إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الشح و البخل

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الشح و البخل

    الشُّـح والبُخـل

    لفضـيلة الشيـخ
    جمـاز بن عبد الرحمـن الجمـاز



    بسم الله الرحمن الرحيم
    مقدمة
    الحمد لله رب العالمين، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خالق الخلق أجمعين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، سيد الخلق أجمعين.
    أما بعد:
    فهذه رسالة أقدمها إلى كل مسلم ومسلمة، أردت بها تذكير نفسي وغيري؛ حيث يظهر في أقوال وسلوك بعضنا شح وبخل، ويكون له تأثير في نقص إيماننا، وكراهية غيرنا لنا، وتفويت مصالح جمة لأمتنا.
    هي رسالة إلى كل نفس لم توق شحها، ولم تنج من شر نفسها، وسيئات أعمالها، علها تجد مكاناً واسعاً في قلب كل واحد: إذ الإيمان والشح (لا يجتمعان في قلب عبد أبداً).
    وحسب الوسع والطاقة اجتهدت في جمعها وتنسيقها، ورصعتها بالآيات الكريمة والأحاديث النبوية، ودبجتها بالأخبار والآثار، وحرصت على انتقائها واختصارها، وعزو آياتها وأحاديثها وأخبارها، وأظهرت الحكم على أحاديثها، نقلاً من مظانها ونسبة كل كلام إلى صاحبه، اعترافاً بفضله، وحفظاً لحقه.
    فمن نظر فيها فليأخذ أزينها، وليترك أشينها، وليمنن عليَّ بتعقُّب أو تصويب؛ فإن كل بني آدم خطاء، وكلٌّ يؤخذ من قوله ويترك إلا النبيr.
    عسى الله أن يوفقني فيما أردت، وأن يكتب النفع فيما زبرت، والله أسأل أن يجعل أعمالنا كلها صالحة، ولوجهه خالصة، ولا يجعل لأحد فيها شيئاً.
    والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والله ولي التوفيق والهادي إلى الصراط المستقيم.
    كتبه
    جماز بن عبد الرحمن بن عبد الله الجماز
    السعودية -شقراء

  • #2
    تمهيد
    نعم الله على خلقِه لا تُحصى ولا تُعدّ، وفضله على عبادِه عظيم لا يُحدّ.
    فله تعالى عظيم الشكر وغاية الحمد، ومن رُزِق المال وعَرف حق الله فيه وُفِّقَ للخير وسعادة الأبد.
    والشخ والبخل صفتان مذمومتان في كل إنسان، يطيع بهما نفسه وهواه والشيطان.
    إن هذه الخصلة الذميمة والخلة الشنيعة، طهَّر الله منها أنبياءه، ووقى شر تأصلها في نفوس أوليائه، ولها أثر شنيع وخطر فظيع على الأفراد والمجتمعات؛ حيث تورث النفوس الهلع والطمع، وتركيزها في جل تحركاتها على الجمع دون الإنفاق، والأخذ دون العطاء، والخروج بالأموال عما أعطيت له، من جعلها وسيلة يُتقى الله فيها، ويُتقرّب إليها بها براً وإحساناً، وإنفاقاً في سبيله، وجبراً ومواساة لعباده، إلى جعلها هدفاً وغاية ووسيلة لمحاربة الله ومحاربة دينه بها، جبياً من غير حلٍّ، وإنفاقاً في معصية وتعاملاً بما حَرُمْ


    معنى الشح والبخل
    الشح لغة: الأصل فيه المنع؛ قاله ابن فارس، وهو يُطلق على معانٍ منها:
    1- كما قال ابن منظور، حرص النفس على ما مَلكتْ وبُخلُها به.
    2- كما ذكر الجوهري، يُراد به القلة والعسر؛ يقال: أرضٌ شَحَاح: لا تسيل إلاّ من مطر كثير.
    3- كما ذكر ابن فارس، يُراد به التسابق إلى الشيء والتنافس عليه، يقال: تشاحَ الرجلان على الأمر، إذا أراد كل واحد منهما الفوز به ومنعه من صاحبه.
    4- يُراد به المخاصمة والمجادلة، تقول: شاحَّ فلاناً، أي خاصمه وماحاكه.
    والظاهر أن لا تعارض بين هذه المعاني؛ فالشح: حرص أو بخل يتلّخص في المنع أو العطاء بقلة، وربما يحمل على التنافس والمخاصمة أو المجادلة( ).
    الشُّحُّ اصطلاحاً: قال الكفوي: "هو الحالة النفسية التي تقتضي منع الإنسان ما في يده، أو في يد غيره". ولا شك أنه يشمل منع كل بر أو معروف؛ مالاً أو غيره، وقال ابن تيمية: "شدة الحرص التي توجب البخل والظلم، وهو منع الخير وكراهته" ا.هـ( ).
    البخل لغة: هو خلاف الكرم، ويقابله الجود.
    البخل اصطلاحاً: قال الجرجاني: "البخل هو المنع من مال نفسه"، وقال القرطبي: "هو امتناع المرء عن أداء ما أوجب الله تعالى عليه"

    تعليق


    • #3
      حقيقة الشح والبخل
      قال الخطابي: "الشح أعم من البخل، وكأن الشح جنس والبخل نوع، وأكثر ما يقال البخل في أفراد الأمور، والشح عام كالوصف اللازم وما هو من قبل الطبع" ا.هـ.
      وقال الحسن بن عليt: "البخل، أن يرى الرجل ما ينفقه تلفاً، وما يمسكه شرفاً"
      وقال الأحنف: "البخل: طلب اليسير ومنع الحقير"
      وكان ابن منبه يقول: "أجود الناس في الدنيا من جاد بحقوق الله، وإن رآه الناس بخيلاً بما سوى ذلك، وإن أبخل الناس في الدنيا من بخل بحقوق الله، وإن رآه الناس كريماً جواداً بما سوى ذلك"
      وقال الأزهري في معنى قوله تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولِـئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر:9] أن من أخرج زكاته، وعفَّ عن المال الذي لا يحل له، فقد وقي شُحَّ نفسه"
      وقال ابن الجوزي: قال المفسِّرون: هو أن لا يأخذ شيئاً مما نهاه الله عنه، ولا يمنع شيئاً أمره الله بأدائه"
      وقال ابن رجب: "إن الله تعالى أحلَّ لنا الطيبات من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح، وحرَّم تناول هذه الأشياء من غير وجوه حلِّها، وأباحَ لنا دماء الكفار والمحاربين وأموالهم، وحرَّم علينا ما عدا ذلك من الخبائث من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح، وحرَّم علينا أخذ الأموال وسفك الدماء بغير حقها، فمن اقتصر على ما أبيح له فهو مؤمن، ومن تعدى ذلك إلى ما منع منه فهوالشح المذموم وهو منافٍ للإيمان.... وقد قيل: إنه رأس المعاصي كلها"
      وقال ابن القيم عند قوله تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر:9].

      ا

      تعليق


      • #4
        "وهذا إنما هو فضول الدنيا، لا الأوقات المصروفة في الطاعات؛ فإن الفلاح كل الفلاح في الشح بها، فمن لم يكن شحيحاً بوقته، تركه الناس على الأرض عياناً مفلساً، فالشح بالوقت هو عمارة القلب وحفظ رأس ماله، ومما يدل على هذا أنه سبحانه أمر بالمسابقة في أعمال البر والتنافس فيها والمبادرة إليها، وهذا من الإيثار بها"أ.

        تعليق


        • #5
          جزاك الله خيرا

          ان شاء الله نكون مع الكرماء والكرام

          يا رب

          اللهم باعد بيننا وبين البخل والشح وانزعه من قلوبنا وقلوب المسلمين

          اللهم امين
          [URL=http://www.mzaeen.net/][img]http://www.mzaeen.net/upfiles/7A001013.jpg[/img][/url]

          تعليق


          • #6
            الفرق بين الشح والبخل والهلع
            قال ابن القيم: "الشح: هو شدّة الحرص على الشيء، والإحفاء في طلبه، والاستقصاء في تحصيله، وجشع النفس عليه. والبخل: منع إنفاقه بعد حصوله، وحبه وإمساكه، فهو شحيح قبل حصوله، بخيل بعد حصوله.
            فالبخل ثمرة الشح، والشح يدعو إلى البخل، والشح كامن في النفس؛ فمن بخل فقد أطاع شحه، ومن لم يبخل فقد عصى شحه ووُقِي شره، وذلك هو المفلح {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر:9].
            وقال أيضاً: "الاقتصاد خلق محمود، يتولد من خلقين: عدل وحكمة... وهو وسط بين طرفين مذمومين،.... والشح: خلق ذميم يتولد من سوء الظن وضعف النفس، ويمده وعد الشيطان حتى يصير هلعاً، والهلع: شدة الحرص على الشيء والشره به.....
            الترهيب من الشح والبخل
            عن أبي هريرةt أن رسول اللهr قال: "اجتنبوا السبع الموبقات"، قيل: يا رسول الله: ما هي؟ قال: "الشرك بالله، والشح، وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" خرّجه النسائي.هو صحيح
            وعن أبي هريرةt قال: قال رسول اللهr: "من سيدكم يا بني سلمة" قالوا: الجد بن قيس، إلاّ أن فيه بخلاً. قال: "وأي داءٍ أدوى من البخل، بل سيدكم بشر بن البراء بن معرور" خرَّجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وفي حديث جابر بن عبد الله: "...بل سيدكم عمرو بن الجموح" خرّجه البخاري في الأدب المفرد، وحسَّنه العراقي وصحَّحه الألباني
            وفي حديث عياض بن حمار المجاشعي، أن رسول اللهr قال ذات يوم في خطبته: "ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا: كل مال نحلته عبداً حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم... وقال: إنما بعثتك لابتليك... وقال: وأهل الجنة ثلاثة.... قال: وأهل النار خمسة: الضعيف..... وذكر البخل أو الكذب...." خرَّجه مسلم
            وفي حديث أبي هريرةt أن النبيr قال: "شر ما في رجل، شح هالع وجبن خالع" خرَّجه أبو داود وغيره، وهو صحيح
            وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول اللهr قال: "لما خلق الله جنة عدن خلق فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ثم قال لها: تكلَّمي، فقالت: قد أفلح المؤمنون، قال: وعزتي لا يجاورني فيك بخيل".
            قال الهيثمي: "رواه الطبراني في الأوسط والكبير وأحد إسنادي الطبراني في الأوسط جيد"
            وفي حديث أبي هريرةt أن رسول اللهr قال: "لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنَّم في جوف عبدٍ أبداً، ولا يجتمع الشح والإيمان في قلبٍ عبدأبداً" خرَّجه النسائي( ) وغيره، وهو صحيح( ).
            وقال علي بن أبي طالبt: "البخل جلباب المسكنة، وربما دخل السخي بسخائه الجنة" ذكره ابن مفلح
            ورُوي أن الأحنف بن قيس، رأى رجلاً في يده درهم، فقال: لمن هذا الدرهم؟ قال: لي، فقال: أما إنه ليس لك حتى يخرج من يدك.

            وفي معناه قيل:
            أنتَ للمـال إذا أمـسكته فـإذا أنفقته فـالمال لك( )
            وقال الشعبي: "ما أدري أيهما أبعد غوراً في جهنم: البخل أو الكذب؟"( ).
            وقال ابن المعتز: "بشِّر مال البخيل بحادث أو وارث"( ).
            وقال بشر بن الحارث الحافي: "البخيل لا غيبة له"( ).
            قال النبيr: "إنك إذاً لبخيل"( ).
            ومُدِحَت امرأة عند رسول اللهr، فقالوا: صوّامة قوّامة، إلاّ أن فيها بخلاً. قال: "فما خيرها إذاً"( ).
            وعن إبراهيم بن أبي عبلة قال: "سمعت أم البنين أخت عمر بن عبد العزيزt تقول: "أُفٍّ للبخل، والله لو كان طريقاً ما سلكته، ولو كان ثوباً ما لبسته"( ).
            وقال أعرابي: "عجباً للبخيل المتعجل للفقر الذي منه هرب، والمؤخر للسعة التي إياها طلب، ولعله يموت بين هربه وطلبه، فيكون عيشه في الدنيا عيش الفقراء، وحسابه في الآخرة حساب الأغنياء، مع أنك لم ترَ بخيلاً إلا غيره أسعد بماله منه؛ لأنه في الدنيا مهتم بجمعه وفي الآخرة آثم بمنعه، وغيره آمن في الدنيا من همِّه، وناج في الآخرة من إثمه"( ).
            وقال بعض الحكماء: "من كان بخيلاً ورث ماله عدوه"( ).

            ومن كلام الحكماء: "الرزق مقسوم، والحريص محروم، والحسود مغموم، والبخيل مذموم"( ).
            وقال أبو حاتم: "البخل شجرة في النار، أغصانها في الدنيا؛ ومن تعلَّق بغصن من أغصانها جرَّه إلى النار"( ).
            وقال أيضاً: "وما اتزر رجل بإزار أهتك لعرضه ولا أثلم لدينه من البخل"( ).
            وقال أيضاً: "البخل بئس الشعار في الدنيا والآخرة، وشر ما يُدّخر من الأعمال في العُقْبى"( ).
            وقال ابن تيمية: "المؤمنون يتمادحون بالشجاعة والكرم، وكذلك يتذامّون بالبخل والجبن"( ).

            تعليق


            • #7
              مظاهر الشح والبخل
              تمهيد
              قال الله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ}[النساء:128].
              قال القرطبي: "قوله تعالى: {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} إخبار بأن الشح في كل أحد، وأن الإنسان لا بد أن يشح بحكم خلقته وجبلته حتى يحمل صاحبه على بعض ما يكره" ا.هـ( ).
              وعن أبي هريرةt قال: قال رسول اللهr: "يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويلقى الشح، ويكثر الهرج" قالوا: وما الهرج؟ قال: "القتل، القتل" خرّجه البخاري في صحيحه( ).
              والمعنى أنه يوضع في القلوب فيكثر، وهو قول الأكثر، ذكره الحافظ ابن حجر( ).
              والمقصود: أن الإنسان مجبول على الشح، لو أنه أُوتي ما في الأرض جميعاً، بل لو أنه امتلك خزائن الله لما طوَّعت له نفسه أن تنفق منها بسعة، ولقامت له من طبيعته الضيِّقة علل شتى تضع في يديه الأغلال( )؛ قال تعالى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْأِنْفَاقِ وَكَانَ الْأِنْسَانُ قَتُوراً} [الإسراء:100].
              وعن أنسt قال: قال رسول اللهr: "يهرم ابن آدم وتشب منه اثنتان: الحرص على المال، والحرص على العمر" خرّجه مسلم في صحيحه( ).
              قال الحافظ ابن كثير: "والله تعالى يصف الإنسان من حيث هو-إلا من وفقه وهداه- فإن البخل والجزع والهلع صفة له( ) كما قال تعالى: {إِنَّ الْأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً$ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً$ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً$ إِلَّا الْمُصَلِّينَ}[المعارج:22] " ا.هـ
              ومع هذا كله، يجب أن يقف المسلم موقفاً حازماً من هذه النفس، فيخاصم هذه النزعة بعنف، ويقاوم دسائسها بيقظة ونشاط، حتى تتعوّد نفسه التكرم والسخاء، وينخلع من هذه السجية المذمومة( ).
              هذا، وإن مظاهر الشخ والبخل كثيرة، ويقع فيه كثير من الناس، إلاّ من نجا بنفسه، ومنها:
              1- ترك الإنفاق في سبيل الله عز وجل؛ قال تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ}[محمد:38].
              قال القاسمي: "سبيل الله يشمل كل ما فيه نفع وخير وفائدة وقربة ومثوبة، وإنما اقتصر المفسِّرون على الجهاد لأنه فرده الأشهر، وجزيئه الأهم وقت نزول الآيات، وإلا فلا ينحصر فيه" ا.هـ( ).
              فإذا دُعي أحد لنصرة ضعيف، أو معونة محتاج، أو مشاركة في عمل خيري بالمال، أو تجهيز غاز في سبيل الله, تنكَّب ونكس رأسه، وقال: "الله كريم"، "الله يرزقنا وإياه"، وما درى أن الذي أوقع بأخيه المصيبة قادر على أن يوقعها به. وبعض هؤلاء يعتذر ويقول: "السائل غني"، "أكثر هؤلاء فسّاق"، "الله أعلم ما يفعلون بهذه الأموال" وما درى حديث النبيr أنه قال: "قال رجل: لأتصدّقنّ بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدّثون: تُصُدِّق على سارق. فقال: اللهم لك الحمد، لأتصدّقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدّثون: تُصُدِّق الليلة على زانية، فقال: اللهم لك الحمد على زانية، لأتصدّقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدّثون: تُصُدِّق على غني، فقال: اللهم لك الحمد، على سارق وعلى زانية، وعلى غني؛ فأتي فقيل له: أمّا صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها، وأما الغني فلعله أن يعتبر، فينفق مما أعطاه الله" خرّجه البخاري في صحيحه( ).
              وفي بعض روايات الحديث: "فأتي، فقيل له: أما صدقتك فقد قبلت، أما الزانية...." خرّجه مسلم في صحيحه( ).
              قال النووي: "في الحديث ثبوت الثواب في الصدقة وإن كان الآخذ فاسقاً وغنياً..." ا.هـ( ).
              2- ترك السلام على الناس، وفي حديث أبي هريرةt أن النبيr قال: "إن أعجز الناس من عجز في الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام" خرّجه الطبراني في الدعاء، وهو حسن( ).
              والذي يترك السلام على الناس يُظنُّ به الكبر والخيلاء، ويحرم نفسه الأجر والحسنات، ولا يزده فعله من الناس إلا بُعداً.
              3- ترك الصلاة على النبيr ومثله السلام عليه، عليه الصلاة والسلام. وترك السلام أخف.
              وفي حديث علي بن أبي طالبt قال: قال رسول اللهr: "البخيل الذي من ذكرت عنده فلم يُصلِّ عليَّ" خرّجه الترمذي( ) وغيره، وهو صحيح( ).
              وفي حديث أبي ذر أن النبيr قال: "إنَّ أبخل الناس من ذكرت...." أخرجه القاضي إسماعيل وهو صحيح( ). قال النووي: "إذا صلى على النبيr فليجمع بين الصلاة والتسليم، ولا يقتصر على أحدهما؛ فلا يقل (صلى الله عليه) فقط، ولا (عليه السلام) فقط" ا.هـ( ).
              قال ابن كثير: "وهذا الذي قاله -يعني النووي- منتزع من هذه الآية الكريمة؛ وهي قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}[الأحزاب:56] فالأولى أن يقال: صلى الله عليه وسلم تسليما" ا.هـ( ).
              4- منع الصدقة عن الأقارب المحتاجين، وفي حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جدهt قال: قلت: يا رسول الله، من أبر.... وقال رسول اللهr: "لا يسأل رجلٌ مولاه من فضل هو عنده فيمنعه إياه، إلا دُعي له يوم القيامة فضله الذي منعه شجاعاً أقرع" خرّجه أبو داود( ) وغيره، وهو حسن( ).
              قال في عون المعبود: "مولاه أي معتقه أو المراد بالمولى القريب، أي ذو القربى وذو الأرحام" ا.هـ( ).
              وفي حديث جرير بن عبد الله البجليt قال: قال رسول اللهr: "ما من ذي رحمٍ يأتي ذا رحمه، فيسأله فضلاً أعطاه الله إياه، فيبخل عليه، إلاّ أخرج الله له من جهنّم حية يقال لها شجاع يتلمَّظ فيطوَّق به". رواه الطبراني في الأوسط والكبير بإسناد جيد( ). وكثير من الناس اليوم يمتنع عن إقراض المحتاج شحًّا أو عداوة، وفي حديث البراء بن عازب أن النبيr قال: "من منح منيحة لبن أو ورِق أو هدى زُقاقاً كان له مثل عتق رقبة" خرّجه الترمذي وغيره، وهو صحيح( ).
              5- ترك النفقة الواجبة؛ سواء على الزوجة أو الولد أو الوالدين، وفي حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قالت هند أم معاوية لرسول اللهr: "إن أبا سفيان رجل شحيح، فهل عليَّ جناح أن آخذ من ماله سرًّا؟ قال: "خذي أنتِ وبنوكِ ما يكفيكِ بالمعروف" خرّجه البخاري في صحيحه( ).
              6- البخل بأداء الحق الواجب في المال، فيمنع زكاة ماله شحًّا وخوفاً على ماله من الانقراض، ولو كان لابن آدم واديان من ذهب لأحب أن يكون له وادٍ ثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ثم يتوب الله على من تاب( ).
              وفي حديث أبي هريرةt أن رسول اللهr قال: "من آتاه الله مالاً فلم يُؤدِّ زكاته مُثِّل له يوم القيامة شجاعاً أقرع، له زبيبتان يطوِّقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزِمَتيه -يعني شدقيه-، ثم يقول: أنا مالُك أنا كنزُك، ثم تلا {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ....}[آل عمران:180] الآية. خرّجه البخاري في صحيحه( ).
              ومن ذلك أيضاً عدم إخراج زكاة بهيمة الأنعام طمعاً في ماشيته واستكثاراً بها، وفي حديث أبي هريرةt قال: قال النبيr: "تأتي الإبل على صاحبها على خير ما كانت، إذا هو لم يعطِ فيها حقها تطؤه بأخفافها، وتأتي الغنم على صاحبها على خير ما كانت، إذا لم يُعطِ فيها حقها تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها، قال: ومن حقها أن تُحلَبَ على الماء. قال: ولا يأتي أحدكم يوم القيامة بشاةٍ يحملها على رقبته لها يُعارٌ، فيقول: يا محمد، فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد بلّغتُ، ولا يأتي ببعير يحمله على رقبته له رغاءٌ فيقول: يا محمد، فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد بلغت" خرّجه البخاري في صحيحه( ).
              7- البخل بالنفس؛ فلا يُضحِّي بها ولا يبذلها فداءً لدين الله عز وجل، ومع ذلك يرى حرمة الدين تنتهك، من نشرٍ للشرك والإلحاد، وسفك للدماء، وانتهاكٍ للأعراض، وسلب للأموال، وعدوان على المُقدَّسات. ويسمعُ الباطل يُزَمْجِر ويُهدِّد، ويستهزئ ويشتم، ونفسه لا تملُّ نوماً، ولا تكلُّ شجباً، متشبثاً بدنياه.
              8- البخل بنفع البدن؛ من مواساة ذوي الحاجة، وقضاء حوائج الناس، والعدل بينهم، وإرشاد الضال منهم، والإفساح في المجلس له إذا دخل، وإماطة الأذى عن الطريق، والسعي في تنفيس كربات الناس بشفاعة ونحوها، وفتح الأبواب لهم بسماع مشاكلهم وإيجاد حلولها، وتقديم كل ما بوسعه لنفع الإسلام والمسلمين.
              9- البخل بالعلم؛ فيُحبس في الصدر، ويحبس العالم نفسه عن الناس وإن سألوه، تراه يتزين عند الناس بالورع البارد المُقنَّع؛ فهو لا يزال في الطلب، وهناك من هو أكفأ منه، ويخشى الوقوع في الخطأ، والناس ليسوا بحاجة ماسة، ويوجد فلان وفلان.
              والأدهى من ذلك، الشح بالجواب الشافي عند السؤال، يبتغي بذلك العلم لنفسه، فلا يطّلعوا على قول أو دليل أو استنباط، وإذا أجاب قال: نعم أو لا، حلال أو حرام. إن قلت: عالمٌ فهو عالم، وإن قلت جاهل، فهو جاهل. فقل لي بربك، كيف يتعلم الناس ويرفعوا الجهل عن أمتهم( ).
              10- الشح بالأوقات، فترى كثيراً منهم يسعى بجدٍّ واهتمام في مصالحه، فإذا دُعي لبذل بعض وقته في سبيل الله كأمرٍ بالمعروف ونهي عن المنكر، أو جولة دعوية، أو تحفيظ قرآن، أو تعليم علم، أو نفعِ أحد كالسفر معه لتعليمه ,امتنع واعتذر بضيق الأوقات وكثرة المشاغل، حتى أن بعضهم صار يترك الحج والعمرة بحجة أنها تستهلك أياماً كثيرة، وعمر الإنسان محدود.
              ولا أدري ما هو صانعٌ بين جدران أربعة، أو استراحات مزخرفة؟ أو ما هو فاعل أمام أجهزة فاتنة، أو عند زوجة مشغلة، وأولاد مُجْبِنَة؟


              تعليق


              • #8
                أسباب الشح والبخل

                فالبخل والشح له أسباب وبواعث,تدعو إليه وتوقع فيه( )، ومن أهمها:
                1- حب الدنيا مع توهم الفقر؛ فمن ابتلي بحب الدنيا توهم أنه إن أعطى فسيخلو جيبه، وستضيع صحته وعافيته، وتذهب مكانته ومنزلته بين الناس، ويُبدِّد أوقاته، ويُعرِّض نفسه لما لا تُحمد عُقباه من الأذى.
                ويرى أن يُمسك بره ومعروفه عن الناس، كي تدوم له دنياه، وما درى أنه يتشبّه بمن ذمهم الله عز وجل في قوله: {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ$ وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ}[القيامة:20-21]، وقوله عز وجل: {وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ$ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ}[إبراهيم:2-3].
                وفي حديث أبي هريرةt أن النبيr قال: "لا يزال قلب الكبير شاباً في اثنتين: في حبِّ الدنيا وطول الأمل" خرّجه البخاري في صحيحه( ).
                2- عدم اليقين بما عند الله عز وجل، وأن الله تعالى يخلف على العبد أكثر مما يُعطي.
                قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى$ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى$ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}[الليل:8-10]، قال قتادة: أي بموعود الله الذي وعده أن يثيبه. وقال الحسن: بالخَلَف من عطائه. واختاره ابن جرير الطبري( ).
                فمن لا يقين عنده بموعود الله تراه يبخل في كل شيء؛ يخشى عدم ثواب الدنيا والآخرة.
                3- حب المال؛ فمن استولى على قلبه، نسي كل شيء، وشحَّ به حتى على نفسه؛ فلا تسمح نفسه بإخراج الزكاة، ولا بمداواة نفسه عند المرض، بل ولا يأكل ولا يشرب ما تشتهيه نفسه؛ إذِ المال صار محبوباً أكثر من نفسه عنده، يجد لذة بوجوده في يده وبتخزينه في أرصدته، وهو يعلم علم اليقين أنه سيموت، فيضيع أو يأخذه أعداؤه.
                وما عَلِم أن ما حُبِس من المال، مثَلُه مَثَلُ الحَجَر. وهذا مرض مزمن لا يُرجى علاجه( ).
                قال تعالى: {إِنَّ الْأِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ$ وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ$ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}[العاديات:6-8].
                قال ابن كثير: "الخير هو المال، وفيه مذهبان: أن المعنى: وإنه لشديد المحبة للمال، والثاني: وإنه لحريص بخيل، من محبة المال، وكلاهما صحيح" ا.هـ( ).
                وعن أنسt قال: قال رسول اللهr: "يكبر ابن آدم، ويكبُر معه اثنتان: حب المال، وطول العمر" خرّجه البخاري في صحيحه( ).
                قال النووي: "ومعناه: أن قلب الشيخ كامل الحب للمال، متحكِّم في ذلك، كاحتكام قوة الشاب في شبابه، هذا صوابه...." ا.هـ( ).
                4- الحقد؛ فإذا كان المرء حاقداً على غيره، فإنه سيسعى جاهداً وبكل ما يستطيع ألاّ ينفعه بشيء من مال أو نفس أو جاهٍ أو بها كلها، وهذا أقل ما يفعله الحقد لهؤلاء.
                5- الإعجاب بالنفس؛ فبعض الناس ممن أغناهم الله تعالى يرسمون لأنفسهم صورة معينة، أملاها عليهم الهوى، وزيَّنها لهم الشيطان؛ قال تعالى: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ$ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ}[الحديد:23-24].
                وهي ألا يأتي هذا الغني ما فيه عون وبرِّ للآخرين، إذ الناس هم المطالبون، في نَظَرِه أن يكونوا في خدمته وحاجته، لا أن يكون هو في خدمتهم وحاجتهم.
                وهذا هو الشح؛ الشح بجاهه وكلمته ونفسه.
                6- خبث النفس، فبعض من لا خلاق له إذا وُصِفَ عنده أحد بحُسن حالِه، ونعمة الله عليه، شق ذلك عليه، وإذا وُصِف له اضطراب حياة أحد، وتنغّص عيشه فرح بذلك؛ فهو أبداً يحب الإدبار لغيره، ويبخل بنعمة الله تعالى على عباده، كأنهم يأخذون ذلك من ملكه وخزانته.
                7- إهمال محاسبة النفس؛ ذلك أن المرء مجبول بفطرته على الشح، ومطالب هو بالبعد عنه، وفعل الأسباب المخلِّصة منه، ولكن واقع كثير من الناس أنهم ينسون أنفسهم، ويستسلمون لهذا الداء، ولا يهتمون بمجاهدة نفوسهم وتصفيتها من أدرانها.
                8- الوسط الذي يعيش فيه المسلم؛ سواء كان بيته أو مجتمعه، فقد يكون ذلك الوسط معروفاً بالشح فيتأثر به، وتنتقل عدواه إليه، فيبخل بكل بر أو معروف، مالاً أو غيره.
                9- الغفلة عن عواقب الوقوع في الشح؛ فإن من يجهل عاقبة الشيء وأثره المهلك، فهو يقع فيه من حيث لا يشعر.

                تعليق


                • #9
                  آثار الشح والبخل
                  الشح والبخل لهما آثار ضارة، وعواقب مهلكة؛ منها ما هو على الفرد، ومنها ما هو على الجماعة، ومنها ما هو على العاملين في حقل الدعوة إلى الله عز وجل، ومنها ما هو على العمل الإسلامي.
                  ومن تلك العواقب:
                  1- النفاق؛ قال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ$ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ$ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ}[التوبة:75-77].
                  والمعنى أن من المنافقين من عاهد الله، لئن أنعم الله عليه ورزقه، ليبذلن الصدقة وليصلحن العمل، وكان ذاك في وقت فقره وعسرته؛ وقت الرجاء والطمع، فلما استجاب الله له نسي عهده، وتنكَّر لوعده، وأدركه الشح والبخل، فقبض يده، وتولى معرضاً عن الوفاء بما عاهد( ).
                  قال ابن كثير: "فأعقبهم هذا الصنيع نفاقاً سكن في قلوبهم إلى يوم يلقوا الله عز وجل" ا.هـ( ).
                  وقال الشوكاني: "فأعقبهم الله بسبب البخل الذي وقع منهم، والإعراض، نفاقاً كائناً في قلوبهم، متمكناً منها، مستمراً فيها" ا.هـ( ).
                  2- الشقاوة؛ وفي حديث عليt أن النبيr قال: "اعملوا، فكلٌّ ميسر لما خُلِقَ له؛ أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاء فييسّر لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى$ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى$ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى$ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى$ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى$ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}[الليل:5-10] خرّجه البخاري في صحيحه( ).
                  والمعنى أن من ترك الإنفاق الواجب والمستحب، ولم تسمح نفسه بأداء ما وجب لله عز وجل، واستغنى عن الله فترك عبوديته، وكذّب بما أوجب الله على العباد التصديق به من العقائد الحسنة، فسوف يُيسر له سلوك الطريقة العسرى المؤدية إلى الشقاء الأبدي؛ بأن يكون مُيسّراً للشر أينما كان، ومُقيِّضاً له أفعال المعاصي( ).
                  قال ابن القيم: "والتيسير للعسرى يكون بأمرين: أحدهما: أن يحول بينه وبين أسباب الخير، فيجري الشر على قلبه ونيته ولسانه وجوارحه.
                  والثاني: أن يحول بينه وبين الجزاء الأيسر، كما حال بينه وبين أسبابه" ا.هـ( ).
                  وفي حديث أبي أمامةt قال: قال رسول اللهr: "يا ابن آدم، إنك أن تبذل الفضل خير لك وأن تُمْسِكَه شرٌ لك، ولا تُلام على كفاف، وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السفلى" خرّجه مسلم( ).
                  فما يفضل عن حاجة الإنسان وحاجة عياله إمساكه شر، فإن كان عن الواجب فقد استحق العقاب، وإن كان المندوب فقد نقص ثوابه، وفوّت مصلحة نفسه في آخرته، وهذا كله شر. كما ذكر النووي( ).
                  وقال محمد بن المنكدر: "كان يُقال إذا أراد الله بقوم شرًّا، أمّر عليهم شرارهم، وجعل أرزاقهم بأيدي بخلائهم" ا.هـ( ).
                  3- الهلاك؛ في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال رسول اللهr: "....واتقوا الشح؛ فإن الشح أهلك من كان قبلكم؛ حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم" خرّجه مسلم( ).
                  وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول اللهr: "صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، ويهلك آخرها بالبخل والأمل" خرّجه أحمد في الزهد( )، وغيره، وهو حسن( ).
                  وعن أنسt أن النبيr قال: "ثلاث كفارات، وثلاث درجات، وثلاث منجيات، وثلاث مهلكات.... وأما المهلكات: فَشُحٌّ مُطاع، وهوىً مُتَّبَع، وإعجابُ المرء بنفسه" رواه البزَّار( ) وغيره، وهو حسن( ).
                  وعن الهلاك هنا قال النووي: "قال القاضي: يُحتمل أن هذا الهلاك هو الهلاك الذي أخبر عنهم به في الدنيا بأنهم سفكوا دماءهم، ويحتمل أنه هلاك الآخرة، وهذا الثاني أظهر، ويحتمل أنه أهلكهم في الدنيا والآخرة" ا.هـ( ).
                  ومما جاء بأنهم هلكوا به في الدنيا بسبب البخل والشح: أنهم سفكوا الدماء واستحلوا المحارم، وقطّعوا الأرحام، وانبعثوا في المعاصي؛ كما في الحديث السابق وكما في حديث أبي هريرةt قال: قال رسول اللهr: "إياكم والفُحش.... وإياكم والشح؛ فإنه دعا من كان قبلكم فسفكوا دماءهم، ودعا من قبلكم فقطعوا أرحامهم، ودعا من قبلكم فاستحلوا حرماتهم" خرّجه الحاكم وصحّحه( )، وهو صحيح( ).
                  وكما في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: "خطب رسول اللهr فقال: "إياكم والشح، فإنما هلك من كان قبلكم بالشحّ؛ أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا" خرّجه أبو داود( ) وغيره، وهو صحيح( ).
                  وعلى إثر ذلك، تقع النفس في كل إثم ورذيلة؛ قال الماوردي: "وقد يحدث عن البخل من الأخلاق المذمومة -وإن كان ذريعة إلى كل مذمّة- أربعة أخلاق، ناهيك بها ذماًّ، وهي: الحرص، والشَّرَه، وسوء الظن، ومنع الحقوق.... وإذا آل البخيل إلى ما وصفنا من هذه الأخلاق المذمومة والشيم اللئيمة لم يبق معه خير مرجو، ولا صلاح مأمول" ا.هـ( ).
                  وقال أيضاً: "وآفة من بُلي بالجمع والاستكثار، ومُني بالإمساك والادخار، حتى انصرف عن رشده فغوى، وانحرف عن سنن قصده فهوى، أن يستولي عليه حب المال وبُعد الأمل، فيبعثه حب المال على الحرص في طلبه، ويدعوه بعد الأمل إلى الشح به، والحرص والشح أصل لكل ذم، وسببٌ لكل لؤم، لأن الشح يمنع من أداء الحقوق، ويبعث على القطيعة والعقوق.... وأما الحرص فيسلب فضائل النفس لاستيلائه عليها، ويمنع من التوفر على العبادة لتشاغله عنها، ويبعث على التورط في الشبهات لقلَّة تحرُّزه منها، وهذه الثلاث خصال، هي جامعات الرذائل، وسالبات الفضائل" ا.هـ( ).
                  وقد فهم ذلك الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوفt؛ فعن أبي الهيّاج الأسدي قال: "كنت أطوف بالبيت، فرأيت رجلاً يقول: "اللهم قني شح نفسي" لا يزيد على ذلك، فقلت له، فقال: "إني إذا وُقيت شح نفسي لم أسرق ولم أزنِ ولم أفعلْ" وإذا الرجل عبد الرحمن بن عوف" رواه ابن جرير( ).
                  4- حرمان النفس؛ قال تعالى: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ}[محمد:38].
                  قال القرطبي: "أي يمنعها الأجر والثواب" ا.هـ( ).
                  وقال ابن الجوزي: "يبخل عن نفسه، أي: بما ينفعها عن الآخرة" ا.هـ( ).
                  وهو بذلك، كما قال القاسمي: "أي يمسكه عنها؛ لأنه يحرمها الأجر، ويكسبها الوزر" ا.هـ( ).
                  وهو مع ذلك لن يضر الله بترك الإنفاق شيئاً( ).
                  وقال سلمان الفارسيt: "إذا مات السخي قالت الأرض والحفظة: ربِّ تجاوز عن عبدك في الدنيا بسخائه، وإذا مات البخيل قالت: اللهم احجب هذا العبد عن الجنة كما حجب عبادك عما جعلت في يديه من الدنيا" ا.هـ( ).
                  5- البغض من الله والناس؛ وفي حديث أبي ذرt أن رسول اللهr قال: "ثلاثة يحبهم الله، وثلاثة يبغضهم الله" إلى أن قال: "ويبغض الشيخ الزاني، والبخيل، والمتكبِّر" خرّجه ابن حبان وغيره، وهو جيد( ).
                  وفي حديث أبي هريرةt أن رسول اللهr قال: "والسخي: قريب من الله، قريب من الجنة، قريب من الناس، بعيد من النار، والبخيل: بعيد من الله، بعيد من الجنة، بعيد من الناس، قريب من النار، والجاهل السخي: أحب إلى الله من عابد بخيل" خرّجه الترمذي وغيره( )، وهو ضعيف جداً( ).
                  قال ابن القيم: "والسخي قريب من الله تعالى، ومن خلقه، ومن أهله، وقريب من الجنة، وبعيد من النار، والبخيل بعيد من خلقه، بعيد من الجنة، قريب من النار، فجود الرجل يحببه إلى أضداده، وبخله يبغّضه إلى أولاده" ا.هـ( ).
                  وقال بشر بن الحارث الحافي: "ما أقبح القارئ أن يكون بخيلاً" ا.هـ( ).
                  وقال الأصمعي: "سمعت أعرابياً وقد وصف رجلاً فقال: "لقد صغرفلان في عيني لِعظم الدنيا في عينه، وكأنما يرى السائل مَلَك الموت إذا أتاه" ا.هـ( ).
                  وقال يحيى بن معاذ: "ما في القلب للأسخياء إلا حب ولو كان فجاراً، وللبخلاء بغض ولو كانوا أبراراً" ا.هـ( ).
                  6- القدح في المروءة؛ فلا يكون البخيل معدوداً من الكرماء الفضلاء.
                  قال حبيش بن مُبشِّر الثقفي: "قعدت مع أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، والناس متوافرون، فأجمعوا أنهم لا يعرفون رجلاً صالحاً بخيلاً" ا.هـ( ).
                  وقال ابن عبد البر في ترجمة أبي الأسود الدؤلي: "كان ذا عقل ودين ولسان وبيان وفهم وذكاء وحزم، غير أنه كان يُنسب إلى البخل، وهو داء دوي يقدح في المروءة" ا.هـ.
                  وهذا بحدّ ذاته يُشوِّه شخصية العالم أو العابد أو الصالح.
                  7- ترك المعاشرة والخلة؛ فتجد الناس ينصرفون عن صحبته ومعاملته، بل كثير منهم يضيق بلقائه، لئلا يتضرّر بخُلُقه، أو يتطبّع بخُلته. قال بشر بن الحارث الحافي: "النظر إلى البخيل يُقسِّي القلب، ولقاء البخلاء كرب على قلوب المؤمنين" ا.هـ( ).
                  وقال بعض الأدباء: "البخيل ليس له خليل" ا.هـ( ).
                  وقال بشر بن الحارث الحافي: "لا تزوج البخيل ولا تعامله" ا.هـ( ).
                  8- القلق والاضطراب؛ ذلك أن الشحيح، أودى به شحه إلى الغرق في الآثام والرذائل، صغيرها وكبيرها، ظاهرها وباطنها، فكانت عاقبته في الدنيا قبل الآخرة؛ قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}[طـه:124].
                  قال ابن كثير: "قال ابن عباس رضي الله عنهما: كل مال أعطيته عبداً من عبادي، قلَّ أو كثر، لا يتقيني فيه، فلا خير فيه، وهو الضنك في المعيشة" ا.هـ( ).
                  وقال القرطبي: "والمعرض عن الدين مستولٍ عليه الحرص الذي لا يزال يطمح به إلى الازدياد من الدنيا، مسلَّط عليه الشح الذي يقبض يده عن الإنفاق، فعيشته ضنك، وحالُه مظلمة" ا.هـ( ).
                  والآية سيقت فيمن ترك كتاب الله على وجه الإعراض عنه، ولم يتّبعه، أو ما هو أعظم منه؛ كالإنكار له والكفر به، كما ذكره المفسرون( ).
                  قال ابن القيم في معرض الحديث عن العقوبات التي رتّبها الله على الذنوب.
                  "ومنها: المعيشة الضنك في الدنيا وفي البرزخ والعذاب في الآخرة..... والآية تتناول ما هو أعم منه -يعني بذلك عذاب القبر- قال: فالمعرض عنه له من ضنك المعيشة بحسب إعراضه، وإن تنعّم في الدنيا بأصناف النعم؛ ففي قلبه من الوحشة والذل والحسرات التي تقطع القلوب، والأماني الباطلة والعذاب الحاضر ما فيه....." ا.هـ( ).
                  وقال أيضاً: "ولما كان البخيل محبوساً عن الإحسان، ممنوعاً عن البر والخير، كان جزاؤه من جنس عمله، فهو ضيق الصدر، ممنوع من الانشراح، ضيق العطن، صغير النفس، قليل الفرح، كثير الهم والغم والحزن، لا يكاد تُقضى له حاجة، ولا يُعان على مطلوب" ا.هـ( ).
                  وفي حديث أبي هريرةt أن النبيr قال: "مثل البخيل والمنفق، كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد من ثديهما إلى تراقيهما، فأما المنفق: فلا ينفق إلا سبغت -أو فرت- على جلده حتى تخفي بنانه وتعفوا أثره، وأما البخيل: فلا يريد أن ينفق شيئاً إلا لزقت كل حلقة مكانها، فهو يوسِّعها ولا تتَّسع" خرّجه البخاري في صحيحه وغيره( ).
                  قال الخطابي: "وهذا مَثَلٌ ضربه النبيr للبخيل والمتصدِّق، فشبههما برجلين أراد كل واحد منهما أن يلبس درعاً يستتر به من سلاح عدوِّه، فصبها على رأسه ليلبسها.... وجعل البخيل مثل رجل غُلّت يده إلى عنقه، كلما أراد لبسها، اجتمعت في عنقه، فلزمت ترقوته....." ا.هـ( ).
                  وقال ابن القيم: "فهو كرجل عليه جُبة من حديد، قد جُمعت يداه إلى عنقه بحيث لا يتمكن من إخراجها ولا حركتها، وكلما أراد إخراجها، أو توسيع تلك الجُبّة، لزمت كل حلقة من حلقها موضعها، وهكذا البخيل كلّما أراد أن يتصدّق، منعه بخله، فبقي قلبه في سجنه كما هو" ا.هـ( ).
                  وقال المنذري: "والبخيل: كلما أراد أن ينفق منعه الشح والحرص وخوف النقص، فهو بمنعه يطلب أن يزيد ما عنده، وأن تتسع عليه النعم فلا تتَّسع، ولا تستر منه ما يروم ستره" ا.هـ( ).
                  قال الخطابي: "والمراد أن الجواد إذا همّ بالصدقة، انفسح لها صدره وطابت نفسه، فتوسّعت في الإنفاق، والبخيل إذا حدَّث نفسه بالصدقة شحَّت نفسه، فضاق صدره وانقبضت يداه" ا.هـ( ).
                  قال أبو حاتم السجستاني: "سأل كسرى: أي شيء أضرّ على ابن آدم؟ قالوا: الفقر، قال: الشح أضرّ منه؛ إن الفقير إذا وجد اتسع، وإن الشحيح لا يتّسع إذا وجد" ا.هـ( ).
                  وقال ابن عقيل: "والشح يُفوِّت النفس كلّ لذة، ويُجرّعُها كل غصة" ا.هـ( ). وما دامت نفس الشحيح كذلك، فهي في سجن من حديد.
                  9- إمساك النعم؛ فالبخيل يمنع زكاة ماله شحًّا، ويبيع ويشتري بالغش والتدليس والكذب، حرصاً وطمعاً في الاستكثار من المال.
                  وهذا كما أخبر النبيr في حديث بريدة: "ما نقض قوم العهد، إلا كان القتل بينهم، ولا ظهرت الفاحشة في قوم قطّ إلا سلّط الله عليهم الموت، ولا منع قوم الزكاة إلا حَبَس الله عنهم القطر" خرّجه الحاكم وصحّحه ووافقه الذهبي( )، وهو صحيح( ).
                  ورواه الطبراني في الأوسط ولفظه( ): "ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين" وهو حسن( ).
                  وفي حديث عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما أن رسول اللهr قال: "خمس بخمس، قيل: يا رسول الله، ما خمس بخمس؟ قال: ما نقض قوم العهد.... ولا منعوا الزكاة إلا حُبِسَ عنهم القطر، ولا طفّفوا المكيال إلا حُبِس عنهم النبات وأخذوا بالسنين" رواه الطبراني في الكبير( ). وهو حسن( ).
                  والقطر هو المطر من السماء، قال المنذري: والسنين: جمع سنة، هي العام المقحط الذي لم تنبت الأرض فيه شيئاً، سواءً وقع مطر أو لم يقع" ا.هـ( ).
                  وهذه نعم وأرزاق وخيرات يُحرم العباد والبلاد إياها، ببخل بخيل وشح شحيح.
                  10- الفُرقة والتمزُّق؛ فإذا كان الشح بينهم، كل ينظر مصلحته، فلا يمكن أن يجمع الله هؤلاء على قلب رجلٍ واحد أبداً، ولا يصدرون عن رأي واحد( ).
                  ومن ثمَّ تتولد الضغائن، وتكثر العداوات، وينخر الشيطان فيهم نخراً.
                  والشحيح لا يمكن أن يُقدِّم معونة لمحتاج، ولا ينفع بجاههِ مسكين؛ تراه دائماً يهتم بنفسه، لا يهتم بغيره، كأنَّ الأمر لا يعنيه، وما درى أنه بتصرفه ذلك يُوسّع الفجوة بينه وبين الناس، وينقطع المعروف بينهم، ثم لا تسلْ عن الشتات والأنانية، واختلاق المعاذير المخجلة عن إسداء المعروف إلا لمصلحة يرجوها، بطريق المكافأة، ولسان حاله يقول: ماذا سنستفيد إذا حققنا مطلب فلان؟ إنْ هو إلا رجلٌ به مِنّة!.
                  11- غياب الأعمال الخيرية؛ وينتج عن ذلك ما يلي:
                  أ- ضعف وانقطاع وسائل الدعوة والتعليم كالمراكز والمعاهد والجمعيات.
                  ب- فشو الجهل بسبب ترك طباعة الكتاب أو نسخ الشريط أو إقامة الدورات الشرعية أو الدروس العلمية أو الملتقيات النافعة.
                  ج- تعطّل المشاريع التعليمية والتربوية والدعوية والاجتماعية والطبية.
                  د- قوة انتشار البدعة والمنكرات، ولا زاجر لها.
                  و- ترك بناء المساجد ودور العلم.
                  هـ- ضياع الأرامل والأيتام.
                  م- هوان المسلمين وتسلُّط الكافرين عليهم، بسبب ترك النفقة في الجهاد في سبيل الله.
                  ي- ارتكاب الفواحش والموبقات. طلباً للمال، وفي الحديث الضعيف: "كاد الفقر أن يكون كفراً"( ) والناس مستنكفون عن بذلك الصدقات للفقراء والمساكين.

                  تعليق


                  • #10
                    علاج الشح والبخل
                    قد وقفنا فيما سبق على ماهية الشح والبخل ومظاهره وأسبابه وآثاره، وإذا كانت معرفة ذلك تحدث نوعاً من الوقاية من الوقوع في آفة الشح والبخل، أو شيئاً من علاجها إذا وقعت؛ إذا كان الأمر كذلك فإنّ هناك أموراً عديدة هامة وأخرى لازمة للوقاية من هذه الآفة، أو علاجها إذا حصلت( ). فمن ذلك:
                    1- القناعة؛ والمقصود الاقتصار على ما سنح من العيش، والرضا بما تسهّل من المعاش، وترك الحرص على اكتساب الأموال وطلب المراتب العالية، والتقنُّع باليسير( ). وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول اللهr قال: "قد أفلح من أسلم ورُزِق كفافاً، وقنّعه الله بما آتاه" خرّجه مسلم في صحيحه( )، وفي حديث أبي هريرةt أن النبيr قال: "وارضَ بما قسم الله لك، تكن أغنى الناس" خرّجه الترمذي( ) وغيره، وهو حسن( ).
                    والقانع تعزف نفسه عن حطام الدنيا رغبة فيما عند الله عز وجل فينجو.
                    قال ابن تيمية: "ينبغي للإنسان أن يأخذ المال بسخاوة نفس، ليبارك له فيه، ولا يأخذه بإشراف وهلع، بل يكون المال عنده بمنزلة الخلاء الذي يحتاج إليه، من غير أن يكون له في القلب مكانة، والسعي فيه إذا سعى كإصلاح الخلاء" ا.هـ( ).
                    2- التفكُّر في مقاصد المال؛ وأنه مسؤول عن ماله: من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وأنه لا يحفظ منه للدنيا إلا بقدر حاجته، والباقي يدخره لنفسه في الآخرة بأن يحصل له ثواب بذله، وأن يكون ماله في يده لا في قلبه بحيث لو ضاع أو سُرِقَ أو أقرضه لم يحزن.
                    3- فتح مجالات أو ميادين يمارس فيها الأشحاء صنوف البر والمعروف؛ كالتبرعات المادية أو المعنوية، أو النفع العام بجاهٍ أو كلمة، وكثرة العرض عليهم وترغيبهم حتى يهون عليهم أن يُوظِّفوا ما لديهم من طاقات وإمكانات.
                    4- تشجيع هذا الصنف من الناس؛ حين يأتي برًّا أو معروفاً، أو يقوم بعمل نبيل أو خدمة فريدة، فيُثنى عليه ويُدعى له، ويُمدح بما هو أهله، ويُعلن في الناس عمله، تحفيزاً لغيره، ووفاء بحقه.
                    5- اتباع هدي النبيr تجاه النعمة؛ وكيف كان أحرص الخلق على إنفاق هذه النعمة، وتوظيفها في مرضاة الله عز وجل، ونفع العباد بما هو مستطاع؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول اللهr أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فَلَرسول اللهr أجود بالخير من الريح المرسلة" خرّجه البخاري في صحيحه( ).
                    وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: "ما سُئِل رسول اللهr شيئاً قط، فقال: لا" خرّجه مسلم في صحيحه( ).
                    وعن أنسt قال: "كان النبيr لا يدّخر شيئاً لغد" خرّجه الترمذي( ) وغيره، وهو صحيح( ).
                    6- مطالعة أخبار الأجواد من البشر؛ كيف جادوا بأنفسهم في سبيل الله عز وجل، وأنفقوا أموالهم ابتغاء مرضاة الله تبارك وتعالى، وفي طليعة هؤلاء صحابة رسول اللهr الذي حكى الله عنهم: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر:9].
                    ومن هؤلاء الأجواد: قيس بن سعد بن عبادةt؛ قال الذهبي: "وجودُ قيس يضرب به المثل"( ).
                    "وكان أهل المدينة عيالاً على عبد الرحمن بن عوف؛ ثلث يقرضهم ماله، وثلث يقضي دينهم، ويصل ثلثاً"( ).
                    "وكان أويس القرني يتصدّق بثيابه، حتى يجلس عرياناً لا يجد ما يروح فيه إلى الجمعة"( ).
                    وكان الليث بن سعد يستغل عشرين ألف دينار في كل سنة، ويقول: "ما وجبت عليّ زكاة قط"، وكان يعطي العلماء بالآلاف وكان يقضي الديون( ).
                    7- كثرة التأمل في أحوال البخلاء، ونفرة الطبع عنهم؛ فإنه ما من بخيل إلا ويستقبح البخل من غيره، ويستثقل كل بخيل من أصحابه، وإذا عَلِمَ أنه مُستثقِلٌ ومُستقذَرٌ في قلوب الناس مثل سائر البخلاء في قلبه، استقبح أن يكون منهم. وهكذا الوقوف على عواقب الأشحاء والبخلاء؛ فإن ذلك مما يحمل العقلاء غالباً على تجنُّب ما يُؤدي إلى هذه العواقب.
                    قال ابن الجوزي: "ورأيت بعض أشياخنا وقد بلغ الثمانين، وليس له أهل ولا ولد، وقد مرض فألقى نفسه عند بعض أصدقائه يتكلّف له ذلك الرجل ما يشتهيه وما يشفيه، فمات فخلف أموالاً عظيمة. وكان يصحبنا أبو طالب بن المؤيد الصوفي، وكان يجمع المال، فسُرِق منه نحو مائة دينار، فتلهف عليها، وكان ذلك سبب هلاكه" ا.هـ( ).
                    8- دوام النظر في الأخبار الواردة في مدح السخاء، وما وعد الله به الأسخياء من التوفيق والتيسير في الدنيا، وكشف الكربات، وخلف النفقات، وتكفير السيئات.
                    وأن الإحسان إلى الخلق ونفعهم يجعل الإنسان أشرح الناس صدراً، وأطيبهم نفساً، وأنعمهم قلباً( ). وهكذا الأخبار الواردة في ذم البخل، وما توعَّد الله به على البخل من العقاب العظيم؛ فإن هذا مما يخوِّف النفوس، ويُحرِّكها من داخلها.
                    9- كثرة الدعاء؛ ومنه التعوذ بالله عز وجل من الشح والبخل؛ وفي حديث أنس بن مالك أنه قال: "كنت أخدم رسول اللهr إذا نزل، فكنت أسمعه كثيراً أنه يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين، وغلبة الرجال...." خرّجه البخاري في صحيحه( ).
                    ومنه الدعاء بالقناعة وعدم التشوف للدنيا؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول اللهr كان يدعو: "اللهم قنِّعني بما رزقتني، وبارك لي فيه، وأخلف على كل غائبة لي بخير" خرّجه الحاكم وصحّحه ووافقه الذهبي( ).
                    وعن أبي الهيَّاج الأسدي قال: كنتُ أطوف بالبيت، فرأيت رجلاً يقول: "اللهمَّ قني شُحَّ نفسي" لا يزيد على ذلك، فقلتُ له: فقال: "إني إذا وقيت شُحَّ نفسي لم أسرق ولم أزنِ ولم أفعل" وإذ الرجل عبد الرحمن بن عوف. رواه ابن جرير وغيره( ).

                    تعليق


                    • #11
                      نداء وتذكير


                      الإسلام دين يقوم على البذل والإنفاق، ويضيع بالشح والإمساك، ولذلك حَبَّب إلى بنيه أن تكون نفوسهم سخية، وأكفهم ندية، ووصاهم بالمسارعة إلى دواعي الإحسان ووجوه البر، وأن يجعلوا تقديم الخير إلى الناس شغلهم الدائم، لا ينكفون عنه في صباح أو مساء( ).
                      قال تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}[البقرة:274].
                      ودعوة الإسلام إلى الجود والإنفاق، وحربه على الكزازة والبخل موصولة متَّقدة. إنه لم يوجد في الدنيا، ولن يوجد، نظام يستغني البشر فيه عن التعاون والمواساة، ولن تنجح أمة في هذا المضمار إلاّ إذا وثقت الصلات بين أبنائها، فلم تُبقِ محروماً يقاسي ويلات الفقر، ولم تبقِ غنيًّا يحتكر مباهج الغنى.
                      وإن كنز الأموال والإمساك بها، متوعّد عليه بقوله تعالى: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}[آل عمران:180].
                      قال ابن كثير: "لا يحسبن البخيل أن جمعه المال ينفعه، بل هو مضرة عليه في دينه، وربما كان في دنياه، ثم أخبر بمآل أمر ماله يوم القيامة، فقال: {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[آل عمران آية 180 [
                      إن الأموال المستخفية في الخزائن، المختبئ فيها حق المسكين والبائس، شر جسيم على صاحبها في الدنيا والآخرة؛ إنها أشبه شيء بالثعابين الكامنة في جحورها، كأنها رصيد الأذى للناس، بل إن الإسلام أبان أنها تتحول فعلاً إلى حيات قد مرقت واحتدت أنيابها، تطارد صاحبها لتقضم يده التي غلّها الشح.
                      في حديث جابر بن عبد الله أن النبيr قال: "... ولا من صاحب مال لا يؤدي زكاته إلا تحوّل يوم القيامة شُجاعاً أقرع يتبع صاحبه حيثما ذهب وهو يفرّ منه، وفي رواية يتبَعُه فاتحاً فاه، ويقال هذا مالك الذي كنت تبخل به، فإذا رأى أنه لا بد منه أدخل يده في فيه، فجعل يقضمها كما يقضم الفحل" خرّجه مسلم في صحيحه( ).
                      والكانزون لأموالهم لا يُتوقّع لهم إلا الضياع؛ فلن يخلدوا مع المال أو يخلد معهم المال، وقد حُكي أن هشام بن عبد الملك لمَّا ثَقُل بكى عليه ولده، فقال لهم: جاد لكم هشام بالدنيا، وجُدتم عليه بالبكاء، وترك لكم ما كسب، وتركتم عليه ما اكتسب، ما أسوأ حال هشام إن لم يغفر الله له!.
                      فأخذ هذا المعنى محمود الوراق ، فقال:
                      تمتَّعْ بمالك قبل الممـات
                      وإلا فلا مال إنْ أنت مِتّـا
                      شَقيـتَ به ثم خلَّفتــه
                      لغيرك بُعدًا وسُحقًا ًومَقتـا
                      فجادوا عليك بزُور البكاء
                      وجُدتَ عليهم بما قد جمعتا
                      وأرهنتهم كلَّ ما في يديـك
                      وخلَّوك رهنًا بما قد كسبتـا(2)

                      وقال أحد الشعراء:
                      إذا كنت جمَّاعًا لمالكَ ممسِكًا
                      فأنت عليهِ خازنٌ وأميـنُ
                      تؤدِّيه مذمومًا إلى غير حامدٍ
                      فيأكُله عفوًا وأنت دفيـنُ
                      وقال آخر:"البخيل حارس نعمته ، وخازن ورثته "(3).

                      وقال بعض الأدباء :"ربَّ حظِ أدركه غير طالبه،ودرٍّ أحرزه غير حالبِه "(1).
                      وعجيب أن يشقى امرؤ في جمع ما يتركه لغيره ، وإذا لم يستفد المسلم من ماله فيما يصلح معاشه ويحفظ معاده ، فمم يستفيد بعد.
                      وقد أماط الرسولr اللثام عن هذه الحقيقة ؛ قال عبدالله بن مسعود t:قال النبي r:" أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله ؟ قالوا: يا رسول الله ، ما منا أحد إلا ماله أحب إليه ، قال : فإن ماله ما قدَّم ، ومال وارثه ما أخّر" خرّجه البخاري في صحيحه (2).
                      وقد وصف أعرابي ذلك المرء فقال: "عجباً للبخيل المتعجّل للفقر الذي منه هرب، والمؤخر للسعة التي إياها طلب، ولعله يموت بين هربه وطلبه، فيكون عيشه في الدنيا عيش الفقراء، وحسابه في الآخرة حساب الأغنياء، مع أنك لم تر بخيلاً إلا غيره أسعد بماله منه، لأنه في الدنيا مهتم بجمعه، وفي الآخرة آثم بمنعه، وغيره آمن في الدنيا من همِّه، وناج في الآخرة من إثمه"(3).
                      إن ذلك الممسك لماله وقد أغناه الله عز وجل، هو كما قال أبو حاتم: "ومن أراد أن يُهتك عرضه، ويُثلم دينه ويَملّه إخوانه، ويَستثقله جيرانه، فليلزم البخل"(4).
                      وقال بعض الحكماء: "الغني البخيل كالقوي الجبان"(5).
                      فإياك أخي الكريم أن تكون من هؤلاء، بل اربأ بنفسك عن هذا الخلق الذميم، واعلم كلام الحكماء: "الرزق مقسوم، والحريص محروم، والحسود مغموم، والبخيل مذموم"(6).

                      واعلم أن بذل المال محمود؛ قال أبو حاتم: "من أراد الرفعة العالية في العقبى، والمرتبة الجليلة في الدنيا، فليلزم الجود بما مَلك"( ).
                      وقال بعض البلغاء: "من بذل ماله أدرك آماله".
                      وقال بعض الشعراء:
                      أترجوا أن تسود بلا عناءٍ وكيف يسود ذو الدعة البخيلُ( )
                      بل إن المنفق ماله في سبيل الله قد برئ من البخل، ومن برئ من البخل نال الشرف.
                      وقد يسبق الظن إليك أن السخاءُ ينقص الثروة ويُقرِّب من الفقر، ويسلبك نعمة الطمأنينة في ظل مالك الممدود وخيرك المشهود، وهذا الظن من وساوس الشيطان التي يلقيها في النفوس، قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:268].
                      وما من شيء أشق على الشيطان، وأبطل لكيده، وأقتل لوساوسه من إخراج الصدقات؛ فعن بريدةt قال: قال رسول اللهr: "لا يخرج رجل شيئاً من الصدقة حتى يفكَّ عنها لحْيَيْ سبعين شيطانا" خرّجه أحمد( ) وغيره، وهو حسن( ).
                      والحق أن الكرم طريق السعة، وأن السخاء سبب النماء، وانظر إلى المحتاجين الذي يقصدونك نظرتك إلى أسباب التجارة الرابحة.
                      واعلم أن البذل الواسع عن إخلاص ورحمة يغسل الذنوب ويمسح الخطايا؛ قال تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة:271].
                      وقال ابن تيمية: "الحلم والكرم ملزوزان في قرن، فإذا كان الكريم عفيفاً، والسخي حليماً اعتدل الأمر" ا.هـ( ).
                      وقد اعتبر الله العطاء الجميل قرضاً حسناً، لا يرده لصاحبه مثلاً أو مثلين، بل يرده أضعافاً مضاعفة؛ قال تعالى: {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ} [التغابن:17].
                      بل وأغرى العبد بالإنفاق، ليتولى الله تبارك وتعالى الإغداق عليه من خزائنه التي لا يلحقها نفاد؛ قال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}[سـبأ:39].
                      وقد ظن بعض الناس أن الأجور والحسنات على من ينفق الشيء الكثير، بينما الذي يجود بالشيء اليسير، ليس له من ذلك نصيب. وهذا ظنٌّ سقيم؛ فقد ورد ما يدل على أن الصدقة بالشيء اليسير عظيمة، ففي حديث أبي هريرةt قال: قال رسول اللهr: "من تصدَّق بعدل تمرة من كسب طيّب -ولا يقبل الله إلا الطيب- فإن الله يتقبَّلُها بيمينه، ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فَلُوه، حتى تكون مثل الجبل" خرّجه البخاري في صحيحه( ).
                      وعن يزيد بن أبي حبيب قال: "كان مرثد بن عبد الله المزني أول أهل مصر يروح إلى المسجد، وما رأيته داخلاً المسجد قط إلا وفي كمه صدقه؛ إما فلوس وإما خبز وإما قمح، حتى ربما رأيت البصل يحمله، قال، فأقول: يا أبا الخير: إن هذا ينتن ثيابك، قال: فيقول: يا ابن حبيب، أما إني لم أجد في البيت شيئاً أتصدق به غيره...." خرّجه ابن خزيمة في صحيحه، وهو صحيح( ).
                      وفي رواية لابن حبان( ): قال يزيد: "فكان أبو الخير مرثد لا يُخطئه يوم إلاّ تصدَّق فيه بشيء، ولو كعكة أو بصلة" وهي صحيحة( ).
                      فانظر أخي كيف يتصدق هذا بالكعكة وهي قطعة الخبز، أو البصل، وكثير منا لا يُفكِّر أن ينفق ريالاً أو ديناراً أو درهماً.
                      أوما علمْتَ أن الصدقة تزيد المال وتنميه -ولو كان قليلاً- كما في حديث أبي كبشة الأنماريt أنه سمع رسول اللهr يقول: "ثلاث أقسم عليهن وأحدثكم حديثاً فاحفظوه: قال: ما نقص مال عبد من صدقة...." خرّجه الترمذي( ) وغيره، وهو صحيح( ).
                      أوما علمت أن الصدقة تمحو الخطيئة، كما في حديث معاذ بن جبلt وأنه سأل النبيr من عمل يدخله الجنة ويباعده عن النار.وفيه "ألا أدلك على أبواب الخير : الصوم جنة , والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار.. " خرّجه الترمذي( ) وغيره، وهو صحيح( ).
                      بل إن أعظم ما يرجوه المؤمن أن يستظل بظل الله يوم لا ظلَّ إلا ظِلُّه، كما في حديث أبي هريرةt أن النبيr قال: "سبعة يُظلُّهم الله في ظِلِّه يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه: الإمام العادل و...." قال: "ورجل تصدَّق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه...." خرّجه البخاري في صحيحه( ).
                      وفي حديث عقبة بن عامر قال: سمعت رسول اللهr يقول: "كل امرئ في ظلِّ صدقته حتى يُقضى بين الناس" خرّجه ابن حبان في صحيحه وغيره، وهو صحيح( ).
                      ونحن حينما ندعو إلى الصدقة نريدها بالمعروف، لا إسراف فيها ولا شَطَط؛ ففي حديث أبي هريرةt أن النبيr قال: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غِنى، وابدأ بمن تعول" خرّجه البخاري في صحيحه( ).
                      وفي قصة توبة كعب بن مالكt أنه قال: "إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله، فقال النبيr: "أمسك بعض مالك فهو خير لك" خرّجه البخاري في صحيحه( ).
                      وعليك أن تتعرّف المطالب المعقولة لأهلك وولدك، فلا تدع زوجك أو أولادك في ضيق، وتضع مالك في مصرف آخر، فروابط الأسرة مهمة وعظيمة.
                      وفي حديث أبي هريرةt قال: قال رسول اللهr: "دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدَّقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك" خرّجه مسلم( ).
                      وأذكرك أخي الكريم أن صنائع المعروف تقي مصارع السوء، فلا تتردّد في نفع إخوانك بما تجود به نفسك، واعلم أنه كثيراً ما يشتبه الورع الفاسد بالجبن والبخل، فإنّ كلاهما فيه ترك، فيشتبه ترك الفساد لخشية الله تعالى بترك ما يؤمر به من الجهاد والنفقة جبناً وبخلاً( )، فاحذر.
                      واعلم أن الجزاء من جنس العمل، فمن أحسن أحسنِ إليه، ومن جاد جُود عليه، ومن أنفق أُنفِق عليه، ومن أَقَرض أُقرِض، ومن وسَّع وُسِّع عليه.
                      وكثير من الناس اليوم يلجأ إلى المعاملات المحرَّمة طلباً للمال، وذلك حينما تُوصد الأبواب أمامه، فلا يجد من يُسهِّل له معاملته مع مصرف حلال.
                      فيضطر إلى المصارف المحرَّمة، أو يطلب الإقراض ممن وسَّع الله عليه، فيمتنع.
                      ولكن كما قال النبيr في حديث عبد الله بن مسعودt، قال: "ليس من عمل يُقرِّب من الجنة إلا قد أمرتكم به، ولا عمل يُقرِّب من النار إلا وقد نهيتكم عنه، فلا يستبطئن أحدٌ منكم رزقه، فإن جبريل ألقى في روعي أن أحداً منكم لن يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه، فاتقوا الله أيها الناس، وأجملوا في الطلب، فإن استبطأ أحد منكم رزقه فلا يطلبه بمعصية الله تعالى؛ فإن الله لا يُنال فضله بمعصيته" خرّجه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي( ).
                      فلتصبر أخي على هذا الضيق، ومن ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه: "ومن انقطع إلى الله عز وجل كفاه الله كل مؤنة، ورزقه من حيث لا يحتسب، ومن انقطع إلى الدنيا، وكله الله إليها"( ).
                      وفي حديث أبي قتادة وأبي الدهماء قالا: أتينا على رجل من أهل البادية، فقلنا: هل سمعت من رسول اللهr شيئاً؟ قال: نعم، سمعته يقول: "إنك لن تدع شيئاً لله عزّ وجل إلا بدّلك الله به ما هو خير لك منه" خرّجه أحمد( )، وهو صحيح( ).
                      أرجوا الله تعالى أن يوفقني وإياك، وأن يُسدِّد على درب الخير خطاك. والله يتولانا وإياك، والسلام.

                      تعليق


                      • #12
                        بارك الله فيك أخونا أبو القعقاع على الموضوع
                        وأنا أكره ما أكره بصفات الصاحب أو الصديق هي البخل
                        وهي أحد أسباب فضي لهذه الصحبة أو الصداقة
                        والبخل صفة ذميمة تنتقص من رجولة المرء
                        وقد تم ذمها من قبل الله جل وعلا ثم الرسول صلى الله عليه وسلم
                        فلا بارك بالبخل وأهله ، وما أكرهها في الرجل
                        أما عند الحريم ما في مشكلة لو كانن بخيلات ، مقدور عليهن
                        التعديل الأخير تم بواسطة ابو فيصل الحربي; الساعة 2008-12-27, 06:35 PM.

                        تعليق


                        • #13
                          موضوع جميل
                          نسال الله ان لا نكون من البخلاء
                          اتمنى منك طرح مواضيع اخرى تتحدث عن النصب والسرقة والخداع
                          وشكرا
                          سبحان الله وبحمده
                          سبحان الله العظيم
                          استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه






                          إن التَجرُبة فِي الحَقيقة
                          ولَيست النَظرية هِي التي تُحقق النتَائج عَادة ..
                          أرسطو

                          تعليق


                          • #14
                            المشاركة الأصلية بواسطة ابو سلمى مشاهدة المشاركة
                            موضوع جميل
                            نسال الله ان لا نكون من البخلاء
                            اتمنى منك طرح مواضيع اخرى تتحدث عن النصب والسرقة والخداع
                            وشكرا


                            مشكور










                            اخ أبو سلمى و هذا يدل على كرم أخلاقك و حسن طباعك و رحابة صدرك




                            تعليق


                            • #15
                              اخي ابو القعقاع
                              انت تمون على اكبر من هيك بكثير
                              سبحان الله وبحمده
                              سبحان الله العظيم
                              استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه






                              إن التَجرُبة فِي الحَقيقة
                              ولَيست النَظرية هِي التي تُحقق النتَائج عَادة ..
                              أرسطو

                              تعليق

                              يعمل...
                              X