إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مظاهر تأثر التراث اليهودي بالتراث الفرعوني الوثني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مظاهر تأثر التراث اليهودي بالتراث الفرعوني الوثني

    تعدُّ الحضارة الفرعونيَّة من أقدم التَّجمُّعات البشريَّة الحضاريَّة الَّتي تمَّ التوثيق لها، فجُذورها موغِلة في القدم، ممتدَّة فيما بعدها، ولها تراث عقدي من الأساطير والسِّحْر أحدث زخمًا فكريًّا بامتِداداته في مَن عاصرها من الأمم، وما تلاها من الحضارات.

    وفي الحضارة الفرْعوْنيَّة هرَمُ السلطة يعْلوه الفراعنة، ولا يعلو عليْهم أحدٌ لا من البشَر ولا من الآلهة، يليهم "الملأ":
    1- الجيش: ويُمثّل القوَّة الماديَّة والعسكريَّة للفرعون، وهو الجهاز الضَّابط والمنفِّذ، وبه يبسط الفرعون سلطانه ويرقب أتباعه، ويبطش بِمن خالفه بجنده، ويُحافظ على سيادته على مملكته، ويحميها من الغزاة.
    2- السَّحرة أو الكهنة: وهم الهيئة السياسيَّة والاستِشاريَّة، المساعدة في تدبير شؤون الحكم، كانوا يمثِّلون الدِّين والفكر، والفلسفة التي يَعتمد عليها الفرعون في إصدار الأوامر وتدْبير شؤون الدولة.
    {وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ * حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ * قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ * قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ * وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ * قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ * وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ * قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ * قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ * وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ * وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} [الأعراف: 104 - 127].

    والكهنة كانوا عماد الحضارة الفكريَّة والعقديَّة، وقد تتلمذ على أيدِيهم خلق عظيم، منهم بعض كبار فلاسفة اليونان؛ كفيثاغورس وأفلاطون وغيرهم، فاشتغلوا بالعلوم الطبيعيَّة، وعلم الفلَك، والرياضيَّات والهندسة، والكيمياء والسيمياء والطّبّ، وتكوَّنت خلال هذه الحضارة الطوطميَّة قاعدة هائلة من الثَّقافة السحْريَّة السَّوداء، والعقائد الوثنيَّة والأساطير الخرافيَّة[1].

    وفي خضم تلك الحضارة، كان يقبع تحت سلطانها بنو إسرائيل، يسومهم آل فرعون سوء العذاب، ولأنَّهم ضمن النسيج الاجتِماعي الحضاري الفرْعوني؛ كان من نتاج الاحتكاك الثقافي تلقِّي ثقافة الغالب، وامتزاجها مع ما لهم من عادات وعبادات، وضمّها ضِمْن تُراثهم العقدي والفكْري على أنَّها من نتاجهم تدريجيًّا؛ لإقامتهم عدَّة قرون في مصر الفرعونيَّة، فتشكَّلتْ عندهم تعاليم كهنوتيَّة فلسفيَّة سحريَّة، هي جماع الخليط بين التُّراث الإسرائيلي والتراث المصري الفِرعوني، عُرفت في التاريخ اليهودي فيما بعد بثقافة القبالاه اليهودية، المستوْحاة من القابالاه المصريَّة القديمة، وهذه التَّعاليم بمثابة فلسفة منهجيَّة للتَّفكير والتَّحليل، مرَّت بأطوار عدَّة حتَّى طبَّقوها على شرح التَّوراة، فكسبت رداءً دينيًّا معه وشاح الشَّرعيَّة التلموديَّة.
    ان الله علم ما كان ومايكون وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف كان سيكون

  • #2
    وقد تأثَّر بنو إسرائيل بالثَّقافة المصريَّة القديمة من خلال محاور:
    1- عبادة البقر: كان المصريُّون يعبدون العجل المسمَّى "أبيس"، والبقرة المسمَّاة بهاثور أو حتحور، ويُعدَّان رمزًا لعبادة الشَّمس، يقول الباحث "ريتشارد ريفز" في كتابه "مدَّة طويلة تحت الشَّمس": "لقد كان الثَّور والبقرة من آلهة مصْر القديمة، ورمزين لعبادة الشَّمس، وكانت عبادة المصريِّين لهذين الإلهين لا تعدُّ إلاَّ جزءًا صغيرًا من التَّاريخ الطَّويل لعبادة المصريِّين للشَّمس".

    ولما نجَّى الله - تعالى - بني إسرائيل من فرْعون وجنده، تركَهم موسى وعجِل لربِّه ليرضى عنْه، فما أن ادَّعى السامريُّ أنَّ العجل الَّذي صنعه إلهُ موسى وهارون حتَّى خرُّوا له سجَّدًا.
    {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ * ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُم مِّنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 51 - 54].

    فالعامل التاريخي هنا له دَور عميق؛ إذ ثقافة الغالب تقْهر ثقافة المغلوب إن لَم ترتفع عنه عقد النقص، فيبجّل كلَّ ما له علاقة بقاهره، ولو علم أنَّه خرافة، وبنو إسرائيل قضَوا زمنًا وهم مع عبَدة البقر المستعْبِدين لهم، فما لبِثوا أن رأَوا العجل، حتَّى استدْعى تفكيرهم الموروث التَّاريخي لقاهرِهم الفرعوني، فعظموا آلهته.

    2- بشريَّة الإله: غصَّت الثَّقافات الوثنيَّة ببشر يدَّعون الألوهيَّة، وبآلهة تنزِل وتتحوَّل إلى بشريَّة، وكان فراعنة مصر على هذا، فآلهتهم تتزوَّج، وتعمل في الزِّراعة، وتحسد، وتقاتل وتَقتل وتُقتل، ولها صاحبة وولد، والفرعون لا يعلم لقومه إلهًا غيره.

    وبنو إسرائيل، ما أن توارت عنهُم الرُّسل والأنبِياء، حتَّى لقموا التَّوراة بشروحهم، فأضافوا صِفات من الضَّعف الإنساني إلى صفات الله تعالى، مثل تعَب الله بعد خلْقِه العالَم، واستِراحته في اليوم السَّابع، وقيام يعقوب - عليه السَّلام - بالمُصارعة مع الله وتغلُّبه عليه، والنِّسيان والتذكُّر، والبُخل، والنَّدم، تعالى الله عمَّا يقول الظَّالمون الكافِرون علوَّا كبيرًا.

    3- قوميَّة الإله: كان اعتِقاد الفراعنة المصريِّين بآلِهتهم أنَّها لهم هُم وحْدَهم، وهُم شعبُها المختار، بل والفراعنة أبْناء للآلهة سيتْلو تلك البنوَّة أبوَّة؛ أي: يُصبح الفرعون إلهًا، ويقوم اليهود بتصوير (يهوه) الإله وكأنَّه إله بني إسرائيل فقط وليس ربًّا للعالمين؛ فهم شعب الله المختار وأبناؤه وأحبَّاؤه، والنَّاس غيرهم لا ربَّ لهم.
    {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [المائدة: 18].

    4- تَجسيم الإله: كلّ آلهة الفراعنة مرئيَّة، إمَّا في صورة الفرْعون الَّذي حلَّت فيه الآلهة، أو اتَّحد هو بها، أو في صور الأصْنام التي تعجُّ بها المعابد؛ لذا نقرأ في تاريخ بني إسرائيل بعد أن نجَّاهم الله تعالى من فرْعون وجنده، لَم يلبثوا أيَّامًا حتَّى طلبوا من موسى - عليْه السَّلام - أن يَجعل لهم إلهًا صنمًا مثل آلهة أولئِك، فغضب موسى - عليه السَّلام - وذكَّرهم بنعَم الله تعالى عليهم، فطلَبوا منْه - حسَب ما أمْلته عليهم ثقافتُهم الوثنيَّة - أن يرَوا الله جهرة.
    قال تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [البقرة: 55].

    أي: صعُب عليهم تقبُّل إلهٍ غير ملموس ولا حتَّى مرئي؛ لأنَّ المجتمع الوثَني الفرْعوني - وهم قلَّة مستضعفة فيه - حَفَر في أذهانِهم وقلوبِهم عقيدةَ الإله المرئي الملْموس، فكان الانحِراف عن التَّوحيد أسهلَ لَهم من تقبُّل التَّوحيد نفسه، وهكذا كان مُعْظم بني إسرائيل بعد وفاة موسى - عليه السلام - إلاَّ مَن عصم الله.
    ان الله علم ما كان ومايكون وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف كان سيكون

    تعليق


    • #3
      - أساطير إله الشَّرّ الشَّيطانية: وهي مبنيَّة على أسطورة "إيزيس" و "أوزوريس" الفرْعونيَّة، التي كُتبت حوالي عام 4000 ق م[2].

      تقول الأسطورة: إنَّ أوزوريس هو ابن إله الأرْض، الَّذي ينحدر من سلالة إلهِ الشَّمس رع الإله الخفي.
      أصبح أوزوريس ملكًا على مصر، وعلَّم شعبها كيف يزرع، وكيْف يصنع الخبز والنَّبيذ، وتزوَّج أوزوريس من أُخته إيزيس، وتعاونا سويًّا لنشر الحضارة في البلاد.
      وكان أوزوريس محبوبًا لدى شعبِه، وأثار هذا الحبُّ حقد أخيه "ست"، الَّذي أخذ يُفكِّر في التخلُّص من أخيه والاستِيلاء على عرشه، واستطاع سِت التخلُّص من أوزوريس.
      وبعد طول عناءٍ استطاعت إيزيس - الزَّوجة الوفيَّة - بمعونة بعض الآلِهة وبسِحْرها إعادةَ أوزوريس إلى الحياة الأبديَّة، وأصبح أوزوريس إلهًا بعد بعثه، وعاد إلى الأرْض، حيث قام بتعْليم ابنِه حورس ومساندته ضدَّ عمِّه ست، واستطاع حورس في النِّهاية التغلُّب على عمِّه واستعادة عرش أبيه.
      أصبح أوزوريس رمزًا لإله الخير، بيْنما أصبح ست أو "سيتان" "SATAN" رمزًا لإله الشَّرّ أو الشَّيطان، وانتشرت عبادة كِلا الإلهين في الحضارة المصريَّة القديمة.

      هذه العقيدة تجِدها في القابالاه اليهوديَّة، بل أوَّل محفل ماسوني مصري اسمه "إيزيسوتصوُّر الصِّراع بين الشَّيطان والإله قائمٌ في الفِكْر اليهودي، وهو يتعاظَم من فرقةٍ لأُخرى، ومن طائفةٍ لأُخْتِها، حتَّى يصل قمَّته عند النورانيِّين عبدة الشَّيطان.

      6- التَّنجيم: في سنة 1555 م، ظهر كتاب "القرون" لمنجِّم فرنسي يهودي الأصل والمنشأ اسمه ميشيل نوستراداموس (1503م / 1566)، درس الحضارة المصريَّة القديمة، وكان على معرفة واسِعة بآلهة الفراعنة وعلوم السِّحْر، عُرِف فيما بعد "بتنبُّؤات نوستراداموس"، وهي تنبؤات مبنية على فلسفة القبالاه.

      واعترف نوستراداموس باطِّلاعه على كتاب "أسرار مصر" لِيامبليخوس اليوناني، وادَّعى أنَّه يستطيع به أن يعرف ما سوف يَجري على الجبال وفي الأنْهار وفي المدُن وفي المعابد كلها، على زعمه! واعتمد سجْع الكهَّان والرموز المجْهولة والأسماء واللُّغات المندثِرة، وتصْحيف الكلمات عمدًا؛ ليكسبَها نوعًا من الغموض المخيف، وذاك لإخفاء المعْنى عن العامَّة من النَّاس، وكي لا يقع في قبْضة محاكم التَّفتيش، التي كانت تحرق الكهنة والسَّحرة، وزِيد عليها أمثالُها خلال طبعاتها المتلاحقة، ولا يستبعد أن يكون بعضُها من بقايا علوم المنجِّمين المصريِّين التي جمعوها خلال عدَّة آلاف من السنين.

      7- الرموز الفرعوْنيَّة: خاصَّة في الممارسات الماسونية النورانية الَّتي ترمز لتلك الحِقْبة التَّاريخيَّة، والَّتي تعجّ بها المحافل السّريَّة، كالهرم والعين الأُحاديَّة، والعمود، واسم المحفل "إيزيس" بمصر المعبودة الفرعونيَّة.

      8- تعاليم كهنة آمون: تأثَّر حاخامات اليهود بتعاليم القابالاه المصريَّة، فأدخلوا بعض تعاليم سحرة فرعون، أو مَن عُرِفوا "بكهنة آمون" في التَّوراة، وبعضها كتعاليم شفويَّة نُقِلت من جيل إلى آخَر، ولم يتمرَّس أُناسٌ على السِّحْر حتَّى صار مرادفًا لثقافتهم مثلما فعل اليهود على مدار تاريخهم، منذ موسى - عليْه السَّلام - رغم تحريمه في توراتهم، فكان لاختِلاطهم - وهم قلَّة - مع حضارة الكهنة السحْرية الفرعونية أثر، فدَروا شيئًا من سلطانهم وعلومهم، وزمن نبي الله سليمان - عليْه السَّلام - تفشَّى فيهم السحر، فجمع سُليمان كُتُب السِّحر والكهانة ودفنها تحت كرسيِّه، ولمَّا حازوها بعد موته، زعموا أنَّه كان ساحرًا؛ لذا لمَّا نزل القرآن بذِكْر سُليمان في الأنبِياء أنكرت اليهود ذلك، وقالوا: إنَّما كان ساحرًا، فنزل قوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ * مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [البقرة: 102 - 105].

      وفي السَّبي البابلي زاد اشتِغالهم بالسِّحْر؛ لِما رأوا من ضنك العيش بعد سَعةٍ كانوا بها، فأخذوا السِّحْر والتَّنجيم من البابليِّين، وزادوا عليهم في ذاك، ثمَّ وضعوا كتُبًا شحنوها بالسِّحْر، مثل التَّلمود وشروحاته المختلفة، وكتاب "الزوهار" الخاص بالقبالاه، وهو في أنواع السحر الَّتي استقوْها من البابليّين ومن مصْر الفرعونيَّة، بل أضافوا في سفر "المزامير" مزمورًا للسحر، ولا يوجد هذا المزْمور الزَّائد رقم 151 إلاَّ في النُّسْخة القبطية، فسِفْر الزبور "مزامير داود" من "الكتاب المقدس" 150 قطعة، ونجِد في النسخة القبطيَّة واحدًا زائدًا، وهو خاصّ بتعاليم السحر، فيكون العدد 151، وهذا المزْمور ممَّا كتبت أيديهم.

      يقول الكاتب البريطاني "ناستاه. وبستر": "على الرغم من قيام تعاليم موسى (أي: التَّوراة) بلعْن السِّحر، إلاَّ أنَّ اليهود تجاهلوا هذا اللَّعن، وتورَّطوا في هذه التَّعاليم السحريَّة، وخلطوا تقاليدهم المقدَّسة بالأفْكار والتَّعاليم السحريَّة التي اقتبسوها من الأمم الأخرى".
      ان الله علم ما كان ومايكون وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف كان سيكون

      تعليق


      • #4
        - عقيدة نشْأة الكون: يقول مؤلِّفا كتاب "مفتاح حيرام": "كان المصريُّون القدماء يؤْمِنون بأنَّ المادَّة كانت موجودة منذ الأزل، حيث إنَّ الدُّنيا وجدتْ بولادة النِّظام من رحِم الفوضى والعماء والظَّلام - وهو نفس ما كان يعتقِده السومريُّون أيضًا - وكان لهذه الهاوية قوَّة داخليَّة، ثمَّ أمرت هذه القوَّة الخالقة نفسها ببدْء النظام، ولم تكن هذه القُدرة السرّية الموجودة داخل المادَّة في هذه الفوضى على وعْي بذاتها... كانت هذه القوَّة احتمالاً من الاحتِمالات، وقوَّة ظهرت من رحم الفوضى نتيجة مصادفات عمياء".

        والمذهل في الأمر أنَّ هذه الفلسفة المصريَّة الوثنيَّة، هي الفلسفة المطْروحة في أيَّامنا الحاليَّة من قبل أنصار "نظريَّة التطوّر" و "نظريَّة الفوضى الخلاقة"! لاسيَّما في مجموع أطْروحات الفلاسفة اليهود ماركس ودارون وفرويد وسارتر والفلسفة الهيغليَّة، فتأمَّل!

        ويتابع مؤلفا كتاب "مفتاح حيرام" شرْح هذه الفلسفة المصريَّة الوثنيَّة كما يأتي: "والغريب أنَّ هذا التَّعريف للخلْق يتطابق تمامًا مع النَّظرة الحاليَّة للعلم الحديث! ولاسيَّما "نظرية الفوضى" من ناحية تطوّر الأنظمة المختلطة والمشوشة رياضيًّا، مكررة نفسها رياضيًّا".

        وعلى الرغم من أنَّ قصَّة الخلق الواردة في التَّوراة تختلف تمامًا عن هذه الفلسفة الوثنيَّة، إلاَّ أنَّها مع ذاك سرَت إلى الدين اليهودي.

        يقول السيّد مراد أوزكن "وهو ماسوني تركي": "إنَّ أهمَّ شيء في تعاليم "القبالاه اليهوديَّة" الَّذي ظهر قبل التوراة بزمَن طويل، هو ما يتعلَّق بنشوء الكون، فهو على عكس الأدْيان المعترفة بالخلق مختلف عن قصَّة الخالق، فحسب نظرة القبالاه ولدت موجودات مادّيَّة ومعنويَّة في بداية الخلْق ما يُدعى بِـ"الدَّوائر" أو "الأفلاك" أطْلق عليها اسم سفيروت.. ومجموعها 32 دائرة أو فلكًا، يعود عشرة منها إلى النّظام الشَّمسي، والباقي إلى المجموعات النَّجْميَّة الأخرى، ويتبيَّن من هذا وجود علاقة قريبة بين هذا النّظام العقائدي وبين علْم الفلك القديم".

        إذن؛ فنظريَّة التطوّر الدَّاروينيَّة الحاليَّة وصلت إليْنا عن طريق ثقافة القبالاه، الَّتي تعود إلى جذورِها في الفلسفة المصريَّة الوثنيَّة القديمة، وبذلك نعرف طبيعة الجهات التي تقف وراء الدّفاع عن نظريَّة التطوّر على الرغْم من تهافُتِها علميًّا!

        10- نظريَّة الحلول والاتّحاد: من المعروف أنَّ الفرعون أثناء تولّيه العرْش يكون حورس الأرضي ابن الآلهة، ووريث الحقّ الإلهي في الجلوس على عرش البلاد (تبعًا للأسطورة الأوزيرية)، وبعد موْته يصبح في عداد الآلهة؛ أي: إنَّ هنالك ارتِقاء من الناسوت إلى اللاهوت، ففي الفرْعون جزء إنساني وآخر إلهي.

        و"أتوم" أوَّل إنسان مصري[3] يقوم الشَّعب بتأليهه واعتِباره إله الشَّمس الغاربة، وهو الَّذي قام بخلْق بقيَّة الثَّالوث، وهما الإله شو، والإلهة تفنوت، وقدَّس المصريّون أتوم في حياته، وقدَّسوا أوزوريس بعد مماته، فكان أوَّل إنسان يؤلَّه بعد موته.

        ففِرْعون مصر كان تَجسيدًا لإله الشَّمس على الأرْض؛ أي: إنَّه إله متجسّد رضي أن تكون الأرض موطنًا له إلى حين، وفى الوقت نفسه هو ابن للإله "آمون - رع".

        ورسخ كهنة المعابد في عقول النَّاس إمكانية حلول الآلهة في أجْساد الملوك، فأصبح كون هؤلاء الملوك آلهة أمرًا لازمًا لملكهم.

        ومن التصوُّف اليهودي ما يدور في إطار حلولي يصدر عن الإيمان بالواحديَّة الكونية، حيث يحِلّ الإله في الطبيعة والإنسان والتَّاريخ ويتوحَّد معها، ويصبح لا وجودَ له خارجَها، فيُختزَل الواقع بأسْره إلى مستوى واحد يَخضع لقانون واحد؛ ومن ثمَّ يَستطيع مَن يعرف هذا القانون (الغنوصي) أن يتحكَّم في العالم بأسْرِه، وهذا هو هدف المتصوّف في هذا الإطار، فالإنسان قد يرتقي لمصافّ الآلهة؛ لذا عليه معرفة سبُل العلوّ لها؛ لا تقرُّبًا بل لإدراك سرّ السَّيطرة على الكون، ومن ذلك معرفة تعاليم السِّحْر والتَّنجيم الَّتي ملك بها الكهنة السُّلطة على النَّاس وسيَّروا الكون، وعرفوا أسرارَه، ماضيه وغائبه، وإذا كان الإنسان جزءًا من الإله، فالكون هنا أصله "اثنان"، وعليْه أن يصِل إلى الوحْدة الأصليَّة الأولى، لكن كيف؟

        هذه النَّظرة الحلوليَّة هي الأصل الثَّابت الجامع لكلّ الطَّوائف الحلوليَّة جميعًا؛ لذا عقيدتهم في السلوكيات "بدلاً من التدريبات الصوفية التي يكبح بها الإنسان جسده، ويطوع لها ذاته، يأخذ التصوّف شكْلَ التَّفسيرات الباطنيَّة، وصنع التَّمائم والتَّعاويذ، والبحث عن الصِّيغ الَّتي يمكن من خلالها التَّأثير في الإرادة الإلهيَّة! ومن ثمَّ التحكم الإمبريالي في الكون، وثمَّة تفسير قبَّالي لقصَّة الشجرة التي أكل منها آدم وحوَّاء، باعتِبارها الواقعة التي أدَّت إلى فصْل التجلّيات السُّفْلى (الملكوت) عن التجلِّيات العليا، وإلى انفِصال الإله عن الإنسان، ومن هنا تكون الخطيئة الأولى هي: الانفصال، الَّذي أدَّى إلى نفْي الشخيناه (التَّعبير الأنثوي عن الإله) مع جماعة يسرائيل؛ أي: إنَّ خطيئة الإنسان قد أثَّرت في مصير الإله نفسه تأثيرها في مصير الإنسان.
        ومن هنا عظُم جُرم الإنسان الذي أدَّى إلى تَفتُّت الإله، ومن هنا أيضًا تأتي أهمّيَّة ممارسة الشَّعائر الدينية التي تجد صداها في العالم العلوي وتؤثّر فيه.

        ولذا؛ يحاول أتْقياء اليهود - من خلال صلواتهم وأفعالهم - أن يصلحوا الكون، وأن يعيدوا الشخيناه من المنفى، وهذه هي الفِكْرة الَّتي أصبحت أساسيَّة في القبَّالاه اللوريانية، ويُطلَق عليها عملية التيقون (الإصلاح)؛ أي: إصلاح الانفصال، ورأْب الصَّدع الذي حدث بين الإله والإنسان نتيجة خطيئة قطْع الشَّجرة، وهذه الفِكْرة هي أدقّ تعبير عن الحلوليَّة القبَّالية.

        وقد وردت في الأجاداه فكرة أنَّ الإله يعتمِد على الإنسان، بل إنَّ الإنسان شريك الإله في عمليَّة الخلق؛ ولهذا فبوسعه التحكم في الأشياء الصَّالحة، ومن هنا ارتباط القبَّالاه بالسحر.

        وفي القبَّالاه، تصبح مهمَّة الإنسان استعادة تناسُق حياة الإله الداخليَّة الَّتي تعتمِد على إرادة الإنسان، ومرَّة أخرى، يبدو كلٌّ من الإله والإنسان شريكين في عمليَّة الخلاص.

        والواقع أنَّ هناك تقابُلاً بين الإله والإنسان وامتزاجًا كاملاً بينهما في الرؤْية القبَّالية[4].
        ان الله علم ما كان ومايكون وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف كان سيكون

        تعليق


        • #5
          الله يعطيك العافيه اخي ابو الهدى ومشكور على هالموضوع



          تعليق


          • #6
            عافاك الله اخوي الفقير واغناك من فضله
            ان الله علم ما كان ومايكون وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف كان سيكون

            تعليق

            يعمل...
            X