إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الفراعنة السود

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفراعنة السود



    الفراعنة السود






    عام 730 قبل الميلاد توصل Pianchi ان الطريقة الوحيدة لمنع تمزق الدولة المصرية هو اجتياحها وتوحيدها، ولذلك فقد امر جنوده ان يعتلوا الخيول. مصر العظيمة كانت في طريقها للتحلل والانهيار في صراعات الزعماء المحليين. على مدى عقدين من الزمن كان Pianchi زعيم النوبة، وهي منطقة يقع الجزء الاكبر منها في السودان اليوم. بيانتشي كان يعتبر نفسه الزعيم الفعلي لمصر والوريث الشرعي لارواح الفراعنة العظماء مثل رمسيس وتحتومس. ولكون نيانتشي لم يكن قد زار مصر السفلى في السابق فإن زعماء مصر لم يأخذوا تهديداته على محمل الجد. لقد كتب:" سأجعل مصر السفلى تتذوق محبتي".


    =







    ابحر جنوده في النيل ليهبطوا في طيبة عاصمة مصر العليا. في عصر الفراعنة كانت مصر منقسمة الى عليا ودنيا، والحدود بينهم تقع قرب ممفيس، الى جنوب القاهرة اليوم. الجزء الشمالي كان مصر السفلى ، حيث المركز الاداري الرئيسي في حين ان القسم الجنوبي كانت مصر العليا، وتملك المراكز الدينية والثقافية المهمة. عندما اعطى بيانتشي اوامره لجنوده ان يتهيئوا للقتال كان ذلك يعني ان عليهم الاغتسال في ماء النيل للتطهر قرب معبد الكرنك وهو موقع مقدس لإله الشمس آمون، والذي كان بيانتشي يعتبره إلهه الشخصي وحاميه، ومفاهيم وطقوس التطهير لانزال نراها حتى اليوم في الاديان الحديثة التي اقتبستها عن الاولين.. بعد التوكل على آمون اصبح الجيش جاهزا للحرب.

    =



    ;









    بعد سنة من المعارك اصبح اغلب الزعماء المحليين جاهزين للاعتراف بزعامة بيانتشي، غير ان الذي ادهشهم ان فرعونهم الجديد جمع جيشه وغنائمه وابحر عائدا الى النوبة، وعلى الاغلب لم يرجع ابدا الى مصر. لقد مات عام 714 قبل الميلاد، بعد حكم استمر 35 سنة، وقام ورثته بتحقيق وصيته في دفنه في أهرام على على شكل الاهرامات المصرية الى جانب اربعة من احب خيوله اليه. غير انه لايوجد اي نصب محفوظ يستطيع ان يخبرنا عن شكل هذا القائد، لقد قام المصريين بمحي كافة الجداريات التي تُظهر شكله. في احدى الجداريات في معبد نوبي بقيت اقدامه فقط. ولكن توجد معلومة عنه لازالت محفوظة تقول ان " جلده اسود".

    بيانتشي كان اول فرعون اسود من مجموعة من الفراعنة النوبيين حكموا مصر لمدة 75 سنة بإعتبارهم الاسرة الخامسة والعشرين. من خلال جداريات النوبيين وجداريات اعدائهم يمكن رؤية تأثيرهم على المنطقة. لقد خلقوا امبراطورية تمتد حدودها من جنوب خرطوم الحالية الى البحر المتوسط. لقد ناضلوا ضد الاشوريين ولربما كان لهم دور في حماية اورشليم (لم يكن هناك قدس في ذلك الوقت).











    لفترة طويلة كان تاريخ الفراعنة السود يعاني من الاهمال. في السنوات الاربعين الاخيرة ازداد الاهتمام به بعد إكتشاف حضارة افريقية مزدهرة على الضفة الجنوبية من النيل، استمرت لمدة 2500 سنة، تحمل من الازدهار درجات لاتقل عن مستواها عند العائلة الفرعونية المصرية الاولى. الاهرامات النوبية ترتفع في صحاري النوبة السودانية، واعدادها تتجاوز اعداد الاهرامات المصرية. في الوقت الذي تتقاطر حافلات السياح الى اهرامات مصر نجد انه بين الاهرامات السودانية يمكن التنقل بسهولة إذ لايوجد سواح او اي اهتمام حكومي، حيث الحكومة مشغولة بإبادة الشعوب الافريقية او الغير مسلمة.




    الكورو (El Kuruu) ، نوري (Nuri), وميرويه (Meroë), اهرامات منتصبة بصمت وهدوء، تتكلم عن عظمة الماضي المزدهر وبهتان الحاضر الغارق في رمال التخلف.

    الاهمال والرمال الذي تمكنت هذه الاهرامات من الوقوف ضده شامخة على عظمة الماضي وتفاهة الحاضر، ولكن الامر لن يستمر كذلك طويلا. تخطط حكومة الخرطوم لاقامة سد سيكون جاهزا عام 2009، لتغرق تحته شواهد كثيرة لازالت غير مكتشفة، يمكن ان تنهي شواهد عظمة الاولين. لهذا السبب يتسارع الباحثين الى المنطقة لانقاذ مايمكن انقاذه من هذه الكارثة الثقافية لتصبح شاهدا على نوع حضارة السودان اليوم.

    =

    في حضارات الماضي ، ذات الاديان الغير سماوية، لم يكن هناك عنصرية، سواد جلدة بيانتشي لم يكن لها اهمية في اجتياحه التاريخي لمصر، على العكس من اليوم، حيث ان السودانيين بالذات يسمون اهل الجنوب " بالعبيد" لسواد جلدتهم بالمقارنة مع اهل الخرطوم الذي هم بذاتهم سود بالنسبة لبقية العرب. الرسوم القادمة من مصر واليونان وروما تشير الى ان سكان ذلك العصر كانوا واعيين للاختلافات التشريحية بين الاعراق ولكن لايوجد مايشير الى ان هذه الاختلافات كانت تشكل اساسا للتعالي والتفاخر او الاذلال والتمييز. الاحكام العنصرية المسبقة ظهرت في العصور الاسلامية المتوسطة والمتأخرة حيث لون جلد الانسان مرتبط بالعبودية، على الاغلب بسبب ان افريقيا كانت المصدر الرئيسي لخطف البشر وبيعهم في سوق النخاسة في الدول الاسلامية و المسيحية.

    في السنوات الاخيرة جرى اكتشاف بقايا هرم ومعبد لحضارة تسمى كوش. هذا كان مايطلق على النوبة العليا عام 2000 قبل الميلاد وفيما بعد اصبح يطلق على جميع انحاء النوبة. الكثير من الباحثين الهواة كانوا يسعون لإكتشاف ثروات مثل الطبيب الايطالي Giuseppe Ferlini, الذي لجأ الى إزالة قمة احد الاهرامات وجعل الكثيرين يسيرون على خطاه.


    =

    عالم المصريات George Reisner من جامعة هارفارد الامريكية ، وهو الذي اكتشف عام 1916-1919 الدلائل الاولى على ان ملوك النوبة حكموا مصر، اثار قضية ان الافارقة السود لم يكن بإمكانهم ، تحت اي من الظروف، القيام ببناء النصب الذي استخرجه من بين الركام. لقد ادعى بإصرار ان قادة النوبة كانوا مصريين ذو اصول ليبية وجلد فاتح، كانوا يحكمون الافريقيين السود البدائيين. إضافة الى ذلك اشار الى ان فترة حكمهم كانت قصيرة للغاية لكون قادتهم تزوجوا من " عناصر سود". على مر بضعة سنوات كان المؤرخين الاوروبيين يضعون استنتاجاتهم في إطار: إما ان قادة النوبة كانوا من البيض، او انهم من السود الذين نسخوا تجربة المصريين البيض وحضارتهم.

    في كلا الحالات كان الجميع يتناسون دراسة تاريخ النوبة اولا، الامر الذي كان يعكس الانبهار بالحضارة المصرية التي اعمتهم عن رؤية بقية الحضارات والجهل بتاريخ افريقيا الانساني. هذا الامر عكسه بعمق الاثاري السويسري Charles Bonner عندما قال:" انت مجنون، لايوجد تاريخ في افريقيا، التاريخ يوجد في مصر فحسب".

    =


    في الستينات وبعد إكتشاف بضعة لقى في منطقة اسوان، في الحملة لانقاذ الاثار من فيضان السد العالي، بدأ العلماء يغيرون قناعاتهم. عام 2003 اكتشف Charles Bonnet سبعة تماثيل طويلة لفراعنة ذو ملامح افريقية في المدينة القديمة كيرما Kerma. قبل ذلك كانت الحفريات قد دلت ان المنطقة كان فيها مدينة اقدم وتملك مناطق واسعة من البساتين. المنطقة سميت "الممر الى افريقيا"، لكون سكان المدينة تاجروا بالذهب والعاج وجلود الحيوان والبخور. لقد كانت مملكة مستقلة عن مصر وتملك طابعها المعماري والطقوسي الخاص. هذه الحضارة الغريبة كانت موجودة في وقت انهيار الاسرة المتوسطة حوالي 1785 قبل الميلاد. عام 1500 قبل الميلاد تمكنت السلطة النوبية ان تمتد سلطتها الى مابين شلال النيل الثاني والخامس .



    قسم من علماء المصريات يدعون ان جميع الفراعنة المصريين ، من توت عنخ آمون الى كليوبترا، كانوا ذو اصول افريقية. غير ان تحليل الفترة الذهبية للعصر الافريقي في صحراء النوبة لايقدم دعم لمثل هذا الادعاء. إضافة الى ذلك فإن الدلائل ان مملكة النوبة ليست فقط كانت مزدهرة ولكن، وفي بعض الاوقات، كانت تأثيرها واضحا على المنطقة بأسرها. من الواضح انه كانت يجري زواج بين عائلات كلا المملكتين بين النوبة ومصر. البعض يعتقد ان جدة توت عنخ آمون الملكة المعروفة بإسم Teje, وتنتمي الى العائلة الثامنة عشر، كانت ذو اصول نوبية، الامر الذي قد يفسر الملامح الافريقية الواضحة لاخناتون وتوت عنخ آمون.


    المصريين لم يكونوا راضين ان يكون بجوارهم مملكة قوية، خصوصا وانها تسيطر على مناجم الذهب الذي يحتاجوه من اجل تمويل حملاتهم على اسيا. لهذا السبب ارسل فراعنة العائلة الثامنة عشر (1539-1292 قبل المسيح) جيشهم من اجل احتلال النوبة والمناطق المعمورة على طول مجرى النيل. بعد ذلك وضعوا ابناء النوبة كأداريين على المناطق وارسلوا ابناء الشخصيات المختارة الى طيبة من اجل تعليمهم الثقافة المصرية. نخبة اهل النوبة تلقفت العلوم والثقافة والديانة المصرية، واصبحوا يتوجهون بالدعاء الى الالهة المصرية، بما فيهم الى الاله آمون، واستخدموا اللغة المصرية وطقوس الدفن المصرية وفيما بعد اصبحوا يبنون اهرامات على النمط المصري. يمكن القول ان سكان النوبة هم الشعب الاول الذي استمصر تحت ضغط الاعجاب بالثقافة المصرية الآخاذة.





    =



    =


    في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر كان الاختصاصيين بالمصريات يعتقدون ان اقتباس النوبيين من المصريين دليل على ضعف الالهام الخاص، غير اننا نعلم اليوم ان الامر لم يكن كذلك، لقد كان للنوبيين قدرة فذة على قرأة الحدث الجيوسياسي. في القرن 700 قبل الميلاد كانت مصر ممزقة بفضل المعارك مع القادة الليبين في الشمال، الذين اقتبسوا العادات الفرعونية من اجل ان يتسللوا الى قيادة مصر بدون اعتراض. ولكن عندما وصلوا الى السلطة ضعف اهتمامهم بالطقوس الموجهة الى آمون. هذا الامر اقلق علماء الدين من كهنة الكرنك خوفا من ان تضرر الحياة الاخرة. ولكن من القادر على إعادة مصر الى عظمتها بتقاليدها الاصلية التي أعزها آمون بها، والتي لاعزة لمصر بدونها؟ الجواب كان موجودا في الجنوب

    =


    حسب تعبير عالم المصريات Timothy Kendall, فإن شعب النوبة الذي كان يعيش في الجنوب، كان يمارس الطقوس الروحية للمصريين بدون ان يكونوا قد زاروا مصر في السابق. هذا الامر يجعل النوبة مخزنا للتقاليد الصافية، اي بتعبير اليوم: "كاثوليكية اكثر من البابا".


    =

    .
    =




    =


    =


    تحت سيطرة النوبيين عادت مصر الى مصريتها من جديد. عندما مات بيناتشي عام 715 قبل الميلاد قام اخوه، شاباكا، Shabaka, بتثبيت الاسرة الخامسة والعشرين من خلال الانتقال للسكن في العاصمة المصرية ممفيس. تماما مثل اخيه المتوفي كان شاباكا من المؤمنين بالديانة والطقوس المصرية التي حافظت على الشخصية المصرية، ولذلك تسمى بإسم بيبي Pepi II, وهو اسم احد الفراعنة من الاسرة السادسة، تماما كما قام شقيقه المتوفي بالتسمي بإسم ثوت موسيس، Thutmosis II. في عهد شاباكا لم يجري قتل الاعداء وانما اجبروا على العمل في مشاريع السدود والري، للحماية من طوفان النيل. إضافة لذلك قام بتحسين طيبة ومعبد الاقصر. في الاقصر ارتفع تمثال له من الجرانيت الاحمر وهو يحمل تاجه الكوشي مع حيتين تعبيرا عن انه الملك الحق فوق مصر.



    في الشرق كان الاشوريين يبنون إمبراطوريتهم. في عام 701 اجتاحوا دولة يهودا، عندها قرر النوبيين الرد. قرب مدينة Eltekeh ، قرب تل ابيب اليوم، التقى الجيشان. وبالرغم من ان قيصر الاشوريين Sanherib, سنحاريب، كان قد اعلن انتصاره على المصريين بكل افتخار، إلا ان حقيقة ان بقاء الامير النوبي، ابن الفرعون بيانتشي، على قيد الحياة يدل على ان الانتصار لم يكن ساحقا.

    عندما غادر الاشوريين المدينة وتوجهوا الى اورشليم كان قائدها Hiskia, يتأمل ان حلفائه المصريين سيقدمون لنجدته. في العهد القديم يمكن قراءة رد الاشوريين المستهزء بهذه الاماني:" انت تثق بدعم من مصر، هذه العصا المكسورة التي تتدخل في اليد وتثقبها عندما يقوم المرء بالارتكاز عليها. هكذا هو حال فرعون مصر لمن يحلم بدعمه ومساندته".






    وهنا يخبرنا التوراة بحدوث معجزة: قوات الاشوريين تنسحب. هل انتشر الطاعون ( ام اصابتهم حجارة من سجيل) فأجبروا على الانسحاب؟ ام انه وصلهم خبر ان الامير النوبي يتوجه اليهم بجيشه الى اورشليم، الامر الذي لم يكن من ضمن حساباتهم؟ الامر الوحيد الذي نعلمه عن ثقة ان سنحاريب رفع الحصار عن اورشليم وعاد الى بلاده ليقتل هناك، بيد ابناءه بعد ثمانية عشرة عاما.

    =

    عودة الاشوريين، وتخليهم عن اورشليم لعب دورا هائلا في تاريخ المنطقة والعالم، إذ ان اليهودية حصلت على مئة عام اخرى من اجل ترسيخ جذورها في ادمغة الناس، الى ان جاء الملك البابلي نبوخذنصر لسبيهم. ولكن الوقت كان قد فات على انتزاع اليهودية من عقول الناس، الامر الذي مهد لظهور المسيحية ومن بعدها الاسلام على قاعدة الفكر اليهودي الاخناتوني.


    =

    في خضم كل هذه الاحداث كان من السهل عدم الانتباه الى الامير النوبي الذي تمكن من البقاء حيا في موقعة Eltekeh. الاشورين كانوا يسمون هذا الامير الشديد:" ذلك الذي كان غضبه اكبر من غضب كبار الالهة". هذا الامير كان ابن بيناتشيا واسمه تاهركا Taharka. كان نفوذه في مصر طاغي الى درجة انه حتى اعداءه لم يتمكنوا من إزالة آثاره بعد مماته. عندما كان الانسان يبحر من نيباتا Nepata, في اعالي النيل الى مدينة طيبة، كان بالامكان رؤية مجموعة من النصب النادرة. في جميع انحاء مصر ارتفعت تماثيله وجدارياته ورسومه واسماءه الحسنى. العديد منهم لازالوا موجودين في متاحف العالم. صوره تظهره الى جانب الاله آمون. معطم التماثيل جرى تدميرها من قبل اعداءه. في اغلب التماثيل نرى انه قد جرى تحطيم انفه من اجل إبعاد خطر عودته، حسب المعتقدات في ذلك الزمان. ومهما كان الامر فإن جميع صوره تظهر مدى الثقة واليقين الذي يشع منه.

    مع هذا التطور للاحداث يكون والده الفرعون نيباتشي قد حقق حلمه بإعادة مجد مصر وتقاليدها. اخوه الفرعون شاباكا رسخ اقدام العائلة بالانتقال الى ممفيس، ولكن ماقام به الفرعون الثالث taharka ، الذي تنصب على عرش مصر عام 690 قبل الميلاد، كان هو الاعظم. لقد اعاد المجد الحضاري والعسكري لمصر ووطد حدودها، وحقق وحدة النوبة ومصر لمدة 26 عاما.

    =


    =


    =


    =


    نجاحات تاهاركا ساعدتها ليست فقط مواهبه ولكن ايضا الظروف التاريخية المؤاتية. الجماعات المسلحة في منطقة الدلتا كانوا قد فقدوا قدرتهم على الاستمرار واستسلموا. الاشوريين لم يعد يريدون الدخول بحروب مع تاهاركا بعدما فشلوا في القضاء عليه قرب اورشليم. مصر اصبحت له وحده بدون منازع. إضافة الى ذلك جاء فيضان النيل في السنة السابعة من حكمه في وقت مناسب، حيث ادى الى تأمين محصول كبير من الحبوب، بدون ان يرتفع عن مستوى الحواجز الترابية التي تحمي القرى من الغرق. إضافة الى ذلك تذكر الوثائق الملكية ان الفيضان كان كافيا للقضاء على الجرذان والثعابين. هذا الامر اعتبره المصريين ان الاله آمون راضي عن حبيبه تاهاركا واجاب له دعواته وصلواته بالاستسقاء والعافية ودل على ان المصريين على صراط مستقيم، الامر الذي ضمن له قلوب المصريين. هذا الاسلوب في الاستنتاج فعال ولازال يستعمل حتى اليوم للتأثير على العامة واخضاعهم.

    =


    .=


    .=


    تاهاركا لم يقف متفرجا على الظروف التي لعبت الى جانبه بل استخدمها بنشاط. لهذا السبب بدأ مشاريعه المعمارية الضخمة والواسعة، حيث يظهر بوضوح ان مصر في حوالي 1500 قبل الميلاد كانت في مرحلة ثورة معمارية. طيبة ونبطة حصلوا على حصة الاسد من هذه الثورة المعمارية. اليوم يوجد عامو واحد باقي منتصب امام معبد الكرنك قرب طيبة. لقد كان في السابق واحد من عشرة يؤلفون جزء من بناء هائل اضيف الى معبد آمون العظيم. إضافة الى ذلك كان قد بنى العشرات الابنية الثانوية ورفع العديد من التماثيل التي تجسده وتجسد امه الحبية، ابار Abar. كل ذلك بدون ان يخرب اي شئ من التصميم السابق للمعابد، ومع ذلك تمكن من طبعهم بطابعه.

    في اعالي النيل و، في مدينة طيبة النوبية قام تاهاركا بعمل الشئ نفسه. قرب المدينة يوجد جبل مقدس هو جبل بركال، jebel Barkal, حيث كان يعتبر من قبل فراعنة الاسر الحديثة على انه مكان ولادة الاله آمون.

    =

    هذا الجبل مشهور بقممه المدهشة التي تشبه البطن الحامل ولذلك ترمز للخصب والعطاء. وبإعتبار ان تاهاركا كان يقدم نفسه على انه وريث فراعنة العصر الاخير، لذلك امر ببناء معبدين على سفح الجبل من اجل تعظيم زوجة الاله آمون. على قمة جبل بركال، الذي كانت ترابه مغطى برقائق ذهبية من اجل اثارة الدهشة لدى الناظرين، امر الفرعون بحفر اسمه على صخور الجبل.

    تجارة الخشب القادمة من السواحل الليبية كانت تؤمن لتاهاركا حاجته من خشب البناء. عندما حاول الملك الاشوري آشورهادون، Assarhaddon, قطع هذا الطريق ارسل تاهاركا جيشه على الفور لدعم الانتفاضات ضد الملك الاشوري. وعندما تمكن الملك الاشوري من القضاء على الانتفاضات عام 674 قبل الميلاد، ارسل جيشه للانتقام من تاهاركا، غير ان جيش مصر تمكن من ايقافهم واجبارهم على العودة.

    =

    نشوة النصر اجتاحت تاهاركا، وقام بإبرام تحالفات مع العديد من مناطق الساحل السوري لعصيان الاشوريين. عام 671 قبل الميلاد تمكن الاشوريين من القضاء على التمردات، وتابعوا مسيرتهم في صحراء سيناء بإتجاه دلتا مصر. تاهاركا وجيشه كانوا في الانتظار وبدأت حرب شعواء بين الطرفين استمرت 15 يوم. وبالرغم من ان جيش الاشوريين اجبر النوبيين على التراجع الى ممفيس، الا ان آشرهادون اضطر الى الاعتراف " بالمعارك الدموية" والمقاومة الشرسة للنوبيين. تاهاركا اصيب بالجراح خمسة مرات ولكنه تمكن من الانسحاب وترك ممفيس حيا. الملك المنتصر قام، حسب عادته في جميع حروبه، بقتل السكان المدنيين وتعليق رؤوسسهم على الاعمدة. آشرهادون كتب في صحفه فيما بعد انه " اخذ زوجته، وحريمه ووريثه Ushankhuru, وجميع بناته وابناءه، واملاكه وذهبه والكثير من خيوله وبقره وخرافه واخذتهم معي الى اشور. لقد انتزعت كورش من جذوره في مصر". من اجل إبقاء صورة تاهاركا في حالة اذلال امر آشرهادون برسم لوحة جدارية يظهر فيها ابن تاهاركا وهو راكع امام الاشوريين ومربوط على رقبته حبل.

    تارهاركا تمكن من الفرار. وفي عام 669 قبل الميلاد مات الملك الاشوري في طريقه الى اشور بعد ان علم ان النوبيين نجحوا في إستعادة ممفيس. على راس ملك جديد قام الاشوريين بالعودة ومهاجمة النوبيين مرة اخرى، هذه المرة مع قوات إضافية جلبوها من المقاطعات التي انتفضت عليها في الساحل السوري. تاهاركا لم يكن يملك اي فرصة للفوز فهرب الى مدينة نابارا Nabara, في الجنوب ولم يراه احد في مصر بعد ذلك ابدا.
    .
    =


    =


    غير ان من دلائل شعبيته انه حافظ على السلطة بالرغم من انه اضطر لترك ممفيس مرتين. لااحد يعلم كيف قضى سنواته الاخيرة، بغض النظر عن محاولة مميزة اخيرة. لقد اختار ان يتم دفنه في اهرام، تماما كما فعل والده. ولكنه لم يختار المقبرة الملكية الواقعة في El Kurru, التي دفن فيها من سبقوه من ملوك النوبة. لقد اختار مكان واقع في الجهة الاخرى من النيل، Nuri. عالم المصريات Timothy Kendall, يعتقد ان خياره هذا لربما يعود الى رغبته في ان شروق الشمس، من جبل البركال، في يوم السنة الجديدة حسب التقويم المصري القديم، ستلقي اشعتها على اهرامه وبذلك سيتذكره الناس الى الابد بالعلاقة مع اعادة احياء الدين المصري، سبب عزة مصر وامجادها.

    =



    =


    =



    ....=



    =



    . =



    =
    .



    =


    .
    =






    يتبع



  • #2
    فصول منسية من التاريخ



    = 350) this.width = 350; return false;">


    الـــفراعنــة الســـود




    هل واجهت المملكة السمراء ما واجهته أتلانتس؟


    ثلاثة أرباع قرن من الزمان هي الفترة التي حمل فيها أبناء النوبة لقب "فرعون"
    وحكموا مصر خلال تلك الفترة التي ظلت مجهولة بالنسبة للمؤرخين إلى أن خرجت إلى النور على استحياء أثناء عمليات إنقاذ آثار النوبة عند بناء السد العالي.
    وتكرر الحديث عن هذا التاريخ بعد أن ظهرت مدى أهميته مع بناء سد مروي الذي ينتهي خلال عام
    ويعيد نفس الحديث عن مخاطر تهدد بإغراق النوبة للمرة الثانية لتكون مثل أتلانتس التي غرقت ومعها أسرارها.
    ولكن النوبة تختلف أنها قد أفصحت عن بعض أسرارها في مرحلة تعد فصلاً مطوياً من التاريخ.
    *****
    * أطلق مصطلح "الفراعنة السود" على ملوك النوبة الذين حكموا مصر خلال 75 سنة وسموا بالأسرة الخامسة والعشرين.
    وقد اهتمت مجلة National Geographic بهذا الموضوع وقدمت ملفاً كاملاً في عدد شهر فبراير يكشف الكثير من أسرار تلك الفترة الثرية.


    استطاع علماء الآثار أن يتتبعوا تأثير هؤلاء الحكام ليس على مصر فحسب بل على القارة بأسرها نظرا لأن النوبة تعد حلقة الوصل بين الشمال وبين بقية القارة السمراء,
    فقد نجحوا في توحيد مصر التي مزقتها الانقسامات شر ممزق وقاموا بإعمارها من جديد وعملوا على تشييد العديد من الآثار العظيمة.
    وكونوا إمبراطورية قوية مترامية الأطراف تمتد من الحدود الجنوبية للمنطقة التي تقع فيها مدينة الخرطوم حالياً حتى البحر المتوسط شمالاً.

    ولم يقتصر دورهم في التاريخ المصري على مجرد إعادة توحيد وإعمار مصر
    وإنما في حمايتها من خطر الآشوريين كما يفترض بعض العلماء أن لهم نصيباً في حماية أورشليم من خطر الآشوريين.


    وحتى الآن لا يزال المؤرخون يعتقدون أن هناك صفحات مطوية من تاريخ هذه الحقبة المهمة لم يمط عنها اللثام بعد
    فقد كان تاريخ الفراعنة السود مجهولاً حتى نجح علماء الآثار في الخمسين عاماً الماضية فقط من سبر أغوار هذه الأسرة ذات التأثير الكبير في التاريخ المصري..
    وقد أسفرت عمليات التنقيب عن مفاتيح حياة هؤلاء الملوك-الفراعنة.
    وأظهرت أنهم لم يأتوا من العدم أو بمجرد صدفة
    فهم نتاج حضارة إفريقية ازدهرت على ضفتي النيل جنوبا لمدة 2500 سنة مما يجعل فترة ازدهارها تتواكب مع ظهور الأسرة المصرية الأولى.

    ومن أهم الشواهد على حضارة الفراعنة النوبيين تلك الأهرامات التي قاموا بتشييدها في صحراء النوبة.

    = 350) this.width = 350; return false;">

    اهرامات مروى شمال السودان ( النـوبة )

    ويقارن التقرير بين تلك الآثار في السودان ومثيلتها في مصر ومدى التجاهل الإعلامي الدولي الذي تعاني منه الأولى
    حيث أن السودان بالنسبة للعالم لا يعني إلا تغطية أنباء أزمة دارفور من ناحية أو الأزمة في الجنوب من ناحية أخرى.
    كما أن تلك المعالم ليست كلها مفتوحة للزيارة سوى تلك الكائنة في مدن كورو وميرو ونوري.
    وتقف تلك الأهرامات وحيدة في الصحراء بما لا يعبر أبداً عن تلك الحضارة المزدهرة التي قامت بتشييدها.

    [IMG]http://www.bakranqara.com/wp-*******/uploads/2010/03/1_975497_1_34.jpg[/IMG]

    النوبة ومصير أتلانتس
    مشروع سد مروي

    وثمة تهديد تواجهه آثار الفراعنة النوبيين ويعيد الغموض ليسيطر على مصيرها.
    ويتمثل هذا التهديد في اتجاه الحكومة السودانية لإقامة سد ضخم على النيل يبعد 600 ميل عن السد العالي في أسوان
    والذي تسبب إنشاؤه في الستينيات في إغراق العديد من القرى النوبية تحت مياه بحيرة ناصر
    (التي تسمى في الجنوب ببحيرة النوبة).
    وبنهاية عام 2009 سيتم الانتهاء من بناء سد مروي ومن المتوقع أن تكون أول نتائج إنشائه أن تقوم البحيرة بامتداد 106 أميال
    بغمر آثار قائمة إضافة لآلاف الأماكن التي لم تكتشف بعد.
    وخلال السنوات التسع الماضية نشط علماء الآثار في رحلاتهم الاستكشافية في تلك المنطقة
    ولم يخفوا الغصة التي يشعرون بها من أن هذه الأرض التي شهدت فترة تاريخية غاية في الأهمية ستلقى نفس مصير أتلانتس.
    إلا أنهم يشيرون إلى أن أتلانتس لم يتأكد بعد مدى واقعيتها بعكس النوبة التي سيتم إغراقها للمرة الثانية
    خلال أقل من نصف قرن حضارة عاشت على أرض الواقع ولا تزال شواهدها تؤكد للعالم بأسره مدى الازدهار الذي وصلت إليه.

    أصــــل الفراعنة

    لم تكن مسألة اللون أو العرق لتشغل البال وقت قيام الغزو التاريخي لأرض مصر على يد ملك النوبة
    (بيــا) الذي يطلق عليه (بعنخي) و (منخبر رع).
    ففي التاريخ القديم كان فنانو مصر واليونان والرومان يبدون اهتماماً واضحاً بكل تفاصيل الجسد لاسيما تلك التي تميز عرقاً عن الآخر, وكذلك بلون البشرة.
    ولكن لا يوجد دليل على أن لون البشرة الأسود كان يضع صاحبه في مرتبة أدنى إذ أن مسألة اللون لم تكن ذات أهمية
    إلا أن هذا تغير منذ احتلال القوات البريطانية قارة أفريقيا في القرن التاسع عشر حين بدأت الدراسات تبدي اهتماماً أكبر بمسألة لون بشرة النوبيين.
    ****
    = 350) this.width = 350; return false;">




    وقد قام المستكشفون بإعلان اكتشاف معابد وأهرامات بديعة التصميم من حطام حضارة قديمة اسمها (كوش).

    وعمل بعضهم على تدمير تلك الآثار بحثاً عن الكنوز
    كما فعل الإيطالي جسيبو فرليني الذي نسف قمم بضعة أهرامات نوبية
    بل إنه دعا الآخرين أن يحذوا حذوه.
    في حين أولى ريتشارد ليبسيوس اهتماماً أكبر بالجانب العلمي,
    وقام بالعديد من الأبحاث إلا أنه خرج بنتيجة اعتبرتها الأوساط العلمية نسفاً لكل أبحاثه نظراً لعدم منطقيتها.
    فقد قرر أن أهل النوبة ذوو أصول قوقازية.
    ونفس الأمر للعالم الشهير جورج ريسنر الذي يعد أول من قدم دليلاً على أن ملوك النوبة الذين حكموا مصر
    إلا أنه عاد وأعلن أن النوبيين ليسوا هم من قام بتشييد الآثار التي أسهم في اكتشافها.
    وكان يؤمن أن حكام النوبة الذين حكموا مصر لم يكونوا أصحاب بشرة سوداء بل بشرة فاتحة فهم من أصول مصرية-ليبية.
    وقد قامت هذه الطبقة بحكم الشعوب البدائية من الزنوج في تلك المنطقة وسرعان ما اختلطوا بهم فاكتسبوا الملامح المميزة لهم.
    وقد ذهب بعض علماء المصريات المهتمين بالناحية التشريحية إلى أن قدماء المصريين بصفة عامة كانوا أفارقة ذوي بشرة سوداء

    بدءاً من توت عنخ آمون إلى كليوباترا مدللين على ذلك بما زعمه البعض أن الملكة تي جدة الملك توت كانت ابنة لأحد الفراعنة النوبيين وهو ما لم يثبت بعد.


    تجاهل تاريخ قارة
    = 350) this.width = 350; return false;">

    ويبدو تجاهل فترة حكم النوبيين مصر في عدم تعرض المؤرخين لهذه المرحلة المهمة من التاريخ القديم ففي كتاب
    "عندما حكمت مصر المشرق"
    الذي قام بتأليفه عدد من علماء المصريات الأوربيين 1942
    لم يتم التعرض للأسرة النوبية التي حكمت مصر ولا لمؤسسها (بيا)
    إلا بثلاث جمل فحسب تخلص إلى أن تأثيرها تلاشى سريعاً.
    وقد تسبب هذا التجاهل في جهل العالم بحقبة مهمة من التاريخ إضافة إلى الجهل بحضارة قارة كاملة

    ظلت لقرون في دائرة النسيان حتى أن العالم السويسري الشهير تشارلز بونيه
    يقول إنه تعرض للاتهام بالجنون عندما أعلن أنه سيدرس حضارة النوبة.


    ولم تتغير تلك النظرة إلا منذ حوالي أقل من خمسين عاماً في إطار الحملة الدولية لإنقاذ آثار النوبة قبيل إنشاء السد العالي
    وذلك بالاكتشافات المتعاقبة لقطع تنتمي لحضارة النوبة القديمة,
    ومن هنا بدأ اهتمام المستكشفين بتلك البقعة الثرية.


    وتمضي السنوات ليأتي تشارلز بونيه في 2003 بعد أن أمضى أربعة عقود من الأبحاث
    ليعلن الكشف عن سبعة تماثيل حجرية لفراعنة نوبيين بعد عشرات السنين من التنقيب
    أسفرت عن التوصل للعديد من الحقائق عن أصحاب تلك الحضارة.
    ومن ذلك أنها كانت تعتبر مركزاً زراعياً مهماً بما فيها من حقول غنية وإنتاج حيواني.
    كما أن أهل النوبة كانوا في قمة الثراء نتيجة تجارتهم في الذهب والأبنوس والعاج.
    ويخلص بونيه إلى أن تلك المملكة كانت بمعزل عن مصر وأن لها طابعا مميزاً إضافة لاختلاف الطقوس الجنائزية.
    ويؤكد أن هذه الحضارة كانت في أوجها عندما انتهت المملكة الوسطى في مصر بين عامي 1785 – 1500 ق.م.


    = 350) this.width = 350; return false;">

    التماثيل التى اكتشفها تشارلز بونيه



    بين الحرب والحب

    يعد العالم السويسري أن (كرمة) عاصمة مملكة كوش هي أول مدينة حضرية أنشئت على ضفاف النيل قبل 27 قرناً من الزمان.
    وقامت بها حضارة هائلة إلى أن تمكن الفرعون بساماتيك من تدميرها بعد أن سيطر على منطقة النوبة في عام 664 ق.م ولهذا لم توجد تماثيل واضحة للفراعنة السود.
    وجاء هذا في ظل النزاعات التي كانت تنشب بين النوبة ومصر.
    ويرجع المؤرخون هذا إلى أن المصريين لم يرق لهم وجود مملكة بهذه القوة في الجوار خاصة أن ملوك النوبة استغلوا مناجم الذهب الموجودة في أراضيهم
    في مد نفوذهم إلى غرب آسيا وهو ما رآه الفراعنة خطراً محدقاً عليهم فقاموا على أثر هذا بتشييد القلاع والحصون على امتداد مجرى النيل.
    كما قامت الأسرة الثامنة عشرة بإرسال الجيوش لغزو بلاد النوبة بهدف تأمين طرق التجارة التي تربط مصر بقارة أفريقيا
    وتمر عبر أراضي النوبة إضافة للرغبة في الاستيلاء على ثروات النوبة.

    ولكن العلاقة بين البلدين لم تكن حروباً على الدوام فالتاريخ يسجل أن حالة من الانسجام سادت الحياة بين الشعبين
    حتى أن أهل النوبة كانوا من أوائل الذين كان لديهم وله بكل ما هو مصري
    Egyptomania -بحسب ناشيونال جيوغرافيك-
    ومن هذا أن العديد من النوبيين قد تولوا مناصب مهمة في مصر ,
    وآثر أهل النوبة الانخراط في الحياة الاجتماعية المصرية وكذلك المعتقدات فقد عبدوا الإله آمون.
    ومن تلك المظاهر استخدامهم اللغة المصرية القديمة واتباعهم الأسلوب المصري في الدفن بديلاً عن الطريقة النوبية
    التي تقوم على وضع الميت في حفرة بيضاوية الشكل بحيث يرقد على جنبه الأيمن ويكون في وضع الجنين ويتجه إلى الغرب.

    وقد اعتبر المؤرخون في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين أن هذا دليل على الضعف.
    ولكن المعلومات التي توافرت عن تلك الفترة فيما بعد أثبتت أن العلاقة بين الطرفين كانت طيبة لأبعد حد
    لدرجة أن عالم الآثار تيموثي كيندال يذهب إلى أن الكهنة المصريين هم من طلب العون من ملوك النوبة
    لكي يعيدوا لمصر مكانتها السابقة.


    السودان «جنة علماء الآثار»


    وصفت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية السودان بأنه «بلد الفراعنة السود» وأنه يظل منجم ذهب لعلماء الآثار لم يُكتشف منه سوى القليل.
    وذكرت الصحيفة في تقرير لها امس أن صحراء النوبة بشمال السودان تُخبئ في رمالها أسرارا تضارع ما باحت به مصر القديمة. وقال رئيس قسم الآثار بمتحف اللوفر في باريس غويمات أندرو إن الأهرامات في مروي بشمال السودان ذات جمال ساحر، في مشهد يزيده روعةً وجودُها منفردة فوق كثبان الرمال وتحت وهج الشمس. وبأن ذلك المشهد هو ما يفرِّق بينها وبين الأهرامات المصرية التي يحجب بعضَ جمالها كثرة السياح.
    ونقلت صحيفة المستقبل اللبنانية ذات التقرير الذي تناولتة التلغراف معددة ماثر التنقيب عن الاثار في السودان والذي حوى العديد من المعلومان عن المناطق الاثرية :
    وتقع مروي على بعد 200 كلم شمال شرق العاصمة الخرطوم، وكانت عاصمة كوش وهي مملكة قديمة تعرف أيضا باسم مملكة النوبة على ضفاف نهر النيل. وكانت كوش إحدى الحضارات الأولى التي نشأت في وادي النيل والتي سيطرت عليها مصر في بادئ الأمر غير أن النوبيين نالوا أخيرا استقلالهم واستطاعوا بسط سيطرتهم على كل وادي النيل طوال قرن من الزمان، قبل أن يُرغموا على التراجع إلى ما يُعرف الآن بالسودان.
    وسيقيم متحف اللوفر نهاية مارس الجاري معرضا حول السلالة التي حكمت مروي وهي آخر الأُسر من «الفراعنة السود» الذين حكموا كوش لأكثر من ألف عام إلى أن انهارت مملكتهم عام 350 قبل الميلاد.
    ولمروي ثلاثة مدافن تحتوي على ما يربو على المئة هرم تصغر أهرامات مصر في الحجم، ويبلغ طول أكبرها ثلاثين مترا (98 قدما)، وزواياه شديدة الانحدار تصل حدة بعضها إلى 70 درجة. ورغم التنقيب الشامل عن الآثار في تلك الأهرامات التي أفصحت عن كنوز من المعرفة بالثقافة الكوشية، فإن العديد من جوانب حضارة كوش ما تزال تلفها الأسرار.
    وقد استطاع فريق علماء الآثار أخيرا من اكتشاف تمثال -يزن طنا واحدا- للملك تهراقا، أشهر «الفراعنة السود» والذي حكم في القرن السابع قبل الميلاد.
    ويصف صالح محمد أحمد نائب مدير هيئة الآثار السودانية مصر بأنها بلد رائع وهائل لكن السودان جنة علماء الآثار «فكلما نقّبت فيه فإنك تكتب صفحة جديدة في تاريخ هذا البلد» مضيفا أن 30 فريقا فقط من الآثاريين يعملون في السودان مقارنة بأكثر من ألف فريق في مصر الجارة الشمالية.


    وكان الليبيون يحكمون الشمال في القرن الثامن قبل الميلاد وكانوا يتظاهرون بعبادة الآلهة المصرية ويقدمون لها فروض الطاعة وذلك لمجرد نيل الشرعية،
    وكانوا سرعان ما ينقلبون على هذا بمجرد تولي السلطة حيث يرجعون عن ولائهم الزائف.
    وأخذ الكهنة المصريون يبحثون عن حكام أقوياء يخلصونهم من هؤلاء ولا ينقلبون على آلهتهم.
    ولم يجدوا خيراً من ملوك النوبة الذين أعادوا لمصر استقرارها دون أن يتدخلوا في شؤون المصريين وشعائرهم بأي حال من الأحوال.
    ويرى كيندل أن النوبيين بذلوا جهوداً حقيقية لإعادة الاستقرار لمصر دون انتظار مقابل.

    حملة لإنقاذ الشمال


    = 350) this.width = 350; return false;">


    يعد الفرعون (بيا) هو الأب الروحي للأسرة الخامسة والعشرين والتي تمثل فترة ظهور الفراعنة النوبيين.
    وفي عام 730 قرر أن غزو مصر هو أفضل طريقة لحمايتها من الانقسامات التي كادت تعصف بها وأودت بها إلى حالة غير مسبوقة من الوهن والضعف.
    وبالفعل أعد العدة لغزو مصر, وتسجل الآثار التي تركها الخطبة التي ألقاها أمام قواد الجيش قبيل التحرك شمالاً وأوضح خلالها أن استقرار البلاد يقبع تحت أسنة سيوفهم ورماحهم.



    وقد كانت مصر خلال تلك الفترة في حالة من الانفلات خاصة بعد أن سادت الخلافات بين الأمراء الذين سعى كل منهم لمحاولة الاستقلال بالجزء الذي يتولى إدارته مما وضع البلاد في حالة من التفتت
    تهدد بسقوط تلك الحضارة التي قدمت للبشرية إسهامات لا تنكر.
    وخلال عشرين عاماً لم يكتف الملك النوبي بحكم النوبة بل اعتبر نفسه الحاكم الفعلي لمصر والوريث الشرعي للمكانة الروحية التي يحتلها
    الفراعنة لدى الشعب.

    إلا أن إقامة (بيا) في مملكته دون زيارته الإقليم الشمالي قط قللت بعض الشيء من إعلانه تنصيب نفسه حاكماً للبلاد ولم يؤخذ كلامه مأخذ الجد.
    لكن مجريات الأمور أثبتت أن الملك النوبي لم يكن عابثاً عندما أعلن هذا,
    وأنه يعني كل كلمة تفوه بها. وتنقل عنه الكتابات التي خلفها قوله
    : "ستدرك مصر أنني جاد في إصراري على وضع بصمة لا تنسى من تاريخها".

    وبدأت قواته تزحف شمالاً متجهة إلى طيبة –الأقصر حالياً-
    جاعلة منها نقطة انطلاق نحو غزو مصر.
    وقد أمر جنوده باتباع طقوس معينة تؤكد ولاء الجيش النوبي للإله آمون فقد كان (بيا) يعلن عبادته لآمون,
    وكانت تعليماته تنص على أن يقوم الجنود بتطهير أنفسهم قبل بدء الحملة وذلك بالنزول في نهر النيل

    بعد أن يرتدوا ملابس فخمة ويتوجهوا إلى البحيرة المقدسة في معبد الكرنك التي يمدها النيل بالمياه عبر قناة صغيرة.
    وجاء اختياره معبد الكرنك أكبر معبد جنائزي في العالم لأنه مكان عبادة آمون.
    ولم يقتصر الأمر على الجنود بل إنه قام أيضاً بالاحتفال معهم وقدم قرابين للإله آمون.
    وبمجرد انتهاء تلك الطقوس بدأت الحملة العسكرية في التحرك قاضية على أي جيش تواجهه في طريقها فتحقق له السيطرة على طيبة
    إضافة إلى سلطان اسمي على مصر الوسطي –بني سويف حالياً-.
    وسرعان ما تناقل قادة القوات المصرية تلك الأنباء وسرى الرعب في أوصالهم خاصة بعد أن رأوا هذا الجيش القوي
    لم تنجح أية قوات في التعامل معه إذ كانوا يطلقون على النوبة اسم (تا سيتي) وتعني أرض النبال نظراً لمهارة النوبيين في فنون الحرب.
    ولم تفلح محاولة إقامة تحالفات لصد الهجوم النوبي.
    وبنهاية العام خضع جميع الولاة في مصر للملك النوبي بما فيهم (تف نخت) أحد ملوك الأسرة الرابعة والعشرين رغم قوة إقليم الدلتا.
    وتسجل الكتابات المصرية القديمة رسالة من تف نخت الذي اضطر للاختباء في مستنقعات الدلتا إلى (بيا) جاء فيها
    : "كن رحيماً بنا؛ فأنا لا أجرؤ على رفع وجهي أمامك في أيام العار تلك؛ ولا أستطيع أن أقف أمام غبار خيولك. وها أنا أطلب عفوك".
    ووصل الأمر إلى أن حكام المناطق التي دخلها الملك النوبي الطموح سعوا للتقرب إليه فعرضوا عليه أن يصلي في معابدهم
    كما قدموا إليه المجوهرات القيمة وتنازلوا له عن خيولهم ذات السلالات النقية.
    ومن جانبه عمل على تعزيز وضع الأسرة النوبية عن طريق السيطرة الدينية أجبر الزوجة البشرية للإله آمون شبن-أوبت
    ابنة أحد ملوك الأسرة الثالثة والعشرين على تبني أخته أمنريدس.

    العودة إلى الوطن

    مملكة كرمة .. مغمورة تحت الرمال


    تم تتويجه "سيد القطرين" وسرعان ما حمل له الشعب مشاعر التقدير ولم ينظروا إليه كغازٍ حيث أنه لم يلجأ لإحداث أية تغييرات في أي جانب من جوانب حياتهم.
    ولكن الملك النوبي –الفرعون الجديد- اتخذ قراراً مفاجئاً لا يزال المؤرخون يجهلون سبب الإقدام عليه
    معتبرين أنه قرار غير عادي بالمرة إذ قرر أن يتجه جنوباً عائداً إلى أرض النوبة
    ولم يذكر التاريخ أنه عاد إلى مصر مرة أخرى.

    رأى بعض المؤرخين أن عودته إلى مملكته ربما كانت خوفاً من حدوث أية انقلابات قد يتعرض لها في مصر.
    ولكن غالبية دارسي تلك الفترة يجزمون أنه استطاع تقليم أظافر أية قوة مسلحة خلال حملته العسكرية
    التي لم تستغرق سوى عام واحد كان كفيلاً بإخضاع أقوى الحكام؛
    كما أنه تمكن –خلال فترة وجيزة- أن يغير نظرة المصريين إليه،
    فقد اعدوه مخلصاً من الوضع السيئ الذي كانت عليه البلاد, بل ذهب بعض المؤرخين إلى أن الشعب رأى فيه بارقة أمل في توحيد البلاد
    التي عانت حالة من التمزق لم تشهدها من قبل. لكنه كان يرى (نباتا) هي عاصمة ملكه ولم يكن يريد حكم مصر بنفسه.
    وعندما مات الفرعون (بيا) عام 715 ق.م في النوبة بعد فترة حكم استمرت 35 عاماً
    تم تنفيذ وصيته التي نصت على أن يدفن كما يدفن
    الفراعنة في مصر
    بوضعه في أحد الأهرامات التي شيدها في النوبة,
    وأن يوضع بالقرب منه أربعة من أحب الخيول إليه
    وتم بالفعل إمضاء وصيته.ويجمع علماء الآثار على أن ثمة خسارة كبيرة تتمثل في عدم وجود صورة كاملة لهذا الفرعون المعجزة.
    وفي المعبد الموجود في (نباتا) عاصمة مملكة النوبة يوجد له تمثال لم يتبق منه سوى رجليه.
    ولم يؤد هذا التمثال إلا إلى التأكد من معلومة واحدة وهي أن هذا الفرعون كانت بشرته سوداء
    وهو الدليل الذي دحض أية شكوك عن وجود أسرة فرعونية جاءت من النوبة حكمت مصر.
    وبهذا يعد (بيا) أول حكام مصر الذين أطلق عليهم اسم "الفراعنة السود" بفضل حملته العسكرية الناجحة
    التي مهد فيها لتلك الحقبة التي حكم فيها ملوك النوبة مصر.
    كما يكون بذلك الملك-الفرعون وهنا تجدر الإشارة إلى خطأ شائع في إطلاق لفظ "فراعنة" على عموم قدماء المصريين
    فاللفظ يقتصر على الحكام الذين ينالون مباركة الآلهة المعبودة آنذاك
    وهو ما فرق به القرآن الكريم بين "فرعون" في قصة موسى و"الملك"
    في قصة يوسف عليهما السلام.

    تعليق

    يعمل...
    X