إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الخلافة الإسلامية وشبه القارة الهندية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الخلافة الإسلامية وشبه القارة الهندية



    في ذكرى القضاء على دولة الخلافة، يهمنا أن نفكّر مليًّا في تاريخها، وفي ردّ فعل المسلمين تجاه زوالها والقضاء الفعلي عليها. يظن البعض أن المسلمين وعلماءهم لم يعترضوا على الدعوة للقضاء عليها، أو أنهم لم يدركوا أهميتها. وهذا ظن خاطئ؛ لأن التاريخ شاهد على ردة فعل المسلمين تجاه ذلك، وعلى صراعهم من أجل الحفاظ عليها، وعلى ألمهم لزوالها، صحيح أن ردود الفعل لم تكن على مستوى هذا الزلزال الكبير الذي حدث بزوال الخلافة، ولكن الصحيح أيضًا أن هناك من تألم وتحرك وانتفض، وسنتناول في هذه المقالة ردود فعل المسلمين في الهند.

    قبل الخوض في الحديث عن ردّة فعل المسلمين في الهند، من المهمّ أن نفهم الخلفية التاريخية لطريقة وصول الحكم الإسلامي إلى شبه القارة الهندية التي يبلغ تعداد المسلمين فيها ما يزيد عن ثلث تعداد الأمة الإسلامية، ففيها نحو نصف بليون نسمة: نحو 250 مليونًا في الهند، و160 مليونًا في باكستان و120 مليونًا في بنغلادش. كما أن الأوردو ذات الحروف اللصيقة بالعربية هي اللغة التي يتحدث بها عامة المسلمين في شبه القارة.

    الفتح الإسلامي في الهند:
    في عام 711م (92هـ) كان تجارٌ مسلمون يبحرون في المحيط الهندي من سيلان قرب ساحل السند. ولكن سفينتهم قد نُهِبت وأُسِر المسلمون وسجنوا. فوصلت أنباء ذلك إلى عاصمة دولة الخلافة، حيث سمع الخليفة الوليد بن عبد الملك بذلك. فأرسل رسالة إلى الحجاج بن يوسف الثقفي، والي العراق أن يطلب من حاكم السند تقديم الاعتذار عن ذلك، وأن يقوم هو (الحجَّاج) بإنقاذ المسلمين المأسورين. فأرسل الحجاج جيشًا بقيادة شابّ من ألمع أبناء الأمة، يحتل اسمه منـزلة مرموقة في قلوب المسلمين، بخاصّة في شبه القارة الهندية، حيث حمل على عاتقه مسؤولية قيادة جيش دولة الخلافة الإسلامية داخل أرض أجنبية، إنه محمد بن القاسم الثقفي، فاتح بلاد السند.

    عندما وصل جيش دولة الخلافة ديبال (قرب كراتشي) سلّم محمد بن القاسم مطالبه إلى حاكمها راجا الذي رفضها وبالتالي هزمه المسلمون وفتحوا ديبال. وبعد ذلك أَتْبع محمد بن القاسم نجاحه الأول بفتوحات أخرى، حيث إن واجب المسلمين يقضي بأن يجعلوا كلمة الله عزّ وجلّ هي العليا. وبدافع من العقيدة الإسلامية واصل الجيش الإسلامي تقدمه حتى بلغ ملتان. وفي خلال ثلاث سنوات، أي بحلول عام 714م (95هـ)، أُدخِلت السند بأسرها وجنوب البنجاب في ظلّ حكم الخلافة الإسلامية. وبفتح الجزء الشمالي الغربي من شبه القارة الهندية نَقل الجيشُ الإسلامي عبّاد الأصنام من الظلام إلى نور الإسلام. وطلب محمد بن القاسم من موظفي الخلافة الإداريين بأن يرعوا شؤون الناس بأمانة الإسلام وعدله، فيأخذوا الأموال بحقها من زكاة وجزية دون إرهاق، ويضعوها مواضعها في سد حاجة الفقراء، وتوفير العيش الكريم للرعية في ظل عدل الإسلام.

    وفي عهد خلافة هشام بن عبد الملك (105 – 125 / 724م - 743م) فتحت كشمير وكانجرا. وفي عهد الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور (136 – فُتحت قندهار، وبذلت الجهود لتعزيز وتوسيع تخوم دولة الخلافة في شبه القارة الهندية. وفي عهد الخليفة هارون الرشيد (170 - 193هـ / 786م - 809م) وسّع الجيش الإسلامي تخوم السند نحو الغرب إلى كوجورات (الموجودة حاليًا في الهند). وفي هذه الحقبة استقرّ الجند الإسلامي وازدهرت مدن جديدة هناك. ومنذ ذلك الوقت فصاعدًا رُفِعت أعدادٌ كبيرة من الهنود من الطبقات الاجتماعية المنبوذة في النظام الكافر وأُدخِلت في ظلّ الأخوة (الإسلامية) العالمية. وقد أُخرجوا من ظلام الجهل والكفر إلى نور الإسلام، يعبدون الله عزّ وجلّ وينبذون آلهتهم من الأصنام الباطلة. فحكم الإسلام ما يعرف اليوم بالهند وباكستان وكشمير وبنغلادش لأكثر من ألف عام.

    وعلى خلاف ما يصف المستشرقون تاريخ الهند، يجب أن ندرك أنها كانت إحدى ولايات الخلافة، ولكن ارتباطها بمركز الخلافة كان يضعف أحيانًا حسب قوة الخلافة، وتترك في بعض الفترات لتحكم نفسها بنفسها، ولكن الأحكام الشرعية كانت تطبق عليها من قبل الحكام، وكانت جزءًا من دار الإسلام إلى أن استعمرها البريطانيون. وقد ذكر المؤرخون المسلمون الهند، أمثال ابن كثير الدمشقي (توفي عام 774هـ) في كتابه البداية والنهاية، كجزء من دار الإسلام.

    سلطنة دلهي في الهند:
    بقيت الهند إحدى مقاطعات الخلافة طيلة عهد سلطنة دلهي (602 - 932هـ / 1205 - 1526م) وفترة حكم دولة المغول الإسلامية في الهند (932 – 1274هـ/ 1526 - 1857م) فيما عدا فترة حكم جلال الدين أكبر (963 - 1014هـ / 1556- 1605م) ا
    لذي ارتدّ عن الإسلام وأنشأ دينًا جديدًا.

    وفي الربع الأخير من القرن الثاني عشر غزا شهاب الدين الغوري سهل الهند - جانج فاتحًا على التوالي غزني، ملتان، سند، لاهور، ودلهي. وأصبح قطب الدين أيبك أحد قواده سلطان دلهي. وفي القرن الثالث عشر استلم السلطة في دلهي شمس الدين إلتميش (608 – 633هـ/ 1211 - 1236م) وهو مملوك محارب من أصل تركي، مما ساعد السلاطين في المستقبل من التوسع في جميع الاتجاهات. وخلال الـ100 سنة التالية، توسعت ما عرفت بسلطنة دلهي باتجاه الشرق حتى البنغال، وباتجاه الجنوب حتى دكّا. وحكمت تلك السلطنة خمس سلالات حاكمة واحدة بعد الأخرى، وهي: السلالة المملوكية (1206 – 1290م)، وسلالة الخالجي (1290 – 1320م)، وسلالة توغلاق (1320 - 1413م)، وسلالة سيّد (1414 – 1451م) وسلالة لودي (1451 - 1526م).

    دولة المغول في الهند:
    واستولى بابور الذي جاء من آسيا الوسطى على دلهي عام 932هـ / 1526م وأصبح أول حكام المغول في الهند. وتولى ابنه هُمايون السلطة بعد وفاته (1530 – 1556م). وبحسب وثيقة متوفرة في المكتبة الحكومية في بوبال فإن بابور قد ترك الوصية التالية لهُمايون، التي تبين بأنه رغم نقائصه فقد اهتمّ بتطبيق الإسلام بطريقة عادلة:

    أوصيك يا بني بما يلي:
    " يجب أن تقيم العدل، وأن تلاحظ الحساسيات الدينية وشعائر الناس، حتى الأبقار التي يعبدها بعض الرعية، فلا تذبحها باستفزاز وتحدٍ، بل إن ذبحتها ففي أماكن خاصة، فهذا يقربك من رعيتك حتى أهل الذمة منهم.لا تهدم أوتتلف أماكن عبادة أي معتقد، وأقم كامل العدل حتى تضمن السلام في البلاد. يمكن أن يبلّغ الإسلام بطريقة أفضل من خلال سيف الحبّ والمودّة بدلًا من سيف الظلم والاضطهاد. تجنب الاختلافات بين الشيعة والسنة. انظر إلى الخصائص المختلفة لشعبك تمامًا كأنها خصائص فصول السنة."

    يجب أن ننتبه إلى الجهة التي نأخذ منها تاريخنا، لأنّ معظم تاريخ الهند والتاريخ الإسلامي قد كتبه المستشرقون. نعترف بأن بعض حكام الهند المسلمين أساءوا تطبيق بعض أحكام الإسلام واقترفوا بعض المظالم. ولكن شبه القارة الهندية بقيت تحت حكمهم جزءًا من دار الإسلام، وأن نظام الإسلام كان مطبقًا فيها. وسجلات المحاكم التي لا تزال موجودة في بعض أمّهات المدن تبين أنه لم يكن هناك مصدر قانوني يرجع إليه غير الشريعة الإسلامية، كما أن شبه القارة استمرت تابعة لدولة الخلافة مدة طويلة، حتى إنه لما ضعف ربطها بمركز الخلافة، وصارت تحكم من ولاتها المسلمين بقيت دار إسلام، مرجعها في الأحكام هو الإسلام.


  • #2




    الهند جزء من دار الخلافة الإسلامية:
    وحقيقةُ أن الهند كانت جزءًا من دولة الخلافة قد أقر بها كتَّاب حتى من غير المسلمين، فمثلًا يقول المؤلف الهندوسي شاشي إس. شارما في كتابه "الخلفاء والسلاطين - مبدأ دينيّ وتطبيق سياسيّ" (ص247)، مايلي: "بقيت سلطنة دلهي خلال فترة وجودها (1205 – 1526م) جزءًا قانونيًا من الخلافة الإسلامية العالمية تحت سلطان الخلفاء العباسيين. فقد اعتبر سلاطين دلهي أنفسهم نوابًا للخليفة واستمدوا شرعية سلطتهم الإدارية والقانونية على أساس هذه النيابة فقط. وبما أن السلطة العليا للأمة بقيت قانونيًا مع الخليفة، فقد ادّعى كل ملك وحاكم أنه يمارس سلطة الحكم لصالح وبالنيابة عن إمام الإسلام".

    وذكر في (ص249) عن علاقة حكام الهند بالخلافة العثمانية: "عبّر محمد شاه باهاماني الثالث (1463 – 1482م) عن تقديره للسلطان العثماني محمد الثاني الفاتح بوصفه الشخص الجدير بمنصب الخلافة. وقد تبنت مملكة بيجابور الرمز التركي (العثماني) رمزًا لمملكتها. وخاطب مالك أياز، أحد أشراف كوجورات، السلطان سليم الأول بوصف " الخليفة على الأرض". ويمكن أيضًا أن نفهم الأدلة الدقيقة للتقدير العظيم الذي حمله الحكام المغول للسلطان العثماني من المراسلات القليلة التي تمت بين دلهي وإستانبول .. ففي رسالة إلى السلطان سليمان خاطبه هُمايون (حاكم الهند) "بالخليفة صاحب أعلى الصفات" ودعا له بدوام بقاء خلافته. وبعث السلطان إبراهيم رسالة إلى شاهجهان أعلن فيها عن نفسه بأنه " ملجأ وملاذ الحكام المسلمين في كل العالم،" فقد أنعم الله عليه ببركة تولي عرش الخلافة. وقد أحضر أحمد عكّا مندوب السلطان العثماني رسالة خطية من السلطان الى بلاط أورانكزيب حاكم الهند عام 1690م (1101هـ) مليئة باقتباسات قرآنية وإشارات إلى السلطان بوصفه خليفة الإسلام. وفي عام 1723م استأنف محمد شاه (1719 – 1748م) مراسلة المغول للباب العالي في إستانبول. ويصف محمد شاه السلطان في رسالته "بملاذ أعظم السلاطين"، "حامي أشرف الملوك"، "حلية عرش الخلافة العظيم" و"ناشر أحكام الشريعة"".

    وهناك آثار قديمة معينة تبين أيضًا الصلة بين الخلافة والهند. فمثلًا تحمل نقود فضية في عهد السلطان شمس الدين ألتمش الذي كان والي الهند في الفترة (1211 – 1236م) اسم الخليفة المستنصر على أحد وجهيها واسمه هو كمساعد للخلافة على وجهها الآخر. وحتى بعد اجتياح بغداد عام 1258م (656هـ)الذي أدى الى وفاة الخليفة المستعصم فإن النقود في الهند حملت اسمه.

    علماء الهند في ظل الحكم الإسلامي:
    وقد أنجبت الهند أيضًا علماء عظامًا في ظلّ الحكم الإسلامي أمثال الشيخ أحمد سرهندي (توفي في دلهي عام 1033هـ / 1624م) الذي عُرِف بمجدّد الألف الثاني. وكان مشهورًا كعالم فقه، وقد كتب 536 رسالة حملت بمجموعها اسم "الرسائل المجموعة" أو "المخطوطات"، كان قد كتبها إلى الحكام العثمانيين تحمل أفكاره.

    وكان شاه وليّ الدين دهلوي (1703 – 1762م) واحدًا من أكثر علماء الهند المحترمين، ونال القبول والتقدير من قبل جميع الجماعات والمذاهب في جنوب آسيا وما وراءها. كان كاتبًا وافر الإنتاج كتب بإسهاب عن مواضيع إسلامية متعددة. وشملت أعماله واحدة من أبكر الترجمات المفيدة لمعاني القرآن الكريم بالأوردو، وكذلك بالسنسكريتي، وقد اعترض على عمله كثير من علماء عصره، ثم رحب بها فيما بعد علماء المسلمين الهنود. ومن أعماله الأخرى المشهورة حجة البلاغة والتفهيمات الإلهية. وكتب شاه ولي الدين عن الخلافة في كتابه "إزالة الخلافة". ومما قاله في ذلك "الخلافة رئاسة للناس تقودهم من أجل إقامة الدين بكل أحكامه في التعليم والعبادات والجهاد.. ترتيب الجيش، وتعويض المقاتلين، وإنشاء نظام قضائي، وفرض القوانين، وكبح الجرائم .. وكل هذه المهامّ يجب القيام بها بواسطة الخلافة بوصفها تنوب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتمثله في الحكم."


    يتبع

    تعليق

    يعمل...
    X