إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

قضية الهم بين يوسف وامرأة العزيز والقول الفصل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    نتابع ما توقفنا عنده في قضية الهم بين يوسف وامرأة العزيز


    الفحشاء

    ثم أظهرت إصرارها وتحديها لفعل الفاحشة مع يوسف في جرأة أمام النسوة ، لأنها وجدت في النسوة ميل إلي يوسف ، فأعلنت تحديها له: ﴿ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّنَ الصَّاغِرِينَ ﴾ يوسف 32
    فأصبح الطلب مكشوفا ، ومفضوحا ، وبلا حياء لأنها وجدت نفسها وقد انهزمت من قبل أمام يوسف ، إذا فعليه الآن أن يفعل وبالأمر ، وإن لم يطع أمرها فإنه سيعاقب بالسجن ، وسينزل من المنزلة التي هو عليها الآن من كونه المقرب إليها في حاشيتها ، ورأى من مظاهر العز والترف ما لم يره غيره ، إلي السجن ، ويفعل أشياء تصغر من شأنه.
    وهذا يظهر لنا ما لنساء علية القوم من تأثير في القرارات التي تصدر وتخص العامة والدولة .
    وجد يوسف نفسه أمام تحد جديد ، وهو من اختبار الله له ، واختبار لإيمانه وصبره ، ويعلمنا الله من خلاله كيف نقف أمام الشدائد ، وكيف ومتى نلجأ إلي الركن الشديد .
    فالمرأة مازالت مصرة على الفعل ، وهذه المرة ليست كسابقتها ، فإن لم يفعل فالسجن أمامه ، وليس السجن فقط ، ولكن سينزل من المكانة التي هو فيها الآن من ترف العيش ورغده ، إلي منازل الذين يقومون بالأعمال المشينة ، وهو غير معتاد على هذا .
    أي شاب هذا الذي يترك النعيم والترف بجوار امرأة العزيز ، وينزل إلي منازل الصاغرين ، هل من أجل ليلة مع امرأة ، وأي امرأة إنها امرأة العزيز التي إن وافق على طلبها فسيكون في منزلة يحسده عليها العزيز نفسه.
    وليس مع امرأة العزيز وحدها ولكن مع نساء علية القوم أيضا.
    ثم أليست هذه هي الفحشاء التي تكلم الله فيها وقال فيها :﴿ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء ﴾ يوسف 24.
    ولكن يوسف له رأى أخر:وليتعلم منه رجال الأمة وشبابها ، الذين آثروا الحياة الدنيا على الآخرة ، ونسوا أن لهم ربا مطلع على أفعالهم ، وسيحاسبهم بها يوم العرض عليه.
    ماذا قال يوسف:
    ﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ يوسف 33

    الطبري:

    وهذا الخبر من الله يدل على أن امرأة العزيز قد عاودت يوسف في المراودة عن نفسه ، وتوعدته بالسجن والحبس إن لم يفعل ما دعته إليه ، فاختار السجن على ما دعته إليه من ذلك ؛ لأنها لو لم تكن عاودته وتوعدته بذلك ، كان محالا أن يقول: ﴿ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ﴾ وهو لا يدعى إلي شيء ولا يخوف بحبس . والسجن هو الحبس نفسه ، وهو بيت الحبس .. وتأويل الكلام: قال يوسف: يا رب الحبس في السجن أحب إلي مما يدعونني إليه من معصيتك ويراودنني عليه من الفاحشة . كما:
    - حدثنا ابن حميد ، قال: ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال: قال يوسف ، وأضاف إلي ربه واستعانة على ما نزل به: ﴿ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ﴾ : أي السجن أحب إلي من أن آتي ما تكره
    وقوله: ﴿ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ ﴾ يقول: وإن لم تدفع عني يا رب فعلهن الذي ويفعلن بي في مراودتهن أي على أنفسهن﴿ أصب إليهن﴾ ، يقول: أميل إليهن ، وأتابعهن على ما يردن مني ، ويهوين
    - حدثنا ابن حميد ، قال: ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: ﴿ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ ﴾ : أي ما أتخوف منهن ﴿ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ
    - حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، في قوله: ﴿ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ قال: إلا يكن منك أنت العون والمنعة ، لا يكن مني ولا عندي
    وقوله: ﴿ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ يقول: وأكن بصبوتي إليهن من الذين جهلوا حقك وخالفوا أمرك ونهيك . كما:
    - حدثنا ابن حميد ، قال: ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: ﴿ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ : أي جاهلا إذا ركبت معصيتك.

    القرطبي :

    قوله تعالى: ﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ﴾ أي دخول السجن، فحذف المضاف؛ قاله الزجاج والنحاس. ﴿ أَحَبُّ إِلَيَّ ﴾أي أسهل علي وأهون من الوقوع في المعصية؛ لا أن دخول السجن مما يحب على التحقيق.
    ﴿ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ ﴾ أي كيد النسوان. وقيل: كيد النسوة اللاتي رأينه؟ فإنهن أمرنه بمطاوعة امرأة العزيز، وقلن له: هي مظلومة وقد ظلمتها. وقيل: طلبت كل واحدة أن تخلو به للنصيحة في امرأة العزيز؛ والقصد بذلك أن تعذله في حقها، وتأمره بمساعدتها، فلعله يجيب؛ فصارت كل واحدة تخلو به على حدة فتقول له: يا يوسف! اقض لي حاجتي فأنا خير لك من سيدتك؛ تدعوه كل واحدة لنفسها وتراوده؛ فقال: يا رب كانت واحدة فصرن جماعة. وقيل: كيد امرأة العزيز فيما دعته إليه من الفاحشة؛ وكنى عنها بخطاب الجمع إما لتعظيم شأنها في الخطاب، وإما ليعدل عن التصريح إلي التعريض. والكيد الاحتيال والاجتهاد؛ ولهذا سميت الحرب كيدا لاحتيال الناس فيها
    قوله تعالى: ﴿ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ ﴾ جواب الشرط، أي أمل إليهن، من صبا يصبو - إذا مال واشتاق - صبوا وصبوة
    أي إن لم تلطف بي في اجتناب المعصية وقعت فيها. ﴿ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ ﴾أي ممن يرتكب الإثم ويستحق الذم، أو ممن يعمل عمل الجهال؛ ودل هذا على أن أحدا لا يمتنع عن معصية الله إلا بعون الله؛ ودل أيضا على قبح الجهل والذم لصاحبه.

    ابن كثير:

    ﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ﴾ أي من الفاحشة ﴿ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ ﴾ أي إن وكلتني إلي نفسي فليس لي منها قدرة ولا أملك لها ضرا ولا نفعا إلا بحولك وقوتك أنت المستعان وعليك التكلان فلا تكلني إلي نفسي﴿ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ ﴾الآية وذلك أن يوسف عليه السلام عصمه الله عصمة عظيمة وحماه فامتنع منها أشد الامتناع واختار السجن على ذلك وهذا في غاية مقامات الكمال أنه مع شبابه وجماله وكماله تدعوه سيدته وهى امرأة عزيز مصر وهي مع هذا في غاية الجمال والمال والرياسة ويمتنع من ذلك ويختار السجن على ذلك خوفا من الله ورجاء ثوابه ولهذا ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه. .

    الشعراوي :

    ولسائل أن يقول :ولماذا جاء قول يوسف بالجمع ؛وقال
    ﴿ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ﴾على الرغم من أن امرأة عزيز هي التي قالت:﴿ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ ﴾يوسف32.
    ونقول ؛لابد أن يوسف عليه السلام قد رأى منهن إشارات أو غمزات توحي له بألا يعرض نفسه لتلك الورطة التي ستؤدى به إلى السجن ؛ لذلك أدخل يوسف عليه السلام في قوله المفرد - امرأة العزيز –في جمع النسوة اللاتي جمعتهن امرأة العزيز ؛وهن اللاتي طلبن منه غمزا أو إشارة أن يخرج نفسه من هذا الموقف .
    ولعل أكثر من واحدة منهن قد نظرت إليه في محاولة لاستمالته ؛ وللعيون والانفعالات وقسمات الوجه تعبير ابلغ من تعبير العبارات.
    وقد تكون إشارات عيونهن قد دلت يوسف على المراد الذي تطلبه كل واحدة منهن ؛وفى مثل هذه الاجتماعات تلعب لغة العيون دورا هاما.
    وهنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها نجد يوسف عليه السلام قد جمع امرأة العزيز مع النسوة ؛فقال : ﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ﴾أي أن السجن أفضل لديه من أن يوافق امرأة العزيز على فعل الفحشاء ؛ أو يوافق النسوة على دعوتهن له أن يحرر نفسه من السجن بأن يستجيب لها ؛ثم يخرج إليهن من القصر من بعد ذلك .
    ولكن يوسف عليه السلام دعا ربه ؛فقال: ﴿ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ فيوسف عليه السلام بعرف أنه من البشر ؛ وإن لم يصرف الله عنه كيدهن ؛لاستجاب لغوايتهن ولأصبح من الجاهلين الذين لا يلتفتون إلى عواقب الأمور...... انتهى.

    ونقول وبالله التوفيق :

    أصبح يوسف في موقف صعب ، وهو على مفترق طريقين .
    أحدهما فيه هناء الدنيا ورغدها ونعيمها ، وفيه الضغوط شديدة لفعل الفاحشة ، ولكن فيه غضب الله سبحانه.والآخر فيه السجن ، والشقاء ، والعذاب ، والتصغير من الشأن في الدنيا ، ولكن فيه رضاء الله سبحانه وتعالى ، ونعيم الآخرة . . والكيد :هو ما أضمرته امرأة العزيز والنسوة في الضغط علي يوسف لفعل الفاحشة معهن .
    حسم يوسف أمره ، واتجه إلي الله بالدعاء ، وكأني أسمعه.
    *يارب ، اشتد الخطب ، وزادت الأمور تعقيدا .
    يارب: قد خيروننى في عمل الفاحشة معهن ، بين رغد العيش وهناء الدنيا ونعيمها ، في مقابل معصيتك ؛أو السجن والصغار في الدنيا في عدم الفعل ، في مقابل طاعتك .فأحببت السجن ودخوله ، في مقابل طاعتك ، وعدم معصيتك
    يارب : قد أحببت رضاك ، وعفوك ، ونعيمك الأبدي ، على نعيم زائل ، فيه غضبك ، ومذلة ، وخزي يوم ألقاك .
    يارب :اصرفهن عنى ، واصرف كيدهن عنى ، لأنك إن لم تصرف عنى كيدهن سأكون ضعيفا أمامهن ، وليس لي قوة في مقاومتهن إلي ما يردن منى ، فأميل إليهن وأكون من الذين جهلوا أمرك فهلكوا وخسروا الدنيا والآخرة *.
    .................................................. ............................
    بين النجمتين * * بتصرف
    .................................................. ..........................
    وهنا نجد أن يوسف عليه السلام قد قال كلمة لها مدلول كبير على براءته من الهم لعمل الفاحشة مع امرأة العزيز حيث قال:
    ﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ يوسف 33
    هنا جمع يوسف النسوة في محاولة فعل الفاحشة معه ، ولم يتكلم عن امرأة العزيز ، وهذا يؤكد أن يوسف لم تتحرك غريزته تجاه امرأة العزيز في مراودتها الأولى:
    ولكن تكالب النسوة عليه ، كاد أن يغلبه فكان دعائه وتضرعه إلي الله.


    صرف الفحشاء



    نتوقف عند صرف الفحشاء لنتابع فيما بعد بإذن الله تعالى

    تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

    قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
    "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
    وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

    تعليق


    • #17

      تعليق


      • #18
        نتابع ما توقفنا عنده في قضية الهم بين يوسف وامرأة العزيز

        صرف الفحشاء

        ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾34يوسف
        الطبري:
        وتأويل الكلام: فاستجاب الله ليوسف دعاءه ، فصرف عنه ما أرادت منه امرأة العزيز وصاحباتها من معصية الله . كما:
        - حدثنا ابن حميد ، قال: ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾: أي نجاه من أن يركب المعصية فيهن ، وقد نزل به بعض ما حذر منهن .
        وقوله: ﴿ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ ﴾ دعاء يوسف حين دعاه بصرف كيد النسوة عنه ودعاء كل داع من خلقه . { الْعَلِيمُ } بمطلبه وحاجته ، وما يصلحه ، وبحاجة جميع خلقه وما يصلحهم .

        القرطبي :

        قوله تعالى: ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ ﴾ لما قال. ﴿ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ ﴾تعرض للدعاء ، وكأنه قال: اللهم اصرف عني كيدهن ؛ فاستجاب له دعاءه ، ولطف به وعصمه عن الوقوع في الزنا. " كَيْدَهُنَّ " قيل: لأنهن جمع قد راودنه عن نفسه. وقيل: يعني كيد النساء. وقيل: يعني كيد امرأة العزيز ، على ما ذكر في الآية قبل ؛ والعموم أولى.


        الشعراوي :

        وهكذا تفضل عليه الله الذي خلقه وتولى تربيته وحمايته فصرف عنه كيدهن الذي تمثل في دعوتهن له أن يستسلم لما دعته إليه امرأة العزيز ثم غوايتهن له بالتلميح دون التصريح .......انتهى

        فنقول وبالله التوفيق :

        في هذه الآية يأتي دور صرف الفحشاء عن يوسف:﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ يوسف 34 :أي لبى الله نداء يوسف واستغاثته به حيث يقول رب العزة في سورة النمل:﴿ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ﴾ النمل 62 : لأنه فعلا كان في حالة المضطر المستغيث .
        ولأن يوسف لم يكن في حالة استغاثة أو اضطرار في قوله ﴿ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ ﴾ يوسف 23: لأنه كان في حالة تنبيه وتذكير لامرأة العزيز ، ولم يكن هناك اضطرار إلي الاستغاثة والركن الكامل ، ولكن كان أمامه خيارات كثيرة ، ووقت متسع ، وحيل للهرب من الموقف الذي كان فيه من قبل .
        أما في هذا الموقف فان يوسف قد أحيط به ، ولا يوجد مخرج له ، فإما الفعل ، أو السجن والصغار ، ولا يوجد خيار أخر ، فكان لابد من الركن إلي الله وهو مضطر ، (وكأنني أشعر أن هذه الآية قد أنزلت في نبي الله يوسف خاصة).
        وهنا يعلمنا الله أن العبد يجب عليه أولا أن يعمل عقله الذي خلقه الله له في الأزمات للخروج منها ، فإذا ما استعمل الإنسان عقله ، فان الله سيهديه إلي برهان للخروج من مأزقه ، كما فعل يوسف وهداه الله لحيلة الهروب إلي الباب ، ولكن إذا استنفذ العبد كل حيله وأحيط به ، فعليه أن يلجأ إلي من هو أقوى منه ومن الموقف الذي هو فيه ، فان الله سيخرجه منه بقدرته .
        ولكن أن نركن إلي الدعاء فقط ولا نحاول أن نفكر للخروج من مما نحن فيه ، ونقول أن الله سيخرجنا مما نحن فيه ، فهذا يعتبر تواكلا .
        وهذا هو حال الأمة الإسلامية الآن ، أعداؤها متربصون بها ، وهى في غيبوبة التواكل وعدم العمل للخروج من غفوتها ، ويتواكلون على غيرهم ليفكر لهم ، وينظم لهم حياتهم ، وأعطوا لعقولهم راحة أبدية ، فبدأ السوس ينخر فيها .
        أفيقي يا أمة أعطت خيرها لمن يريد القضاء عليها.
        ﴿ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ فصرف الله عنه ما كانت امرأة العزيز والنسوة يمكرون على فعله معه .
        أما كيف صرف الله عنه كيد النسوة ، فهي من آيات الله التي لم يبين لنا أحد من المفسرين وعلمائنا الأجلاء كيف صرف الله هذا الكيد.
        فنقول والله أعلم ، وقد أكون مصيبا في اجتهادي هذا وقد أكون مخطئا ، فعلى الله قصد السبيل.
        قد يكون هناك سببان أو أحدهما .
        الأول ، أن يكون الأمر انتشر ووصل إلي مسامع كبار القوم ، فحبس كل رجل زوجته في قصرها .
        الثاني ، أن يكون العزيز قد طلب يوسف لديه وجعله بعيدا عن أعين النسوة0
        فيقول البعض أن ألله قد صرف عنه كيد النسوة بوضعه في السجن .
        فأقول أن السجن وضع يوسف فيه بناءً على دعوته إلي الله واختياره ، عندما قال ﴿ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ﴾.
        ولكن الآية التي نحن بصددها لم تتكلم عن السجن ، ولكن تكلمت عن استجابة الدعوة في صرف الكيد .
        أما السجن فجاء في الآية التالية وبعد صرف الكيد بفترة لأن الله يقول فيها .
        ﴿ ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ﴾ يوسف 35

        الطبري:

        يقول تعالى ذكره: ثم بدا للعزيز زوج المرأة التي راودت يوسف عن نفسه . وقيل: " بَدَا لَهُم " ، وهو واحد ، لأنه لم يذكر باسمه ويقصد بعينه ، وذلك نظير قوله: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ ﴾أل عمران173 وقيل: إن قائل ذلك كان واحدا . وقيل: معنى قوله: ﴿ ثُمَّ بَدَا لَهُم ﴾ في الرأي الذي كانوا رأوه من ترك يوسف مطلقا ، ورأوا أن يسجنوه ﴿ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ ﴾ ببراءته مما قذفته به امرأة العزيز . وتلك الآيات كانت: قد القميص من دبر ، وخمشا في الوجه ، وقطع أيديهن.
        وقوله: ﴿ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ﴾ يقول: ليسجننه إلي الوقت الذي يرون فيه رأيهم . وجعل الله ذلك الحبس ليوسف فيما ذكر عقوبة له من همه بالمرأة وكفارة لخطيئته .
        وذكر أن سبب حبسه في السجن: كان شكوى امرأة العزيز إلي زوجها أمره وأمرها . كما:
        - حدثنا ابن وكيع ، قال: ثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن ألسدي: ﴿ ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ﴾ قال: قالت المرأة لزوجها: إن هذا العبد العبراني قد فضحني في الناس يعتذر إليهم ويخبرهم أني راودته عن نفسه ، ولست أطيق أن أعتذر بعذري ، فإما أن تأذن لي فأخرج فأعتذر ، وإما أن تحبسه كما حبستني ، فذلك قول الله تعالى: ﴿ ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ

        القرطبي:

        قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ بَدَا لَهُم ﴾ أي ظهر للعزيز وأهل مشورته "من بعد أن﴿ رَأَوُاْ الآيَاتِ ﴾ أي علامات براءة يوسف - من قد القميص من دبر؛ وشهادة الشاهد ، وحز الأيدي ، وقلة صبرهن عن لقاء يوسف: أن يسجنوه كتمانا للقصة ألا تشيع في العامة ، وللحيلولة بينه وبينها. وقيل: هي البركات التي كانت تنفتح عليهم ما دام يوسف فيهم ؛ والأول أصح.
        قال مقاتل عن مجاهد عن ابن عباس في قوله: ﴿ ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ ﴾ قال: القميص من الآيات ، وشهادة الشاهد من الآيات ، وقطع الأيدي من الآيات ، وإعظام النساء إياه من الآيات. وقيل: ألجأها الخجل من الناس ، والوجل من اليأس إلي أن رضيت بالحجاب مكان خوف الذهاب ، لتشتفي إذا منعت من نظره،
        قوله تعالى: " لَيَسْجُنُنَّهُ " "يُسْجُنُنه" في موضع الفاعل؛ أي ظهر لهم أن يسجنوه ؛
        قوله تعالى: ﴿ حَتَّى حِينٍ ﴾ أي إلي مدة غير معلومة ؛ قاله كثير من المفسرين.

        ابن كثير:

        يقول تعالى: ثم ظهر لهم من المصلحة فيما رأوه أنهم يسجنونه إلي " حين " أي إلي مدة وذلك بعد ما عرفوا براءته وظهرت الآيات وهي الأدلة على صدقه في عفته ونزاهته وكأنهم والله أعلم إنما سجنوه لما شاع الحديث إيهاما أنه راودها عن نفسها وأنهم سجنوه على ذلك ولهذا لما طلبه الملك الكبير في آخـر المدة امتنع من الخروج حتى تتبين براءته مما نسب إليه من الخيانة فلما تقرر ذلك خرج وهو نقي العرض صلوات الله عليه وسلامه وذكر السدي أنهم إنما سجنوه لئلا يشيع ما كان منها في حقه ويبرأ عرضه فيفضحها.

        الشعراوي :

        وبعد أن ظهرت العلامات الشاهدة على براءة يوسف عليه السلام أمام العزيز وأهل مشورته ، وانكشف لهم انحراف امرأة العزيز وإصرارها على أن توقع بيوسف في الفعل الفاضح معها ، دون خجل أو خوف من الفضيحة .
        لذلك رأى ألعزيز وأهل مشورته أن يوضع يوسف في السجن ، ليكون في ذلك فصل بينه وبينها ، حتى تهدأ ضجة الفضيحة ، وليظهر للناس أنه مسئول عن كل هذا السوء الذي ظهر في بيت العزيز .........انتهى.

        ونقول وبالله التوفيق:

        ظهر للعزيز وحاشيته أن يوسف بريء ، وأن أخلاقه ، وأدبه ، ودينه لا غبار عليه ، ولكن وجوده فيه فتنة على نسائهم ، إذا فعليهم أن يتخذوا موقفا لدرء هذا الخطر .
        وكان القرار ، حبس يوسف فترة من الزمن حتى تموت هذه الفتنة.
        إلي هنا تنتهي علاقة يوسف مع امرأة العزيز ، ولكنه لم يبرأ التبرئة الكاملة ، فلقد دخل السجن ظلما ، ولكن الله سبحانه له تصريف آخر.
        فكان تعبير رؤيا الرجلين اللذان كانا معه في السجن هي مفتاح النقلة الأخرى له ، فجاءت رؤيا الملك التي لم يستطع أحد أن يعبرها ، لتنقل يوسف نقلة أخرى ، ويتم عن طريقها كشف ما حاول العزيز وحاشيته أن يطمسوه ، ولتبرئ يوسف براءة كاملة من محاولة فعل الفاحشة مع امرأة العزيز.
        فبعد أن عبر رؤيا الملك ، أدرك الملك أن من يعبر تلك الرؤيا بهذا التأويل لا يمكن أن يكون مثله في السجن ، فطلبه الملك.

        الثبات علي المبدأ




        نتوقف عند الثبات علي المبدأ لنتابع فيما بعد بإذن الله تعالى

        تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

        قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
        "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
        وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

        تعليق


        • #19
          نتابع ما توقفنا عنده في قضية الهم بين يوسف وامرأة العزيز


          الثبات علي المبدأ

          ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴾ يوسف 50

          الطبري:

          يقول تعالى ذكره: فلما رجع الرسول الذي أرسلوه إلي يوسف ، الذي قال: ﴿أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ ﴾ فأخبرهم بتأويل رؤيا الملك عن يوسف ، علم الملك حقيقة ما أفتاه به من تأويل رؤياه وصحة ذلك ، وقال الملك: ائتوني بالذي عبر رؤياى هذه .
          وقوله: ﴿ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ ﴾ يقول: فلما جاءه رسول الملك يدعوه إلي الملك ، ﴿ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ ﴾ يقول: قال يوسف للرسول: ارجع إلي سيدك ﴿ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ﴾ ، وأبى أن يخرج مع الرسول وإجابة الملك حتى يعرف صحة أمره عندهم مما كانوا قذفوه به من شأن النساء ، فقال للرسول: سل الملك ما شأن النسوة اللاتي قطعن أيديهن ، والمرأة التي سجنت بسببها.
          قال السدي ، قال ابن عباس: لو خرج يوسف يومئذ قبل أن يعلم الملك بشأنه ، ما زالت في نفس العزيز منه حاجة ، يقول: هذا الذي راود امرأته.
          وقوله: ﴿ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴾ يقول: إن الله تعالى ذكره ذو علم بصنيعهن وأفعالهن التي فعلن بي ويفعلن بغيري من الناس ، لا يخفى عليه ذلك كله ، وهو من وراء جزائهن على ذلك ، وقيل: إن معنى ذلك: إن سيدي العزيز زوج المرأة التي راودتني عن نفسي ذو علم ببراءتي مما قذفتني به من السوء

          القرطبي:

          قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ﴾ أي فذهب الرسول فأخبر الملك، فقال: ائتوني به ﴿ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ ﴾ أي يأمره بالخروج ، ﴿ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ ﴾ أي حال النسوة، ﴿ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ ﴾ ذكر النساء جملة ليدخل فيهن امرأة العزيز مدخل العموم بالتلويح حتى لا يقع عليها تصريح ؛ وذلك حسن عشرة وأدب ؛ وفي الكلام محذوف ، أي فاسأله أن يتعرف ما بال النسوة. ﴿ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴾ فأبى أن يخرج إلا أن تصح براءته عند الملك مما قذف به ، وأنه حبس بلا جرم ، وروى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلي ركن شديد ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي ونحن أحق من إبراهيم إذ قال له ﴿أو لم تؤمن قال بلى ولكني ليطمئن قلبي﴾ [البقرة: 260] قال ابن عطية: كان هذا الفعل من يوسف عليه السلام أناة وصبرا ، وطلبا لبراءة الساحة ؛ وذلك أنه - فيما روي - خشي أن يخرج وينال من الملك مرتبة ويسكت عن أمر ذنبه صفحا فيراه الناس بتلك العين أبدا ويقولون: هذا الذي راود امرأة مولاه ؛ فأراد يوسف عليه السلام أن يبين براءته ، ويحقق منزلته من العفة والخير؛ وحينئذ يخرج للأحظاء والمنزلة؛ فلهذا قال للرسول: ارجع إلي ربك وقل له ما بال النسوة ، ومقصد يوسف عليه السلام إنما كان: وقل له يستقصي عن ذنبي، وينظر في أمري هل سجنت بحق أو بظلم.

          ابن كثير:

          قول تعالى إخبارا عن الملك لما رجعوا إليه بتعبير رؤياه التي كان رآها بما أعجبه وأيقنه فعرف فضل يوسف عليه السلام وعلمه وحسن إطلاعه على رؤياه وحسن أخلاقه على من ببلده من رعاياه فقال ﴿ ائْتُونِي بِهِ ﴾ أي أخرجوه من السجن وأحضروه فلما جاءه الرسول بذلك امتنع من الخروج حتى يتحقق الملك ورعيته براءة ساحته ونزاهة عرضه مما نسب إليه من جهة امرأة العزيز وأن هذا السجن لم يكن على أمر يقتضيه بل كان ظلما وعدوانا ﴿ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ ﴾الآية وقد وردت السنة بمدحه على ذلك والتنبيه على فضله وشرفه وعلو قدره وصبره صلوات الله وسلامه عليه.

          الشعراوي :

          وهكذا حرص يوسف على ألا يستجيب لمن جاء يخلصه من عذاب السجن الذي هو فيه ، إلا إذا برأت ساحته براءة يعرفها الملك .
          وأراد يوسف عليه السلام بذلك أن يحقق الملك في ذلك الأمر مع هؤلاء النسوة اللاتي قطعن أيديهن ؛ ودعونه إلى الفحشاء ، واكتفى يوسف بالإشارة إلى ذلك بقوله﴿ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴾ .
          ويخفى هذا القول في طياته ما قالته النسوة من قبل ليوسف بضرورة طاعة امرأة العزيز في طلبها للفحشاء .
          وهكذا نجد القصص القرأنى وهو يعطينا العبرة التي تخدمنا في واقع الحياة ، فليست تلك القصص للتسلية ؛ بل هي للعبرة التي تخدمنا في قضايا الحياة.
          وبراءة ساحة أي إنسان هو أمر مهم كي تزول أي ريبة من الإنسان قبل أن يسند إليه أي عمل.

          ونقول وبالله التوفيق:

          هنا نجد أن الخطاب قد اختلف ، فيما سبق كان الحديث عن العزيز ، أما هنا فالحديث عن الملك .
          ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ﴾: هذا كان طلب بصيغة الأمر من الملك بأن يأتوا بيوسف .
          ذهب الرسول إلى يوسف في السجن وأخبره أن الملك يريده ، في هذه اللحظة وجد يوسف ضالته ليبرئ ساحته من محاولة فعل الفاحشة ، ولم يتعجل الخروج من السجن .
          ولو كان أحد أخر من البشر لخرج مسرعا وما لبث فيه لحظة واحدة ، ثم بعد ذلك يقص على الملك قصته .
          ولكن يوسف أراد أن يظهر الحق أمام الملك ، وعلى لسان من اتهموه وتسببوا في وضعه في السجن ظلما ، فكان عليه أن يرجع الرسول إلى الملك دون أن ينفذ أمر الملك ، وهذه من الأمور العظام بل ويعتبره الملوك تمردا.
          وليس هذا وحسب بل ويطلب أن يحقق الملك أولا في قضيته0
          فقال للرسول:﴿ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴾ يوسف 50
          ثم حدد يوسف أطراف القضية للملك ، وبداية الخيط فيها ، ودلل عليهن باللاتي قطعن أيديهن ولكنه لم يسميهن له ، وذلك ليبحث الملك ، وهذا الذي فعله يوسف أعطى لقضيته قوة واهتماما لدى الملك .
          عاد الرسول إلى الملك ، وقص عليه ما كان من يوسف ، أسقط في يد الملك إن من يقول هذا الكلام ويرفض الخروج من السجن ، وراءه خبر عظيم وشديد ، فأراد أن يعرف الحقيقة وبدأ يسأل عن حقيقة الأمر ومن هن النسوة اللاتي قطعن أيديهن ، وبدأت تظهر الحقيقة أمام الملك .
          وعندما يقول يوسف عليه السلام :﴿ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴾ ، فإنه بهذا يعرض قضيته الإيمانية ، ويخبر الملك بأن له إلها غير الذي يعبده الملك ، فيسأل الملك من إلهه هذا الذي يعرف ما لا يعرفه هو عن رعيته .
          وهنا نتعلم من يوسف عليه السلام أمرين
          الأول :
          الثبات لإظهار الحق مهما كانت الصعوبات ، وبإسلوب مهذب ومدعم بالأدلة على البراءة .
          الثاني :
          عرض القضية الإيمانية في ألوقت المناسب ، وبإسلوب فيه ذكاء ليجعل المتلقي يفكر ، ولا يأخذ الأمور مأخذا متكبرا ، كما عرضها من قبل على صاحبي السجن: ﴿ قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ {37}‏ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ {38} يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ {39} مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ {40} ﴾ يوسف .
          وقد يكون القصد عن العزيز حيث قال من قبل﴿ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾ 23يوسف.


          الاعتراف الثاني


          نتوقف عند الاعتراف الثاني لنتابع فيما بعد بإذن الله تعالى

          تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

          قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
          "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
          وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

          تعليق


          • #20

            نتابع ما توقفنا عنده في قضية الهم بين يوسف وامرأة العزيز



            الاعتراف الثاني

            ﴿ قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ يوسف 51

            الطبري :

            ويعني بقوله: ﴿ مَا خَطْبُكُنَّ ﴾ ما كان أمركن ، وما كان شأنكن إذ راودتن يوسف عن نفسه ، فأجبنه: ﴿ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ ﴾ تقول: الآن تبين الحق وانكشف فظهر ، ﴿ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ ﴾ وإن يوسف لمن الصادقين في قوله ﴿هي راودتني عن نفسي﴾.
            وبمثل ما قلنا في معنى: ﴿ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ ﴾ قال أهل التأويل .
            ذكر من قال ذلك:
            - حدثني المثنى ، قال: ثنا عبد الله ، قال: ثنا معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس: ﴿ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ ﴾ قال: تبين
            - حدثني محمد بن عمرو ، قال: ثنا أبو عاصم ، قال: ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله: ﴿ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ ﴾ تبين
            - حدثنا ابن حميد ، قال: ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال: قالت راعيل امرأة إطفير العزيز: ﴿ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ ﴾ : أي الآن برز الحق وتبين ، ﴿ أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين﴾ فيما كان قال يوسف مما ادعت عليه
            - حدثنا ابن وكيع ، قال: ثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي ، قال: قال الملك: ائتوني بهن ، فقال: ﴿ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ ﴾ . ولكن امرأة العزيز أخبرتنا أنها راودته عن نفسه ، ودخل معها البيت وحل سراويله ثم شده بعد ذلك ، فلا تدري ما بدا له . فقالت امرأة العزيز: ﴿ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ
            وأصل حصحص: حص ؛ ولكن قيل: حصحص ، كما قيل: {فكبكبوا} في "كبوا" ، وقيل: "كفكف" في "كف" ، و "ذر ذر" في "ذر" . وأصل الحص: استئصال الشيء ، يقال منه: حص شعره: إذا استأصله جزا . وإنما أريد في هذا الموضع: حصحص الحق: ذهب الباطل والكذب ، فانقطع ، وتبين الحق فظهر

            القرطبي :

            قال ابن عباس: فأرسل الملك إلي النسوة وإلي امرأة العزيز - وكان قد مات العزيز فدعاهن فـ﴿ قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ ﴾ أي ما شأنكن. ﴿ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ ﴾ وذلك أن كل واحدة منهن كلمت يوسف في حق نفسها، على ما تقدم، أو أراد قول كل واحدة قد ظلمت امرأة العزيز، فكان ذلك مراودة منهن. ﴿ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ ﴾ أي معاذ الله. ﴿ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ ﴾ أي زنى. ﴿ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ ﴾ لما رأت إقرارهن ببراءة يوسف ، وخافت أن يشهدن عليها إن أنكرت أقرت هي أيضا ؛ وكان ذلك لطفا من الله بيوسف. و﴿ حَصْحَصَ الْحَقُّ ﴾ أي تبين وظهر؛ وأصله حصص،
            ؛ فمعنى﴿ حَصْحَصَ الْحَقُّ ﴾ أي انقطع عن الباطل ، بظهوره وثباته
            وقيل: هو مشتق من الحصة؛ فالمعنى: بانت حصة الحق من حصة الباطل. وقال مجاهد وقتادة: وأصله مأخوذ من قولهم ؛ حص شعره إذا استأصل قطعه ؛ ومنه الحصة من الأرض إذا قطعت منها. والحصحص بالكسر التراب والحجارة؛ ذكره الجوهري.
            ﴿ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ وهذا القول منها - وإن لم يكن سأل عنه - إظهار لتوبتها وتحقيق لصدق يوسف وكرامته ؛ لأن إقرار المقر على نفسه أقوى من الشهادة عليه ؛ فجمع الله تعالى ليوسف لإظهار صدقه الشهادة والإقرار، حتى لا يخامر نفسا ظن ، ولا يخالطها شك. وشددت النون في " خَطْبُكُنَّ " و" رَاوَدتُّنَّ " لأنها بمنزلة الميم والواو في المذكر.

            ابن كثير:

            وقوله تعالى ﴿ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ ﴾ إخبار عن الملك حين جمع النسوة اللاتي قطعن أيديهن عند امرأة العزيز فقال مخاطبا لهن كلهن وهو يريد امرأة وزيره وهو العزيز قال الملك للنسوة اللاتي قطعن أيدهن﴿ مَا خَطْبُكُنَّ ﴾ أي شأنكن وخبرنكن ﴿ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ ﴾ يعني يوم الضيافة﴿ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ ﴾ أي قالت النسوة جوابا للملك حاش لله أن يكون يوسف متهما والله ما علمنا علية من سوء فعند ذلك ﴿ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ ﴾ قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: تقول الآن تبين الحق وظهر وبرز ﴿ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ أي في قوله ﴿ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ﴾.

            الشعراوي :

            وهنا في الموقف الذي نتناوله بالخواطر نجد الملك وهو يستدعى النسوة اللاتي قطعن أيديهن وراودن يوسف عن نفسه .
            ونعلم أن المراودة الأولى ليوسف كانت من امرأة العزيز واستعصم يوسف ؛ثم دعت هي النسوة إلى مجلسها........انتهى.
            ونقول وبالله التوفيق:
            جمع الملك الحاشية والنسوة وأراد أن يعرف الحقيقة ممن كانوا هم أبطالها وبنفسه ولا يعتمد على التقارير ، لأن الموضوع خطير وفيه ظلم لأحد رعاياه وعلى هذا بدأ كلامه مع النسوة بكلمة ، فيها حزم وقوة ، وإيحاء لمن أمامه بأنه قد علم الحقيقة ، فلا يعطى لمن أمامه فرصة للمراوغة أو الهروب من إجابة سؤاله ، أو الكذب .
            ﴿ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ ﴾ يوسف 51
            والخطب كما يقول الإمام الشعراوي ، هو الحدث الجلل ، فهو حدث غير عادى يتكلم به الناس ، فهو ليس حديثا بينهم وبين أنفسهم , بل يتكلمون عنه بحديث يصل إلى درجة تهتز لها المدينة .
            ويقول أيضا,
            وقول الملك هنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها :﴿ قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ ) يوسف 51 .
            يدل على أنه قد سمع الحكاية بتفاصيلها فاهتز لها , واعتبرها خطبا مما يوضح لنا أن القيم هي القيم في كل زمان ومكان.
            وبدأ النسوة الكلام:وقولهن(حَاشَ لِلّهِ ) :أي ننزه يوسف عن هذا ، وتنزيهنا ليوسف أمر من الله .........انتهى.
            ردت النسوة بالحق ﴿ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ ﴾ .

            الدليل الثالث عشر:

            للمرة الثانية يتم تنزيه يوسف عليه السلام ففي المرة الأولى قلن﴿ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَراً إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ ﴾ يوسف 31 ، لكن في هذه المرة تأتى لتبرءتة حيث قلن﴿ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ ﴾ .
            والسوء كما قال عنه العلماء :
            السوء: الشهوة.
            وقيل: السوء:الثناء القبيح.
            وقيل: السوء:خيانة صاحبه.
            وقيل: السوء:هي فكرة الهم ،

            فإذا كان هذا هو السوء ، فكيف يهم بها لعمل الفاحشة والنسوة لم يعلمن عليه هذا السوء (أي مجرد العلم):لأن امرأة العزيز قد اعترفت أمام النسوة من قبل:
            ﴿ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ ﴾ يوسف 32
            ولأن للنسوة أسرارهن فيما بينهن فإن كان يوسف قد هم بعمل الفاحشة معها ، فإنها كانت ستقول لهن: أنه هم للفعل ولكنه ارتد ورجع عنه ، وبهذا يكون في يوسف ضعف ويكون من السهل إغوائه ، وما كن ليقلن :﴿ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ ﴾. وما كان يوسف ليرجع رسول الملك وما قال له :﴿ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴾ يوسف50
            ولأن يوسف لم يهم لعمل الفاحشة فإنهن اعترفن بما علمنه من الحقيقة من امرأة العزيز.
            وعلى هذا فهي تقول: ﴿ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ يوسف 51
            في هذه اللحظة لم تجد امرأة العزيز أمامها إلا الاعتراف علانية وأمام الملك وكانت من قبل قد اعترفت أمام النسوة:﴿ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ ﴾ يوسف 32.
            أي ظهر الحق وعلاماته للجميع ولا أستطيع أن أخفيه أكثر من هذا .
            ﴿ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ {52}‏ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ {53} ﴾ يوسف

            القرطبي :

            قوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ﴾ اختلف فيمن قاله، فقيل: هو من، قول امرأة العزيز، وهو متصل بقولها: ﴿ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ ﴾ أي أقررت بالصدق ليعلم أني لم أخنه بالغيب أي بالكذب عليه، ولم أذكره بسوء وهو غائب، بل صدقت وحدت عن الخيانة؛ ثم قالت: ﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ﴾ بل أنا راودته؛ وعلى هذا هي كانت مقرة بالصانع، ولهذا قالت: ﴿ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾. وقيل: هو من قول يوسف؛ أي قال يوسف: ذلك الأمر الذي فعلته ، من رد الرسول "ليعلم" العزيز ﴿ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ﴾ قاله الحسن وقتادة وغيرهما. ومعنى " بِالْغَيْبِ " وهو غائب. قوله تعالى: ﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ﴾ قيل: هو من قول المرأة. وقال القشيري: فالظاهر أن قوله: ﴿ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ ﴾ وقوله: ﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ﴾من قول يوسف.
            قلت: إذا احتمل أن يكون من قول المرأة فالقول به أولى حتى نبرئ يوسف من حل الإزار والسراويل؛ وإذا قدرناه من قول يوسف فيكون مما خطر بقلبه، على ما قدمناه من القول المختار في قوله: "وهم بها". قال أبو بكر الأنباري: من الناس من يقول: ﴿ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ﴾ إلى قوله: ﴿ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ من كلام امرأة العزيز ؛ لأنه متصل بقولها: ﴿ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [يوسف: 51]
            مذهب الذين ينفون الهم عن يوسف عليه السلام ؛ فمن بنى على قولهم قال: من قوله: ﴿ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ ﴾ [يوسف: 51]
            قوله: ﴿ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ كلام متصل بعضه ببعض ، ولا يكون فيه وقف تام على حقيقة ؛ ولسنا نختار هذا القول ولا نذهب إليه. وقال الحسن: لما قال يوسف ﴿ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ﴾ كره نبي الله أن يكون قد زكى نفسه فقال: ﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ﴾ لأن تزكية النفس مذمومة ؛ قال الله تعالى: ﴿فلا تزكوا أنفسكم﴾ [النجم: 32]
            بيناه في "النساء". وقيل: هو من قول العزيز؛ أي وما أبرئ نفسي من سوء الظن بيوسف. ﴿ إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ﴾ أي مشتهية له. ﴿ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ ﴿ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ ﴾ في موضع نصب بالاستثناء؛ و"ما" بمعنى من؛ أي إلا من رحم ربي فعصمه؛ و"ما" بمعنى من كثير؛ قال الله تعالى: ﴿ فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء ﴾ [النساء: 3] وهو استثناء منقطع، لأنه استثناء المرحوم بالعصمة من النفس الأمارة بالسوء؛ وفي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما تقولون في صاحب لكم إن أنتم أكرمتموه وأطعمتموه وكسوتموه أفضى بكم إلى شر غاية وإن أهنتموه وأعريتموه وأجعتموه أفضى بكم إلى خير غاية) قالوا: يا رسول الله! هذا شر صاحب في الأرض. قال: (فوالذي نفسي بيده إنها لنفوسكم التي بين جنوبكم).

            ابن كثير:

            ﴿ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ﴾ تقول إنما اعترفت بهذا على نفسي ليعلم زوجي أني لم أخنه بالغيب في نفس الأمر ولا وقع المحذور الأكبر وإنما راودت هذا الشاب مراودة فامتنع فلهذا اعترفت ليعلم أني بريئة ﴿ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي﴾ تقول المرأة ولست أبرئ نفسي فإن النفس تتحدث وتتمنى ولهذا راودته لأن ﴿ إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ ﴾ أي إلا من عصمه الله تعالى ﴿ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ وهذا القول هو الأشهر والأليق والأنسب بسياق القصة ومعاني الكلام وقد حكاه الماوردي في تفسيره وانتدب لنصره الإمام أبو العباس رحمه الله فأفرده بتصنيف على حدة وقد قيل إن ذلك من كلام يوسف عليه السلام يقول : قال ليعلم أني لم أخنه في زوجته بالغيب " الآيتين أي إنما رددت الرسول ليعلم الملك براءتي وليعلم العزيز ﴿ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ ﴾ في زوجته ﴿ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﴾ الآية وهذا القول هو الذي لم يحك ابن جرير حاتم سواه قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال لما جمع الملك النسوة فسألهن هل راودتن يوسف عن نفسه؟ ﴿ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ ﴾الآية قال يوسف ﴿ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ﴾فقال له جبريل عليه السلام: ولا يوم هممت بما هممت به ؟ فقال ﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ﴾الآية وهكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وابن أبى الهذيل والضحاك والحسن وقتادة والسدي والقول الأول أقوى وأظهر لأن سياق الكلام كله من كلام امرأة العزيز بحضرة الملك ولم يكن يوسف عليه السلام عندهم بل بعد ذلك أحضره الملك.

            الشعراوي :

            قالت ذلك (امرأة العزيز )حتى تعلن براءة يوسف عليه السلام وأنها لم تنتهز فرصة غيابه في السجن وتنتقم منه لأنه لم يستجب لمراودتها له ، ولم تنسج له أثناء غيابه المؤامرات ، والدسائس ، والمكائد .
            وبعد أن اعترفت امرأة العزيز بما فعلت قالت:﴿ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﴾ أي أنها أقرت بأنه سبحانه وتعالى لا ينفذ كيد الخاطئين ولا يوصله إلى غايته
            وتواصل امرأة العزيز فتقول :﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ هذا القول من تمام كلام امرأة العزيز وكأنها توضح سبب حضورها لهذا المجلس ؛ فهي لم تحضر لتبرىء نفسها
            ﴿ إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ﴾.
            ومجرد قول الحق سبحانه المؤكد أن النفس على إطلاقها أمارة بالسوء ؛يجعلنا نقول :إن يوسف أيضا نفس بشرية..........انتهى.

            ونقول وبالله التوفيق :

            يقول رب العزة على لسان امرأة العزيز: ﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ يوسف 53
            وهنا تعترف امرأة العزيز بأن نفسها الأمارة بالسوء هي التي دعتها لهذا الفعل المشين والى اتهام يوسف هذا الاتهام.

            الدليل الرابع عشر :

            قسم العلماء الأنفس إلى ثلاثة أقسام
            الأول النفس الأمارة بالسوء مثل نفس امرأة العزيز وباعترافها وأن هذه النفس تورد صاحبها مورد الهلاك.
            الثاني النفس اللوامة ﴿ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾ القيامة 2
            وهى التي تلوم صاحبها إذا فعل خطيئة ما.
            الثالث النفس المطمئنة ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ﴾ الفجر 27
            وهى النفس التي تطمئن في فعلها إلى أنها لا يمكن أن تفعل شيئا يخالف أوامر الله ، وأن الله يرضى عن أفعالها .
            فعلينا أن نسأل أنفسنا سؤالا.
            نفس يوسف عليه السلام من أي نوع من تلك الأنفس وهو لله نبي.
            والذي نعلمه أن أنفس الأنبياء دائما أنفس مطمئنة ، لأنها في معية الله دائما وأن الله قد جعل لها عصمة .


            التمكين في الأرض

            نتوقف عند التمكين في الأرض لنتابع فيما بعد بإذن الله تعالى

            تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

            قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
            "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
            وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

            تعليق


            • #21
              نتابع ما توقفنا عنده بالأمس لإنهاء هذه الحلقات في قضية الهم بين يوسف وامرأة العزيز



              التمكين في الأرض

              ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ ﴾ يوسف52
              الطبري:
              يقول تعالى ذكره: وقال الملك ، يعني ملك مصر الأكبر .
              - حدثنا بذلك ابن حميد ، قال: ثنا سلمة عنه: حين تبين عذر يوسف ، وعرف أمانته وعلمه ، قال لأصحابه: ﴿ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ﴾ يقول: أجعله من خلصائي دون غيري
              وقوله: ﴿ فَلَمَّا كَلَّمَهُ ﴾ يقول: فلما كلم الملك يوسف ، وعرف براءته وعظم أمانته ، قال له: إنك يا يوسف لدينا مكين أمين ؛ أي متمكن مما أردت ، وعرض لك من حاجة قبلنا ، لرفعة مكانك ومنزلتك لدينا ، أمين على ما اؤتمنت عليه من شيء .
              - حدثنا ابن وكيع ، قال: ثنا عمرو ، عن أسباط ، عن ألسدي ، قال: لما وجد الملك له عذرا ، قال: ﴿ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي
              - حدثنا بشر ، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ﴿ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ﴾ يقول: أتخذه لنفسي .

              القرطبي :

              قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ﴾ لما ثبت للملك براءته مما نسب إليه ؛ وتحقق في القصة أمانته، وفهم أيضا صبره وجلده عظمت منزلته عنده ، وتيقن حسن خلال قال: ﴿ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ﴾ فانظر إلى قول الملك أولا - حين تحقق علمه - ﴿ ائْتُونِي بِهِ ﴾ فقط، فلما فعل يوسف ما فعل ثانيا قال: "ائتوني به استخلصه لنفسي" وروي عن وهب بن منبه قال: لما دعي يوسف وقف بالباب فقال: حسبي ربي من خلقه ، عز جاره وجل ثناؤه ولا إله غيره. ثم دخل فلما نظر إليه الملك نزل عن سريره فخر له ساجدا؛ ثم أقعده الملك معه على سريره فقال. ﴿ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ ﴾ قال له يوسف ﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 55]
              _قوله تعالى: ﴿ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ﴾جزم لأنه جواب الأمر؛ وهذا يدل على أن قوله: ﴿ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ﴾ جرى في السجن. ويحتمل أنه جرى عند الملك ثم قال في مجلس آخر: ﴿ ائْتُونِي بِهِ ﴾ [يوسف: 50]
              ﴿ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ﴾ أي اجعله خالصا لنفسي ، أفوض إليه أمر مملكتي ؛ فذهبوا فجاءوا به ؛ ودل على هذا قوله: ﴿ فَلَمَّا كَلَّمَهُ ﴾ أي كلم الملك يوسف ، وسأله عن الرؤيا فأجاب يوسف ؛ ﴿ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ ﴾ "قال" الملك: ﴿ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ ﴾ أي متمكن نافذ القول ، "أمين" لا تخاف غدرا.

              ابن كثير:

              يقول تعالى إخبارا عن الملك حين تحقق براءة يوسف عليه السلام ونزاهة عرضه مما نسب إليه قال ﴿ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ﴾ أي أجعله من خاصتي وأهل مشورتي ﴿ فَلَمَّا كَلَّمَهُ ﴾ أي خاطبه الملك وعرفه رأى فضله وبراعته وعلم ما هو عليه من خلق وخلق وكمال قال له الملك ﴿ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ ﴾ أي إنك عندنا قد بقيت ذا مكانه وأمانه.

              الشعراوي :

              ونلحظ أن الملك قد قال﴿ ائْتُونِي بِهِ ﴾ مرتين ؛ مرة بعد أن سمع تأويل الرؤيا ، لكن يوسف رفض الخروج من السجن إلا بعد أن تثبت براءته ، أوانه خرج وحضر المواجهة مع النسوة بما فيهن امرأة العزيز ، ورأى الملك في يوسف أخلاقا رفيعة ، وسعة علم
              وانتهى اللقاء الأول ليتدبر الملك ، ويفكر في صفات هذا الرجل ، والراحة النفسية التي ملأت نفس الملك ، وكيف دخل هذا الرجل قلبه .
              والمرة الثانية عندما أراد الملك أن يستخلصه لنفسه ويجعله مستشارا له .
              ويورد الحق سبحانه هذا المعنى فى قوله :﴿ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ
              وهذا الاستخلاص قد جاء بعد أن تكلم الملك مع يوسف ؛ وبعد أن استشف خفة يوسف على نفسه ؛ وتيقن الملك من بعد الحوار مع يوسف أنه رجل قد حفظ نفسه من أعنف الغرائز ؛ غريزة الجنس .
              وتيقن من أن يوسف تقبل السجن ؛ وعاش فيه فترة طالت ؛ وهو صاحب علم وقد ثبت ذلك بتأويل الرؤيا وقد فعل ذلك وهو سجين ولم يقبل الخروج من السجن إلا لإثبات براءته أو بعد إثبات البراءة.
              ولكل ذلك صار من أهل الثقة عند الملك الذي أعلن الأمر بقوله: ﴿ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ ﴾ وذلك ليسد باب الوشاية به ؛ أو التآمر عليه ومكانة المكين هي المكانة التي لا ينال منها أحد.
              فالمعنى أن يوسف عليه السلام أهل للثقة عند الحاكم وهو الذي سينفذ الأمور ؛ وله صلة بالمحكومين ؛ وإذا كان هو الممكن من عند الحاكم ؛ فهو أيضا أمين مع المحكومين........انتهى.

              ونقول وبالله التوفيق:

              ظهرت براءة يوسف أمام الملك وعرف الجميع أنه قد سجن ظلما في جريمة لم يفعلها ولم يسع إليها ولم يفكر فيها وهذا من فضل الله على عباده الذين اصطفى.
              أمر الملك بأن يأتوا بيوسف ليجعله خالصا له بحيث لا يكون لأحد غيره سلطان عليه لأنه حكم عليه حكم أولى من خلال أفعاله وظهور براءته وأيضا تعبير الرؤيا ، فلم يبق أمام الملك إلا حكم أخير .
              جلس يوسف إلى الملك وبدأ الملك يكلمه .
              وهنا تظهر الحكمة في الكلام المباشر بين البشر .
              لأنك إذا أردت أن تعرف إنسانا وتحكم على شخصيته ، وعلى علمه ، وحكمته ، وخلقه ، وأدبه فإن الحكم لا يأتي إلا بعد التكلم معه ، وذلك لأن كل إناء ينضح بما فيه .
              ولأن كل منا صندوق مغلق ، لا يظهر ما فيه إلا عند الكلام والتحدث مع الآخرين فهنا يظهر الحكم الحقيقي.
              ومن هنا يعلمنا ربنا ألا نغتر بالمظاهر الخادعة فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ) مسند الإمام أحمد
              من هنا وجد الملك أن يوسف يتصف بصفات جليلة تجعله أمينا عنده منها:
              علمه بتأويل الأحاديث -- نزاهته وحرصه على إظهار براءته -- تأنيه في الأمور -- صموده وترفعه عن الخطايا -- صدق الحديث -- أدبه .
              مما سبق نجد أن رؤية الملك في يوسف قد تبلورت واكتملت من خلال ثلاث مواقف مكملة بعضها ببعض.

              الموقف الأول:

              العلم :علم يوسف الذي لم يكن أحد في مصر يعرفه ألا وهو تعبير الرؤيا ، فأراد الملك أن يرى هذا الذي لديه علم لم يؤتى لأحد من رعيته ليستفيد من علمه ، ومن هنا نجد فضل العلماء ومكانتهم .

              الموقف الثاني :

              ثباته وإصراره على إظهار الحق ، وترفعه عن الشهوات والصغائر:مما يدل على قوة شخصيتة، وعدالة قضيته ، وأن الأهواء ليست لها طريق إليه ، وصبره وعزيمته في مواجهة التحديات ، وأن الحق والعدل هما أساس مبادئه ، حتى وإن كان على حساب حريته ، لأن كل هذا من تعاليم ربه الذي يدين له ولا يستطيع أن يخالفه في ما أمر به .

              الموقف الثالث:

              أسلوبه في الحديث عندما تكلم معه الملك ، فظهرت فيه صفات أخلاقية بأدبه في الحديث مع الملك وكذا سعة علمه وأفقه.
              من هنا قال له الملك﴿ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ ﴾ .
              وفى هذه الآية اتخذ الملك موقفين مختلفين.
              الأول قبل كلامه مع يوسف حيث قال:﴿ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ﴾ :أى يجعله مستشارا خاصا به.
              الثاني بعد كلامه مع يوسف عليه السلام حيث قال:﴿ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ ﴾ وعلى هذا ظهر للملك صفات أخرى في يوسف تؤهله لمنصب ما.
              ومن هنا قال له يوسف في الآية التالية :﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ يوسف 55.
              وعلينا أن نتذكر قول الله سبحانه ﴿ وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ يوسف 21



              خاتمة

              مما سبق نجد أن براءة يوسف عليه السلام من همه لعمل الفاحشة مع امرأة العزيز تأتى من خلال آيات الله من بداية تربيته في بيت امرأة العزيز ، إلى اعتراف امرأة العزيز ، ثم النسوة وامرأة العزيز أيضا بعد ذلك ، ثم يأتي أقوال العلماء من خلال تفسيراتهم لآيات الله .
              وما كان ليوسف عليه السلام وهو لله نبي أن تتحرك غريزته الشهوانية في اتجاه ما حرمه الله ، لأنه كما دللنا من قبل له عصمته من الله ولأن الله جعله صاحب دعوة إليه سبحانه وتعالى.
              وما كان لنبي أن يدخل أو يتمنى أن يدخل في تجربة ما ولكن الله هو الذي يدخلهم في هذه التجارب ليعلمنا نحن إذا تعرضنا لمواقف مشابهة ماذا نفعل.
              وما كان أيضا لنبي أن يكون ذا ضعف أمام من يدعوهم إلى عبادة الله وإلا فسدت دعوته .
              وعلى هذا فإن الله سبحانه وتعالى يعلمنا من خلال قصة يوسف مع امرأة العزيز مجموعة أحكام وتعاليم وعظات لا تعد ولا تحصى أشرنا إلى بعضها من خلال كتابنا هذا ويأتي جزء تعليمي لنا وهو الأساس في هذه القصة ألا وهو عندما نتعرض لموقف مثل الذي تعرض له نبي الله يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز فعلينا أن نتخذ منه عبرة لنا وهو أن نعطى ظهورنا للنساء في مثل هذه المواقف وألا ننفرد أو نكون في خلوة مع امرأة في مكان واحد ( عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال َلا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ ) سنن الترمذي
              وبعد كل هذا نقول الله أعلم وعنده سبحانه العلم وما قصدنا إلا الاجتهاد في ما فهمناه من آيات الله وما نرجو إلا الثواب عنده.



              تم بحمد الله ...

              تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

              قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
              "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
              وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

              تعليق


              • #22
                مشاء الله تبارك الله
                الله يبارك فيك اخى صباحو جزالك الله كل خير يا اخى الحبيب
                وفقك الله
                لا اله الا انت سبحانك انى كنت من الضالمين

                تعليق


                • #23
                  جزاك الله خيرا على ماقدمت ونفع بك

                  لاهنت يالغالي

                  لك خالص التحيه والتقدير

                  ...

                  تعليق


                  • #24
                    المشاركة الأصلية بواسطة mneef مشاهدة المشاركة
                    جزاك الله خيرا على ماقدمت ونفع بك

                    لاهنت يالغالي

                    لك خالص التحيه والتقدير

                    ...
                    المشاركة الأصلية بواسطة بلاعو مشاهدة المشاركة
                    مشاء الله تبارك الله
                    الله يبارك فيك اخى صباحو جزالك الله كل خير يا اخى الحبيب
                    وفقك الله

                    أخواي اشكر لكم المرور والدعاء
                    جزاكم الله خيرا وأحسن إليكم
                    اسأل الله يجمعكم مع النبيين والصديقين
                    والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا

                    تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                    قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                    "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                    وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                    تعليق


                    • #25
                      ماشاء الله .....بارك الله فيك أخي الكريم

                      تعليق


                      • #26
                        المشاركة الأصلية بواسطة vandam مشاهدة المشاركة
                        ماشاء الله .....بارك الله فيك أخي الكريم




                        الشكر كل الشكر لك على مرورك اخي

                        تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال و رزقكم كل خير

                        تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                        قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                        "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                        وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                        تعليق


                        • #27
                          السلام عليكم
                          اذكر ان طارق السويدان عمل حديث شيق عن قصة يوسف عليه السلام
                          تقبل مروري

                          تعليق


                          • #28
                            بارك الة فيكوا على هذا الجهودات الرائعة
                            الانسان دون إيمان وحش في قطيع لا يرحم
                            الانسان دون امل كنبات دون ماء
                            ودون ابتسامة كوردة دون رائحة
                            إنه من المخجل التعثر مرتين بالحجر نفسه
                            للذكاء حدود لكن لا حدود للغباء
                            طعنة العدو تدمي الجسد . و طعنة الصديق تدمي القلب
                            حتى ولو فشلت يكفي شرف المحاولة

                            اغارمن كلماتي حينما اهديها لك .. فتعجبك كلماتي ولا اعجبك انا[SIGPIC][/SIGPIC]

                            تعليق


                            • #29
                              المشاركة الأصلية بواسطة ابن الامام مشاهدة المشاركة
                              بارك الة فيكوا على هذا الجهودات الرائعة



                              أشكرك على مرورك اخي الفاضل

                              تقبل الله منا ومنكم ومن المسلمين اجمع صالح الأعمال

                              و رزقكنا واياكم كل خير


                              تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                              قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                              "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                              وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                              تعليق


                              • #30
                                جزاك الله خيرا
                                الله يسلم اديك ويرزقك
                                [S[COLOR="rgb(46, 139, 87)"][SIZE=""]لا اله الا الله[/SIZE][/COLOR]
                                [SIGPIC][/SIGPIC]

                                تعليق

                                يعمل...
                                X