إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الإسرائيليات في ميزان الشرع ..إضاءات

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #31
    الإسرائيليات والحديث النبوي


    نأتي إلى تفصيل القول في الرد على الشبهات الواردة في ذلك، وسيكون في محورين رئيسين:
    الأول: ما يتعلق باتهام الصحابة بالتوسع في الأخذ عن أهل الكتاب، من غير وعي ولا تمحيص، ورميهم بالانخداع والغفلة والسذاجة.
    الثاني: ما يتعلق بالطعن في بعض من أسلموا من أهل الكتاب، وحَسُن إسلامهم وعُرِفوا بالعلم والفضل، والعدالة والثقة والعدالة، واتهامهم بأن غرضهم الدسيسة والكيد للإسلام وأصوله.
    أما قضية أخذ بعض الصحابة عن أهل الكتاب ، فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أعلم الناس بأمور دينهم ، وقد خصهم الله بالعلم والفهم ، والورع والتقى، وسبق لهم من الفضل على لسان نبيهم ما ليس لأحدٍ بعدهم ، ومن شكَّ في ذلك فعليه أن يراجع دينه وإيمانه ، قال الإمام الشافعي في الرسالة القديمة بعد أن ذكرهم وذكر من تعظيمهم وفضلهم: "وهم فوقنا في كل علم واجتهاد، وورع وعقل، وأمرٍ استُدْرِك به عليهم، وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا".
    وما ثبت من أن بعض الصحابة كأبي هريرة وابن عباس وغيرهما كانوا يرجعون إلى بعض من أسلم من أهل الكتاب، فهو أمر لا يعيبهم ولا ينقص من قدرهم وعلمهم وذلك لأمور منها: أنهم لم يخرجوا عن دائرة الجواز التي حدّها لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذن لهم فيها بقوله: (بلغوا عني ولو آية، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) رواه البخاري، وفي الوقت نفسه لم يخالفوا النهي الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ، وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا... الآية) رواه البخاري.
    ولا تعارض بين هذين الحديثين، فإن الأول أباح لهم أن يحدِّثوا عما وقع لبني إسرائيل من الأعاجيب لما في أخبارهم من العبرة والعظة ، بشرط أن يعلموا أنه ليس مكذوباً ، لأنه - صلى الله عليه وسلم - لا يجيز التحدث بالكذب.
    وأما الحديث الثاني فالمراد منه التوقف فيما يحدّث به أهل الكتاب إذا كان محتملاً للصدق والكذب ، لأنه ربما كان صدْقاً في واقع الأمر فيكذبونه ، أو كذباً فيصدقونه فيقعون بذلك في الحرج.
    فهذا النوع من الأخبار المحتملة للصدق والكذب هو الذي نهينا عن تصديقه أو تكذيبه، وليس المراد منه ما جاء شرعنا بموافقته أو مخالفته ، فإن الموقف منه واضح ومعروف.
    ومن هنا يتبين لنا أنه لا تعارض بين إذنه - صلى الله عليه وسلم - بالتحديث عن بني إسرائيل ، وبين نهيه عن تصديقهم أو تكذيبهم ، كما يتبين لنا القدر الذي أباحه الشارع من الرواية عن أهل الكتاب.
    إذاً فالصحابة رضي الله عنهم كان لديهم منهج سديد ، ومعيار دقيق في قبول ما يلقى إليهم من الإسرائيليات ، فما وافق شرعنا قبلوه ، وما خالفه كذبوه ، وما كان مسكوتاً عنه توقفوا فيه.
    ثم إنهم لم يكونوا يرجعون إليهم في كل أمر ، وإنما كانوا يرجعون إليهم لمعرفة بعض جزئيات الحوادث والأخبار ، ولم يُعرف عنهم أبداً أنهم رجعوا إليهم في العقائد ولا في الأحكام ، ولو ثبت أنهم سألوا أهل الكتاب عن شيء يتعلق بالمعتقد فلم يكن ذلك عن تهوك منهم وارتياب ، وإنما كان لإقامة الحجة عليهم ، بالاستشهاد والتأييد لما جاء في شريعتنا ، عن طريق الاحتجاج عليهم بما يعتقدون .
    أما إنكار الرسول صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتب فقرأه النبي صلى الله عليه وسلم فغضب وقال: (أمتهوكون فيها يابن الخطاب، والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني).
    وإنكار بعض الصحابة - كابن عباس نفسه - على من كانوا يرجعون إلى أهل الكتاب بقوله كما في البخاري: "يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب وكتابكم الذي أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم أحدث الأخبار بالله، تقرؤونه لم يشب، وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب بدلوا ما كتب الله، وغيروا بأيديهم الكتاب، فقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا، أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم، ولا والله ما رأينا منهم رجلاً قط يسألكم عن الذي أنزل عليكم".
    هذا الإنكار لا يعارض الجواز والإذن الثابت في نصوص أخرى، لأنه كان في مبدأ الإسلام، وقبل استقرار الأحكام، وأما الإباحة فجاءت بعد أن عرفت الأحكام واستقرت، وذهب خوف الاختلاط والتشويش، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وكأن النهي وقع قبل استقرار الأحكام الإسلامية، والقواعد الدينية، خشية الفتنة، ثم لما زال المحذور وقع الإذن في ذلك، لما في سماع الأخبار التي كانت في زمانهم من الاعتبار" أهـ .
    كما أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يسألون عن الأشياء التي يشبه أن يكون السؤال عنها نوعاً من اللهو والعبث، كالسؤال عن لون كلب أهل الكهف، والبعض الذي ضرب به القتيل من البقرة، ومقدار سفينة نوح ونوع خشبها، واسم الغلام الذي قتله الخضر، وغير ذلك مما يعد السؤال عنه قبيحاً، ومن قبيل تكلف ما لا يعني، وتضييع الأوقات في غير طائل، الأمر الذي ينزه عنه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    ومما يدل أيضاً على أن الصحابة لم يكونوا يتلقفون كل ما يصدر عن أهل الكتاب دون نقد وتمحيص تلك المراجعات العديدة، والردود العلمية على بعض أهل الكتاب في أمور أنكروها، وردوا عليهم خطأهم فيها .
    ومن ذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: (فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه الله إياه)، فقد اختلف السلف في تعيين هذه الساعة، وهل هي باقية أم رفعت؟ وإذا كانت باقية فهل هي في جمعة واحدة من السنة، أو في كل جمعة منها؟ وقد سأل أبو هريرة رضي الله عنه كعب الأحبار عن ذلك فأجابه كعب بأنها في جمعة واحدة من السنة، فرد عليه أبو هريرة قوله هذا، وبين له أنها في كل جمعة، ولما رجع كعب إلى التوراة، وجد أن الصواب مع أبي هريرة فرجع إليه، كما في الموطأ .
    كما سأل أبو هريرة أيضاً عبد الله بن سلام عن تحديد هذه الساعة قائلاً له: "أخبرني ولا تَضِنَّ عليَّ"، فأجابه عبد الله بن سلام بأنها آخر ساعة في يوم الجمعة، فرد عليه أبو هريرة بقوله: "كيف تكون آخر ساعة في يوم الجمعة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلِّي..)، وتلك الساعة لا يصلّى فيها؟ أخرجه أبو داود وغيره.
    ومن ذلك أيضاً ما رواه ابن جرير عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عباس أنه قال: "المفدي إسماعيل، وزعمت اليهود أنه إسحق وكذبت اليهود"، ولما بلغه أن نوفاً البكالي - وهو ربيب كعب الأحبار -، يزعم أن موسى بني إسرائيل ليس بموسى الخضر، قال: "كذب" حدثنا أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وساق الحديث الذي عند البخاري في قصة موسى مع الخضر.



    تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

    قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
    "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
    وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

    تعليق


    • #32


      وذكر ابن كثير في تفسيره أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال لكعب منكِراً: "أنت تقول: إن ذا القرنين كان يربط خيله بالثريا؟ فقال له كعب: إن كنت قلت ذلك، فإن الله تعالى قال: {وآتيناه من كل شيء سببا} (الكهف: 84)، قال ابن كثير معلقاً: "وهذا الذي أنكره معاوية رضي الله عنه على كعب هو الصواب، والحق مع معاوية في ذلك الإنكار".
      فهذا كله وغيره يؤكد على أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا مغفلين مخدوعين يصدقون كل ما يلقى إليهم، بل كانوا يتحرون الصواب، ويردون على أهل الكتاب أقوالهم التي تستحق الرد والمراجعة، فهل يعقل بعد هذا، وبعد ما عرفناه من عدالة الصحابة وحرصهم على امتثال أوامر الله ورسوله، وعدم تسليمهم لأهل الكتاب كل ما يروونه من إسرائيليات، أن نقول بتهاونهم ومخالفتهم لتعاليم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضلاً عن رميهم بالغفلة وعدم الفطنة ، اللهم إنا نبرأ إليك من ذلك.
      وأما يتعلق بالمحور الثاني من هذا الموضوع فإن أي باحث منصف لا ينكر أن الكثير من الإسرائيليات قد دخلت في الإسلام عن طريق أهل الكتاب الذين أسلموا، وأنهم نقلوها بحسن نية، ولا ينكر أيضاً أثرها السيئ في كتب العلوم، وأفكار العوام من المسلمين، ولكن الذي لا يسلم به أن يكون عبد الله بن سلام وكعب الأحبار ووهب بن منبه وأضرابهما - ممن أسلموا وحسن إسلامهم - كان غرضهم الدس والاختلاق والإفساد في الدين.
      فعبد الله بن سلام كان من خيار أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن علماء أهل الكتاب الذين جمعوا علم التوراة وعلم الإنجيل، ولا يوجد من أئمة الإسلام وعلماء الحديث الذين نقدوا الرجال من ناله بتهمة أو مسَّه بتجريح، بل وجدناهم يعدلونه ويوثقونه، ولهذا اعتمده البخاري وغيره من أهل الحديث، مما يدل على مبلغ علمه وسلامة دينه.. كيف وقد شهد له صلى الله عليه وسلم بالجنة كما في البخاري عن سعد بن أبي وقاص، قال: ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على الأرض: إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام، قال: وفيه نزلت هذه الآية: {وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله..} (الأحقاف: 10).
      ومعاذ الله أن يكون عبد الله بن سلام دسيسة على الإسلام والمسلمين، وأن يكون قد أسلم خِداعاً لينفث سمومه، ولو كان كذلك لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول المخدوعين فيه يوم أن جاءه مسلماً ، وقصته معروفة مشهورة مع قومه من اليهود، ثم معاذ الله لو خُدِع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أول الأمر أن يظل مخدوعاً وأن يتخلى الله عن نبيه فلا ينبهه على ذلك، في الوقت الذي يتنزل عليه القرآن صباح مساء، ويكشف له كثيراً من أحوال المنافقين وخباياهم.
      وأما ما صح عنه من بعض الروايات الإسرائيلية فلا تغض من شأنه وعلمه ، فإنها على قلتها لا تعدو أن تكون من قبيل ما أذن الرسول صلى الله عليه وسلم في روايته، ولا يمكن أن تخدش في عدالته أو تضعف الثقة فيه، وإلا لما اعتمده البخاري وغيره من أهل الحديث، وما نسب إليه كذباً من إسرائيليات بقصد ترويجها فليس ذنبه بل ذنب من نسبها إليه، وكم وضع الوضاعون من أحاديث ونسبوها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو خير منه ، فما حط ذلك من قدره ولا غض من مقامه.
      وأما كعب الأحبار فهو من التابعين الأخيار، وقد أخرج له البخاري ومسلم وغيرهما، وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل الشام، واتفقت كلمة نقاد الحديث على توثيقه، فترجم له النووي في تهذيبه بقوله: "اتفقوا على كثرة علمه وتوثيقه " أهـ، ولذا لا تجد له ذكراً في كتب الضعفاء والمتروكين، والمتتبع لحياة كعب في الإسلام، ومقالات أعلام الصحابة فيه، ومن تحمل منهم عنه وروى له، ومن أخرج له من شيوخ الحديث في مصنفاتهم، يجد ما يدحض هذه الفرية ويرد هذه التهمة ، ويشهد للرجل بقوة دينه وصدق يقينه، وأنه طوى قلبه على الإسلام المحض والدين الخالص، لا على أنه دسيسة يهودية تستر بالإسلام - كما زعم الزاعمون-.
      ولا يعكر عليه قول معاوية في حقه - كما في الصحيح -: "إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب"، فهذا الكلام لا يخدش في ثقة كعب وعدالته، بل إن في ذلك تزكية من معاوية وثناء عليه بأنه أصدق المحدثين عن أهل الكتاب، وقول معاوية: "وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب"، لا يراد منها اتهامه بالكذب، وإنما المقصود أن في بعض الأخبار التي ينقلها بأمانة ما لا يطابق الواقع، فالكذب حينئذ مضاف إلى تلك الكتب التي ينقل عنها لا إلى كعب، وهو نحو قول ابن عباس في حقه " بدل من قبله فوقع في الكذب ".
      وبهذا التوجيه وجه أئمة النقد والرجال عبارة معاوية، فقال ابن حبان في الثقات: "أراد معاوية أنه يخطئ أحياناً فيما يخبر به ولم يرد أنه كان كذاباً"، وقال ابن الجوزي: "المعنى أن بعض الذي يخبر به كعب عن أهل الكتاب يكون كذباً، لا أنه كان يتعمد الكذب، وإلا فقد كان كعب من أخيار الأحبار"، وقال ابن كثير في تفسيره: "يعني فيما ينقله، لا أنه كان يتعمد نقل ما ليس في صحفه، ولكن الشأن في صحفه أنها من الإسرائيليات التي غالبها مبدل مصحف محرف مختلق، ولا حاجة لنا مع خبر الله تعالى ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شيء منها بالكلية، فإنه دخل منها على الناس شر كثير وفساد عريض" أهـ.
      وأما وهب بن منبه فهو من خيار التابعين وثقاتهم ، أخرج له البخاري ومسلم، ولا يُعلم أحد من أئمة هذا الشأن طعن فيه بأنه وضاع ودسَّاس ، بل رأيناهم يوثقونه ، فقد وثقه أبو زرعة والنسائي والعجلي، وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال الذهبي: " كان ثقة صادقاً كثير النقل من كتب الإسرائيليات ".
      ولسنا ننكر رواية كعب ووهب وغيرهما للإسرائيليات، فذلك أمر تنطق به كتب التفسير والحديث التي تعنى بسرد الإسرائيليات: ولكن يجب قبل أن نجازف بالحكم عليهم أن نأخذ بعين الاعتبار أمرين هامين:
      الأمر الأول: أن ما رووه من أخبار بني إسرائيل ، لم يسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكذبوا فيه على أحد من المسلمين، وإنما كانوا يروونه على أنه من الإسرائيليات ويحكونه غير مصدقين له، بل كان موقفهم منها كموقف الصحابة رضي الله عنهم، فما جاء على وفق شرعنا صدقوه، وما خالفه كذبوه، وما لم يوافق أو يخالف شرعنا توقفوا فيه وردوا فيه علمه إلى الله عز وجل .
      الأمر الآخر: أنه ليس كل ما ينسب إليهم صحيحاً، فقد اختلق الوضاعون عليهم أشياء كثيرة، فاتخذوهم مطية لترويج الكذب وإذاعته بين الناس، مستغلين شهرتهم العلمية الواسعة بما في كتب أهل الكتاب، ثم تناقل هذه الأخبار بعض القصاص والمؤرخين والأدباء، وبعض المفسرين على أنها حقائق، من غير أن يتثبتوا من صحة نسبتها إلى من عزيت له، يقول الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: "وبعض أهل عصرنا تكلم فيه -يقصد وهب بن منبه- عن جهل، ينكرون أنه يروي الغرائب عن الكتب القديمة، وما في هذا بأس، إذ لم يكن ديناً، ثم أنى لنا أن نوقن بصحة ما روي عنه من ذلك وأنه هو الذي رواه وحدَّث به " أهـ.
      فهل بعد هذا كله نقبل كلام "جولد زيهر" ومن مشى في ركابه، ونعرض عن كلام أئمة الإسلام، وجهابذة المحدثين والنقاد، الذين وثقوا هؤلاء الرواة، وخرجوا أحاديثهم في كتبهم التي تلقتها الأمة بالقبول جيلاً بعد جيل، فضلاً عن أن نتهمهم بالمكر والدهاء والكيد للإسلام وأهله، اللهم إنا نبرأ إليك من ذلك .


      اسلام ويب








      تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

      قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
      "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
      وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

      تعليق


      • #33
        نص السؤال :

        هل يجوز الإستشهاد بالقصص الإسرائلية ، وما هي الحدود بالأخذ بها؟



        الجواب :

        الإسرائيليات
        الإسرائيليات هي: كل ما تطرق إلى كتب تفسير القرآن الكريم والحديث النبوي من أساطير قديمة، منسوبة في أصل روايتها إلى مصدر يهوديّ أو نصرانيّ أو غيرهما، مما تعلق بالعقائد أو الأحكام أو المواعظ والحوادث.

        وقد توسع بعض المفسرين والمحدثين فعدوا من الإسرائيليات -كذلك- كل ما دسَّ أعداء الإسلام -من اليهود وغيرهم- في كتب التفسير والحديث، من قصص وأخبار لا أصل لها، ليفسدوا بها عقائد المسلمين وأمور دينهم، وذلك من باب تغليبهم الفكر اليهودي على غيره.
        وللإسرائيليات تقسيمات عديدة، يمكن إجمالها في ثلاثة أقسام:
        1- إسرائيليات توافق ما ورد في شريعة الإسلام.
        2- إسرائيليات تخالف ما ورد في شريعة الإسلام.
        3- إسرائيليات مسكوت عنها، ليس في شريعة الإسلام ما يؤيدها أو ما يعارضها.
        وقد أباح الإسلام رواية ما ورد من إسرائيليات تُوافق ما ورد في شريعته، فأجاز الرجوع إلى أهل الكتاب بشأنها، لقوله تعالى: { قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }آل عمران-93.
        وقول رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: (بلغوا عني ولو آية، وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمداً، فليتبوّأ مقعده من النار).
        ومثال ما ورد من الإسرائيليات موافقاً لشرعنا الإسلامي وتصح روايته، ما رواه البخاري في صحيحه، عن عطاء بن يسار قال: (لقيت عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قلت: أخبرني عن صفة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في التوراة، قال: أجل وإنه والله لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن:
        "يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، وحرزاً للأميين، أنت عبدي ورسولي سمّيتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخّاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، لأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح بها أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غُلفاً".
        كما حرّم الإسلام رواية ما جاء من الإسرائيليات مخالفاً للشرع الإسلامي إلا إذا كان بغرض بيان بطلانه، ومثال ذلك: ما ورد في سفر الخروج من التوراة من أن هارون -عليه السلام- هو الذي صنع العجل لبني إسرائيل وأمرهم بعبادته، وهذا غير صحيح، لأن الذي صنع العجل لبني إسرائيل وزيّن لهم عبادته هو السامري، وقد ذكر القرآن ذلك في قوله تعالى: { فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89) وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي }طه-87-90.
        وأما ما ورد من الإسرائيليات ولم يرد في الإسلام وما يؤيده ولا ما يعارضه، فيجب التوقف فيه، فلا نصدقه ولا نكذبه، لنهي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- عن تصديق أهل الكتاب أو تكذيبهم، في قوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: (لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم، وقولوا: { آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا }البقرة-136.
        وتجوز رواية هذا القسم من الإسرائيليات، ومثال ذلك:
        ما يُروى عن أسماء أهل الكهف ولون كلبهم، ونوع الخشب الذي صنعت منه عصا موسى -عليه السلام وأسماء الطيور التي أحياها الله لنبيه إبراهيم -عليه السلام-، وغير ذلك مما لا يمس العقيدة ولا الأحكام الشرعية، وليست فيه فائدة للمسلم في أمر دينه ولا دنياه.
        وإذا ورد شيء من هذا القسم من الإسرائيليات بطريق صحيح عن أحد الصحابة -كأبي هريرة وابن عباس وعبدالله بن عمرو وتميم الداري وغيرهم- وجزم به الصحابي وجب تصديقه وقبوله، لأنه لا يعقل أن يكون قد أخذه عن أهل الكتاب، ثم يجزم بصدقه بعد ما علم بنهي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- عن تصديقهم في مثل ذلك بقوله: (لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم).
        وإن كان الصحابي لم يجزم بصدقه، فالأفضل قبوله وتصديقه، لاحتمال سماعه من النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، خاصة إذا كان الصحابي ممن لم يشتهر بالأخذ عن أهل الكتاب، أو ممن أسلم منهم.
        أما إذا ورد شيء من الإسرائيل -التي سكت عنها الشرع، وكانت محتملة الصدق والكذب- عن بعض التابعين، فيجب عدم الحكم عليها لا بالصدق ولا بالكذب، لترجيح احتمال سماعها من أهل الكتاب، وضعف احتمال سماعها من النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، إلا إذا أجمع علماء التفسير على ذلك، فحينئذٍ يكون من الأفضل قبولها وتصديقها.
        وقد كان صحابة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كأبي هريرة وابن عباس وعبدالله بن عمرو وتميم الداري- يرجعون إلى بعض من أسلم من أهل الكتاب، ليسألوهم في جزئيات بعض الحوادث والأخبار، لإقامة الحجة عليهم، وإقناعهم بصدق الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-، وذلك بتصديق ما عندهم لما جاء به.
        وكان لصحابة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- منهج سديد ومعيار دقيق في قبول ما يسمعون من الإسرائيليات، فما وافق تشريع الإسلام صدقوه، وما خالفه كذبوه، وما كان مسكوتاً عنه توقفوا فيه، فلم يصدقوه ولم يكذبوه.
        وقد اقتدى التابعون بمنهج صحابة الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- في التعامل مع الإسرائيليات، مثل: كعب الأحبار ووهب بن منبّه -رضي الله عنهما-.
        ثم ظهر من تابعي التابعين جماعة اشتُهروا برواية الإسرائيليات التي تخالف دين الإسلام، بل إن منهم من اشتُهر بوضع القصص والأحاديث، والكذب على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال أبو عبدالرحمن النسائي: الكذابون بوضع الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أربعة: ابن يحيى بالمدينة، والوافدي ببغداد، ومقاتل بن سليمان بخراسان، ومحمد بن سعيد ويُعرف بالمصلوب بالشام.
        والله أعلم.



        http://www.dralsherif.net/Fatwa.aspx...ID=4&RefID=456


        تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

        قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
        "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
        وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

        تعليق


        • #34
          مسائل حول الإسرائيليات وحكم نشرها



          السؤال





          أود أن أستفسر عن الإسرائيليات.. كيف نستطيع معرفة الصحيح منها والمكذوب، وهل يجوز أن ننقل هذه الإسرائليات وننشرها.. فقد تصلني الكثير من الرسائل عبر الإيميل والمنتديات وتكون من الإسرائليات.. فهل يجوز لي نشرها وكيف أتحقق قبل أن نشرها إن كانت قصة صحيحة وردت في القرآن أو السنة أو هي من الأكاذيب والتحريفات، علما بأن هناك الكثير من الإسرائليات المكذوبة والمحرفة ذكرت في كتب كبار العلماء والمفسرين والبعض منهم قد يبين تشككه من صحة هذه القصة لكنه في النهاية يذكرها!!! وأيضا هل يجب علي أن أنكر على كل من قام بنشر هذه الإسرائليات وسعى لتفشيها بين الناس جهلا منه وظنا منه بأنها قصة حقيقية أم لا يجب علي نهيه لأن بعض الإسرائليات قد تكون صحيحة ولم تحرف، فأفيدوني جزاكم الله خيراً واسمحوا لي فأسألتي كثيرة... وأردت فقط أن أعرف كيف أتعامل إذا وصلتني قصة من قصص الإسرائليات وكيف أتثبت من صحتها وما العمل مع من قام بنشرها؟ وجزيتم كل الخير على جهودكم.



          الإجابــة




          الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
          فمحتوى الإسرائيليات ينظر فيه، فإن وافق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فنصدقه ويجوز أن ننشره، والأولى الاستغناء عنه بما عندنا، وإن خالف ما جاء به نبيناً صلى الله عليه وسلم فنكذبه وننكر على من ينشره.
          وأما إن لم يكن عندنا ما يصدقه ولا يكذبه فهذا النوع تجوز حكايته من دون تصديق له ولا تكذيب، ففي حديث البخاري: لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم. وفي حديث المسند: ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا آمنا بالله ورسله، فإن كان باطلاً لم تصدقوه، وإن كان حقاً لم تكذبوه. انتهى. ولحديث البخاري: حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج.
          وأما كيفية التحقق من موافقتها لنصوص الوحي أو مخالفتها له فيعلم بالتأمل في نصوص الوحيين، وهذا لا يمكن معرفته إلا لمن علم بهما، وأما العوام فالأصل عدم اطلاعهم على الإسرائيليات لئلا ينطلي عليهم بعض ما فيها من الأباطيل التي يكذبها الشرع وهم لا يشعرون، ولهذا نهى أهل العلم عن النظر في كتب أهل الكتاب إلا لمن كان عنده علم يميز به بين الحق والباطل، وراجعي في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 81026، 14742، 40774، 27803.
          والله أعلم.







          تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

          قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
          "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
          وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

          تعليق


          • #35
            أخبار أهل الكتاب-الإسرائيليات- على ثلاثة أقسام



            السؤال


            ما صحة الاقتباس التالي، وما واجبي كمسلم تجاه ما يحويه: "حدثنا به الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا عمر بن عبد الرحمن بن مهرب قال: سمعت وهب بن منبه، يقول: لما [ ص: 526 ] أسكن الله آدم وذريته - أو زوجته - الشك من أبي جعفر، وهو في أصل كتابه : " وذريته " ، ونهاه عن الشجرة، وكانت شجرة غصونها متشعب بعضها في بعض، وكان لها ثمر تأكله الملائكة لخلدهم، وهي الثمرة التي نهى الله آدم عنها وزوجته. فلما أراد إبليس أن يستزلهما دخل في جوف الحية، وكانت للحية أربع قوائم كأنها بختية، من أحسن دابة خلقها الله، فلما دخلت الحية الجنة، خرج من جوفها إبليس، فأخذ من الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته، فجاء بها إلى حواء فقال: انظري إلى هذه الشجرة! ما أطيب ريحها وأطيب طعمها وأحسن لونها! فأخذت حواء فأكلت منها، ثم ذهبت بها إلى آدم فقالت: انظر إلى هذه الشجرة! ما أطيب ريحها وأطيب طعمها وأحسن لونها! فأكل منها آدم، فبدت لهما سوآتهما. فدخل آدم في جوف الشجرة، فناداه ربه يا آدم أين أنت ؟ قال: أنا هنا يا رب ! قال: ألا تخرج ؟ قال: أستحيي منك يا رب. قال: ملعونة الأرض التي خلقت منها لعنة يتحول ثمرها شوكا. قال: ولم يكن في الجنة ولا في الأرض شجرة كان أفضل من الطلح والسدر، ثم قال: يا حواء، أنت التي غررت عبدي، فإنك لا تحملين حملا إلا حملته كرها، فإذا أردت أن تضعي ما في بطنك أشرفت على الموت مرارا . وقال للحية: أنت التي دخل الملعون في جوفك حتى غر عبدي، ملعونة أنت لعنة تتحول قوائمك في بطنك، ولا يكن لك رزق إلا التراب، أنت عدوة بني آدم وهم أعداؤك، حيث لقيت أحدا منهم أخذت بعقبه، وحيث لقيك شدخ رأسك. قال عمر: قيل لوهب: وما كانت الملائكة تأكل ؟ قال: يفعل الله ما يشاء . [ ص: 527 ]"، علمًا بأنه منقول من موقعكم الكريم: تفسير الطبري - تفسير سورة البقرة - تفسير فأزلهما الشيطان عنها. وفي هذا النوع من الأحاديث الموقوفة (لو صحت تسميته حديثًا موقوفًا) أو الاقتباسات من أهل العلم، هل يكفيني كمسلم أن أقول أني آمنت به إن كان حقًا، ولم أؤمن به إن كان باطلًا؟ هذا وإني أظن أني قد أكثرت من إرسال الأسئلة، والسبب في ذلك لعله وسوسة مني في نقطة القول بأنه يجب على المرء ألا يقدم على فعل إلا بعد أن يعرف حكم الله فيه، وعلى كل فأظنه دليلا -والله أعلم- على ثقتي الكبيرة بكم وبموقعكم الكريم بعد الله عز وجل.



            الإجابــة



            الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
            فإن هذا الأثر الذي ينقله بعض المفسرين من أخبار بني إسرائيل ومثله كثير في كتب التفسير .
            وقد قال ابن كثير ـ رحمه الله: وقد صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم ـ ثم أخبارهم على ثلاثة أقسام: فمنها: ما علمنا صحته بما دل عليه الدليل من كتاب الله، أو سنة رسوله. ومنها: ما علمنا كذبه، بما دل على خلافه من الكتاب والسنة ـ أيضا. ومنها: ما هو مسكوت عنه، فهو المأذون في روايته، بقوله عليه السلام: حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج. وهو الذي لا يصدق ولا يكذب، لقوله: فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم. انتهى.
            فينبغي في حق السائل أن لا يتوقف عند مثل هذه الإسرائيليات، وأن يعرض عنها لما يخشى من أن تزيده وسوسة إلى وسوسته، وعليه البعد عن الاسترسال مع الشيطان في الوساوس التي يوردها على قلبه، وأن يستعيذ بالله تعالى منها.
            والله أعلم.












            تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

            قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
            "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
            وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

            تعليق


            • #36
              الموقف من الإسرائيليات


              ما موقفنا من الإسرائيليات ؟.


              الحمد لله
              قال الشيخ الشنقيطي :
              ومن المعلوم أن ما يروى عن بني إسرائيل من الأخبار المعروفة بالإسرائيليات له ثلاث حالات في واحدة منها يجب تصديقه وهي ما إذا دل الكتاب أو السنة الثابتة على صدقه ، وفي واحدة يجب تكذيبه وهي إذا ما دل القرآن والسنة على كذبه ، وفي الثالثة لا يجوز التكذيب ولا التصديق … وهي ما إذا لم يثبت في كتابٍ ولا سنَّة صدقه ولا كذبه .
              وبهذا التحقيق تعلم أن القصص المخالفة للقرآن والسنة الصحيحة التي توجه بأيدي بعضهم زاعمين أنها في الكتب المنزلة يجب تكذيبهم فيها لمخالفتها نصوص الوحي الصحيح التي لم تحرف ولم تبدل والعلم عند الله تعالى .



              https://islamqa.info/ar/22289


              تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

              قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
              "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
              وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

              تعليق


              • #37
                موضوع قيّم بارك الله فيكم وزادكم علما وفهما

                وجزاكم الله عن المسلمين خير الجزاء .
                لاحول ولاقوة إلا بالله

                تعليق


                • #38
                  المشاركة الأصلية بواسطة أبو/سلطان مشاهدة المشاركة
                  موضوع قيّم بارك الله فيكم وزادكم علما وفهما

                  وجزاكم الله عن المسلمين خير الجزاء .
                  اسعد الله قلوبكم وامتعها بالخير دوماً اخي ابوسلطان
                  أسعدني كثيرا مروركم وتعطيركم هذه الصفحه

                  دمتم بخيروعافيه

                  تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                  قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                  "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                  وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                  تعليق


                  • #39

                    الإسرائيليات والرواية عن اليهود في كتب التفسير الإسلامية



                    كانت الرواية في أول الإسلام منهي عنها، ثم أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنقل عنهم فيما لا يتعارض مع ما عندنا. ولذلك لا نصدقهم ولا نكذبهم. والأفضل عدم النقل عنهم. لأننا نعلم يقيناً أنه إذا كان ما ننقله عنهم فيه هدى فعندنا خير منه. وما كان من ضلالة فنحن بغنىً عنه. وأما التفاصيل الدقيقة كعدد أهل الكهف ولون كلبهم وغير ذلك، فليس من وراءه أي فائدة تذكر. وقد قال الله تعالى: {وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً} (الكهف: من الآية22).

                    المكثرون في الأخذ عن الإسرائيليات

                    ذكر بعض أهل العلم أنهم على ثلاث مراتب من حيث الإكثار وعدمه:
                    المرتبة الأولى: المكثرون جداً وهم: كعب الأحبار، ثم وَهَب بن منبه، وابن جريج، وابن إسحاق، والسدي الكبير الكذاب (وهو أكثرهم رواية للإسرائيليات).
                    المرتبة الثانية: دونهم في النقل وهم: قتادة، وسعيد بن جبير، ومحمد بن كعب القرظي (ثقة عالم بالتفسير، و جَدّه من اليهود).
                    المرتبة الثالثة: المقلون نسبياً في النقل عنهم وهم: مجاهد، وابن عباس.
                    يضاف لذلك مرتبة رابعة: المكثرون في النقل لكنهم كذابين في النقل كذلك، مما يرجح كون تلك الإسرائيليات من اختراعهم لا من نقل اليهود. من هؤلاء: محمد بن السائب الكلبي (شيعي سبئي يهودي النزعة، وضاع للحديث)، وتلميذيه مقاتل بن سليمان ومحمد بن مروان السدي الصغير.

                    تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                    قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                    "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                    وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                    تعليق


                    • #40
                      أهم الذين رووا عن أهل الكتاب


                      الصحابي الجليل عبد الله بن سلاّم: وكان صحابياً جليلاً لا ينقل باطلاً. وقد أسلم عند مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما.

                      وحَدَّثَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قليلاً جداً. وقلّما روى عن كتب أهل الكتاب. وكان حبر اليهود وأعلمهم كلهم بشهادتهم. فما ثبت عنه من ذلك فهو مُصَدَّقٌ به حتماً، وإن لم يوجد في كتب أهل الكتاب الآن، إذ قد ثبت أن كثيراً من كتبهم انقرض. ولا يُسيء الظن بعبد الله بن سلام رضي الله عنه إلا جاهل أو مكذب لله ورسوله.

                      كعب الأحبار: تابعي أصله يهودي، هلك في أخر خلافة عثمان. ينقل كثيراً عن أهل الكتاب، وهو المصدر الأصلي لأكثر الروايات الإسرائيلية التي تجدها في كتب التفسير، والتي نقلها عنه الكثير من التابعين، لكن ربما لم ينسبوها إليه دائماً. والراجح أنه أسلم في خلافة عمر. قال عنه العلامة المعلمي في "الأنوار الكاشفة": «لكعب ترجمة في تهذيب التهذيب، وليس فيها عن أحد من المتقدمين توثيقه، إنما فيها ثناء بعض الصحابة عليه بالعلم. وكان المِزِّيّ عَلَّمَ عليه علامة الشيخين، مع أنه إنما جرى ذكره في الصحيحين عرضاً لم يُسنَد من طريقه شيء من الحديث فيهما. ولا أعرف له رواية يحتاج إليها أهل العلم. فأما ما كان يحكيه عن الكتب القديمة، فليس بحجة عند أحد من المسلمين، وإن حكاه بعض السلف لمناسبته عنده لما ذكر في القرآن». وقال: «هذه كتب الحديث والآثار موجودة، لا تكاد تجد فيها خبراً يروى عن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم . فإن وُجِدَ، فلن تجده إلا من رواية بعض التابعين عن كعب، ولعله مع ذلك لا يصح عنه. وكذا روايته عن عمر. وكذا روايته عن صهيب وعائشة مع أنه مات قبلها بزمان. وعامة ما روي عنه حكايات عن أهل الكتاب ومن قوله».
                      روى مالك في الموطأ (1|109) بإسناد متصل في قصة طويلة أن أبا هريرة رضي الله عنه أخبر كعب الأحبار بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن يوم الجمعة: «وفيه ساعة، لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئاً، إلا أعطاه إياه». فقال كعب: «ذلك في كل سنة يوم»! فرد عليه أبو هريرة وقال: «بل في كل جمعة» (أي كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ). وقال عبد الله بن سلام : «كَذَبَ كعب». فقرأ كعب التوراة فقال: «صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم . هي في كل جمعة». فقال عبد الله بن سلام رضي الله عنه «صدق كعب».
                      فالملاحظ أن كعب الأحبار، سارع بتكذيب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بوقاحة رغم أن الصحابي الجليل الحافظ أبا هريرة رضي الله عنه هو الذي يحدثه به. ومع العلم أن الحديث موافق لما في التوراة كما أكد الصحابي الصادق عبد الله بن سلام رضي الله عنه، وقد كان قبل إسلامه أعلم أحبار اليهود باعترافهم. فلما وجد كعب نفسه محصوراً، فأبو هريرة أصر على رواية الحديث كما هو، ولم يبال بزعم كعب الأحبار. وأما عبد الله بن سلام فاتهمه بصراحة بالكذب. فلما وجد نفسه محصوراً وخاف أن يُكشَفَ أمره، تراجع وقال «صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ». لكن كيف؟

                      لأنه وجد في التوراة اليهودية ما يوافق ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                      قاتلك الله يا كعب.

                      وهل يحتاج المؤمن إلى الرجوع إلى التوراة المحرّفة حتى يُصَدِّق رسول الله عليه الصلاة والسلام؟

                      تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                      قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                      "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                      وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                      تعليق


                      • #41
                        أهذا مبلغ إسلامك يا كعب؟


                        وقال ابن جرير الطبري في تفسيره (22|144): حدثنا ابن بشار قال ثنا عبد الرحمن قال ثنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل قال جاء رجل إلى عبد الله (بن مسعود ). فقال (ابن مسعود): «من أين جئت؟». قال: «من الشام». قال: «من لقيت؟». قال: «لقيت كعباً». فقال: «ما حدثك كعب؟». قال: «حدثني أن السماوات تدور على منكب ملك». قال: «فصدقته أو كذبته؟». قال: «ما صدقته ولا كذبته». قال (ابن مسعود): «لوددت أنك افتديت من رحلتك إليه، براحلتك ورحلها. و كَذَبَ كعب! إن الله يقول: {إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده}». قال ابن كثير في تفسيره (3|562): «وهذا إسناد صحيح إلى كعب وإلى ابن مسعود ». قلت: هو في غاية الصحة. ثم ذكر ابن جرير إسناداً آخر بنحوه، إلا أن ابن مسعود قال عن كعب: «ما تَنَتكت اليهودية في قلب عبد فكادت أن تفارقه». وفي تفسير القرطبي (14|357): نفس السياق إلا أن عبارة ابن مسعود هي: « كذب كعب. ما ترك يهوديته». والمعنى نفسه.
                        وقال ابن حجر في الإصابة (5|650): أخرج ابن أبي خيثمة بسندٍ حسنٍ عن قتادة قال: بلغ حذيفة أن كعباً يقول "أن السماء تدور على قطبٍ كالرحى"، فقال (حذيفة ): «كذب كعب! إن الله يقول: إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا». ا.هـ.

                        وروى البخاري في الصحيح (6|2679 #7361): أن معاوية قال عن كعب الأحبار: «إنْ كان من أصدَقِ هؤلاء المحدِّثين الذين يحدِّثون عن أهل الكتاب، وإن كُنّا –مع ذلك– لنَبلو عليه الكذب». قال صاحب المنار: «إن قول معاوية طعنٌ صريحٌ في عدالته وفي عدالة جمهور رواة الإسرائيليات، إذ ثبت كذب من يُعَدُّ من أصدقهم. ومن كان مُتقنًا للكذب في ذلك، يتعذر أو يتعسر العثور على كذبه في ذلك العصر. إذ لم تكن كتب أهل الكتاب منتشرة في زمانهم بين المسلمين كزماننا هذا. فإن توراة اليهود بين الأيدي، ونحن نرى فيما رواه كعب ووهب عنها ما لا وجود له فيها البتة على كثرته، وهي هي التوراة التي كانت عندهم في عصرهما. فإن ما وقع من التحريف والنقصان منها قد كان قبل الإسلام، وأما بعده فجل ما وقع من التحريف هو المعنوي بحمل اللفظ على غير ما وضع له واختلاف الترجمة. ولا يعقل أن تكون هذه القصص الطويلة التي نراها في التفسير والتاريخ مروية عن التوراة، قد حذفت منها بعد موت كعب ووهب وغيرهما من رواتها. فهي من الأكاذيب التي لم يكن يتيسر للصحابة والتابعين ولرجال الجرح والتعديل الأولين العثور عليها». وقال كذلك: «والقول الفصل في هذه المسألة أن المتبادر من عبارة معاوية -الذي يفهمه كل من يعرف اللغة العربية من إطلاقها-، أن الضمير راجع إلى كعب الأحبار نفسه، كما فسرها ابن حجر والقسطلاني والجمهور، وذلك أن الكتاب لم يذكر في العبارة عمدة مستقلاً فيعود عليه الضمير، وإنما ذكر مضافًا إليه كلمة أهل».
                        ومن هذا نستنتج أن كعب هذا بقيت العقائد اليهودية الفاسدة متأصلة في قلبه. وكان كثير من الصحابة يجدون هذا، فيُحَذّرون منه، ويعلنون للناس أن اليهودية باقية في قلبه. ويتهمونه كذلك بالكذب الصريح. بل بعضهم يطلق الكذب مقابل الصدق، مما يعني أنهم يقصدون التعمد بالكذب، وليس مجرد الخطأ، كما زعم بعض المدافعين عن ابن اليهودية.

                        وهب بن منبه: ولد في الإسلام سنة 34هـ وهلك سنة 114، وأدرك بعض الصحابة. ولم يعرف أن أحداً منهم سمع منه أو حكى عنه، وإنما يحكي عنه من بعدهم. قال رشيد رضا: «ضعفه عمر بن الفلاس، واغترًّ به الجمهور (قلت: لم يوثقه إلا أبا زرعة والنسائي، فلا يقال اغتر به الجمهور)؛ لأن جلّ روايته للإسرائيليات. ولم يكونوا يدققون النظر في نقدها تدقيقهم في نقد روايات أصول الدين وفروعه. وقلّما كان أحد من رجال الجرح والتعديل يعرف شيئًا من كتب أهل الكتاب ليصح حكمه على الرواة عنها. على أن البخاري رحمه الله تعالى لم يَروِ عنه حديثًا في صحيحه مرفوعًا ولا قصة إسرائيلية، ولا مسألة علمية».
                        قال الحافظ ابن كثير في تفسيره، في كعب الأحبار وفي وهب بن منبه: «سامحهما الله تعالى فيما نقلاه إلى هذه الأمة من أخبار بني إسرائيل من الأوابد والغرائب والعجائب، مما كان ومما لم يكن، ومما حُرِّفَ وبُدّل ونسخ». وروى عنه الطبري أنواعاً من الإسرائيليات تكفي للتدليل على أن ثقافة وهب يهودية تلمودية. فمما رواه في تاريخه (1|343) عن ابن معقل أنه سمع وهب بن منبه يقول : «إن داود أراد أن يعلم عدد بني إسرائيل كم هم؟ فبعث لذلك عرفاء ونقباء وأمرهم أن يرفعوا إليه ما بلغ عددهم ، فعتب الله عليه ذلك وقال: قد علمت أني وعدت إبراهيم أن أبارك فيه وفي ذريته حتى أجعلهم كعدد نجوم السماء وأجعلهم لا يحصى عددهم، فأردت أن تعلم عدد ما قلت إنه لا يحصى عددهم، فاختاروا بين أن أبتليكم بالجوع ثلاث سنين أو أسلط عليكم العدو ثلاثة أشهر أو الموت ثلاثة أيام! فاستشار داود في ذلك بني إسرائيل فقالوا ما لنا بالجوع ثلاث سنين صبر، ولا بالعدو ثلاثة أشهر، فليس لهم بقية، فإن كان لا بد فالموت بيده لا بيد غيره. فذكر وهب بن منبه أنه مات منهم في ساعة من نهار ألوف كبيرة لا يدرى ما عددهم! فلما رأى ذلك داود شق عليه ما بلغه من كثرة الموت فتبتل إلى الله ودعاه فقال: يا رب أنا آكل الحماض وبنو إسرائيل يضرسون! أنا طلبت ذلك فأمرت به بني إسرائيل فما كان من شيء فبي واعف عن بني إسرائيل. فاستجاب الله له ورفع عنهم الموت، فرأى داود الملائكة سالين سيوفهم يغمدونها يرتقون في سلم من ذهب من الصخرة إلى السماء، فقال داود: هذا مكان ينبغي أن يبنى فيه مسجد. فأراد داود أن يأخذ في بنائه فأوحى الله إليه أن هذا بيت مقدس وأنك قد صبغت يدك في الدماء فلست ببانيه، ولكن ابن لك أملكه بعدك أسميه سليمان أسلمه من الدماء، فلما ملك سليمان بناه وشرفه!». أقول: إن أي مسلم يدرك أن إهانة الأنبياء بهذه الطريقة هي عقيدة يهودية مرذولة، فكيف يغفل عن ذلك وهب بن منبه؟ أفما يتقي الله!
                        وروى له الطبري (1|337) قصة طويلة عن طالوت وجالوت، مخالفة لسائر المفسرين. فقال الطبري معلقاً عليها: «وفي هذا الخبر بيان أن داود قد كان الله حَوَّلَ المُلك له قبل قتله جالوت، وقبل أن يكون من طالوت إليه ما كان من محاولته قتله. وأما سائر من روينا عنه قولاً في ذلك، فإنهم قالوا إنما ملك داود بعد ما قتل طالوت وولده». قلت: وهذا يدل على أنه غير صادق في نقله عن الإسرائيليات.
                        جاء في تهذيب الكمال (31|147): قال حماد بن سلمة: عن أبي سنان: سمعت وهب بن منبه يقول: «كنت أقول بالقدر (أي بنفيه)، حتى قرأت بضعة وسبعين كتاباً من كتب الأنبياء في كلها: من جعل إلى نفسه شيئاً من المشيئة فقد كفر، فتركت قولي». ويقصد وهب بن منبه بكتب الأنبياء: كتب بني إسرائيل المنسوبة إلى الأنبياء. فهذا اعتراف صحيح منه أنه بقي يأخذ عقائده من كتبهم المحرفة. قال رشيد رضا تعليقاً على هذه المقولة:
                        (أولاًً) إن كتب الأنبياء التي بأيدي أهل الكتاب لا تبلغ هذا العدد.
                        (ثانيًا) إننا تصفحنا أشهرها فلم نجد هذا القول فيها، ولا رأينا أهل الكتاب ينقلونه في مجادلاتهم في هذه المسألة.
                        (ثالثًا) إن هذا القول باطل قطعًا بدليل الآيات الكثيرة في القرآن، المثبتة لمشيئة الإنسان، كقوله تعالى: {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (الكهف: 29) {لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ} (التكوير: 28) {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} (فصلت: 40) {فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ} (النور: 62) { لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} (المدثر: 67) وفي معنى الآيات أحاديث كثيرة أيضًا، ولا ينافي هذه الآيات قوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ} (الإِنسان: 30)، بل يقررها ويؤكدها إذ هو صريح في أن الله تعالى شاء أن يكون للبشر مشيئة خلقها لهم فيما خلقه من صفاتهم وغرائزهم وقواهم.
                        (رابعًا) إن وهبًا قد انتقل من بدعة القدرية إلى بدعة الجبرية التي هي شر منها وأضر، وأدهى وأمر، فهي التي أماتت قلوب المسلمين وهممهم التي فتحوا بها البلاد، ودكوا بها الأطواد، وأرضتهم بالذل والهوان، وتعبدتهم للظلمة منهم، ثم للمستعبدين لهم من غيرهم. اهـ.

                        وروى ابن سعد عن وهب قوله: «لقد قرأت ثلاثين كتاباً، نزلت على ثلاثين نبياً». قلت: أنزلت التوراة على موسى، والزبور على داود، والإنجيل على عيسى، والقرآن على محمد، عليهم صلوات الله وسلامه. فما هي الكتب الباقية التي يستمدّ منها وهب بن منبه عقائده؟ أرجو أن لا يكون من بينها التلمود الذي اخترعه حكماء صهيون ونسبوه افتراءً لموسى عليه السلام.
                        بل له دفاع عتيد بغير حق عن كتب اليهود، فيقول مثلاً: «إن التوراة والإنجيل كما أنزلهما الله تعالى! لم يُغير منهما حرف. ولكنهم يضلون بالتحريف والتأويل، وكتب كانوا يكتبونها من عند أنفسهم {وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ}. فأما كتب الله فإنها محفوظة ولا تحول»، رواه ابن أبي حاتم. قال ابن كثير: «فإن عنى وهب ما بأيديهم من ذلك، فلا شك أنه قد دخلها التبديل والتحريف والزيادة والنقص، وأما تعريب ذلك المشاهد بالعربية ففيه خطأ كبير وزيادات كثيرة، ونقصان ووهم فاحش، وهو من باب تفسير المعرب المعبَّر. وفهْمُ كثير منهم -بل أكثرهم، بل جمعيهم- فاسد. وأما إن عنى كتب الله التي هي كتبه من عنده، فتلك كما قال محفوظة لم يدخلها شيء». أقول لا ريب أن وهباً يتكلم عن التوراة والإنجيل الموجودين في الأرض لا عن اللوح المحفوظ، فلا شك إذاً أنه كاذب في دعواه.
                        مع العلم أن بنو منبه أصلهم من خراسان من هراة (شرق أفغانستان)، خرج منبه منها إلى فارس أيام كسرى. وغالب الظن أن أصله من اليهود الذين استقروا في خراسان. ومن البديهي أن يخفي ذلك ولا يُبديه. فإن المجوس لم يكن عندهم أي علم بكتب اليهود ولم تكن التوراة مترجمة للعربية ولا للفارسية، لا سيما مع زعم وهب أنه اطلع على كتب كثيرة غير التوراة، فلا شك بإلمامه بالعبرية. يقول رشيد رضا عن وهب وكعب: «إنهما كانا كثيرا الرواية للغرائب التي لا يُعرف لها أصل معقول ولا منقول. وإن قومهما كانوا يكيدون للأمة الإسلامية العربية: فقاتِلُ الخليفة الثاني فارسي مُرسَل من جمعية سرية لقومه، وقتلة الخليفة الثالث كانوا مفتونين بدسائس عبد الله بن سبأ اليهودي. وإلى جمعية السبئيين وجمعيات الفرس ترجع جميع الفتن السياسية وأكاذيب الرواية في الصدر الأول».




                        تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                        قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                        "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                        وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                        تعليق


                        • #42
                          يروي عنه التفسير عدة من أقاربه:


                          - إسماعيل بن عبد الكريم (ثقة) عن عمه عبد الصمد بن معقل بن منبه (ثقة) عن عمه وهب بن منبه.
                          - عبد المنعم بن إدريس بن سنان اليماني (كذاب يضع الحديث)، عن أبيه (ضعيف) عن جده وهب بن منبه.
                          - سلمة بن الفضل (ثقة عن ابن إسحاق، ليّن عن غيره)، عن محمد بن إسحاق (جيد)، عن مجهول، عن وهب بن منبه. وقد أكثر الطبري من هذا الطريق من طريق شيخه ابن حميد (كذاب).

                          ابن جريج: من أتباع التابعين، أصله من أبيه رومي نصراني. ولا يبدو أنه كان عالماً أصلاً بكتب أهل الكتاب. و "جُريج" هي تعريب لكلمة "جورج". وابن جريج هو رجل ثقة صدوق، إلا أنه حاطب ليل، ينقل الصحيح والضعيف بدون تمييز. كما أنه كثير التدليس.

                          ابن إسحاق: من أئمة أهل الشأن في معرفة السير. لكنه كان يكثر من التحديث والرواية عن الضعفاء والمجاهيل. قال عنه ابن المديني: «ثقة، لم يضعه عندي إلا روايته عن أهل الكتاب». ومن عجائب الإسرائيليات التي ينقلها ابن إسحاق ما رواه ابن جرير الطبري (15|42)، قال: حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن «أبي عتاب رجل من تغلب كان نصرانياً عمراً من دهره ثم أسلم بعد فقرأ القرآن وفقه في الدين وكان فيما ذكر أنه كان نصرانياً أربعين سنة ثم عمر في الإسلام أربعين سنة قال: ...». ومن ذلك (16|17): حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة قال: ثنا محمد بن إسحاق قال: «ثني بعض من يسوق أحاديث الأعاجم من أهل الكتاب ممن قد أسلم مما توارثوا من علم ذي القرنين (كذا!!) أن...». ولك أن تتخيل وهاء ما ينقله هؤلاء عن الإسرائيليات.

                          - يروي عنه عدد من الرواة مثل سلمة بن الفضل (ثقة عنه) ومثل يونس بن بكير (لا بأس به لكنه يدرج كلام ابن إسحاق ويصله بمتن الحديث).
                          هؤلاء هم المصدر الرئيسي لأكثر الإسرائيليات ولأكثر المنقول عن أهل الكتاب. وأكثرهم بلا أدنى ريب هو كعب الأحبار ثم وهب بن منبه. وهؤلاء كلهم (يعني أهل الكتاب الذين نقل المفسرون عنهم) كانوا يسكنون البادية مع العرب، ولا يعرفون من ذلك –ما عدا عبد الله بن سلاَم – إلا ما تعرفه العامة من أهل الكتاب، ولا تحقيق عندهم بمعرفة ما ينقلونه من ذلك. فكم من مقولة قيل أنها في الإسرائيليات أو في الإنجيل ولم نجدها. وقد يختلفون عليها أيضاً. وقد تقدّم تكذيب عبد الله بن سلام لكعب الأحبار، ثم تراجع كعب بعد قراءته للتوراة. فهو غير ثقة حتى في نقله عن عقائد اليهود.
                          أما باقي الرواة فهم نقلة عن غيرهم (وبخاصة عن هؤلاء). أعني ابن إسحاق وقتادة والسدي وسعيد وأمثالهم، فهؤلاء نقلة عن غيرهم، وليس لديهم اطلاع مباشر على الإسرائيليات. وعامة من يروي الإسرائيليات في التفسير هم ممن وصفوا بأنهم ينقلون الغث والسمين بغير تمييز. وقد قال الشعبي عن قتادة: «حاطب ليل». وكان الحسن البصري أيضاً يصدّق كل من حدَّثه. وكذلك ابن جريج وابن إسحاق يوصف كل منهما بأنه حاطب ليل. والسدي الكبير هو نفسه متهم بالكذب، فضلاً عن روايته عن ضعفاء ومتروكين.
                          وشرح ابن خلدون في مقدمته أسباب نقل المفسرين هذه الإسرائيليات فقال «والسبب هو أن العرب لم يكونوا أهل كتاب ولا علم، وإنما غلبت عليهم البداوة والأمية. وإذا تشوقوا إلى معرفة شيء مما تتشوق إليه النفوس البشرية في أسباب المكونات وبدء الخليقة وأسرار الوجـود فإنما يسألون أهل الكتاب قبلهم، ويستفيدونه منهم، وهم أهل التوراة من اليهود ومن تبع دينهم من النصارى. وأهل الكتاب الذين بين العرب يومئذ بادية مثلهم ولا يعرفون من ذلك إلا ما تعرفه العامة من أهل الكتاب، ومعظمهم من حِمْيَرَ الذين أخذوا بدين اليهودية. فلما أسلموا بقوا على ما كان عندهم مما لا تعلق له بالأحكام الشرعية التي يحتاطون لها – مثل أخبار بدء الخليقة، وما يرجع إلى الحدثان، والملاحم، وأمثال ذلك. وهؤلاء مثل: كعب الأحبار، ووهب بن منبه، وعبد الله بن سلام (أقول: ذكر عبد الله هنا خطأ كما أوضحنا)، وأمثالهم فامتلأت التفاسير من المنقولات عندهم. وفي أمثال هذه الأغراض أخبار موقوفة عليهم وليست مما يرجع إلى الأحكام، فتتحرى فيها الصحة التي يجب بها العمل. وتساهل المفسرون في مثل ذلك، وملئوا كتب التفسير بهذه المنقولات وأصلها، كما قلنا عن أهل التوراة الذين يسكنون البادية، ولا تحقيق عندهم بمعرفة ما ينقلونه من ذلك. إلا أنه بَعُد صيتهم، وعظمت أقدارهم لما كانوا عليه من المقامات في الدين والملة، فتلقيت بالقبول من يومئذ». ( مقدمة ابن خلدون ص 404 طبعة كتاب الشعب ).
                          ونقل الصحابة عن الإسرائيليات قليل جداً مقارنة بالتابعين وأتباع التابعين. ولم يثبت عن أُبَيّ بن كعب أنه روى شيئاً من الإسرائيليات. وجاء عن عبد الله بن سلاّم شيء قليلٌ جداً، وقد شهد له اليهود قبل معرفتهم بإسلامه بأنه أعلمهم جميعاً. فهو أعرف الناس بما لم يُصبه التحريف من الإسرائيليات، فلا خوف من نقله. وأكثر النقل عن أهل الكتاب هو عن كعب الأحبار ووهب بن منبه. وكان عمر شديداً على كعب الأحبار لئلا يحدث الناس بما يفتنهم. وكذلك كان ابن مسعود رضي الله عنه يحذو حذو عمر رضي الله عنه في أعماله وأقواله، فلم يثبت عنه رواية شيء من الإسرائيليات. والمروي عنه في ذلك إنما هو من طريق السدي الكذاب الكبير.
                          وما ثبت كذلك رواية الإسرائيليات عن أحدٍ من كبار الصحابة أبداً، لكن جاء عن بعض صغارهم. فأما عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه فقد كان قد أصاب في اليرموك صحفاً من أهل الكتاب أسماها بالزاملتين. فنقله صحيح عن أهل الكتاب، لكن مروياته في التفسير قليلة. وأبو هريرة لم يحدث الكثير من التفسير، وكان يبين بوضوح ما ينقله عن كعب الأحبار، لكن قد يغلط بعض الرواة عنه فلا يذكر ذلك، وهذا في كل حال نادر. وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما ليس له –فيما أعلم– إلا رواية واحدة عن كعب الأحبار. فبقي ابن عباس الذي كان مُكثراً في التفسير، لكن ما رواه من الإسرائيليات قليل مقارنة مع مروياته الكثيرة. خاصة أنه لم يرو في تفسير الطبري سوى ستة عشر رواية حسب إحصاء الدكتورة آمال محمد عبد الرحمن في كتابها "الإسرائيليات في تفسير الطبري - دراسة في اللغة والمصادر العبرية" (وهي دراسة ناقصة لا تشمل كل التفسير). ويظهر أن أكثرها –إن لم يكن كلها– قد جاء بها من كعب الأحبار. ذلك الخبيث الذي ملئ كتب التفسير بخرافاته اليهودية.


                          تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                          قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                          "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                          وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                          تعليق


                          • #43

                            مناهج المفسرين في التعامل مع الإسرائيليات


                            وقد اختلف منهج المفسرين في تلقي هذه الإسرائيليات. فابن جرير الطبري قد ذكر الكثير منها دون أن يتعقبها بما ينبغي. وفعل كذلك عدد من المفسرين كابن أبي حاتم ممن لم يكن لهم همٌّ إلا الجمع فحسب دون التنقيح. أما المحققون فأكثرهم انتقدوا الإسرائيليات، لكنهم لم يقدروا على التخلص من كلها، خاصة الذي اختلط بكلام الصحابة والتابعين، وصعب تمييزه. ومن هؤلاء المفسر الإمام ابن كثير الدمشقي.
                            قال ابن كثير (ت 747هـ): «ثم ليعلم أن أكثر ما يتحدثون به غالبه كذب وبهتان، لأنه قد دخله تحريف وتبديل وتغيير وتأويل. وما أقل الصدق فيه! ثم ما أقل فائدة كثير منه، لو كان صحيحاً!
                            قال ابن جرير: #213 حدثنا ابن بشار أبو عاصم أخبرنا سفيان عن سليمان ابن عامر عن عمارة بن عمير عن حريث بن ظهير عن عبد الله –هو ابن مسعود– قال: "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء. فإنهم لن يهدوكم وقد ضَلّوا. إما أن تُكَذِّبوا بحق، أو تُصَدِّقوا بباطل. فإنه ليس أحدٌ من أهل الكتاب، إلا وفي قلبه تاليةٌ تدعوه إلى دينه كتالية المال"». وكلام ابن مسعود رضي الله عنه صحيح تماماً، وقد سبق بيان أنه اتهم كعب الأحبار بأن اليهودية ما تزال في قلبه.

                            و لعلّ من أشد الناس في الرد على الإسرائيليات، هو الشوكاني الذي يندر جداً أن يوردها في تفسيره إلا لينقدها ويفنّدها. وهو يرى أن رواية الإسرائيليات سبب للاضطراب في التفسير والتناقض بين السلف، حيث تجد كل مفسر يقول بقولٍ مختلف. إذ أن المنقول عنهم متناقض ويشتمل على مالا يعقل في الغالب، ومقصود بعض من أورد هذه المتناقضات هو التشكيك على المسلمين والتلاعب بهم. كما أن تفصيل تلك القصص ومعرفة فصولها من التكلف والفضول، ولهذا نهى الله عن سؤالنا أهل الكتاب عن تلك التفاصيل {ولا تستفت منهم أحداً}. وكذلك يرى أن ما نُقِلَ في التفسير من قصص السابقين الغريبة إنما هو مأخوذ عن بني إسرائيل وليس منقولاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا هي من كلام الصحابة. وهو يرى عدم الترخص برواية الإسرائيليات في التفسير. يقول رحمه الله: «فإن تَرَخَّصَ مُتَرَخِّصٍ بالرواية عنهم لمثل ما روي "حدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" فليس ذلك فيما يتعلق في تفسير كتاب الله سبحانه بلا شك، بل فيما ذُكِرَ عنهم من القصص الواقعة لهم».
                            وعلى هذا النهج سار الألوسي والسعدي في تفسيريهما. قال المفسر السعدي بعد تفسير الآية (74) من سورة البقرة: «واعلم أن كثيراً من المفسرين رحمهم الله قد أكثروا في حشوا تفاسيرهم من قصص بني إسرائيل، ونَزَّلوا عليها الآيات القرآنية، وجعلوها تفسيراً لكتاب الله، محتجين بقوله صلى الله عليه وسلم: "حَدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حَرَج". والذي أرى أنه –وإن جاز نقل أحاديثهم على وجهٍ تكون مفردة غير مقرونة ولا مُنَزَّلَةٍ على كتاب الله– فإنه لا يجوز جعلها تفسيراً لكتاب الله قطعاً إذا لم تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذلك أن مرتبتها كما قال عليه الصلاة والسلام : "لا تُصدّقوا أهل الكتاب ولا تُكَذّبوهم". فإذا كان مرتبتها أن تكون مشكوكاً فيها، وكان من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام أن القرآن يجب الإيمان به، والقطع بألفاظه ومعانيه، فلا يجوز أن تجعل تلك القصص المنقولة بالروايات المجهولة –التي يغلب على الظن كذبها أو كذب أكثرها– معاني لكتاب الله مقطوعاً بها. ولا يستريب بهذا أحد. لكن بسبب الغفلة عن هذا، حصل ما حصل. والله الموفق».
                            وكلامهما صحيحٌ رحمها الله. فما حاجتنا إلى اللجوء إلى كتبٍ حُرّفَ أكثرها؟ بل قد يكون في نقل الصحيح منها وإثباتها في التفسير، تزكيةٌ لذلك المصدر وتوثيقٌ له وتغريرٌ بالعامة ليعتمدوا على إسرائيليات غيرها لم تثبت صحتها. فإن إيراد هذه الرواية في هذا الموضع، يعني أنك تريد حمل الآية القرآنية عليها. وهذا يدل على تصديقك لها!
                            وهناك من يرى أن الإسرائيليات دسيسٌ على الإسلام: قال: «إن الفتنة لم تدخل المسيحية إلا من طريق رَجُلٍ (يهودي) قال أنه آمن بالمسيح... وإن الفتنة يجب أن تدخل الإسلام بنفس الوسيلة وبنفس الطريق وعلى رجل يماثل بولس» (ولعله يقصد كعب الأحبار). ويرى أنها شر قال: «وهكذا انفتح باب الإسرائيليات على مصراعيه أمام المسلمين، لينفتح به باب للشر لم ينغلق. ولن ينغلق ما دام في هذه الدنيا مسلمٌ تغيب عن وَعْيِهِ تلك الحقائق التي قدمناها». وقال: «دخلت شعوبٌ في الإسلام. ورأت مناسبةً بين الدين الجديد، وبعض ما في دينهم. فذهبوا يُفسّرون الإسلام ويفهمونه على أساس تلك الموروثات المهجورة». قلت: وأكثر ما نجد هذا عند الشيعة، حيث أدخل الفرس المعتقدات المجوسية، ليس في التفسير فحسب، بل في العقيدة والفقه كذلك!
                            ويقول: «حكمت الدولة العباسية، وهم سلالة عبد الله بن عباس، رائد الإسرائيليات في الإسلام. وظلت هذه الدولة منذ قيامها بعد سقوط دولة بني أمية (132هـ) تعمل على تضخيم شخصية عبد الله، ونسبة كافة المعارف إليه ورفع مقالاته إلى درجة التوثيق والتقديس التي للرسول صلى الله عليه وسلم... وربما ادعوا أنه كان في كل ما يقول يصدر عن علوم أو وصايا ورثها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكل ذلك باطل ولا ظل له من الحقيقة، ولكنه صار عبئاً على الإسلام. ظل يعاني وسيظل يعاني منهم زمناً طولاً». وفيه كلامه مبالغة.

                            يقول الشيخ أحمد شاكر –رحمه الله– في "عمدة التفسير": «إن إباحة التحدث عنهم فيما ليس عندنا دليل على صدقه ولا كذبه شيء، وذكر ذلك في تفسير القرآن وجعله قولاً أو رواية في معنى الآيات أو في تعيين ما لم يعين فيها، أو في تفصيل ما أجمل فيها شيء آخر. لأن في إثبات مثل ذلك بجوار كلام الله ما يوهم أن هذا الذي لا نعرف صدقه ولا كذبه مُبَيِّن لمعنى قول الله سبحانه ومفصل لما أجمل فيه، وحاشا لله ولكتابه من ذلك. وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
                            ثم قال: «ومن أعظم الكلم في الدلالة على تنزيه القرآن العظيم عن هذه الأخبار الإسرائيلية، كلمة لابن عباس رواها البخاري في "صحيحه" (#6929)، ونقلها عنه الحافظ ابن كثير عند تفسير الآية (79) من سورة البقرة. قال ابن عباس: "كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء، وكتابكم الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث؟ تقرؤونه محضاً لم يشب. وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدّلوا كتاب الله وغيّروه وكتبوا بأيديهم الكتاب، وقالوا {هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ }. ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم؟ لا والله ما رأينا منهم رجلاً يسألكم عن الذي أنزل عليكم!". وهذه الموعظة القوية الرائعة رواها البخاري في ثلاثة مواضع من صحيحه».


                            تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                            قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                            "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                            وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                            تعليق


                            • #44
                              تعامل السلف مع الإسرائيليات

                              على أن من يستقرئ الإسرائيليات التي وردت عن السلف، سيجد الأمور الآتية:
                              1 ـ أنها أخبار لا يُبنى عليها أحكام عملية.
                              2 ـ أنه لم يرد عن السلف أنهم اعتمدوا حكماً شرعياً مأخوذاً من روايات بني إسرائيل.
                              3 ـ أنه لا يلزم اعتقاد صحتها، بل هي مجرد خبر.
                              4 ـ أنَّ فيها ما لم يثبت عن الصحابة، بل عن من دونهم.
                              إذاً كون الإسرائيليات مصدرًا يستفيد منه المفسر في حال بيان معنى كلام الله لا يعني أن تقبلَ كلَّ ما يُفسَّر به هذا من طريق هذا المصدر، فهذه الإسرائيليات كالتفسير باللغة، وليس كل ما فسِّر به من جهة اللغة يكون صحيحًا، وكذلك الحال هنا.

                              تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                              قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                              "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                              وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                              تعليق


                              • #45
                                الإسرائيليات والمسألة العقدية


                                حوت الإسرائيليات أخبارًا وآثارًا عديدة، كادت أن تُفسِد على المسلمين أمر دينهم، فمِن هذه الأخبار أخبار تطعن في أنبياء الله وملائكته، وتحط من شأنهم، بل تعدى الأمر إلى الطعن في ذات الله عز وجل بما تحويه هذه الأخبار من تشبيه وتجسيم وأوصاف لا تليق بالله جل جلاله... إلى غير ذلك من الأمور الاعتقادية.
                                إضافة إلى ذلك؛ كانت لهذه الأخبار أثار عامة كادت أن تُفقِد البعض الثقة في رواتها من العلماء الأثبات أمثال عبد الله بن سلام ووهب بن منبه وكعب الأحبار، وغير هؤلاء ممن تحملوا هذه الإسرائيليات ورووها لنا، أو نُسِبت إليهم زورًا وبهتانًا.
                                ومن آثار الإسرائيليات السيئة أنها زادت من مساحة الوضع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث وجد فيها الزنادقة والقُصّاص مادة خصبة فنسجوا على منوالها، ونسبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورووها في المجالس، وتناقلتها الأسماع، ثم سطرت في الدفاتر، وزاد الأمر سوءًا أن كثيرًا "ممن ليسوا من أهل الحديث والمتفرِّغين له؛ لم ينتبهوا إلى هذه الإسرائيليات واغتروا بها، وأوردوها في احتجاجاتهم ومناظراتهم وتآليفهم، وهذا أمر بالغ الخطورة على الدين وأهله، لأن جمهور الناس وعامتهم تقبَّلوا هذه الإسرائيليات على أنها صحيحة لا غُبار عليها، وأذاعوها بين الناس مع أن بعضها مدسوس على الإسلام مُشوِّهٍ له، وقد ساعد على ذلك وجودها في كتب مشهورة، مؤلفوها أجلاء، كما ساعد على انتشارها ضعف دراسة السنة، والجهل بأحوال الرواة، فبقيت راسخة في النفوس" (الإسرائيليات لرمزي نعناعة: [428-429]).
                                كما اتخذها بعض المبشِّرين والمستشرقين وسيلة للطعن في هذا الدين، بوصفه دين خرافات وترهات وأساطير تنافي العقل وتجافي المنطق، ضاربين بكل قواعد العلم عرض الحائط، فباتوا ينتقون ما يؤيد زعمهم من هذه الأخبار، حتى مع علمهم بموقف أئمة الإسلام منها وإبطالهم لها، وذلك بقصد الصد عن هذا الدين وتشويهه في عقول الآخرين.

                                فماذا يراد بلفظ الإسرائيليات، وما مجالات تأثيرها في أبواب العقائد؟

                                تشير المصادر العربية إلى أن لفظ الإسرائيليات، جمعٌ مُفرَدُه "إسرائيلية"، وهي قصة أو حادثة تروى عن مصدر إسرائيلي... والنسبة فيها إلي إسرائيل، وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم أبو الأسباط الاثني عشر عليه السلام، وإليه يُنسَب اليهود، فيقال: بنو إسرائيل، و"إسرائيل" كلمة عبرية مركبة من "إسرى" بمعني عبد أو صفوة، ومن "إيل" وهو الله، فيكون معني الكلمة: عبد الله وصفوته من خلقه (دائرة معارف القرن العشرين – محمد فريد وجدي: [1/280]؛ وينظر: إسرائيليات القرآن – د. محمد جواد مغنيّه، ص: [40]؛ والقاموس الإسلامي - أحمد عطية الله: [1/94]؛ والإسرائيليات وأثرها في كتب التفسيرؤ- د. رمزي نعناعة، ص: [72]).
                                وقيل إن معناه: "المجاهد مع الله" (تفسير المنار - الشيخ محمد رشيد رضا: [1/240]؛ دائرة المعارف – بطرس البستاني: [3/479]؛ قاموس الكتاب المقدس – د. بطرس عبد الملك، وجون الكساندر طمس، وإبراهيم مطر، ص: [69]).
                                وكلمة "إسرائيل"تُهْمز ولا تُهْمز كما قال الأخفش، ويقال في لغةٍ "إسرائين" بالنون، كما قالوا "جبرين" و"إسماعين" (لسان العرب – ابن منظور - مادة: سرا).
                                وقد ورد ذكرهم في القرآن الكريم منسوبين إليه في مواضع كثيرة منها قوله تعالي: {إِنَّ هَذَا الْقُرْءانَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [النمل:76] (الإسرائيليات والموضوعات في التفسير والحديث - د. محمد حسين الذهبي، ص: [13-14]).
                                والنسبة في مثل هذا تكون لعجز المركب الإضافي لا لصدره (الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير – د. محمد محمد أبو شهبة، ص: [12]).
                                أما تعريف الإسرائيليات في الاصطلاح الشرعي فيراد منه "كل ما تسرب إلي التراث الإسلامي من أخبار قديمة منسوبة في أصل روايتها إلي مصدر يهودي أو نصراني".

                                والإسرائيليات وإنْ كانت تدل في ظاهرها علي ما كان يهودي الأصل، إلا أنها تشمل أيضا ما كان مصدره نصرانيًا "وإنما أطلق علي هذا كله لفظ الإسرائيليات لمجاورة اليهود للمسلمين في المدينة، وكونهم أول من نشرها بين المسلمين، فنسبتْ إليهم، وشملتْ بعد هذا ما كان مصدره النصارى من باب التغليب" (منهج المدرسة العقلية في التفسير – د. فهد الرومي، ص: [312-313]).
                                بمعنى أن الغالب على هذه الروايات أنها من مرويات اليهود وتآليفهم "والحق: أن ما في كتب التفسير من المسيحيات أو من النصرانيات هو شيء قليل بالنسبة إلي ما هو فيها من الإسرائيليات، ولا يكاد يذكر بجانبها، وليس لها من الآثار السيئة ما للإسرائيليات، إذ معظمها في الأخلاق، والمواعظ، وتهذيب النفوس، وترقيق القلوب" (الإسرائيليات والموضوعات – د. محمد أبو شهبة، ص: [14]).
                                وقد توسع بعض العلماء فعدَّ ما ليس بيهودي أو نصراني من الإسرائيليات، وفي هذا يقول الدكتور الذهبي: "إن لفظ الإسرائيليات -وإن كان يدل بظاهره على القصص الذي يروي أصلًا عن مصادر يهودية- يستعمله علماء التفسير والحديث ويطلقونه على ما هو أوسع وأشمل من القصص اليهودي، فهو في اصطلاحهم يدل على كل ما تطرق إلى التفسير والحديث من أساطير قديمة منسوبة في أصل روايتها إلى مصدر يهودي أو نصراني أو غيرهما" (الإسرائيليات والموضوعات في التفسير والحديث - د: محمد حسين الذهبي، ص: [14]).
                                والذي أراه انحصار لفظ الإسرائيليات في ما كان أصله يهودي أو نصراني أو ما روي من طريقهما، أما ما دون ذلك من الأخبار، فيمكن إدراجه في الدخيل، ومصطلح الدخيل أعم وأشمل من مصطلح الإسرائيليات، فكل إسرائيلية دخيلة على التفسير والحديث والتراث الإسلامي بشكل عام، وليس كل دخيل من باب الإسرائيليات، فبين اللفظتين عموم وخصوص، فالدخيل أعم والإسرائيلية أخص.
                                ولهذا التفريق أهمية كبيرة؛ فالتفريق بين الإسرائيليات التي مصدرها أخبار بني إسرائيل، وبين ما سُمّيَ بذلك مما ليس عنهم يفيد كثيراً في الحكم على الخبر؛ فالدخيل في التفسير مما ليس عن بني إسرائيل مردود في الجملة -كقصة الغرانيق مثلًا-، ويرد أيضًا حتى لو كان معنى الخبر صحيحًا ومقبولًا؛ لأنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ما ورد عن بني إسرائيل فيدخل ضمن النصوص الشرعية المنضوية تحت قوله صلى الله عليه وسلم: «حدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» (رواه البخاري: [3274])، وغيره من الأقوال التي لا ينهي فيها النبي صلى الله عليه وسلم عن الأخذ عن أهل الكتاب، ثم نعاملها بالمقياس الشرعي المقبول للحكم عليها إلى مقبول ومردود ومسكوت عنه.
                                الآن وبعد تعريفنا للمراد بالإسرائيليات، نتحوّل إلى نقطة أخرى، وهي الأخطر في هذا الباب؛ وهي:

                                كيف نتعامل مع الإسرائيليات؟ أو كيف نعامل الإسرائيليات، وما حدود الأخذ منها والعمل بها؟

                                تنقسم الإسرائيليات إلى ثلاثة أقسام:
                                - موافق لشريعتنا.
                                - ومخالف لشريعتنا.
                                - ومسكوت عنه.
                                فأما "ما جاء موافقا لما في شرعنا، فهذا تجوز روايته، وعليه تُحمل الآيات الدالة على إباحة الرجوع إلى أهل الكتاب، وعليه أيضا يُحمل قوله عليه الصلاة والسلام: «حدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» إذ المعنى: حدِّثوا عنهم بما تعلمون صدقه" (الإسرائيليات والموضوعات في التفسير والحديث - د. محمد حسين الذهبي، ص: [49]).
                                وأما "ما جاء مخالِفًا لما في شرعنا، أو كان لا يُصدِّقه العقل، فلا تجوز روايته؛ لأن إباحة الله للرجوع إلى أهل الكتاب، وإباحة الرسول صلى الله عليه وسلم للحديث عنهم، لا تتناول ما كان كذبًا، إذ لا يعقل أن يبيح الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم رواية المكذوب أبدًا" (الإسرائيليات والموضوعات في التفسير والحديث - د. محمد حسين الذهبي، ص: [49]).
                                قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "وما شهد له شرعنا منها بالبطلان فذاك مردود لا يجوز حكايته، إلا على سبيل الإنكار والإبطال" (البداية والنهاية
                                ابن كثير )
                                كذلك يرد ما كان أقرب إلى الخرافة والكذب وتحيله العقول السليمة، ومن أمثلة ذلك الإسرائيليات الواردة في الجبل "قاف" والحوت "نون"، وقد أشار لذلك ابن كثير بقوله: "وإنما أباح الشارع الرواية عنهم في قوله صلى الله عليه وسلم: (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) فيما قد يجوّزه العقل، فأما ما تحيله العقول، ويحكم عليه بالبطلان، ويغلب على الظنون كذبه، فليس من هذا القبيل" (تفسير القرآن العظيم لابن كثير: [13/180]).
                                وأما "ما سكت عنه شرعنا، ولم يكن فيه ما يشهد لصدقه ولا لكذبه، وكان محتملا، فحكمه أن نتوقف في قبوله فلا نصدقه ولا نكذبه، وعلى هذا يحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تُصدِّقوا أهل الكتاب ولا تُكذِّبوهم» (رواه البخاري). أما روايته فجائزة على إنها مجرد حكاية لما عندهم، لأنها تدخل في عموم الإباحة المفهومة من قوله عليه الصلاة والسلام: «حدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج»" (الإسرائيليات – الذهبي، ص: [49]).
                                قال الحافظ ابن كثير هذا: "محمول على الإسرائيليات المسكوت عنها عندنا، فليس عندنا ما يُصدِّقها ولا ما يُكذِّبها، فيجوز روايتها للاعتبار" (البداية والنهاية لابن كثير: [1/ 6-7]).
                                من هذا نفهم أن ما روي من أخبار إسرائيلية في أبواب العقائد -وكانت مخالفةً لشريعتنا- مردودة جملةً وتفصيلًا، فلا يحل لمسلم عامل هذه الإسرائيليات بالمقياس السابق، فثبت له مخالفتها للشرع روايتها على سبيل الإقرار، أو العمل بها، أو إشاعتها بين الناس، إلا على سبيل التحذير منها، وبيان ما فيها من مفاسد وأباطيل.
                                والإسرائيليات -يهودية كانت أو نصرانية- لم تترك جانبًا من جوانب العقيدة إلا وكان لها فيه أثر بارز، وحديثنا هنا عن الإسرائيليات الضعيفة والموضوعة، أي المردودة المخالفة لما جاء في شريعتنا.
                                فقد توزَّعت هذه الإسرائيليات على أبواب العقائد، فرأينا إسرائيليات تتحدث عن الله تعالى: عن أسمائه وصفاته، ورأينا إسرائيليات تتحدث عن الأنبياء وأحوالهم وقصصهم، ورأينا إسرائيليات أخرى تتحدث عن أمور غيبية: إما في الماضي، وإما في الحاضر، وإما في المستقبل؛ كحديث بعض الإسرائيليات عن علامات الساعة وأشراطها.
                                وما سنُركِّز عليه هنا هو الحديث عن الإسرائيليات المخالِفة في أبواب العقيدة؛ لأن ما صح منها، إما أن يكون مرويًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا يكون قد اكتسب الشرعية، وصار إسلامي المصدر، بعد أن كان إسرائيلي المصدر، وإما أنه جاء موافقًا لما كان إسلامي المصدر، أو كان في الشرع ما يدل على صحته، ولهذا نفس حكم الصحيح مما ورد في كتاب الله أو سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم يأت بما يخالِف.
                                فمن أمثلة الإسرائيليات المردودة في أبواب العقائد ما روي عن عبد الله بن منين، قال: "بينما أنا جالس، في المسجد إذ جاء قتادة بن النعمان، فجلس، فتحدث، فثاب إليه أناس[1]، ثم قال: انطلق بنا إلى أبي سعيد الخدري، فإني قد أُخبرتُ أنه قد اشتكى، فانطلقنا حتى دخلنا على أبي سعيد الخدري فوجدناه مستلقيا، واضعًا رجله اليمنى على اليسرى، فسلَّمنا وجلسنا، فرفع قتادة يده إلى رجل أبي سعيد الخدري، فقرصها قرصة شديدة، فقال أبو سعيد: سبحان الله يا ابن آدم، أوجعتني، قال: ذاك أردت، إن رسول الله صلى الله عليه وسلمقال: إن الله عز وجل لما قضى خلقه استلقى، ثم وضع إحدى رجليه على الأخرى، ثم قال: لا ينبغي لأحد من خلقي أن يفعل هذا، قال أبو سعيد: لا جرم لا أفعله أبدًا.
                                وهذا الخبر أخرجه ابن أبي عاصم في السنة: [1/249]، والبيهقي في الأسماء والصفات: [2/302]، وهو منكر جدًا، وقد علق عليه الألباني في السلسلة الضعيفة بقوله: "إن الحديث يستشم منه رائحة اليهودية الذين يزعمون أن الله تبارك وتعالى بعد أن فرغ من خلق السموات والأرض استراح! تعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا، وهذا المعنى يكاد يكون صريحًا في الحديث، فإن الاستلقاء لا يكون إلا من أجل الراحة سبحانه وتعالى عن ذلك، وأنا أعتقد أن أصل هذا الحديث من الإسرائيليات، وقد رأيت في كلام أبي نصر الغازي أنه روي عن كعب الأخبار، فهذا يؤيد ما ذكرته، وذكر أبو نصر أيضًا أنه روي موقوفًا عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وكعب بن عجرة، فكأنهما تلقياه -إن صح عنهما- عن كعب كما هو الشأن في كثير من الإسرائيليات، ثم وهم بعض الرواة فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم" (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني: [2/178]).
                                والإسرائيليات في النبوات تفوق ما روي في باب أسماء الله وصفاته، ومن ذلك ما أخرجه الطبري في التفسير وفي التاريخ[2]، من أن داود قتل أحد جنوده طمعًا في زوجته، وورد في روايات أخرى أن داود قتل زوج المرأة بعد أن ارتكب الفاحشة معها.
                                قال الألباني رحمه الله: "والظاهر أنه من الإسرائيليات التي نقلها أهل الكتاب الذين لا يعتقدون العصمة في الأنبياء... وقد نقل القرطبي عن ابن العربي المالكي أنه قال: وأما قولهم: إنها لما أعجبته أمر بتقديم زوجها للقتل في سبيل الله، فهذا باطل قطعًا، فإن داود صلى الله عليه وسلم لم يكن ليريق دمه في غرض نفسه" (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني: [1/485]).
                                والروايات في هذا الباب كثيرة جداً؛ منها ما تنسب الشرك لأنبياء الله، ومنها ما تجعل للشيطان قوة وسلطانًا، فاليهود لا يعترفون بالعصمة لأنبيائهم، بل لا يعدون أكثرهم أنبياء، بل يعتبرونهم ملوكًا فحسب، والنصارى ساروا خلفهم، ونقلوا عنهم ما نسبوه لأنبيائهم، وكانوا لهم تبعًا في كل ما قالوه من أكاذيب بحق الله عز وجل وأنبياء الله عليهم صلوات الله وسلامه.
                                وفيما يخص الأمور الغيبية كان للإسرائيليات سهم ونصيب في هذا الأمر، فمن ذلك ما روي عن تحديد عمر الدنيا، وأنها سبعة آلاف سنة، أو غير ذلك من تحديدات والتنجيمات، يقول الشيخ رشيد رضا في تفسير المنار: "وما جاء في الآثار من أن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة، مأخوذ من الإسرائيليات التي كان يبثها زنادقة اليهود والفرس في المسلمين، حتى رووه مرفوعًا، وقد اغتر بها من لا ينظرون في نقد الروايات إلا من جهة أسانيدها، حتى استنبط بعضهم ما بقي من عمر الدنيا، وللجلال السيوطي في هذا رسالة في ذلك قد هدمها عليه الزمان، كما هدم أمثالها من التخرصات والأوهام، وما بث في الإسرائيليات من الكيد للإسلام" (تفسير المنار لمحمد رشيد رضا: [9/393]).

                                ــــــــــــــــــــــــــــ
                                الهوامش:
                                [1]- (أي: اجتمعوا إليه وجاؤوا - ينظر لسان العرب لابن منظور - مادة ثوب).
                                [2]- (التفسير: [23/150]، التاريخ: [1/285]).


                                تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                                قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                                "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                                وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                                تعليق

                                يعمل...
                                X