس بعد أن انتقد الصوفية في تقشفهم وخروجهم عن الاعتدال في الزهد إلى حد تعذيب أنفسهم ثم قال:"وهذا الذي نهينا عنه من التقلل الزائد في الحد قد انعكس في صوفية زماننا –أي في القرن السادس- فصارت همتهم في المأكل كما كانت همة متقدميهم في الجوع، لهم الغداء والعشاء والحلوى وكل ذلك أو أكثره حاصل من أموال وسخة، وقد تركوا الكسب في الدنيا وأعرضوا عن التعبد وافترشوا فراش البطالة فلا همة لأكثرهم إلا الأكل والشرب واللعب".
      وما حكاه ابن الجوزي هو حال صوفية زماننا، بل زادوا عليه أضعافاً. أيها الأخوة... ولا يتسع المجال لذكر وقائع من أفعال الصوفية في ذلك .
      نماذج من شطحات غلاة الصوفية:
      أيها الأخوة: ليس القصد من بيان حال الصوفية الشماتة أو التندر، بل المقصود تحذير كل مسلم من الاغترار بشيء من ترهاتهم أو الانخداع بحيلهم ومغالطاتهم.
      وقد صنف علمائنا قديما وحديثا الكتب للرد على ضلالات الصوفية ومن ذلك كتاب تلبيس إبليس للحافظ أبي الفرج ابن الجوزي المتوفى سنة 597 وقد خصص منه زهاء ثلاثمائة صفحة لنقد مسالك الصوفية في عقائدهم وعاداتهم وملابسهم وترخصهم في السماع والأغاني والرقص ومصاحبتهم الأحداث والمردان وغير ذلك .
      وكذلك اعتنى بالرد عليهم بل وأعلن حربه عليهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقد تعرض على أيديهم للأذى والسجن حتى مات في السجن رحمه الله.
      وألف العلامة برهان الدين البقاعي المتوفى سنة 885 كتابين في الرد على المتصوفة وهما:
      1. تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي .
      2. تحذير العباد من أهل العناد ببدعة الاتحاد .
      وهما مطبوعان ضمن كتاب واحد بتحقيق الشيخ عبد الرحمن الوكيل -رحمه الله- وسماه "مصرع التصوف" .
      وقد نقل البقاعي أقوال العلماء في تكفير ابن عربي وابن الفارض كما استشهد بأقوالهم وأشعارهم التي كفرهما العلماء بسببها .
      أيها الأخوة:يقول العلامة برهان الدين البقاعي في بيان عقيدة ابن عربي في أول كتابه "تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي" : "ينبغي أن يعلم أولاً أن كلامه-أي ابن عربي-دائر على الوحدة المطلقة وهي أنه لا شيء سوى هذا العالم. وأن الإله أمر كلى لا وجود له إلا في ضمن جزئياته" .
      واستمعوا إلى قول ابن عربي في معنى اسم الله تعالى (العلي) على من ؟ وما ثم إلا هو!! فهو العلي لذاته أو عن ماذا ؟ وما هو إلا هو، فعلوّه لنفسه وهو من حيث الوجود عين الموجودات...إلى أن قال عن الله: "فهو عين ما ظهر وهو عين ما بطن في حال ظهوره وما ثم من يراه غيره وما ثم من يبطن عنه فهو ظاهر لنفسه باطن عنه، وهو المسمى أبا سعيد الخراز"!!
      "وغير ذلك من أسماء المحدثات"(1)
      فكل شيء عند ابن عربي هو الله، وصرح بأن الله هو أبو سعيد الخراز وأبو سعيد الخراز صوفي من بغداد توفى سنة 277 هـ .
      أليس هذا الكلام أيها الأخوة أعظم من قول النصارى في الله ؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .
      قال الإمام زين الدين العراقي في جواب من سأله عن حال ابن عربي: "وأما قوله فهو عين ما ظهر وعين ما بطن فهو كلام مسموم في ظاهره القول بالوحدة المطلقة وأن جميع مخلوقاته هي عينه ويدل على إرادته لذلك صريحاً قوله بعد ذلك ؟ " وهو المسمى أبا سعيد الخراز وغير ذلك من أسماء المحدثات...وقائل ذلك والمعتقد له كافر بإجماع العلماء.(2)
      وحدة الأديان عند ابن عربي:
      وابن عربي يقر جميع المشركين والوثنيين أنهم على حق لأن الله كل شيء فمن عبد صنماً أو عبد حجراً أو شجراً أو إنساناً أو كوكباً فقد عبد الله،
      فيقول في ذلك:
      "والعارف المكمل من رأى كل معبود مجلى للحق يعبد فيه ولذلك سموه كلهم إلهاً مع اسمه الخاص بحجر، أو شجر، أو حيوان، أو إنسان، أو كوكب أو ملك"(3). فابن عربي يصوب عبادتهم لأن كل ما عبدوه ليس إلا رباً تجلى في صورة إنسان أو شجر أو حجر .
      أيها الأخوة: فإذا كفرت الصابئة لأنهم عبدوا الكواكب وكفرت اليهود لأنهم عبدوا العجل وكفرت النصارى لأنهم عبدوا عيسى وكفرت قريش قبل الإسلام لعبادتهم الأصنام. فكيف لا يكفر من يدعو إلى عبادة كل هذه الأشياء(4)؟ .
      ويعترف ابن عربي بإيمانه بوحدة الأديان وأن قلبه يتسع لكل ملة ودين فيقول في كتابه ذخائر الأعلاق شرح ترجمان الأشواق:
      لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي*** إذا لم يكن ديني إلى دينه دانى
      لقد صار قلبي قابلاً كل صـورةٍ*** فمرعى لغزلان و دير لرهبان
      وبـيت لأوثـان وكعـبة طائفٍ*** وألواح توراة و مصحف قرآن
      أديـن بديـن الحب أنّى توجهت*** ركائبه فالدين ديني و إيماني(5)

      ويحذر ابن عربي أتباعه أن يؤمنوا بدين خاص ويكفروا بما سواه فيقول في الفصوص: " فإياك أن تتقيد بعقد مخصوص وتكفر بما سواه فيفوتك خير كثير بل يفوتك العلم بالأمر على ما هو عليه، فكن في نفسك هيولى-أي قابلا لصور المعتقدات كلها- فإن الله تعالى أوسع وأعظم من أن يحصره عقد دون عقد فالكل مصيب وكل مصيب مأجور وكل مأجور سعيد وكل سعيد مرضى عنه(6).
      ولذلك فابن عربي يحكم بنجاة فرعون موسى ويقول معقباً على قوله تعالى: ﴿ قرة عين لي ولك﴾ : " فيه قرت عينها-أي امرأة فرعون- بالكمال الذي حصل لها، وكان قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله عند الغرق فقبضه طاهراً مطهّرا ليس فيه شيء من الخبث "(7) فهو يحكم لفرعون بالإيمان مخالفاً لنص القرآن الكريم في آيات كثيرة منها قوله تعالى: ﴿فأخذه الله نكال الآخرة والأولى﴾.
      ويقول عبد الكريم الجيلي المتوفى سنة 830 هـ مبيناً عقيدته بوحدة الأديان وذلك في كتابه الإنسان الكامل:
      وأسلمت نفسي حيث أسلمني الهوى*** ومالي عن حكم الحبيب تنـازع
      فطوراً تـراني في المساجد راكعاً*** و إني طورا في الكنـائس راتع
      إذا كنت في حكم الشريعة عاصيـاً*** فإنّي في علم الحقيـقة طـائع(8)

      ــــــــــــــ
      1-رواه البقاعي ص 63-64 ، وعزاه الوكيل إلى الفصوص – ص 76-77 لابن عربي .
      2-كتاب البقاعي ص 66 .
      3-الفصوص 1/195 ، الوكيل: هذه هي الصوفية ص 38 .
      4-انظر: هذه هي الصوفية ص 38 .
      5-ذخائر الأعلاق شرح ترجمان الأشواق لابن عربي .
      6-هذه هي الصوفية ص 94 ، وعزاه إلى الفصوص ص 191 .
      7-هذه هي الصوفية ص 95 ، وعزاه إلى الفصوص ص 201 .
      8-هذه هي الصوفية ص 96 ، وعزاه إلى الكتاب المذكور 1/69 .
      فلا فرق عند الجيلي بين المسجد والكنيسة وأنه وإن كان عاصياً لأمر الله في ظاهر الشرع-على حد زعمه-فإنه في الباطن مطيع لأنه أطاع إرادة الله .

      من عاش عمراً طويلاً له الخبرة و الحكمة في الحياة، فالحياة ما هي إلا مسرح و الجميع ممثلون فيها ، و كلٌ يلعب دوراً في سيرها، لذلك للكل بصمة خاصّة به يضعها لكي يفيد بهاالآخرين.

      تعليق


      • #4
        واستمع إلى ابن الفارض في تقرير أن الله هو عين خلقه، تعالى الله عن ذلك فهو يقول:
        أممت أمامي في الحقيقة فالـورى*** ورائي وكانت حيث وجهت وجهتي
        ولا غرو أن صلى الأنام إلـى أن*** ثـوت بفـؤادي و هي قبلة قبـلتي
        لها صلـواتي بالمـقام أقيـمهـا*** واشهـد فـيها أنـها لـي صـلت
        وما كان لي صلى سواي ولم تكن*** صلاتي لغيري في أدا كل ركـعةِ

        ولابن الفارض ديوان كامل يخاطب الله فيه بتاء التأنيث على هذا المنوال .
        ولا يتسع المجال أيها الأخوة لنقل الشواهد على إيمان معظم الصوفية بوحدة الوجود ووحدة الأديان من كلام أقطابهم كابن الفارض والجيلي وابن عجيبة وحسن رضوان وابن عامر والنابلسي والصدر القوني وابن مشيش والدمرداش، وغيرهم ومن شاء الوقوف على ذلك فليطلع على كتاب "هذه هي الصوفية" لعبد الرحمن الوكيل رحمه الله .
        كرامات الصوفية:
        لقد بالغ الصوفية في تقديس مشايخهم حتى رأوا أن كل ما يصدر عن الشيخ الصوفي حق وصواب بل فضل وكرامة وقد سجلوا في كتبهم كرامات شيوخهم وهي أنواع حيث تعلو حتى تبلغ إلى حد إحياء المواتى وقد تهبط إلى حد يستحى من ذكره .
        إحياء الموتى :
        واستمع إلى ما يرويه عبد الرءوف المناوي من أنواع الكرامات فيقول:
        " النوع الأول: إحياء الموتى وهو أعلاها فمن ذلك أن أبا عبيد اليسرى غزا ومعه دابة فماتت فسأل الله أن يحييها فقامت تنفض أذنيها...وأن مفرج الدماميني أحضر له فراخ مشوية فقال: طيري بأذن الله تعالى فطارت ..
        ووضع الكيلاني يده على عظم دجاجة أكلها وقال لها قومي بإذن الله فقامت ..
        ومات لتلميذ أبي يوسف الدهماني ولد فجزع عليه فقال له الشيخ : قم بإذن الله فقام وعاش طويلاً "(1).
        فلم تعد هذه كرامات بل معجزات كمعجزات نبي الله عيسى عليه السلام وهي خاصة به.
        الكلاب أولياء الصوفية:
        ويحدثنا الشعراني عن كرامات العجمي فيقول: "وقعت عينه على كلب فانقادت إليه جميع الكلاب وصار الناس يأتون إليه لقضاء حوائجهم فلما مرض ذلك الكلب اجتمع حوله الكلاب يبكون. فلما مات أظهروا البكاء والعويل وألهم الله بعض الناس فدفنوه فكانت الكلاب تزور قبره، حتى ماتوا فهذه نظرة إلى كلب فعلت ما فعلت فكيف لو وقعت على إنسان" (2) ؟.
        ويدعي الشعراني أن سيده أحمد البدوي يتصرف في الوجود وهو في قبره فاسمع إليه يقول: " عن شيخي أخذ عليّ العهد في القبة تجاه وجه سيدي أحمد البدوي وسلمني إليه بيده، فخرجت اليد الشريفة من القبر وقبضت على يدي. فقال سيدي الشناوي: يكون خاطرك عليه وأجعله تحت نظرك فسمعت سيدي أحمد يقول من القبر نعم.
        ثم يقول: " وتخلفت عن حضوري للمولد وكان هناك بعض الأولياء فأخبرني أن: سيدي أحمد البدوي كان ذلك اليوم يكشف الستر عن الضريح " ويقول: " أبطأ عبد الوهاب ما جاء "(3) .
        وينازع المرء الحياء أن ينقل كرامات أو جرائم الصوفي التي تتعلق بإتيان البهائم علانية في الطرقات وغيرها وزعمهم بأن ذلك من الكرامات. ونسوق هذه الكرامة للشيخ إبراهيم العريان. فيقول الشعراني: " ومنهم الشيخ إبراهيم العريان كان يطلع المنبر ويخطبهم عرياناً فيقول: تأملوا خطبته... السلطان ودمياط وباب اللوق .. وجامع طولون، الحمد لله رب العالمين "... قال " فيحصل للناس بسط عظيم "(4) .
        وحتى السرقة... تعتبر كرامة صوفية.
        واستمع إلى الدباغ وهو قطب صوفي: "أن الولي صاحب التصرف يمد يده إلى جيب من يشاء فيأخذ منه ما شاء من الدراهم، وذو الجيب لا يشعر"(5) .
        وهذا صوفي يزعم أن رؤية شيخه أنفع من رؤية الله: قال أبو تراب لصديقه يوماً: لو رأيت أبا يزيد البسطامي فقال إني مشغول فقد رأيت الله فأغناني عن أبا يزيد. فقال أبا تراب ويلك تفتخر بالله عز وجل، لو رأيت أبا يزيد مرة كان أنفع لك من أن ترى الله سبعين مرة (6) . يقول الغزالي فأمثال هذه المكاشفات لا ينبغي للمؤمن أن ينكرها.
        أيها الأخوة: وتدلنا هذه الأخبار أن أقطاب الصوفية لم يكتفوا باستحلال ما حرم الله من السرقة والفواحش بل جعلوا ذلك من علامات الولاية. إن في ذلك لمصادمة واضحة لتعاليم الإسلام وكفر صريح بنصوص القرآن الكريم والسنة

        ــــــــــــــ
        1-هذه هي الصوفية ص 116 ، الكواكب الدرية لعبد الرءوف المناوي ص 11.
        2-هذه هي الصوفية ص 113 ، الطبقات 2/61 ترجمة الشيخ العجمي.
        3-هذه هي الصوفية ص 113.
        4-هذه هي الصوفية ص 103 ، الطبقات 2/129.
        5-هذه هي الصوفية ص 124 ، الإبريز للدباغ 2/12.
        6-نقلاً باختصار عن أحياء علوم الدين للغزالي 4/356.
        المطهرة. وقد أجمع العلماء في الإسلام عن أن من استحل حراماً معلوماً بالضرورة فهو كافر.. فكيف بمن يرى ارتكاب الكبائر ولاية وكرامة ؟

        ثم إن الظاهرة الخطيرة عند الصوفية هي دعاء غير الله من الأموات.. هذا هو الشرك الأكبر الذي حذر منه القرآن الكريم ﴿ولا تدع من دون الله م لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين﴾ -أي المشركين- .
        يقول البوصيري شاعر الصوفي يخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم:
        يا أكرم الخلق ما لي من ألـوذ بـه*** سواك عند حدوث الحادث العمم
        ما سامني الدهر ضيماً واستجرت به*** إلا و نلت جـوازاً منه لم يضم

        * * * *

        من عاش عمراً طويلاً له الخبرة و الحكمة في الحياة، فالحياة ما هي إلا مسرح و الجميع ممثلون فيها ، و كلٌ يلعب دوراً في سيرها، لذلك للكل بصمة خاصّة به يضعها لكي يفيد بهاالآخرين.

        تعليق


        • #5
          أيها الأخوة : قد يقول قائل ولماذا تهتم بشأن الصوفية هذا الاهتمام وتنقل عبارات ابن العربي وابن الفارض وغيرهم بعد أن مضى على وفاتهم مئات السنين وكان الأولى أن تشن الغارة على الشيوعيين والملحدين وعلى الذين يحكِّمون القوانين ويتركون شريعة الله وأحكامه ولماذا لا تتكلم عن الفرق الضالة كالقاديانية والبهائية والنصيرية .
          وأقول في الجواب:
          إنه يجب على كل مسلم وخصوصا طاب العلم والداعية إلى الله أن يعمل جاهداً لمحاربة جميع المخالفين لشريعة الإسلام من شيوعيين أو ملحدين ومن قبوريين وصوفيين. وإنني ألاحظ أن كثيراً من الدعاة الذين لهم جهد مشكور في الدعوة إلى الإسلام يهتمون ببعض الجوانب ويتركون البعض الآخر.. بل يتناسونه فلم أجد أحداً يهتم بتحذير المسلمين من ضلالات الصوفية وخزعبلاتهم إلا قليلا وربما أخذ بعضهم الحنق على من يدعو إلى تحقيق العقيدة ويحذر من الصوفية ومن دعاة الأولياء بحجة أن ذلك يسبب فرقة المسلمين . بل وجدنا كبار الدعاة من يجدد الدعوة إلى إتباع التصوف ويؤلف كتاباً سماه " تربيتنا الروحية " أو " تصوف الحركة الإسلامية " وقد أظهر هذا الكتاب مدى حبه للصوفية وإيمانه بمخاريقهم وكراماتهم فاستمع إليه وهو يتحدث عن كرامات أصحاب الطريقة الرفاعية فيقول ص 217 : " فإنكار أصل الكرامة لطبقات الصوفية إنكار غير علمي وليس في محله، وأهم ما ينصب عليه الإنكار ما يحدث لأهل الطريقة الرفاعية من كون النار لا تؤثر فيهم ومن كون يضربون أنفسهم بالرصاص أو بالسيوف ولا يؤثر ذلك فيهم وهذه قضية منتشرة ومشتهرة محسة فقد تتبعها الكثير من المنكرون فرجعوا عن الإنكار، والواقع المشاهد أن ما يحدث لهؤلاء لا يمكن أن يكون سحراً لأن السحر جزء من عالم الأسباب و ههنا لا تجد لعالم الأسباب محلاً كما أنه لا يمكن أن يكون من باب الرياضة الروحية لأن هؤلاء قد تحدث للواحد منهم هذه الخوارق دون رياضة روحية أصلاً.. بمجرد أن يأخذ البيعة عن الشيخ. بل أحياناً بدون بيعة وقد حدثني مرة نصراني عن حادثة وقعت له شخصياً وهي حادثة مشهورة معلومة جمعني الله بصاحبها شخصياً، بعد أن بلغتني الحادثة من غيره، وحدثني أنه حضر حلقة ذكر، فضربه أحد الذاكرين بالشيش (سيخ حديد) في ظهره فخرج الشيش من صدره حتى قبض عليه بيده ثم سحب الشيش منه، ولم يكن لذلك أثر أو ضرر " .
          ثم يحتاط المؤلف –سعيد حوى- من أن يحتج عليه بأن من يفعل ذلك غالبا ما يكون فاسقاً غير تقي فكيف ينال الكرامة غير تقي فيقول:
          " إن الحجة الرئيسية لمنكرى هذا الموضوع هي أن هذه الخوارق تظهر على يد فساق من هؤلاء كما تظهر على يد الصالحين وهذا صحيح، والتعليل لذلك هو أن الكرامة ليست لهؤلاء بل هي للشيخ الأول الذي أكرمه الله عز وجل بهذه الكرامة وجعلها مستمرة في أتباعه ".
          فاعجبوا أيها الأخوة من عالم تنطلي عليه هذه المخاريق الشيطانية فيصدقها وهو محسوب من قادة الدعوة الإسلامية..
          إنه يعترف بأن كرامات الصوفية حقيقة لا يسع أحداً إنكارها.. ونحن نقول ما يمنع أن تكون هذه الكرامات بسبب تعاطي السحر أ بسبب تعاطي بعض الحيل كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حين تحدى الطرق الصوفية وأبطل دعاويهم الكاذبة وطلب من طائفة من أن يغسلوا أجسامهم بالخل والماء الحار قبل أن يسموا النار فامتنعوا وخافوا لأنه كشف حيلتهم حيث عرف أنهم يطلون أجسامهم بأدوية يصنعونها من دهن الضفادع وباطن قشر النَّارنج وحجر الطلق وغير ذلك من الحيل المعروفة .
          يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وقد يكون ذلك من فعل شياطينهم فهم قوم اقترنت بهم الشياطين كما يقترنون بإخوانهم فإذا حضروا سماع المكاء والتصدية أخذهم الحال فيزبدون ويرغون كما يفعله المصروع ويتكلمون بكلام لا يفهمونه هم ولا الحاضرون وهي شياطينهم تتكلم على ألسنتهم عند غيبة عقولهم كما يتكلم الجني على لسان المصروع. فإذا كان لبعض الناس مصروع أو نحوه أعطاهم شيئاً فيجيئون ويضربون لهم بالدف والملاهي، ويحرقون ويوقدون ناراً عظيمة مؤججة ويضعون الحديد العضيم حتى يبقى أعظم من الجمر وينصبون رماحاً فيها أسنًَة ثم يصعد أحدهم يقعد فوق أسنة الرماح قدام الناس ويأخذ ذلك الحديد المحمي ويمره على يده وأنواع ذلك ويرى الناس حجارة يُرمى بها ولا يرون من رمى بها، وذلك من شياطينهم الذين يصعدون بهم فوق الرمح(1) وهم الذين يباشرون النار وأولئك قد لا يشعرون بذلك كالمصروع الذي يضرب ضرباً وجيعا وهو لا يحس بذلك لأن الضرب يقع على الجني
          ــــــــــــــ
          1-وهذه الأحوال نراها عند المشركين وعند البوذيين وعند أصحاب السيرك كما نراها عند أصحاب الطريقة الرفاعية، وأقول إن كانت هذه الأفعال من الرحمن-وليست من الشيطان- فلماذا لا يُجّهز أصحاب الطريقة الرفاعية كتيبة من الرفاعيين ثم يذهبون للقتال في سبيل الله ، ونحن بأمسّ الحاجة لمثل هؤلاء الجنود الذين لا تؤثر فيهم أنواع الأسلحة !!.
          فكذا حال أهل الأحوال الشيطانية. ولهذا كلما كان الرجل أشبه بالجن والشياطين-أي في أعمالهم- كان حاله أقوى ولا يأتيهم الحال إلا عند مؤذن الشيطان وقرآنه فمؤذن الشيطان المزمار وقرآنه الغناء، لا يأتيهم الحال عند الصلاة والذكر والدعاء والقراءة، فلا لهذه الأحوال فائدة في الدين ولا في الدنيا. وهؤلاء أهل الأحوال الشيطانية في التلبيس يمحقون البركات ويقوون المخافات ويأكلون أموال الناس بالباطل لا يأكرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر ولا يجاهدون في سبيل الله(1) .

          أيها الأخوة الكرام: ليس التباهي بالكرامات في شعار الصالحين من الصحابة والتابعين ولا من أئمة الإسلام وعلماء المسلمين، فلم نسمع عن أحد من الصحابة ولا من كبار التابعين أو الأئمة الأربعة مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل رحمهم الله ورضي عنهم أجمعين... لم نسمع أحداً منهم كانت له أحوال ولا كان يدخل نفسه في نار ولا يضرب أحداً بشيش ولا سكين ثم يحييه، ولا كذلك من العلماء المعاصرين ومنهم الشيخ عبد العزيز بين باز والشيخ عبد الله بن حميد ولا توجد هذه المخاريق إلا في دائرة الصوفية قديماً وحديثاً، ولاشك أن ذلك أكبر دليل على أنها أحوال شيطانية لا رحمانية.
          وأعود فأقول لما رأيت أكثر الدعاة غافلين عن أهم شيء في اإسلام ألا وهو الدعوة إلى توحيد الله وإلى تصفية العقيدة وتخليصها من الشرك الذي يتمثل في عبادة الأولياء والعكوف على المقابر ودعاء الأموات والغائبين كما يسكتون عن ضلالات الطرق الصوفية المعاصرة المنتشرة في البلاد الإسلامية بكثرة كاثرة وكل من يخرج خارج هذه البلاد يلمس سيطرة الطرق الصوفية على أذهان المسلمين في مصر وبلاد الشام والسودان والمغرب وأفريقيا السوداء والهند من طريقة رفاعية إلى تيجانية إلى أحمدية إلى قادرية إلى برهامية إلى شاذلية إلى كتانية إلى درقاوية إلى نقشبندية وغير ذلك مما يصعب عده و إحصاؤه.. لما رأيت ذلك أحببت التنبيه والتذكير بأمر أعتقد أنه أمر مهم جداً كما أحببت أن يكون لدى إخواني طلاب دار الحديث الموقرة وهم من بلاد إسلامية مختلفة يوجد بها كثير من الطرق الصوفية أحببت أن يكون لديهم معرفة وحصانة من مرض الصوفية الفتاك. فكما أن للأجسام أمراضاً تفتك بها فإن للأرواح والقلوب أمراضاً معنوية تفتك بها. فينبغي أن يهتم العلماء والدعاة بتحصين القلوب كما يهتم الأطباء بتحصين الأبدان.
          وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

          * * * *
          ــــــــــــــ
          1-فتاوى ابن تيمية 11/495-496.


          تم الكتاب

          من عاش عمراً طويلاً له الخبرة و الحكمة في الحياة، فالحياة ما هي إلا مسرح و الجميع ممثلون فيها ، و كلٌ يلعب دوراً في سيرها، لذلك للكل بصمة خاصّة به يضعها لكي يفيد بهاالآخرين.

          تعليق


          • #6

            بارك الله لك و جعله في ميزان حسناتك
            لكن يقال ان الشيخ رحمه الله ابن تيمية
            كان في آحر حياته صوفيا فهل هذا صحيح؟

            يقول الامام علي كرمه الله وجهه
            إن جلست لعالم فأنصت و إن جلست لجاهل فأنصت
            إن الانصات للعالم زيادة في العلم و الانصات للجاهل زيادة في الحلم

            ​إعـــــــلان:إعـــلان

            تعليق


            • #7
              المشاركة الأصلية بواسطة طه ابو الطيب مشاهدة المشاركة

              بارك الله لك و جعله في ميزان حسناتك
              لكن يقال ان الشيخ رحمه الله ابن تيمية
              كان في آحر حياته صوفيا فهل هذا صحيح؟
              السؤال

              قرأت في موقع صوفي أن شيخ الإسلام ابن تيمية، والذهبي، وابن القيم كانوا صوفيين. هل ذلك صحيح؟ ولماذا دفن شيخ الإسلام في قبور الصوفية؟ هل يعتبر الصوفيون من أهل السنة أم هم من الفرق الضالة؟




              الإجابــة
              الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

              فقد شرح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أحوال الصوفية ومناهجهم في كثير من الفتاوى والرسائل، وهي مجموعة في مجلد كامل من مجموع الفتاوى، وقد سماه جامعها (كتاب التصوف)، وهو المجلد الحادي عشر منها، ولم يثبت عن شيخ الإسلام أنه انتمى إلى التصوف مع أنه امتدح بعض المتصوفة، وخلاصة رأيه في التصوف ومن انتمى إليه تتلخص في قوله: وأولياء الله هم المؤمنون المتقون، سواء سمى أحدهم فقيراً أو صوفياً أو فقيهاً أو عالماً أو تاجراً أو صانعاً أو أميراً أو حاكماً أو غير ذلك، قال تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ . انتهى.
              وننبه السائل إلى أن التصوف يشتمل على كثير من الطرق التي تدعي الانتماء إليه، وتحمل عليه كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وهو من ذلك براء، لأنه حينما امتدح بعض المتصوفة كان على علم بحالهم، وفي المقابل فقد ذم آخرين من الذين يدعون الانتماء إليهم كالحلاج وابن عربي وغيرهما، ولذلك قال في الفتاوى: وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة، ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم: كالحلاج مثلاً. انتهى.
              ولمعرفة حقيقة التصوف وبعض طرقه راجع الفتاوى رقم: 8500، 10931، 10869، 13353، 13742، 20393، 21245، 4159.
              ولا نعلم سبباً معيناً لدفن الشيخ في مقابر الصوفية، إلا أنه دفن فيها بجوار أخيه شرف الدين عبد الله، والدفن في مقابر الصوفية غير ممنوع إذ هم من المسلمين، والدفن في مقابر المسلمين هو الأصل، وقد علمنا أن هذه المقابر لا تختص بالصوفية وحدهم، بل دفن فيها غيرهم من المسلمين.
              والله أعلم.



              من عاش عمراً طويلاً له الخبرة و الحكمة في الحياة، فالحياة ما هي إلا مسرح و الجميع ممثلون فيها ، و كلٌ يلعب دوراً في سيرها، لذلك للكل بصمة خاصّة به يضعها لكي يفيد بهاالآخرين.

              تعليق


              • #8
                موقف المسلم من الطرق الصوفية


                هل الكلمات في السكر الروحي معفوٌّ عنها ؟

                قال حمزة يوسف عندما تحدث عن المخاوف التي يخافها الناس من الصوفية : " السبب الرابع: هو الخوف عموماً من الضلال باتباع عقائد خفية دون التأكد من صحتها كما يحدث لكثير من الجهال ، لذلك ربما يسمع الجهال من الناس بعض العبارات التي تقال على ألسنة الصوفية ولا يفهمونها بالكلية ، وفي طبقات الإمام الذهبي أن أبا اليزيد البسطامي يعتبر فقيهاً وأن الإمام الذهبي يُعتبر تلميذ ابن تيمية ويَعتبر أبا اليزيد البسطامي مصدراً للحديث ، ولكنَّ أبا اليزيد هذا هو الذي قال " سبحاني " وهذه الكلمة معروفة بالكلمة الفنية للصوفيين " شطحة " بحيث لو قالها شخص وهو مغيب النفس لا يؤاخذ بها ، وهناك دليل في البخاري عن عبدٍ في وسط الصحراء وفيه يقول النبي صلى الله عليه وسلم أن الرجل لما وجد راحلته المفقودة صاح بفرحة " اللهم أنت عبدي وأنا ربك " ، وأوضح النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا العبد أخطأ في مقولته بعد أن وجد راحلته ، هذا بالنسبة للشخص الذي وجد راحلته فكيف بالشخص الذي يجد ربَّه ؟ .
                هل يعني الحديث في البخاري أن الكلمات التي يقولها الشخص وهو في حالة " سكر روحي " معفو عنها ؟.


                الحمد لله
                أبو يزيد البسطامي هو: طيفور بن عيسى ، توفي سنة 261 هـ *.
                ولا يُعلم عنه أنه كان من المشتغلين بالحديث ، ولم يذكر ذلك عنه الذهبي في ترجمته، بل ذَكَرَ عنه ما قد يُؤخذ منه سخريته من أهل الحديث ودعواه أنه يتلقى علمه عن الله تعالى مباشرة!! وهو قوله : ما المحدِّثون ؟ إن خاطبهم رجل عن رجل فقد خاطبنا القلب عن الرب!!
                وقد نُقلت عنه شطحات كثيرة قوله : "ما في الجُبَّة إلا الله"، و "ما النَّار ؟ لأستندنَّ إليها غداً وأقول : اجعلني فداءً لأهلها وإلا بلعتُها" ، و "ما الجنَّة ؟ لعبة صبيان، ومراد أهل الدنيا" .
                ومن أجل هذه العبارات التي ظاهرها الكفر والإلحاد حكم عليه بعض العلماء بفساد الاعتقاد، وأنه مبتدع واعتذر عنه آخرون .
                قال ابن كثير رحمه الله : وقد حُكي عنه شطحاتٌ ناقصاتٌ ، وقد تأوَّلها كثيرٌ من الفقهاء والصوفية ، وحملوها على محاملَ بعيدةٍ ، وقد قال بعضُهم إنَّه قال ذلك في حال الاصطلام – أي : الفناء – والغيبة ، ومن العلماء مَن بدّعه وخطّأه وجعل ذلك من أكبر البدع ، وأنَّها تدلُّ على اعتقادٍ فاسدٍ كامِنٍ في القلب ظهر في أوقاته .
                " البداية والنهاية " ( 11 / 38 ) .
                وبالرجوع إلى سير أعلام النبلاء للذهبي تبين أن الذهبي لم يصف أبا يزيد بأنه فقيه ، ولا اعتبره مصدراً للحديث ، بل نقل عنه كلمات جيدة ، ونقل عنه أيضاً هذه الشطحات ، فقال :
                وجاء عنه – أي : عن أبي يزيد - أشياء مشكلة لا مساغ لها ، الشأن في ثبوتها عنه ، أو أنه قالها في حال الدهشة والسكر والغيبة والمحو ، فيطوى ولا يحتج بها ، إذ ظاهرها إلحاد مثل "سبحاني" ، و "ما في الجبة إلا الله" ، "ما النار ؟ لأستندن إليها غداً وأقول : اجعلني فداء لأهلها وإلا بلعتُها" ، و "ما الجنة ؟ لعبة صبيان ، ومراد أهل الدنيا" . . . إلخ
                " سير أعلام النبلاء " ( 13 / 88 ) .
                ولعل الذي حمل بعض العلماء على الاعتذار عنه أنه نُقلت عنه كلمات جيدة في الحث على اتباع الشرع والوقوف عند حدوده ، مع ما حُكي عنه أنه كان إذا أفاق أنكر هذه الشطحات .
                انظر : منهاج السنة (5/357) ، ومدارج السالكين (2/119) .
                ومما ينبغي أن يُعلم أن مثل هذه الكلمات غاية أمر صاحبها أن يكون معذوراً فيها غير مؤاخذ عليها ، ولا يصح أن تجعل هذه الكلمات دليلاً على الولاية والعلم والتحقيق .
                قال شيخ الإسلام :
                والذين يذكرون عن أبى يزيد وغيره كلمات من الاتحاد الخاص ونفي الفرق ويعذرونه في ذلك يقولون إنه غاب عقله حتى قال : "أنا الحق" و "سبحاني" ، و "ما في الجبة إلا الله" . ويقولون إن الحب إذا قوي على صاحبه وكان قلبه ضعيفا يغيب بمحبوبه عن حبه ، وبموجوده عن وجوده ، وبمذكوره عن ذكره ، حتى يفنى من لم يكن ، و يبقى من لم يزل . . . فمثل هذا الحال التي يزول فيها تمييزه بين الرب والعبد وبين المأمور والمحظور ليست علما ولا حقا ، بل غايته أنه نَقَصَ عقلُه الذي يفرق به بين هذا وهذا ، وغايته أن يعذر لا أن يكون قوله تحقيقا اهـ
                مجموع الفتاوى 8/313.
                ثم محل العذر إذا كان الإنسان وصل إلى حال غياب العقل من غير اختياره ، أما إذا فعل ما يذهب عقله ، فإنه يلام بلا شك على ذلك الفعل . كما لو شرب الخمر أو جعل يرقص في حِلَق الذكر حتى غاب عن الوعي .
                قال شيخ الإسلام :
                لكن بعض ذوى الأحوال قد يحصل له فى حال الفناء القاصر سكر وغيبة . . . فقد يقول فى تلك الحال : "سبحانى" أو "ما فى الجبة إلا الله" أو نحو ذلك من الكلمات التى تؤثر عن أبى يزيد البسطامى . . . وكلمات السكران تطوى ولا تروى ولا تؤدى إذا لم يكن سكره بسبب محظور من عبادة أو وجه منهى عنه فأما إذا كان السبب محظورا لم يكن السكران معذورا ، لا فرق في ذاك بين السكر الجسمانى والروحانى اهـ
                مجموع الفتاوى (2/461) .
                وأما مدح هذه الكلمات ، وكذلك مدح كلام الرجل الذي أخطأ من شدة الفرح وقال : "اللهم أنت عبدي وأنا ربك" فمن الخطأ الفاحش إذ كيف يمدح هذا الكلام بعد ما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالخطأ فقال : (أخطأ من شدة الفرح) ؟!
                وهذه الكلمات تدل على نقص عقل صاحبها أو غيابه بالكلية وقت تلفظه بها ، فكيف يكون نقص العقل وغيابه مدحاً وكمالاً وولايةً ؟!
                وهؤلاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا أكمل البشر بعد الأنبياء خوفا من الله ، ورجاء له ، وتحقيقا للعبودية والولاية لم تنقل عنهم مثل هذه الكلمات لكمال عقولهم واتباعهم للشرع رضي الله عنهم أجمعين .


                الإسلام سؤال وجواب



                من عاش عمراً طويلاً له الخبرة و الحكمة في الحياة، فالحياة ما هي إلا مسرح و الجميع ممثلون فيها ، و كلٌ يلعب دوراً في سيرها، لذلك للكل بصمة خاصّة به يضعها لكي يفيد بهاالآخرين.

                تعليق


                • #9
                  لم يمد الرسول صلى الله عليه وسلم يده لأحد من قبره



                  السؤال : ما القول الحق فيما يروى عن أحد أئمة الصوفية المعروفين وهو السيد أحمد الرفاعي من أنه زار مسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم بالمدينة ودعا عند القبر فمد الرسول صلى الله عليه وسلم يده الشريفة له وقبلها وهذا مستفيض عند أتباع طريقته وفي حكم الجزم عندهم مع أنه عاش في القرن السادس الهجري فما مدى صحة ذلك ؟.



                  الجواب :
                  الحمد لله

                  هذا أمر باطل ولا أساس له من الصحة ، لأنه صلى الله عليه وسلم قد توفي الموتة التي كتبها الله عليه كما قال سبحانه : ( إنك ميت وإنهم ميتون ) وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح : ( إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام ) وقال عليه الصلاة والسلام : ( إن خير أيامكم يوم الجمعة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي ) قالوا : يا رسول الله ، وكيف تعرض عليك وقد أرمت ؟ قال : ( إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ) ، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، ولم يقل في شيء منها أنه يصافح أحداً ، فدل ذلك على بطلان هذه الحكاية ، ولو فرضنا صحة ذلك فإن ذلك يحمل على أنه شيطان صافحه ليلبس عليه أمره ، ويفتنه ومن بعده ، فالواجب على جميع المسلمين أن يتقوا الله وأن يتمسكوا بشرعه الذي دل عليه كتابه الكريم وسنة رسوله الأمين ، وأن يحذروا ما يخالف ذلك ، أصلح الله أحوال المسلمين ومنحهم الفقه في دينه والتمسك بشريعته إنه جواد كريم .



                  كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله . م/9 ص/310.






                  من عاش عمراً طويلاً له الخبرة و الحكمة في الحياة، فالحياة ما هي إلا مسرح و الجميع ممثلون فيها ، و كلٌ يلعب دوراً في سيرها، لذلك للكل بصمة خاصّة به يضعها لكي يفيد بهاالآخرين.

                  تعليق


                  • #10
                    ذكر الله بالاسم المفرد "الله" أو بضمير "هو" من بدع الصوفية



                    السؤال :
                    هل يحرم ترديد لفظ الجلالة (الله) أو أحد أسمائه سبحانه كنوع من الذكر؟ نحن نعلم أن " أستغفر الله - سبحان الله - الحمد لله …" جائزة .

                    الجواب :
                    الحمد لله
                    لا شك في بدعية ذكر الله تعالى باسمه المفرد - الله - وأشد منه ذكره باسمه المضمر - هو - ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
                    وأما الاسم المفرد مظهراً أو مضمراً : فليس بكلام تام ، ولا جملة مفيدة ، ولا يتعلق به إيمان ولا كفر ولا أمر ولا نهي ولم يذكر ذلك أحدٌ مِن سلف الأمة ، ولا شَرعَ ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يعطي القلب بنفسه معرفة مفيدة ، ولا حالاً نافعاً ، وإنما يعطيه تصوراً مطلقاً لا يُحكم عليه بنفي ولا إثبات فإن لم يقترن به من معرفة القلب وحاله ما يفيد بنفسه وإلا لم يكن فيه فائدة ، والشريعة إنما تشرع من الأذكار ما يفيد بنفسه لا ما تكون الفائدة حاصلة بغيره .
                    وقد وقع بعض من واظب على هذا الذكر في فنونٍ مِن الإلحاد ، وأنواع مِن الاتحاد كما قد بسط في غير هذا الموضع .
                    وما يُذكر عن بعض الشيوخ مِن أنه قال : أخاف أن أموت بين النفي والإثبات ! : حالٌ لا يُقتدى فيها بصاحبها فإن في ذلك من الغلط ما لا خفاء به ، إذ لو مات العبد في هذه الحال لم يمت إلا على ما قصده ونواه إذ الأعمال بالنيات ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتلقين الميت لا إله إلا اله الله ، وقال : " مَن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة " ، ولو كان ما ذكره محذوراً لم يلقَّن الميت كلمة يخاف أن يموت في أثنائها موتاً غير محمودٍ بل كان يلقَّن ما اختاره من ذكر الاسم المفرد .
                    والذكر بالاسم المضمر المفرد أبعد عن السنَّة ، وأدخل في البدعة ، وأقرب إلى إضلال الشيطان ، فإن من قال " يا هو يا هو " أو " هو هو " ونحو ذلك : لم يكن الضمير عائداً إلا إلى ما يصوِّره قلبُه ، والقلب قد يهتدي وقد يضل ….
                    ثم كثيراً ما يَذكر بعض الشيوخ أنه يحتج على قول القائل " الله " بقوله { قل الله ثم ذرهم } ويظن أن الله أمر نبيَّه بأن يقول الاسم المفرد ، وهذا غلط باتفاق أهل العلم فإن قوله { قل الله } معناه : الله الذي أنزل الكتاب الذي جاء به موسى وهو جواب لقوله { قل مَن أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً وعُلِّمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله } أي : الله الذي أنزل الكتاب الذي جاء به موسى ، ردَّ بذلك قول من قال " ما أنزل الله على بشر من شيء " فقال : من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى ؟ ثم قال : قل الله أنزله ثم ذر هؤلاء المكذبين في خوضهم يلعبون .
                    ومما يبين ما تقدم ما ذكره سيبويه وغيره من أئمة النحو أن العرب يحكون بالقول ما كان كلاما لا يحكون به ما كان قولاً فالقول لا يحكى به إلا كلام تام أو جملة اسمية أو فعلية ولهذا يكسرون " أن " إذا جاءت بعد القول فالقول لا يحكى به اسم والله تعالى لا يأمر أحداً بذكر اسم مفرد ولا شرع للمسلمين اسماً مفرداً مجرداً ، والاسم المجرد لا يفيد الإيمان باتفاق أهل الإسلام ولا يؤمر به في شيء من العبادات ولا في شيء من المخاطبات . " مجموع الفتاوى " ( ) .
                    وقال - رحمه الله - أيضاً :
                    فأما الاسم المفرد مظهرا مثل " الله ، الله " أو مضمراً مثل " هو ، هو " : فهذا ليس بمشروع في كتاب ولا سنَّة ولا هو مأثور أيضاً عن أحد مِن سلف الأمة ولا عن أعيان الأمة المقتدى بهم وإنما لهج به قوم من ضلال المتأخرين .
                    وربما اتبعوا فيه حالَ شيخ مغلوب فيه مثلما يروى عن الشبلي أنه كان يقول " الله ، الله " فقيل له : لم لا تقول لا إله إلا الله ؟ فقال : أخاف أن أموت بين النفي والإثبات ! .
                    وهذه مِن زلات الشبلي التي تُغفر له لصدق إيمانه وقوة وجْده وغلبة الحال عليه ؛ فإنه كان ربما يجنُّ ، ويُذهب به إلى المارستان ، ويَحلق لحيته ، وله أشياء من هذا النمط التي لا يجوز الاقتداء به فيها وإن كان معذوراً أو مأجوراً فإن العبد لو أراد أن يقول لا إله إلا الله ومات قبل كمالها لم يضره ذلك شيئاً إذ الأعمال بالنيات بل يكتب له ما نواه .
                    وربما غلا بعضهم في ذلك حتى يجعلوا ذكر الاسم المفرد للخاصة ، وذكر الكلمة التامة للعامة ، وربما قال بعضهم " لا إله إلا الله " للمؤمنين ، و " الله " للعارفين ، و " هو " للمحققين ، وربما اقتصر أحدهم في خلوته أو في جماعته على " الله الله الله " ، أو على " هو " ، أو " يا هو " ، أو " لا هو إلا هو " ! .
                    وربما ذكر بعض المصنفين في الطريق تعظيم ذلك واستدل عليه تارة بوجد ، وتارة برأي ، وتارة بنقل مكذوب كما يروي بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لقَّن عليَّ بن أبى طالب أن يقول " الله الله الله " فقالها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا ، ثم أمَر عليّاً فقالها ثلاثا ، وهذا حديث موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث .
                    وإنما كان تلقين النبي صلى الله عليه وسلم للذكر المأثور عنه ، ورأس الذكر لا إله إلا الله ، وهي الكلمة التي عرضها على عمِّه أبي طالب حين الموت ، وقال : " يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله " وقال : " إني لأعلم كلمة لا يقولها عبدٌ عند الموت إلا وجد روحه لها روحاً " ، وقال : " مَن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة " ، وقال : " مَن مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة " ، وقال " أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمَّداً رسول الله فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله " ، والأحاديث كثيرة في هذا المعنى . " مجموع الفتاوى " 10{556-558
                    ومن جعل مرجعه الكتاب والسنة في عبادته لم يعجز في معرفة الصواب والخطأ ، نسأل الله أن يردنا إلى دينه ردّاً جميلاً . والله أعلم .

                    الإسلام سؤال وجواب
                    الشيخ محمد صالح المنجد


                    من عاش عمراً طويلاً له الخبرة و الحكمة في الحياة، فالحياة ما هي إلا مسرح و الجميع ممثلون فيها ، و كلٌ يلعب دوراً في سيرها، لذلك للكل بصمة خاصّة به يضعها لكي يفيد بهاالآخرين.

                    تعليق


                    • #11
                      من هو الغزالي



                      هل يمكن أن تلقي بعض الضوء على ( من هو الإمام الغزالي ) ؟.


                      الحمد لله الغزالي : هو محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي المعروف بالغزالي ، ولد بطوس سنة ( 450هـ ) وكان والده يغزل الصوف ويبيعه في دكانه بطوس .
                      والحديث عن الغزالي يطول نظراً لأنه مرَّ بعدة مراحل ، فقد خاض في الفلسفة ثم رجع عنها وردَّ عليها ، وخاض بعد ذلك فيما يسمى بعلم الكلام وأتقن أصوله ومقدماته ثم رجع عنه بعد أن ظهر له فساده ومناقضاته ومجادلات أهله ، وقد كان متكلماً في الفترة التي ردَّ فيها على الفلاسفة ولُقب حينها بلقب " حجة الإسلام " بعد أن أفحمهم وفند آراءهم ، ثم إنه تراجع عن علم الكلام وأعرض عنه وسلك مسلك الباطنية وأخذ بعلومهم ثم رجع عنه وأظهر بطلان عقائد الباطنية وتلاعبهم بالنصوص والأحكام ، ثم سلك مسلك التصوف . فهذه أربعة أطوار مرَّ بها الغزالي وما أحسن ما قاله الشيخ أبو عمر ابن الصلاح - رحمه الله - عنه حيث قال : " أبو حامد كثر القول فيه ومنه ، فأما هذه الكتب – يعني كتبه المخالفة للحق – فلا يُلتفت إليها ، وأما الرجل فيُسكت عنه ، ويُفَوَّضُ أمره إلى الله " أنظر كتاب ( أبو حامد الغزالي والتصوف ) لعبد الرحمن دمشقية .
                      و لا يُنكر المُنْصِف ما بلغه أبو حامد الغزالي من الذكاء المتوقد والعبقرية النادرة حتى قال عنه الذهبي: " الغزالي الشيخ الإمام البحر حجة الإسلام أعجوبة الزمان زين الدين أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الشافعي الغزالي صاحب التصانيف والذكاء المفرط تَفَقَّه ببلده أولاً ثم تحول إلى نيسابور في مرافقة جماعة من الطلبة فلازم إمام الحرمين فبرع في الفقه في مدة قريبة ومهر في الكلام والجدل حتى صار عين المناظرين ... " سير أعلام النبلاء ج9 ص 323 .
                      وتجد أبا حامد الغزالي مع أن له من العلم بالفقه والتصوف والكلام والأصول وغير ذلك مع الزهد والعبادة وحسن القصد وتبحره في العلوم الإسلامية ... يميل إلى الفلسفة لكنه أظهرها في قالب التصوف والعبارات الإسلامية ولهذا فقد رد عليه علماء المسلمين حتى أخص أصحابه أبو بكر بن العربي فإنه قال شيخنا أبو حامد دخل في بطن الفلاسفة ثم أراد أن يخرج منهم فما قدر وقد حكى عنه من القول بمذاهب الباطنية ما يوجد تصديق ذلك في كتبه . أنظر مجموع الفتاوى ج4 ص66
                      ومع تقدم الغزالي في العلوم إلا أنه كان مُزْجَى البضاعة في الحديث وعلومه ، لا يميز بين صحيح الحديث وسقيمه قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله – : " فإن فرض أن أحداً نقل مذهب السلف كما يذكره (الخارج عن مذهب السلف ) ؛ فإما أن يكون قليل المعرفة بآثار السلف كأبي المعالي وأبي حامد الغزالي وابن الخطيب وأمثالهم ممن لم يكن لهم من المعرفة بالحديث ما يُعَدَّونَ به من عوام أهل الصناعة فضلا عن خواصها ولم يكن الواحد من هؤلاء يعرف البخاري ومسلماً وأحاديثهما إلا بالسماع كما يذكر ذلك العامة ، ولا يميزون بين الحديث الصحيح المتواتر عند أهل العلم بالحديث ، وبين الحديث المفترى المكذوب ، وكتبهم أصدق شاهد بذلك ، ففيها عجائب . وتجد عامة هؤلاء الخارجين عن منهاج السلف من المتكلمة والمتصوفة يعترف بذلك ، إما عند الموت ، وإما قبل الموت ، والحكايات في هذا كثيرة معروفة ... هذا أبو حامد الغزالي مع فرط ذكائه وتألهه ومعرفته بالكلام والفلسفة وسلوكه طريق الزهد والرياضة والتصوف ينتهي في هذه المسائل إلى الوقف والحيرة ويحيل في آخر أمره على طريقة أهل الكشف ... " مجموع الفتاوى ج4 ص71
                      وقال أيضاً : " ولهذا كان أبو حامد مع ما يوجد في كلامه من الرد على الفلاسفة ، وتكفيره لهم ، وتعظيم النبوة ، وغير ذلك ، ومع ما يوجد فيه من أشياء صحيحةٍ حسنةٍ بل عظيمة القدر نافعة ، يوجد في بعض كلامه مادة فلسفية وأمور أضيفت إليه توافق أصول الفلاسفة الفاسدة المخالفة للنبوة ، بل المخالفة لصريح العقل ، حتى تكلم فيه جماعات من علماء خراسان والعراق والمغرب ، كرفيقه أبي إسحاق المرغيناني وأبي الوفاء بن عقيل والقشيري والطرطوشي وابن رشد والمازري وجماعات من الأولين ، حتى ذكر ذلك الشيخ أبو عمرو بن الصلاح فيما جمعه من طبقات أصحاب الشافعي ، وقرره الشيخ أبو زكريا النووي ، قال في هذا الكتاب : فصلٌ في بيان أشياء مهمة أُنكرت على الإمام الغزالي في مصنفاته ولم يرتضيها أهلُ مذهبه وغيرُهم من الشذوذ في تصرفاته منها : قوله في مقدمة المنطق في أول المستصفي : هذه مقدمة العلوم كلها ، ومن لا يحيط بها فلا ثقة بعلومه أصلاً .
                      قال الشيخ أبو عمرو : وسمعت الشيخ العماد بن يونس يحكي عن يوسف الدمشقي مدرس النظامية ببغداد وكان من النظار المعروفين أنه كان ينكر هذا الكلام ويقول : فأبو بكر وعمر وفلان وفلان يعني أن أولئك السادة عظمت حظوظهم من الثلج واليقين ولم يحيطوا بهذه المقدمة وأسبابها " العقيدة الأصفهانية . ج 1 ص169
                      ونقل الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء عن محمد بن الوليد الطرطوشي في رسالة له إلى ابن مظفر قال : فأما ما ذكرت من أبي حامد فقد رأيته وكلمته فرأيته جليلا من أهل العلم ، واجتمع فيه العقل والفهم ، ومارس العلوم طول عمره ، وكان على ذلك معظم زمانه ، ثم بدا له عن طريق العلماء ، ودخل في غُمار العُبَّاد ، ثم تصوَّف ، وهجر العلومَ وأهلها ، ودخل في علوم الخواطر وأرباب القلوب ووساوس الشيطان ، ثم شابها بآراء الفلاسفة ورموز الحلاج ، وجعل يطعن على الفقهاء والمتكلمين ، ولقد كاد أن ينسلخَ من الدين ، فلما عمل الإحياء عمد يتكلم في علوم الأحوال ومرامز الصوفية ، وكان غير أنيس بها ، ولا خبير بمعرفتها ، فسقط على أمِّ رأسه ، وشحن كتابه بالموضوعات .
                      قلت ( القائل هو الذهبي ) أما الإحياء ففيه من الأحاديث الباطلة جملة ، وفيه خيرٌ كثير ، لولا ما فيه من آداب ورسوم وزهد من طرائق الحكماء ومنحرفي الصوفية نسأل الله علماً نافعاً ، تدري ما العلم النافع ؟
                      هو ما نزل به القرآن وفسره الرسول صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً ولم يأت نهي عنه . قال عليه السلام : " من رغب عن سنتي فليس مني " . فعليك يا أخي بتدبر كتاب الله ، وبإدمان النظر في الصحيحين ، وسنن النسائي ، ورياض النواوي وأذكاره ، تفلح وتنجح .
                      وإياك وآراء عباد الفلاسفة ووظائف أهل الرياضات وجوع الرهبان وخطاب طيش رؤوس أصحاب الخلوات ، فكل الخير في متابعة الحنيفية السمحة . فواغوثاه بالله اللهم اهدنا إلى صراطك المستقيم ...
                      ثم إن المازري أثنى على أبي حامد في الفقه ، وقال هو بالفقه أعرف منه بأصوله ، وأما علم الكلام الذي هو أصول الدين فإنه صنف فيه وليس بالمُتَبَحِر فيها ، ولقد فطنت لعدم استبحاره فيها ، وذلك أنه قرأ علوم الفلسفة قبل استبحاره في فن الأصول فأكسبته الفلسفة جرأة على المعاني ، وتسهلاً للهجوم على الحقائق ؛ لأن الفلاسفة تمر مع خواطرها ، لا يردعها شرع .
                      وعرَّفني صاحب له أنه كان له عكوف على رسائل إخوان الصفا وهي إحدى وخمسون رسالة ، ألفها من قد خاض في علم الشرع والنقل وفي الحكمة ، فمزج بين العلمين ، وقد كان رجلٌ يعرف بابن سينا ملأ الدنيا تصانيف ، أدته قوته في الفلسفة إلى أن حاول رد أصول العقائد إلى علم الفلسفة وتلطف جهده حتى تم له ما لم يتم لغيره ، وقد رأيت جملا من دواوينه ، ووجدت أبا حامد يعول عليه في أكثر ما يشير إليه من علوم الفلسفة . وأما مذاهب الصوفية فلا أدري على من عَوَّل فيها ، لكني رأيت فيما علق بعض أصحابه أنه ذكر كتب ابن سينا وما فيها ، وذكر بعد ذلك كتب أبي حيان التوحيدي ، وعندي أنه عليه عول في مذهب التصوف ، وأُخبرت أن أبا حيان ألف ديوانا عظيماً في هذا الفن وفي الإحياء من الواهيات كثير... ثم قال: ويستحسن أشياء مبناها على مالا حقيقة له ، كقص الأظفار أن يبدأ بالسبابة لأن لها الفضل على باقي الأصابع ؛ لأنها المسبحة ، ثم قص ما يليها من الوسطى ؛ لأنها ناحية اليمين ، ويختم بإبهام اليمنى وروى في ذلك أثراً .
                      قلت ( القائل هو الذهبي ) : هو أثر موضوع ... قال أبو الفرج ابن الجوزي صنف أبو حامد الإحياء وملأه بالأحاديث الباطلة ولم يعلم بطلانها ، وتكلم على الكشف وخرج عن قانون الفقه ، وقال عن المراد بالكوكب والقمر والشمس اللواتي رآهن إبراهيم أنوار هي حُجُبُ الله عز وجل ، ولم يُرِد هذه المعروفات ، وهذا من جنس كلام الباطنية . " السير ج19 ص340
                      ثم إن الغزالي – رحمه الله – رجع في آخر حياته إلى عقيدة أهل السنة والجماعة ، وأكب على الكتاب والسنة ، وذم الكلام وأهله ، وأوصى الأمة بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والعمل بما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، قال شيخ الإسلام رحمه الله: " ... وإن كان بعد ذلك رجع إلى طريقة أهل الحديث وصنف إلجام العوام عن علم الكلام " مجموع الفتاوى ج4 ص72 .
                      " وإن نظرة إلى كتابه المسمى إلجام العوام عن علم الكلام ، ليثبت لنا حقيقة هذا التغيُّر من وجوهٍ عديدة :
                      الوجه الأول : أنه انتصر في هذا الكتاب لعقيدة السلف ، منبهاً على أن الحق هو مذهب السلف ، وأن من خالفهم في ذلك فهو مبتدع .
                      الوجه الثاني : أنه نهى عن التأويل أشد النهي ، داعياً إلى إثبات صفات الله ، وعدم تأويلها بما يودي بها إلى التعطيل .
                      الوجه الثالث : أنه شدد النكير على المتكلمين ، ووصف كل أصولهم ومقاييسهم بـ" البدعة المذمومة " ، وبأنها كانت سبب تضرر أكثر الخلق به ، ومنبت الشر بين المسلمين قائلاً :
                      والدليل على تضرر الخلق به : المشاهدة والعيان والتجربة ، وما ثار من الشر منذ نبغ المتكلمون ، وفشت صناعة الكلام مع نهي العصر الأول من الصحابة رضي الله عنهم عن مثل ذلك . ويدل عليه أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة بأجمعهم ما سلكوا في المحاجة مسلك المتكلمين في تقسيماتهم وتدقيقاتهم – لا لعجز منهم عن ذلك – فلو علموا أن ذلك نافع لأطنبوا فيه ، ولخاضوا في تحرير الأدلة خوضاً يزيد على خوضهم في مسائل الفرائض .
                      وقال أيضاً : إن الصحابة رضي الله عنهم كانوا محتاجين إلى محاجة اليهود والنصارى في إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، فما زادوا على أدلة القرآن شيئاً ، وما ركبوا ظهر اللجاج في وضع المقاييس العقلية وترتيب المقدمات . كل ذلك لعلمهم بأن ذلك مثار الفتن ومنبع التشويش ، ومن لا يقنعه أدلة القرآن ، لا يقنعه إلا السيف والسنان فما بعد بيان الله بيان " أنظر كتاب ( أبو حامد الغزالي والتصوف )
                      هذه مجموعة من النقولات عن بعض العلماء الموثوق بعلمهم عن الغزالي رحمه الله ولعل فيها الكفاية لمن أراد الهداية . والله الهادي إلى سواء السبيل .



                      الإسلام سؤال وجواب
                      الشيخ محمد صالح المنجد



                      من عاش عمراً طويلاً له الخبرة و الحكمة في الحياة، فالحياة ما هي إلا مسرح و الجميع ممثلون فيها ، و كلٌ يلعب دوراً في سيرها، لذلك للكل بصمة خاصّة به يضعها لكي يفيد بهاالآخرين.

                      تعليق


                      • #12
                        المشاركة الأصلية بواسطة هنيبال مشاهدة المشاركة
                        من هو الغزالي



                        هل يمكن أن تلقي بعض الضوء على ( من هو الإمام الغزالي ) ؟.


                        الحمد لله الغزالي : هو محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي المعروف بالغزالي ، ولد بطوس سنة ( 450هـ ) وكان والده يغزل الصوف ويبيعه في دكانه بطوس .
                        والحديث عن الغزالي يطول نظراً لأنه مرَّ بعدة مراحل ، فقد خاض في الفلسفة ثم رجع عنها وردَّ عليها ، وخاض بعد ذلك فيما يسمى بعلم الكلام وأتقن أصوله ومقدماته ثم رجع عنه بعد أن ظهر له فساده ومناقضاته ومجادلات أهله ، وقد كان متكلماً في الفترة التي ردَّ فيها على الفلاسفة ولُقب حينها بلقب " حجة الإسلام " بعد أن أفحمهم وفند آراءهم ، ثم إنه تراجع عن علم الكلام وأعرض عنه وسلك مسلك الباطنية وأخذ بعلومهم ثم رجع عنه وأظهر بطلان عقائد الباطنية وتلاعبهم بالنصوص والأحكام ، ثم سلك مسلك التصوف . فهذه أربعة أطوار مرَّ بها الغزالي وما أحسن ما قاله الشيخ أبو عمر ابن الصلاح - رحمه الله - عنه حيث قال : " أبو حامد كثر القول فيه ومنه ، فأما هذه الكتب – يعني كتبه المخالفة للحق – فلا يُلتفت إليها ، وأما الرجل فيُسكت عنه ، ويُفَوَّضُ أمره إلى الله " أنظر كتاب ( أبو حامد الغزالي والتصوف ) لعبد الرحمن دمشقية .
                        و لا يُنكر المُنْصِف ما بلغه أبو حامد الغزالي من الذكاء المتوقد والعبقرية النادرة حتى قال عنه الذهبي: " الغزالي الشيخ الإمام البحر حجة الإسلام أعجوبة الزمان زين الدين أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الشافعي الغزالي صاحب التصانيف والذكاء المفرط تَفَقَّه ببلده أولاً ثم تحول إلى نيسابور في مرافقة جماعة من الطلبة فلازم إمام الحرمين فبرع في الفقه في مدة قريبة ومهر في الكلام والجدل حتى صار عين المناظرين ... " سير أعلام النبلاء ج9 ص 323 .
                        وتجد أبا حامد الغزالي مع أن له من العلم بالفقه والتصوف والكلام والأصول وغير ذلك مع الزهد والعبادة وحسن القصد وتبحره في العلوم الإسلامية ... يميل إلى الفلسفة لكنه أظهرها في قالب التصوف والعبارات الإسلامية ولهذا فقد رد عليه علماء المسلمين حتى أخص أصحابه أبو بكر بن العربي فإنه قال شيخنا أبو حامد دخل في بطن الفلاسفة ثم أراد أن يخرج منهم فما قدر وقد حكى عنه من القول بمذاهب الباطنية ما يوجد تصديق ذلك في كتبه . أنظر مجموع الفتاوى ج4 ص66
                        ومع تقدم الغزالي في العلوم إلا أنه كان مُزْجَى البضاعة في الحديث وعلومه ، لا يميز بين صحيح الحديث وسقيمه قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله – : " فإن فرض أن أحداً نقل مذهب السلف كما يذكره (الخارج عن مذهب السلف ) ؛ فإما أن يكون قليل المعرفة بآثار السلف كأبي المعالي وأبي حامد الغزالي وابن الخطيب وأمثالهم ممن لم يكن لهم من المعرفة بالحديث ما يُعَدَّونَ به من عوام أهل الصناعة فضلا عن خواصها ولم يكن الواحد من هؤلاء يعرف البخاري ومسلماً وأحاديثهما إلا بالسماع كما يذكر ذلك العامة ، ولا يميزون بين الحديث الصحيح المتواتر عند أهل العلم بالحديث ، وبين الحديث المفترى المكذوب ، وكتبهم أصدق شاهد بذلك ، ففيها عجائب . وتجد عامة هؤلاء الخارجين عن منهاج السلف من المتكلمة والمتصوفة يعترف بذلك ، إما عند الموت ، وإما قبل الموت ، والحكايات في هذا كثيرة معروفة ... هذا أبو حامد الغزالي مع فرط ذكائه وتألهه ومعرفته بالكلام والفلسفة وسلوكه طريق الزهد والرياضة والتصوف ينتهي في هذه المسائل إلى الوقف والحيرة ويحيل في آخر أمره على طريقة أهل الكشف ... " مجموع الفتاوى ج4 ص71
                        وقال أيضاً : " ولهذا كان أبو حامد مع ما يوجد في كلامه من الرد على الفلاسفة ، وتكفيره لهم ، وتعظيم النبوة ، وغير ذلك ، ومع ما يوجد فيه من أشياء صحيحةٍ حسنةٍ بل عظيمة القدر نافعة ، يوجد في بعض كلامه مادة فلسفية وأمور أضيفت إليه توافق أصول الفلاسفة الفاسدة المخالفة للنبوة ، بل المخالفة لصريح العقل ، حتى تكلم فيه جماعات من علماء خراسان والعراق والمغرب ، كرفيقه أبي إسحاق المرغيناني وأبي الوفاء بن عقيل والقشيري والطرطوشي وابن رشد والمازري وجماعات من الأولين ، حتى ذكر ذلك الشيخ أبو عمرو بن الصلاح فيما جمعه من طبقات أصحاب الشافعي ، وقرره الشيخ أبو زكريا النووي ، قال في هذا الكتاب : فصلٌ في بيان أشياء مهمة أُنكرت على الإمام الغزالي في مصنفاته ولم يرتضيها أهلُ مذهبه وغيرُهم من الشذوذ في تصرفاته منها : قوله في مقدمة المنطق في أول المستصفي : هذه مقدمة العلوم كلها ، ومن لا يحيط بها فلا ثقة بعلومه أصلاً .
                        قال الشيخ أبو عمرو : وسمعت الشيخ العماد بن يونس يحكي عن يوسف الدمشقي مدرس النظامية ببغداد وكان من النظار المعروفين أنه كان ينكر هذا الكلام ويقول : فأبو بكر وعمر وفلان وفلان يعني أن أولئك السادة عظمت حظوظهم من الثلج واليقين ولم يحيطوا بهذه المقدمة وأسبابها " العقيدة الأصفهانية . ج 1 ص169
                        ونقل الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء عن محمد بن الوليد الطرطوشي في رسالة له إلى ابن مظفر قال : فأما ما ذكرت من أبي حامد فقد رأيته وكلمته فرأيته جليلا من أهل العلم ، واجتمع فيه العقل والفهم ، ومارس العلوم طول عمره ، وكان على ذلك معظم زمانه ، ثم بدا له عن طريق العلماء ، ودخل في غُمار العُبَّاد ، ثم تصوَّف ، وهجر العلومَ وأهلها ، ودخل في علوم الخواطر وأرباب القلوب ووساوس الشيطان ، ثم شابها بآراء الفلاسفة ورموز الحلاج ، وجعل يطعن على الفقهاء والمتكلمين ، ولقد كاد أن ينسلخَ من الدين ، فلما عمل الإحياء عمد يتكلم في علوم الأحوال ومرامز الصوفية ، وكان غير أنيس بها ، ولا خبير بمعرفتها ، فسقط على أمِّ رأسه ، وشحن كتابه بالموضوعات .
                        قلت ( القائل هو الذهبي ) أما الإحياء ففيه من الأحاديث الباطلة جملة ، وفيه خيرٌ كثير ، لولا ما فيه من آداب ورسوم وزهد من طرائق الحكماء ومنحرفي الصوفية نسأل الله علماً نافعاً ، تدري ما العلم النافع ؟
                        هو ما نزل به القرآن وفسره الرسول صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً ولم يأت نهي عنه . قال عليه السلام : " من رغب عن سنتي فليس مني " . فعليك يا أخي بتدبر كتاب الله ، وبإدمان النظر في الصحيحين ، وسنن النسائي ، ورياض النواوي وأذكاره ، تفلح وتنجح .
                        وإياك وآراء عباد الفلاسفة ووظائف أهل الرياضات وجوع الرهبان وخطاب طيش رؤوس أصحاب الخلوات ، فكل الخير في متابعة الحنيفية السمحة . فواغوثاه بالله اللهم اهدنا إلى صراطك المستقيم ...
                        ثم إن المازري أثنى على أبي حامد في الفقه ، وقال هو بالفقه أعرف منه بأصوله ، وأما علم الكلام الذي هو أصول الدين فإنه صنف فيه وليس بالمُتَبَحِر فيها ، ولقد فطنت لعدم استبحاره فيها ، وذلك أنه قرأ علوم الفلسفة قبل استبحاره في فن الأصول فأكسبته الفلسفة جرأة على المعاني ، وتسهلاً للهجوم على الحقائق ؛ لأن الفلاسفة تمر مع خواطرها ، لا يردعها شرع .
                        وعرَّفني صاحب له أنه كان له عكوف على رسائل إخوان الصفا وهي إحدى وخمسون رسالة ، ألفها من قد خاض في علم الشرع والنقل وفي الحكمة ، فمزج بين العلمين ، وقد كان رجلٌ يعرف بابن سينا ملأ الدنيا تصانيف ، أدته قوته في الفلسفة إلى أن حاول رد أصول العقائد إلى علم الفلسفة وتلطف جهده حتى تم له ما لم يتم لغيره ، وقد رأيت جملا من دواوينه ، ووجدت أبا حامد يعول عليه في أكثر ما يشير إليه من علوم الفلسفة . وأما مذاهب الصوفية فلا أدري على من عَوَّل فيها ، لكني رأيت فيما علق بعض أصحابه أنه ذكر كتب ابن سينا وما فيها ، وذكر بعد ذلك كتب أبي حيان التوحيدي ، وعندي أنه عليه عول في مذهب التصوف ، وأُخبرت أن أبا حيان ألف ديوانا عظيماً في هذا الفن وفي الإحياء من الواهيات كثير... ثم قال: ويستحسن أشياء مبناها على مالا حقيقة له ، كقص الأظفار أن يبدأ بالسبابة لأن لها الفضل على باقي الأصابع ؛ لأنها المسبحة ، ثم قص ما يليها من الوسطى ؛ لأنها ناحية اليمين ، ويختم بإبهام اليمنى وروى في ذلك أثراً .
                        قلت ( القائل هو الذهبي ) : هو أثر موضوع ... قال أبو الفرج ابن الجوزي صنف أبو حامد الإحياء وملأه بالأحاديث الباطلة ولم يعلم بطلانها ، وتكلم على الكشف وخرج عن قانون الفقه ، وقال عن المراد بالكوكب والقمر والشمس اللواتي رآهن إبراهيم أنوار هي حُجُبُ الله عز وجل ، ولم يُرِد هذه المعروفات ، وهذا من جنس كلام الباطنية . " السير ج19 ص340
                        ثم إن الغزالي – رحمه الله – رجع في آخر حياته إلى عقيدة أهل السنة والجماعة ، وأكب على الكتاب والسنة ، وذم الكلام وأهله ، وأوصى الأمة بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والعمل بما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، قال شيخ الإسلام رحمه الله: " ... وإن كان بعد ذلك رجع إلى طريقة أهل الحديث وصنف إلجام العوام عن علم الكلام " مجموع الفتاوى ج4 ص72 .
                        " وإن نظرة إلى كتابه المسمى إلجام العوام عن علم الكلام ، ليثبت لنا حقيقة هذا التغيُّر من وجوهٍ عديدة :
                        الوجه الأول : أنه انتصر في هذا الكتاب لعقيدة السلف ، منبهاً على أن الحق هو مذهب السلف ، وأن من خالفهم في ذلك فهو مبتدع .
                        الوجه الثاني : أنه نهى عن التأويل أشد النهي ، داعياً إلى إثبات صفات الله ، وعدم تأويلها بما يودي بها إلى التعطيل .
                        الوجه الثالث : أنه شدد النكير على المتكلمين ، ووصف كل أصولهم ومقاييسهم بـ" البدعة المذمومة " ، وبأنها كانت سبب تضرر أكثر الخلق به ، ومنبت الشر بين المسلمين قائلاً :
                        والدليل على تضرر الخلق به : المشاهدة والعيان والتجربة ، وما ثار من الشر منذ نبغ المتكلمون ، وفشت صناعة الكلام مع نهي العصر الأول من الصحابة رضي الله عنهم عن مثل ذلك . ويدل عليه أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة بأجمعهم ما سلكوا في المحاجة مسلك المتكلمين في تقسيماتهم وتدقيقاتهم – لا لعجز منهم عن ذلك – فلو علموا أن ذلك نافع لأطنبوا فيه ، ولخاضوا في تحرير الأدلة خوضاً يزيد على خوضهم في مسائل الفرائض .
                        وقال أيضاً : إن الصحابة رضي الله عنهم كانوا محتاجين إلى محاجة اليهود والنصارى في إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، فما زادوا على أدلة القرآن شيئاً ، وما ركبوا ظهر اللجاج في وضع المقاييس العقلية وترتيب المقدمات . كل ذلك لعلمهم بأن ذلك مثار الفتن ومنبع التشويش ، ومن لا يقنعه أدلة القرآن ، لا يقنعه إلا السيف والسنان فما بعد بيان الله بيان " أنظر كتاب ( أبو حامد الغزالي والتصوف )
                        هذه مجموعة من النقولات عن بعض العلماء الموثوق بعلمهم عن الغزالي رحمه الله ولعل فيها الكفاية لمن أراد الهداية . والله الهادي إلى سواء السبيل .



                        الإسلام سؤال وجواب
                        الشيخ محمد صالح المنجد
                        [CENTER]
                        [/CENTE


                        جزاك الله خيراً
                        اعجبني قوله رحمه الله
                        sigpic
                        • العدل أنت سطعت في عليائه فوق الدجى لم تبق منه ولم تذر
                        • ففتحت بالسيف الموحد دولة كانت تولي وجهها شطر القمر
                        • ونطقت بالآيات قبل نزولها فبعثت في الأرض ملائكة البشر
                        • وكفاك انك ما رأى الشيطان انك قادم من مفرق إلا وفر
                        • وكفاك أنك فاتح القــدس براحتيك وكنت أول من ظفر

                        تعليق


                        • #13
                          المشاركة الأصلية بواسطة عبد الله مسلم مشاهدة المشاركة
                          جزاك الله خيراً
                          اعجبني قوله رحمه الله
                          وجزاك خيرا اخي عبد الله
                          من عاش عمراً طويلاً له الخبرة و الحكمة في الحياة، فالحياة ما هي إلا مسرح و الجميع ممثلون فيها ، و كلٌ يلعب دوراً في سيرها، لذلك للكل بصمة خاصّة به يضعها لكي يفيد بهاالآخرين.

                          تعليق


                          • #14
                            أحاديث ضعيفة وموضوعة عند المتصوفة



                            هل هذا الحديث الذي يذكره المتصوفة صحيح
                            " ما وسعني لا سمائي ولا أرضي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن ".


                            الحمد لله
                            سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل قال : " ما وسعني لا سمائي ولا أرضي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن " .

                            أجاب :
                            الحمد لله
                            هذا ما ذكروه في الإسرائيليات ليس له إسناد معروف عن النبي صلى الله عليه وسلم . ومعناه وضع في قلبه محبتي ومعرفتي .
                            وما يروى : " القلب بيت الرب " ، هذا من جنس الأول ، فإن القلب بيت الإيمان بالله تعالى ومعرفته ومحبته .
                            وما يروونه : " كنت كنزا لا أعرف فأحببت أن أعرف فخلقت خلقا فعرفتهم بي فبي عرفوني " .
                            هذا ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولا أعرف له إسناداً صحيحاً ولا ضعيفاً . وما يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله خلق العقل ، فقال له : أقبل ، فأقبل ، ثم قال له : أدبر ، فأدبر ، فقال : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أشرف منك ، فبك آخذ وبك أعطي " .
                            هذا الحديث باطل موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث .
                            وما يروونه : " حب الدنيا رأس كل خطيئة " هذا معروف ، عن جندب بن عبد الله البجلي وأما عن النبي صلى الله عليه وسلم فليس له إسناد معروف .
                            وما يروونه : " الدنيا خطوة رجل مؤمن " ، هذا لا يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره من سلف الأمة ولا أئمتها .
                            وما يروونه : " من بورك له في شيء فليلزمه " ، " ومن ألزم نفسه شيئا لزمه " .
                            الأول : يؤثر عن بعض السلف ، والثاني : باطل فإن من ألزم نفسه شيئاً قد يلزمه وقد لا يلزمه بحسب ما يأمر به الله ورسوله .
                            وما يروونه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " اتخذوا مع الفقراء أيادي فإن لهم في غد دولة وأي دولة " ، " الفقر فخري وبه أفتخر " ، كلاهما كذب لا يعرف في شيء من كتب المسلمين المعروفة .
                            وما يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أنا مدينة العلم وعلي بابها " ، هذا الحديث ضعيف ، بل موضوع عند أهل العلم بالحديث ، ولكن قد رواه الترمذي وغيره ووقع هذا وهو كذب .
                            وما يروونه : أنه صلى الله عليه وسلم " يقعد الفقراء يوم القيامة ، ويقول : وعزتي وجلالي ما زويت الدنيا عنكم لهوانكم علي ولكن أردت أن أرفع قدركم في هذا اليوم انطلقوا إلى الموقف فمن أحسن إليكم بكسرة أو سقاكم شربة ماء أو كساكم خرقة انطلقوا به إلى الجنة " ، قال الشيخ : الثاني كذب لم يروه أحد من أهل العلم بالحديث ، وهو باطل خلاف الكتاب والسنة والإجماع .
                            وما يروونه ، عن " النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم إلى المدينة خرجن بنات النجار بالدفوف وهن يقلن : طلع البدر علينا من ثنيات الوداع إلى آخر الشعر فقال لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم : هزوا غرابيلكم بارك الله فيكم " :
                            حديث النسوة وضرب الدف في الأفراح صحيح فقد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما قوله : " هزوا غرابيلكم " هذا لا يعرف عنه .
                            وما يروونه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اللهم إنك أخرجتني من أحب البقاع إلي فأسكني في أحب البقاع إليك " ، هذا حديث باطل كذلك ، وقد رواه الترمذي وغيره ، بل إنه قال لمكة : " إنك أحب بلاد الله إلي " ، وقال : " إنك لأحب البلاد إلى الله " .
                            وما يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من زارني وزار أبي إبراهيم في عام دخل الجنة " ، هذا كذب موضوع ولم يروه أحد من أهل العلم بالحديث .
                            وما يروونه ، عن علي رضي الله عنه : أن أعرابيا صلى ونقر صلاته ، فقال علي : " لا تنقر صلاتك " ، فقال الأعرابي : يا علي لو نقرها أبوك ما دخل النار . هذا كذب . وما يروونه ، عن عمر أنه قتل أباه ، هذا كذب فإن أباه مات قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم .
                            وما يروونه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " كنت نبيا وآدم بين الماء والطين ، وكنت وآدم لا ماء ولا طين " هذا اللفظ كذلك باطل .
                            وما يروونه : " العازب فراشه من نار ، مسكين رجل بلا امرأة ، ومسكينة امرأة بلا رجل " ، هذا ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يثبت عن إبراهيم الخليل عليه السلام لما بنى البيت صلى في كل ركن ألف ركعة فأوحى الله تعالى إليه : " يا إبراهيم ما هذا سد جوعة أو ستر عورة " ، هذا كذب ظاهر ليس هو في شيء من كتب المسلمين . وما يروونه : " لا تكرهوا الفتنة فإن فيها حصاد المنافقين " ، هذا ليس معروفا عن النبي صلى الله عليه وسلم .
                            وما يروونه : " من علم أخاه آية من كتاب الله ملك رقه " ، هذا كذب ليس في شيء من كتب أهل العلم .
                            وما يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " اطلعت على ذنوب أمتي فلم أجد أعظم ذنبا ممن تعلم آية ثم نسيها " وإذا صح هذا الحديث فهذا عنى بالنسيان التلاوة ، ولفظ الحديث أنه قال : " يوجد من سيئات أمتي الرجل يؤتيه الله آية من القرآن فينام عنها حتى ينساها " والنسيان الذي هو بمعنى الإعراض عن القرآن وترك الإيمان والعمل به ، وأما إهمال درسه حتى ينسى فهو من الذنوب .
                            وما يروونه : " إن آية من القرآن خير من محمد وآل محمد ، القرآن كلام الله منزل غير مخلوق فلا يشبه بغيره " ، اللفظ المذكور غير مأثور .
                            وما يروونه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من علم علما نافعا وأخفاه عن المسلمين ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار " ، وهذا معناه معروف في السنن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار " .
                            وما يروونه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا وصلتم إلى ما شجر بين أصحابي فامسكوا ، وإذا وصلتم إلى القضاء والقدر فأمسكوا " ، هذا مأثور بأسانيد منقطعة .
                            وما يروونه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم " قال لسلمان الفارسي وهو يأكل العنب : دو دو " ، يعني عنبتين عنبتين ، هذا ليس كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو باطل .
                            وما يروونه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من زنى بامرأة فجاءت منه ببنت فللزاني أن يتزوج بابنته من الزنا " ، وهذا يقوله من ليس من أصحاب الشافعي وبعضهم ينقله عن الشافعي ، ومن أصحاب الشافعي من أنكر ذلك عنه ، وقال : إنه لم يصرح بتحليل ذلك ولكن صرح بحل ذلك من الرضاعة إذا رضع من لبن المرأة الحامل من الزنا ، وعامة العلماء كأحمد وأبي حنيفة وغيرهما متفقون على تحريم ذلك ، وهذا أظهر القولين في مذهب مالك.
                            وما يروونه : " أحق ما أخذتم عليه أجرة كتاب الله " ، نعم ثبت ذلك أنه قال : " أحق ما أخذتم عليه أجرة كتاب الله " ، لكنه في حديث الرقية ، وكان الجعل على عافية مريض القوم لا على التلاوة .
                            وما يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من ظلم ذميا كان الله خصمه يوم القيامة أو كنت خصمه يوم القيامة " ، هذا ضعيف ، لكن المعروف عنه أنه قال : " من قتل معاهدا بغير حق لم يرح رائحة الجنة " .
                            وما يروونه ، عنه : " من أسرج سراجا في مسجد لم تزل الملائكة وحملة العرش تستغفر له ما دام في المسجد ضوء ذلك السراج " ، هذا لا أعرف له إسنادا عن النبي صلى الله عليه وسلم .


                            " الفتاوى الكبرى " ( 5 / 88 - 93 ) .




                            من عاش عمراً طويلاً له الخبرة و الحكمة في الحياة، فالحياة ما هي إلا مسرح و الجميع ممثلون فيها ، و كلٌ يلعب دوراً في سيرها، لذلك للكل بصمة خاصّة به يضعها لكي يفيد بهاالآخرين.

                            تعليق


                            • #15


                              الطرق الصوفية وحكم الانضمام إليها


                              في الطرق الصوفية يوجد طريقة تسمى : سياريا (syari'a) ، طريقة ، حقيقة ، معرفة ، هل صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم علَّم أصحابه هذه الطرق وبنفس ما تعنيه هذه الطرق لدى الصوفية ؟.

                              الحمد لله لا بد أن نعلم أن النسبة إلى الصوفية هي إلى لبس الصوف لا إلى شيء آخر .
                              قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
                              واسم الصوفية هو نسبة إلى لباس الصوف هذا هو الصحيح ، وقد قيل إنه نسبة إلى صفوة الفقهاء ، وقيل إلى صوفة بن أد بن طانجة قبيلة من العرب كانوا يعرفون بالنسك ، وقيل إلى أهل الصُّفة ، وقيل إلى الصفا ، وقيل إلى الصفوة ، وقيل إلى الصف المقدم بين يدي الله ؛ وهذه الأقوال : ضعيفة فإنه لو كان كذلك لقيل صفي أو صفائي أو صفوي أو صفي ولم يقل صوفي .
                              " مجموع الفتاوى " ( 11 / 195 ) .
                              ولم يظهر التصوف إلا بعد القرون الثلاثة التي أثنى علها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله :" خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم …." - رواه البخاري ( 2652 ) ، ومسلم ( 2533 ) من حديث ابن مسعود - .
                              قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
                              وأما لفظ الصوفية فإنه لم يكن مشهوراً في القرون الثلاثة وإنما اشتهر التكلم به بعد ذلك .
                              " مجموع الفتاوى " ( 11 / 5 ) .
                              وهذه الطريقة ومثيلاتها من الطرق المبتدعة المخالفة للكتاب والسنَّة ولما كان عليه خير القرون ، فقد اخترع كل شيخٍ لهذه الطرق ورداً وحزباً وطريقة في العبادة يُميِّز بها نفسه عن غيره ، مخالفاً للشرع ، ومفرقاً للصف .
                              وقد امتن الله على الأمَّة بأن أكمل لها دينها وأتمَّ عليه نعمته ، فكل من جاء بعبادة وطريقة لم يأتِ بها الشرع فهو مكذب بما قاله الله تعالى متهم للنبي صلى الله عليه وسلم بالخيانة .
                              وقد يكون مع ابتداعهم هذا كذبٌ أيضاً بأن زعم زاعمهم أنهم تلقوا طريقتهم هذه من النبي صلى الله عليه وسلم أو أنهم على طريق وهدي الخلفاء الراشدين .
                              وقد سئل علماء اللجنة الدائمة :
                              هل يوجد في الإسلام طرق متعددة مثل : الطريقة الشاذلية ، والطريقة الخلوتية ، وغيرهما من الطرق ، وإذا وجدت هذه الطرق فما هو الدليل على ذلك ؟ وما معنى قول الحق تبارك وتعالى { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } الأنعام / 153 ، وما معنى قوله أيضاً : { وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } النحل / 9 ، ما هي السبل المتفرقة ، وما هو سبيل الله ، ثم ما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الذي رواه عنه ابن مسعود أنه خط خطّاً ثم قال : " هذا سبيل الرشد " ثم خطَّ عن يمينه وعن شماله خطوطاً ثم قال : " هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه " ؟ فأجابوا :
                              لا يوجد في الإسلام شيء من الطرق المذكورة ، ولا من أشباههما ، والموجود في الإسلام هو ما دلت عليه الآيتان والحديث الذي ذكرتَ وما دلَّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم : " افترقت اليهود على إحدى وسبعين فِرقة ، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فِرقة ، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فِرقة ، كلها في النار إلا واحدة " ، قيل : من هي يا رسول الله ؟ قال : " من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي " ، وقوله عليه الصلاة والسلام : " لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة ، لا يضرُّهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك " ، والحق هو اتباع القرآن الكريم والسنَّة النبويَّة الصحيحة الصريحة ، وهذا هو سبيل الله ، وهو الصراط المستقيم ، وهو قصد السبيل ، وهو الخط المستقيم المذكور في حديث ابن مسعود ، وهو الذي درج عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وعن أتباعهم من سلف الأمَّة ومن سار على نهجهم ، وما سوى ذلك من الطرق والفِرق هي السبل المذكورة في قوله سبحانه وتعالى : { وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } الأنعام / 153 .
                              " فتاوى اللجنة الدائمة " ( 2 / 283 ، 284 ) .
                              والله أعلم.


                              الإسلام سؤال وجواب





                              من عاش عمراً طويلاً له الخبرة و الحكمة في الحياة، فالحياة ما هي إلا مسرح و الجميع ممثلون فيها ، و كلٌ يلعب دوراً في سيرها، لذلك للكل بصمة خاصّة به يضعها لكي يفيد بهاالآخرين.

                              تعليق

                              يعمل...
                              X