إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تعرض الفتن على القلوب .. كالحصير عودا عودا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تعرض الفتن على القلوب .. كالحصير عودا عودا


    بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله

    أخرج الإمام مسلم في صحيحه - من كتاب الفتن - :
    245- عن حذيفة رضي الله عنه قال: كُنّا عند عمر، فقال: أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه. فقال: لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره؟ قالوا: أجل ، قال: تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة.
    ولكن أيكم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن التي تموج موج البحر؟ قال حذيفة: فأسكت القوم. فقلت: أنا. قال: أنت لله أبوك!
    قال حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا. فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء. وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء. حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا. فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض. والآخر أسود مربادا، كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا. إلا ما أشرب من هواه".
    قال حذيفة: وحدثته، أن بينك وبينها بابا مغلقا يوشك أن يكسر. قال عمر: أكسرا، لا أبا لك! فلو أنه فتح لعله كان يعاد. قلت: لا بل يكسر. وحدثته، أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت. حديثا ليس بالأغاليط. قال أبو خالد: فقلت لسعد: يا أبا مالك! ما أسود مربادا؟ قال: شدة البياض في سواد، قال قلت: فما الكوز مجخيا؟ قال: منكوسا.

    246 - عن ربعي، قال: لما قدم حذيفة من عند عمر، جلس فحدثنا. فقال: إن أمير المؤمنين أمس لما جلست إليه سأل أصحابه: أيكم يحفظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتن؟ وساق الحديث بمثل حديث أبي خالد. ولم يذكر تفسير أبي مالك لقوله "مربادا مجخيا".

    247 - عن حذيفة رضي الله عنه أن عمر قال: من يحدثنا، أو قال: أيكم يحدثنا (وفيهم حذيفة) ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ قال حذيفة: أنا. وساق الحديث كنحو حديث أبي مالك عن ربعي. وقال في الحديث: قال حذيفة: حدثته حديثا ليس بالأغاليط. وقال: يعني أنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.



    المعنى العام :
    صورة رائعة لمجالس الحكام والأمراء، صورة خالية من الغيبة والنميمة والوشاية والإيقاع بالناس، صورة يجتمع فيها الملك والدين والوعظ وملائكة الرحمة، صورة يفتتحها الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بسؤال رعيته عما يحفظون من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتن، وصورة يجيب الصحابة فيها بما يعلمون، يجيبون بفتنة الرجل وامتحانه في زوجه وولده وماله وجاره،

    فيقول عمر: لست عن هذه أسأل، ليس هذا أريد ، لم أسأل عن فتنة الخاصة ، ولكن عن التي تموج كموج البحر، فسكت الحاضرون، حيث لم يكونوا يحفظون. قال حذيفة: أنا يا أمير المؤمنين، أحفظها كما قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له عمر: أنت تحفظها يا حذيفة؟ حسنا. لله أبوك، هات إنك على ذكرها لجريء.

    قال حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تعرض الفتن على القلوب فتنة فتنة، كما يعرض ناسج الحصير على الخيط عودا عودا، فكل قلب يقبلها ينقط فيه نقطة سوداء، حتى يتحول نوره إلى ظلام، وحتى يطبع عليه الران، وحتى يغلق عن سماع الخير والمعروف، وحتى ينصرف إلى الشر والهوى، وحتى يندفع في تيار الإيذاء وسفك الدماء.

    وكل قلب ينكرها يزداد نورا على نور، وإيمانا فوق إيمان، حتى يصبح الناس أمام الفتنة أحد رجلين، رجل قلبه بياض ناصع، لا يقبل الدخن ، كالحجر الأملس الذي لا يقبل الشر، ورجل قلبه أسود لا يبصر ولا يعقل،

    فرفع عمر يديه ، وقال: اللهم لا تدركني ، فقال حذيفة: لا تخف لا بأس عليك منها يا أمير المؤمنين، إن بينك وبينها بابا مغلقا، يوشك أن يُكسر،
    قال عمر: لا أب لك يا حذيفة ، يكسر أو يفتح؟
    قال: لا يفتح ، بل يكسر. قال: أكسرا؟ قال: نعم.
    قال: إذا كسر لم يغلق ، لو أنه فتح لعله كان يعاد. قال: يكسر ولا يغلق إلى يوم القيامة.

    ثم قال حذيفة: يا أمير المؤمنين، إن هذا الباب ( الذي بينك وبينها ) رجل يقتل أو يموت
    وكان عمر رضي الله عنه يعلم أنه هو الباب علما مؤكدا ، كما يعلم أن بعد النهار ليلا فاستعاذ من الفتنة.

    نعوذ بالله منها، ونسأله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة رب العالمين.

    - يُتبع -
    لاحول ولاقوة إلا بالله

  • #2

    المباحث العربية

    ( يذكر الفتن ) قال أهل اللغة: أصل الفتنة في كلام العرب الابتلاء والامتحان والاختبار، قال الراغب: أصل الفتن إدخال الذهب في النار لتظهر جودته من رداءته ويستعمل في إدخال الإنسان النار، ويطلق على العذاب، كقوله: {ذوقوا فتنتكم} [الذاريات: 14]، وعلى الاختبار كقوله: {وفتناك فتونا} [طه: 40] وفيما يدفع إليه الإنسان من شدة ورخاء، وفي الشدة أظهر معنى، وأكثر استعمالا، قال تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} [الأنبياء: 35] ومنه قوله: {وإن كادوا ليفتنونك} [الإسراء: 73] أي يوقعونك
    في بلية وشدة في صرفك عن العمل بما أوحي إليك، وقال غيره: أصل الفتنة الاختبار، ثم استعملت فيما أخرجته المحنة والاختبار إلى المكروه، ثم أطلقت على كل مكروه، أو آيل إليه، كالكفر والإثم والتحريق والفضيحة والفجور وغير ذلك.

    ( لعلكم تعنون) بفتح التاء، أي تريدون وتقصدون.
    ( فتنة الرجل في أهله وجاره ) فتنة الرجل في أهله وماله وولده ضروب من فرط محبته لهم، وشحه عليهم، وانشغاله بهم عن كثير من الخير، كما قال تعالى: {إنما أموالكم وأولادكم فتنة} [الأنفال: 28] أو لتفريطه في ما يلزم من القيام بحقوقهم وتأديبهم وتعليمهم، فإنه راع لهم ومسئول عن رعيته، وكذلك فتنة الرجل في جاره من هذا القبيل.
    وذكر "الرجل" لأنه الغالب، وصاحب الحكم في داره وأهله وإلا فالنساء شقائق الرجال في الحكم.
    (قالوا: أجل) حرف جواب مثل نعم، وعن الأخفش: هي بعد الخبر أحسن من نعم.
    (التي تموج موج البحر) أي تضطرب، ويرفع بعضها بعضا، وشبهها بموج البحر لشدة عظمها، وكثرة شيوعها، قال الحافظ ابن حجر: كني بذلك عن شدة المخاصمة وكثرة المنازعة، وما ينشأ عن ذلك من المشاتمة والمقاتلة.
    (فأسكت القوم) "أسكت" بهمزة قطع، كذا هو في الأصول قال جمهور أهل اللغة: سكت وأسكت لغتان بمعنى صمت، وقال الأصمعي: سكت صمت وأسكت أطرق.
    وإنما سكت القوم لأنهم لم يكونوا يحفظون هذا النوع من الفتنة، بل حفظوا النوع الأول.
    (فقلت: أنا) في رواية البخاري: قلت: "أنا كما قاله" أي أحفظه كما قاله، وفي رواية أخرى للبخاري "أنا أحفظه كما قال".
    (قال: أنت؟ لله أبوك) كلمة مدح تعتاد العرب الثناء بها، فإن الإضافة إلى العظيم تشريف كبيت الله وناقة الله.
    قال صاحب التحرير: إذا وجد من الولد ما يحمد قيل: لله أبوك حيث أتى بمثلك،
    وفي رواية البخاري "هات إنك لجريء"
    وفي رواية أخرى "إنك عليه [أي على الرسول صلى الله عليه وسلم] أو عليها [على المقالة] لجريء، فكيف قال؟ ".

    (تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا) اختلف في ضبط "عودا عودا" على ثلاثة أوجه: بضم العين وبالدال، وهو أظهرها وأشهرها، وبفتح العين وسكون الواو مع دال في آخره، أي تعاد وتكرر شيئا بعد شيء، وبفتح العين وسكون الواو مع ذال معجمة بدل الدال،
    ومعناه سؤال الاستعاذة منها، كما يقال غفرانا غفرانا، أي نسألك أن تعيذنا من ذلك، ومعنى تعرض تلصق بعرض القلوب، أي جانبها كما يلصق الحصير بجنب النائم، ويؤثر شدة التصاقها به،
    وقال بعضهم: معناه: تظهر على القلوب، أي تظهر على القلوب فتنة بعد أخرى، كما ينسج الحصير عودا عودا، وشظية بعد أخرى، وذلك أن ناسج الحصير عند العرب كلما صنع عودا أخذ آخر ونسجه.
    (فأي قلب أشربها) أي دخلت فيه دخولا تاما وألزمها، وحلت منه محل الشراب، ومنه قوله تعالى: {وأشربوا في قلوبهم العجل} [البقرة: 93] أي حب العجل، ومنه قولهم ثوب مشرب بحمرة، أي خالطته الحمرة مخالطة لا انفكاك لها.

    (نكت فيه نكتة سوداء) أي نقط فيه نقطة، قال ابن دريد وغيره: كل نقطة في شيء بخلاف لونه فهو نكت.
    (وأي قلب أنكرها) أي ردها ولم يقبلها.
    (حتى تصير على قلبين) أي حتى تكون الفتنة أمام نوعين من القلوب.
    (على أبيض مثل الصفا) "الصفا" الحجر الأملس الذي لا يعلق به شيء و (أبيض) صفة لموصوف محذوف و"مثل الصفا" صفة أخرى للموصوف المحذوف، وليس صفة لأبيض، والتقدير: على قلب أبيض على قلب مثل الصفا، فشبه شدة القلب على عقد الإيمان وسلامته من الخلل وأن الفتن لا تلصق به ولا تؤثر فيه بالحجر الأملس الذي لا يعلق به شيء.
    (والآخر أسود مربادا) منصوب على الحال من الضمير في "أسود" وهو بتشديد الدال، وروي "مربئد" بتشديد الدال أيضا، مع الرفع على الوصف، والمربد الذي يجمع بين شبه البياض مع السواد، أي هو ما فيه شيء من بياض يسير يخالط السواد، وقيل: مربد لون بين السواد والغبرة، وقيل: أن يختلط السواد بكدرة.
    (كالكوز مجخيا) "الكوز" إناء له يد يغرف به الماء "مجخيا" بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الخاء المكسورة، أي مائلا منكوسا مقلوبا. فوصف القلب الآخر بوصفين، بالسواد مع الغبرة، وشبهه بالكوز المنكوس، فكما أن الكوز المنكوس لا يعلق به ماء كذلك هذا القلب لا يعلق به خير ولا حكمة، كما قال:
    (لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا) صفة ثالثة للقلب، أي لا ينصاع إلى معروف ولا يرفض منكرا.
    (إلا ما أشرب من هواه) استثناء منقطع، أي لكن يتبع هواه الذي تمكن منه.

    (قال حذيفة: وحدثته) أي وحدثت عمر رضي الله عنه.
    (أن بينك وبينها بابا مغلقا) أي بينك وبين الفتن المذكورة بابا مغلقا، وأنه لا يخرج منها شيء في حياتك، وفي رواية البخاري "ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين، إن بينك وبينها بابا مغلقا" وكأنه مثل الفتن بدار ومثل حياة عمر بباب مغلق لها، ومثل موته بفتح ذلك الباب، فما دامت حياة عمر موجودة فالباب مغلق، لا يخرج شيء مما هو داخل تلك الدار، فإذا مات انفتح ذلك فخرج ما في الدار.
    (يوشك أن يكسر) "يوشك" بضم الياء وكسر الشين، ومعناه يقرب.
    (أكسرا؟ لا أبا لك) "كسرا" مفعول مطلق لفعل محذوف، أي أيكسر كسرا؟ و"لا أبا لك" كلمة تذكرها العرب للحث على الشيء ومعناها أن الإنسان إذا كان له أب وحزبه أمر، ووقع في شدة عاونه أبوه، ودفع عنه بعض الشدة، فلا يحتاج من الجد والاهتمام إلى ما يحتاج إليه حالة الانفراد وعدم الأب المعاون، فإذا قيل: لا أب لك. فمعناه جد في هذا الأمر وشمر وتأهب تأهب من ليس له معاون.

    (فلو أنه فتح لعله كان يعاد) فإن المكسور لا يمكن إعادته، بخلاف المفتوح، ولأن الكسر لا يكون غالبا إلا عن إكراه وغلبة وخلاف عادة، وفي رواية البخاري "إذن لا يغلق أبدا" وفي رواية أخرى له "ذلك أحرى ألا يغلق" وفي أخرى "ذاك أجدر ألا يغلق إلى يوم القيامة".
    (قلت: لا، بل يكسر) أي قلت: لا يفتح، بل يكسر.
    (وحدثته أن ذلك الباب رجل) جاء هذا الرجل مبينا في رواية البخاري وأنه عمر رضي الله عنه، فإن قيل: كيف يفسر الباب بعمر مع أنه قال قبل: "إن بينك وبينها بابا"؟ قلنا إن المراد أن بين الفتنة وبين حياة عمر بابا هو موته، فالباب موت عمر، وهو بين حياة عمر وبين الفتنة، ففي الكلام مضاف محذوف، أي ذلك الباب قتل أو موت رجل.
    (يقتل أو يموت) على الشك من حذيفة، أو أن حذيفة سمعه كذلك من النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي مزيد بحث له في فقه الحديث.
    (حديثا ليس بالأغاليط) "حديثا" مفعول مطلق لحدثته، والأغاليط جمع أغلوطة، وهي التي يغالط بها، والمعنى: حدثته حديثا صدقا محققا، ليس هو من صحف الكتابيين، ولا عن اجتهاد ذي رأي، بل من حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
    (لما قدم حذيفة من عند عمر) أي لما قدم حذيفة من المدينة إلى الكوفة.
    (إن أمير المؤمنين أمس) المراد بأمس - هنا - الزمان الماضي، لا أمس يومه، أي ليس اليوم الذي يليه يوم تحديثه، وأكثر العرب يبني (أمس) على الكسر معرفة، ومنهم من يعربه معرفة، وكلهم يعربه إذا دخلت عليه الألف واللام، أو صيره نكرة، أو أضافه.
    (أيكم يحدثنا ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) "ما" موصولة مفعول (يحدثنا) والعائد محذوف أي يحدثنا الذي قاله، ويصح أن تكون مصدرية، والتقدير يحدثنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    لاحول ولاقوة إلا بالله

    تعليق


    • #3

      فقه الحديث


      قال الزين بن المنير: والفتنة بالأهل تقع بالميل إليهن، أو عليهن، في القسمة والإيثار حتى في أولادهن، ومن جهة التفريط في الحقوق الواجبة لهن، وبالمال يقع الاشتغال به عن العبادة، أو بحبسه عن إخراج حق الله تعالى، والفتنة بالأولاد: تقع بالميل الطبيعي إلى الولد وإيثاره على كل أحد، والفتنة بالجار: تقع بالحسد والمغامرة، والمزاحمة في الحقوق، وإهمال التعاهد، ثم قال: وأسباب الفتنة بمن ذكر غير منحصرة فيما ذكرت من الأمثلة.

      وقال الحافظ ابن حجر: فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكون بالالتهاء بهم أو أن يأتي لأجلهم بما لا يحل له، أو يخل بما يجب عليه.
      ثم حكى إشكال ابن أبي جمرة على هذا، وحاصله، أن تكفير المحرمات والإخلال بالواجبات بالصلاة والصدقة مشكل، لأن الطاعات لا تسقط ذلك، وإن أريد تكفير الوقوع في المكروه والإخلال بالمستحب فلا يتناسب مع إطلاق التكفير.
      ثم أجاب عن هذا الإشكال بالتزام الشق الأول، وأن الممتنع من تكفير الحرام والواجب ما كان كبيرة فهي التي فيها النزاع والخلاف، وأما الصغائر فلا نزاع أنها تكفر لقوله تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} [النساء: 31] الآية. اهـ.

      وقال: واحتج المرجئة بظاهر الحديث على أن أفعال الخير مكفرة للكبائر والصغائر، وحمله جمهور أهل السنة على الصغائر، عملا بحمل المطلق على المقيد. اهـ.

      ونحن نميل إلى هذا الرأي، وإن كان الكلام في تحديد الصغائر من المحرمات والكبائر منها غير منضبط.

      وقال بعض الشراح: يحتمل أن تكون كل واحدة من الصلاة والصيام والصدقة مكفرة للمذكورات كلها، لا لكل واحدة منها، ويحتمل أن يكون من باب اللف والنشر، بأن تكون الصلاة مثلا مكفرة للفتنة في الأهل والصوم في الولد .... إلخ.
      والاحتمال الثاني ضعيف لا يعتد به، نعم قد تستقل الصلاة بتكفير ما ذكر، ويكون الصوم والصدقة ونحوها لرفع الدرجات وزيادة الحسنات إذا لم تجد من الصغائر ما تكفرها.

      ثم إن المكفرات لا تختص بما ذكر، بل تعم العبادات، وإنما خصها بالذكر إشارة إلى عظم قدرها، وتنبيها بها على غيرها، فذكر من عبادة الأعمال الصلاة والصيام، ومن عبادة المال الصدقة، ومن عبادة الأقوال [في رواية البخاري] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
      ثم إن التكفير لا يختص بفتنة الرجل في أهله وجاره وماله [الوارد في رواية البخاري] بل نبه بها أيضا على ما عداها، والضابط أن كل ما يشغل صاحبه عن الله فهو فتنة له.
      ثم إن التكفير المذكور يحتمل أن يقع بنفس فعل الحسنات، ويحتمل أن يقع بالموازنة. والله أعلم.

      والظاهر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يعلم ما يعلمه حذيفة عن الفتنة، وإنما أراد أن يسمعه، وأن يسمعه الصحابة ليحذروه، يدل على ذلك ما رواه البخاري من أن حذيفة سئل: أكان عمر يعلم الباب؟ قال: نعم، كما يعلم أن دون غد الليلة. أي أن ليلة غد أقرب إلى اليوم من غد.
      وقد روى الطبراني: "أن أبا ذر لقي عمر، فأخذ عمر بيده فغمزها، فقال له أبو ذر: أرسل يدي يا قفل الفتنة" وفيه "أن أبا ذر قال: لا تصيبكم فتنة ما دام فيكم" وأشار إلى عمر.
      وروى البزار عن عثمان بن مظعون أنه قال لعمر: "يا غلق الفتنة" فسأله عن ذلك، فقال: مررت ونحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "هذا غلق الفتنة، لا يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش".
      وقال ابن بطال: إنما علم عمر أنه الباب لأنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم على حراء، وأبو بكر وعثمان، فرجف، فقال: "اثبت فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان" أو فهم ذلك من قول حذيفة إنه يكسر. اهـ.

      والظاهر أن ابن بطال إنما أراد الاستدلال على أن عمر كان يعلم أنه سيموت شهيدا مقتولا، لأن ما ذكره ينتج ذلك ولا ينتج أنه الباب.

      ولهذا قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر أن عمر علم الباب بالنص كما تقدم عن أبي ذر وعن عثمان بن مظعون.
      فإن قيل: هل كان حذيفة يعلم أن عمر سيقتل؟ قلنا: الظاهر نعم فقد قال ابن المنير: آثر حذيفة الحرص على حفظ السر، ولم يصرح لعمر وإنما كنى كناية، وكأنه كان مأذونًا له في ذلك.

      وقال النووي: يحتمل أن يكون حذيفة علم أن عمر يقتل، ولكنه كره أن يخاطبه بالقتل، لأن عمر كان يعلم أنه الباب، فأتى بعبارة يحصل بها المقصود بغير تصريح بالقتل. اهـ.

      فإن قيل: إذا كان عمر قد علم ذلك، فهل شك فيه حتى سأل عنه؟ قلنا: يحتمل أنه شك فيه من شدة الخوف، أو خشي أن يكون نسي، فطلب التذكير أو لم يشك، وسأل ليعلم الحاضرين، وهذا هو الظاهر.
      فإن قيل: ألم يكن أحد من الصحابة يحفظ حديث الفتنة غير حذيفة؟ قلنا: لعل من سمعه من الرسول صلى الله عليه وسلم من الصحابة ماتوا قبله.

      لاحول ولاقوة إلا بالله

      تعليق


      • #4

        ويؤخذ من الحديث

        1 - جواز إطلاق اللفظ العام وإرادة الخاص، إذ تبين أن عمر لم يسأل إلا عن فتنة مخصوصة.

        2 - أن الأهل والأولاد والأموال والجار فتنة موقعة في الذنوب.

        3 - أن هذه الفتنة ونحوها تكفرها الصلاة والصوم والصدقة والعبادات.

        4 - فيه علم من أعلام النبوة، فقد أخبر صلى الله عليه وسلم بالفتنة الكبرى، ووقع ما أخبر به.

        5 - أن هذه الفتنة الكبرى إذا وقعت ظل باب الشر مفتوحا بين المسلمين، ووقع بأسهم بينهم، ففي بعض الروايات (قال حذيفة: كسر ثم لا يغلق إلى يوم القيامة).

        6 - تذاكر الولاة مع العلماء أمور دينهم للتبصير بالعواقب وأخذ الحذر والحيطة.

        والله أعلم

        المصدر :
        الكتاب: فتح المنعم شرح صحيح مسلم
        المؤلف: الأستاذ الدكتور موسى شاهين لاشين
        جزء 1 - صفحة 458 - المكتبة الشاملة

        لاحول ولاقوة إلا بالله

        تعليق


        • #5
          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اخي الغالي قلبك علي قلبي كما يقال سبحان الله كنت اريد فتح موضوع مشابه ولكن سبقتني لها ايها المبدع اكثر من سرد الادلة من كتاب الله وسنة رسوله واثار الصحابة واقوال اهل العلم فالامة احوج ما تكون اليوم لمثل هذه المواضيع بارك الله فيك ياطيب وجزاك الله خير الجزاء

          تعليق


          • #6
            المشاركة الأصلية بواسطة بنعياد مشاهدة المشاركة
            السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اخي الغالي قلبك علي قلبي كما يقال سبحان الله كنت اريد فتح موضوع مشابه ولكن سبقتني لها ايها المبدع اكثر من سرد الادلة من كتاب الله وسنة رسوله واثار الصحابة واقوال اهل العلم فالامة احوج ما تكون اليوم لمثل هذه المواضيع بارك الله فيك ياطيب وجزاك الله خير الجزاء
            وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
            حياكم الله أخي العزيز بنعياد وأسعد الله قلبك وكتب أجرك

            والله ياخي بنعياد إن القلب ليحزن مما نسمع ونشاهد من حال الأمة
            نعوذ بالله من الفتن ظاهرها وباطنها ونسأل الله صلاح الحال

            التذكير مطلب مهم في هذه الظروف وما أحسن مانجعل كتاب الله وسنة نبيه الثابتة نبراساً لحياتنا كلها
            والله المستعان أخي .
            لاحول ولاقوة إلا بالله

            تعليق


            • #7
              بارك الله فيك اخي أبو سلطان و جازاك الله كل خير و رحم الله والديك في الدنيا و الأخرة
              العلم من الله
              نحن لا ندعي المعرفة
              بل على الأرض نلتقي
              لا خير في امرىء كتم علم
              احفظ ما شئت من الدنيا لكن لا تحفظ علما
              شء ما شئت فلن تنال غير الذي قدر لك
              و أطلب المنايا و لا تكن كالذي يقف بالهواء
              و أحلم ما استطعت و ما كتب لك فأنت آخذه

              قصة عشقي للإشارات قصة طويلة ، الابداع ليس غايتي و لكن الكمال نصب عيني ...

              تعليق


              • #8
                المشاركة الأصلية بواسطة حسن أحمد تونس مشاهدة المشاركة
                بارك الله فيك اخي أبو سلطان و جازاك الله كل خير و رحم الله والديك في الدنيا و الأخرة
                اللهم آمين لنا ولكم ولوالدينا جميعاً
                وجزاك ربي كل خير على هذه الدعوة الطيبة والطلة الجميلة
                وفقك الله أخي الحبيب حسن .
                لاحول ولاقوة إلا بالله

                تعليق

                يعمل...
                X