إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رحلة ابن بطوطة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ذكر عادتهم في ليلة النصف من شعبان

    وهذه الليلة من الليالي المعظمة عند أهل مكة، يبادرون فيها إلى أعمال البر من الطواف والصلاة جماعات وأفذاذاً والاعتمار. ويجتمعون في المسجد الحرام جماعة، لكل جماعة إمام. ويوقدون السرج والمصابيح والمشاعل. ويقابل ذلك ضوء القمر فتتلألأ الأرض والسماء نوراً ويصلون مائة ركعة، يقرأون في كل ركعة بأم القرآن وسورة الإخلاص، يكررونها عشراً وبعض الناس يصلون في الحجر منفردين، وبعضهم يطوفون بالبيت الشريف، وبعضهم قد خرجوا للاعتمار.
    [CENTER] [/CENTER]

    تعليق


    • ذكر عادتهم في شهر رمضان المعظم

      وإذا أهل هلال رمضان تضرب الطبول والدبادب عند أمير مكة. ويقع الاحتفال بالمسجد الحرام، من تجديد الحصر، وتكثير الشمع والمشاعل، حتى يتلألأ الحرم نوراً، ويسطع بهجة وإشراقاً. وتتفرق الأئمة فرقاً. وهم الشافعية والحنبلية والحنفية والزيدية، وأما المالكية فيجتمعون على أربعة من القراء، يتناوبون القراءة ويوقدون الشمع ولا تبقى في الحرم زاوية ولا ناحية إلا وفيها قارئ يصلي بجماعة، فيرتج المسجد لأصوات القراء، وترق النفوس وتحضر القلوب وتهمل الأعين. ومن الناس من يقتصر على الطواف والصلاة في الحجر منفرداً. والشافعية أكثر الأئمة اجتهاداً، وعاداتهم أنهم إذا أكملوا التراويح المعتادة، وهي عشرون ركعة، يطوف إمامهم وجماعته. فإذا فرغ من الأسبوع ضربت الفرقعة التي ذكرنا أنها تكون بين يدي الخطيب يوم الجمعة، كان ذلك إعلاماً بالعودة إلى الصلاة. ثم يصلي ركعتين، ثم يطوف أسبوعاً هكذا إلى أن يتم عشرين ركعة أخرى. ثم يصلون الشفع والوتر، وينصرفون. وسائر الأئمة لا يزيدون على العادة شيئاً. وإذا كان وقت السحور يتولى المؤذن الزمزمي التسحير في الصومعة التي بالركن الشرقي من الحرم، فيقوم داعياً ومذكراً ومحرضاً على السحور، وهكذا يفعلون في سائر الصوامع. فإذا تكلم أحد منهم أجابه صاحبه، وقد نصبت في أعلى كل صومعة خشبة على رأسها عود معترض، قد علق فيه قنديلان من الزجاج كبيران يوقدان، فإذا قرب الفجر وقع الإيذان بالقطع مرة بعد مرة، وحط القنديلان، وابتدأ المؤذنون بالأذان. وأجاب بعضهم بعضاً. ولديار مكة شرفها الله سطوح. فمن بعدت داره بحيث لا يسمع الأذان يبصر القنديلين المذكورين فيتسحر. حتى إذا لم يبصرها أقلع عن الأكل. وفي ليلة وتر من ليالي العشر الأواخر من رمضان يختمون القرآن ويحضر الختم القاضي والفقهاء والكبراء. ويكون الذي يختم بها أحد أبناء كبراء أهل مكة. فإذا ختم، نصب له منبر مزين بالحرير، وأوقد الشمع، وخطب. فإذا فرغ من خطبته استدعى أبوه الناس إلى منزله فأطعمهم الأطعمة الكثيرة والحلاوات وكذلك يصنعون في جميع ليالي الوتر. واعظم من تلك الليالي عندهم ليلة سبع وعشرين. واحتفالهم لها أعظم من احتفالهم لسائر الليالي. ويختم بها القرآن العظيم خلف المقام الكريم. وتقام إزاء حطيم الشافعية خشب عظام، توصل بالحطيم، وتعرض بينها ألواح طوال، وتجعل ثلاث طبقات، وعليها الشمع وقنديل الزجاج، فيكاد يغشى الأبصار شعاع الأنوار، ويتقدم الإمام، فيصلي فريضة العشاء الآخرة، ثم يبتدئ قراءة سورة القدر. وإليها يكون انتهاء قراءة الأئمة في الليلة التي قبلها وفي تلك الساعة يمسك جميع الأئمة عن التراويح تعظيماً لختمة المقام، ويحضرونها متبركين، فيختم الإمام في تسليمتين، ثم يقوم خطيباً مستقبل المقام، فإذا فرغ من ذلك عاد الأئمة إلى صلاتهم، وانفض الجميع. ثم يكون الختم ليلة تسع وعشرين في المقام المالكي في منظر مختصر وعن المباهاة منزه موقر فيختم ويخطب.
      [CENTER] [/CENTER]

      تعليق


      • ذكر عادتهم في شوال

        وعادتهم في شوال، وهو مفتتح أشهر الحج المعلومات، أن يوقدوا المشاعل ليلة استهلاله، ويسرجون المصابيح والشمع، على نحو فعلهم في ليلة سبع وعشرين من رمضان. وتوقد السرج في الصوامع من جميع جهاتها، ويوقد سطح الحرم كله وسطح المسجد الذي بأعلى أبي قبيس، ويقيم المؤذنون ليلتهم تلك في تهليل وتكبير وتسبيح، والناس ما بين طواف وصلاة وذكر ودعاء فإذا صلوا صلاة الصبح أخذوا في أهبة العيد، ولبسوا أحسن ثيابهم، وبادروا لأخذ مجالسهم بالحرم الشريف، به يصلون صلاة العيد، لأنه لا موضع أفضل منه. ويكون أول من يبكر إلى المسجد الشيبيون فيفتحون باب الكعبة المقدسة، ويقعد كبيرهم في عتبتها، وسائرهم بين يديه، إلى أن يأتي أمير مكة فيتلقونه، ويطوف بالبيت أسبوعاً، والمؤذن الزمزمي فوق سطح قبة زمزم على العادة، رافعاً صوته بالثناء عليه والدعاء له ولأخيه كما ذكر، ثم يأتي الخطيب بين الرايتين السوداوين، والفرقعة أمامه، وهو لابس السواد، فيصلي خلف المقام الكريم، ثم يصعد المنبر ويخطب خطبة بليغة. ثم إذا فرغ منها أقبل الناس بعضهم على بعض بالسلام والمصافحة والاستغفار، ويقصدون الكعبة الشريفة فيدخلونها أفواجاً، ثم يخرجون إلى مقبرة باب المعلى، تبركاً بمن فيها من الصحابة وصدور السلف ثم ينصرفون.
        [CENTER] [/CENTER]

        تعليق


        • ذكر إحرام الكعبة

          وفي اليوم السابع والعشرين من شهر ذي القعدة تشمر أستار الكعبة، زادها الله تعظيماً، إلى نحو ارتفاع قامة ونصف من جهاتها الأربع صوناً لها من الأيدي أن تنتهبها. ويسمون ذلك إحرام الكعبة وهو يوم مشهود بالحرم الشريف. ولا تفتح الكعبة المقدسة من ذلك اليوم حتى تنقضي الوقفة بعرفة.
          [CENTER] [/CENTER]

          تعليق


          • ذكر شعائر الحج وأعماله

            وإذا كان في أول يوم شهر ذي الحجة، تضرب الطبول والدبادب في أوقات الصلوات بكرة وعشية، إشعارها بالموسم المبارك. ولا تزال كذلك إلى يوم الصعود إلى عرفات. فإذا كان اليوم السابع من ذي الحجة خطب الخطيب إثر صلاة الظهر خطبة بليغة، يعلم الناس فيها مناسكهم، ويعلمهم بيوم الوقفة، فإذا كان اليوم الثاني بكر الناس بالصعود إلى منى. وأمراء مصر والشام والعراق وأهل العلم يبتيون تلك الليلة بمنى وتقع المباهاة والمفاخرة بين أهل مصر والشام والعراق في إيقاد الشمع. ولكن الفضل في ذلك لأهل الشام دائماً. فإذا كان اليوم التاسع رحلوا من منى بعد صلاة الصبح إلى عرفة. فيمرون في طريقهم بوادي محسر، ويهرولون، وذلك سنة. ووادي محسر هو الحد ما بين مزدلفة ومنى، ومزدلفة بسيط من الأرض فسيح بين جبلين، وحولها مصانع وصهاريج للماء، مما بنته زبيدة ابنة جعفر بن أبي جعفر المنصور زوجة أمير المؤمنين هارون الرشيد. وبين منى وعرفة خمسة أميال، وكذلك بين منى ومكة أيضاً خمسة أميال. ولعرفة ثلاثة أسماء وهي، عرفة وجمع والمشعر الحرام، وعرفات بسيط من الأرض فسيح أفيح، تحدق به جبال كثيرة. وفي آخر بسيط عرفات جبل الرحمة، وفيه الموقف، وفيما حوله، والعلمان قبله بنحو ميل، وهما الحد ما بين الحل والحرم. وبمقربة منهما مما يلي عرفة بطن عرنة الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالارتفاع عنه، ويجب التحفظ منه، ويجب أيضاً الإمساك عن النفور حتى يتمكن سقوط الشمس. فإن الجمالين ربما استحثوا كثيراً من الناس، وحذروهم الزحام في النفر، واستدرجوهم إلى أن يصلوا بهم بطن عرنة، فيبطل حجهم. وجبل الرحمة الذي ذكرناه قائم وسط بسيط جمع منقطع عن الجبال، وهو من حجارة منقطع بعضها عن بعض. وفي أعلاه قبة تنسب إلى أم سلمة رضي الله عنهما، وفي وسطها مسجد يتزاحم الناس للصلاة فيه، وحوله سطح فسيح يشرف على بسيط عرفات، وفي قبليه جدار فيه محاريب منصوبة يصلي فيه الناس، وفي أسٍفل هذا الجبل عن يسار المستقبل للكعبة دار عتيقة البناء تنسب إلى آدم عليه السلام، وعن يسارها الصخرات التي كان موقفف النبي صلى الله عليه وسلم عندها، وحول ذلك صهاريج وجبات للماء، وبمقربة منه الموضع الذي يقف في الإمام ويخطب ويجمع بين الظهر والعصر، وعن يسار العلمين للمستقبل أيضاً وادي الأراك وبه أراك اخضر يمتد في الأرض امتداداً طويلاً، وإذا حان وقت النفر أشار الإمام المالكي بيده، ونزل عن موقفه، فدفع الناس بالنفر دفعة ترتج لها الأرض، وترجف الجبال. فياله موقفاً كريماً ومشهداً عظيماً ترجو النفوس حسن عقباه، وتطمح الآمال إلى نفحات رحماه، وجعلنا الله ممن خصه فيه برضاه. وكانت وقفتي الأولى يوم الخميس سنة ست وعشرين، وأمير الركب المصري يومئذ أرغون الدوادار نائب الملك الناصر. وحجت في تلك السنة ابنة الملك الناصر وهي زوجة أبي بكر ابن أرغون المذكور.وحجت فيها زوجة الملك الناصر والمسماة بالخونده، وهي بنت السلطان المعظم محمد أوزبك ملك السرا وخوارزم، وأمير الركب الشامي سيف الدين الجوبان. ولما وقع النفر بعد غروب الشمس، وصلنا مزدلفة عند العشاء الآخرة، فصلينا بها المغرب والعشاء جمعاً بينهما حسبما جرت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولما صلينا الصبح بمزدلفة غدونا منها إلى منى بعد الوقوف والدعاء بالمشعر الحرام. ومزدلفة كلها موقف إلا وادي محسر، ففيه تقع الهرولة حتى يخرج عنه. ومن مزدلفة يستصحب أكثر الناس حصيات الجمار، وذلك مستحب. ومنهم من يلقطها حول مسجد الخيف. والأمر في ذلك واسع. ولما انتهى الناس إلى منى بادروا لرمي جمرة العقبة، ثم نحروا وذبحوا، ثم حلقوا وحلوا من كل شيء إلا النساء والطيب حتى يطوفوا طواف الافاضة ورمي هذه الجمرة عند طلوع الشمس من يوم النحر. لما رموها توجه أكثر الناس بعد أن ذبحوا وحلقوا إلى طواف الإفاضة. ومنهم من أقام إلى اليوم الثاني. وفي اليوم الثاني رمى الناس عند زوال الشمس بالجمرة الأولى سبع حصيات، وبالوسطى كذلك، ووقفوا للدعاء بهاتين الجمرتين اقتداء بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولما كان اليوم الثالث تعجل الناس الانحدار إلى مكة شرفها الله، بعد أن كمل لهم رمي تسع وأربعين حصاة. وكثير منهم أقام اليوم الثالث بعد يوم النحر حتى رمي سبعين حصاة.
            [CENTER] [/CENTER]

            تعليق


            • ذكر كسوة الكعبة

              وفي يوم النحر بعثت كسوة الكعبة الشريفة من الركب المصري إلى البيت الكريم، فوضعت في سطحه، فلما كان اليوم الثالث بعد يوم النحر أخذ الشيبيون في إسبالها على الكعبة الشريفة. وهي كسوة سوداء حالكة من الحرير مبطنة بالكتان وفي أعلاها طراز مكتوب فيه بالبياض " جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً " الآية. وفي سائر جهاتها طراز مكتوب بالبياض فيها آيات من القرآن، وعليها نور لائح مشرق من سوادها. ولما كيست شمرت أذيالها صوناً من أيدي الناس. والملك الناصر هو الذي يتولى كسوة الكعبة الكريمة، ويبعث مرتبات القاضي والخطيب والأئمة والمؤذنين والفراشين والقومة، وما يحتاج له الحرم الشريف من الشمع والزيت في كل سنة. وفي هذه الأيام تفتح الكعبة الشريفة في كل يوم للعراقيين والخراسانين وسواهم ممن يصل مع الركب العراقي، وهم يقيمون بمكة بعد سفر الركبين الشامي والمصري أربعة أيام، فيكثرون فيها الصدقات على المجاورين وغيرهم. ولقد شاهدتهم يطوفون بالحرم ليلاً، فمن لقوه في الحرم من المجاورين أو المكيين أعطوه الفضة والثياب، وكذلك يعطون للمشاهدين الكعبة الشريفة، وربما وجدوا إنساناً نائماً فجعلوا في فيه الذهب والفضة حتى يفيق. ولما قدمت معهم من العراق سنة ثمان وعشرين فعلوا من ذلك كثيراً، وأكثروا الصدقة حتى رخص سوم الذهب بمكة، وانتهى صرف المثقال إلى ثمانية عشر درهماً نقرة، لكثرة ما تصدقوا به من الذهب. وفي هذه السنة ذكر اسم السلطان أبي السعيد ملك العراق على المنبر وقبة زمزم.
              [CENTER] [/CENTER]

              تعليق


              • ذكر الانفصال عن مكة شرفها الله تعالى

                وفي الموفي عشرين لذي الحجة خرجت من مكة صحبة أمير ركب العراق البهلوان محمد الحويح بحاءين مهملين، وهو من أهل الموصل. وكان يلي إمارة الحاج بعد موت الشيخ شهاب الدين قلندر، وكان شهاب الدين سخياً فاضلاً عظيم الحرمة عند سلطانه، يحلق لحيته وحاجبيه على طريقة القلندرية. ولما خرجت من مكة شرفها الله تعالى في صحبة الأمير البهلوان المذكور اكترى لي شقة محارة إلى بغداد، ودفع إجارتها من ماله، وأنزلني في جواره. وخرجنا بعد طواف الوداع إلى بطن مر ، في جمع من العراقيين والخراسانيين والفارسيين والأعاجم، لا يحصى عديدهم تموج بهم الأرض موجاً، ويسيرون سير السحاب المتراكم. فمن خرج عن الركب لحاجة، ولم تكن له علامة يستدل بها على موضعه، ضل عنه لكثرة الناس. وفي هذا الركب نواضح كثيرة لأبناء السبيل يستقون منها الماء، وجمال لرفع الراد للصدقة ورفع الأدوية والأشربة والسكر لمن يصيبه مرض. وإذا نزل الركب طبخ الطعام في قدور نحاس عظيمة تسمى الدسوت، وأطعم منها أبناء السبيل ومن لا زاد معه. وفي الركب جملة من الجمال يحمل عليها من لا قدرة له على المشي. كل ذلك من صدقات السلطان أبي سعيد ومكارمه.
                [CENTER] [/CENTER]

                تعليق


                • . قال ابن جزي: كرم الله هذه الكنية الشريفة، فما أعجب أمرها في الكرم، وحسبك بمولانا بحر المكارم ورافع رايات الجود الذي هو آية الندى والفضل أمير المسلمين أبي سعيد ابن مولانا قامع الكفار والآخذ للإسلام بالثار أمير المسلمين يوسف قدس الله أرواحهم الكريمة وأبقى الملك في عقبهم الطاهر إلى يوم الدين.
                  وفي هذا الركب الأسواق الحافلة والمرافق العظيمة وأنواع الأطعمة والفواكه وهم يسيرون بالليل ويوقدون المشاعل أمام القطار والمحارات، فترى الأرض تلألأ نوراً والليل قد عاد نهاراً ساطعاً ثم رحلنا من بطن مر إلى عسفان ثم إلى خليص، ثم رحلنا أربع مراحل، ونزلنا وادي السمك، ثم رحلنا خمساً، ونزلنا في بدر وهذه المراحل ثنتان في اليوم: إحداهما بعد الصبح والأخرى بالعشي، ثم رحلنا من بدر فنزلنا الصفراء، وأقمنا بها يوماً مستريحين، ومنها إلى المدينة الشريفة مسيرة ثلاث. ثم رحلنا فوصلنا إلى طيبة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحصلت لنا زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثانياً، وأقمنا بالمدينة كرمها الله تعالى ستة أيام، واستصحبنا منها الماء لمسيرة ثلاث، ورحلنا عنها فنزلنا في الثالثة بوادي العروس، فتزودنا منه الماء من حسيات يحفرون عليها في الأرض، فينبطون ماء عذباً معيناً، ثم رحلنا من وادي العروس ودخلنا أرض نجد، وهو بسيط من الأرض على مد البصر، فتنسمنا نسيمه الطيب الأرج، ونزلنا بعد أربع مراحل على ماء يعرف بالعسيلة ثم رحلنا عنه ونزلنا ماء يعرف بالنقرة، فيه آثار مصانع كالصهاريج العظيمة، ثم رحلنا إلى ماء يعرف بالقارورة، وهي مصانع مملوءة بماء المطر مما صنعته زبيدة ابنة جعفر رحمها الله ونفعها وهذا الموضع هو وسط أرض نجد فسيح طيب النسيم صحيح الهواء نقي التربة معتدل في كل فصل، ثم رحلنا من القاروروة ونزلنا بالحاجز، وفيه مصانع للماء، وربما جفت فحفر عن الماء في الجفار. ثم رحلنا ونزلنا سميرة، وهي أرض غائرة في بسيط فيه شبه حصن مسكون وماؤها كثير في آبار، إلا أنه زعاق ويأتي عرب تلك الأرض بالغنم والسمن واللبن فيبيعون ذلك من الحجاج بالثياب الخام، ولا يبيعون بسوى ذلك ثم رحلنا ونزلنا بالجبل المخروق، وهو في بيداء من الأرض، وفي أعلاه ثقب نافذة تخرقه الريح ثم رحلنا منه إلى وادي الكروش ولا ماء به ثم اسرينا ليلاً وصبحنا حصن فيد وهو حصن كبير في بسيط من الأرض يدور به سور وعليه ربض، وساكنوه عرب يتعيشون مع الحاج في البيع والتجارة.
                  [CENTER] [/CENTER]

                  تعليق


                  • . وهنالك يترك الحجاج بعض أزوادهم حين وصولهم من العراق إلى مكة شرفها الله تعالى، فإذا عادوا وجدوه وهو نصف الطريق من مكة إلى بغداد، ومنه إلى الكوفة مسيرة اثني عشر يوماً في طريق سهل به المياه في المصانع، ومن عادة الركب أن يدخلوا هذا الموضع على تعبئته وأهبة للحرب، ارهاباً للعرب االمجتمعين هنالك، وقطعاً لأطناعهم عن الركب وهنالك لقينا أميري العرب، وهما فياض وحيار واسمه " بكسر الحاء واهماله وياء آخر الحروف "، وهما ابنا الأمير مهنا بن عيسى، ومعهما من خيل العرب ورجالهم من لا يحصون كثرة فظهر منهما المحافظة على الحاج والرحال والحوطة لهم، وأتى العرب بالجمال والغنم وأشترى منهم الناس ما قدروا عليه، ثم رحلنا ونهزلنا الموضع الأجفر، ويشتهر باسم العاشقين: جميل وبثينة ثم رحلنا ونزلنا البيداء، ثم نزلنا زرود، وهي بسيط من الأرض فيه رمال منهالة وبه دور صغار، قد أدوارها شبه الحصن، وهنالك آبار ماء ليست بالعذبة ثم رحلنا ونزلنا الثعلبية، ولها حصن خرب بإزائه مصنع هائل ينزل إليه في درج، وبه من ماء المطر ما يعم الركب.
                    ويجتمع من العرب بهذا الموضع جمع عظيم فيبيعون الجمال والغنم والسمن واللبن. ومن هذا الموضع إلى الكوفة ثلاث مراحل ثم رحلنا فنزلنا ببركة المرجوم، وهو مشهد على الطريق عليه كوم عظيم من حجارة، وكل من مر به رجمه ويذكر أن هذا المرجوم كان رافضياً، فسافر مع الركب يريد الحج، فوقعت بينه وبين أهل السنة من الأتراك مشاجرة، فسب بعض الصحابة،فقتلوه بالحجارة. وبهذا الموضع بيوت كثيرة للعرب، ويقصدون الركب بالسمن واللبن وسوى ذلك، وبه مصنع كبير يعم جميع الركب مما بنته زبيدة رحمة الله عليها، وكل مصنع أو بركة أو بئر بهذا الطريق التي بين مكة وبغداد، فهي من كريم آثارها جزاها الله خيراً، ووفى لها أجرها. ولولا عنايتها بهذا الطريق ما سلكها أحد، ثم رحلنا ونزلنا موضعاً يعرف بالمشقوق، فيه مصنعان بهما الماء العذب الصافي، وأراق الناس ما كان عندهم من الماء وتزودوا منهما. ثم رحلنا ونزلنا موضعاً يعرف بالتنانير، وفيه مصانع تمتلئ بالماء، ثم أسرينا منه واجتزنا ضحوة بزمالة، وهي قرية معمورة بها قصر للعرب ومصنعان للماء وآبار كثيرة، وهي من مناهل هذا الطريق ثم رحلنا فنزلنا الهيثمين، وفيه مصنعان للماء ثم رحلنا فنزلنا دون العقبة المعروفة بعقبة الشيطان، وصعدنا العقبة في اليوم الثاني وليس بهذا الطريق وعر سواها، على أنها ليست بصعبة ولا طائلة، ثم نزلنا موضعاً يسمى واقصة فيه قصر كبير ومصانع للماء، معمور بالعرب، وهو آخر مناهل هذا الطريق، وليس فيما بعده إلى الكوفة منهل مشهور الا مشارع ماء الفرات، وبه يتلقى كثير من أهل الكوفة الحاج، ويأتون بالدقيق والخبز والتمر والفواكه، ويهنئ الناس بعضهم بعضاً بالسلامة ثم نزلنا موضعاً يعرف بلورة، فيه مصنع كبير للماء ثم نزلنا موضعاً يعرف بالمساجد، فيه ثلاث مصانع ثم نزلنا موضعاً يعرف بمنارة القرون، وهي منارة في بيداء من الأرض بائنة الارتفاع مجللة بقرون الغزلان ولا عمارة حولها، ثم نزلنا موضعاً يعرف بالعذيب، وهو واد مخصب عليه عمارة وحوله فلا خصبة فيها مسرح للبصر.
                    [CENTER] [/CENTER]

                    تعليق


                    • ثم نزلنا القادسية حيث كانت الوقعة الشهيرة على الفرس التي أظهر الله فيها دين وكان أمير المسلمين يومئذ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. وكانت القادسية مدينة عظيمة افتتحها سعد رضي الله عنه، وخربت فلم يبق منها الآن الا مقدار قرية كبيرة، وفيها حدائق النخل وبها مشارع من ماء الفرات، ثم رحلنا منها فنزلنا مدينة مشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالنجف، وهي مدينة حسنة في أرض فسيحة صلبة من أحسن مدن العراق وأكثرها ناساً وأتقنها بناء ولها أسواق حسنة نظيفة دخلناها من باب الحضرة، فاستقبلنا سوق البقالين والطباخين والخبازين، ثم سوق الفاكهة ثم سوق الخياطين والقيسارية ثم سوق العطارين ثم الحضرة حيث القبر الذي يزعمون أنه قبر علي عليه السلام، وبإزائه المدارس والزوايا والخوانق معمورة أحسن عمارة، وحيطانها بالقاشاني وهو شبه الزليج عندنا لكن لونه أشرق ونقشه أحسن.
                      [CENTER] [/CENTER]

                      تعليق


                      • ذكر الروضة والقبور التي بها

                        ويدخل من باب الحضرة إلى مدرسة عظيمة يسكنها الطلبة والصوفية من الشيعة ولكل وارد عليها ضيافة ثلاثة أيام من الخبز واللحم والتمر مرتين في اليوم ومن تلك المدرسة يدخل إلى باب القبة، وعلى بابها الحجاب والنقباء والطواشية فعندما يصل الزائر يقوم إليه أحدهم أو جميعم وذلك على قدر الزائر، فيقفون معه على العتبة ويستأذنون له، ويقولون عن أمركم يا أمير المؤمنين هذا العبد الضعيف يستأذن على دخوله الروضة العلية، فإن أذنتم له وإلا رجع، وإن لم يكن أهلاً لذلك فأنتم أهل المكارم والستر ثم يأمرونه بتقبيل العتبة وهي من الفضة، وكذلك العضادتان، ثم يدخل القبة وهي مفروشة بأنواع البسط من الحرير وسواه، وبها قناديل الذهب والفضة، منها الكبار والصغار، وفي وسط القبة مسطبة مربعة مكسوة بالخشب، عليه صفائح الذهب المنقوشة المحكمة العمل، مسمرة بمسامير الفضة، قد غلبت على الخشب بحيث لا يظهر منه شيء، وارتفاعها دون القامة، وفوقها ثلاثة من القبور، يزعمون أن أحدها قبر آدم عليه الصلاة والسلام، والثاني قبر نوح عليه الصلاة والسلام، والثالث قبر علي رضي الله تعالى عنه وبين القبور طسوت ذهب وفضة فيها ماء الورد والمسك وأنواع الطيب يغمس الزائر يده في ذلك ويدهن به وجهه تبركاً. وللقبة باب آخر عتبته أيضاً من الفضة وعليه ستور الحرير الملون يفضي إلى مسجد مفروش بالبسط الحسان، مستورة حيطانه وسقفه بستور الحرير، وله أربعة أبواب، عتباتها فضة وعليها ستور الحرير، وأهل هذه المدينة كلهم رافضية. وهذه الروضة ظهرت لها كرامات ثبت بها عندهم أن بها قبر علي رضي الله عنه فمنها أن في ليلة السابع والعشرين من رجب وتسمى عندهم ليلة المحيا، يؤتى إلى تلك الروضة بكل مقعد من العراقين وخراسان وبلاد فارس والروم، فيجتمع منهم الثلاثون والأربعون ونحو ذلك. فإذ كان بعد العشاء الآخرة جعلوا فوق الضريح المقدس، والناس ينظرون قيامهم، وهم ما بين مصل وذاكر وتالٍ ومشاهد للروضة فإذا مضى من الليل نصفه، أو ثلثاه أو نحو ذلك، قام الجميع أصحاء من غير سوء، وهم يقولون: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله وهذا أمر مستفيض عندهم سمعته من الثقات. ولم أحضر تلك الليلة لكني رأيت بمدرسة الضياف ثلاثة من الرجال: أحدهم من أرض الروم والثاني من أصبهان والثالث من خراسان، وهم مقعدون، فاستخبرهم عن شأنهم، فأخبروني أنهم لم يدركوا ليلة المحيا، وأنهم منتظرون أوانها من عام آخر. وهذه الليلة يجتمع لها الناس من البلاد، ويقيمون سوقاً عظيمة مدة عشرة أيام وليس بهذه المدينة مغرم ولا مكاس ولا والٍ، وإنما يحكم عليهم نقيب الأشراف وأهلها تجار يسافرون في الأقطار، وهم أهل شجاعة وكرم ولا يضام جارهم. صحبتهم في الأسفار فحمدت صحبتهم، لكنهم غلوا في علي رضي الله عنه، ومن الناس في بلاد العراق وغيرها من يصيبه المرض فينذر للروضة نذراً إذا برئ، ومنهم من يمرض رأسه فيصنع رأساً من ذهب أو فضة ويأتي به إلى الروضة، فيجعله النقيب في الخزانة، وكذلك اليد والرجل وغيرهما من الأعضاء وخزانة الروضة عظيمة فيها من الأموال ما لا يضبط لكثرته.
                        [CENTER] [/CENTER]

                        تعليق


                        • ذكر نقيب الأشراف

                          ونقيب الأشراف مقدم من ملك العراق، ومكانه عنده مكين، ومنزلته رفيعة، وله ترتيب الأمراء الكبار في سفره، وله الأعلام والأطبال، وتضرب الطبلخانة عند بابه مساء وصباحاً، وإليه حكم هذه المدينة، ولا والي بها سواه، ولا مغرم فيها للسلطان ولا لغيره. وكان النقيب في عهد دخولي إليها نظام الدين حسين بن تاج الدين الآوي، نسبة إلى بلده آوة من عراق العجم، أهلها رافضة، وكان قبله جماعة، يلي كل واحد منهم بعد صاحبه، منهم جلال الدين بن الفقيه ومنهم قوام الدين بن طاوس ومنهم ناصر الدين بن مطهر بن الشريف الصالح شمس الدين محمد الأوهري من عراق العجم، وهو الآن بأرض الهند من ندماء ملكها، ومنهم أبو غرة بن سالم بن مهنا بن جماز بن شيحة الحسيني المدني.
                          حكاية كان الشريف أبو غرة قد غلب عليه في أول أمره العبادة وتعلم العلم واشتهر بذلك، وكان بالمدينة الشريفة كرمها الله في جوار ابن عمه منصور بن جماز أمير المدينة، ثم إنه خرج عن المدينة واستوطن العراق وسكن منها بالحلة، فمات النقيب قوام الدين بن طاوس فانفق أهل العراق على تولية أبي غرة نقابة الأشراف، وكتبوا بذلك إلى السلطان أبي سعيد فأمضاه ونفذ له اليرليغ، وهو الظهير بذلك، وبعث له الخلعة والأعلام والطبول على عادة النقباء ببلاد العراق، فغلبت عليه الدنيا، وترك العبادة والزهد، وتصرف في الأموال تصرفا قبيحاً فرفع أمره إلى السلطان، فلما علم بذلك أعمل السفر، مظهراً أنه يريد خراسان، قاصداً زيارة قبر علي بن موسى الرضا بطوس، وكان قصده الفرار. فلما زار علي ابن موسى قدم هراة، وهي آخر بلاد خراسان، وأعلم أصحابه أنه يريد بلاد الهند، فرجع أكثرهم عنه، وتجاوز هو أرض خراسان، إلى السند فلما جاوز وادي السند المعروف ببنج آب ضرب طبوله وأنفاره فراع ذلك أهل القرى وظنوا أن التتر أتوا للاغارة عليهم، وأجفلوا إلى المدينة المسماة بأوجا، وأعلموا أميرها بما سمعوه، فركب في عساكره واستعد للحرب وبعث الطلايع، فرأوا نحو عشرة من الفرسان وجماعة من التجار والرجال ممن صحب الشريف في طريقه، معهم الأطبال والأعلام، فسألوهم عن شأنهم، فأخبروهم أن الشريف نقيب العراق أتى وافداً على ملك الهند، فرجع الطلايع إلى الأمير وأخبروه بكيفية الحال فاستضعف عقل الشريف لرفعة العلامات وضربه الطبول في غير بلاده. ودخل الشريف مدينة أوجا وأقام بها مدة، تضرب الأطبال على باب داره غدوة وعشية، وكان مولعاً بذلك. ويذكر أنه كان في أيام نقابته بالعراق تضرب الأطبال على رأسه، فإذا أمسك النقار عن الضرب يقول له زد نقرة يا نقار حتى لقب بذلك: وكتب صاحب مدينة اوجا إلى ملك الهند يخبر الشريف وضربه الأطبال بالطريق وعلى باب داره غدوة وعشياً ورفعه الأعلام وعادة أهل الهند أن لا يرفع علماً ولا يضرب طبلاً إلا من أعطاه الملك ذلك، ولا يفعله الا في السفر، وأما في حال الإقامة فلا يضرب الطبل إلا على باب الملك خاصة، بخلاف مصر والشام والعراق فإن الطبول تضرب على أبواب الأمراء، فلما بلغ خبره ملك الهند كره فعله وأنكره وفعل في نفسه، ثم خرج الأمير إلى حضرة الملك، وكان الأمير كشلي خان، والخان عندهم أعظم الأمراء، وهو الساكن بملتان، كرسي بلاد السند، وهو عظيم القدر عند ملك الهند، يدعو بالعم، لأنه كان ممن أعان أباه السلطان غياث الدين تغلق شاه على قتال السلطان ناصر الدين خسرو شاه، قد قدم على حضرة ملك الهند، فخرج الملك إلى لقائه فاتفق أن كان وصول الشريف في ذلك اليوم، وكان الشريف قد سبق الأمير بأميال وهو على حاله من ضرب الأطبال، فلم يرعه إلا السلطان في موكبه، فتقدم الشريف إلى السلطان فسلم عليه وسأله السلطان عن حاله وما الذي جاء به فأخبره، ومضى السلطان حتى لقي الأمير كشلي خان وعاد إلى حضرته، ولم يلتفت إلى الشريف ولا أمر له بإنزال ولاغيره.
                          وكان الملك عازماً على السفر إلى مدينة دولة أباد، وتسمى أيضاً بالكتكة " بفتح الكافين والتاء المعلوة التي بينهما " وتسمى أيضاً بالدونجر " دوكير "، وهي على مسيرة أربعين يوماً من مدينة دهلي حاضرة الملك. فلما شرع الملك في السفر بعث إلى الشريف بخمسمائة دينار دراهم، وصرفها من ذهب المغرب مائة وخمسة وعشرون ديناراً، وقال لرسوله اليه: قل له إن أراد الرجوع إلى بلاده فهذا زاده، وإن أراد السفر معنا فهي نفقته في الطريق، وان أراد الإقامة بالحضرة فهي نفقته حتى نرجع، فاغتم الشريف لذلك، وكان قصده أن يجزل له العطاء، كما هي عادته مع أمثاله واختار السفر صحبة السلطان، وتعلق بالوزير أحمد بن أياس المدعو بخواجة جهان وبذلك سماه الملك، وبه يدعوه هو، وبه بدعوة سائر الناس، فإن من عادتهم أنه متى سمى الملك أحداً باسم مضاف إلى الملك من عماد أو ثقة أو قطب، أو باسم مضاف إلى الجهان من صدر وغيره، فبذلك يخاطبه الملك وجميع الناس، ومن خاطبه، بسوى ذلك لزمته العقوبة فتأكدت المودة بين الوزير والشريف، فأحسن إليه ورفع قدره ولاطف الملك حتى حسن فيه رأيه، وأمر له بقريتين من قرى دور أباد، وأمره أن تكون إقامته بها وكان هذا الوزير من أهل الفضل والمروءة ومكارم الأخلاق والمحبة في الغرباء، والإحسان إليهم وفعل الخير وإطعام الطعام وعمارة الزوايا فأقام الشريف يستغل القريتين ثمانية أعوام وحصل من ذلك مالا عظيماً، ثم أراد الخروج، فلم يمكنه، فإنه من خدم السلطان لا يمكنه الخروج إلا بإذنه وهو محب في الغرباء، فقليلاً ما يأذن لأحدهم في السراح، فأراد الفرار من طريق الساحل فرد منه، وقدم الحضرة، ورغب من الوزير أن يحاول قضية انصرافه، فتلطف الوزير في ذلك حتى أذن له السلطان في الخروج عن بلاد الهند، وأعطاه عشرة آلاف دينار من دراهمهم، وصرفها من ذهب المغرب ألفان وخمسمائة دينار، فأتى بها في بدرة، فجعلها تحت فراشه ونام عليها، لمحبته في الدنانير وفرحه بها وخوفه أن يتصل لأحد من أصحابه شيء منها، فإنه كان بخيلاً، فأصابه وجع في جنبه بسبب رقاده عليها ولم يزل يتزايد به وهو آخذ في حركة سفره إلى ان توفي بعد عشرين يوماً من وصول البدرة إليه. أوصى بذلك المال للشريف حسن الجراني، فتصدق بجملته على جماعة من الشيعة المقيمين بدهلي من أهل الحجاز والعراق وأهل الهند، لا يورثون بيت المال ولا يتعرضون لمال الغرباء ولا يسألون عنه، ولو بلغ ما عسى أن يبلغ وكذلك السودان لا يتعرضون لمال الأبيض ولا يأخذونه، إنما يكون عند الكبار من أصحابه حتى يأتي مستحقه. وهذا الشريف أبو غرة له أخ اسمه قاسم، سكن غرناطة مدة، وبها تزوج بنت الشريف أبي عبد الله بن إبراهيم الشهير بالمكي، ثم انتقل إلى جبل طارق فسكنه إلى ان استشهد بوادي كرة من نظر الجزيرة الخضراء وكان بهمة من البهم لا يصطلي بناره، خرق المعتاد في الشجاعة وله فيها أخبار شهيرة عند الناس، وترك ولدين هما في كفالة ربيبهما الشريف الفاضل أبي عبد الله محمد بن أبي القاسم بن نفيس الحسيني الكربلائي الشهير ببلاد المغرب وبالعراق، وكان تزوج أمهما بعد موت أبيهما، وهو محسن لها جزاه الله خيراً.
                          ولما تحصلت لنا زيارة أمير المؤمنين علي عليه السلام سافر الركب إلى بغداد، وسافرت إلى البصرة صحبة رفقة كبيرة من عرب خفاجة، وهم أهل تلك البلاد، ولهم شوكة عظيمة وبأس شديد، ولا سبيل للسفر في تلك الأقطار الا في صحبتهم فاكتريت جملاً على يد أمير تلك القافلة شامر بن دراج الخفاجي وخرجنا من مشهد علي عليه السلام، فنزلنا الخورنق، موضع سكنى النعمان بن المنذر وآبائه من ملوك بني ماء السماء، وبه عمارة وبقايا قباب ضخمة في قضاء فسيح على نهر يخرج من الفرات ثم رحلنا عنه فنزلنا موضعاً يعرف بقائم الواثق، وبه أثر قرية خربة ومسجد خرب لم يبق منه إلا صومعته، ثم رحلنا عنه آخذين مع جانب الفرات بالموضع المعروف بالعذار، وهو غابة قصب في وسط الماء يسكنها أعراب يعرفون بالمعادي، وهم قطاع الطريق رافضية المذهب، خرجوا على جماعة من الفقراء تأخروا عن رفقتنا، فسلبوهم حتى النعال والكشاكل. وهم يتحصنون بتلك الغابة ويمتنعون بها ممن يريدهم، والسباع بها كثيرة. ورحلنا مع هذا الغدار ثلاث مراحل، ثم وصلنا مدينة واسط.
                          [CENTER] [/CENTER]

                          تعليق


                          • مدينة واسط

                            وهي حسنة الأقطار كثيرة البساتين والاشجار، بها أعلام يهدى الخير شاهدهم، وتهدي الاعتبار مشاهدهم، وأهلها من خيار أهل العراق، بل هم خيرهم على الاطلاق. أكثرهم يحفظون القرآن الكريم ويجيدون تجويده بالقراءة الصحيحة، وإليهم يأتي أهل بلاد العراق برسم تعلم ذلك. وكان في القافلة التي وصلنا فيها جماعة من الناس أتوا برسم تجويد القرآن على من بها من الشيوخ، وبها مدرسة عظيمة حافلة وفيها نحو ثلاثمائة خلوة ينزلها الغرباء القادمون لتعلم القرآن. عمرها الشيخ تقي الدين عبد المحسن الواسطي، وهو من كبار أهلها وفقهائها. ويعطي لكل متعلم بها كسوة في السنة، ويجري له نفقته كل يوم، ويقعد هو وإخوانه وأصحابه لتعليم القرآن بالمدرسة، وقد لقيته وأضافني وزودني تمراً ودراهم. ولما نزلنا مدينة واسط أقامت القافلة ثلاثاً بخارجها للتجارة. فسنح لي زيارة قبر الولي أبي العباس أحمد الرفاعي، وهو بقرية تعرف بأم عبيدة، على مسيرة يوم من واسط. فطلبت من الشيخ تقي الدين أن يبعث معي من يوصلني إليها. فبعث معي ثلاثة من عرب بني أسد، وهم قطان تلك الجهة. وأركبني فرساً له، وخرجت ظهراً، فبت تلك الليلة بحوش بني أسد، ووصلنا في ظهر اليوم الثاني إلى الرواق، وهو رباط عظيم فيه آلاف من الفقراء. وصادفنا به قدوم الشيخ أحمد كوجك حفيد ولي الله أبي العباس الرفاعي الذي قصدنا زيارته. وقد قدم من موضع سكناه من بلاد الروم برسم زيارته قبر جده، وإليه انتهت الشياخة بالرواق. ولما انقضت صلاة العصر ضربت الطبول والدفوف، وأخذ الفقراء في الرقص، ثم صلوا المغرب وقدموا السماط، وهو خبز الأرز والسمك واللبن والتمر، فأكل الناس، ثم صلوا العشاء الآخرة، وأخذوا في الذكر، والشيخ أحمد قاعد على سجادة جده المذكور، ثم أخذوا في السماع، وقد أعدوا أحمالاً من الحطب فأججوها ناراً، ودخلوا في وسطها يرقصون ومنهم من يتمرغ فيها ومنهم من يأكلها بفمه حتى أطفأها جميعاً وهذا دأبهم. وهذه الطائفة الأحمدية مخصوصون بهذا، وفيهم من يأخذ الحية العظيمة فيعض بأسنانه على رأسها حتى يقطعه.
                            [CENTER] [/CENTER]

                            تعليق


                            • حكاية

                              كنت مررت بموضع يقال له، أفقانبور، من عمالة هزار أمروها، وبينها وبين دهلي حضرة الهند مسيرة خمس. وقد نزلنا بها على نهر يعرف بنهر السرور، وذلك في أوان الشكال، والشكال عندهم هو المطر، وينزل في إبان القيظ. وكان السيل ينحدر في هذا النهر من جبال قراجيل. فكل من يشرب منه من إنسان أو بهيمة يموت لنزول المطر على الحشائش المسمومة. فأقمنا على النهر أربعة أيام لا يقربه أحد، ووصل إلى هنالك جماعة من الفقراء في أعناقهم أطواق الحديد وفي أيديهم، وكبيرهم رجل أسود حالك اللون. وهم من الطائفة المعروفة بالحيدرية. فباتوا عندنا ليلة، وطلب مني كبيرهم أن آتيه بالحطب ليوقدوه عند رقصهم، فكلفت والي تلك الجهة وهو عزيز المعروف بالخمار، " وسيأتي ذكره "، أن يأتي بالحطب فوجه منه عشرة أحمال، فأضرموا فيه النار بعد صلاة العشاء الآخرة حتى صارت جمراً، وأخذوا في السماع، ثم دخلوا في تلك النار. فما زالوا يرقصون ويتمرغون فيها، وطلب مني كبيرهم قميصاً، فأعطيته فقميصاً في النهاية من الرقة، فلبسه وجعل يتمرغ به في النار ويضربها بأكمامه حتى طفئت تلك النار، وخمدت. وجاء إلي بالقميص، والنار لم تؤثر فيه شيئاً البتة. فطال عجبي منه. ولما حصلت لي زيارة الشيخ أبي العباس الرفاعي نفع الله به، وعدت إلى مدينة واسط، فوجدت الرفقة التي كنت فيها قد رحلت، فلحقتها في الطريق ونزلنا ماء يعرف بالهضيب، ثم رحلنا بوادي الكراع وليس به ماء، ثم رحلنا ونزلنا موضعاً يعرف بالمشيرب. ثم رحلنا منه ونزلنا بالقرب من البصرة، ثم رحلنا فدخلنا ضحوة النهار إلى مدينة البصرة.
                              [CENTER] [/CENTER]

                              تعليق


                              • مدينة البصرة

                                فنزلنا بها رباط مالك بن دينار، وكنت رأيت عند قدومي عليها على نحو ميلين منها بناء عالياً مثل الحصن، فسألت عنه، فقيل لي: هو مسجد علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وكانت البصرة من اتساع الخطة وانفساح الساحة بحيث كان هذا المسجد في وسطها. وبينه الآن وبينها ميلان ، وكذلك بينه وبين السور الأول المحيط بها نحو ذلك، فهو متوسط بينهما. ومدينة البصرة إحدى أمهات العراق الشهيرة الذكر في الآفاق الفسيحة الأرجاء المونقة الأفناء، ذات البساتين الكثيرة والفواكه الأثيرة، توفر قسمها من النضارة والخصب، لما كانت مجمع البحرين: الأجاج والعذب، وليس في الدنيا أكثر نخلاً منها، فيباع التمر في سوقها بحساب أربعة عشر رطلاً عراقية بدرهم، ودرهمهم ثلث النقرة. ولقد بعث إلى قاضيها حجة الدين بقوصرة تمر، يحملها الرجل على تكلف، فأردت بيعها، فبيعت بتسعة دراهم، أخذ الحمال منها ثلثها عن أجرة حملها من المنزل إلى السوق. ويصنع بها من التمر عسل يسمى السيلان، وهو طيب كأنه الجلاب.
                                والبصرة ثلاثة محلات: احداها محلة هذيل، وكبيرها الشيخ الفاضل علاء الدين بن الأثير، من الكرماء الفضلاء، أضافني وبعث إلي بثياب ودراهم، والمحلة الثانية محلة بني حرام، كبيرها السيد الشريف مجد الدين موسى الحسنى، ذو مكارم وفواضل، أضافني وبعث إلي التمر والسيلان والدراهم، والمحلة الثالثة محلة العجم، كبيرها جمال الدين ابن اللوكي. وأهل البصرة لهم مكارم أخلاق وإيناس للغريب وقيام بحقه، فلا يستوحش فيما بينهم غريب. وهم يصلون الجمعة في مسجد أمير المؤمنين علي رضي الله عنه الذي ذكرته، ثم يسد فلا يأتونه إلا في الجمعة. وهذا المسجد من أحسن المساجد، وصحنه متناهي الانفساح مفروش بالحصباء الحمراء التي يؤتى بها من وادي السباع، وفيه المصحف الكريم الذي كان عثمان رضي الله عنه يقرأ فيه لما قتل، وأثر تغييره الدم في الورقة التي فيها قوله تعالى: " فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم " .
                                [CENTER] [/CENTER]

                                تعليق

                                يعمل...
                                X