إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أولى الحضارات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أولى الحضارات

    جذور الحضارة

    يقول البعض إن ما صنعه البشر الأوائل، حتى إذا اتفقنا على من كانوا، ليس تاريخاً على الإطلاق، ويشيرون إلى أننا لا يمكن أن نبدأ بفهم الناس فعلاً وكتابة تاريخ حقيقي إلا عندما تكون لدينا أدلة تعطينا صورة جيدة عن أفكارهم. ويعني هذا من الناحية العملية أنه يجب أن تكون بين أيدينا كلمات وأن نفهمها، لهذا لا يمكن أن يكون ”التاريخ” كقصة لماضي البشر أقدم بكثير من الكتابة الأولى. لقد اكتشف رمزان من الكتابة الصينية يقال إنهما يعودان لعام 5500 ق.م، إلا أن أول كتابة أكيدة اخترعت بين عامي 3500 و 3000 ق.م. وخلال بضع مئات من السنين راح الناس يضعون سجلات مكتوبة بشكل نقوش على ألواح الحجر أو الصلصال، ثم تتسع السجلات مع مرور الزمن اتساعاً كبيراً باستخدام ورق البردي والرق والورق، إلى أن تغدو فيضاً متزايداً من الوثائق المكتوبة التي تزودنا بالأدلة على الحقبة التي حدثت فيها أكثر التغيرات اللافتة والسريعة في طريقة حياة الناس. لقد انقلبت حياة البشر خلال الخمسة آلاف سنة الماضية، ويقول بعض العلماء إن هذا موضوع ”التاريخ” أي حقبة السجلات المدونة.
    يسمى ما حدث قبل الكتابة عادة ” ما قبل التاريخ”، وقد تركه المؤرخون لعلماء آخرين، وجميع الأدلة المستخدمة لاستكشافه هي أدلة غير مكتوبة. ولكن أشياء كثيرة قد رسخت في ما قبل التاريخ فضمنت أن البشر سوف يتمكنون من الكتابة، فضلاً عن الهندسة والبناء والتنظيم وأشياء كثيرة غيرها. صحيح أن أشياء كثيرة قد حدثت خلال زمن قريب جداً ، أثناء الـ5000 سنة الماضية تقريباً، إلا أنها لم تبدأ من دون تحضير، ويكمن القسم الأطول من قصة البشرية في الأزمنة قبل التاريخية، لهذا بدأنا من هناك، لأننا عندما ننظر إلى بدايات الحياة المتحضرة ينبغي علينا أن نبتدئ أولاً بما كان يكمن وراءها.
    كان ما حمله أجدادنا معهم إلى حقبة الحضارة ذا أهمية كبيرة في تشكيل الكيانات التي نسميها حضارات، فلو لم يكتشف الناس أولاً كيف يصنعون الثياب لما تمكنوا من العيش على هذا الجزء الكبير من سطح الأرض الذي يسكنونه اليوم. إن استخدام الثياب مع كل ما جاء بعده، من الخياطة والنسج حتى اختراع المواد الخاصة برحلات الفضاء، هو علامة على قدرة البشر على التأقلم مع البيئات المختلفة. ولولا اختراع الثياب لتغيرت أشياء كثيرة، كالعلامات التي يستخدمها الناس للدلالة على هويتهم الجنسية مثلاً. ولا حاجة بنا للتخمين في هذه الأمور لأن الفكرة الأساسية بسيطة، وهي أنه لولا الميراث الذي حملته الجماعات البشرية الأولى من ماضيها لما تمكنت من صنع الحضارة. والحقيقة أن بعضها لم تصنعها قط، بل كان عليها أن تنتظر قدومها إليها من الخارج.
    إن تحديد ما يشكل ” حضارة” يشبه قليلاً تحديد البشر الأوائل، لأن ثمة مرحلة زمنية ضبابية نعلم أن تحولاً قد حصل فيها، وقد نتفق على تحديد الزمن الذي تم فيه عبور خط ما، أما البحث في تواريخ دقيقة فهو أمر لا جدوى منه. نحن نعلم أنه في حوالي عام 5000 ق.م كانت توجد في كافة أرجاء الشرق الأدنى قرى زراعية قادرة على تأمين فائض زراعي. بعض تلك المستوطنات الصغيرة كانت فيها ممارسات دينية معقدة، وكانت تصنع خزفاً ملوناً متقناً، وقد كان الخزف فناً واسع الانتشار في الحقبة النيوليتية. ولكننا عندما نستعمل كلمة حضارة نعني بها عادة شيء أوسع من وجود طقوس ما، أو فن أو تقنية معينة، وهي بالتأكيد أكثر من مجرد تجمع للناس في مكان واحد، ولو أن للحجم أهميته. والأفضل أن نبدأ بما اتفق الناس على اعتباره حضارات.

    تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

    قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
    "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
    وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية


  • #2
    الحضارات الأولى

    بزغت الحضارات الأولى بين عامي 3500 ق.م و 500 ق.م، واستهلت العصر الذي صارت فيه كل التغيرات الهامة في حياة البشر من صنع الإنسان نفسه. وفيها يمكننا البحث عن أسس عالمنا نحن، لأنها مازالت تحدد جزءاً كبيراً من الخريطة الثقافية للعام حتى اليوم. لقد كانت تلك الحضارات نتيجة امتزاج مهارات البشر وعوامل الطبيعة بأشكال معينة، فأعطت كل حالة مستوى جديداً من الحياة المبنية على استغلال الطبيعة. صحيح إن أبكر الحضارات قد ظهرت كلها خلال بضعة آلاف من السنين، وهي تكاد تكون لحظة صغيرة أمام حقبة ما قبل التاريخ المديدة، ولكنها لم تظهر على نحو متزامن، ولا كانت على نفس الدرجة من النجاح، فقد اندفعت بعضها إلى الأمام فأحرزت إنجازات دائمة، بينما تقهقرت بعضها الأخرى أو اختفت، ولو من بعد ازدهار مذهل. إلا أنها جميعاً قد أظهرت ازدياداً حاداً في سرعة التغير ومستواه بالقياس إلى أي من إنجازات الأزمنة الأبكر.
    يبدأ تسلسل الأمور بشكل تقريبي في حوالي عام 3500 ق.م في بلاد الرافدين، عندما ظهرت للعيان أول حضارة يعترف بها، وظهرت الحياة المتحضرة في مصر في تاريخ لاحق ولكنه باكر أيضاً، ربما في حوالي 3100 ق.م، ثم نجد في جزيرة كريت بحلول عام 2000 ق.م تقريباً معلماً آخر هو الحضارة التي تسمى الحضارة المينوية. ومنذ ذلك الحين يمكننا تجاهل الأسبقيات في شرق المتوسط والشرق الأدنى، لأن المنطقة أمست مكونة من مركب حضارات متداخلة ومتبادلة في التأثير. في تلك الأثناء، ربما بحلول عام 2500 ق.م ، كانت الحضارة قد نشأت في الهند، أما حضارة الصين فتبدأ بعدها في نحو منتصف الألف الثانية ق.م، وهي حالة منعزلة تدل على أن التفاعل قد لا يكون بالضرورة عاملاً هاماً في تفسير ما يحدث. ومنذ ذلك الحين لم تظهر حضارات من دون تحفيز خارجي أو صدمة أو ميراث من حضارات أخرى نضجت قبلها، إلا في أمريكا الوسطى والجنوبية.



    طرق التجارة القديمة في الشرق الأدنى

    ليس من السهل أن نجد أموراً مشتركة بين الحضارات الأولى عدا عن اعتمادها الكامل على الزراعة المحلية، وإنجازها الكتابة، وتنظيمها المجتمع على مستوى جديد في المدن. وحتى إذا كانت تقنيتها متقدمة بالقياس إلى تقنيات أسلافها غير المتحضرين، فإن مصادر الطاقة فيها مازالت قوة عضلات الحيوان والإنسان التي كانت تستخدمها لتلبية أغراضها المادية. وقد ظل شكل تلك الحضارات وتطورها يتحددان إلى درجة كبيرة ببيئتها، ولكن بدأت تقضم قيود الجغرافية وتزداد قدرة على استغلالها والتغلب عليها. إن تيارات الرياح والمياه التي كانت توجه السفر البحري الباكر مازالت اليوم هي هي، وحتى في الألف الثانية ق.م كان الناس يتعلمون تسخيرها لمنفعتهم، لذلك كانت إمكانيات التبادل والتفاعل بين البشر منذ زمن باكر جداً أوسع بكثير منها في الأزمنة قبل التاريخية.

    تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

    قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
    "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
    وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

    تعليق


    • #3


      بعض معالم التطور الزراعي في الحضارات الباكرة

      8000-5000 ق.م زراعة أنواع مدجنة من القمح والشعير، تدجين الغنم والماعز والبقر في جنوب غرب آسيا والأناضول واليونان وفارس وحوض بحر قزوين، انتقال تقنيات الزراعة والحصاد من آسيا الصغرى إلى أوروبا، زراعة الدخن –الجاورس- في الصين.
      3400-3100 ق.م استخدام الكتان لصنع الأنسجة في مصر، وأول دليل على الحراثة وتقليب الأرض وتسميدها فيها.
      3000 ق.م الحمير تستخدم للحمل في مصر، السومريون يزرعون الشعير والقمح والتمر والكتان والتفاح والخوخ والبرقوق والعنب.
      2900 ق.م تدجين الخنازير في شرق آسيا
      2540 ق.م تعتبر بداية صناعة الحرير في الصين
      2500 ق.م الأفيال المدجنة في وادي نهر الهندوس، البطاطا تزرع في البيرو.
      2350 ق.م صناعة الخمر في مصر
      1600 ق.م زراعة الكرمة والزيتون في كريت
      1500-1300 ق.م الشادوف يستخدم للري في مصر، وأدلة على قنوات الماء فيها.
      1400 ق.م المحاريث الحديدية تستخدم في الهند
      1200ق.م الجمال المدجنة في الجزيرة العربية

      لا يجوز إذاً أن نجزم في أصول الحضارات أو أسباب نشوئها أصلاً، لأن الحضارة لم تظهر بطريقة واحدة. لا ريب أنها كانت تنتج عادة من تضافر عدد من العوامل التي تؤهب منطقة معينة لإعطاء شيء معقد يعترف به بعد كحضارة، ولكننا لا نعلم ما هي العوامل التي تسرّع هذه العملية أو تطلقها. لقد كانت البيئات والتأثيرات الخارجية والمواريث الثقافية تختلف من مكان لآخر، لذلك لم يكن تطور البشرية بالسرعة نفسها ولا نحو النتائج نفسها في كل مكان. إن البيئة الجغرافية المناسبة هي عامل أساسي، ولكن للثقافة أهميتها أيضاً. لقد كان على الشعوب أن تستغل بيئاتها وأن تواجه التحديات، ومن الواضح أن وديان الأنهار كما في بلاد الرافدين ووادي الهندوس والصين ومصر كانت بيئات ملائمة، لأن أراضيها كانت غنية وسهلة الزراعة وقادرة على إطعام جماعات كثيفة من الفلاحين في قرى سوف تنمو لتشكل المدن الأولى. إلا أن الحضارات قد ظهرت أيضاً في بيئات مختلفة جداً، مثل ميزو- أمريكا* وكريت المينوية واليونان، ونحن نعلم عن وجود تأثيرات خارجية هامة في الحالتين الأخيرتين، ولكن مصر ووادي الهندوس أيضاً كانا على اتصال ببلاد الرافدين منذ زمن بعيد جداً. وقد تكون الاتصالات الخارجية هامة حتى في حالة الصين، ولو بدت منعزلة عن العالم الخارجي تقريباً للوهلة الأولى. كان الناس في السابق يقولون في البحث عن مصدر مركزي واحد للحضارة أتت منه جميع الحضارات الأخرى، ولكن هناك حالة الحضارات المنعزلة في القارتين الأمريكيتين التي يصعب تفسيرها بهذه النظرية، كما أنه من الصعب جداً أن نضع تسلسل هذا الانتشار المفترض بشكل يتفق مع تحسن معلوماتنا عن التواريخ القديمة بفضل استخدام طريقة الكربون المشع.
      الحقيقة أن تمييز الحضارات الباكرة بعد ظهورها أسهل من معرفة طريقة نشوئها، ولا يمكننا إعطاء أحكام مطلقة تنطبق على نشوئها جميعاً. إننا نطلق كلمة حضارة على تفاعل البشر بطريقة خلاقة جداً، عندما تتراكم كمية حاسمة من القدرة الثقافية والموارد المادية، فتتحرر طاقات البشر على التطور الذي يسير عندئذٍ بقوته الذاتية. تضم الحضارة الجهود المشتركة لأعداد أكبر من الناس، وذلك بضمهم معاً في تجمعات أكبر، وإن كلمة حضارة civilization مرتبطة بكلمة لاتينية تعني المدينة city، وقد قدمت المدينة أكثر من أية مؤسسة أخرى ذلك التجمع الكبير والحاسم من البشر، ودعمت الإبداع بأكثر من أية بيئة أخرى، حتى الآن، ففي المدن الأولى استخدمت الثروة الناتجة عن الزراعة لإعالة طبقات الكهنة، التي طورت بنى دينية معقدة، وشجعت على تشييد أبنية كبرى لها وظائف أوسع من دورها الاقتصادي، وبهذا خصصت موارد أكبر بكثير من الأزمنة السابقة لأغراض غير الاستهلاك المباشر. ومع ظهور الكتابة تركز تخزين الأعمال والخبرات، وباتت هذه الثقافة المتراكمة بالتدريج أداة أكثر فأكثر فعالية في تغيير العالم.
      مع قدوم الحضارة ازداد تباين الشعوب بعضها عن بعض سرعة في أصقاع العالم المختلفة. إن أوضح حقيقة حول الحضارات الباكرة هي التنوع المدهش بين أساليبها المختلفة، ولكننا نغفل هذه الحقيقة في العادة بسبب وضوحها الكبير. لقد سبب قدوم الحضارة تبايناً متزايداً وسريعاً في الملابس والعمارة والتقنية والسلوك والأفكار والأعراف الاجتماعية. ولا ريب أن حقبة ما قبل التاريخ قد أعطت مجتمعات تختلف فيما بينها في أنماط الحياة والعادات والذهنية عدا عن صفاتها الجسمانية المختلفة، إلا أن غياب الثروة والتقنية المتخصصة في ذلك الحين قد حد من درجة الاختلاف. أما مع الحضارات الأولى فيصبح التمايز أوضح بكثير، وهو نتيجة للطاقة الخلاقة للحضارة نفسها. ومنذ الحضارات الأولى حتى يومنا هذا توجد في الوقت نفسه نماذج متباينة من المجتمعات البشرية التي تؤثر إحداها في الأخرى وتخصبها، سواء كان ما تعرفه إحداها عن الأخرى كثيراً أو قليلاً. إن جزءاً كبيراً من هذه القدرة الجديدة عصي على الكشف اليوم، لأن معلوماتنا زهيدة جداً عن حياة الفكر في المراحل الأولى من الحضارة، إلا ما يتعلق منها بالمؤسسات حسبما نفهمها والرموز المقصودة، والإشارات غير المقصودة في الفن والأفكار المجسدة في الأدب.


      تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

      قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
      "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
      وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

      تعليق


      • #4
        تفاعل الثقافات في الهلال الخصيب

        يظهر هذا التفاعل المتبادل بين الثقافات المختلفة واضحاً للمرة الأولى في الشرق الأدنى، فقد تعرضت هذه المنطقة لاضطراب عظيم بسبب قدوم عروق مختلفة إليها ورحليها عنها طوال ثلاثة أو أربعة آلاف سنة، فأغنتها ومزقتها في الوقت نفسه. وسوف يصبح الهلال الخصيب في الجزء الأكبر من الأزمنة التاريخية بوتقة عظيمة للثقافات، ومنطقة للاستيطان والعبور أيضاً، تدفق الناس عبرها يتبادلون الأفكار والمؤسسات واللغات والمعتقدات، التي مازال الكثير منها يؤثر فيها اليوم.
        كان السبب الأساسي لترحال الشعوب هو على الأرجح زيادة عدد السكان في مواطنها الأصلية، إلا أن عدد سكان العالم في نحو عام 4000 ق.م قد قدر بثمانين إلى تسعين مليوناً فقط، وسوف يزداد خلال الأربعة آلاف سنة التالية بمعدل خمسين بالمئة ليصبح مئة وثلاثين مليوناً تقريباً. إن معدل هذه الزيادة ضئيل جداً بالقياس إلى الأزمنة اللاحقة، وهو يدل على البطء النسبي في تزايد قدرة البشر على استغلال العالم الطبيعي، ولكنه في الوقت نفسه انقطاع ديموغرافي هائل يميز هذه الحقبة عن الأزمنة قبل التاريخية. كان هذا التزايد يعتمد على هامش ضئيل جداً من الموارد، فقد كان بإمكان الجفاف والقحط أن يدمرا موارد الغذاء في منطقة ما بصورة حادة ومفاجئة، ولابد أن يؤدي هذا إلى خطر المجاعة، وهي واحدة من القوى الأولى المحركة للتاريخ الباكر. فطوال آلاف السنين لم يكن بالإمكان نقل الغذاء إلا بواسطة الحيوان، لذلك كان الجفاف أو العواصف المدمرة أو حتى ارتفاع الحرارة أو انخفاضها لسنوات قليلة تجبر الشعوب على الترحال، فتدفع التقاليد المختلفة بعضها إلى بعض، فتتصادم وتتعاون وتتعلم إحداها من الأخرى، وتزداد بذلك غنى وقدرة على التطور.
        يمكننا تمييز شعوب أزمنة الحضارة الباكرة في الهلال الخصيب من خلال الفروق اللغوية فيما بينها. وتنتمي تلك الشعوب كلها إلى واحدة من مجموعات أربع: مجموعة نشأت في أفريقيا إلى الشمال والشمال الشرقي من الصحراء الكبرى تسمى ” الحامية” ثم مجموعة ”الساميين” الذين نشأوا في شبه الجزيرة العربية، ومجموعة ”الهنود الأوروبيين” الذين نشأوا في جنوب روسيا وانتشروا بحلول عام 4000 ق.م أيضاً إلى أوروبا وإيران، وأخيراً المجموعة التي يمكن أن نسميها ” قوقازية” وأصلها من جورجيا ومنطقة القوقاز. ويبدو أن الجزء الأكبر من الهلال الخصيب كانت تسكنه مجموعة من القوقازيين هذه في حوالي عام 4000 ق.م، وهم الأبطال الأساسيين للقصة في أبكر تاريخ للشرق الأدنى. ولكن الشعوب السامية أيضاً كانت قد بدأت بالتغلغل في المنطقة في ذلك الحين، وفي منتصف الألف الثالثة ق.م كانت قد ثبتت أقدامها وسط بلاد الرافدين على امتداد الألسنة الوسطى لنهري دجلة والفرات. لقد تمكنالقوقازيون من التمسك بالمرتفعات المحيطة ببلاد الرافدين في الشمال الغربي، وكان التفاعل والتنافس بين الشعوب السامية والقوقازية موضوعاً مستمراً في التاريخ الباكر لهذه المنطقة. بحلول العام 2000 ق.م كانت قد دخلت المسرح شعوب أخرى تشكل لغاتها جزءاً مما يسمى المجموعة ”الهندية الأوروبية”. من هذه الشعوب الشعب الحثي الذي اندفع إلى الأناضول قادماً من أوروبا، بينما كان شعب هندي أوروبي آخر هو الشعب الإيراني يدخل الشرق. وبين عامي 2000 ق.م و 1500 ق.م تنازعت واختلطت فروع من هاتين المجموعتين مع الشعوب السامية والقوقازية في الهلال الخصيب نفسه، بينما يكمن التفاعل بين الحاميين والساميين وراء قسم كبير من التاريخ السياسي لمصر القديمة. إن هذا السيناريو المشوش هو بالطبع عام للغاية وتفاصيله غير أكيدة، ولكن بالرغم من هذا تبقى هجرات الشعوب ضمن هذا النمط العام هي الخلفية التي ظهرت عليها الحضارة الأولى وازدهرت، مهما كانت طبيعة تلك الهجرات وأسبابها.


        تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

        قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
        "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
        وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

        تعليق


        • #5
          أولى حضارات آسيا
          إذا نظرت إلى العالم في عام 1000 ق.م ، وهو تاريخ اعتباطي، وجدت أن الحضارة كانت قد ترسخت فيه إلى الشرق من الهلال الخصيب ومصر، فكانت كل من الهند والصين قد طورت لنفسها أنماطاً متميزة من الحياة المتحضرة، ومختلفة تماماً عن تلك الحضارات الأسبق الواقعة إلى الغرب منها، ولو حصلت اتصالات سطحية بها. وكانت الثقافات الأصلية في الصين والهند قد خلقت فيهما طرقاً في التفكير والسلوك متميزة تماماً وممتدة على رقعة شاسعة من الأرض.
          وكان هذان البلدان هما قلبا المنطقتين الجغرافيتين (ثم الثقافيتين) الأساسيتين اللتين تقسمان آسيا إلى الشرق من أفغانستان ومرتفعات إيران وجنوب سيبيريا. فالمنطقة الهندية تحدها جبال الهيمالايا وسلاسل الجبال المجاورة لها، أي مرتفعات بورما وسيام وسواحل أرخبيل اندونيسيا.

          أما المنطقة الأساسية الثانية في شرق آسيا فهي تتكون من أرض الصين الكبيرة، ولكنها تشمل أيضاً كوريا واليابانوالهند الصينية. وطوال القسم الأكبر من الأزمنة التاريخية كانت الحضارات التي تظهر في الهند والصين تنزع إلى السيطرة على هذين الجزئين الكبيرين من آسيا، وهما منطقتان متنوعتان تنوعاً كبيراً من حيث طبيعة الأرض والمناخ الجغرافية، وتضمان أكبر أنهار العالم، مثل الهندوس*والغانح والبرهمابترا والميكونغواليانغ تسي كيانغ والنهر الأصفر وجميعها تصرف كميات هائلة من المياه من مرتفعات آسيا الداخلية، وقد كان وادياً اثنين من هذه الأنهر موقعين لأول أشكال الحياة المتحضرة في آسيا.


          خارطة الهند والصين وأندونيسيا ودول شرق آسيا

          وإذا نظرت إلى شبه القارة الهندية نظرة أقرب وجدتها تعادل أوربا في الحجم تقريباً، وقد بقيت معزولة لزمن طويل بسبب جغرافيتها، فلم تُغْزَ إلا نادراً من خلال ممرات الشمال الغربي، وذلك حتى القرن السادس عشر. إن جبال هذه المنطقة –خاصة منها الأبعد نحو الشمال- هي من أعلى الجبال في العالم، وإلى الشمال الشرقي تمتد الأدغال.
          أما الضلعان الآخران لشبه القارة الهندية فهما يطلان على المحيط الهندي الواسع. وقد منحتها هذه الجغرافية مناخاً متميزاً ومتنوعاً جداً ولكنه استوائي، فالجبال الشمالية تصد الرياح الجليدية القاسية الآتية من آسيا الوسطى، ولو أن شمال الهند قد يكون أحياناً قارص البرودة في الشتاء، بينما تجد السواحل الطويلة مفتوحة أمام الغيوم المحملة بالمطر، والتي تجري إليها من المحيط لتروي سهول الشمال الجافة بأمطارها الموسمية السنوية. ويحدد هذا الترتيب ساعة الهند المناخية وبالتالي الزراعية، فيأتي بالمطر خلال أكثر شهور السنة حرارة، ويؤمن لمرتفعات الدكن الجنوبية غطاء من الغابات الكثيفة، ويبدو أن الزراعة قد ترسخت أول ما ترسخت في سهول نهر الهندوس الغرينية في الشمال الغربي.

          أما منطقة الصين الثقافية فهي أكبر حتى من هذه، وهي أكبر من الولايات المتحدة، إذ أن بين بكين وهونغ وكونغ إلى الجنوب حوالي 1200 ميل في خط مستقيم وتضم هذه الأرض الشاسعة مناخات كثيرة ومناطق كثيرة، ففي الصيف يكون الشمال حارقاً وجافاً بينما يكون الجنوب رطباً ومعرضاً للفيضانات، ويبدو الشمال عارياً ومغبراً في الشتاء بينما يبقى الجنوب أخضر على الدوام. وكانت الحضارة في الصين تنزع دوماً إلى الانتشار من الشمال إلى الجنوب، وإلى التأثر بتيارات آتية من منغوليا وآسيا الوسطى. وينقسم هذا البلد الكبير إلى ثلاثة أقسام طبوغرافية أساسية تحددها وديان ثلاثة أنها كبرى تصرف القسم الداخلي من البلاد، وتجري عبرها من الغرب نحو الشرق تقريباً. هذه الأنهار هي من الشمال إلى الجنوب: الهوانغ هو أو النهر الأصفر، واليانغ تسي كيانغ، والسيكيانغ، ولم تساعد هذه الأنهار في ربط الصين بالعالم الخارجي إلى أن جاء الأوروبيون، لذلك بقيت الصين زمناً طويلاً منعزلة مثلها مثل الهند. وتغطي الجبال قسماً كبيراً منها، ومازالت حدودها تمتد بلا انتظام عبر سلاسل كبيرة من الجبال والمرتفعات وعلى امتدادها، إلى في أقصى الجنوب والشمال الشرقي. وتقع منابع نهر اليانغ تسي كيانغ مثل منابع الميكونغ في مرتفعات كون لون شمالي التيبت. وإن هذه الحدود الجبلية هي عوامل عزل كبيرة، وهي تشكل قوساً لا يقطعها إلا جريان النهر الأصفر نحو الجنوب آتياً إلى الصين من وسط منغوليا.


          تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

          قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
          "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
          وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

          تعليق


          • #6
            حضارة الهند الباكرة

            حضارة الهند الباكرة
            إن الحضارة في الهند أقدم منها في الصين، ولكن تاريخها أكثر تفككاً. ومازالت الهند القديمة تعيش بيننا من بعض النواحي بعكس جميع مراكز الحضارات الباكرة الأخرى. فحتى بداية القرن العشرين كان كثير من الهنود يعيشون مثل جميع أجدادنا القدامى، أي على الصيد والجمع الطعام، ومازالت العربة التي يجرها الثور وعجلة صنع الفخار في قرى كثيرة حتى اليوم مثل التي كانت مستخدمة منذ أربعة آلاف سنة على ما يبدو، بل مازالت تعبد في مقامات القرى آلهة وإلهات تعود في أصولها إلى العصر الحجري. كما أن الترتيبات الاجتماعية قبل عام 1000 ق.م بزمن طويل مازالت تنظم حياة الملايين من الهنود، من مسيحيين ومسلمين فضلاً عن الهندوس.
            إن الشعوب ذات البشرة الداكنة والتي تسمى شعوباً دراويدية وتجد أحفادها اليوم بشكل أساسي في جنوب الهند، كانت تعيش في الشمال أيضاً منذ حوالي خمسة آلاف سنة، وربما كان هؤلاء هم الهنود الأصليون، ولكن هذا الأمر غير مؤكد. لقد دخلت شعوب كثيرة إلى شبه القارة الهندية من خلال ممرات الجبال في الشمال الغربي، وربما جاء شعب آخر وأطلق شرارة الحضارة في وادي الهندوس، حيث بدأت الزراعة في الهند وحيث توجد الأدلة الأولى على صنع الفخار على عجلة، ولكن لا أحد يعلم الحقيقة بشكل أكيد. صحيح أن بعض العلماء قد اجتذبتهم فكرة أن تكون الهند أخذت حضارتها عن الشرق الأدنى، ولكن ربما توصل الهنود إلى الحضارة بأنفسهم، مثلهم مثل أهل بلاد الرافدين.

            تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

            قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
            "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
            وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

            تعليق


            • #7
              لقد ظهرت الحضارة في الهند منذ عام 2500 ق.م تقريباً، وتشهد على ذلك أعمال علماء الآثار في أربعين أو خمسين موقعاً، من بينها بقايا مدينتين كاملتين في موهنجو دارو وهرابا، وكلتاهما قريبتان من نهر الهندوس، ولكن بينهما مسافة 400 ميل (650 كم تقريباً). كانت هاتان المدينتان كبيرتين ومدهشتين حقاً، وربما كان في كل منهما ثلاثين ألف نسمة عندما كانتا في ذروة امتدادهما، وكان محيطهما بين 2-205 ميل (3-4 كم ). من الواضح أن وادي نهر الهندوس لم يكن في ذلك الزمان جافاً بعد، لأن حضارة على هذا المستوى -وكانت حضارة هرابا هذه تشمل منطقة واسعة جداً- تحتاج إلى زراعة غنية جداً، ولابد من وجود طرق للتحكم بنهر الهندوس المعرض للفيضانات عن طريق نظم للتصريف والري من أجل أن تنشأ حياة المدن، ويشير هذا بدوره إلى مهارات عالية في التنظيم والإدارة والتقنية. وربما كان اختراع القرميد المشوي اختراعاً حاسماً، لأنه المادة التي بنيت بها مدن هرابا، وهو مناسب للتحكم بالفيضانات في هذا الوادي الخالي من الحجارة، إذ يمكن استخدامه لبناء السدود والمجارير والقنوات، بينما لا يمكن ذلك باستخدام القرميد المجفف بأشعة الشمس الذي كان يصنع في بلاد الرافدين.

              تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

              قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
              "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
              وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

              تعليق


              • #8

                كانت هنالك أرصفة للسفن أيضاً، منها رصيف في لوثال تصله بالبحر قناة طولها ميل كامل 1.5 كم ، ويدل على وجود تجارة مع العالم الخارجي، ربما كانت تجارة بالبضائع القطنية لأنك تجد في هذه الحضارة أبكر الأدلة على صنعها، ويعزز هذا الأمر الانطباع الذي تعطيه بقايا المدن بأنها كانت مدن غنية. فقد كان في كل مدينة قلعة ومناطق سكنية منازلها مرتبة بانتظام على مخطط متصالب، ولم تكن الشوارع مبلطة ولكن منازلها كانت متينة ومبنية من قطع قرميد ذات حجم واحد ومجهزة تجهيزاً حسناً، كما كانت هناك جوارير مبطنة بالقرميد تحمل الماء من أحواض الغسيل والمراحيض، ولها فوهات مغطاة تسمح بتنظيفها وفحصها، وكانت البيوت مزودة بأنابيب لرمي الأنواع الأخرى من الفضلات ثم جمعها. وقد اكتشفت أيضاً حمامات أو أحواض كبيرة في أماكن عامة مثل التي تراها اليوم في قرى الهند التي لا حصر لها، ولعلها كانت تستخدم للعناية بنظافة الجسم لأن ثمة أدلة على ممارسة هذه العادة، أي أنه ربما كانت هناك أصول قديمة جداً لعادة الاغتسال التي طالما شددت عليها ديانة الهند، وطقوس الوضوء في الديانة الهندوسية اللاحقة.
                كانت حضارة هرابا تعرف الكتابة، وتجد كتاباتها على آلاف الأختام التي يبدو أنها كانت تستخدم لتعلمي بالات البضائع التي كانت تباع للخارج، كما تجدها على كسر قليلة باقية من الفخار. وكانت هذه الكتاب تصويرية، ولم تكشف الكثير لبحوث العلماء عدا عن احتمال أن تكون لغة هرابا قريبة من اللغة الدراويدية التي مازالت حية في جنوب الهند اليوم، ولكن من الواضح أن الكتابة كانت هامة جداً لعمل جهاز الإدارة الفعال والواسع. ويبدو أيضاً أن الأوزان والمقاييس كانت موحدة على امتداد منطقة واسعة؛ وأنه كانت هناك مخازن حبوب عامة كبيرة في المدن. كما تدل أحجار المراسي التي وجدت على رصيف لوثال على أن سفناً كبيرة كانت ترسو فيه، وقد وجدت بقايا من الأختام المستخدمة لتعليم بالات البضائع في الطرف العلوي من الخليج الفارسي، أي أن تجارة هرابا كانت تجارة واسعة المدى. ومن المعروف أيضاً أن أفكاراً وتقنيات من وادي الهندوس قد انتشرت عبر السند والبنجاب وعلى طول الساحل الغربي لغجرات، ولكن هذه العملية استغرقت قروناً طويلة، ومازالت الصورة التي تكشفها لنا الآثار مشوشة وغير واضحة.

                تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                تعليق


                • #9
                  الهند الآرية

                  الهند الآرية
                  بعد عام 2000 ق.م ببضعة قرون آلت حضارة وادي الهندوس إلى نهايتها، ولا نعلم السبب الذي أدى إلى ذلك. يقول البعض إنها ربما راحت ضحية كارثة بيئية من صنع البشر، فربما كان السبب هو المغالاة في قطع الأشجار من أجل تغذية أفران صنع القرميد، وبالتالي تخريب توازن الزراعة الدقيق القائم على ضفاف الهندوس، أو ربما سبّب اقتلاع الأشجار للزراعة أو الرعي، تعرية وجفافاً وانهياراً في الإنتاجية. وإذا كان أحد هذين الاحتمالين أو كلاهما صحيحاً فقد صار التحكم بفيضانات الهندوس المدمرة أمراً أصعب بكثير، وهي أخطار كانت ماثلة على الدوام، إلا أننا في الحقيقة لا نعلم السبب.
                  هناك أيضاً احتمال وجود عامل آخر زاد الطين بلة في هذه البلد التي خربتها أصلاً المغالاة في استغلال بيئتها، وهو احتمال نال بعض التأييد لأنه قد يربط تاريخ الهند بالاضطرابات الكبرى التي كانت تجري في أماكن أخرى من العالم. يبدو أن حضارة هرابا قد انتهت في حوالي عام 1750 ق.م، ويتزامن هذا تزامناً لافتاً مع اندفاع مجموعة جديدة من الشعوب الغازية إلى شبه القارة، هي الشعوب التي تسمى آرية. لقد كان هؤلاء هنوداً أوربيين، وإن تسمية آري هي تسمية تدل على اللغة مثل تسمية هندي أوروبي، ولكنها تطلق عادة بشكل خاص، وهو استخدام ملائم على مجموعة واحدة من الشعوب الهندية الأوروبية التي بدأت تدخل الهند من جبال هندوكوش في حوالي عام 2000 ق.م، بينما كان غيرهم من الهنود الأوروبيين يتدفقون إلى إيران. وكانت هذه بداية قرون عديدة سوف يزداد فيها امتداد موجات هؤلاء المهاجرين عمقاً ضمن وادي الهندوس وإقليم البنجاب.
                  وقد وصلوا في النهاية إلى أعلى نهر الغانج، ولا يميل العلماء إلى فكرة أن يكون الآريون وحدهم سبب خراب مدن هذا الوادي، كما أنهم لم يقضوا على الشعوب الأصلية، ولكن لا ريب أن قدومهم قد تميز بمقدار كبير من العنف، لأنهم محاربون وبدو ومسلحون بأسلحة برونزية، كما أنهم جلبوا معهم الخيل والعربات، وقد وجدت في مدن وادي الهندوس هياكل عظمية توحي بحدوث اقتتال. ولكن ثمة علامات كثيرة أيضاً تدل على أن السكان الأصليين في أماكن أخرى قد عاشوا إلى جانب الوافدين الجدد محتفظين بمعتقداتهم وعاداتهم، وقد امتزجت بعض تقاليد هرابا بالتقاليد اللاحقة.

                  تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                  قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                  "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                  وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                  تعليق


                  • #10

                    لم يكن لدى الآريين ثقافة متقدمة مثل التي وجدوها، وقد زالت الكتابة بقدومهم، ولم تظهر من جديد إلا في منتصف الألف الأولى ق.م. والمدن أيضاً زالت لتعود فتنشأ من جديد، ولكن كان ينقصها عندئذٍ الإحكام والنظام اللذين اتصفت بهما مدن وادي الهندوس من قبلها. ويبدو أن الآريين لم يتخلوا عن عاداتهم الرعوية ويستقروا للزراعة إلا ببطء، وقد انتشروا شرقاً وجنوباً من مناطق استقرارهم الأصلية في امتداد من القرى بغير انتظام. واستغرق هذا الانتشار قروناً عديدة، ولم يكتمل ولا استوطن وادي الغانج حتى قدوم الحديد، إلا أن الثقافة الآرية قد ساهمت مساهمات حاسمة في تاريخ الهند.

                    مصور الهند مع نهر الغانج وإقليم البنجاب

                    أولى تلك المساهمات هي وضع أسس الديانة الهندية، كان جوهر ديانة الآريين هو مفهوم الأضاحي، فمن خلال القرابين كانوا يعيدون بلا نهاية عملة الخلق التي أنجزتها الآلهة في بداية الزمان. وكان الإله آغني إله النار، وهو عظيم الأهمية، لأنه من خلال لهب قرابينه يمكن للإنسان أن يبلغ الآلهة، كما منح البراهمة أهمية ومكانة كبيرتين، لأنهم الكهنة الذين يرأسون هذه الاحتفالات. ومن أهم الآلهة الأخرى اثنان هما فارونا إله السموات وضابط النظام الطبيعي وتجسيد العدالة، وإندرا الإله المحارب الذي يذبح التنين سنة بعد سنة، فيطلق من جديد مياه السموات التي تأتي مع اندفاع الرياح الموسمية. ويخبرنا عن هذين الإلهين وعن غيرهما الريغ فيدا وهي مجموعة تضم أكثر من ألف ترتيلة فيدية تؤدى أثناء تقديم القرابين، وقد تراكمت عبر القرون.
                    يبدو أن الريغ فيدا تعكس الثقافة الآرية بعد أن غيرها الاستقرار في الهند، وليس كما كانت في أزمنة أبكر، وكانت في البداية كتقليد شفهي، وبسبب قدسيتها كان من الضروري استظهارها استظهاراً دقيقاً، وقد حماها هذا الأمر من التحريف عن شكلها الأصلي الذي جمع أولاً في حوالي عام 1000 ق.م، عندما سجلت للمرة الأولى بعد عام 1300 للميلاد. وهي تشكل مع التراتيل اللاحقة والأعمال النثرية أفضل مصادر معلوماتنا عن الهند الآرية، التي تبقى آثارها بكماء لزمن طويل، لأن الآريين كانوا يبنون بالخشب وليس بالقرميد كما في مدن وادي الهندوس.
                    تمتد الهند الموصوفة في الريغ فيدا من ضفاف الهندوس الغربية إلى نهر الغانج، ضمنها كانت تعيش شعوب آرية وسكان أصليين قاتمي البشرة جنباً إلى جنب في مجتمعات وحداتها الأساسية هي العائلات والعشائر. وكانت فيها أنماط اجتماعية من أصل آري وسوف تبقى لها أهمية دائمة، وكان أساس حياتهم الاجتماعية هو ما نسميه اليوم نظام الطبقات المنغلقة Caste. إن نظام الطبقات المنغلقة هي الميراث الأساسي الذي تركه الآريون للهند، إلى جانب ديانتهم ولغتهم السنسكريتية، وهي أساس لغات الهند التي مازالت محكية اليوم، ثم تطورت تلك الطبقات، فصارت عبارة عن مجموعات من الناس يتبعون نفس المهنة وتحق لهم وحدهم. وعضوية الطبقة وراثية، ولا يتزوج أفرادها في الحالة المثالية إلا من طبقتهم، ويشتركون بطقوس خاصة وأعمال إجبارية، وإذا كانوا متزمتين فإنهم لا يأكلون إلا طعاماً حضره أفراد من الطبقة نفسها. وقد صارت في النهاية مئات من الطبقات وفروع الطبقات، ومع تزايد تعقيد المجتمع وضعت محرمات جديدة في الزواج والطعام، وأصبحت متطلبات هذا الترتيب في النهاية ناظماً أساسياً لمجتمع الهند، بل الناظم الأهم في حياة الكثيرين من الهنود. وفي الأزمنة الحديثة أضحت هناك آلاف من الطبقات المحلية والمهنية، وقد شكلت هذه مع روابط العشيرة والعائلة والانتماء المحلي بنية من السلطة في مجتمع الهند يعادل نفوذها نفوذ المؤسسات السياسية الرسمية والسلطة المركزية.

                    تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                    قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                    "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                    وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                    تعليق


                    • #11
                      كان هذا النظام قد بدأ بتقسيم بسيط للمجتمع الآري إلى ثلاث طبقات: البراهمة، المحاربون، المزارعون لم تكن هذه الطبقات في البدء محددة بدقة ولا حصرية كما صارت لاحقاً، بل يبدو أن الانتقال من إحداها إلى الأخرى قد ظل ممكناً طوال قرون عديدة، ويبدو أن الحاجز الاجتماعي الوحيد الذي كان يستحيل عبوره في الأزمنة القديمة هو الحاجز بين الآريين وغير الآريين. إذ يبدو أن هناك طبقة اجتماعية رابعة قد ميزت وحددت تحديداً شديداً وقاسياً، وهي تضم السكان الأصليين ذوي البشرة الأقتم من الغزاة، لأن الغزاة أرادوا البقاء منفصلين عنهم فاعتبروهم بالتالي خارج نظام الطبقات الثلاث أصلاً. وصار غير الآريين، أي أفراد الطبقة الرابعة الجديدة يسمون ”النجسين” ولما كانوا غير آريين فلم يكن يحق لهم الاشتراك في القرابين الدينية أو الدراسة أو سماع تراتيل الفيدية. وفي النهاية أمسى هؤلاء النجسون الذين ميزوا أصلاً لرغبة في الحفاظ على نقاوة العرق، هم طبقة ”المنبوذين” the untouchables في الهند الحديثة، وهي طبقة تترك لها الأعمال القذرة من تنظيف وكنس، وينظر إليها باحتقار شديد، إلى حد أن بعض البراهمة مازالوا يشعرون أن ظل الكناس يلوث الطعام إذا وقع عليه.
                      كان هناك ملوك منذ المجتمع القبلي الآري الباكر، وفي نحو عام 600 ق.م كان هناك ما يقرب من ستة عشر مملكة موزعة في وادي الغانج وراسخة فيه. وكانت هذه نتيجة قرون من الضغط الدائم نحو الشرق والجنوب الشرقي، ويبدو أن الاستقرار السلمي والتزاوج قد لعبا دوراً لا يقل عن دور الغزو في هذا التطور، ولكننا لا نستطيع من خلال الميثولوجيا أن نرى بوضوح كيف حدث ذلك. لقد انتقل مركز الثقل في الهند الآرية أثناء هذه الحقبة رويداً رويداً من البنجاب إلى وادي الغانج مع تبني الشعوب التي كانت هناك للثقافة الآرية. وكان وادي منذ القرن السابع ق.م المركز الرئيسي لسكان الهند، وربما صار هذا ممكناً بفضل زراعة الأرز. فبدأ عندئذٍ عصر ثان من المدن الهندية، كانت أبكرها أسواقاً ومراكز تصنيع تجمع الحرفيين المختصين، وبفضل وجود السهول الكبيرة ونشوء جيوش أكبر وأفضل تجهيزاً، بلغنا خبر استخدام الفيلة، سهل الاندماج في وحدات سياسية أوسع، كما أن ظهور النقد واكتشاف الكتابة من جديد قد ساعدا في زيادة تماسك الحكومات وانتظامها، وتجد في وثائق لاحقة معلومات عن تلك الحكومات وعن الأسماء الكبيرة المرتبطة بها، خصوصاً في ملحمتين هنديتين كبيرتين، هما الرامايانا والمهابهاراتا اللتان دونت نصوصهما كما نعرفها للمرة الأولى في نحو عام 400 ق.م. الغانج
                      ومهما كانت السمات المحلية للثقافات الهندية، فقد استمرت الحضارة الآرية بالانتشار، فتقدمت نحو البنغال على طول وادي الغانج، كما امتدت جنوباً على طول السواحل الغربية نحو غجرات، ثم المرتفعات الوسطى لشبه القارة الهندية، ويبدو أن استيطان الآريين قد توقف هناك. لقد كانت منطقة الدكن في الجنوب معزولة دوماٌ عن الشمال بواسطة هضاب مغطاة بالأدغال، هي هضاب فنديا، كما أن جنوب الهند نفسه مقسم بالهضاب، وقد أعاق هذا الأمر بناء دول كبيرة فيه، لذلك بقي مفككاً وبقيت بعض شعوبه تعيش في ثقافات الصيد وجمع الطعام القبلية بسبب صعوبة الوصول إليها. إلا أن هذا الوصف لا يجوز أن يجعلنا ننسى وجود النصف غير الآري في شبه القارة، ولو أن الكتابات والنصوص الكلاسيكية مقتصرة على الشمال الآري. والحقيقة أن الأدلة القليلة الموجودة من آثار الجنوب تشير إلى تأخره الثقافي الواضح والمستمر عن منطقة نهر الهندوس وبقية شبه القارة منذ المرحلة الباكرة، وإن اسم الهند إنما أتى من اسم نهرها الشمالي هذا. أما في الجنوب فلا يبدأ البرونز والنحاس بالظهور إلا بعد وصول الآريين إلى الشمال بزمن طويل، ومتى خرجت من وادي نهر الهندوس لا تعود تجد تماثيل معدنية ولا أختاماً، كما تندر التماثيل الفخارية العائدة للأزمنة ما قبل الآرية، وإن استمرار اللغات الدراويدية في الجنوب لدليل على انعزال هذه المنطقة الدائم.
                      إن تقديرات أعداد السكان في الأزمنة القديمة تخمينية لا يعول عليها كثيراً، وقد قدر عدد سكان الهند بحوالي 25 مليوناًً في عام 500 ق.م ، وربما كان هذا تقريباً ربع سكان العالم كله في ذلك الحين. إلا أن أهمية تاريخ الهند الباكر تكمن في تأثيره المستمر في صياغة حياة مئات الملايين من الناس اليوم، وليس في عدد سكانها الكبير في العصور القديمة. ويصح هذا الأمر بالأخص على موضوع الدين، فقد تبلورت الديانة الهندوسية الكلاسيكية في الألف الأولى ق.م، كما كانت البوذية أيضاً قد ظهرت كديانة عالمية كبرى في طور النشوء؛ ولما كانت أفعال الناس محكومة بما يؤمنون أنهم قادرون على فعله، فإن هاتين الديانتين هما مفتاحان لتاريخ الهند، أي أن جوهر تاريخ هذا البلد هو صياغته لثقافة معينة وليس صياغة أمة أو اقتصاد ولقد كانت الديانة في قلب تلك الثقافة.

                      تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                      قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                      "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                      وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                      تعليق


                      • #12
                        ديانة الهند الباكرة


                        ديانة الهند الباكرة
                        إن جذورها لسحيقة القدم، ثمة ختم من موهنجو دارو صورة شخص كأنه شكل باكر للإله شيفا، وهو أحد شخصيات العبادة الشعبية الكبرى في الهندوسية، كما وجدت في مدينة هرابا أحجار بشكل قضيب الرجل lingam الذي يمثل شعاره في المعابد الحالية، وربما كانت عبادة شيفا أقدم عبادة باقية في العالم، ولو أن لها ملامح آرية هامة. كما أن ثمة أختاماً أخرى من هرابا توحي بعالم ديني يتمحور حول إلهة أم وثور. ومازال الثور مستمراً حتى اليوم بشكل الإله ناندي الذي تراه في مقامات القرى التي لا حصر لها في كافة أنحاء الهند الهندوسية، وقد اكتسب قوة جديدة في تجسده الأخير كشعار انتخابي لحزب الكونغرس.
                        أما الإله فشنو فهو آري بصورة أوضح؛ وهو أيضاً يشكل عبادة هامة في الهندوسية الشعبية الحديثة، وقد انضم إلى مئات الآلهة والإلهات المحلية التي مازالت تعبد اليوم لتشكل معاً مجمع الآلهة الهندوسية. ومهما كانت آثار عصر هرابا أو حتى ما قبل هرابا في الديانة الهندوسية، فإن تقاليدها الفلسفية والتأملية الكبرى قد انبثقت من الديانة الفيدية ومن التراث الآري. إن السنسكريتية هي لغة التعليم الديني التي ما زالت تستخدم اليوم في الجنوب المتحدث باللغات الدراويدية مثلما هي مستخدمة في الشمال، وقد كانت السنسكريتية رباطاً ثقافياً عظيماً، وكذلك الديانة التي حملتها. وكانت التراتيل الفيدية نواة نظام من الفكر الديني أكثر تجريداً وفلسفة من الروحانيات البدائية[1]، وقد تطورت المفاهيم الآرية حول الجحيم والجنة، أي ما كان يسمى بيت الطين وعالم الآباء، رويداً رويداً نحو الإيمان بأن أعمال الإنسان في الحياة هي التي تحدد مصيره.
                        وبزغت من هذه العناصر بالتدريج بنية هائلة وشاملة من الفكر، ونظرة للعالم ترتبط فيها الأشياء كلها ضمن شبكة عظيمة من الوجود. فقد تمر الأرواح بأشكال مختلفة من حياة إلى حياة ضمن هذا الكل الشاسع، وقد تصعد سلم الوجود أو تهبطه، كأن تنتقل بين الطبقات مثلاً أو حتى بين عالمي الإنسان والحيوان. ويتحدد شكل التقمص من حياة إلى حياة أخرى بالسلوك السليم، كما أن هذا التقمص مرتبط بفكرة التطهر والتجدد، والثقة بالتحرر مما هو عابر وعارض وظاهر، والإيمان بالتطابق الجوهري بين الروح والوجود المطلق في البراهما، أي المبدأ الخالق. وكان واجب المؤمن هو التقيد ”بالدارما” وهي مفهوم لا يمكن ترجمته، ولكنه يجسد شيئاً من الأفكار الغربية عن قانون عدالة طبيعي، وشيئاً من فكرة أن على الإنسان احترام الواجبات التي تفرضها عليه مرتبته في الحياة وطاعتها.
                        لقد استغرقت هذه التطورات زمناً طويلاً، ومرت التقاليد الفيدية بخطوات معقدة وغامضة حتى تحولت إلى الهندوسية الكلاسيكية، وكان البراهمة في قلب المراحل الباكرة من هذا التطور، وكان لهم دور أساسي في طقوس تقديم القرابين في الديانة الفيدية، ويبدو أنهم سرعان ما تعايشوا مع آلهة عالم أقدم. ولم تظهر علامات مقاربة أكثر فلسفية إلا عام 700ق.م تقريباً، وذلك في نصوص مقدسة تسمى الأبانيشد، وهي مزيج من التلاوات والتراتيل والحكم والتأملات وضعها رجال قديسون، ترشد إلى المعاني العميقة للحقائق الدينية التقليدية. إن التركيز على الآلهة والإلهات الشخصية فيها أقل بكثير من النصوص الأبكر، كما أنها تضم بعض أبكر التعاليم الزاهدة، التي سوف تصبح ملمحاً بارزاً ولافتاً من ملامح الديانة في الهند، مع أن الذين مارسوها كانوا قلة قليلة. لقد لبت الأبانشيد الحاجة التي شعر بها البعض للبحث عن الرضا الديني خارج إطار التقاليد، ويبدو أن بعضهم كانت تساورهم الشكوك حول مبدأ القرابين. كانت أنماط جديدة من التفكير قد بدأت بالظهور عند بداية الحقبة التاريخية، وتجد التعبير عن الشك بالمعتقدات القديمة، منذ التراتيل المتأخرة في الريغ فيدا، وسوف تجسد الديانة الهندوسية الكلاسيكية تأليفاً بين أفكار مثل أفكار الأبانشيد التي تشير إلى مفهوم توحيدي للكون وبين التقاليد الأقرب إلى تعدد الآلهة والأكثر شعبية التي كان ينادي بها البراهمة.

                        تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                        قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                        "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                        وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                        تعليق


                        • #13
                          الصين القديمة

                          الصين القديمة

                          منذ نحو ألفين وخمسمائة عام تعيش على الأرض أمة صينية تستخدم لغة صينية، وإن هذا لدليل على حضارة طويلة ومستمرة ومنيعة على التأثير الخارجي، لا يجاريها في ذلك إلا حضارة مصر القديمة. ولقد بقيت حكومة الصين لزمن طويل وحدة واحدة بالرغم من فترات الانقسام والاضطراب، وصاغت لها هذه الخبرة هوية تاريخية ثقافية بقدر ما هي سياسية، لأن ثقافة الصين هي التي سهلت توحيد الحكم. ومنذ تاريخ باكر جداً تبلورت فيها مؤسسات ومواقف تناسب ظروفها الخاصة، وسوف تستمر لزمن طويل.
                          تظهر الأدلة على الزراعة في شمال الصين، في أرض أعلى بقليل من مستوى فيضان النهر الأصفر؛ كانت تلك زراعة من النوع الذي يستنفذ التربة بشكل كامل أو جزئي، وتعود الأدلة عليها لحوالي 5000 ق.م. من هذه المنطقة الهامة انتشرت الزراعة شمالاً إلى منشوريا وجنوباً أيضاً. وسرعان ما ظهرت فيها ثقافات معقدة تستخدم حجر اليشب والخشب للحفر، وتدجن دودة القز، وتصنع الأواني المعدة للاحتفالات بأشكال سوف تصبح تقليدية، بل ربما كان الصينيون يستخدمون العيدان في تناول الطعام منذ ما قبل التاريخ. ويقصد من هذا كله أن الصين كانت منذ الأزمنة النيوليتية تبدي ملامح كثيرة سوف تميزها في المستقبل. ومن هذه العلامات الاستخدام الواسع للدخن، وهو نوع من الحبوب ملائم للزراعة الجافة* التي كانت تمارس أحياناً في الشمال، كما أنه قد ظل المادة الأساسية في طعام الصينيين حتى ألف سنة خلت تقريباً.
                          تتحدث كتب الصين القديمة وأساطيرها عن شخصية اخترعت الزراعة، ويدل ذلك على أهمية هذا الاختراع. إن الأشياء التي يمكنك استنتاجها بشكل أكيد وواضح عن التنظيم الاجتماعي الباكر هي أشياء قليلة جداً، ولكنهم كانوا يعتبرون أن كل بقعة تحت السماء هي أرض الحاكم، وربما كان هذا انعكاساً لأفكار قديمة تقول إن الأرض برمتها ملك للجماعة ككل. ويمكنك أيضاً أن تنسب إلى الأزمنة الباكرة ظهور بنية العشيرة والطواطم، إذ تكاد القرابة أن تكون أول مؤسسة يمكن تمييزها، وسوف تستمر لتصبح هامة في الأزمنة التاريخية. وتوحي الأدلة التي يقدمها الخزف ببعض التعقيد في الأدوار الاجتماعية، لأن هناك قطعاً رقيقة منه تعود إلى الأزمنة النيوليتية لا يمكن أن تكون قد صنعت لأغراض الاستعمال اليومي، فيبدو إذن أن مجتمعاً متعدد الطبقات كان قد بدأ يبزغ قبل أن نصل إلى الحقبة التاريخية.
                          لقد بقيت تلك الزراعة التي قامت عليها ثقافة الصين المتقدمة محصورة بشمال البلاد، وإن هناك مناطق كثيرة في هذا البلد الشاسع لم تبدأ بالزراعة إلا بعد زمن طويل، وفي مرحلة متقدمة من الحقبة التاريخية. ولكن العلماء متفقون مع التقاليد التي تقول إن قصة الحضارة تبدأ في هذه المنطقة الشمالية الهامة على عهد حكام ينتمون لشعب يدعى الشانغ، وهو أو اسم في اللائحة التقليدية للسلالات له أدلة مستقلة تؤيد وجوده. وقد بقيت هذه اللائحة أساس تقسيم تاريخ الصين لزمن طويل، وسوف تصبح التواريخ أكثر دقة منذ أواخر القرن الثامن ق.م، ولكن ليس ثمة تقسيم جيد لتاريخ الصين الباكر مثل الذي نعرفه عن مصر. وفي حوالي عام 1700 ق.م مع هامش قرن واحد زيادة أو نقصاناً تمكنت قبيلة اسمها الشانغ، كانت تتميز باستخدام العربة في المعارك الحربية، من فرض نفسها على جيرانها على امتداد رقعة واسعة من النهر الأصفر، وعلى حوالي 40.000 ميل مربع (100.000 كم2) من شمال هونان.

                          تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                          قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                          "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                          وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                          تعليق


                          • #14

                            صين الشانغ

                            كان ملوك الشانغ شخصيات عظيمة عاشوا وماتوا في أبهة، وكان العبيد والضحايا يقدمون قرابين ويدفنون معهم في مدافن عميقة وفخمة. ويبد أن حكومة الشانغ كانت عبارة عن ملاك أراضي محاربين يرأسون سلالات أرستقراطية لها أصول شبه أسطورية، ولكنها تمكنت من توحيد العملة وتشييد تحصينات ومدن على مستوى يحتاج إلى مجهود جماعي واسع. وكان في بلاط الشانغ كتبة وأمناء أرشيف، فقد كانت تلك مملكة تعرف الكتابة، ويبدو أنها كانت تحكم أول ثقافة عرفت الكتابة بحق إلى الشرق من بلاد الرافدين إلا إذا تبين أن الكتابة في وادي الهندوس كان أكثر تطوراً مما يبدو الآن، وكان لحضارة الشانغ أيضاً تأثير يمتد وراء المنطقة التي سيطرت عليها هذه السلالة سياسياً.


                            صين التشانغ والصين الحالية


                            في الأزمنة الباكرة كانت القرارات الكبرى والأقل منها أيضاً تتخذ عن طريق قراءة الوحي، فكانوا يحفرون رموزاً على تروس السلاحف أو عظام ترقوة الكتف المأخوذة من حيوانات معينة، ثم يوضع عليها دبوس برونزي محمى بحيث يصنع شقوقاً على الطرف المقابل، وينظر في اتجاه هذه الشقوق وطولها بالنسبة إلى الرموز ويقرأ الوحي بناء على ذلك. ويقدم هذا الأمر دليلاً على فترة تأسيس اللغة الصينية، لأن الرموز المنقوشة على هذه العظام والتي كانت تحفظ كسجلات هي الأشكال الأساسية للغة الصينية الكلاسيكية. كان لدى شانغ نحو 5000 رمز من هذه الرموز، ولكن لا يمكن قراءتها كلها، إلا أننا نعلم أن بنية اللغة منذ ذلك الحين كان مثل بنية اللغة الصينية الحديثة، أي أنها مكونة من صور يمثل كل منها مقطعاً صوتياً واحداً، وهي تعتمد على ترتيب الكلمات وليس على تصريفها من أجل إضفاء المعنى، فقد كان الشانغ إذن يستخدمون شكلاً من أشكال اللغة الصينية. وسوف يتحول قراء الوحي في المستقبل إلى طبقة العلماء النبلاء، وهم خبراء لا غنى عنهم لأنهم يملكون مهارات مقدسة وسرية. وهكذا بقيت اللغة حكراً على نخبة صغيرة نسبياً وجدت أن امتيازاتها متأصلة فيها، وأن من مصلحتها أن تحميها من الفساد والتحريف. وكانت اللغة قوة عظيمة في تأمين الوحدة والثبات، كما صارت الصينية المكتوبة لغة للحكم والثقافة تسمو على تقسيمات اللهجات المحلية والأديان والمناطق، وسوف يبقى فن التخطيط ذا مرتبة عالية بين فنون الصين، وبهذه الوسيلة تمكنت النخبة من ضمن هذا البلد الواسع والمتنوع برباط واحد.


                            تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                            قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                            "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                            وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                            تعليق


                            • #15

                              حقبة التشو

                              انهار الشانغ في النهاية أمام قبيلة أخرى من غرب الوادي، هي قبيلة التشو، وقد حدث هذا على الأرجح في عام 1027 ق.م. لقد تم على عهد التشو الحفاظ على الكثير من بني الشانغ الحكومية والاجتماعية المتقدمة وازدادت تطوراً أيضاً، كما استمرت طقوس الدفن وتقنيات شغل البرونز والفنون التزيينية بأشكال لم تتغير تقريباً. وقد شهدت مرحلة التشو تمتين هذا الميراث وزيادة انتشاره، وتبلور مؤسسات إمبراطورية الصين القادمة، واللافت أن التشو كانوا يعتبرون أنفسهم محاطين بشعوب بربرية تتمنى أن تحقق لها سلالتهم السلام كي تنعم بخيراته، والحقيقة أن سيادتهم كانت ترتكز على الحروب. كانت الحكومة في العادة عبارة عن مجموعة من الوجهاء والأتباع، بعضهم أكثر اعتماداً على السلالة من بعضهم الآخر، ويؤدون لها في أيام الرخاء على الأقل اعترافاً شكلياً بسلطتها، كما يزداد اشتراكهم بثقافة واحدة. كانت الصين ككيان سياسي من المنطقي استخدام هذا التعبير ترتكز على أملاك بيرة على درجة من التماسك تسمح لها بالبقاء طويلاً، وأحياناً كان سادتها الأصليون يتحولون إلى حكام يمكن أن نسميهم ملوكاً، تخدمهم بيروقراطيات بسيطة خاصة بهم.

                              مملكة التشو

                              في نحو 700 ق.م طرد البرابرة التشو من مركز أجدادهم إلى وطن جديد إلى الشرق في هونان، ولكن سلالتهم بقيت حتى عام 256 ق.م. وتمتد المرحلة التالية التي يمكن تمييزها منذ عام 403 وحتى 221 ق.م، وتعرف باسم ذي دلالة، هو مرحلة الدول المتحاربة. لقد بات الاصطفاء التاريخي عن طريق الصراع الآن ضارياً، وراحت الأسماك الكبيرة تلتهم الصغيرة حتى لم يبق في النهاية إلا حوت واحد كبير، فصارت جميع أراضي الصينيين للمرة الأولى إمبراطورية واحدة كبيرة تحكمها سلالة التسين، التي أتى منها اسم الصين. ومن المناسب أن نتوقف عند هذه النقطة، فقد دلتنا سجلات الصين التاريخية التقليدية حتى الآن، على نحو خمسة عشر قرناً من الصراعات الغامضة بين الملوك والرعايا الأقوياء من دون أن تعطينا خطاً للقصة، إلا أننا نستطيع تمييز عمليات أساسية كانت تجري خلالها سوف تكون لها أهمية عظيمة في المستقبل.
                              من تلك العمليات الانتشار المستمر للثقافة من حوض النهر الأصفر نحو الخارج، لقد بدأت الحضارة الصينية بشكل جزر صغيرة جداً في بحر من البربرية ولكنها صارت في عام 500 ق.م ملكاً مشتركاً لعشرات بل ربما مئات الدويلات والإقطاعيات الموزعة عبر الشمال، كما انتقلت إلى وادي اليانغ تسي كيانغ. وكانت هذه منذ زمن بعيد أرض مستنقعات وغابات كثيفة ومختلفة جداً عن الشمال، وكانت تسكنها شعوب أكثر بدائية. وعند نهاية مرحلة الدول المتحاربة كان مسرح تاريخ الصين على وشك الاتساع بشكل كبير، فقد تغلغل نفوذ التشو في هذه المنطقة، ولعب التوسع العسكري دوراً في ذلك وساهم في هذا التغلغل في صنع أول ثقافة ودولة كبريين في وادي اليانغ تسي كيانغ.

                              تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                              قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                              "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                              وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                              تعليق

                              يعمل...
                              X