إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رحلة ابن بطوطة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #76
    حكاية

    شاهدت أيام الطاعون الأعظم بدمشق في أواخر ربيع الثاني سنة تسع وأربعين من تعظيم أهل دمشق لهذا المسجد ما يعجب منه، وهو أن ملك الأمراء نائب السلطان أرغون شاه أمر منادياً ينادي بدمشق أن يصوم الناس ثلاثة أيام، ولا يطبخون بالسوق. فصام الناس ثلاثة أيام متوالية، كان آخرها يوم الخميس. ثم اجتمع الأمراء والشرفاء والقضاة والفقهاء وسائر الطبقات على اختلافها في الجامع، حتى غص بهم، وباتوا ليلة الجمعة ما بين مصلٍ وذاكر وداعٍ، ثم صلوا الصبح، وخرجوا جميعاً على أقدامهم، وبأيديهم المصاحف، والأمراء حفاة.وخرج جميع أهل البلد ذكوراً وإناثاً، صغاراً وكباراً، وخرج اليهود بتوراتهم، والنصارى بإنجيلهم، ومعهم النساء والولدان،وجميعهم باكون متضرعون إلى الله بكتبه وأنبيائه، وقصدوا مسجد الأقدام، وأقاموا به في تضرعهم ودعائهم إلى قرب الزوال، وعادوا إلى البلد، وصلوا الجمعة. وخفف الله تعالى عنهم عندما انتهى عدد الموتى إلى ألفين في اليوم الواحد - وقد انتهى عددهم بالقاهرة ومصر إلى أربعة وعشرين ألفاً باليوم الواحد - وبالباب الشرقي من دمشق منارة بيضاء يقال إنها التي ينزل عيسى عليه السلام عندها حسبما ورد في صحيح مسلم.
    [CENTER] [/CENTER]

    تعليق


    • #77
      ذكر أرباض دمشق

      وتدور بدمشق من جهاتها ما عدا الشرقية أرباض فسيحة الساحات، دواخلها أملح من داخل دمشق، لأجل الضيق الذي في سككها. وبالجهة الشمالية منها ربض الصالحية، وهي مدينة عظيمة لها سوق لا نظير لحسنه، وفيها مسجد جامع ومارستان، وبها مدرسة تعرف بمدرسة ابن عمر موقوفة على من أراد أن يتعلم القرآن الكريم من الشيوخ والكهول. وتجري لهم ولمن يعلمهم كفايتهم من المآكل والملابس وبداخل البلد أيضاً مدرسة مثل هذه تعرف بمدرسة ابن منجا وأهل الصالحية كلهم على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه.
      [CENTER] [/CENTER]

      تعليق


      • #78
        ذكر قاسيون ومشاهده المباركة

        وقاسيون: جبل في شمال دمشق، والصالحية في سفحه وهو شهير البركة، لأنه مصعد الأنبياء عليهم السلام. ومن مشاهده الكريمة الغار الذي ولد فيه إبراهيم عليه السلام وهو غار مستطيل ضيق، عليه مسجد كبير، وله صومعة عالية، ومن ذلك الغار رأى الكوكب والقمر والشمس حسبما ورد في الكتاب العزيز وفي ظهر الغار مقامه الذي كان يخرج إليه. وقد رأيت ببلاد العراق قرية تعرف ببرص " بضم الباء الموحدة وآخرها صاد مهمل "، ما بين الحلة وبغداد يقال: إن مولد إبراهيم عليه السلام كان بها وهي بمقربة من بلد ذي الكفل عليه السلام، وبها قبره. ومن مشاهده بالغرب منه، مغارة الدم، وفوقها بالجبل دم هابيل بن آدم عليه السلام، وقد أبقى الله منه في الحجارة أثراً محمراً وهو الموضع الذي قتله أخوه به، واجتره إلى المغارة. ويذكر أن تلك المغارة صلى فيها إبراهيم وموسى وعيسى وأيوب ولوط صلى الله عليهم أجمعين وعليها مسجد متقن البناء يصعد إليه على درج وفيه بيوت ومرافق للسكنى ويفتح في كل يوم اثنين وخميس والشمع والسرج توقد في المغارة ومنها كهف بأعلى الجبل ينسب لآدم عليه السلام وعليه بناء وأسفل منه مغارة تعرف بمغارة الجوع يذكر أنه أوى إليها سبعون من الأنبياء عليهم السلام، وكان عندهم رغيف فلم يزل يدور عليهم، وكل منهم يؤثر صاحبه به، حتى ماتوا جميعاً صلى الله عليهم، وعلى هذه المغارة مسجد مبني والسرج توقد فيه ليلاً ونهاراً ولكل مسجد من هذه المساجد أوقاف كثيرة معينة ويذكر أن فيما بين باب الفراديس وجامع قاسيون مدفن سبعمائة نبي، وبعضهم يقول سبعين ألفاً، وخارج المدينة المقبرة العتيقة، وهي مدفن الأنبياء والصالحين وفي طرفها مما يلي البساتين أرض منخفضة غلب عليها الماء يقال: إنها مدفن سبعين نبياً وقد عادت قراراً للماء ونزهت من أن يدفن فيها أحد .
        [CENTER] [/CENTER]

        تعليق


        • #79
          ذكر الربوة والقرى التي تواليها

          وفي آخر جبل قاسيون الربوة المباركة المذكورة في كتاب الله ذات القرار والمعين، ومأوى المسيح عيسى وأمه عليهما السلام. وهي من أجمل مناظر الدنيا ومنتزهاتها وبها القصور المشيدة والمباني الشريفة والبساتين البديعة والمأوى المبارك، مغارة صغيرة في وسطها كالبيت الصغير، وإزاءها بيت يقال: إنه مصلى الخضر عليه السلام يبادر الناس إلى الصلاة فيها. وللمأوى باب حديد صغير والمسجد يدور به وله شوارع دائرة وساقية حسنة، ينزل لها الماء من علو وينصب في شاذروان في الجدار يتصل بحوض من رخام، ويقع فيه الماء ولا نظير له في الحسن وغرابة الشكل وبقرب ذلك مطاهر للوضوء يجري فيها الماء وهذه الربوة المباركة هي رأس بساتين دمشق، وبها منابع مياهها، وينقسم الماء الخارج منها على سبعة أنهار، كل نهر آخذ في جهة، ويعرف ذلك الموضع بالمقاسم، وأكبر هذه الأنهار النهر المسمى بتورة وهو يشق تحت الربوة، وقد نحت له مجرى في الحجر الصلد، كالغار الكبير، وربما انغمس ذو الجسارة من العوامين في النهر من أعلى الربوة واندفع في الماء حتى يشق مجراه ويخرج من أسفل الربوة، وهي مخاطرة عظيمة وهذه الربوة تشرف على البساتين الدائرة بالبلد، ولها من الحسن واتساع مسرح الأبصار ما ليس لسواها. وتلك الأنهار السبعة تذهب في طرق شتى، فتحار الأعين في حسن اجتماعها وافتراقها واندفاعها وانصبابها. وجمال الربوة وحسنها التام أعظم من أن يحيط به الوصف. ولها الأوقاف الكثيرة من المزارع والبساتين والرباع، تقام منها وظائفها للإمام والمؤذن والصادر والوارد وبأسفل الربوة قرية النيرب وقد تكاثرت بساتينها وتكاثفت ظلالها وتدانت أشجارها فلا يظهر من بنائها إلا ما سما ارتفاعه ولها حمام مليح ولها جامع بديع مفروش صحنه بفصوص الرخام، وفيه سقاية رائعة الحسن ومطهرة، فيها بيوت عدة يجري فيها الماء وفي القبلي من هذه القرية قرية المزة وتعرف بمزة كلب نسبة إلى قبيلة كلب بن وبرة بن ثعلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وكانت إقطاعاً لهم وإليها ينسب الإمام حافظ الدنيا جمال الدين يوسف بن الزكي الكلبي المزي وكثير سواه من العلماء وهي من أعظم قرى دمشق بها جامع كبير عجيب، وسقاية معينة وأكثر قرى دمشق فيها الحمامات والمساجد الجامعة والأسواق وسكانها كأهل الحاضرة في مناحيهم، وفي شرقي البلد قرية تعرف ببيت الأهبة وكانت فيها كنيسة يقال: إن آزر كان يجلب فيها الأصنام فيكسرها الخليل عليه السلام، وهي الآن مسجد جامع بديع مزين بفصوص الرخام الملونة المنظمة بأعجب نظام وأزين التئام.
          [CENTER] [/CENTER]

          تعليق


          • #80
            ذكر الأوقاف بدمشق وبعض فضائل أهلها وعوائدهم

            والأوقاف بدمشق لاتحصر أنواعها ومصارفها لكثرتها فمنها أوقاف على العاجزين عن الحج، يعطى لمن يحج عن الرجل منهم كفايته، ومنها أوقاف على تجهيز البنات إلى أوزواجهن، وهن اللواتي لا قدرة لأهلهن على تجهيزهن، ومنها أوقاف لفكاك الأسارى، ومنها أوقاف لأبناء السبيل، يعطون منها ما يأكلون ويلبسون ويتزودون لبلادهم، ومنها أوقاف على تعديل الطرق ورصفها لأن أزقة دمشق لكل واحد منها رصيفان في جنبيه يمر عليهما المترجلون، ويمر الركبان بين ذلك، ومنها أوقاف لسوى ذلك من أفعال الخير.
            [CENTER] [/CENTER]

            تعليق


            • #81
              حكاية

              مررت يوماً ببعض أزقة دمشق فرأيت به مملوكاً صغيراً قد سقطت من يده صحفة من الفخار الصيني، وهم يسمونها الصحن، فتكسرت واجتمع عليه الناس فقال له بعضهم، إجمع شقفها واحملها معك لصاحب أوقاف الأواني فجمعها وذهب الرجل معه إليه فأراه إياها فدفع له ما اشترى به مثل ذلك الصحن. وهذا من أحسن الأعمال فإن سيد الغلام لا بد له أن يضربه على كسر الصحن، أو ينهره وهو أيضاً ينكسر قلبه، ويتغير لأجل ذلك فكان هذا الوقف جبراً للقلوب جزى الله خيراً من تسامت همته في الخير إلى مثل هذا. وأهل دمشق يتنافسون في عمارة المساجد والزوايا والمدارس والمشاهد وهم يحسنون الظن بالمغاربة، ويطمئنون إليهم بالأموال والأهلين والأولاد وكل من انقطع بجهة من جهات دمشق لا بد أن يتأتى له وجه من المعاش، من إمامة مسجد، أو قراءة بمدرسة أو ملازمة مسجد، يجيء إليه فيه رزقه أو قراءة القرآن، أوخدمة مشهد من المشاهد المباركة، أو يكون كجملة الصوفية بالخوانق، تجري له النفقة والكسوة فمن كان بها غريباً على خير لم يزل مصوناً عن بذل وجهه محفوظاً عما يزري بالمروءة ومن كان من أهل المهنة والخدمة فله أسباب أخر، من حراسة بستان أو أمانة طاحونة أو كفالة صبيان يغدو معهم إلى التعليم ويروح ومن أراد طلب العلم أو التفرغ للعبادة وجد الإعانة التامة على ذلك. ومن فضائل أهل دمشق أنه لا يفطر أحد منهم في ليالي رمضان وحده ألبتة فمن كان من الأمراء والقضاة والكبراء، فإنه يدعو أصحابه والفقراء يفطرون عنده، ومن كان من التجار وكبار السوقة صنع مثل ذلك، ومن كان من الضعفاء والبادية فأنهم يجتمعون كل ليلة في دار أحدهم أو في مسجد، ويأتي كل أحد بما عنده فيفطرون جميعاً، ولما وردت دمشق وقعت بيني وبين نور الدين السخاوي مدرس المالكية صحبة فرغب مني أن أفطر عنده في ليالي رمضان فحضرت عنده أربع ليالٍ ثم أصابتني الحمى فغبت عنه، فبعث في طلبي، فاعتذرت بالمرض، فلم يسعني عذراً فرجعت إليه وبت عنده فلما أردت الانصراف بالغد منعني من ذلك وقال لي: احسب داري كأنها دارك أو دار أبيك أو أخيك، وأمر بإحضار طبيب وأن يصنع لي بداره كل ما يشتهيه الطبيب من دواء أو غذاء، وأقمت كذلك عنده إلى يوم العيد، وحضرت المصلى وشفاني الله تعالى مما أصابني.
              وقد كان ما عندي من النفقة نفد، فعلم بذلك فاكترى لي جمالاً وأعطاني الزاد وسواه
              [CENTER] [/CENTER]

              تعليق


              • #82
                وزادني دراهم وقال لي: تكون لما عسى أن يعتريك من أمر مهم، جزاه الله خيراً. وكان بدمشق فاضل من كتاب الملك الناصر يسمى عماد الدين القيصراني من عاداته أنه متى سمع أن مغربياً وصل إلى دمشق بحث عنه وأضافه وأحسن إليه، فإن عرف منه الدين والفضل أمره بملازمته. وكان يلازمه منهم جماعة. وعلى هذه الطريقة أيضاً كاتب السر الفاضل علاء الدين بن غانم وجماعة غيره.
                وكان بها فاضل من كبرائها وهو الصاحب عز الدين القلانسي، له مآثر ومكارم وفضائل وإيثار، وهو ذو مال عريض وذكروا أن الملك الناصر لما قدم دمشق أضافة وجميع أهل دولته ومماليكه وخواصه ثلاثة أيام فسماه اذ ذاك بالصاحب. ومما يؤثر من فضائلهم أن أحد ملوكهم السالفين لما نزل به الموت أوصى أن يدفن بقبلة الجامع المكرم، ويخفى قبره. وعين أوقافاً عظيمة لقراء يقرأون سبعاً من القرآن الكريم في كل يوم إثر صلاة الصبح بالجهة االشرقية من مقصورة الصحابة رضي الله عنهم حيث قبره فصارت قراءة القرآن على قبره لا تنقطع أبداً، وبقي ذلك الرسم الجميل بعده مخلداً ومن عادة أهل دمشق وسائر تلك البلاد أنهم يخرجون بعد صلاة العصر من يوم عرفة، فيقفون بصحون المساجد كبيت المقدس وجامع بني أمية وسواها، ويقف بهم أئمتهم كاشفي رؤوسهم داعين خاضعين خاشعين ملتمسين البركة، ويتوخون الساعة التي يقف فيها وفد الله تعالى وحجاج بيته بعرفات، ولا يزالون في خضوع ودعاء وابتهال وتوسل إلى الله تعالى بحجاج بيته إلى أن تغيب الشمس، فينفرون كما ينفر الحاج، باكين على ما حرموه من ذلك الموقف الشريف بعرفات، داعين إلى الله تعالى أن يوصلهم إليها ولا يخيبهم من بركة القبول فيما فعلوه، ولهم أيضاً في اتباع الجنائز رتبة عجيبة وذلك أنهم يمشون أمام الجنازة، والقراء يقرأون القرآن بالأصوات الحسنة والتلاحين المبكية التي تكاد النفوس تطير لها رقة، وهم يصلون على الجنائز بالمسجد الجامع قبالة المقصورة فإن كان الميت من أئمة الجامع أو مؤذنيه أو خدامه أدخلوه بالقراءة إلى موضع الصلاة عليه، وإن كان من سواهم قطعوا القراءة عند باب المسجد وأدخلوا الجنازة وبعضهم يجتمع له بالبلاط الغربي من الصحن بمقربة من باب البريد، فيجلسون وأمامهم ربعات القرآن يقرأون فيها ويرفعون أصواتهم بالنداء لكل من يصل للعزاء من كبار البلدة وأعيانها ويقولون بسم الله فلان الدين من كمال وجمال شمس وبدر وغير ذلك، فإذا أتموا القراءة قام المؤذنون فيقولون افتكروا واعتبروا صلاتكم على فلان الرجل الصالح العالم ويصفونه بصفات من الخير، ثم يصلون عليه ويذهبون به إلى مدفنة. ولأهل الهند رتبة عجيبة في الجنائز أيضاً زائدة على ذلك، وهي أنهم يجتمعون بروضة الميت صبيحة الثالث من دفنه وتفرش الروضة بالثياب الرفيعة، ويكسى القبر بالأكسية الفاخرة، وتوضع حوله الرياحين من الورد والنسرين والياسمين وذلك النوار لا ينقطع عندهم ويأتون بأشجار الليمون والأترج، ويجعلون فيها حبوبها إن لم تكن فيها، ويجعلون صيواناً يظلل الناس نحوه، ويأتي القضاة والأمراء ومن يماثلهم فيقعدون، ويقابلهم القراء ويؤتى بالربعات الكرام فيأخذ كل واحد منهم جزءاً، فإذا تمت القراءة من القراء بالأصوات الحسان يدعو القاضي ويقوم قائماً ويخطب خطبة معدة لذلك، ويذكر فيها الميت ويرثيه بأبيات شعر، ويذكر أقاربهم ويعزيهم عنه، ويذكر السلطان داعياً له، وعند ذكر السلطان يقوم الناس ويحطون رؤوسهم إلى سمت الجهة التي بها السلطان، ثم يقعد القاضي، ويأتون بماء الورد فيصب على الناس صباً يبدأ بالقاضي ثم من يليه كذلك إلى أن يعم الناس أجمعين، ثم يؤتى بأواني السكر وهو الجلاب محلولاً بالماء فيسقون الناس منه، ويبدأون بالقاضي ومن يليه، ثم يؤتى بالتنبول، وهم يعظمونه ويكرمون من يأتي لهم به، فإذا أعطى السلطان أحداً منه فهو أعظم من إعطاء الذهب والخلع. وإذا مات الميت لم يأكل أهله التنبول إلا في ذلك اليوم، فيأخذ القاضي، أو من يقوم مقامه، أوراقاً منه فيعطيها لولي الميت فيأكلها وينصرفون حينئذٍ وسيأتي ذكر التنبول إن شاء الله تعالى.
                [CENTER] [/CENTER]

                تعليق


                • #83
                  ذكر سماعي بدمشق ومن أجازني من أهلها

                  سمعت بجامع بني أمية، عمره الله بذكره جميع صحيح الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي البخاري رضي الله عنه على الشيخ المعمر رحلة الآفاق ملحق الأصاغر بالأكابر، شهاب الدين أحمد بن أبي طالب بن أبي النعم بن حسن بن علي بن بيان الدين، مقرئ الصالحي، المعروف بابن الشحنة الحجازي، في أربعة عشر مجلساً، أولها يوم الثلاثاء منتصف شهر رمضان المعظم سنة ست وعشرين وسبعمائة وآخرها يوم الاثنين الثامن والعشرين منه، بقراءة الإمام الحافظ مؤرخ الشام علم الدين أبي محمد القاسم بن محمد بن يوسف البرزالي، الإشبيلي الأصل، الدمشقي، في جماعة كبيرة كتب أسماءهم محمد بن طغربل بن عبد الله بن الغزال الصيرفي، سماع الشيخ أبي العباس الحجازي لجميع الكتاب، من الشيخ الإمام سراج الدين أبي عبد الله الحسين ابن أبي بكر المبارك بن محمد بن يحيى بن علي بن المسيح بن عمران الربيعي البغدادي الزبيدي الحنبلي، في أواخر شوال وأوائل ذي القعدة من سنة ثلاثين وستمائة بالجامع المظفري بسفح جبل قاسيون ظاهر دمشق، وبإجازته في جميع الكتاب من الشيخين: أبي الحسن محمد بن أحمد بن عمر بن الحسين بن الخلف القطيعي المؤرخ، وعلي بن أبي بكر بن عبد الله بن رؤبة القلانسي العطار البغدادي ومن باب غيرة النساء ووجدهن، إلى آخر الكتاب من أبي المنجا عبد الله بن عمر بن علي بن زيد الليثي الخزاعي البغدادي، بسماع أربعتهم من الشيخ شديد الدين أبي الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب بن إبراهيم السجزي الهروي الصوفي، في سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة ببغداد قال: أخبرنا الإمام جمال الإسلام أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر بن محمد بن داود بن أحمد بن معاذ بن سهل بن الحكم الداودي قراءة عليه، وأنا أسمع ببوشنج سنة خمس وستين وأربعمائة، قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حوبة بن يوسف بن أيمن السرخسي قراءة عليه،
                  [CENTER] [/CENTER]

                  تعليق


                  • #84
                    ، وأنا أسمع في صفر سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، قال: أخبرنا عبد الله بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر بن ابراهيم الفربري قراءة عليه، وأنا أسمع سنة ست عشرة وثلاثمائة بفربر، قال: أخبرنا الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، رضي الله عنه سنة ثمان وأربعين ومائتين بفربر، ومرة ثانية بعدها، وبعدها سنة ثلاث وخمسين. وممن أجازني من أهل دمشق إجازة عامة الشيخ أبو العباس الحجازي المذكور، سبق إلى ذلك وتلفظ لي به -ومنهم الشيخ الإمام شهاب الدين أحمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد المقدسي، ومولده في ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين وستمائة - ومنهم الشيخ الإمام الصالح عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن النجدي - ومنهم إمام الأئمة جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف المزني الكلي، حافظ الحفاظ، ومنهم الإمام علاء الدين علي بن يوسف بن محمد بن عبد الله الشفاعي، والشيخ الإمام الشريف محيي الدين بن يحيى بن علي العلوي، ومنهم الشيخ الإمام المحدث مجد الدين القاسم بن عبد الله بن أبي عبد الله بن المعلى الدمشقي، ومولده سنة أربع وخمسين وستمائة. ومنهم الشيخ الإمام العالم شهاب الدين أحمد بن ابراهيم بن فلاح بن محمد الإسكندري. ومنهم الشيخ الإمام ولي الله تعالى شمس الدين بن عبد الله بن تمام والشيخان الأخوان شمس الدين محمد وكمال الدين عبد الله، ابنا ابراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي، والشيخ العابد شمس الدين محمد بن أبي الزهراء بن سالم الهكاري، والشيخة الصالحة أم محمد عائشة بنت محمد بن مسلم بن سلامة الحراني، والشيخة الصالحة رحلة الدنيا زينب بنت كمال الدين أحمد بن عبد الرحيم بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي كل هؤلاء أجازني إجازة عامة في سنة ست وعشرين بدمشق. ولما استهل شوال من السنة المذكورة خرج الركب الحجازي إلى خارج دمشق ونزلوا القرية المعروفة بالكسوة، فأخذت في الحركة معهم، وكان أمير الركب سيف الدين الجوبان، من كبار الأمراء وقاضيه شرف الدين الأذرعي الحوراني، وحج في تلك السنة مدرس المالكية صدر الدين العماري، وكان سفري مع طائفة من العرب تدعى العجارمة، أميرهم محمد بن رافع كبير القدر في الأمراء وارتحلنا من الكسوة إلى قرية تعرف بالصنمين عظيمة ثم ارتحلنا منها إلى بلدة زرعة وهي صغيرة من بلاد حوران نزلنا بالقرب منها ثم ارتحلنا إلى مدينة بصرى، وهي صغيرة ومن عادة الركب أن يقيم بها أربعاً ليلحق بهم من تخلف بدمشق لقضاء مآربه
                    [CENTER] [/CENTER]

                    تعليق


                    • #85
                      وإلى بصرى وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعث في تجارة خديجة، وبها مبرك ناقته قد بنبي عليه مسجد عظيم، ويجتمع أهل حوران بهبذه المدينة، ويتزود الحاج منها ثم يرحلون إلى بركة زيرة " زيرا " ، ويقيمون عليها يوماً، ثم يرحلون إلى اللجون، وبها الماء الجاري ثم يرحلون إلى حصن الكرك، وهو من أعجب الحصون وأمنعها وأشهرها ويسمى بحصن الغراب.
                      والوادي يطيف به من جميع جهاته وله باب واحد قد نحت المدخل اليه في الحجر الصلد، ومدخل دهليزه كذلك وبهذا الحصن يتحصن الملوك، وإليه يلجؤون في النوائب وله لجأ الملك الناصر، لأنه ولي الملك وهو صغير السن، فاستولى على التدبير مملوكه سلار النائب عنه، فأظهر الملك الناصر أنه يريد الحج، ووافقه الأمراء على ذلك فتوجه إلى الحج فلما وصل عقبة أيلة، لجأ إلى الحصن، وأقام به أعواماً إلى أن قصده أمراء الشام، واجتمعت عليه المماليك وكان الملك في تلك المدة بيبرس الششنكير ، وهو أمير الطعام وتسمى بالملك المظفر، وهو الذي بنى الخانقاه البيبرسية، بمقربة من خانقاه سعيد السعداء التي بناها صلاح الدين بن أيوب فقصده الملك الناصر بالعساكر، ففر بيبرس إلى الصحراء، فتبعته العساكر وقبض عليه، وأتي به إلى الملك الناصر فأمر بقتله فقتل.وقبض على سلار، وحبس في جب حتى مات جوعاً. ويقال: إنه أكل جيفة من الجوع نعوذ بالله من ذلك. وأقام الركب بخارج الكرك أربعة أيام بموضع يقال له الثنية، وتجهزوا لدخول البرية. ثم ارتحلنا إلى معان، وهو آخر بلاد الشام، ونزلنا من عقبة الصوان إلى الصحراء التي يقال فيها: داخلها مفقود وخارجها مولود. وبعد مسيرة يومين نزلنا ذات حج، وهي حسيان لا عمارة بها، ثم إلى وادي بلدح ولا ماء به، ثم إلى تبوك وهو الموضع الذي غزاه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيها عين ماء كانت تبض بشيء من الماء. فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوضأ منها، جادت بالماء المعين. ولم يزل إلى هذا العهد ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن عادة حجاج الشام إذا وصلوا منزل تبوك، أخذوا أسلحتهم، وجردوا سيوفهم، وحملوا على المنزل، وضربوا النخل بسيوفهم، ويقولون: هكذا دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وينزل الركب العظيم على هذه العين فيروي منها جميعهم، ويقيمون أربعة أيام للراحة وإرواء الجمال واستعداد الماء للبرية المخوفة التي بين العلا وتبوك. ومن عادة السقائين أنهم ينزلون على جوانب هذه العين، ولهم أحواض مصنوعة من جلود الجواميس، كالصهاريج الضخام يسقون منها الجمال، ويملأون الروايا والقرب.
                      [CENTER] [/CENTER]

                      تعليق


                      • #86
                        . ولكل أمير أو كبير حوض يسقي منه جماه وجمال أصحابه، ويملأ رواياهم. وسواهم من الناس يتفق مع السقائين على سقي جمله وملء قربته، بشيء معلوم من الدراهم.
                        ثم يرحل الركب من تبوك، ويجدون السير ليلاً ونهاراً خوفاً من هذه البرية. وفي وسطها الوادي الأخيضر: كأنه وادي جهنم، أعاذنا الله منها. وأصاب الحجاج به في بعض السنين مشقة بسبب ريح السموم التي تهب، فانتشفت المياه، وانتهت شربة الماء إلى ألف دينار، ومات مشتريها وبائعها. وكتب ذلك في بعض صخر الوادي. ومن هنالك ينزلون بركة المعظم، وهي ضخمة، نسبتها إلى الملك المعظم من أولاد أيوب. ويجتمع بها ماء المطر في بعض السنين، وربما جف في بعضها، وفي الخامس من أيام رحيلهم عن تبوك يصلون البئر الحجر حجر ثمود، وهي كثيرة الماء، ولكن لا يردها أحد من الناس، مع شدة عطشهم، اقتداء بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مر بها في غزوة تبوك، فأسرع براحلته وأمر أن لا يسقى منها أحد. ومن عجن به أطعمه الجمال. وهنالك ديار ثمود في جبال من الصخر الأحمر منحوتة، لها عتب منقوشة يظن رائيها أنها حديثة الصنعة، وعظامهم نخرة في داخل تلك البيوت. إن في ذلك لعبرة، ومبرك ناقة صالح عليه السلام بين جبلين هنالك، وبينهما أثر مسجد يصلي الناس فيه، وبين الحجر والعلا نصف يوم أو دونه. والعلا قرية كبيرة حسنة لها بساتين النخل والمياه المعينة، يقيم بها الحجاج أربعاً، يتزودون ويغسلون ثيابهم ويدعون بها ما يكون عندهم من فضل زاد ويستصحبون قدر الكفاية. وأهل هذه القرية أصحاب أمانة، وإليها ينتهي تجار نصارى الشام، لا يتعدونها، ويبايعون الحجاج الزاد وسواه. ثم يرحل الركب من العلا فينزلون في غد رحيلهم الوادي المعروف بالعطاس، وهو شديد الحر تهب فيه السموم المهلكة. هبت السنين على الركب فمل يخلص منها إلا اليسير. وتعرف تلك السنة سنة الأمير الجالقي، ومنه ينزلون هدية، وهي حسيان ماء بواد يحفرون به، فيخرج الماء وهو زعاق. وفي اليوم الثالث ينزلون البلد المقدس الكريم الشريف.
                        [CENTER] [/CENTER]

                        تعليق


                        • #87
                          . وفي اليوم الثالث ينزلون البلد المقدس الكريم الشريف.جد الكريم، فوقفنا بباب السلام مسلمين، وصلينا بالروضة الكريمة بين القبر والمنبر الكريم، واستلمنا القطعة الباقية من الجذع الذي حن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي ملصقة بعمود قائم بين القبر والمنبر عن يمين مستقبل القبلة، وأدينا حق السلام على سيد الأولين والآخرين، وشفيع العصاة والمذنبين، والرسول النبي الهاشمي الأبطحي محمد صلى الله عليه وسلم تسليماً، وشرف وكرم وحق السلام على ضجيعيه وصاحبيه أبي بكر الصديق وأبي حفص عمر الفاروق رضي الله عنهما. وانصرفنا إلى رحلنا مسرورين بهذه النعمة العظمى، مستبشرين بنيل هذه المنة الكبرى، حامدين الله تعالى على بالبلوغ إلى معاهد رسوله الشريفة، ومشاهده العظيمة المنيفة، داعين أن لا يجعل ذلك آخر عهدنا بها، وأن يجعلنا ممن قبلت زيارته، وكتبت في سبيل الله سفرته.
                          [CENTER] [/CENTER]

                          تعليق


                          • #88
                            ذكر مسجد رسول الله وروضته الشريفة

                            المسجد المعظم مستطيل، تحفه من جهاته الأربع بلاطات دائرة به، ووسطه صحن مفروش بالحصى والرمل، ويدور بالمسجد الشريف شارع مبلط بالحجر المنحوت. والروضة المقدسة صلوات الله وسلامه على ساكنها في الجهة القبلية مما يلي الشرق من المسجد الكريم، وشكلها عجيب لا يتأتى تمثيله. ووهي منورة بالرخام البديع النحت الرائق النعت، قد علاها تضميخ المسك والطيب مع طول الأزمان. وفي الصفة القبلية منها مسمار فضة هو قبالة الوجه الكريم. وهنالك يقف الناس مستقبلين الوجه الكريم مستدبرين القبلة، فيسلمون وينصرفون يميناً إلى وجه أبي بكر الصديق، ورأس أبي بكر رضي الله عنه عند قدمي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ينصرفون إلى عمر بن الخطاب، ورأس عمر عند كتفي أبي بكر رضي الله عنهما. وفي الجوفي من الروضة المقدسة، زادها الله طيباً، حوض صغير مرخم، وفي قبلته شكل محراب، يقال: إنه كان بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليماً، ويقال أيضاً: هو قبرها، والله أعلم. وفي وسط المسجد الكريم دفة مطبقة على وجه الأرض، مقفلة على سرداب له مدرج يفضي إلى دار أبي بكر رضي الله عنه خارج المسجد، وعلى ذلك السرداب كان طريق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها إلى داره، ولا شك أنه هو الخوخة التي ورد ذكرها في الحديث، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإبقائها، وسد ما سواها. وبإزاء دار أبي بكر رضي الله عنه دار عمر، ودار ابنه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وبشرقي المسجد الكريم دار إمام المدينة أبي عبد الله مالك بن أنس رضي الله عنه، وبمقربة من باب السلام سقاية، ينزل إليها على درج، ماؤها معين، وتعرف بالعين الزرقاء.
                            ذكر ابتداء بناء المسجد الكريم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليماً المدينة الشريفة دار الهجرة يوم الإثنين ليلة الثالث عشر من شهر ربيع الأول، فنزل على بني عمرو بن عوف، وأقام عندهم ثنتين وعشرين ليلة، وقيل أربع عشرة ليلة، وقيل أربع ليالٍ، ثم توجه إلى المدينة فنزل على بني النجار بدار أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، وأقام عنده سبعة أشهر حتى بنى مساكنه ومسجده. وكان موضع المسجد مربداً لسهل وسهيل ابني رافع أبي عمر بن عاند بن ثعلبة بن غانم بن مالك بن النجار. وهما يتيمان في حجر أسعد بن زرارة رضي الله عنهم أجمعين. وقيل: كانا في حجر أبي أيوب رضي الله عنه، فابتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك المربد، وقيل بل أرضاهما أبو أيوب عنه. وقيل: إنهما وهباه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، وعمل فيه مع أصحابه، وجعل عليه حائطاً، ولم يجعل له سقفاً ولا أساطين، وجعله مربعاً، طوله مائة ذراع، وعرضه مثل ذلك. وقيل: إن عرضه كان دون ذلك. وجعل ارتفاع حائطه قدر القامة. فلما اشتد الحر تكلم أصحابه في تسقيفه، فأقام له أساطين من جذوع النخل، وجعل سقفه من جريدها. فلما أمطرت السماء وكف المسجد. فكلم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمله بالطين. فقال: كلا عريش كعريش موسى، أو ظله كظلة موسى، والأمر أقرب من ذلك.
                            قيل: وما ظلة موسى ? قال الله صلى الله عليه وسلم: كان إذا قام أصاب السقف رأسه.

                            [CENTER] [/CENTER]

                            تعليق


                            • #89

                              وجعل للمسجد ثلاثة أبواب: ثم سد باب الجنوب منها حين حولت القبلة، وبقي المسجد على حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليماً، وحياة أبي بكر رضي الله عنه. فلما كانت أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه زاد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ينبغي أن نزيد في المسجد ما زدت فيه. فأنزل أساطين الخشب، وجعل مكانها أساطين اللبن، وجعل الأساس حجارة إلى القامة، وجعل الأبواب ستة، منها في كل جهة ما عدا القبلة بابان، وقال: في باب منها ينبغي أن يترك هذا للنساء فما رئي فيه. حتى لقي الله عز وجل، وقال: زدنا في هذا المسجد حتى يبلغ الجبانة، لم يزل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأراد عمر أن يدخل في المسجد موضعاً للعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهما، فمنعه منه. وكان فيه ميزاب يصب في المسجد، فنزعه عمر. وقال: إنه يؤذي الناس، فنازعه العباس، وحكما بينهما أبي بن كعب رضي الله عنهما، فأتيا داره فلم يأذن لهما إلا بعد ساعة، ثم دخلا إليه، فقال: كانت جاريتي تغسل رأسي، فذهب عمر ليتكلم، فقال له أبي: دع أبا الفضل يتكلم لمكانه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال العباس، خطة خطها لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبنيتها معه، وما وضعت الميزاب إلا ورجلاي على عاتقي رسول الله فجاء عمر فطرحه وأراد إدخالها في المسجد. فقال أبي: إن عندي من هذا علماً. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أراد داود عليه السلام أن يبني بيت الله المقدس. وكان فيه بيت ليتيمين فراودهما على البيع فأبيا. ثم راودهما فباعاه. ثم قاما بالغين فردا البيع، واشتراه منهما. ثم رداه كذلك. فاستعظم داود الثمن. فأوحى الله إليه إن كنت تعطي من شيء فهو لك؛ فأنت أعلم. وإن كنت تعطيهما نم رزقنا فأعطهما حتى يرضيا. وإن أغنى البيوت عن مظلمة بيت هو لي، وقد حرمت عليك بناءه.
                              قال: يا رب فأعطه سليمان. فأعطاه سليمان ليه السلام. فقال عمر: من لي بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله ? فخرج أبي إلى قوم من الأنصار، فأثبتوا له ذالك. فقال عمر رضي الله عنه أما إني لو لم أجد غيرك أخذت قولك، ولكنني أحببت أن أثبت. ثم قال للعباس رضي الله عنه: والله لا ترد الميزاب إلا وقدماك على عاتقي. ففعل العباس ذلك. ثم قال: أما إذا أثبتت لي، فهي صدقة لله، فهدمها عمر، وأدخلها في المسجد. ثم زاد فيه عثمان رضي الله عنه، وبناه بقوة وباشره بنفسه، فكان يظل فيه نهاره، وبيضه وأتقن محله بالحجارة المنقوشة، ووسعه من جهاته إلى جهة الشرق منها، وجعل له سواري حجارة مثبتة بأعمدة الحديد والرصاص، وسقفه بالساج، وصنع له محراباً.

                              [CENTER] [/CENTER]

                              تعليق


                              • #90
                                وقيل: إن مروان هو أول من بنى المحراب. وقيل: عمر بن عبد العزيز في خلافة الوليد - ثم زاد فيه الوليد بن عبد الملك. تولى ذلك عمر بن عبد العزيز، فوسعه وحسنه وبالغ في إتقانه، وعمله بالرخام والساج المذهب. وكان الوليد بعث إلى ملك الروم: أريد أن أبني مسجد نبينا صلى الله عليه وسلم، فأعني فيه. فبعث إليه الفعلة، وثمانين ألف مثقال من الذهب. وأمر الوليد بإدخال حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فيه، فاشترى عمر من الدور ما زاد في ثلاث جهات من المسجد. فلما صار إلى القبلة، امتنع عبيد الله بن عبد الله بن عمر من بيع دار حفصة، ودار بينهما الكلام، حتى ابتاعها عمر، على أن له ما بقي منها، وعلى أن يخرجوا من باقيها طريقاً إلى السجد، وهي الخوخة التي في المسجد، وجعل عمر للمسجد أربع صوامع في أربعة أركانه، وكانت إحداها مطلة على دار مروان. فلما حج سليمان بن عبد الملك نزل بها، فأطل عليه المؤذن حين الأذان. فأمر بهدمها، وجعل عمر للمسجد محراباً. ويقال: هو أول من أحدث المحراب. ثم زاد فيه المهدي بن أبي جعفر المنصور. وكان أمرهم بذلك، ولم يقض له، وكتب إليه الحسن بن زيد يرغبه في الزيادة فيه من جهة الشرق، ويقول: إنه إن زيد في شرقيه توسطت الروضة الكريمة المسجد الكريم. فاتهمه أبو جعفر بأنه إنما أراد هدم دار عثمان رضي الله عنه. فكتب إليه: إني قد عرفت الذي أردت، فاكفف عن دار عثمان وأمر أبو جعفر أن يطلل الصحن أيام القيظ بستور تنشر على حبال ممدودة على خشب، تكون في الصحن، لتكن المصلين من الحر، وكان طول المسجد في بناء الوليد مائتي ذراع. فبلغه المهدي إلى ثلاثمائة ذراع، وسوى المقصورة بالأرض، وكانت مرتفعة عنها بمقدار ذراعين، وكتب اسمه على مواضع من المسجد. ثم أمر الملك المنصور قلاوون ببناء دار للوضوء عند باب السلام - فتولى بناءها الأمير الصالح علاء الدين المعروف بالأقمر. وأقامها متسعة الفناء تستدير بها البيوت، وأجرى إليها الماء. وأراد أن يبني بمكة شرفها الله تعالى مثل ذلك، فلم يتم له، فبناه ابنه الملك الناصر بين الصفا والمروة. وسيذكر إن شاء الله. قبلة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبلة قطع لأنه صلى الله عليه وسلم أقامها. وقيل: أقامها جبريل عليه السلام. وقيل: كان يشير جبريل له إلى سمتها وهو يقيمها. وروي أم جبريل عليه السلام أشار إلى الجبال، فتولضعت فتنحت حتى بدت الكعبة. فكان صلى الله عليه وسلم يبني وهو ينظر إليه عياناً. وبكل اعتبار فهي قبلة قطع وكانت القبلة أول ورود النبي صلى الله عليه وسلم المدينة إلى بيت المقدس. ثم حولت إلى الكعبة بعد ستة عشر شهراً. وقيل: بعد سبعة عشر شهراً.
                                ذكر المنبر الكريم وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليماً كان يخطب إلى جزع نخلة بالمسجد، فلما صنع له المنبر وتحول إليه حنّ الجذع حنين الناقة إلى حوارها .وروي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليماً نزل إليه فالتزمه فسكن. وقال: لو لم ألتزمه لحنَّ إلى يوم القيامة. واختلفت الروايات فيمن صنع المنبر الكريم. فروي أن تميماً الداري رضي الله عنه هو الذي صنعه. وقيل: إن غلاماً للعباس رضي الله عنه صنعه، وقيل: غلام لأمرأة من الأنصار ورد ذلك في الحديث الصحيح. وصنع من طرفاء الغابة، وقيل من الأثل. وكان له ثلاث درجات. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد على علياهن، ويضع رجليه الكريمتين في وسطاهن. فلما ولي أبو بكر الصديق رضي الله عنه قعد على وسطاهن، وجعل رجليه على أولاهن. فلما ولي عمر رضي الله عنه جلس على أولاهن وجعل رجليه على الأرض، وفعل ذلك عثمان رضي الله عنه صدراً من خلافته، ثم ترقى إلى الثالثة. ولما أن صار الأمر إلى معاوية رضي الله عنه أراد نقل المنبر إلى الشام، فضج المسلمون. وعصفت ريح شديدة، وخسفت الشمس، وبدت النجوم نهاراً، وأظلمت الأرض، فكان الرجل يصادم الرجل ولا يتبين مسلكه، فلما رأى ذلك معاوية تركه، وزاد فيه ست درجات من أسفله، فبلغ تسع درجات.

                                [CENTER] [/CENTER]

                                تعليق

                                يعمل...
                                X