إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

التأريخ بين التاريخ والآثار

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التأريخ بين التاريخ والآثار

    لا يوجد بين التاريخ والآثار حواجز أو فوارق، فكلا العلمين يكملان بعضهما البعض، فالتاريخ يوفر للآثار والقرائن الإخبارية، والآثار توفر للتاريخ المصدر المادي للمعلومة الذي لا يقبل الشك، وفي المقابل يوفر للتاريخ المصدر المادي لفروع التاريخ المتعددة التي عادة ما تتجاوزها الكتب التاريخية، ولا يهتم بها المؤرخون، فيدفنها غبار الزمن. وكثيراً ما تسأل المهتمين بعلم التاريخ عن كيفية تأريخ الأشياء في علم الآثار وهل هناك مصداقية في الأزمنة التي يطرحها الآثاريون. ففي كل ندوة تاريخية أو مجلس أسأل عن كيفية تأريخ الأشياء المادية، فهذا يسأل عن تاريخ البئر الفلاني، والثاني يسأل عن تأريخ القصر الفلاني، والثالث يسأل عن تاريخ سيف أو رمح أو وعاء. ولعل من المناسب أن أوضح هنا أن كل شيء يوجد يمكن أن يؤرخ بطريقة أو بأخرى. فأي مادة لا تؤرخ تكون فائدتها لعلم التاريخ محدودة، وقد تكون معدومة. فالتاريخ إنسان ومادة وحدث، فإن لم تعرف صانع المادة ومنجز الحدث لن يكن لدينا تاريخ.
    ولعلني في أول الأمر أوضح تاريخ الأشياء في علم الآثار، حوادث أو مادة عينية، يقوم على طرق علمية أو طرق تقليدية. فأما الطرق العلمية فهي تقوم على حسابات ومن خلال وسائل أُعتمدت أصلاً لتطوير علوم في غاية الأهمية بالنسبة لحياتنا كالفيزياء والكيمياء والطب؛ ولذا فمصداقيتها عالية جداً. إذاً كيف نقبل نتائجها بالنسبة للعلوم التي ذكرت، ونشكك في نتائجها بالنسبة لعلم الآثار. ومن هنا أستطيع أن أقول إن المصداقية عالية جداً في التواريخ التي تنتج عن استخدام الطرق العلمية، أو تأريخ المواد الآثارية من خلالها. أما الطرق التقليدية المستخدمة في تاريخ المواد الأثرية فهي أيضاً تقوم على المعلوم، وبالمعلوم تؤرخ المجهول. إذ لا يمكن أن يبتدع الآثاري تاريخاً أو يقترح تاريخاً إلا بمبررات واضحة يقتنع بها الباحث والقارئ بشكل عام. والمثال على ذلك يأتي في تاريخ أحد المساكن على سبيل المثال، وليكن ذلك قصراً من القصور مجهولة الهوية، فيمكن تاريخه، عن طريق استخدام التصميم المعماري، ومادة البناء، والزخرفة؛ كما يمكن تاريخه باستخدام المواد الأثرية المنقولة كالفخار والعملة التي قد توجد داخل القصر، أو أسفل منه، أو في مادته المعمارية. ولكي نختصر على العملة كمادة تأريخ، فإن وجدت قطعة عملة تحت أرضية غرفة من الغرف تعود لزمن هارون الرشيد مثلاً، فحتماً لا يمكن أن يكون تاريخ القصر أقدم من زمن هارون الرشيد، ولكنه قد يكون أحدث منه، ومع ذلك وضعنا في ضوء تلك القطعة خطاً واضحاً لتأريخ القصر من خلال وضعه داخل الفترة العباسية الأولى، وهذا فيه مصداقية كبيرة. ويمكن أن تكون المصداقية قاطعة في حالة العثور على نص تأسيس للقصر يذكر فيه من أنشأه، أو أن يكون هناك خبر عن تاريخ إنشائه في الكتب التاريخية.
    وهكذا نرى أن مجال تاريخ الحوادث والأشياء في علم الآثار واسعاً، ويستخدم لتحقيقه عدد كبير من الوسائل التي تتحلى بمصداقية عالية. وفي المقابل نجد أن تاريخ الحوادث والأشياء من خلال الكتب التاريخية يحتاج إلى دراسة ومقارنة، وقد تكون في بعض الأحيان مطولة، فالاختلاف على وقوع بعض الحوادث المشهورة بين المؤرخين أمر معروف، بل نجد أن هناك اختلافاً على بعض الأشخاص المشهورين، فتجد من المؤرخين من يرى وجودهم، وفي الوقت نفسه تجد من المؤرخين من ينفي وجودهم.
    ونصل في الحديث أعلاه إلى أن هناك الكثير من مصادر التاريخ، بما فيه التاريخ القريب عهده منا، مهملة، ولا يلتفت إليها المؤرخون، مع أنها من أوثق المصادر. فالآثار التي تركها الإنسان هي المصدر الحقيقي لاستقراء تاريخه. فمنزله وموقده وبئره ومحتويات منزله شواهد حية تشرح جوانب من حياة الإنسان، تلك الجوانب التي نطلق عليها "تاريخ"، فإغفال الأثر المادي يقود إلى طمس أجزاء كبيرة من التاريخ. فعلى سبيل المثال نجد من يقول: إن البلدة الفلانية نشأت عام 900ه، بينما نجد بجوار البلدة مقابر لا يقبر فيها إلا الجاهليون، وهذا يثبت أنها تسبق التاريخ المذكورة بألف سنة. وقد نجد في أحد أوديتها أو الوادي الذي تقوم فيه أدوات حجرية من رؤوس سهام ورؤوس حراب يعود تاريخها إلى العصر الحجري الحديث مفيدة أن الإنسان عمّر المكان قبل خمسة آلاف عام. فما نتمناه أن نقرن تاريخ الماضي بتاريخ العصور اللاحقة له، لكي تكمل الصورة، فالمصداقية التاريخية توجد في القديم كما هي في الحديث.
    http://www.ghoraba.net/upp/00/7_1249870506.jpg
يعمل...
X