ذكر الخطيب والإمام بمسجد رسول الله وكان الإمام بالمسجد الشريف في عهد دخولي إلى المدينة بهاء الدين بن سلامة من كبار أهل مصر، وينوب عنه العالم االصالح الزاهد بقية المشايخ، عز الدين الواسطي، نفع الله به، وكان يخطب قبله ويقضي بالمدينة الشريفة سراج الدين عمر المصري.
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
رحلة ابن بطوطة
تقليص
X
-
حكاية
يذكر أن سراج الدين هذا أقام في خطة القضاء بالمدينة والخطابة بها نحو أربعين سنة، ثم إنه أراد الخروج بعد ذلك إلى مصر، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم ثلاث مرات، في كل مرة ينهاه عن الخروج منها، وأخبره باقتراب أجله، فلم ينته عن ذلك وخرج، فمات بموضع يقال له: سويس ، على مسيرة ثلاث من مصر، قبل أن يصل إليها، نعوذ بالله من سوء الخاتمة. وكان ينوب عنه الفقيه أبو عبد الله محمد بن فرحون رحمه الله، وأبناؤه الآن بالمدينة الشريفة: أبو محمد عبد الله مدرس المالكية، ونائب الحكم، وأبو عبد الله محمد وأصلهم من مدينة تونس، ولهم بها حسب وأصالة. وتولي الخطابة والقضاء بالمدينة الشريفة بعد ذلك جمال الدين الأسيوطي من أهل مصر. وكان قبل ذلك قاضياً بحصن الكرك.
ذكر خدام المسجد الشريف والمؤذنين به وخدام هذا المسجد الشريف وسدنته من الأحابيش وسواهم وهم على هيئات حسان، وصور نظاف، وملابس ظراف، وكبيرهم يعرف بشيخ الخدام، وهو في هيئة الأمراء الكبار، ولهم المرتبات بديار مصر والشام، ويؤتى إليهم بها في كل سنة، ورئيس المؤذنين بالحرم الشريف الإمام المحدث الفاضل جمال الدين المطري، من مطرية قرية بمصر، وولده الفاضل عفيف الدين عبد الله، والشيخ المجاور الصالح أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد الغرناطي المعروف بالتراس قديم المجاورة، وهو الذي جب نفسه خوفاً من الفتنة.[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
حكاية
يذكر أن أبا عبد الله الغرناطي كان خديماً لشيخ يسمى عبد الحميد العجمي، وكان الشيخ حسن الظن به، يطمئن إليه بأهله، ويتركه متى سافر بداره، فسافر مرة، وتركه على عادته بمنزله، فعلقت به زوجة الشيخ عبد الحميد وراودته عن نفسه، فقال: إني أخاف الله ولا أخون من ائتمنني على أهله وماله. فلم تزل تراوده وتعارضه حتى خاف على نفسه الفتنة فجبّ نفسه، وغشي عليه، ووجده الناس على تلك الحالة، فعالجوه حتى برئ وصار من خدام المسجد الكرام، ومؤذناً به، ورأس الطائفين به. وهو باقٍ بقيد الحياة إلى هذا العهد.[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
ذكر المجاورين بالمدينة الشريفة
منهم الشيخ الصالح الفاضل أبو العباس أحمد بن محمد مرزوق كثير العبادة والصوم والصلاة بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليماً، صابراً محتسباً، وكان ربما جاور بمكة المعظمة، رأيته بها في سنة ثمانٍ وعشرين، وهو أكثر الناس طوافاً وكنت أعجب من ملازمته الطواف مع شدة الحر بالمطاف، والمطاف مفروش بالحجارة السود: وتصير بحر الشمس كأنها الصفائح المحماة. ولقد رأيت السقائين يصبون الماء عليها فما يجاوز الموضع الذي يصب فيه إلا ويلتهب الموضع من حينه. وأكثر الطائفين في ذلك الوقت يلبسون الجوارب وكان أبو العباس بن مرزوق يطوف حافي القدمين، ورأيته يوماً يطوف، فأحببت أن أطوف معه فوصلت المطاف، وأردت استلام الحجر الأسود، فلحقني لهب تلك الحجارة، وأردت الرجوع بعد تقبيل الحجر، فما وصلته إلا بعد جهد عظيم، ورجعت فلم أطف ورجعت أجعل نجادي على الأرض وأمشي عليه، حتى بلغت الرواق. وكان في ذلك العهد بمكة وزير غرناطة وكبيرها أبو القاسم محمد ابن محمد بن الفقيه أبي الحسن سهل بن مالك الأزدي. وكان يطوف كل اسبوع سبعين طوافاً، ولم يكن يطوف في وقت القائلة لشدة الحر. وكان ابن مرزوق يطوف في شدة القائلة زيادة عليه. ومن المجاورين بالمدينة كرمها الله الشيخ الصالح العابد سعيد المراكشي الكفيف، ومنهم أبو مهدي عيسى بن حزرون المكناسي.
[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
حكاية جاور الشيخ أبو مهدي بمكة سنة ثمان وعشرين، وخرج إلى جبل حراء مع جماعة من المجاورين، فلما صعدوا الجبل ووصلوا لمتعبد النبي الله صلى الله عليه وسلم تسايماً ونزلوا عنه، تأخر أبو مهدي عن الجماعة، ورأى طريقاً في الجبل، فظنه قصيراً فسلك عليه، ووصل أصحابه إلى أسفل اجبل فانتظروه فلم يأت، فتطلعوا فيما حولهم فلم يروا له أثراً فظنوا أنه سبقهم، فمضوا إلى مكة شرفها الله تعالى، ومضى عيسى في طريقه، فأفضى به إلى جبل آخر، وتاه عن الطريق، وأجهده العطش والحر، وتمزقت نعله، فكان يقطع من ثيابه ويلف على رجليه إلى أن ضعف عن المشي، واستظل بشجرة أم غيلان . فبعث الله أعرابياً على جمل، حتى وقف عليه: فأعلمه بحاله، فأركبه وأوصله إلى مكة، وكان على وسطه هيمان فيه ذهب فسلمه إليه، وأقام نحو شهر لا يستطيع القيام على قدميه، وذهبت جلدتهما ونبتت لهما جلدة أخرى. وقد جرى مثل ذلك لصاحب لي أذكره إن شاء الله. ومن المجاورين بالمدينة الشريفة أبو محمد الشروي من القراء المحسنين، وجاور بمكة في السنة المذكورة. وكان يقرأ بها كتاب الشفاء للقاضي عياض بعد الظهر، وأمَّ في التراويح. وبها من المجاورين الفقيه أبو العباس الفاسي مدرس المالكية بها، وتزوج ببنت الشيخ الصالح شهاب الدين الزرندي.[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
حكاية: يذكر أن أبا العباس الفاسي تكلم يوماً مع بعض الناس فانتهى به الكلام إلى أن تكلم بعظيمة ارتكب فيها بسبب جهله بعلم النسب، وعدم حفظه للسانه مركباً صعباً عفا الله عنه، فقال الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام لم يعقب، فرفع كلامه إلى أمير المدينة طفيل بن منصور بن جماز الحسني ، فأنكر كلامه، وبحق إنكاره، وأراد قتله. فكلم فيه فنفاه عن المدينة. ويذكر أنه بعث من اغتاله وإلى الآن لم يظهر له أثر نعوذ بالله من عثرات اللسان وزلله.[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
ذكر أمير المدينة الشريفة
كان أمير المدينة كبيش بن منصور بن جماز. وكان قد قتل عمه مقبلاً. ويقال: إنه توضأ بدمه. ثم إن كبيشاً خرج سنة سبع وعشرين إلى الفلاة في شدة الحر ومعه أصحابه، فأدركتهم القائلة في بعض الأيام، فتفرقوا تحت ظلال الأشجار فما راعهم إلا وأبناء مقبل في جماعة من عبيدهم ينادون: يا لثارات مقبل، فقتلوا كبيش بن منصور صبراً، ولعقوا دمه. وتولى بعده أخوه طفيل بن منصور، الذي ذكرنا أنه نفى أبا العباس الفاسي.[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
ذكر بعض المشاهد الكريم بخارج المدينة الشريفة
فمنها بقيع الغرقد، وهو بشرقي المدينة المكرمة، ويخرج إليه على باب يعرف بباب البقيع. فأول ما يلقى الخارج إليه على يساره عند خروجه من الباب قبر صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنهما، وهي عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليماً، وأم الزبير بن العوام رضي الله عنه، وأمامها قبر إمام المدينة أبي عبد الله مالك بن أنس رضي الله عنه، وعليه قبة صغيرة مختصرة البناء، وأمامه قبر السلالة الطاهرة المقدسة النبوية الكريم إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه قبة بيضاء، وعن يمينها تربة عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وهو المعروف بأبي شحمة، وبإزائه قبر عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه، وقبر عبد الله بن ذي الجناحين جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وبإزائهم روضة فيها قبور أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، ويليها روضة فيها قبر العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبر الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، وهي قبة ذاهبة في الهواء بديعة الإحكام، عن يمين الخارج من باب البقيع، ورأس الحسن إلى رجلي العباس عليهما السلام، وقبراهما مرتفعان عن الأرض، متسعان مغشيان بألواح بديعة الالتصاق، مرصعة بصفائح الصفر البديعة العمل. وبالبقيع قبور المهاجرين والأنصار وسائر الصحابة رضي الله عنهم. إلا أنها لا يعرف أكثرها. وفي آخر البقيع قبر أمير المؤمنين أبي عمر عثمان بن عفان رضي الله عنه، وعليه قبة كبيرة وعلى مقربة منه قبر فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي بن أبي طالب رضي الله عنها وعن ابنها.
[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
ومن المشاهد فيه حجر الزيوت بخارج المدينة الشريفة. يقال: إن الزيت رشح من حجر هنالك للنبي صلى الله عليه وسلم. وإلى جهة الشمال منه بئر بضاعة. بإزائها جبل الشيطان، حيث صرخ يوم أحد وقال: قد قتلت نبيكم. وعلى شفير الخندق الذي حفره رسول الله صلى الله عليه وسلم عند تخرب الأحزاب، حصن خرب يعرف بحصن العزاب. يقال: إن عمر بناه لعزاب المدينة. وأمامه إلى جهة الغرب بئر رومة التي اشترى أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه نصفها بعشرين ألفاً ، ومن المشاهد الكريمة أحد، وهو الجبل المبارك الذي قال فيه رسول اله صلى الله عليه وسلم تسليماً: " إن أحداً جبل يحبنا ونحبه " وهو بجوار المدينة الشريفة، على نحو فرسخ منها، وبإزائه الشهداء المكرمون رضي الله عنهم. وهنالك قبر حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه، وحوله الشهداء المستشهدون في أحد رضي الله عنهم، وقبورهم لقبلي أحد. وفي طريق أحد مسجد ينسب لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومسجد ينسب إلى سلمان الفارسي رضي الله عنه، ومسجد الفتح حيث أنزلت سورة الفتح على رسوله صلى الله عليه وسلم. وكانت إقامتنا بالمدينة الشريفة في هذه الوجهة أربعة أيام: وفي كل ليلة نبيت بالمسجد الكريم، والناس قد حلقوا في صحنه حلقاً، وأوقدوا الشمع الكبير. وبينهم ربعات القرآن الكريم يتلونه، وبعضهم يذكرون الله، وبعضهم في مشاهدة التربة الطاهرة، زادها الله طيباً، والحداة بكل جانب يترنمون بمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهكذا دأب الناس في تلك الليالي المباركة، ويجودون بالصدقات الكثيرة على المجاورين والمحتاجين. وكان في صحبتي في هذه الوجهة من الشام إلى المدينة الشريفة رجل من أهلها فاضل يعرف بمنصور بن شكل، وأضافني بها. واجتمعنا بعد ذلك بحلب وبخارى. وكان في صحبتي أيضاً قاضي الزيدية شرف الدين قاسم بن شنان، وصحبني أيضاً أحد الصلحاء الفقراء، من أهل غرناطة، يسمى بعلي بن حجر الأموي.
ومن المشاهد الكريمة قباء، وهو قبلي المدينة، على نحو ميلين منها والطريق بينهما في حدائق النخل، وبه المسجد الذي أسس على التقوى والرضوان. وهو مسجد مربع فيه صومعة بيضاء طويلة تظهر على البعد وفي وسطه مبرك الناقة بالنبي صلى الله عليه وسلم، يتبرك الناس بالصلاة فيه، وفي الجهة القبلية من صحنه محراب على مصطبة، وهو أول موضع ركع فيه النبي صلى الله عليه وسلم. وفي قبلي المسجد دار كانت لأبي أيوب الأنصاري. ويليها دور تنسب لأبي بكر وعمر وفاطمة وعائشة رضي الله عنهم. وبإزائه بئر أريس، وهي التي عاد ماؤها عذباً لما تفل فيه النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أن كان أجاجاً. وفيها وقع الخاتم الكريم من عثمان رضي الله عنه.[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
حكاية لما وصلنا إلى المدينة كرمها الله، على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى السلام، ذكر لي علي بن حجر المذكور أنه رأى تلك الليلة في النوم قائلاً يقول له: اسمع مني واحفظ عني:
هنيئاً لـكـم يا زائرين ضـريحـهأمنتم به يوم المعاد من الـرجـسوصلتم إلى قبر الحبـيب بـطـيبةٍفطوبى لمن يضحي بطيبة أو يمسى
وجاور هذا الرجل بعد صحبه بالمدينة. ثم رحل إلى مدينة دهلي قاعدة بلاد الهند، في سنة ثلاث وأربعين، فنزل في جواري. وذكرت حكاية رؤياه بين يدي ملك الهند، فأمر بإحضاره، فحضر بين يديه، وحكى له ذلك، فأعجبه واستحسنه، وقال له كلاماً جميلاً بالفارسية، وأمر بإنزاله، وأعطاه ثلاثمائة تنكة من ذهب. ووزن التنكة من دنانير المغرب ديناران ونصف دينار، وأعطاه فرساً محلى بالسرج واللجام، وخلعة، وعين له مرتباً في كل يوم. وكان هنالك فقيه طيب من أهل غرناطة، ومولده ببجاية، يعرف هنالك بجمال الدين المغربي. فصحبه علي بن حجر المذكور، وواعده على أن يزوجه بنته. وأنزله بدويرة خارج داره، واشترى جارية غلاماً. وكان يترك الدنانير في مفرش ثيابه ولا يطمئن بها لأحد. فاتفق الغلام والجارية على أخذ ذلك الذهب. وأخذاه وهربا. فلما أتى الدار لم يجد لهما أثراً، ولا للذهب. فامتنع عن الطعام والشراب، واشتد به المرض أسفاً على ما جرى عليه، فعرضت قضيته بيد يدي الملك، فأمر أن يخلف له ذلك، وبعث إليه من يعلمه بذاك، فوجدوه قد مات رحمه الله تعالى.[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
وكان رحيلنا من المدينة، نريد مكة شرفهما الله تعالى. فنزلنا بقرب مسجد ذي الحليفة الذي أحرم منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمدينة منه على خمسة أميال، وهو منتهى حرم المدينة. وبالقرب منه وادي العقيق. وهنالك تجردت من مخيط الثياب واغتسلت ولبست ثوب احرامي وصليت ركعتين وأحرمت بالحج مفرداً. ولم أزل ملبياً في كل سهل وجبل وصعود وحدور إلى أن أتيت شعب علي عليه السلام، وبه نزلت تلك الليلة.
ثم رحلنا منه ونزلنا بالروحاء، وبها بئر تعرف ببئر ذات العلم. ويقال: إن علياً عليه السلام قاتل بها الجن.
ثم رحلنا ونزلنا بالصفراء. وهو وادٍ معمور، فيه ماء ونخل وبنيان، وقصر يسكنه الشرفاء الحسنيون وسواهم، وفيها حصن كبير، وتواليه حصون كثيرة وقرى متصلة.
ثم رحلنا منه، ونزلنا ببدر حيث نصر الله رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنجز وعده الكريم، واستأصل صناديد المشركين. وهي قرية فيها حدائق نخل متصلة، وبها حصن منيع يدخل إليه من بطن وادٍ بين جبال. وببدر عين فوارة يجري ماؤها وموضع القليب الذي سبح به أعداء الله المشركون. هو اليوم بستان. وموضع الشهداء رضي الله عنهم خلفه. وجبل الرحمة الذي نزلت به الملائكة على يسار الداخل منه إلى الصفراء، وبإزائه جبل الطبول، وهو شبه كثيب الرمل ممتد. ويزعم أهل تلك البلدة أنهم يسمعون هنالك مثل أصوات الطبول في كل ليلة جمعة وموضع عريش رسول الله صاى الله عليه وسلم الذي كان به يوم بدر، يناشد ربه جلّ وتعالى، متصل بسفح جبل الطبول، وموضع الواقعة أمامه، وعند نخل القليب مسجد يقال له مبرك ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبين بدر والصفراء نحو بريد في وادٍ بين جبال تطرد فيه العيون، وتتصل حدائق النخل.
[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
ورحلنا من بدر إلى الصحراء المعروفة بقاع البزواء، وهي برية يضل بها الدليل، ويذهل عن خليله الخليل. مسيرة ثلاث وفي منتهاها وادي رابغ، يتكون فيه المطر غدراناً يبقى بها الماء زماناً طويلاً، ومنه يحرم حجاج مصر والمغرب، وهو دون الجحفة. وسرنا من رابغ ثلاثاً إلى خليص، ومررنا بعقبة السويق، وهي على مسافة نصف يوم من خليص، كثيرة الرمل والحجاج يقصدون شرب السويق بها، ويستصحبونه من مصر والشام برسم ذلك، ويسقونه الناس مخلطاً بالسكر. والأمراء يملأون منه الأحواض، ويسقونها الناس ويذكرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بها. ولم يكن مع أصحابه طعام فأخذ من رملها فأعطاهم إياه فشربوه سويفاً.[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
. ثم نزلنا بركة خليص وهي في بسيط من الأرض، كثيرة حدائق النخل، لها حصن مشيد في قنة جبل. وفي البسيط حصن خرب، وبها عين فوارة صنعت لها أخاديد في الأرض، وسربت إلى الضياع. وصاحب خليص شريف حسني النسب. وعرب تلك الناحية يقيمون هنالك سوقاً عظيمة يجلبون إليها الغنم والتمر والأدام. ثم رحلنا إلى عسفان، وهي في بسيط من الأرض، بين جبال، وبها آبار ماء معين، تنسب إحداها إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه. والمدرج المنسوب إلى عثمان أيضاً على مسافة نصف يوم من خليص، وهو مضيق بين جبلين. وفي موضع منه بلاط على صورة درج، وأثر عمارة قديمة. وهنالك بئر تنسب إلى علي عليه السلام. ويقال: إنه أحدثها. وبعسفان حصن عتيق وبرج مشيد قد أوهنه الخراب، وبه من شجر المقل كثير. ثم رحلنا من عسفان، ونزلنا بطن مر، ويسمى أيضاً مر الظهران ، وهو واد مخصب كثير النخل، ذو عين فوارة سيالة تسقي تلك الناحية. ومن هذا الوادي تجلب الفواكه والخضر إلى مكة شرفها الله تعالى. ثم أدلجنا من هذا الوادي المبارك، والنفوس مستبشرة ببلوغ آمالها مسرورة بحالها ومآلها، فوصلنا عند الصباح إلى البلد الأمين مكة شرفها الله تعالى، فوردنا منها على حرم الله تعالى، ومبوإ خليله إبراهيم، ومبعث صفية محمد صلى الله عليه وسلم.[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
ودخلنا البيت الحرام الشريف الذي من دخله كان آمناً من باب بني شيبة، وشاهدنا الكعبة الشريفة، زادها الله تعظيماً، وهي كالعروس تجلى على منصة الجلال، وترفل في برود الجمال، محفوفة بوفود الرحمن، موصلة إلى جنة الرضوان. وطفنا بها طواف القدوم، واستلمنا الحجر الكريم، وصلينا ركعتين بمقام إبراهيم، وتعلقنا بأسنار الكعبة عند الملتزم بين الباب والحجر الأسود، حيث يستجاب الدعاء، وشربنا من ماء زمزم، وهو لما شرب له حسبما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم تسليماً، ثم سعينا بين الصفا والمروة، ونزلنا هنالك بدار، بمقربة من باب إبراهيم - والحمد لله الذي شرفنا بالوفادة على هذا البيت الكريم، وجعلنا ممن بلغنا دعوة الخليل عليه السلام والتسليم، ومتع أعيننا بمشاهدة الكعبة الشريفة والمسجد العظيم والحجر الكريم وزمزم والحطيم.
ومن عجائب صنع الله تعالى أنه طبع القلوب على النزوع إلى هذه المشاهد المنيفة، والشوق إلى المثول بمعاهدها الشريفة، وجعل حبها متمكناً في القلوب، فلا يحلها أحد إلا أخذت يمجاميع قلبه، ولا يفارقها إلا أسفاً لفراقها، متولهاً لبعاده عنها، شديد الحنين إليها، ناوياً لتكرار الوفادة عليها، فأرضها المباركة نصب الأعين، ومحبتها حشو القلوب. حمكة من الله بالغة، وتصديقاً لدعوة خليله عليه السلام.
والشوق يحضرها وهي نائية، ويمثلها وهي غائبة، ويهون على قاصدها ما يلقاه من المشاق ويعانيه من العناء، وكم من ضعيف يرى الموت عياناً دونها، ويشاهد التلف في طريقها. فإذا جمع الله بها شمله، تلقاها مسروراً مستبشراً، كأنه لم يذق لها مرارة ولا كابد محنة ولا نصباً. إنه لأمر إلهي، وصنع رباني، ودلالة لا يشوبها لبس، ولا تغشاها شبهة، ولا يطرقها تمويه. وتعز في بصيرة المستبصرين، وتبدو في فكرة المتفكرين - ومن رزقه الله تعالى الحلول بتلك الأرجاء، والمثول بذلك الفناء، فقد أنعم الله عليه النعمة الكبرى، وخوله خير الدارين: الدنيا والأخرى. فحق عليه أن يكثر الشكر على ما خوله، ويديم الحمد على ما أولاه. جعلنا الله تعالى ممن قبلت زيارته، وربحت في قصدها تجارته، وكتبت في سبيل الله آثاره، ومحيت بالقبول أوزاره، بمنه وكره.[CENTER] [/CENTER]
تعليق
-
ذكر مدينة مكة المعظمة
وهي مدينة كبيرة متصلة البنيان مستطيلة، في بطن وادٍ تحف به الجبال، فلا يراها قاصدها حتى يصل إليها. وتلك الجبال الملطة عليها ليست بمفرطة الشموخ. والأخشبان من جبالها هما جبل أبي قبيس، وهو في جهة الجنوب والشرق منها، وجبل قعيقعان، وهو في جهة الغرب منها، وفي الشمال منها الجبل الأحمر. ومن جهة أبي قبيس أجياد الأكبر، وأجياد الأصغر، وهما شعبان والخندمة، وهي جبل، وستذكر. " والمناسك كلها: منى وعرفة والمزدلفة " بشرقي مكة شرفها الله. ولمكة من الأبواب ثلاثة: باب المعلى بأعلاها، وباب الشبيكة من أسفلها، ويعرف أيضاً بباب العمرة، وهو إلى جهة المغرب، وعليه طريق المدينة الشريفة، ومصر والشام وجدة. ومنه يتوجه إلى التنعيم، وسيذكر ذلك،وباب المسفل، وهو من جهة الجنوب، ومنه دخل خالد بن الوليد رضي الله عنه يوم فتح مكة شرفها الله، كما أخبر الله في كتابه العزيز حاكياً عن نبيه الخليل بوادٍ غير ذي زرع. ولكن سبقت لها الدعوة المباركة، فكل طرفة تجلب إليها، وثمرات كل شيء تجبى لها. ولقد أكلت بها من الفواكه العنب والتين والخوخ والرطب ما لا نظير له في الدنيا، وكذلك البطيخ المجلوب إليها لا يماثله سواه طيباً وحلاوة، واللحوم بها سمان لذيذات الطعوم. وكل ما يفترق في البلاد من السلع، فيها اجتماعه. وتجلب لها الفواكه والخضر من الطائف ووادي نخلة وبطن مر، لطفاً من الله بسكان حرمه الأمين ومجاوري بيته العتيق.[CENTER] [/CENTER]
تعليق
تعليق