إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

قصة صاحب الخشبة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قصة صاحب الخشبة

    بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله


    أخرج الشيخان -
    البخاري ومسلم - في صحيحيهما :
    ( من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه ذكر رجلاً من بني إسرائيل: ذهب إلى رجل، وقال له: أقرضني ألف دينار أتَّجر بها.

    قال له الرجل: ائتني بكفيل.
    قال له: كفى بالله كفيلاً.
    قال: صدقت، ائتني بشهيد.
    قال: كفى بالله شهيداً.
    قال: صدقت، خذ الألف دينار.
    فأخذ الرجل الألف دينار وانطلق يتَّجر بها في البحر، فلما حان موعد الوفاء التمس الرجلُ المدين مركباً، وكان بين الدائن والمدين بحراً فلم يجد؛ إذ كانت الأمواج والرياح شديدة، فوقفت حركة الملاحة، والرجل صاحب الدين على الشاطئ الآخر ينتظر،
    فلما يئس المدين أخذ خشبةً ونَقَرها ووضع فيها الألف دينار مع كتابٍ إلى صاحبه: من فلان ابن فلان ... ثم أحكم إغلاقها ووضعها في البحر، وقال: اللهم إنك تعلم أنني تسلفتُ من فلان ألف دينار، وأنه قد حال بيني وبينه الموج، وقد جعلتُك كفيلاً ووكيلاً، فأوصل هذا الدَّين إلى صاحبه، وقذف بالخشبة في البحر، وهو في كل ذلك جاهداً يلتمس مركباً حتى يذهب إلى صاحبه.

    وبينما كان الرجل -صاحب الدين- واقفاً على الشاطئ ينتظر أيَّ مركب، فلم يجد؛ لكنه وجد أمامه خشبةً تطفو فوق الماء، فقال: آخذها أستدفئ بها أنا وأولادي، فلما أخذها وذهب إلى بيته نقرها بقدوم فسقطت منها الصرة، ففتحَها فإذا بالألف دينار والرسالة: من فلان إلى فلان، إنه قد حال بيني وبينك الموج، وقد جعلت الله وكيلاً وكفيلاً، وهذا دينك.

    وكان الرجل ( المدين ) يلتمس في كل ذلك مركباً حتى وجد مركباً فركبه وأخذ ألف دينار أخرى وذهب إلى صاحب الدَّين،
    وقال: والله لقد جهدتُ أن أجد مركباً قبل هذا فما استطعتُ، خذ الألف دينار،
    فقال الرجل الآخر: هل أرسلتَ إلي شيئاً؟
    فقال له: سبحان الله! أقول لك: هذا أول مركب وتقول لي: هل أرسلت شيئاً؟!
    فقال له صاحب الدَّين: قد أدى الله عنك، فخذ مالك وارجع راشداً .)

    هذا الحديث من أجلّ الأحاديث في باب الورع والتوكل على الله عز وجل

    قال أبو هريرة راوي الحديث: ( فكنا نختلف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما آمَن -أي: أيهما أشد إيماناً من صاحبه- الذي رمى بالخشبة في البحر وهو موقن أن الله لن يضيعه، أم الذي أخذ المال وكان أميناً؟ لأنه كان يستطيع أن يجحد ويقول: ما وصلني شيء.!

    -يُتبع
    لاحول ولاقوة إلا بالله

  • #2

    فائدة القصة:
    أنك تجد فيها العبرة، والناس مطبوعون على محبة القصص، ولذلك قصَّ الله تبارك وتعالى قصص الأنبياء على المبتلين، وقصص السالفين عليهم.

    أراد أن يعلمهم كيف يتوكل المرء على الله، وأن الله لا يضيعه، برغم الظنون التي يظنها بعض بني آدم بربهم تبارك وتعالى، وهي ظنون كاذبة خاطئة.
    فلا تظنن بربك ظن سَوءٍ فإن الله أولى بالجميل

    فهذا رجل يريد أن يقترض ألف دينار يتَّجر بها، فذهب إلى رجل موسر يقرض الناس:

    فقال: أقرضني ألف دينار إلى أجل.
    فقال له الرجل: ائتني بكفيل .. ائتني بشهيد.
    وهذا حقه ، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282] هذا حقٌّ وحفظٌ لأموال الناس.
    فطَلَبُه الكفيلَ والشهيدَ مشروعٌ لاشيء فيه.

    فقال له: كفى بالله كفيلاً ... كفى بالله شهيداً.

    لم يقل له الرجل الآخر: أنا أعلم أن الله كفيلٌ وشهيدٌ؛ لكن أريد أن أرسِّخ دَيني، لا. إن العلاقة بين المرء وأخيه لا سيما إذا بلغ كلٌّ منهما إلى درجة عالية من هذا الاعتقاد يُجِلُّون الله تبارك وتعالى أن يوضع اسمُه: كفى بالله كفيلاً.

    ولا يمنع هذا أن توثِّق دينَك وأنت تعتقد أن الله كفيل؛ لكن انظر إلى قوة هذا الإيمان.

    هناك من الناس من لا يُجِلُّون الله تبارك وتعالى، ويرضَون أن يُهانَ هذا الاسم العظيم الذي قامت به السماوات والأرض، فتُقْسِمُ له بالله أنك صادقٌ فلا يُصَدِّق، تُقْسِم بالأيمان المغلظة أنك ستعيدها، ومع ذلك يقول: لا.

    هناك رجل تاجر وله بنت وحيدة، وهو يجلها غاية الإجلال، وكان يكذب في تجارته:
    فقال له رجل: احلِفْ بالله أن البضاعة بكذا.
    فقال: والله إنها بكذا.
    فقال له الرجل: احلف بحياة ابنتك.
    فبَكى ورَقَّ حالُه، وأبى أن يقسم بحياة ابنته؛ لكن أن يقسمَ بالله تبارك وتعالى كذباً وزوراً فإن هذا لا يضره ولا يهتز.

    أليس الله تبارك وتعالى أولى بالجلالة وأحق؟!


    لاحول ولاقوة إلا بالله

    تعليق


    • #3

      هذا الرجل لما قال له: (كفى بالله شهيداً، كفى بالله وكيلاً، قال: صدقت، وقال له في الثانية: سبحان الله! نعم. -أي: كفى بالله شهيداً- خذ الألف دينار).


      التزامك بآداب دينك يريحك ويريح الطرف الآخر.


      أخذ الرجل الألف دينار وانطلق يعمل بها في البحر، وربح فيها، وجاء موعد قضاء الدين، فأخذ الألف دينار وانتظر على الشاطئ لعله أن يجد مركباً فلم يجد، لقوة الرياح وعلو الموج، وتوقُّف حركة الملاحة، فماذا يفعل؟ وهو يتحرق شوقاً أن يرد هذا المال في موعده؟ بقدر ما يكون لك من الإخلاص يكون الله معك.

      يؤسفني أن أقول:
      إن كثيراً من المسلمين ضربوا المثل الأسوأ في المعاملات بكل أسف في التلاعب والضحك، ولا أدري على مَن يضحكون، ومَن يخدعون،

      ذهب أحدهم إلى رجل فأخبره أنه مقبل على عمل شركة تجارية، وأن أرباحها كبيرة، وأن السوق فارغ ويحتاج إلى هذه البضاعة، فإذا كان معك مال فهات المال نتاجر وأوهم المسكين، فذهب الآخر وباع ذهب المرأة واقترض، لأن هذا لم يكن عنده مال؛ لكن اقترض من آخرين أموالاً وذهب ووضع المال كله في يد هذا الرجل، فأخذ ذلك المال وأنفقه، وهو يعلم أن أخاه اقترض جزءاً كبيراً من هذا المال، والعجيب أن نفسه طابت بذلك! وأنه لم يشعر بإثم ولا وزر، ولم يشعر بوخز في ضميره وهو يأخذ هذا المال!

      ومضت أيام وشهور وسنون.
      فقال له: أين التجارة؟
      فقال: غداً! غداً!
      وحدثت مشكلة كبيرة مع أهل المرأة، وقالوا لها: أين ذهبك؟ لماذا أعطيتيه الزوج؟ نحن كنا أحق بهذا المال، ألم نطلب منك الذهب يوم كذا وكذا فأبيتي؟
      وصارت قطيعة بين المرأة وبين أهلها.
      فلما علم الرجل أنه لا تجارة.
      قال لصاحبه: أعطني المال. فقال له: لا أملك شيئاً.
      فقال له: ما هو الحل؟ قال: أقسط لك المبلغ.
      وهكذا ضاع المبلغ؛ لأنك عندما تأخذ عشرين جنيهاً، ثم ثلاثين، ثم خمسين، فإن المبلغ سيضيع، لكن إذا أخذته جملة واحدة فإنك ستقضي دينك، وتعيد الذهب لزوجتك.

      يكاد المرء يعتصر من الحزن وهو يرى هذه المعاملات الهشة الكاذبة الخادعة!

      وبعد ذلك يسألون: لِمَ يتخلف نصر الله؟
      لماذا نحن نعيش على هامش الحياة، لا قيمة للمسلمين؟ ولماذا أرخص دم في العالم دمهم؟
      يتساءلون كل هذه الأسئلة.

      فأقول:
      منكم أنتم جاء الخلل:

      إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11] فالله ليس بظلام للعبيد، إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً [النساء:40].
      ومن يك ذا فم مر مريض يجد مراً به الماء الزلالا
      لا تقل: إن الماء مر، لأن فمك هو المر.
      بقدر ما يكون لك من الإخلاص والثبات، والوفاء بالوعد، والحفاظ على أموال الناس ومشاعرهم بقدر ما يعينك الله على ذلك، وبقدر ما يحتوي قلبك من الغل والغش والخداع بقدر ما يبتعد عنك تأييد الله ونصره.
      لاحول ولاقوة إلا بالله

      تعليق


      • #4

        الرجل عندما أخذ الألف دينار كان عازماً على قضاء هذا الدين في موعده، وقف الرجل برغم أنه يرى الرياح القوية والموج ولا يرى أي مركبٍ؛ لكنه أخذ بالأسباب، فقال: ربِّ قد جعلتك كفيلاً وشهيداً.

        فلم يجد هذا الرجل المؤمن إلا أن يضع المال في خشبة ويقذف بها في البحر.

        لو فعل هذا الفعل رجل منا الآن لاتهمه الناس بالجنون وبتضييع المال؛ لكن رؤية المؤمن تختلف عن غيره.


        إذا أردت أن تعيش عزيزاً كريماً توجه إلى السماء، واركن إلى رب العرش والسماء، فإنك إن ركنت إلى غيره أخطأك التوفيق.

        فتَعَلَّقْ بالله: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:58] انظر إلى هذه الصفة بعد ذكر صفة الرزق: (ذو القوة المتين) بعد ذكر صفة (الرزاق).
        لماذا؟
        حتى لا تظن أن هذا الرزاق يمكن أن يفتقر، أو أن طلبك أعظم مما في خزائنه، هو رزاق لكن قد يقدر على ذلك أن خزائنه تنفد وأن ما عنده يزول، فقال لك: لا؛ لأنه ذو القوة المتين إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ [ص:54].

        فهذا الرجل أخذ خشبة ونقرها ووضع فيها كيساً وكتاباً منه إلى صاحبه: أنه قد حال بيني وبينك الموج، ثم أحكم إغلاقها وقال: (اللهم أنت تعلم أنني تسلفت من فلان ألف دينار، وأنه قد حال بيني وبينه الموج، وقد جعلتك كفيلاً وشهيداً فأوصل هذا الدين إلى صاحبه).
        رب شخص يقول: لِمَ يقول هذا؟ ألم يعلم اللهُ أنه تسلف ألف دينار؟ ألم يعلم اللهُ تبارك وتعالى أن الموج عاتٍ، وأن الرياح سريعة، وأن حركة الملاحة واقفة؟
        لماذا يقول هذا؟
        هذا موضع نظر وتأمل دقيق: (اللهم أنت تعلم أنني فعلت) إقرار بحاله، كما لو ذهبت إلى شخص وهو يعلم أنك صادق فتقول له: أنت تعلم أنني صادق، على سبيل تأكيد حالك، ألم يقل الله تبارك وتعالى: وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ [الذاريات:22-23]
        مع أننا نعلم أنه حق؛ لكن يقسم على مقتضاه تبارك وتعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ثلاث أقسم عليهن: ما نقص مالٌ من صدقة ...). ونحن لا نحتاج إلى قسمه صلى الله عليه وسلم لعلمنا التام بصدقه.


        فهذا تقرير بحاله فقط - ليس إعلاماً لله عز وجل، فإن الله يعلم السر وأخفى.


        ثم قذف بالخشبة في البحر، والعجيب في الأمر أن هذه الخشبة مسخرة؛ لأن هذا الرجل أخلص دينه وقلبه لربه، ومعاذ الله أن يضيعه ربه، فشقت الخشبة طريقَها في الموج، وذهبت إلى الرجل فوقفت أمامه برغم حركة الموج السريعة العالية، فأخذها الرجل، وقال: (آخذ هذه الخشبة أستدفئ بها أنا وأولادي، فأخذها وذهب إلى أهله، فنقرها فوقعت منها الصرة ووجد فيها الألف دينار وكتاباً من صاحبه).


        أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

        الشيخ ابي اسحاق الحويني - المصدر
        لاحول ولاقوة إلا بالله

        تعليق

        يعمل...
        X