إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

قصة الطوفان في القرآن الكريم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قصة الطوفان في القرآن الكريم

    قصة الطوفان في القرآن الكريم:‏

    ذكرت قصة نوح في عدة سور بشيء من التفصيل في الأعراف وهود والمؤمنون والشعراء والقمر وسورة نوح، وتختلف الآيات بالألفاظ بحسب ما تكون الغاية من إيراد الآيات والمراد من معناها، سنكتفي بإيراد ما يفيد هذا البحث عن الطوفان. جاء في سورة نوح:‏

    (إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم(1) قال يا قومِ إني لكم نذير مبين(2) أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون(3) يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجلٍ مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون(4) قال ربي إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً(5) فلم يزدهم دعائي إلا فراراً(6) وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصرّوا واستكبروا استكباراً(7) ثم إني دعوتهم جهاراً(8) ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً(9) فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً(10) يرسل السماء عليكم مدراراً(11) ويمددكم بأموالٍ وبنين ويجعل لكم جناتٍ ويجعل لكم أنهاراً(12) ما لكم لا ترجون لله وقاراً(13) وقد خلقكم أطواراً(14) ألم تروا كيف خلق الله سبع سماواتٍ طباقاً(15) وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً(16) والله أنبتكم من الأرض نباتاً(17) ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجاً(18) والله جعل لكم الأرض بساطاً(19) لتسلكوا منها سبلاً فجاجاً(20) قال نوح ربِّ إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خساراً(21) ومكروا مكراً كباراً(22) وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودّاً ولا سواعاً ولا يغوثَ ويعوقَ ونسْرا(23) وقد أضلوا كثيراً ولا تزد الظالمين إلا ضلالاً(24) مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا ناراً فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً(25) وقال نوح ربِّ لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً(26) إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً(27) ربِّ اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تباراً(28)".‏

    نلاحظ من سورة نوح، أن الله اختاره رسولاً لينذر قومه قبل أن يأتيهم العذاب الأليم فيؤدي نوح رسالته، ويبذل كل ما بوسعه لهدايتهم، يقدم لهم الأدلة والبراهين الكونية على وحدانية الله ليتركوا عبادة الآلهة الوثنية، فلم يستجيبوا له، فيطلب نوح من ربه أن لا يذر على الأرض من الكافرين دياراً، ويستجيب الله لدعائه، ونوح عليه السلام في القرآن الكريم كما ذكرنا مرسل من الله بينما في التوراة رجل صالح لم يكلف بالرسالة، فالله في التوراة يقرر هلاك البشرية والحياة على الأرض، بينما في القرآن لا يتخذ الله هذا الموقف إلا بعد إنذارهم وعدم إيمانهم واستكبارهم استكباراً.‏

    وفي سورة هود حوار بين نوح وقومه، يريد هدايتهم ولكنهم في ضلالهم يعمهون فيقص القرآن الكريم: "وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون(36) واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون(37) ويصنع الفلك وكلما مرَّ عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون(38) فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحلُّ عليه عذاب مقيم(39) حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كلٍّ زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومَنْ آمن وما آمن معه إلا قليل(40) قال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومُرْساها إنَّ ربي لغفور رحيم(41) وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزلٍ يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين(42) قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين(43) وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعداً للقوم الظالمين(44) ونادى نوح ربه فقال ربِّ إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين(45) قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألنِ ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين(46) قال ربي إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلاَّ تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين(47) قيل يا نوح اهبط بسلامٍ منا وبركات عليك وعلى أممٍ ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منّا عذاب أليم(48).‏

    في الآيات السابقة من سورة هود، تأكيد أن صناعة الفلك كان بأمر من الله ووحي منه، وهذا يتفق مع نص التوراة في المضمون، كما هناك اتفاق بين حمل الأحياء والأزواج، وإن كانت التوراة أكثر تفصيلاً للأصناف، ورست سفينة نوح (التابوت) على جبل آرارات بينما استوت سفينة نوح في القرآن على الجودي، وجبل آرارات يقع حالياً في أرمينيا بينما الجودي شمال العراق.‏

    ولا يتسع المجال لإيراد كافة الآيات التي تناولت رسالة نوح والطوفان، ومن مجملها نخلص إلى الإرشادات التالية:‏

    أولاً: لا يوجد قرار إلهي مسبق بتدمير الحياة على الأرض كما ورد في الأساطير والتوراة.‏

    ثانياً: الرجل الصالح المختار هو نوح، وهو رسول إلى قومه قبل قرار الطوفان، بينما كان اختيار الرجل الصالح في الأساطير بعد قرار الطوفان.‏

    ثالثاً: تفاصيل الحدث غير واردة في القرآن، كما هي مفصلة في التوراة بالأيام والأشهر والأرقام فحجم الفلك في القرآن غير محدد ولكن وصف (بالفلك المشحون) بينما في التوراة وبعض الأساطير ترد أرقام تثير ملابسات عديدة.‏

    رابعاً: لم يفصل القرآن في مدة الطوفان وارتفاع المياه بالأذرع، ولكن وصف أمواج الطوفان كالجبال، كما لم يشر إلى إطلاق الطيور للاستطلاع.‏

    خامساً: حمل نوح في السفينة من كلٍّ زوجين اثنين لاستمرار التناسل، وحمل أهله باستثناء زوجته(11) التي لم تؤمن، وهذا يخالف ما ورد في التوراة وبعض الأساطير.‏

    سادساً: تحدد التوراة أولاد نوح، سام وحام ويافث، ولم يحدد القرآن ذلك ولكن يفهم من آيات مختلفة أن ذريته هم الباقون.‏

    هل الطوفان حقيقة؟‏

    لا مجال لإنكار الطوفان، إذ أجمعت الأساطير والكتب المقدسة على وقوع هذا الحدث الكوني.‏

    واختلاف الدوافع والغايات والنتائج في الروايات المختلفة عن الطوفان، ليس دليلاً على عدم وقوع الطوفان. فأي حدث بهذا الحجم تقادم عليه العهد سيكون عرضة للتأويل والتحريف. وقد فصلت التوراة في قصة الطوفان فلم تترك مجالاً للتأويل، بغض النظر عن مصداقية المواصفات والأرقام التي وردت في السفينة ومدة الطوفان، وهل ذلك ممكن من الناحية العملية؟.‏

    أما القرآن الكريم فقص على محمد (() قصة نوح "تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين".‏

    فلم يوضح أين كان نوح، ومن هم قومه؟ متى كان ذلك؟ وكم بقي الطوفان؟ وهل كان عاماً على كامل الأرض؟ واستواء السفينة (الفلك) على الجودي لا يعني بالضرورة المسمى بهذا الاسم حالياً، لذلك كان أمام المفسرين والمؤرخين والمسلمين، مجال واسع للتأويل والاختلاف بما لا يتعارض مع المراد بالبيان الإلهي.‏

    فأخذوا من التوراة، ومن روايات أشخاص لا علم لهم بما سلف، بدليل أن الرسول (() لم يعرف قصة نوح إلا بالوحي فكيف عرف أولئك تفاصيل الأحداث؟‏

    وأذكر على سبيل المثال ما ورد في تفسير ابن كثير عن أبعاد الفلك: "وقال قتادة كان طولها ثلاث مائة ذراع في عرض خمسين ذراع، وعن الحسن طولها ستمائة ذراع، وعرضها ثلاث مائة، وعنه مع ابن عباس طولها ألف ومائتا ذراع في عرض ستمائة، وقيل طولها ألفا ذراع وعرضها مائة ذراع فالله أعلم، وقالوا كلهم كان ارتفاعها في السماء ثلاثين ذراعاً ثلاث طبقات كل طبقة عشرة أذرع"(12).

    وهناك تباين في الآراء حول تخصيص الطوابق الثلاثة لأصناف الأحياء، ففي رواية ابن كثير "الطبقة السفلى للدواب والوحوش، والوسطى للأنس، والعليا للطيور"(13).

    وفي رواية ابن الأثير "وجعل نوح الطير في الطبق الأسفل من السفينة، وجعل الوحش في الطبق الأوسط، وركب هو ومن معه من بني آدم في الطبق الأعلى"(14)

    وفي رواية اليعقوبي "فصعد هو (يقصد نوح) وولده إلى مغارة الكنز فاحتملوا جسد آدم فوضعوه في وسط البيت الأعلى في السفينة يوم الجمعة لسبع عشرة خلت من آذار وأدخل الطير في البيت الأوسط وأدخل الدواب والسباع البيت الأسفل وأطبقها حين غابت الشمس"(15).

    ويتضح التباين أكثر بالمقارنة التالية:



    الطابق السفلي

    الطابق الأوسط

    الطابق العلوي





    1-رواية ابن كثير:

    الوحوش

    الأنس



    الطيور



    2-رواية ابن الأثير:

    الطيور

    الوحوش

    الأنس





    3- رواية اليعقوبي:

    الوحوش

    الطيور

    الأنس







    وقد لجأ المفسرون إلى روايات مختلفة، بعضها نسب إلى الرسول (r)، ولا أظن أن الرسول (r) فصل في القصص حيث أجمل القرآن ولم يعرفها من قبل، وأذكر هنا قصة أم الصبي "روى الإمام أبو جعفر بن جرير والحبر أبو محمد بن أبي حاتم في تفسيرهما من حديث يعقوب بن موسى الزمعي عن قائد مولى عبيد الله بن أبي رافع بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة أخبره أن عائشة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبرته أن النبي (r) قال: "لو رحم الله من قوم نوحٍ أحداً لرحم أم الصبي" قال رسول الله (r): "كان نوح (عليه السلام) مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، وغرس مائة سنة الشجر فعظمت وذهبت كل مذهب، ثم قطعها، ثم جعلها سفينة، ويمرون عليه ويسخرون منه ويقولون تعمل سفينة في البر فكيف تجري؟ قال: سوف تعلمون. فلما فرغ ونبع الماء وصار في السكك. خشيت أم الصبي عليه وكانت تحبه حباً شديداً، فخرجت إلى الجبل حتى بلغت ثلثه، فلما بلغها الماء ارتفعت حتى بلغت ثلثيه فلما بلغها الماء خرجت به حتى استوت على الجبل، فلما بلغ الماء رقبتها رفعته بيديها فغرقا، فلو رحم الله منهم أحداً لرحم أم الصبي". وهذا حديث غريب من هذا الوجه، وقد روى كعب الأحبار ومجاهد ابن جبير قصة هذا الصبي وأمه بنحو من هذا"(16).

    لو صحت هذه الرواية في مضمونها فكيف تتمكن هذه المرأة العزلاء من صعود الجبل في جو عاصف ماطر؟ وكيف تمكنت من الثبات على قمة الجبل حتى وصل الماء إلى رقبتها؟ روايات كثيرة من هذا القبيل شوهت حقيقة الطوفان، وجعلته أقرب إلى الأساطير، وترسخت في أذهان عامة الناس، وأصبحت في حكم المسلمات التي لا تدحض ببرهان.

    "قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن صالح، كاتب الليث، حدثني الليث، حدثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم، عن أبيه أن رسول الله (r) قال: (لما حمل نوح في السفينة من كل زوجين اثنين قال أصحابه وكيف تطمئن المواشي ومعها الأسد؟ فسلط الله عليه الحمى فكانت أول حمى نزلت في الأرض، ثم شكوا الفأرة فقالوا الفوسيقة تفسد علينا طعامنا ومتاعنا فأوحى الله إلى الأسد، فعطس فخرجت الهرة منه، فتخبأت الفأرة منها"(17)

    والرأي الشائع عند عامة الناس عن طوفان نوح هو جماع ما ورد في الأساطير والتوراة وروايات المفسرين والمؤرخين، وبقيت الحقيقة غائبة، وملخص الرأي الشائع:

    أولاً: طوفان نوح عمَّ كامل الكرة الأرضية، قبل ستة آلاف سنة تقريباً، فأهلك كل البشر والأحياء البرية، باستثناء ما حمله نوح في السفينة، فالبشر الحاليين هم من سلالة نوح "أبو البشر الثاني".

    ثانياً: رست سفينة نوح على جبال آرارات في اعتقاد أهل الكتاب، وعلى الجودي في اعتقاد المسلمين، والموقعان هما في شمال بلاد الرافدين من الناحية الجغرافية. فهل هذا الرأي صحيح؟

    الإجابة تقودنا إلى مناقشة الرأي على ضوء الواقع، والاكتشافات الأثرية التي تدل على حدوث الطوفان أم عدم حدوثه.
    http://www.ghoraba.net/upp/00/7_1249870506.jpg

  • #2
    أولاً- هل كان الطوفان عاماً؟ أم خاصاً بموقع جغرافي محدد؟

    من الناحية العلمية وضمن ما ورد في سياق نصوص الأساطير، والكتب المقدسة، لا يمكن أن يكون الطوفان عاماً لكل اليابسة في الكرة الأرضية، فمن أين جاءت فكرة التعميم؟ ربما لاحظ الإنسان في ذلك العصر كما نلاحظ اليوم وجود مستحاثات حيوانية بحرية ضمن صخور الجبال العالية كجبال طوروس وجبال آرارات وجبال الألب وجبال هملايا. ولا يمكن تعليل وجود هذه المستحاثات المائية في تلك الصخور إلا بافتراض طغيان الماء عليها. والحقيقة من يدرس الجيولوجيا (علم الأرض)، يعلم أن جغرافية الأرض تبدلت كثيراً في الأحقاب السابقة قبل ملايين السنين، فما نراه اليوم يابسة كان قعراً لبحر لجي عميق والشاهد على ذلك طبيعة الرسوبيات وما تحمله من بقايا أحياء بحرية، فرسوبيات الشاطئ تختلف عن رسوبيات الرصيف القاري ورسوبيات المنحدر القاري، كما لرسوبيات الأعماق طبيعة معينة. وعلى سبيل المثال كشفت التحريات الجيولوجية أن رسوبيات جبال طوروس وجبال آرارات كانت متوضعة في قعر بحر عميق قبل مائتي مليون سنة في الحقب الثاني، في العصر الذي انتشرت فيه الزواحف الضخمة "الديناصورات".

    ونتيجة الضغط الداخلي على قشرة الأرض وتحرك الصفائح القارية تنشأ السلاسل الجبلية وهكذا نشأت السلاسل الجبلية المذكورة أعلاه، ويقدر العلماء أن جبال آرارات انحسر عنها الماء قبل ستين مليون سنة نتيجة ارتفاع المنطقة ببطء وما زالت ترتفع. والبحر يتراجع للأماكن المنخفضة.

    وفي بعض المناطق حدث ارتفاع اليابسة ثم انخفاضها ثم ارتفاعها ثانية، فطغى عليها الماء مرتين كما يستدل على ذلك من رسوبياتها، ولكن هذه الأحداث تتم بمقياس زمني جيولوجي يقدر بملايين السنين، فلا يصح تعليل طوفان نوح بأنه أحد دورات المد البحري على اليابسة لأنه دام عدة أيام وعلى الأكثر سنة كما تروي التوراة، وحدث قبل بضعة آلاف سنة وهذا لا تؤيده التحريات الجيولوجية.

    وتؤكد النصوص الدينية على إهلاك كافة البشر باستثناء من كان في السفينة وإهلاك كل الأحياء البحرية باستثناء ما حمله نوح في السفينة، ولا يستشف منها أن الطوفان عام فنوح كان يعيش في منطقة معينة (يفترض أنها في منطقة بلاد ما بين النهرين)، فإذا كان قومه محصورين في تلك المنطقة فقط. وهم كامل البشرية على الأرض، ولا يوجد غيرهم في أوروبا وإفريقيا وشرق آسيا، فلماذا يعم الطوفان على تلك البلاد لإهلاك الأحياء البرية؟

    وإذا افترضنا وجود بشر آخرين غير قوم نوح في مصر والصين وأوروبا وبلدان أخرى فلماذا تعم عليهم دعوة نوح بالهلاك ويغرقهم الله جميعاً، والنص القرآني صريح: ">وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا[.

    إن طوفان نوح كان في منطقة محددة، فأهلك قومه الذين لم يؤمنوا بدعوته، وأمرُ اللهِ لَه بحمل من كل زوجين اثنين من الحيوان لا يعني حمل كل الأنواع، إذ يكفي أن يحمل ما دجنه الإنسان، كما يحدث حالياً عندما يرحل البدو من منطقة إلى أخرى ينقلون معهم دوابهم وأنعامهم.

    ولا شك أن طوفان نوح كان عارماً شمل منطقة واسعة جداً، لذلك ترك في نفوس الناجين وذاكرة الأجيال التالية أثراً لا ينمحي، فظهر الحدث في الملاحم الأسطورية وأعطت التوراة بعداً جديداً للحدث ينسجم مع نفسية اليهود ورغبتهم في السيطرة على العالم، والقرآن الكريم أجمل الحدث، فأكد الحقيقة ولم يؤكد التعميم.

    فإذا كان الطوفان خاصاً بقوم نوح وطغى على المنطقة التي كان يعيش فيها.

    فأين حدث الطوفان؟

    الحضارة السومرية والبابلية كانتا في منطقة بلاد ما بين النهرين، وترك الطوفان السابق أثراً بالغاً في وجدان الناجين، والأجيال اللاحقة تلقت الخبر من الأسلاف فخلدت الحدث في الملاحم الأدبية الأسطورية. فالطوفان بحسب النصوص البابلية حدث في بلاد الرافدين ودمَّر مدينة (شوريباك) على نهر الفرات. وفي التوراة إشارات إلى حدوث الطوفان في بلاد الرافدين أيضاً وذلك من خلال انتشار أولاد نوح (عليه السلام) وحفدائه بعد الطوفان، وهبوط السفينة على جبال آرارات تأكيد لحدوث الطوفان في هذه المنطقة، فمنابع دجلة والفرات هي من الهضاب في أرمينيا وشمال شرق تركيا حالياً. وجبل الجودي يقع حالياً في شمال العراق وهو جزء من بلاد ما بين النهرين.

    فهل أثبتت التحريات الجيولوجية، أو التنقيبات الأثرية حدوث الطوفان قبل ستة آلاف سنة؟

    الحفريات الأثرية تثبت حدوث الطوفان(18):

    في الفترة الواقعة بين عامي 1925-1930 قام العالم البريطاني ليونارد وولي –Leonard Woolley- -وزوجته كاترين وولي –Katherine Wooley بدراسة موقع (أور)- Ur القديمة فأجرى حفريات عديدة، واكتشف بقايا آثار الأمم الغابرة التي تعاقبت على هذا الموقع، وكل طبقة تمثل حقبة من الزمن، ومرحلة قامت على أنقاض مرحلة أخرى، وتحت هذه الأنقاض ظهرت طبقة رسوبية طينية نظيفة، وهي لم تأخذ شكلاً طباقياً، ومستواها أعلى من مستوى الأرض السبخة الأساسية المحيطة بها. وظل الحفر في هذه الطبقة مستمراً، وعلى عمق أحد عشر قدماً في هذه الطبقة، تم اكتشاف آثار وأنقاض وهياكل بشرية. وأثار هذا الاكتشاف العالم (وولي) وأمر بالحفر في اتجاهات مختلفة فتأكد أن هذه الطبقة الطينية تمتد على مساحات واسعة. وأسفلها طبقات من الأنقاض. وتساءل وولي من أين جاءت هذه الطبقة الطينية؟

    لاحظ وولي أن المستوى العلوي للطبقة داكن اللون ومكون من مواد مفككة، وأوسطها أفتح لوناً وأكثر تماسكاً، وأسفلها قاتم، ولا يتشكل هذا الوضع إلا بتدفق ماء بمقادير هائلة.

    لا شك أن مدينة أور وما يجاورها دفنت تحت هذه الرسوبيات نتيجة طوفان عارم، وإذا كانت سماكة الطبقة الطينية المكتشفة (11) قدماً فكم سيكون ارتفاع مد الطوفان؟.

    لا شك أنه يتجاوز هذا الرقم بكثير، وإذا علمنا أن أور ازدهرت في أواخر الألف الرابع قبل الميلاد فإن الطوفان الذي دمر أور القديمة يكون قد حدث قبل خمسة آلاف أو ستة آلاف سنة، فهل هو طوفان نوح المذكور في التوراة والقرآن؟ العلم عند الله.

    ثانياً-أين استوت سفينة نوح؟

    في أساطير الطوفان وفي التوراة. كانت السفينة ترسو على جبل، ففي النص البابلي ورد اسم جبل نصير (حمرين) وفي النص اليوناني جبل (البرناس) وفي التوراة (جبال آرارات) ولم تحدد قمة معينة، وفي القرآن الكريم لم يرد لفظ الجبل، واسم الجودي لا يعني جبلاً محدداً فهل رست السفينة فعلاً على قمة جبل شامخ؟

    وإذا وصلت سفينة نوح كما تروي التوراة إلى قمة آرارات الحالية فلا شك أن الماء غطى كامل الكرة الأرضية.

    واستدل بعض المفسرين من محاورة نوح مع ابنه الذي لم يؤمن، قبل أن يغرق، عندما طلب منه نوح أن يؤمن ويركب الفلك، فقال الابن سآوي إلى جبل يعصمني من الماء، فيرد نوح عليه لا عاصم اليوم من أمر الله. استدلوا على أن الماء سيطغى على قمم الجبال بكاملها، والآية القرآنية التي أوردت حوار نوح مع ابنه، لا تعني أن الابن صعد فعلاً إلى الجبل، ونتصور الآن فلكاً مشحوناً بالمؤن والحيوانات وبعدد من البشر، لا شك هو من الكبر يتجاوز حجوم المراكب التي كانت قبل ستة آلاف سنة، تمخر الخلجان وشواطئ البحار، هذا الفلك الكبير كيف سيتحرك وفي أي اتجاه إذا كان في جنوب العراق؟

    إن مياه الفيضانات في بلاد ما بين النهرين تتجه من الشمال حيث المرتفعات الجبلية إلى الجنوب لتصب في الخليج العربي، وإذا ترك هذا الفلك بدون توجيه، سيتحرك باتجاه الجنوب بينما أكدت الأساطير والتوراة أن السفينة رست على الجبال الشمالية العالية، قرب منابع الأنهار.

    من الطبيعي أن يتوجه الفلك بإرادة الملاح باتجاه المنطقة الأكثر أماناً، ولكن الطوفان معجزة إلهية، وبناء السفينة كان بوحي من الله، فلا شك أنها ستجري بأمر الله ورعايته. وترسو باسمه في المكان الذي قدره الله، "اركبوا فيها باسم الله مجراها ومرساها إنَّ ربي لغفور رحيم" –هود-(41) ">وحملناه على ذات ألواح ودسر* تجري بأعيننا جزاءً لمن كان كُفِر* ولقد تركناها آية فهل من مدَّكر[ القمر (13-14-15).

    إن اتجاه الطوفان في ضوء جغرافية المنطقة سيكون من الشمال إلى الجنوب، وتحركت السفينة من الجنوب إلى الشمال، فهل كان اتجاه العواصف من الجنوب إلى الشمال؟ أي جاءت الفيضانات من الشمال وتحركت أمواج الخليج العربي من الجنوب بفعل الأعاصير فالتقى الماء على أمرٍ قد قُدِر. وتَتحرك السفينة في هذه الحالة بقوة دفع الرياح باتجاه الشمال. ولكن هل رست فعلاً على جبال آرارات؟

    إن دراسة صخور جبال آرارات والجودي لا تؤكد وجود لحقيات فيضانية قريبة العهد، فهي رسوبيات تعود إلى ملايين السنين، ويبقى احتمال التأويل وارداً، من أن السفينة اتجهت من الجنوب، حيث كان يعيش نوح مع قومه في الأغوار في جنوب العراق، إلى الشمال بعد حدوث الطوفان الذي ارتفع عدة أمتار فغطى كامل المنطقة، وأهلك كل حي يدب على الأرض ووصلت السفينة إلى سلسلة الجبال الشمالية، فرست هناك ونزل منها نوح ومن معه فاتخذوا من المرتفعات مقراً لهم ريثما تعود الأمور إلى طبيعتها السابقة، وكان أمر الله مفعولاً.

    ترك هذا الحدث في ذاكرة الأجيال اللاحقة صورة معينة عن هذا الطوفان، فقد أهلك الحياة على الأرض، وعمَّ اليابسة بكاملها، وانسحب التعميم على قمم الجبال، ولا شك أن الباحث يتساءل لماذا قدَّر الله استواء السفينة على جبل شاهق؟ فالجبال أقل صلاحية للسكن والاستقرار والزراعة وتربية الماشية، وما دام الطوفان عقوبة إلهية، والناجون من الطوفان يستحقون مكافأة على إيمانهم فكان الأولى أن ترسو السفينة بعد الطوفان في مكان خصب سهل منبسط. والله سبحانه الذي أوحى لنوح صناعة السفينة وقدر مجراها ومرساها لم يترك السفينة في مهب الأعاصير أو دوامات المياه لتستوي بالصدفة في مكان مرتفع ولينتظر نوح ومن معه في السفينة أياماً حتى تجف المياه، والقرآن الكريم لم يقطع باستواء السفينة على جبل شامخ، وكما ذكرت لفظة الجودي لا تعني جبلاً محدداً، لذلك يمكن فهم حقيقة الطوفان بعيداً عن الأجواء الأسطورية. ولكن المنطق العلمي يفترض أن يلجأ الإنسان في حوادث الطوفان إلى الأماكن المرتفعة وهذا ما حدث فعلاً بالنسبة لطوفان نوح (عليه السلام).

    فأين رست سفينة نوح؟ وهل تم العثور على آثارها؟

    قبل الإجابة عن هذين السؤالين، أين يمكن البحث عن سفينة نوح وآثارها؟

    حددت التوراة جبال آرارات، وذكر القرآن الجودي وأسطورة جلجامش حددت جبل نصير (حمرين) والأسطورة اليونانية حددت جبل (البرناس). فأي المواقع مرشح للبحث والتنقيب؟

    معظم الأبحاث تركزت على آرارات لأسباب عديدة، إما لإثبات حقيقة الطوفان، أو لنفي صحة الخبر الوارد في التوراة، أو حباً في الاستطلاع والمغامرة.
    http://www.ghoraba.net/upp/00/7_1249870506.jpg

    تعليق


    • #3
      إعداد: محمد فيض الله الحامدي

      يقول: كريستيان هيرالد(19) "لم تذكر التوراة قمة معينة بل اكتفت بالإشارة إلى جبال آرارات، ويسلم الجميع بأن آرارات لم تكن تعني في ذلك الحين جبلاً محدداً، بل منطقة واسعة جداً سميت فيما بعد بأرمينيا، وهي تشمل أجزاءً من تركيا الحديثة وإيران والعراق والاتحاد السوفيتي ومئات من القمم"، وبما أن جبل آرارات ينتصب منعزلاً متشامخاً إلى ارتفاع (4267) متراً في السهول في أطول منحدر متناسق في العالم، فإن قمته لا بد أن تكون الأولى التي برزت فوق الماء في تلك المنطقة، لذلك يعتقد الأرمن أن السفينة استقرت عليه.

      وأصبحت للجبل حرمة مقدسة لم يتجرأ أحد الصعود إليه والبحث عن السفينة، من أهالي المنطقة. "وأول بعثة تسلقت جبل آرارات برئاسة الفرنسي فريدريك بارو عام 1839، ولم يبحث عن السفينة ولم يجدها، لكنه ترك أثراً في علم أطلقت عليه تسمية (علم أبحاث سفينة نوح) وبهذا انتهك (التابو) القديم الذي كان يحظر على الأهالي المحليين تسلق الجبل ومهد بذلك الدرب لإجراء الأبحاث اللاحقة"(20).

      وفي عام 1876 عثر اللورد برايس فوق حافة ناتئة من الجبل تبرز على ارتفاع (13) ألف قدم على قطعة خشبية منحوتة يبلغ طولها زهاء أربعة أقدام.

      وكثرت الروايات عن مغامرات المستكشفين، ولا يخلو بعضها من التأكيد على رؤية بقايا من سفينة نوح ولكن لم تقطع تلك الروايات الشك باليقين والأدلة الدامغة.

      "إن الشاهد الحسي الوحيد على وجود الفلك هو قطع خشبية وجدها المتسلقون على الجبل وأكثر هذه القطع إثارة للجدل، قطعة دكناء صنعت باليد وغدت متحجرة جزئياًٍ، وجدها فرنسي يدعى فرنان نافارا عام 1955 وقد تولى مخبر إسباني فحص خلاياها فحدد عمرها بنحو (5000) سنة وهو الزمن التقريبي لصنع الفلك. إلا أن اختبارين أُجريا في مكانين مختلفين بالأشعة الأيزوتوبية (لعنصر الكربون- 14) وأحدهما في جامعة أمريكية والآخر في جامعة بريطانية حددا تاريخ خشبة نافارا بين (1200) و (1400) سنة فقط"(21).

      ويعلق العالم السوفيتي: ي. ا. ريزانوف مستشهداً بمضمون كتاب (أدوارد زيوس) الذي نشره عام 1883 م بعنوان "وجه الأرض" الذي قارن بين ملحمة جلجامش الكلدانية ورواية التوراة فيقول: "والرواية الكلدانية تحصر الطوفان في حدود قليلة ومعقولة تماماً، فالمطر يتساقط لمدة سبعة أيام فقط، والمياه لا تغمر حتى جبل (حمرين) الذي يبلغ ارتفاعه زهاء (400) متر، وتوقف السفينة عند جبل حمرين في الوقت الذي بلغ فيه الطوفان حده الأقصى يعطينا صورة عن ارتفاع مستوى المياه. فهذا الجبل يقع في حدود منبسط ما بين النهرين، ويكفي أن ترتفع المياه نحو (5-10) أمتار فحسب لكي تغمر المياه المنبسط بأسره باستثناء الجبل المذكور وقد خلص أدوارد زيوس إلى استنتاج مؤداه أن المقصود بالطوفان العظيم هو الفيضان المدمر الذي حدث في المجرى الأسفل لنهر الفرات والناجم عن هبوب إعصار من الجنوب. لكن ما الواجب قوله بصدد رواية الكتاب المقدس القائلة أن سفينة نوح رست عند قمة آرارات وأن حطام السفينة الأسطورية موجود فوق هذا الجبل؟ ليس من العسير ملاحظة أن رواية الكتاب المقدس عن الطوفان تتسم بالمبالغة في وصف عواقب الظاهرة الطبيعية التي حدثت. فمثلاً أن فترة الطوفان استمرت عاماً كاملاً.

      لقد نقل مدونو رواية الكتاب المقدس عن الطوفان مكان الأحداث، رغبة منهم في تشديد عواقبه، من جبل حمرين غير المرتفع إلى أعلى جبل في آسيا الصغرى أي آرارات"(22).

      ويتابع زيزانوف قوله: "إن بحري قزوين والأسود هما أقرب حوضين بحرين إلى جبل آرارات وبلغت مياه حوض قزوين أعلى منسوب لها قبل(10) آلاف سنة وآنذاك بلغ منسوب مياه بحر قزوين (46-48) متراً من الارتفاع المطلق (حوالي 75 متراً فوق المستوى الحالي لبحر قزوين). وبلغ الارتفاع نفسه منسوب المياه في البحر الأسود، وبهذا فلم يكن البحر يغمر على مدى المليون عام الأخير جبل آرارات ومنطقة القفقاس بأسرها. وفي منطقة جبل آرارات وجدت رواسب بحرية لا يقل عمرها عن /20/ مليون عام، وتكونت قبل أن يكون وجود لجبل آرارات في الحقبة التاريخية المذكورة، فلا تتوافر المسوغات إذن للبحث عن سفينة نوح هناك. أما الألواح وحطام الأخشاب على قمة آرارات، فقد تكون موجودة هناك، لكنها لم تحمل إليها مع الطوفان. إذ قد تكون بقايا منشآت عبادة للبشر القدامى، نظراً لأن آرارات كان منذ قديم الزمان يحظى بتكريم خاص لدى الشعوب القاطنة حوله"(23).

      أما بالنسبة للجودي (الجبل الحالي) فهناك روايات غير موثوقة، عن عثور بعض المستكشفين على ألواح خشبية ومسامير كبير (دسر) قديمة جداً على قمة الجبل.

      خلاصة البحث:

      طوفان نوح حقيقة لا مراء فيها، أهلك قوم نوح، حدث ذلك في منطقة بلاد ما بين النهرين، وكان طوفاناً عارماً، وما جاء في الأساطير والتوراة مبالغ فيه ولا ينسجم مع معطيات الواقع، وقواعد المنطق.

      إعداد: محمد فيض الله الحامدي
      http://www.ghoraba.net/upp/00/7_1249870506.jpg

      تعليق


      • #4
        ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا و لا تحمل علينا إسرا كما حملته على الذين من قبلنا.اللهم آميـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــن

        تعليق

        يعمل...
        X