إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

هنري بورجيه

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • هنري بورجيه



    هنري بورجيه

    هنري بورجيه... اسم لم يحمله اي مرجع من مراجع الفنون , على الرغم من ان صاحبه واحد من ابرع من تعاملو مع الفرشاة و الألوان , في النصف الأول من القرن العشرين ..
    والسبب في هذا عجيب...
    أن (هنري بورجيه ) لم يضع توقيعه على لوحة واحدة من عشرات اللوحات التي رسمها وصنعها في حياته , والتي احتل بعضها جدران أشهر المتاحف الفنية في العالم , لأعوام وأعوام ...
    هذا لأن (هنري ) كان مزوراَ ..
    نعم .. كان ابرع مزور لوحات عرفه التاريخ الحديث ..
    وقصة هنري هذا طريفة وعجيبة , فلم يكن قد تجاوز العاشرة من عمره بعد عندما انتبه والده صاحب متجر العاديات البسيط في ضاحية من ضواحي ( مارسيليا ) ان ولده يملك موهبة فريدة , في نقل واعادة رسم نقوش الخزف الصيني القديم المعروف باسم "المنج" وانبهر (اندريه بورجيه) بما يفعله ولده , وعرض رسومه على عدد من اصدقائه فكانوا منبهرين من ان رسم الصغير غاية في الدقة ويستحيل على الشخص العادي , غير المحترف , تفرقتها عن الرسوم الأصلية لخزف " المنج"..
    وهنا قرر والده ان يضيف الى مهنته كتاجر صغير للعاديات مهنة جديدة , ألا وهي النصب...
    وفي سرية بالغة احضر (اندريه) لولده ( هنري ) مجموعة كاملة من ادوات الرسم الحديثة , وعدد من منتجات الخزف المقلدة, وافرد له حجرة خاصة في المنزل , ودفعه الى انتاج الخزف الصيني الزائف ..
    ومن عام 1904 الى عام 1916 انهمك هنري في تزييف لوحات الخزف الصينية , والشينواه المرسوم على الحرير , وبعض اللوحات الفنية الصغيرة , ثم لم يلبث الشاب ان سئم العمل لحساب والده الذي ازداد ثراء وصار واحد من اغنى بائعي التحف والعاديات, بعد ان انتقل مع اسرته للعيش في العاصمة " باريس " وامتلك هناك متجرا ضخما ومنزلا فاخرا..
    وفي الثانية والعشرين من عمره غادر هنري بيت والده لاخر مرة وانتقل للعيش في شقة صغيرة من طابق مسروق في اعلى منزل قديم من منازل باريس, وقرر ان يعلن نفسه كفنان لأول مرة ..
    وطوال عامين كاملين رسم هنري عددا من لوحاته الخاصة , التي حملت لمسات فرشاته والوانه وقدم اعماله لعدد من نقاد الفن في باريس ولكنهم رفضوا جميعا واعلنوا ان لوحاته متقنه جيدا ولكنها تفتقر إلى الروح الجذابة والعناصر الحيوية المطلوبه ...
    وكان الفشل صدمة عنيفه لهنري الذي نفذت موارده تقريبا ومنعته كرامته الى اللجوء لوالده الثري على الرغم من انه هو من سبب له هذا الثراء ..
    وفي ليلة سالت فيها دماء كرامته الجريحة امسك هنري فرشاته وبدأ يرسم نسخة من احدى لوحات ( مايكل انجلو ) الشهيرة العالقة في ذاكرته وواصل رسمها ليومين متتاليين دون توقف حتى انتهى منها والقى نفسه على الفراش واستغرق في نوم عميق...
    وعندما اسيقظ كان الجوع يعضه بانياب لا تعرف الرحمه فحمل لوحته وقرر بيعها لأقرب متجر من متاجر الفن ليحصل بثمنها على وجبة دسمة تعوض جوع الأيام الماضية ...
    ولكن القدر كان يعد لهنري فرصة اكبر ... فقبل ان يبلغ المتجر بعدة امتار بلغه خبر سرقة اللوحة نفسها ومحاولات الشرطة للعثور عليها نظرا لأنها لا تقدر بثمن ...
    وهنا برزت الفكرة في رأس هنري ...
    وبسرعة عاد الى منزله وهو يحمل اللوحة وقرر ان يحتمل الجوع لبضع ساعات اخرى ثم يحصل على ما يسد رمقه لعدة اسابيع ....
    وفي منزله وضع هنري اللوحة في الفرن وعالجها ببعض الكيماويات في عناية ثم جففها جيدا وتطلع اليها في زهو ..
    كانت تشبه تماما تلك اللوحة القديمة لـ(انجلو)...
    وفي مساء اليوم نفسه كان هنري يبيع اللوحة خلسه بعدة آلاف من الفرنكات لواحد من هواة الفن الذي تصور ان هنري هو سارق اللوحة وانه يبيعه اياها سرا ...
    وعاد هنري الى منزله وهو يكاد ينفجر ضحكا... كانت لعبة العمر بالنسبه له...
    لقد باع اللوحة الزائفة الى شخص لن يمكنه التبليغ عنه اذا ما عرف انها مزورة ...
    وتناول هنري عشاء فاخرا هذه الليلة وكذلك في الأيام التالية ، ولم ينس ان يبتاع مجموعة كاملة من ادوات الرسم والألوان ليبدأ عمله الجديد .... النصب ....
    ولعشر سنوات تالية وحتى عام 1926 ربح هنري ملايين الفرنكات من بيع اللوحات الزائفة لعدد من هواة الفنون الذين تصور لكل منهم انه يمتلك لوحة اصلية من اعمال ( دافنشي )، او (جوجان )، او (فان جوخ )
    وامتلأت نفس المزور الفنان بالثقة خاصة بعد ان باع بعض هواة الفنون لوحاتهم الى بعض المتاحف الفنية الشهيرة ومنها (اللوفر ) بافتراض انها لوحات أصلية دون ان ينجح الخبراء في كشف زيفها ، فبدا هنري مرحة جديدة وهي مرحلة رسم لوحات خاصة لا تمت بصلة للفنانين القدامى مستخدما اسلوب أنجلو مرة واسلوب فرانز مرة اخرى مع تذييل اللوحات بتوقيعات المشاهير ....
    واستقبل سوق الفن هذه اللوحات الجديدة تماما كما استقبل القديمة بكل الترحاب وبدون اي شك ....
    وتمادى هنري اكثر واكثر .....
    ولكن كما يحدث دائما ، كانت هناك سقطة...
    ففي عام 1930 باع هنري احد لوحاته للثري الفرنسي ( دوران )الذي كان في الوقت ذاته خبيرا من خبراء الفنون فلفتت اللوحة انتباهه ولاحظ ان توقيع روبنز يختلف بعض الشيء ففحص اللوحة جيدا واكتشف ان قماشها من طراز حديث لم يكن مستخدما ايام روبنز ..
    وعلى الفور ابلغ دوران الشرطة ....
    وسقط هنري ....
    كانت المفاجأة بالنسبة اليه مذهله فلم يتوقع ابدا سقوطا كهذا ، بعد اربعة عشر عاما من النجاح ، ولكنه اعلن انه يستحق هذا السقوط لأنه تكاسل عن البحث عن القماش المناسب ولأن ثقته بنفسه فاقت الحد المطلوب ...
    واثار سقوط هنري هواة الفن بشدة ، وتسبب في ازعاج رهيب لهم ، فراح كل منهم يعيد فحص لوحاته ، وبدأت المتاحف في مراجعة ما لديها ، وانتهى الأمر الى كشف مئات اللوحات الزائفة في المتاحف العامة والخاصة....
    ومع القاء القبض على هنري اصدرت المحكمة حكمها عليه بالسجن لخمس سنوات ، واستقبل هو الحكم في هدوء شديد دون اعتراض وقضى سنوات السجن في الرسم ، يصنع لوحات بالغة الأناقة لمدير السجن والحراس وحتى لزملائه ...
    ولكن هنري اصيب بنوع من الجنون .. او هو زهو الفنان ....
    فقد راح يوقع لوحاته باسماء كبار المشاهير ويقلد اسلوبهم في كل لوحة ، والجميع يهزون راسهم مشفقين ...
    ولكن مع خروجه من السجن اتضح ان هنري كان اعقل العقلاء ... لقد استغل سنوات السجن للتمرين حتى لا ينسى اساليب الفنانين ولا توقيعاتهم ....
    وفي هدوء تام وبساطة متناهية وجرأة تثير الدهشة عاد هنري الى لعبته القديمة وإن اختلف اسلوبه هذه المرة ، فبدأ يعتمد على آخرين في تسويق لوحاته الزائفة مقابل نسبة معقولة من ارباح اللوحات ...
    ومرة اخرى القى رجال الشرطة القبض عليه وهو في الخامسة والأربعين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وصدر الحكم ضده هذه المرة بالحبس عشر سنوات ، وفي السجن راح هنري يرسم اللوحات باسلوب وتوقيع المشاهير مرة اخرى ثم تخصص في صنع لافتات السجن وظل يرفض وضع توقيعه على ايه لوحة حتى صدر العفو عنه عام 1951 في يوم عيد ميلاده الحادي والخمسيين....
    وهنا قرر هنري ان يتجه اتجاها جادا يضمن له عدم العودة الى السجن مرة ثالثة ، وكانت فكرته طريفة ، فقد فتح متجرا رسميا لبيع اللوحات الزائفة في قلب باريس واقبلت عليه نساء الطبقة المتوسطة الاتي يرغبن في تزيين جدران منازلهن بلوحات تحمل توقيع مشاهير الفنانين بثمن مناسب ....
    ولكن جمعية هواة الفن اعترضت على هذا وطالبت هنري بوضع توقيعه الى جوار توقيع المشاهير ، حتى لا يختلط الأمر على المختصين ، الذين مازالت عبقرية هنري تربكهم ، وتمنعهم من تحديد الزائف من الحقيقي ، من لوحات مشاهير الفن ..
    والعجيب ان هنري رفض تماما وضع توقيعه على اللوحات ، مدعيا بهذا انه يفسد جمالها ودقة نقلها ، وثار خلاف عنيف بين جمعية هواة الفن وبينه ، انتهى بموافقته على وضع علامة خاصة على ظهر اللوحات المقلده ،لتمييزها عن اللوحات الأصلية ......
    وسارت الحياة هادئة بـهنري بعدها ،حتى بلغ الثامنه والخمسين من عمره ،حيث التقى به مدير متحف الفن بـ ( نيويورك ) واتفق معه على العمل كخبير في المتحف ، لتحديد اللوحات الزائفة والأصلية ....
    ويضحك هنري ، وهو يؤكد انه عثر على ست وثلاثين لوحة من لوحاته الزائفة تعرض في متحف الفن بنيويورك ، على انها لوحات اصلية ....!
    وفي عام 1964 قرر قلب هنري التوقف عن النبض ، وهو يرقد في فراشه في قصره الجديد...
    ورحل اكبر خبير ونصاب ، ومزور لوحات في القرن العشرين ...
    ولكن احدا لم يذكر أيا من الصفات السابقة في نعيه ، وانا ذكروا فقط رحيل ( هنري بورجيه )....الفنان

  • #2
    رائع للغاية بجد استمتعت في قراء هذا المقال وخصوصا انني اعشق سنوات فرنسا الزاهية القديمة والتي كانت معظم احداثها سياسية واجتماعية تميل إلى القداسة والأناقة الشديدتين
    تحياتي لك اخي وبالتوفيق
    [CENTER]هناك حقيقة واحدة دائــماً
    نستطيع ان نكون الخير و الشر اذا كنا نحاول ان نرفع الموت عكس مجرى الوقت
    أحيانا يتطلب منا ان نؤمن بتلك المقولة : Need Not To Know
    Fear Of Death Is Worse Than Death Itself - الخُوف من المُوت .. أسوأ مِن المُوت نفسه
    اذا كنا سنستمر برمي السنارة في بحر مظلم ، فلن نصطاد شيئاً
    مدارك Perceptions

    تعليق

    يعمل...
    X