إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الجن في المرايا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الجن في المرايا



    الجن في المرايا






    هل نحن نرى ما نراه فعلا ، هل أعيننا تنقل لنا حقيقة الأشياء ، عندما تلتقط الضوء الساقط على الاشياء ، هل الأبيض الذي نراه أبيضا بالفعل ، والذي بنفس الوقت إذا مررناه خلال منشور زجاجي ، يتحلل إلى سبعة ألوان هي ألوان الطيف ، والتي بدورها ليست ألوان، وإنما موجات تختلف في طولها وترددها ، وليس الأبيض أبيضا ولا الأحمر أحمرا ، كل ما يحدث أن الخلايا العصبية في قاع العين تتأثر بكل نوع من هذه الذبذبات بطريقة مختلفة، ومراكز البصر في المخ تترجم هذا التأثر العصبي على شكل ألوان



    وكل شيء من حولنا عبارة عن خلاء منثورة فيه ذرات ، ولو أن حسّنا البصري مختلف لأمكننا أن نرى من خلال الجدران ، لقد تمت برمجة رؤيتنا حتى نرى الجدران صماء، وهي ليست صماء ، بل هي مخلخلة أقصى درجات التخلخل، ولكن الأشعة التي نرى لا تنفذ فيها، وإنما تنعكس على سطوحها وتبدو لنا وكأنها سد يقف في طريقنا.



    أحكامنا التي نطلقها على الأشياء تأتي نسبة إلى حواسنا المحدودة ،وليست أحكاماً حقيقية، والعالم الذي نراه ليس حقيقيا، وإنما هو عالم عرفناه من خلال حواسنا التي تنقل صورا معينة إلى عقولنا

    إننا لا نرى الأشياء على غير حقيقتها فقط، بل أننا لا نرى أشياء موجودة أمامنا ، فهناك غير ألوان الطيف ، أمواج أقصر أو أطول من أن ندركها ، وتكون النتيجة ألا نراها مع أنها موجودة

    وعلى العكس نرى أحياناً أشياء لا وجود لها، فبعض النجوم التي نراها بعضها قد مات واندثر منذ زمن بعيد ، فنحن لا نراها في الحقيقة، وإنما نرى لا شيء ، ومأخوذين بجماله



    المرآة تعمل بشكل غامض ، فهي تعكس صورتنا من اليمين إلى الشمال ، بمعنى إن حركت يدك اليمنى ، سترى في المرآة يدك اليسرى تتحرك ، إذاً فهي تعكس كل شيء ، لا هذا ليس صحيح ، فهي لا تعكسك مقلوباً ، رجليك إلى أعلى ورأسك إلى أسفل ، هي فقط تعكس بشكل أفقي ، اليمين إلى اليسار
    وهي لا تعكس الضوء مباشرة إلى عينيك ، بل هي تمتصه ، ثم تخرجه ثانية معكوساً
    أين يذهب ، ومن أين أتى؟



    لطالما إرتبطت المرايا بالساحرات في الفلكلور الشعبي والقصص القديمة ، وأن هناك من يسكن المرآة ويخاطب من يخاطبه ويخبرهم أمور غيبية .





    وهناك سحر يدعى (سحر المرآة) حيث تُكتب طلاسم على المرآة من الخلف ، ويعطونها للمرأة لكي تضعها في بيتها ، فما أن ينظر زوجها فيها, حتى يسري فيه السحر فورا, فيطيعها ويكون عبدا لها طالما ظلت المرآة في البيت, ولابطال السحر كان لابد من كسر المرآة.
    حتى في قصة بيضاء الثلج snow white
    كانت المرآة حاضرة في القصة ويخاطب الجن الساحرة من خلالها


    الآلهة المصرية نوت Nut
    آلهة المرايا ،وهي آلهة كل الإنعكاسات ، في الماء والزجاج والحجر ، والكرات البللورية
    ، وهي التي تحكم عالمهم الذي يرونه ، فهي تنقل لهم صورته ، وهم يعبدونها كي تريهم العالم كما يحبونه ، لا على حقيقته





    وكان في بابل القديمة مرآة ، فإذا غاب شخص ، أتوا المرآة ورددوا أمامها اسمه ، فيروه فيها.




    لماذا المرآة ؟

    حاسة النظر من أسهل الحواس التي يستطيع الجن التأثير بها ، فسحرة فرعون كان (يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) و (سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم) ، فالجن من نار ، ومعظم تأثيراتهم حرارية غازية ، وأبصارنا تتأثر بالحرارة والغازات ، فالسراب هو وهم ، وتسببه الحرارة ، بينما تنقل أبصارنا صورة ماء ، فيما بالحقيقة لا يوجد أي ماء ، وقس على ذلك



    يجب الحذر من المرايا فهي نافذة تطل على عالم يحكمه الجن , فالعالم الذي بداخلها بأشخاصه وأشيائه ليس حقيقيا ، وإنما هو موجات كهرومغناطيسية مرتدة من هنا وهناك




    والجن يدخلون خلال المرآة للإنسان من ثلاثة أبواب:
    ١: الحسد : وهو بابهم المعتاد ، وفي المرآة يكون تأثيرهم أقوى بسبب حسد الشخص لنفسه وإعجابه بها
    ٢: الضيق : لأمر يراه في نفسه لا يعجبه ، فتهبط مناعته ، ويجدون ثغرات يدخلون اليه منها
    ٣: الفزع : يصاب البعض بمفاجأة عند النظر ألى أنفسهم ، ربما لتغير الإنارة في مكان المرآة ، أو لتغير في أشكالهم ، وهذا منفذ قوي للجن ، ولحظة ضعف للانسان وتعتبر فرصة لا تتعوض بالنسبة للجن



    وقد قال ابن القيم في (زاد المعاد) :"ومن نظر في المرآة ليلا ، فأصابه لقوة ، أو أصابه داء فلا يلومن إلا نفسه" .

    هذا الموضوع تحذير من المرايا ، ومن إطالة النظر فيها ، والحذر ثم الحذر من النظر في بؤبؤ العين في المرآة . وهناك طريقة لمعرفة إن كان بك مس من مرآة ، أن تنظر في وجهك وتقول (﷽) ، وإن كان الراقون لا ينصحون بهذا ، وإنما ينصحون بالمداومة على الصلاة ، وأذكار الصباح والمساء ، وقراءة القرآن ، والتوكل على اللہ

    والله ﷻ يقول عن الشيطان :

    ( إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ، إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون )






  • #2
    جزاك الله خيرا .. موضوع رائع وجميل

    قال إبن القيم
    ( أغبي الناس من ضل في اخر سفره وقد قارب المنزل)

    تعليق


    • #3
      لمعرفة إن كان بك مس من مرآة ، أن تنظر في وجهك وتقول (﷽) ؟؟؟

      ماذا تقول اخي محمد ؟؟
      [CENTER][SIZE=4][COLOR=#000080] [B]"وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ "[/B][/COLOR][/SIZE]
      [/CENTER]

      تعليق


      • #4
        المشاركة الأصلية بواسطة jassar مشاهدة المشاركة
        لمعرفة إن كان بك مس من مرآة ، أن تنظر في وجهك وتقول (﷽) ؟؟؟

        ماذا تقول اخي محمد ؟؟

        اخى العزيز جسار

        شرفنى ونور القسم مرورك الكريم الذى حرمنا منة منذ فترة

        عاوز تغرف تقول اية
        قل أذكار الصباح والمساء ، وداوم على قراءة القرآن ،
        و
        داوم على الصلاة ، وأذكار الصباح والمساء ،وتوكل على اللہ

        تعليق


        • #5
          المشاركة الأصلية بواسطة rashad مشاهدة المشاركة
          جزاك الله خيرا .. موضوع رائع وجميل

          اخى رشاد

          شكرا لكلماتك المشجعة

          اهدى اليك جزءا اخر من الموضوع عسى ان ينال اعجابك

          تعليق


          • #6


            المراية
            مابين التاريخ والمعتقدات والاساطير



            تعتبر المرآة من مستلزمات الحياة اليومية فمن منا لا يدفعه فضوله لرؤية نفسه في المرآة لتصحيح مظهره أو هندامه الذي هو بدوره إنعكاس شكلي لصورة ذاته أمام الناس وذلك قبل بدء يوم عمل/دراسة جديد أو حضور حفل أو زيارة أو إجتماع ، فرغبة النظر في المرآة لا تقاوم عند معظم الناس وخاصة لدى المرأة حيث تكون بمثابة صديقة لها، ولكن قد تصل تلك الرغبة في بعض الأحيان إلى درجة من الهوس كنتيجة للتعلق الزائد
            بصورة الذات أو القلق المستمر على كل ما قد يؤذي تلك الصورة من نقائص أو
            عيوب خلقية أو تزيينية، وقد يصل الامر في بعض الحالات إلى الإصابة بـ الهلوسة أو الخبل .

            نبذة تاريخية

            المرآة لمائية أو صفحة الماء كانت أقدم مرآة عرفها الإنسان في التاريخ وسبق أن عرفتها الحيوانات من قبل ، ففي حين تدرك فقط الحيوانات التي لديها دماغ كبير وحس إجتماعي كالفيل وقرد الشبمانزي والدولفين بأن إنعكاس صورتها على سطح النهر أو البحيرة ليست سوى إنعكاس لصورتها الذاتية تجد الحيوانات
            الأخرى كالقطط مثلاً صعوبة في إدراك ذلك إذ تعتبر الشكل المنعكس حيواناً آخر في الجانب الآخر خلف سطح المرآة فتتفاعل معه إما بعدائية أوفضول.


            -
            تعتبر المرايا التي ظهرت كأدوات من صنع البشر حديثة العهد إذ بدأ استخدامها كمرايا نحاسية في مصر الفرعونية منذ عهود السلالات الاولى، وكان لها أشكال وتصميمات مختلفة ومنها المرآة ذات المقبض الذي يصنع من عدة مواد كالبرونز أو العاج او الخشب وكانت تحفظ في علب بغرض حمايتها، وقد عثر على
            عدة مرايا بقرص نحاسي مصقول يعود إلى زمن السلالة الـ 12، أما المرآة الزجاجية فقد ظهرت لأول مرة في القرن الـ 16 في مدينة فينيسيا (البندقية) الإيطالية , وكانت آنذاك أعجوبة سحرية افتتن بها سائر الناس وانتشرت بينهم حتى أنها أصبحت موضوعاً استوحى منه الفنانون أعمالهم.


            اساطير قديمة

            في اليونان القديمة كانت تروى أسطورة عن شاب اسمه نرسيس Narcissus ، كان معجباً ومنذهلاً بوسامته وشكله، فكان يتطلع كل يوم في ماء البحيرة الى أن سقط مرة في الماء فتحول الى زهرة النرجس الجميلة ومنها نشأ مصطلح "النرجسية" المعروف والذي يتصل بالغرور وحب الذات المفرط، وكان البدائيين
            أمثال قبائل الزولو وقدماء المصريين والأغريق واليونان ، لا يميزون بين ظل الإنسان (خياله) و روحه، لذلك يتجنبون النظر الى صورهم المنعكسة على صفحة الماء كي لا تلتهمها التماسيح أو الجنيات فتسلب أرواحهم , وربما يكون هذا هو الأصل البعيد لأسطورة نرجس ذلك الفتى الذي هلك من طول تأمل صورته
            الجميلة في الماء و ساد الاعتقاد في المجتمعات البدائية ان الانعكاس يعني الروح، وتعريض شخص لانعكاس المرآة او أي سطح عاكس يجعله مهددا بالخطر والموت .

            -
            كما نجد في الخيال الأسطوري قدرات مزعومة للمرآة منها القدرة على تحويل تشكيل صور الكائنات، خاصة الكائن الإنساني، وقد يصل إلى حد التشوه والمسخ أحياناً أو حتى الى حد الموت والهلاك أحياناً أخرى، على نحو ما نراه في مرايا السحر الأسطورية العديدة، كمرآة نرجس، ومرآة ديونيسوس، ومرآة ميدوسا
            (الميدوسا : كائن أسطوري خرافي من فئة الغورغونات وهي تمسخ من ينظر اليها حجراً ) ، لكن بريسيوس تمكن بمساعدة أثينا من استخدام درع (ترس) لامع مصقول للتعرف إلى مكانها المختبئة فيه من دون النظر اليها مباشرة وبالتالي استطاع جز رأسها وهو ينظر الى صورتها منعكسة في الترس .


            أسطورة ماري الدموية

            لا الحكايات الخرافية عند هذا الحد فمنها ما يثير الرعب في النفوس وأشهرها في بريطانيا حكاية وجه ماري الدامي في المرآة التي يتناقلها الناس بينهم. وتقول الحكاية أنه قبل نحو مائة سنة تعرضت امرأة لحادث فظيع خدش وجهها بشكل سيئ، فنزفت حتى الموت متأثرة بجراحها ووجهها المشوه، لكنها تظهر في شكل شبح شرير يطارد الناس في المرايا، فما ان يقف الشخص امام المرآة ويكرر اسمها ثلاث مرات حتى يرى وجهها المشوه في الظلام، فإن لم يهرب بأقصى سرعة فستحاول ماري الشريرة ان تشوه وجهه.


            - وهناك بعض التفاسير بأن كلمة " ماري الدموية " ما هي إلا تحريف لاسم "مريم العذراء" التي تنطق "ماري" في الغرب، وفي ربط بأساطير طقوس السحر الأسود الذي يرتبط مع الأسطورة بقول بعض كلمات
            الكتب المقدسة بالعكس أمام المرآة وما إلى ذلك من أساليب السحر. لكن كل تلك التفسيرات ما هي إلا محاولات لربط خرافة راسخة في الوجدان الجمعي للبشر ببعض ممارسات السحر الأسود. .
            -
            وفي إحصائية بريطانية عن الخرافات الأكثر تأثيراً في حياة الناس تبين أن وجه ماري المشوه في المرآة هو الأكثر شيوعاً بين الناس، فقد ربط بينها وبين السحرة والمشعوذين اضافة الى أن اسمها ارتبط باسم الساحرة ماري ماجدولين التي تم احراقها في القرون الوسطى.

            مرايا شهيرة

            يذكر التاريخ مرايا كان لها شهرة كبيرة منها:

            1
            - مرآة بابل

            اسم بابل يعني (بوابة الإله) وهي مدينة عراقية تقع على نهر الفرات وكانت عاصمة دولة البابليين حيث كانوا يحكمون أقاليم ما بين النهرين (دجلة والفرات) واستطاع سلالة البابليين الأولى في ظل حكم حمورابي (1792-1750) قبل الميلاد ن الإستيلاء على معظم مقاطعات ما بين النهرين أصبحت بابل عاصمتهم التي اشتهرت بحضارتها. -
            ويروى ان في بابل القديمة 7 مدن تتميز كل منها بميزة سحرية، فالمدينة الرابعة كان فيها مرآة من حديد، فإذاغاب رجل عن أهله وأرادوا ان يعرفوا عن حاله التي هو فيها أتوا بالمرآة ووضعوا أمامها اسمه ونظروا فيها فرأوه على الحالة التي هو فيها. فلقد كان اهل بابل يستخدمون المرآة السحرية لمعرفة احوال الغائبين عن أهلهم فكانوا يذكرون اسم احبائهم او اسم احد افراد العائلة فيستحضر صاحب الاسم وينظر إليه اهله في مرآة بابل العجيبة.

            2
            - مرآة أرخميدس

            طور عالم الفيزياء الإغريقي أرخميدس مرآة خاصة بشكل مقعر تعكس الضوء وتجمعه عند نقطة واحدة (البؤرة Focus ) يمكن له أن يحرق الجسم الذي يكون عندها أمكن استعمالها لأغراض عسكرية لحرق سفن الأعداء المصنوعة من الخشب.



            3
            - مرآة منارة الإسكندرية

            تعد المنارة من عجاب الدنيا السبع، و في أعلى المنارة مرآة يمكن من خلالها مراقبة المراكب التي تقلع من سواحل البحر وقد كان الهدف منها رؤية العدو القادم من البحر فيستطيعون الاستعداد له وردعه و يقال ان من يجلس تحت المنارة وينظر في المرآة يمكنه ان يرى من هو بالقسطنطينية ! ، على الرغم من
            وجود إختلاف في الأصل حول تاريخ المنارة أو من قام ببنائها، حيث يعتقد البعض أن الذي بنى المنارة هو الاسكندر المقدوني بينما يعتقد البعض الاخر أنها ترجع إلى الملكة دلوكة التي كانت أول امرأة نودي بها ملكاً على مصر بعد هلاك فرعون وجنوده في البحر الأحمر والتي دام حكمها 20 عاماً وكان الهدف من بنائها مراقبة الأعداء ويعتقد البعض ان الملك الـ 10 من ملوك هو صاحب المنارة .

            - لكن من الثابت تاريخياً أن منارة الإسكندرية أُنشئت في عام 280 قبل الميلاد أي في عصر بطليموس الثاني و قد بناه المعماري الأغريقي سوستراتوس ، حيث كانت بطول 120 متراً مما جعلها أعلى بناءً في عصره. ويقال أن قلعة قايتباي قد أقيمت في موقع المنارة، وعلى أنقاضها. وفي بداية عهد الدولة الاموية
            الإسلامية قام الخليفة الوليد بن عبد الملك بن مروان بهدم المنارة طمعاً في الكنوز التي تحتها كما زين له أحد اتباع الروم، واختفى بعدها كل أثر للمنارة ما عدا ما نقرأه من أوصاف عجيبة لها في كتب التراث.

            معتقدات وخرافات

            عبر التاريخ ارتبطت المرآة بجملة من المعتقدات والخرافات التي تراكمت في الموروث الشعبي وهي كالتالي :

            1
            - التكهن بالمستقبل

            استخدمت الشعوب القديمة المرايا في السحر والتكهن بالمستقبل وغيرها من الأمور التي اخرجت المرآة من مهمتها العاكسة الى اطار غرائبي يختلف باختلاف المجتمعات خاصة في العصور الوسطى وحتى مطلع القرن الـ 19 في اوروبا، وكانت تعتبر المرايا السوداء بالإضافة إلى الكرة البلورية ادوات جيدة للتكهن حيث استخدمها العراف الذي لا زال يثير جدلاً حتى اليوم وهو نوستراداموس (1503 - 1566 ) نفسه .

            -
            ويعتقد السحرة ان التحديق بالمرآة يمكن ان يكشف الهالة المحيطة بالانسان، واستبدلت المرايا بوعاء ماء صغيرة او كرات بلورية لاعتقادهم انه بامكانها المستقبل وأرض الموتى.
            -
            وعرف عن بعض الملوك والدول استعمالهم لمرايا سحرية نذكر منهم : هنري ملك فرنسا حيث كان يستعين بالمرآة السحرية في اغلب الاحيان للتكهن والملكة اليزابيث الاولى حيث كان الساحر الملكي يستخدم بيضة ومرآة سوداء من الزجاج البركاني للتكهن.
            -
            ففي أوروبا كان فارس الاحلام او العريس المرتقب يشكل هاجساً ملازماً لمعظم النساء في اوروبا قديماً، كونه يظل مجهولاً قبل ان يصبح حقيقة فكن يحاولن معرفته بشتى الطرق ومنها التكهن بالمرايا، فقد كان يعتقد ان البنت التي تحدق في انعكاس القمر في المرآة ستعلم يوم زفافها وكانت الفتاة تقوم بطقوس لذلك المستقبل فتأكل الفتاة تفاحة حمراء وتمشط شعرها عند منتصف الليل أمام المرآة وحينها سترى زوج المستقبل في احلامها.

            - وفي الهند كانت المرايا من الاساليب الشعبية للتكهن في الهند ، وتتضمن طقوسها الصوم وتعطير المرايا وقراءة التعاويذ.

            2
            - نذر الموت

            من العادات الفلكلورية العالمية رفع المرايا من غرف المرضى خشية ان تسرق الاشخاص الضعفاء، وفي الغالب تزال المرايا من البيت بعد موت أحد افراد العائلة طبقاً لخرافة تذهب الى أن من ينظر في المرآة بعد موت صاحبها سيموت قريباً. وقد ارتبطت المرايا بالشر ففي الفلولكلور الروسي اعتقد انها من صنع الشيطان والغرض منها اخذ الارواح من اجسام البشر.
            -
            وكان الحفاظ على المرآة من الامور المهمة حيث اعتقد ان كسر المرآة يكسر لمدة سبع سنين او يحدث كارثة او موتاً، والمرآة التي تسقط من الحائط من دون تدخل احد هي نذير بالموت ، والطريقة الوحيدة لتجنب سوء الحظ هو جمع قطع المرآة المكسورة ودفنها في ضوء القمر، ظهر هذا المعتقد في القرن الـ 15في إيطاليا حيث صنعت أول المرايا في فينيسيا من قطع الزجاج القابل للكسر والمطلي بالفضة ثم انتشر هذا المعتقد في أنحاء أوروبا.
            -
            في بعض الثقافات القديمة عند وفاة شخص في ظروف غامضة سواء أكان ذلك بالقتل ، أو حادث مأساوي فيجب تغطية جميع المرايا في البيت ، حتى لا تبقى روح الميت معلقة في المرآة ، فتطارد أي شخص لتمتلكه من أجل حل بعض القضايا و كشف عن كيفية وفاتها او تقوم بالثار من قاتلها قبل الانتقال كما يتم استحضار أرواح الموتى عن طريق لفظ أسمائهم ثلاث مرات أمام المرآة ، وبعض الأقاويل تستبدل المرآة بسطح مائي .

            3
            - الحسد

            كان يعتقد بأن نظرة الحاسد أو العين الشريرة من الممكن ان تحطم المرآة او تشوه سطحها ومع ذلك هناك خرافات معاكسة استخدمت فيها المرايا للحماية من الشر، يعتقد ان المرايا يمكن أن تعكس العين الشريرة وانتشرت تلك المعتقدات في اوروبا خاصة، فبحلول القرن الـ 17 كان الناس يضعون مرايا صغيرة في قبعاتهم لصد الحسد.

            4
            إنعكاس صورة الشيطان والسحرة

            في الخرافات الاخرى انه اذا نظر احدهم مدة طويلة من الليل في المرآة فإنه الشيطان لذا فمن المستحسن تغطية المرايا في غرف النوم اثناء الليل. ويقال ان الساحرات ومصاصي الدماء ليس لصورهم انعكاس في المرآة وحول علاقة الساحر بالمرآة واستخدامها في السحر

            5
            - المس الشيطاني

            انتشر معتقد لمعرفة فيما اذا كان الشخص ممسوس من طرف الشيطان أم لا ، حيث يطلب منه النظر الى المرآة ويحدق فيها فإذا كان لا يرى انعكاس صورته فيها فهذا نذير شؤم لأن روحه تلفها الظلمة وعليه اللجوء الى الشافي فيقوم هذا الأخير بلف صورة الممسوس بقماش ثم يغطسها في الماء المقدس و تترك بعيداً عن الناس لمدة اسبوع ثم يأخذ الصورة و يدقق فيها جيداً فاذا كانت هناك اجزاء من جسمه
            مخفية فهذا يعني أن اشيطان استحوذ على تلك المناطق ولفها بالظلام .

            6- الأحلام

            يبدو ان أثر المرايا في حياتنا يتجاوز حدود الواقع لنجد كتب تفسير الاحلام تذكر تفسيرات مختلفة لرؤية المرآة في الحلم ، فقد ذكر" ابن شاهين " في كتابه في علم العبارات ان من ينظر في مرآة من حديد او ما شابه ذلك فإن كان متزوجاً يأتيه ولد غلام وان لم ينتظر ولداً فإنه يفارق امرأته ويخلفه غيره وإن كان عازباً فإنه يتزوج . ويذكر" ابن سيرين " ان المرآة تدل على الجاه والولاية بقدر عظمتها وصفائها فمن رأى انه اعطاها لأحد فإنه يدل على ايداع ماله.


            المرآة في الأدب والأفلام

            هناك أمثلة عديدة على مرآة السحر الخرافية في مجال الأدب، فقد استخدم أوسكار وايلد مجازاً هذه المرآة السحرية في روايته " صورة دوريان جراي" ،

            ونرى في التراث الأوروبي من خلال القصة الخيالية سنو وايت تسأل الملكة الشريرة مرآتها فتقول :
            "أيتها المرآة المعلقة على الجدار ..من هي الأجمل على وجه الأرض ؟ "

            ، وفي رواية "خلال الزجاج المنظور "
            Through The Looking Glass
            لـ لويس كارول نجد أفضل إستخدام أدبي في موضوع المرآة

            وكذلك في رواية "مرآة إريسيد " Mirror of Erised من سلسلة روايات
            هاري بوتر..






            التعديل الأخير تم بواسطة محمدعامر; الساعة 2014-12-03, 07:51 PM.

            تعليق


            • #7

              سحر المرايا ..



              خلال بحثي عن مصادر لهذا المقال وقعت على العديد من القصص التي يزعم أصحابها بأنهم مروا بتجارب مروعة مع المرايا ، فقررت أن أقدم لكم عينتين من تلك التجارب.

              القصة الأولى هي لفتاة تدعى سوزي .. حين كانت في التاسعة من عمرها ذهبت إلى حفلة عيد ميلاد لإحدى صديقاتها في المدرسة. كانوا حوالي عشرة فتيات حضروا إلى تلك الحفلة التي أقامها والدا صديقتي لأبنتهم. وبعد أن لعبوا وتناولوا الطعام صعدوا جميعا لرؤية حجرة صديقتي. كانت الساعة قد قاربت العاشرة ليلا حين جلسنا جميعنا في حجرتها الجميلة ورحنا نقص على بعضنا قصص الأشباح والبيوت المسكونة، ثم اقترحت إحدى الفتيات أن نلعب لعبة ماري ورث، وهي فتاة ماتت منذ زمن بعيد ويقال بأن روحها بقيت حبيسة المرآة. وهكذا فقد قمنا بإطفاء جميع الأنوار في الحجرة ثم تجمعنا حول مرآة كبيرة ورحنا نردد معا :
              "ماري ورث .. ماري ورث .. أنا أؤمن بكِ يا ماري ورث".

              رددنا هذه العبارة عدة مرات، وعند المرة السابعة أرتفع فجأة صراخ إحدى الفتيات التي كانت تقف في المقدمة، أخذت تصرخ وتبكي بشكل هستيري وتحاول دفعنا إلى الوراء، كان صراخها عاليا ومخيفا إلى درجة أن والدة صديقتي هرعت إلى الحجرة التي كنا فيها وأشعلت جميع الأنوار بسرعة. كنا جميعا نرتجف من الخوف، وعلى الأرض أمام المرآة مباشرة تكومت الفتاة التي كانت تصرخ، سألتها والدة صديقتي عن سبب صراخها، لكن الفتاة لم تجب وظلت ممددة على الأرض من دون حراك، فرفعتها والدة صديقتي عن الأرض لترى ما بها، وما أن فعلت ذلك حتى صرخنا جميعنا من الرعب، كان الدم يغطي وجهها، وكانت هناك جروح غائرة على جبهتها ووجنتيها ورقبتها، كأن أحدا ما حاول تمزيق وجهها بأظافره .. كان ذلك منظرا مرعبا لن أنساه ما حييت.

              القصة الثانية يرويها رجل في الأربعين من عمره يدعى مارك .. يقول :
              قبل سنوات طويلة، حين كنت مراهقا في الثالثة أو الرابعة عشر من عمري، كان لدي صديق في مثل سني يدعى جو، كان منزلهم يقع قبالة منزلنا تماما، كنا صديقين مقربين نلازم بعضنا طوال اليوم ولا نفترق إلا من أجل النوم أو الذهاب إلى المدرسة. وفي إحدى الليالي حدثني جو عن خرافة سمعها من زملائه في المدرسة عن شبح امرأة تظهر في المرآة، قال بأنها تدعى ماري الدموية. وكما هو الحال مع معظم المراهقين فقد تباهينا أنا وجو كذبا بعدم الخوف من ماري الدموية، حتى أن جو قال ضاحكا بأنه سيبصق عليها لو ظهرت في مرآته. ثم أقترح علي أن نذهب إلى منزلهم لنقوم بتحضير شبحها في حمامهم الذي توجد فيه مرآة كبيرة.

              وبالرغم من إدعائي الشجاعة أمام جو، إلا أني بصراحة كنت أرتعد خوفا من الداخل، فحاولت التملص من دعوته متحججا بأن الأشباح لا تظهر أمام أكثر من شخص واحد، واقترحت عليه أن يقوم كل منا بتحضيرها بمفرده. وهكذا تعاهدنا تلك الليلة على أن يقوم كل منا بتحضير الشبح على حدة في حمام منزله.
              ولا أخفيكم سرا بأني شعرت برعب شديد منعني من القيام بما عاهدت صديقي جو عليه، بل لم أجرؤ على دخول الحمام أصلا في تلك الليلة من شدة خوفي، وبقيت أتقلب على فراشي حتى ساعة متأخرة من الليل، كلما أغمضت عيني كنت أتخيل ماري الدموية وهي تقف بجوار سريري تحمل بيدها سكينا كبيرا تحاول ذبحي بواسطته، فكنت أنتفض مذعورا وأنا أرتجف.




              وبينما أنا أكابد ما أكابده من الرعب والهلع في حجرتي الصغيرة، إذا بصرخة مدوية تمزق سكون الليل، كان الصوت قادما من منزل صديقي جو فنزلت لأرى ما يحدث. كان أبي وأمي وأخوتي والكثير من الجيران قد سبقوني إلى الشارع، كانوا يقفون في فناء منزل جو، تعجبت لرؤية والدتي تبكي مع بعض النسوة، فيما راح الرجال يهزون رؤوسهم أسفا. وحين سألت أحد المجتمعين عن ما يجري أجابني بنبرة حزينة : لقد مات جو.
              كان ذلك أفظع رد سمعته في حياتي، لازال يدوي في أذني إلى اليوم، لكنه لم يكن سوى مقدمة للرعب الحقيقي الذي سأسمعه لاحقا. فقد علمت بأن جو عاد إلى منزله بعد أن افترقنا تلك الليلة فأخذ شمعة وتوجه بها إلى الحمام عند حوالي منتصف الليل، وبعد فترة قصيرة سمع أهله صراخه وهو يطلب المساعدة من داخل الحمام، لكنهم لم يستطيعوا الوصول إليه لأن باب الحمام كان مقفلا من الداخل، وبعد عدة محاولات تمكن أبوه من كسر باب الحمام، في الداخل كان جو ممددا على الأرض بلا حراك، كان مذبوحا من الوريد إلى الوريد ودماءه تغطي أرضية الحمام، أما رأسه المقطوع فكان يقبع في المغسلة تحت مرآة الحمام مباشرة، والى جواره كانت هناك شمعة ما تزال مشتعلة.

              موت جو ظل لغزا محيرا بالنسبة للجميع، الشرطة قيدت القضية ضد مجهول، أما الناس فقد ظنوا بأنه انتحر، لكن أنا وحدي كنت أعرف حقيقة ما جرى في تلك الليلة المشئومة، وهو سر ما زال يؤرقني ويقض مضجعي بعد كل تلك السنين.

              ماري الدموية تاريخيا


              ماري الأولى ... ملكة انجلترا

              بعيدا عن الخرافات والأساطير يخبرنا التاريخ بأن المرأة الوحيدة التي عرفت واشتهرت بأسم "ماري الدموية" هي ماري تيودور ابنة الملك هنري الثامن وزوجته الأولى كاترين الأرجوانية. ولدت عام 1514 واعتلت العرش عام 1553 تحت أسم الملكة ماري الأولى (Mary I of England ) وذلك بعد موت شقيقها الأصغر الملك ادوارد السادس.
              حياة الملكة ماري لم تكن سعيدة، فقد عانت كثيرا في طفولتها وشبابها. عانت وهي ترى سعي والدها الحثيث لإبطال زواجه من أمها، وعانت لرؤية أمها وهي تصارع بكل ما أوتيت من قوة للحفاظ على كرامتها كملكة قبل أن يتم إرسالها إلى قلعة كمبلتون الموحشة لتموت هناك وحيدة بينما كان زوجها الملك هنري يحتفل بزواجه من عشيقته آن بولين.
              ماري عانت لسنوات طويلة من جفاء والدها الملك الذي حرمها من وراثة العرش، وعانت أيضا بسبب إيمانها الكاثوليكي الذي أصبح بين ليلة وضحاها مذموما منبوذا من قبل الملك والبلاط والدولة، وعانت أكثر في الحفاظ على إيمانها بالرغم من كل الضغوطات التي مورست عليها من قبل والدها وشقيقها لحملها على التحول إلى البروتستانتية.

              حتى في زواجها لم تكن ماري سعيدة، أحبت زوجها الملك فيليب الأسباني بكل جوارحها فيما لم يكن هو سوى طامع في عرشها، وتلهفت لإنجاب وريث للعرش منه إلى درجة أنها تحولت إلى مثار سخرية وتندر الناس بعد أن انتفخت بطنها عدة مرات ثم تبين لاحقا بأنه مجرد حمل كاذب. وأخيرا عانت على فراش الموت وهي ترى عرشها يذهب رغما عن أنفها إلى أختها الغير شقيقة إليزابيث البروتستانتية التي عرفت لاحقا بأسم الملكة إليزابيث الأولى وكانت واحدة من أعظم الذين اعتلوا العرش الانجليزي.
              هذه هي حياة ماري الأولى ملكة انجلترا ... من قال أن حياة الملوك سعيدة؟!.




              لكن الملكة ماري الأولى لم تكن ملاكا بالرغم من معاناتها والظلم الذي وقع عليها، فقد تسببت هي أيضا بمعاناة وموت الكثير من الناس بسبب تعصبها الديني وسعيها المحموم لإعادة شعبها إلى جادة الكاثوليكية وطاعة بابا روما، فنصبت المحارق والمشانق للبروتستانت في أرجاء البلاد، سجنت وعذبت وشنقت وأحرقت المئات منهم خلال عهدها القصير الذي أمتد لخمسة أعوام فقط، لم يسلم منها حتى النبلاء ورجال الدين، ولهذا أطلق الناس عليها أسم ماري الدموية. ولهذا السبب أيضا يحاول البعض أن يربطوا بينها وبين خرافة ماري الدموية.
              الجدير بالذكر أنه هناك ملكة أخرى تدعى ماري حاول الناس ربطها بالخرافة أيضا، وهي ماري ستيوارت التي تعرف بأسم ماري الأولى ملكة الاسكتلنديين (Mary, Queen of Scots )، والتي اعتلت العرش الاسكتلندي لفترة قصيرة خلال القرن السادس عشر، ولم تكن تقل تعاسة عن قريبتها ماري الانجليزية، وانتهت حياتها بحد السيف في عام 1587 في عهد الملكة إليزابيث الأولى.

              أصل الخرافة .. سحر المرايا

              بحسب الباحثين والمختصين بالتراث والفلكلور فأن خرافة ماري الدموية هي من الخرافات الحديثة التي لم تظهر إلى الوجود إلا خلال العقود القليلة المتأخرة، ربما في ستينات القرن المنصرم، وبلغت ذروة شعبيتها خلال السبعينات، أما قبل ذلك فلا يوجد أي ذكر للخرافة، ولا يوجد أيضا ما يؤكد حقيقة القصص التي تربط ما بين نشأة الخرافة وبين ساحرة تدعى ماري أو فتاة تدعى ماري روث، وليس هناك صلة واضحة بين الخرافة وماري الأولى ملكة انجلترا. غير أن حداثة الخرافة لا تعني عدم ارتباطها بأحداث وقصص وخرافات موغلة في القدم تتشابه في بعض جزئياتها مع خرافة ماري الدموية. فلنأخذ مثلا سيرة حياة الكونتيسة إليزابيث باثوري (Elizabeth Bathory ) تلك الأرستقراطية الحسناء التي كانت تقضي ساعات طويلة كل يوم أمام مرآتها تحدق بزهو وخيلاء إلى جمال وروعة صورتها. ثم فجأة تحول ذلك الجلوس أمام المرآة إلى كابوس مزعج حين جاوزت سن الأربعين، أفزعها حقيقة تقدمها في العمر، وأرعبتها التجاعيد التي بدأت تغزو وجهها الجميل. ومن أجل التغلب على تلك التجاعيد والخطوط اللعينة بدأت الكونتيسة المجنونة باستدراج الفتيات الشابات إلى قلعتها لكي تقتلهن وتستحم بدمائهن. فقد آمنت بأن الدم سيعيد إليها شبابها وأجهزت في سبيل ذلك على أكثر من ستمائة فتاة. ويقال بأن روح الكونتيسة ظلت حبيسة المرآة بعد موتها، واستمرت في قتل الفتيات والاستحمام بدمائهن، لكن هذه المرة تحت أسم ماري الدموية.




              المرآة الباكية .. تبحث عن ارواح اطفالها ..


              في الفلكلور المكسيكي نجد خرافة النائحة أو المرأة الباكية (La Llorona ) التي تروي قصة امرأة متزوجة أسمها ماريا أقدمت على قتل أطفالها الصغار عن طريق إغراقهم في النهر وذلك من أجل أن تفر مع عشيقها، لكن عشيقها هجرها بعد أن أشمئز من فعلتها الحقيرة. مما دفع ماريا إلى الانتحار. وبحسب الأسطورة فأن روح ماريا منعت من دخول ملكوت السماء ما لم تجلب معها أرواح أطفالها الذين قتلتهم، ومنذ ذلك الحين أخذت روحها الشقية تدور في أرجاء الأرض بحثا عن أطفالها وهي تبكي وتولول قائلة : "أوووه .. أطفالي!". ويقال بأنها لا تتورع عن خطف أرواح الأطفال المشردين وأولئك الذين لا يطيعون والديهم خلال تجوالها بحثا عن أطفالها، وبأن الذين يسمعون صوتها ونحيبها يموتون بعد فترة قصيرة. ويرى بعض الباحثين بأن ماريا هي نفسها ماري الدموية، وبأن إضافة عبارات من قبيل "أن أطفالك معي" أو "لقد قمت بقتل أطفالك" إلى طقوس تحضير شبح ماري الدموية تهدف إلى تحفيز شبح ماريا على الظهور في المرآة.

              يمكننا أيضا تعقب آثار خرافة ماري الدموية في الأدب الأوربي، فنذكر على سبيل المثال المرآة السحرية التي استعملتها زوجة الأب الشريرة في قصة بياض الثلج والأقزام السبعة، وهي قصة قديمة من التراث الألماني. ونذكر أيضا المرآة في رواية "دراكولا" للكاتب برام ستوكر، فالبطل لم يكتشف حقيقة الكونت إلا بعد أن وقف معه أمام المرآة فعجز عن رؤية انعكاس صورته فيها بالرغم من أنه يقف إلى جواره. لأن صورة مصاص الدماء لا تظهر في المرآة، فهو في النهاية شخص ميت، ولهذا تعجز المرآة عن رؤيته.





              سترين وجه زوجك المستقبلي في المرآة !

              في الفلكلور والمعتقدات الشعبية هناك خرافة أوربية يمكن أن نعتبرها الأقرب إلى خرافة ماري الدموية، وقد راجت تلك الخرافة وانتشرت بين الفتيات في القرن الثامن عشر، وبحسب تلك الخرافة فأن الفتيات العازبات يمكنهن إلقاء نظرة خاطفة وسريعة على ما ستكون عليه صورة أزواجهن المستقبليين عن طريق المرآة. أما طريقة عمل الخرافة فقد لخصها الشاعر روبرت بورنز في قصيدة تعود إلى عام 1787 كالآتي :
              "خذي شمعة وأمضي وقفي لوحدكِ أمام مرآة، تناولي تفاحة قبل ذلك، ومن الأفضل أن تجمعي شعركِ إلى الأعلى؛ قفي هناك وسترين وجه الرجل الذي سيكون زوجكِ، سترينه في المرآة يختلس النظر إليك من وراء كتفكِ".

              هناك نسخة أخرى لهذه الخرافة تقول بأن الفتاة الراغبة في رؤية وجه زوجها المستقبلي عليها أن تهبط السلم بصورة معكوسة، أي وجهها للخلف وقفاها للأمام، وعليها أن تحمل بيدها مرآة يدوية تنظر فيها أثناء هبوطها للسلم لكي ترى وجه زوجها المستقبلي وهو ينظر إليها من وراء كتفها.

              طبعا أنا لا أعلم إن كانت هذه الطريقة تعمل فعلا أم لا، يمكنكِ أن تجربيها عزيزتي القارئة لتخبرينا بالنتيجة لاحقا، فهي طريقة سهلة ولا تكلفكِ سوى تفاحة!.

              وأمثال هذه الخرافات عن المرايا منتشرة في كل مكان، حتى في عالمنا العربي.


              وصفات سحرية .. ربما نضحك عليها للوهلة الأولى من دون أن ندرك بأن للناس في المرايا عقائد وخرافات غريبة ومتنوعة تعود في جذورها إلى أقدم العصور. وما زالت المرايا تستعمل حتى يومنا هذا من قبل المنجمين والعرافين للتنبؤ بالمستقبل وكشف المستور.

              لكن العرافين لا يستعملون كل أنواع المرايا وإنما يفضلون نوع خاص يطلق عليه أسم المرآة السوداء، وتعرف أيضا بمرآة العرافين (Black scrying mirror )، وهي أداة سحرية محببة لدى معظم السحرة والساحرات، سواء المحترفين أو المبتدأين، يفضلونها أحيانا حتى على كرات الكريستال الشهيرة، ربما لرخص ثمنها وتوفرها في المتاجر وعلى الانترنت.

              وإضافة إلى كشف الغيب تستعمل هذه المرايا في تحضير الأشباح والجن والتواصل معهم.
              وقد رأيت فيما مضى من حياتي شخصا من المشتغلين بالعرافة والسحر كان يستعمل هذا النوع من المرايا.
              كان يأتي بطفل دون السادسة من العمر فيقرأ عليه بعض التمائم والتعاويذ أولا ثم يطلب منه أن يركز نظره إلى نقطة داخل المرآة ويسأله عما يرى داخلها، كان يستعمل هذه الطريقة لكشف خفايا السرقات وجرائم القتل وفضح هوية المتورطين فيها.

              والعجيب أنه كان ينجح أحيانا في فك غموض بعض القضايا التي عجزت الشرطة عن حلها، طبعا هذا ما يقوله الناس فأنا لم أره بنفسي يحل لغزا ولا قضية ولا أظنه إلا دجال، لكن ما قيمة رأيي؟ ..

              فبضاعته رائجة وسوقه عامرة بالأموال والهدايا والنساء .. ليتني كنت مثله!.

              من العقائد الغريبة الأخرى عن المرآة هي تلك التي تتحدث عن قدرتها المزعومة في احتجاز أرواح البشر، ولهذا السبب كان الناس في أمريكا وأجزاء من القارة الأوربية يقومون بتغطية جميع المرايا في المنزل عند موت أحد أفراد العائلة، أو عند وجود جثة داخل المنزل. كان لديهم اعتقاد راسخ بضرورة عدم انعكاس صورة الميت في المرآة لكي لا تحتجز روحه داخلها، كما أمنوا بأن الحي يجب أن لا يرى انعكاس صورة الميت في المرآة لأن ذلك يجلب النحس.
              كان هذا الأيمان راسخا إلى درجة أن بعض الناس كانوا يغطون المرآة حتى أثناء نومهم، كانوا يعتقدون بأن الروح تغادر الجسد خلال النوم، وبأن المرآة يمكن أن تحتجز روح النائم وتمنعها من العودة إلى الجسد مما يتسبب بموته.

              المعتقدات الغريبة حول المرآة لا تنتهي عند هذا الحد، فهناك معتقد قديم آخر في أن كسر المرآة يسبب النحس ويجلب الشر، وبأن الشخص الذي يكسر المرآة سيعاني من سوء الحظ لمدة سبعة أعوام. وتكون الطريقة الوحيدة للتخلص من ذلك النحس هي بلملمة جميع أجزاء المرآة المكسورة ودفنها تحت الأرض. أما طول النظر في المرآة فهو مكروه لدى بعض الناس لأنه على حد زعمهم يمكن أن يسبب الحسد، فالمثل الدارج يقول "ما يحسد المال إلا أصحابه"، وعليه فأن الولع والإعجاب والغرور الزائد عن الحد بانعكاس الصورة في المرآة يمكن أن يتسبب بالمرض والموت!.

              المؤرخ أبن الجوزي يورد لنا في ذلك قصصا غريبة، فيحدثنا في منتظمه عن أشخاص ماتوا لأنهم أعجبوا بصورهم في المرآة، كالخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك بن مروان الذي :" لبس يوما حلة وعمامة خضراء، ونظر في المرآة، فقال : أنا الملك الشاب، فما عاش بعد ذلك إلا أسبوعا"!.
              وأتفق مثل ذلك مع الخليفة العباسي أبو العباس السفاح الذي نظر في المرآة يوما وكان من أجمل الناس وجها فقال : "اللهم إني لا أقول كما قال سليمان بن عبد الملك: أنا الملك الشاب، ولكني أقول : اللهم عمرني طويلاً في طاعتك ممتعاً بالعافية. فما استتم كلامه حتى سمع غلاماً يقول لغلام آخر: الأجل بيني وبينك شهران وخمسة أيام، فتطير من كلامه، وقال: حسبي الله، لا قوة إلا بالله، عليه توكلت، وبه أستعين فما مضت إلا أيام حتى أخذته الحمى، فجعل يوم يتصل إلى يوم حتى مات بعد شهرين وخمسة أيام".

              طول النظر في المرآة قد يورث الجنون أيضا، خصوصا عندما يتحول إلى إدمان، وقد يقود في حالات معينة إلى نشوء نوع من الهوس والمرض النفسي من قبيل اضطراب التشوه الجسمي (Body dysmorphic disorder ) والوسواس القهري (Obsessive–compulsive disorder). ولعل قصة نارسيس الإغريقي الذي شاهد انعكاس صورته على وجه الماء فعشق نفسه إلى حد الموت هي أقدم مثال على ذلك الهوس الجنوني بالمظهر والصورة والنفس عموما، ومنه أشتق مصطلح النرجسية (Narcissism )، أي حب الذات. المفارقة أنه يوجد نوع آخر من الاضطراب النفسي معاكس ومغاير تماما، وهو يدعى الخوف من المرآة (Spectrophobia ) ، حيث يرتعب الأشخاص المصابين بهذا المرض من انعكاس صورتهم في المرآة، ولهذا يتجنبون المرايا إلى أقصى الحدود. وهذه الآفة النفسية قد تكون نتيجة لتجربة شخصية سيئة مع المرآة، كأن يكون المريض مولعا بمشاهدة أفلام رعب، أو يكون قد شاهد كابوسا مرعبا فيه مرآة، أو أن يظن بأنه شاهد شبحا أو شيئا مخيفا في المرآة.

              أخيرا فأن الخرافات المتعلقة بالمرآة لا تقتصر على البشر، فحتى الآلهة مولعة بالمرايا. فالمرآة كانت رفيقة محببة للربة افروديت، ربة الجمال والجنس والخصوبة لدى الإغريق. أما الربة الرومانية فينوس فكانت لا تفارق مرآتها اليدوية التي كانت ترى بواسطتها كل شيء، وقد تحولت تلك المرآة لاحقا إلى رمز (Venus symbol ) لكل ما يختص بالأنوثة، رمز نراه في الكثير من المواقع والمنتديات النسائية من دون أن ندرك أصله وكنهه.

              الحديث عن المرايا يطول .. كأنه بلا نهاية .. وفد كنت من السذاجة بحيث ظننت في بادئ الأمر بأن الكتابة عن المرآة لن تأخذ مني سوى بضعة أسطر. فإذا بي أغوص في بحر زاخر وعالم ساحر يغص بالخفايا والأسرار.

              فأنا بصراحة لم أكن أعلم بأن للمرايا هذا التاريخ الطويل من العلم والخرافة .. والفن والصنعة .. والعشق والجمال .. ابتداء من مرآة فنار الإسكندرية العجيب ومرآة أرخميدس الحارقة .. وليس انتهاء بقاعة المرايا الساحرة في قصر فرساي ومرآة منظار هابل الفضائي. ولا أخفيكم سرا بأن نظرتي للمرآة تغيرت كثيرا بعد هذا البحث القصير، فقد زاد احترامي لمرآتي الصغيرة المعلقة على مسمار يتيم في حائط حجرتي ، وسوف أقوم لألمعها وأنفض عنها الغبار واعثذر لها بعد طول نسيان وإهمال.
              وان وجدت جديدا ساوافيكم بة

              التعديل الأخير تم بواسطة محمدعامر; الساعة 2014-11-28, 02:20 AM.

              تعليق


              • #8
                دائما متميز استاذ محمد

                اذكر اني قرات في احد الكتب انه كان هناك ساحر في الجزيرة العربية قبيل الاسلام

                كان الرجل اذا غاب طويلا عن اهله يذهب اليه ليراهم

                كان للساحر قصعة يضع فيها الماء

                ثم يتمتم فيها فيرى الرجل اهله
                [CENTER][SIZE=4][COLOR=#000080] [B]"وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ "[/B][/COLOR][/SIZE]
                [/CENTER]

                تعليق


                • #9

                  تاريخ المرآة :

                  كان سطح الماء هو أقدم مراه عرفها الانسان في التاريخ ، و سبق أن عرفتها الحيوانات من قبله ، في حين أدركت بعض الحيوانات كالفيل و الشمبانزي أن انعكاس صورتها علي سطح النهر او البحيرة ليس سوي انعكاس لصورتها الذاتية ، تجد حيوانات اخري كالقطط مثلا تجد صعوبة في إدراك ذلك ؛ اذ تعتبر الشكل المنعكس حيوانا آخر خلف سطح المرآة ؛ فتتفاعل معه اما بعدائية او فضول .
                  أما المرآة بشكلها الحالي فقد قام باستخدامها قدماء الفراعنة كمرايا نحاسية في مصر الفرعونية منذ عهود الأسر الاولي و كانت لها اشكال و تصميمات مختلفة و منها المرآة ذات المقبض الذي يصنع من عدة مواد كالبرونز أو العاج أو الخشب ، و كانت تحفظ في علب بغرض حمايتها ، و قد عثر علي عده مرايا بقرص نحاسي مصقول يعود الي زمن الأسرة الــ 12 ،
                  اما المرآه الزجاجية فقد ظهرت لأول مرة في القرن السادس عضر في مدينة " فينيسيا " الإيطالية و كانت آنذاك اعجوبة سحرية افتتن بها سائر الناس وانتشرت بينهم حتي انها اصبحت موضوعا استوحي منه الفنانون اعمالهم .




                  آساطير مرتبطة بالمرآه


                  اسطورة النرجس

                  في اليونان القديمة كانت هناك أسطورة عن شاب اسمه " نرسيس " و الذي كان معجبـًا جدًا بوسامته و شكله ، فكان يتطلع كل يوم في ماء البحيرة ، الي أن سقط مرة في الماء و تحول الي زهرة النرجس الجميلة و منها نشأ مصطلح النرجسية المعروف الآن و الذ يرتبط بالغرور و حب الذات .
                  و كان البدائيون أمثال قبائل " الزولو " و قدماء المصريين و الاغريق و اليونان ، لا يميزون بين ظل الانسان " خياله " و روحه ؛ لذلك يتجنبون النظر الي صورهم المنعكسة علي صفحة الماء ؛ كي لا تلتهمها التماسيح او الجنيات فتسلب ارواحهم ؛ و ربما يكون هذا هو الاصل البعيد لاسطورة " نرجس " ذلك الفتي الذي هلك من طول تأمل صورنه الجميلة في الماء ، كما ساد الاعتقاد في المجتمعات البدائية بأن الانعكاس يعني الروح و تعريض شخص لانعكاس المرآة او أي سطح عاكس يجعله مهددًا بالخطر و الموت




                  اسطورة المستقبل

                  ارتبطت المرآه عبر التاريخ بجملة من المعتقدات و الخرافات التي تراكمت في الموروث الشعبي ، منها ان تتكهن بالمستقبل فقد استخدمت الشعوب القديمه المرايا في السحر والتكهن بالمستقبل و غيرها من الامور التي اخرجت المرآه من مهمتها العاكسه الي اطار خرافي يختلف باختلاف المجتمعات ، خاصةً في العصور الوسطي و حتي مطلع القرن الــ 19 في اوروبا و كانت المرآه السوداء - بالاضافه الي الكرة البلورية - تعتبر ادوات جيدة للتكهن عند السحرة ؛ حيث كان هناك اعتقاد بأن التحديق في المرآه يمكن ان يكشف الهالة المحيطة بالانسان " وكل هذا من الخرافات المدسوسة " و قد عرف بعض الملوك و الدول استعمالهم مرايا سحرية و منهم الملك " هنري " ملك فرنسا حيث كان يستعين بالمرآه السحرية في أغلب الأحيان للتكهن و الملكة " اليزابيث الأولي " ؛ حيث كان الساحر الملكي يستخدم بيضة و مرآه سوداء من الزجاج البركاني للتكهن




                  اسطورة فتي الأحلام

                  و قديما في اوروبا كان فارس الاحلام او العريس المرتقب يشكل هاجسـًا ملازمـًا لمعظم النساء في اوروبا و كونه يظل مجهولاً قبل ان يصبح حقيقه ،فقد كن يحاولن معرفته بشتي الطرق و منها التكهن بالمرايا فقد كان يعتقد ان البنت التي تحدق في انعكاس القمر في مرآه ستعلم يوم زفافها ، و كانت الفتاه تقوم بطقوس خاصة لذلك المستقبل ، فتأكل تفاحة حمراء و تمشط شعرها عند منتصف الليل امام المرآه و حينها ستري زوج المستقبل في آحلامها



                  صو
                  ره للانعكاس علي سطح الماء " منظر بديع "


                  اسطورة " ماري "


                  حكايات المرآه ليست كلها سعيده ، فمنها ما يثير الرعب في النفوس ، و أشهرها في بريطانيا و هي حكاية وجه ماري الدامي في المرآه التي يتناقلها الناس بينهم و تقول الحكاية انه قبل نحو 100 سنة تعرضت امرآه لحادث فظيع خدش وجهها بشكل سئ فنزفت حتي الموت متأثرة بجراحها و وجهها المشوه ، و لكنها اصبحت تظهر في شكل شبح شرير يطارد الناس في المرايا ، فما ان يقف الشخص امام المرآه و يكرر اسمها ثلاث مرات حتي يري وجهها المشوه في الظلام ، فان لم يهرب بأقصي سرعة فستحاول ماري الشريره ان تشوه وجهه .
                  و ظهرت افلام كثيره في بريطانيا عن ماري لا انصح احد بمشاهدتها

                  تعليق


                  • #10

                    ماري الدموية تعشق أقتلاع العيون


                    التواصل مع ماري واستدعائها أمر بسيط وسهل كما شرحنا سابقا لكن على العكس من ذلك فأن معرفة هويتها الحقيقية هو أمر في غاية الصعوبة، فهناك العديد من القصص التي تدور حول المرأة الكامنة وراء شخصية ماري الدموية، والتي تعرف أيضا بأسم ماري روث، لكن في زحمة تلك القصص ضاعت الحقيقة و أندثر أثرها تماما. أقدم تلك القصص تعود بنا إلى الوراء عدة قرون، إلى ساحرة شمطاء تدعى ماري كانت تعيش بمفردها في كوخ صغير يقع داخل غابة كبيرة موحشة تمتد بالقرب من إحدى القرى الريفية الوادعة. كانت عجوزا طاعنة في السن تملئ التجاعيد وجهها وقد انحنى ظهرها وتقوس تحت وطأة السنين، لكنها كانت نشطة جدا قياسا بمظهرها العجوز، كانت تسير بسرعة وخفة عجيبة تحت ظلال الغابة الكثيفة وهي ترتدي ثوبا أسود طويل، ما كانت العين لتميزها بسهولة لولا عيناها الكبيرتان اللتان كانتا تبرقان خبثا ولؤما.

                    لا أحد يعلم ماذا كانت الساحرة العجوز تفعل بمفردها داخل كوخها المنعزل، الناس ظنوا بأنها مشغولة في تحضير بعض الوصفات السحرية، فالروائح الغريبة كانت تنبعث عن كوخها باستمرار ولم تكن مدخنتها تتوقف أبدا عن نفث الدخان. وبالرغم من خوف القرويون منها إلا أنهم كانوا يقصدون كوخها من حين لآخر لمقايضة حبوبهم وحيواناتهم بالأعشاب والعقاقير التي كانت الساحرة تصنعها، وباستثناء تلك المرات القليلة فأن القرويون عموما كانوا يتجنبون المرور بكوخها. كانوا يخشون أن تصيبهم منها لعنة شريرة تدمر محاصيلهم وتقتل حيواناتهم وتؤدي إلى مرض أطفالهم. كانوا يفضلون أن تبقى الساحرة بعيدة عن قريتهم الجميلة المسالمة.



                    لا احد يعلم ماذا كانت تفعل في كوخها


                    لكن هدوء وسلام القرية تعكر في أحد الأيام بعد اختفاء فتاة صغيرة من كوخ والديها، استيقظوا صباحا ولم يجدوها في فراشها، وباءت بالفشل جميع الجهود للعثور عليها. وليت الأمر انتهى عند هذا الحد، فخلال الأسابيع القليلة التالية اختفت فتيات أخريات بنفس الطراز الغامض. ومن شدة لهفة الأهالي على بناتهم تجرأ بعضهم على الذهاب إلى الغابة ودق باب كوخ الساحرة العجوز لسؤالها عن مصير الفتيات المفقودات. لكن الساحرة قالت بأنها لم تر أي من الفتيات وأنكرت أي علاقة لها باختفائهن.

                    وبالرغم من أن الأهالي كانوا يرتابون في الساحرة لكنهم لم يستطيعوا اتهامها من دون دليل، بيد أن شكوكهم زادت بعدما لاحظوا التغير المدهش الذي طرأ على شكل الساحرة وهيئتها، فقد أصبحت أكثر نضارة وشبابا عن ذي قبل كأن السنين قد عادت بها إلى الوراء.

                    مسلسل اختفاء الفتيات أستمر يقض مضاجع القرويين ويثير الرعب في نفوسهن إلى درجة أن بعض الإباء راحوا يقيدون بناتهم ليلا لئلا يختفين تحت جنح الظلام. وأستمر الحال على هذا المنوال حتى حلت تلك الليلة المرعبة التي انكشف فيها الغموض وتجلت فيها الحقيقة. حدث ذلك في إحدى الليالي المقمرة. جميع السكان كانوا يغطون في نوم عميق في تلك الليلة باستثناء زوجة احد القرويين التي منعها وجع أضراسها من النوم فجلست تحاول تسكين ألمها ببعض الأعشاب الطبية، وبينما هي في تلك الحال إذ شاهدت ابنتها الصغيرة وهي تنهض من فراشها فجأة ثم تمضي نحو باب الكوخ فتفتحه وتسير مبتعدة باتجاه الغابة المظلمة. الأم المرعوبة صرخت على ابنتها ونادتها عدة مرات، لكن الفتاة لم تلتفت إليها واستمرت بالسير نحو الغابة.

                    صراخ الأم أيقظ الأب والجيران الذين هرعوا جميعا لردع الفتاة عن المضي نحو الغابة. العجيب أنه بالرغم من صغر سن الفتاة وهزال جسدها إلا أن الرجال واجهوا صعوبة كبيرة في السيطرة عليها وإخضاعها، إذ بدت وكأنها تسير من دون وعي وإدراك، كأنها منومة أو مخدرة، شخص ما كان يسيطر على عقلها ويدفعها للسير في اتجاه واحد لا تحيد عنه.

                    في هذه الأثناء صرخ أحد القرويين فجأة وأشار بيده نحو الغابة، فألتفت الجميع نحو الجهة التي أشار إليها الرجل ليشاهدوا الساحرة العجوز وهي تقف بالقرب من جذع شجرة جوز ضخمة عند أطراف الغابة، كان جسدها محاطا بهالة خضراء عجيبة، وكانت تتمايل جيئة وذهابا وهي تردد تعاويذها السحرية وقد أمسكت بيدها عصا طويلة أشارت بطرفها نحو كوخ الفتاة الصغيرة التي كان القرويون يحاولون الإمساك بها.

                    القرويون صرخوا على الساحرة وطاردوها فهربت حين أحست باقترابهم منها، وما أن فرت الساحرة من مكانها حتى استعادت الفتاة الصغيرة وعيها كأنها استيقظت من النوم للتو. فأيقن القرويون بأن ما أصاب الفتاة كان بفعل الساحرة، وتأكدوا بأنها هي التي قامت بخطف بناتهم، وفي سورة غضبهم العارمة هجموا على كوخها المخيف في الغابة، في الداخل كانت هناك قدور كبيرة تغلي بمواد غريبة، وعلى الطاولات تناثرت أشلاء الكثير من الحيوانات .. قطط ..كلاب .. ضفادع .. وكانت هناك الكثير من الأواني الزجاجية المليئة بالسوائل الملونة وأوراق وجذور الأعشاب والنباتات البرية. أما القبو أسفل الكوخ فقد كان الأكثر رعبا، فجدرانه كانت مضرجة بالدماء وفي زواياه المظلمة تكومت بعض الجماجم والعظام بشرية، وتحت أرضيته الخشبية عثر القرويون على جثث فتياتهم المفقودات. تبين لهم بأن الساحرة قامت بقتلهن من أجل استخدام دمائهن في تحضير وصفات سحرية تعيد إليها حيويتها وشبابها.

                    الأهالي الغاضبين ألقوا القبض على الساحرة وحملوها معهم نحو القرية حيث شيدوا محرقة كبيرة قيدوا الساحرة إلى عمود طويل في وسطها وأشعلوا النار في الحطب. وما أن ارتفعت ألسنة اللهب حتى راحت الساحرة العجوز تتمتم بكلمات غير مفهومة ولاحظ القرويون ظهور أشباح سوداء مخيفة راحت تحوم وتزعق بجنون فوق رأس الساحرة التي استمرت في ترديد تعاويذها الغامضة حتى اقتربت النار منها وتعلقت بأذيالها، عندها نظرت الساحرة إلى القرويين بعيون يتطاير منها الشرر ثم ألقت عليهم لعنتها الأخيرة، وهي لعنة سوداء أطلق القرويون عليها أسم "انتقام الساحرة"، وبحسب تلك اللعنة فأن أية فتاة تجرؤ على ترديد أسم الساحرة أمام المرآة ستتعرض لعقاب مروع على يد روح شريرة سخرتها الساحرة من أجل الانتقام لمقتلها. ومنذ ذلك الحين ظهرت لعنة ماري الدموية إلى الوجود.



                    أحرقوا الساحرة بالنار


                    هذه القصة تعد من أشهر القصص التي تناولت الشخصية الأصلية لماري الدموية، وقد ساهمت كثيرا في شهرة الخرافة حين نشرتها كاتبة أمريكية ضمن مجموعة من القصص عام 1978، لكنها لم تكن الوحيدة، فهناك قصص أخرى .. أحداها تزعم بأن ماري كانت في واقع الأمر فتاة ارستقراطية حسناء تعيش في قصر كبير مع والديها الثريين والكثير من الحشم والخدم. كانت قاسية ومتعجرفة وشديدة الغرور بجمالها، تمضي الساعات الطوال وهي تقف أمام المرآة تتمعن في تناسق وروعة وجهها وقوامها.

                    لكن تشاء الأقدار أن تتعرض ماري لحادث مروع يؤدي إلى تشوه وجهها المليح. ولشدة خوفهم وإشفاقهم عليها أخفى والديها جميع المرايا الموجودة في القصر لكي لا تستطيع ماري رؤية وجهها المشوه في المرآة فتصدم وتفقد رشدها. لكن ماري لم تستطع مقاومة إغراء النظر إلى وجهها طويلا، فتسللت في إحدى الليالي إلى حمام يقع في أحد أجنحة القصر المتروكة حيث كانت هناك مرآة كبيرة نسي أهلها أن يرفعوها، هناك شاهدت ماري ما أصاب وجهها الجميل من خراب ودمار، ولشدة حزنها وصدمتها فقد سقطت ميتة، ويقال بأن روحها الحزينة قفزت إلى داخل المرآة لتبحث عن صورتها القديمة الجميلة، ومنذ ذلك الحين أخذت تظهر في كل مرة يجرؤ شخص ما على نطق أسمها أمام المرآة، تظهر لكي تنتزع روحه وتسحبها معها إلى داخل المرآة.



                    لم تتحمل رؤية وجهها المشوه في المرآة


                    هناك قصة ثالثة تزعم بأن الفتاة التي تحولت لاحقا إلى ماري الدموية كانت تعيش في بلدة جاكسون الأمريكية قبل أكثر من مئة عام، أسمها الحقيقي هو ماري روث. كانت فتاة جميلة وذكية تعثرت في أحد الأيام بينما كانت تهبط السلم مسرعة من غرفتها في الطابق العلوي فأصيب رأسها إصابة بالغة دخلت على أثرها في غيبوبة عميقة. ولأن الطب في ذلك الزمان لم يكن متطورا كما هو اليوم، ولم يكن لدى الأطباء الدراية الكافية التي تمكنهم من التفريق بين الموت والغيبوبة الطويلة (Coma ) ، لذلك أخطئوا في تشخيص حالة ماري وظنوا بأنها ميتة فقامت عائلتها بدفنها وهي حية.



                    دفنوها وهي حية ..


                    وخلال الأيام التالية لدفنها أخذت ماري تظهر في أحلام أمها، تصرخ وتتوسل لكي يخرجوها من القبر. لكن أحدا لم يأخذ تلك الأحلام على محمل الجد وظن الجميع بأن الأم تهذي وتهلوس بسبب حزنها العميق على خسارة ابنتها. لكن تكرار الحلم في كل ليلة جعل الأم تصر على نبش قبر أبنتها للتأكد من حقيقة موتها، وتحت هذا الإصرار تم فتح القبر. وقد صدم الجميع لما شاهدوه في الداخل، كانت هناك شقوق وثقوب على سطح الغطاء الخشبي للتابوت، ومن تلك الثقوب ظهرت أصابع ماري الصغيرة وقد تخضبت بالدماء وتكسرت أظافرها. فالبنت المسكينة استعادت وعيها بعد أن دفنوها بفترة قصيرة لتجد نفسها حبيسة التابوت، فحاولت بكل قواها أن تكسر الغطاء الخشبي لكي تخرج لكنها لم تفلح في فتحه وظلت حبيسة القبر لعدة ليال حتى ماتت أخيرا من الرعب والعطش والجوع. ويقال بأن أي شخص ينادي بأسم تلك الفتاة أمام المرآة ما بين 3 إلى 100 مرة فأنها ستظهر لتنفث غضبها عليه، سيراها على شكل فتاة غاضبة وممزقة الثياب تنزل سلما عاليا وهي تمسك بسكينة كبيرة في يدها، ستنزل على مهل لتحز عنق الشخص الذي طلبها، والطريقة الوحيدة للنجاة منها هي بإطفاء الشموع بسرعة لكي يغرق المكان بالظلام فلا تتمكن الفتاة من رؤية ضحيتها.


                    تعليق


                    • #11





                      ارتبط تطور استخدام المرايا بتطور صناعتها , فحتى القرن التاسع عشر كانت ألواح الزجاج تغطى من الخلف بطبقة رقيقة من المعادن العاكسة , و هي مزيج من الزئبق والقصدير .


                      ويعد جوستس فون ليبغ أول من بدا عملية طلاء لوح الزجاج بالفضة في عام 1935 , وبهذه الخطوة فتح المجال أمام التقنيات الحديثة في صنع المرايا بوضع طبقة رقيقة من الفضة والألمنيوم على السطح الخلفي للوح الزجاجي , على عكس المرايا التي تستخدم في المنظارات والأدوات البصرية حيث السطح الأمامي للوح الزجاجي هو الذي يطلى الفضة والألمنيوم .‏

                      وقد سمحت التقنيات الحديثة قليلة التكاليف باستخدام المرايا بشكل واسع بدءا من القرن التاسع عشر , ولم يعد استخدامها محصورا بقطع الأثاث المنزلي كخزائن الملابس وغرف الطعام بل أصبحت تستخدم في مجالات لا حصر لها بدءا بغرف النوم ووصولا إلى السيارات في الشوارع .‏


                      وعودة إلى تاريخ المرايا نرى ان أقدم مرآة وصلت إلينا من مصر الفرعونية تعود إلى الألف الثاني قبل الميلاد وهي محفوظة اليوم في متحف القاهرة , و يتزامن تاريخ صنع هذه المرآة مع ولادة أسطورة نرسيس .‏

                      واستعملت المرايا كأدوات منزلية وللزينة عند الفينيقيين والمصريين والإغريق , والرومان ,‏

                      وكانت مرايا الماضي تختلف عن تلك التي نستخدمها اليوم , فقد كانت صغيرة الحجم تصنع يدويا على شكل اسطوانات أو أقراص محدبة قليلا ً وكانت أحدى صفحتي القرص تصقل صقلا ً شديدا كي تعكس الصورة بشكل طبيعي وواضح كما أن ثمنها كان باهظا لأنها كانت تصنع من المعادن الثمينة كالبرونز و الفضة و الذهب .‏




                      ولم تظهر المرايا كبيرة الحجم التي تظهر الجسم كاملا إلا في القرن الأول بعد الميلاد أما استخدام الزجاج المطلي بالمعدن المصهور فلم يبدأ إلا في أواخر القرن الثاني عشر , وظلت المرايا معروفة على هذا النحو إلى ما بعد العصور الوسطى .‏

                      و في القرن السادس عشر طرأ تطور ملحوظ على صناعة المرايا وما ان اطل عصر النهضة حتى كان لمدينتي نور نبرغ و البندقية صيت ذائع في انتاج المرايا وامتازت تلك المصنوعة في جزيرة مورانو قرب البندقية بجودتها العالية .‏

                      وعلى الرغم من القيود التي فرضها قضاة البندقية على العاملين في صناعة المرايا إلا ان هؤلاء لم يتوانوا بفعل الإغراءات المادية عن حمل أسرار هذه المهنة ونشرها في مدن أخرى في أوروبا مثل لندن وباريس .‏





                      وكانت المرايا في ذلك الحين لا تزال باهظة الثمن ومن معالم الثراء و الابهار و المكانة الاجتماعية العالية , ولذا فليس عجبا ً أن يكون لقصر فرساي في فرنسا ذلك الإبهار الصارخ بعدما تزينت اكبر قاعاته بعدد كبير من المرايا العملاقة المواجهة للنوافذ الكبيرة‏

                      وعلى الرغم من ان سقف القاعة مزين برسوم رائعة لأستاذ الكلاسيكية الفرنسية لوبرون , فإن المرايا هي التي أعطت اسمها لهذه القاعة وفي قاعة المرايا هذه أعلنت الوحدة الألمانية عام 1970 م بعد هزيمة فرنسا في حربها مع بروسيا وفي القاعة نفسها أعلنت نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918 كي تثأر فرنسا من هزيمتها القديمة .‏
                      إن أقدم مرآة وصلت إلينا كانت من مصر الفرعونية وتعود إلى الألف الثاني قبل الميلاد، وهي محفوظة اليوم في متحف القاهرة. والغريب أن تاريخ صنع هذه المرآة يتزامن مع ولادة أسطورة نرسيس. فهل هي صدفة أن تولد المرآة مع ولادة فردية الإنسان واهتمامه بنفسه فور خروجه من عتمة ما قبل التاريخ؟ ألا يصح القول هنا أن نظرة نرسيس إلى المياه - المرآة كانت أول فعل اكتشاف الإنسان لنفسه؟


                      المصريون، الإغريق، الفينيقيون، الأتروسكيون، الرومان.. استعملوا المرايا كأدوات منزلية وللزينة. لكن مرايا الماضي كانت تختلف عن تلك التي نستخدمها اليوم. فقد كانت صغيرة الحجم تصنع يدوياً على شكل أسطوانات أو أقراص محدّبة قليلاً. وكانت إحدى صفحتي القرص تصقل صقلاً شديداً كي تعكس الصورة بشكل طبيعي وواضح. كما أن ثمنها كان باهظاً؛ لأنها كانت تصنع من المعادن الثمينة كالبرونز والفضة والذهب. ولم تظهر المرايا كبيرة الحجم التي تظهر الجسم كاملاً إلا في القرن الأول بعد الميلاد. أما استخدام الزجاج المطلي بالصهارة المعدنية فلم يبدأ إلا في أواخر القرن الثاني عشر الميلادي.

                      وظلّت المرايا معروفة على هذا النحو إلى ما بعد العصور الوسطى. ففي القرن السادس عشر طرأ تطوّر ملحوظ على صناعة المرايا، وما إن أطلَّ عصر النهضة حتى كان لمدينة نورنبرغ والبندقية صيتٌ ذائعٌ في إنتاج المرايا، وامتازت تلك المرايا المصنوعة في جزيرة مورانو Murano قرب البندقية بجودتها العالية.

                      وعلى الرغم من القيود التي فرضها قُضاة البندقية على العاملين في صناعة المرايا، إلا أن هؤلاء لم يتأخّروا، بفعل الإغراءات المادية، عن حمل أسرار هذه المهنة ونشرها في مدن أخرى في أوروبا مثل لندن وباريس. وكانت المرايا في ذاك الحين لا تزال باهظة الأثمان، ومن معالم الثراء والأبهة والمكانة الاجتماعية العالية. ولذا، فليس عجباً أن يكون لقصر فرساي في فرنسا ذلك الإبهار الصارخ بعدما تزينت أكبر قاعاته بعدد كبير من المرايا العملاقة المواجهة للنوافذ الكبيرة.


                      وعلى الرغم من أن سقف القاعة مزين برسوم رائعة لأستاذ الكلاسيكية الفرنسية لوبرون، فإن المرايا هي التي أعطت اسمها لهذه القاعة. وفي قاعة المرايا هذه أعلنت الوحدة الألمانية عام 1870م، بعد هزيمة فرنسا في حربها مع بروسيا، وفي القاعة نفسها أعلنت نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918م، كي تثأر فرنسا من هزيمتها القديمة.

                      وارتبط تطور استخدام المرايا بتطور صناعتها. فحتى القرن التاسع عشر كانت ألواح الزجاج تُغطى من الخلف، بصحيفة رقيقة من المعدن العاكس، وهو عبارة عن مزيج من الزئيق والقصدير. وفي العام 1835م، كان جوستس فون ليبغ أول من بدأ عملية طلاء لوح الزجاج بفضة معدنية. وبهذه الخطوة الرائدة، فتح المجال أمام التقنيات الحديثة في صنع المرايا: وضع طبقة رقيقة من الألومنيوم أو الفضة على السطح الخلفي للوح الزجاجي. على عكس المرايا التي تُستخدم في المنظارات والأدوات البصرية الأخرى، حيث السطح الأمامي للوح الزجاجي هو الذي يُطلى بالفضة أو الألومنيوم.

                      وقد سمحت التقنيات الحديثة قليلة التكاليف باستخدام المرايا بشكل واسع بدءاً من القرن التاسع عشر، ولم يعد استخدامها محصوراً بقطع الأثاث المنزلي كخزائن الملابس، وبوفيهات غرف الطعام، بل أصبحت تستخدم في مجالات لا حصر لها، بدءاً بغرف النوم، وصولاً إلى السيارات في الشوارع.


                      يتبع

                      تعليق


                      • #12



                        المرآة رفيقة المرأة، في البيت وفي السيارة وفي حقيبة اليد، بل في كل مكان ترى فيه المرأة وجهها حتى ولو كان سطحاً صقيلاً. تطول وقفتها قبالة المرآة. تنظر إلى جمالها ومحاسنها.. تسرّح شعرها.. تتأمل هندامها وزينتها، وقد قيل في بعض الأمثال: المرآة روح المرأة كما السيف روح المحارب.

                        وإذا ما كانت المرآة تعكس مظهر المرأة الخارجي، فهل هي تعكس أيضاً شخصيتها الداخلية؟! لنر.. وسنجد أنفسنا نُقرّ بصحّة جوانب عديدة من هذه الاعتقادات. يُقال إن صاحبة الشخصية المبتسمة هي التي تبتسم كلّما نظرت في المرآة؛ ذلك لأنها تكون راضية عن نفسها، بشوشة، محبّة للآخرين وصديقة لِمن حَوْلها.
                        أما المرأة التي تُطيل النظر في المرآة وتتأمل عينيها ووجهها بعناية شديدة، فهي صاحبة شخصية تأمّلية، تحاول أن تجد أجوبة عن تساؤلاتها وحيرتها من خلال نظراتها المتمعّنة في عينيها.

                        وصاحبة الشخصية المُتشائمة هي التي، عندما تنظر في المرآة، ترى كل شيء إلاَّ نفسها، حتى جمالها لا تراه. إذ تظن أن المرآة لا تعكس إلاَّ ما هو قبيح.

                        والمرأة الحالمة هي التي تُطيل النظر في المرآة وكأنها شاشة سحرية تريد أن ترى فيها كل ما كانت تتمناه في الماضي، وكل الحاضر حولها، وما تحلم به أو تريد تحقيقه في المستقبل.



                        هذا، بعكس تلك التي تتجنّب النظر إلى المرآة، وتُشيح بوجهها عنها إذا تَصادف وجودها قبالتها، فهذه المرأة هي صاحبة شخصية رافضة، غير اجتماعية، لا تهتم كثيراً للمظهر الخارجي، وإنّما يهمّها الموضوع والجوهر.

                        ويُقال أيضاً إن صاحبة الشخصية الحزينة العاطفية، هي التي تقف بصمت أمام المرآة، وتركّز النظر إلى العينين لتُجسّد حُزنها برؤية الدموع تنهمر منهما، وقد تكون الرغبة في البكاء هي سبب وقوفها أمام المرآة.

                        وهناك نساء لا يستطعن منع أنفسهن من النظر إلى أية مرآة تُقابلهن، أو حتى إلى أي سطح زجاجي أو سطح عاكس. فمثل هذه المرأة تتمتع بشخصية حساسة تهتم بمتابعة أحدث خطوط الموضة، وعادة ما تكون ممن يمارسْن الرياضة فهي تحب المحافظة على رشاقتها، وتميل إلى التنسيق والديكور، وتحب الملابس والعطور.



                        وربما أفضل تسمية لصاحبة هذه الشخصية هي عاشقة المرآة .

                        يقول أحد خبراء التجميل إنه لا يمكن تحديد علاقة المرأة بالمرآة بمواصفات ثابتة. فهي علاقة متغيّرة تبعاً للمزاجات البيولوجية والحالات النفسية.

                        أما الإكثار من التطلع إلى المرآة فقد يوجد في نفس المرأة ما هو غير الرضا عن الذات، خاصةً إذا تمنعت بسماتها التي خصها بها الخالق، وسعت إلى مقارنتها بالصورة المتخيلة التي نسجتها لنفسها في ذهنها.

                        فهذا ما دفع ويدفع نساء عديدات إلى الإكثار من العمليات الجراحية التجميلية التي أفقدتهن جمالهن الطبيعي. فبتنا نرى وجوهاً مركبة متشابهة، لا تنسجم مع الحقيقة الشخصية.




                        إن تكون المرآة رفيقة المرأة الدائمة، في غرفة النوم، وفي حقيبتها اليدوية، وفي مركز التجميل.. فهذا لا يعني أن المرأة احتكرت المرآة. فقد أظهر استطلاع نشرته الصحف قبل أسابيع في فرنسا أن 81 في المئة من النساء و74 في المئة من الرجال ينظرون إلى المرآة مرة على الأقل في اليوم.

                        فمهما بلغ إهمال الرجل لهندامه ومظهره الخارجي، فهو مضطر إلى التطلع إلى المرآة عند حلاقة ذقنه كل صباح. فالمرآة وحدها تستطيع أن تدل يده الممسكة بشفرة الحلاقة.. ووحدها تخبره أنه أتم الحلاقة بشكل جيد. هذا إذا استطاع أن يستغني عنها عند تصفيف شعره.

                        وفي محلات الحلاقة الرجالية، لا يقل حجم المرايا ودورها عما هي عليه في مراكز التجميل النسائية. فإضافة إلى المرآة الرئيسة التي يجلس أمامها الرجل لنصف ساعة مستسلماً إلى أنامل الحلاّق، لا بد وأن يلجأ هذا الأخير إلى مرآة ثانية أصغر حجماً بعد أن يتم عمله، فيضعها خلف رأس الزبون، لتنعكس بدورها على المرآة الكبيرة أمامه، وتسمح له بالتالي برؤية شكل رأسه من الخلف.. الشيء الذي لم ولن يستطيع أي إنسان أن يراه من دون المرآة.




                        أنواع المرايا

                        تختلف الصور التي تعكسها المرآة باختلاف شكل المرآة. وهناك ثلاثة أنواع رئيسة من المرايا، هي:

                        1 - المرايا المستوية

                        للمرايا المستوية أسطح مستوية وتُعد معظم المرايا المستخدمة في حياتنا اليومية من هذا النوع. ويسمّى الخط المتعامِد على المرآة المستوية في أية نقطة انعكاساً عمودياً ، ويرتطم الضوء بالمرآة بزاوية ما إلى الخط العمودي، تُسمى زاوية السقوط. وينعكس الضوء بزاوية مساوية على الجانب الآخر من الخط العمودي. وتسمى هذه زاوية الانعكاس. وهاتان الزاويتان متساويتان دائماً.




                        والصورة التي تتكوّن على المرآة المستوية، التي تبدو كأنها خلف المرآة، هي صورة تقديرية كما أنّها قائمة أي أن طرفها الصحيح إلى الأعلى، لكنها معكوسة من اليسار إلى اليمين. وقد تكون الصورة في حجم الجسم نفسه الذي تعكسه، وتبدو مُتعادِلة البُعد من المرآة.

                        2 - المرايا المحدّبة

                        وهي تشبه الجزء المقوّس من السطح الخارجي للجسم الكُروي. وفي حالة إنارة المرآة المحدّبة بأشعة متوازية من الضوء، فإن الضوء المنعكس يبدو وكأنّه يأتي من نقطة خلف المرآة تُسمّى البؤرة . وتقع البؤرة في منتصف المسافة بين المرآة ومركز تقوّس المرآة. وهو مركز الجسم الكروي الذي تشكّل المرآة جزءاً منه.



                        تكوّن المرآة المحدّبة صوراً تقديرية قائمة لكنّها مُصَغَّرة، أي أصغر من الأجسام التي تعكسها. وتوجد في كثيرٍ من السيارات مرايا رؤيةٍ خلفيةٍ محدّبة كي تزوِّد السائق بمجال رؤية أوسع مما تزوّده به المرايا المستوية.

                        3 - المرايا المقعّرة

                        وهي تُشبه الجزء المقوّس المجُوَّف من السطح الداخلي للشكل الكُرَوي. وتتواجد كلّ من البؤرة ومركز البؤرة أمام المرآة. كما أن البؤرة بؤرة حقيقية، وذلك لأن أشعة الشمس المتوازية المرتطمة بالمرآة تتلاقى في هذه النقطة عند انعكاسها. وتستخدم أفران الطاقة الشمسية المرايا المقَعَّرة لتركيز أشعة الشمس.



                        تكون الصورة التي تظهر على المرآة المقعّرة صورة تقديرية قائمة ومكبّرة. وتشمل المرايا المقعّرة مرايا الحلاقة ومرايا الزينة. وعادة ما ينتج نوعا المرايا المحدّبة والمرايا المقعّرة صورة مشوّهة إلى حدٍّ ما.

                        المرآة في الفن والأدب

                        مالي أحدق في المرآة أسألها: بأي ثوب من الأثواب ألقاه في هذه الأغنية التي أنشدتها نجاة الصغيرة من كلمات نزار قباني، تظهر المرآة فجأة أمام أعيننا بوظيفتها المزدوجة. فهي من ناحية، مجرد لوحة تعكس النور والصورة المماثلة في مواجهتها – وهذه وظيفتها الفيزيائية – ومن ناحية ثانية، هي متحدث يتوجه إليه المرء سائلاً متأملاً شاكياً، ما يعني أن لها وظيفة أخرى غير وظيفتها الأولى. ومنذ نرسيس (الذي رأى صورته منعكسة في الماء فذهل بجماله من دون أن يعرف أن الصورة صورته ومات دون أن يتمكن من العثور على ذلك الكائن الجميل الذي هو بنفسه)، وحتى وصولاً إلى الشعراء والفنانين الذين شكلت المرآة واحداً من مصادر إلهامهم، تجاوزت المرآة كثيراً وفي العمق، وظيفتها الأولى، لتدخل في الوظيفة الثانية.

                        والحقيقة أن المبدعين، جعلوا من المرآة دائماً، العنصر المكمل للساعة (الزمن) وللنافذة (الانفتاح على الخارج.. الآخر)، باعتبارها إطلالة على الداخل؛ لأن المرآة هي في المقام الأول، الحيز الذي يرى فيه المرء نفسه، واقعياً ورمزياً في آنٍ معاً. ومن هنا، فإن نجاة الصغيرة حين تتوجه بالحديث إلى مرآتها. فإنها إنما تتوجه به إلى ذاتها إلى داخلها. ولطالما فرّغ البائسون والفرحون، القلقون والمنتظرون، شؤونهم وشجونهم في ذلك المسطح الذي قد يكون من النادر مشاهدة فيلم من الأفلام إلا وله فيه حضور.




                        ومع هذا، ربما تكون المرآة الأشهر في تاريخ الأدب، هي تلك اللوحة التي لا علاقة لها بالمرآة الواقعية، والتي رُسم عليها دوريان غراب - في رواية أوسكار وايلد – وفيما بقي دوريان شاباً، راحت صورته في اللوحة تشيخ. والحال أن أحداً غير النرجسي وايلد ما كان في مقدوره أن يكتب مثل هذه الرواية.

                        وكذلك كان صعباً على أي سينمائي آخر، غير أورسون ويلز، أن يترك لنا ذلك المشهد الرائع والغامض في فيلمه سيدة من شانغهاي ، حيث تعكس عشرات المرايا صورته وامرأته، ريتا هايوارث، بطلة فيلمه وشريكة حياته في ذلك الحين (أواسط أربعينيات القرن العشرين). وهذه الصورة، حتى خارج سياق الفيلم، تبدو الأشهر في تاريخ السينما.

                        إذاً، المرآة التي ولدت في أسطورة نرسيس التي يرويها لنا أوفيد في مسخ الكائنات ، امتزجت على مر الزمن بالغموض، ولكن أيضاً بالتفات المرء إلى داخل ذاته. هذه الذات التي كثيراً ما عبر الفنانون والكتاب عن الرغبة في التسلل إليها، عبر العبور إلى الجانب الآخر من المرآة ( أليس في بلاد العجائب للويس كارول). ولقد عزز من تعامل المبدعين هذا مع المرآة، فكرة أنها، بمقدار ما نحدق نحن فيها، تحدق هي فينا، في لعبة تبادلية تبدو أحياناً مسلية، وأحياناً مثيرة للفضول، ولكن – في أحيان كثيرة – مثيرة للرعب أيضاً، ما يجعل خوف الإنسان من ذاته، الخوف الأكبر الذي اعتراه ويعتريه على مر الأزمان.




                        ومنذ القدم شقت المرآة طريقها، من الأسطورة إلى السينما والشعر الحديث، وصولاً، مثلاً، إلى الشاعرة الإنجليزية سيلفيا بلايت (1932 – 1963م) التي وصفت في قصيدتها الأشهر مرآة ، ما روته المرآة نفسها حول سيدة عجوز تأتي لتحدق فيها كل صباح، تاركة عندها الفتاة الشابة الحسناء التي كانتها ذات يوم.. حتى اللحظة التي تتحول فيها هذه المرآة الراوية إلى بحيرة تنحني عليها العجوز باحثة عما هي عليه حقاً على صفحتي اللامعة .

                        أما المهتم الأكبر بالمرآة، فكان فرويد، عالم التحليل النفسي، الذي وصف الأحلام كلها بأنها ليست شيئاً آخر سوى مرآة الشعور، أي الصفحة التي تنعكس عليها مخاوفنا وآمالنا وضروب قلقنا، حين نخلد إلى النوم، وبدلاً من أن نحدق في المرآة متسائلين عن ذواتـنا، شكلاً ومضموناً، نحدق في تلك المرآة الداخلية طارحين عليها آلاف المشاعر والإحباطات والتمنيات.



                        المرآة في الفن

                        ظهرت المرآة في فن الرسم مع ظهور اللوحات الأولى ذوات المواضيع الدنيوية غير الدينية في القرن الخامس عشر الميلادي. ففي ذلك العصر رسم الفنان الفلامنكي جان فان إيك صورة أرنولفيني وزوجته ، وهي اللوحة الأولى في تاريخ الفن التي تظهر أناساً لا ينتمون إلى الأرستقراطية. وفي هذه اللوحة نرى رجلاً واقفاً قرب زوجته، وخلفهما على الحائط مرآة مستديرة. وبالتمعن في المرآة نرى الرسام نفسه وإلى جانبه رجل دين يعقد قران الرجل والمرأة. وبالتالي أصبح سر اللوحة كله في المرآة التي تقول لنا أننا أمام صورة عقد زواج.

                        وحافظت المرآة لأكثر من قرن على هذا الدور الذي يسمح للفنان بأن يضيف إلى لوحته المزيد من الأخبار من دون أن يثقل تركيبها العام. ففي القرن السادس عشر رسم الفلامنكي أيضاً كانتان ماتسيس المرابي وزوجته ، حيث نرى رجلاً يمسك بميزان صغير. وأمامه على الطاولة كمية من الذهب، ومرآة مستديرة. وتعكس المرآة وجه رجل يقف خلف الرسام، يبدو عليه الهم والحزن، وأيضاً نافذة مفتوحة على الخارج.



                        ومن مدرسة فونتنبلو الفرنسية التي ازدهرت في القرن السادس عشر، وصلت لوحة تمثل الأميرة غابريل ديستريه الحامل، وفي المرآة خلفها انعكست صورة الوصيفة أو المربية تحيك ثوباً من الصوف للطفل المنتظر.

                        واستمر حضور المرآة في لوحات يستحيل لتعدادها أن ينتهي حتى القرن التاسع عشر، وأحياناً كموضوع رئيس في اللوحة كما هو حال السيدة والمرآة للرسام ويستلر، حيث نرى التعبير على وجه المرأة في المرآة يكمل التعبير البادي على وجهها في الجزء الظاهر مباشرة منه.

                        غير أن الدور الأهم الذي لعبته المرآة في تاريخ الفن، كان في أن إليها يعود الفضل في معرفتنا لما كانت عليه شخصيات الفنانين ونفسياتهم أيضاً. فمئات الفنانين رسموا أنفسهم في صور ذاتية . ووسيلتهم إلى ذلك كانت في التطلع إلى المرآة. بعضهم اكتفى بالتطلع إلى مرآة واحدة. وبعضهم أدرك أن الدقة في نقل تقاسيم الوجه تقتضي باستخدام مرآتين. الأولى لتعكس الوجه، والثانية مقابل المرآة الأولى لتعيد إلى اليمين ما هو إلى اليمين، وإلى اليسار ما هو إلى اليسار، كما هو الحال في الصورة الذاتية التي رسمها لنفسه الفرنسي نيكولا بوسان.



                        ومن الفنانين من أعاد رسم صورته الذاتية مرات ومرات كما هو حال الهولندي وامبراندت، لتسجيل ما هو أعمق من الملامح الشخصية الظاهرية، وصولاً إلى حالته النفسية التي كانت تعرف تقلبات عنيفة بسبب سلسلة من المآسي ألمت به، فبقيت مجموعة اللوحات هذه شاهداً على هذه التقلبات وتوثيقاً أميناً لها.

                        وفي مثل هذه الحالات، يجد المتفرج نفسه أمام لغة مزدوجة الدلالة، حيث يقف هو متفرجاً على شخصيته مرسومة تتفرج بدورها على ذاتها. والحقيقة أن هذا يقودنا هنا إلى الحديث عن نمط شديد الدفع في اتجاه الإغراق في الذاتية، من أنماط الفن الحديث، اشتهر به الفنان الفرنسي مونوري، الذي جعل جزءاً من لوحته قطعة مرآة حقيقية، حين يقف المتفرج إزاءها، تنعكس صورته على اللوحة فيصبح جزءاً منها. ومثل هذا يحدث أيضاً في بعض الفنون الاستعراضية، حيث يلجأ المخرج إلى جعل الديكور الخلفي للاستعراض كله مرآة كبيرة، يشاهد فيها الحضور من المتفرجين أنفسهم معكوسين فيها، ما يجعلهم يبدون جزءاً من المشهد الاحتفالي حتى ولو اقتصر دورهم على أن يكونوا مجرد زينة أو ديكور.

                        ومهما يكن، فإن هذا كله – أي حضور المرآة في الفن والأدب – يقودنا إلى قطع تلك الخطوة التي نجد أننا من بعدها أمام الدور الأساس الذي تلعبه الفنون والآداب في حياة المتلقين ووجدانهم، كما هي الحال في تعاطي فرويد مع الأحلام: إذ، هنا أيضاً يمكننا أن نفهم من الأعمال الفنية أنها، بدورها، مرآة لحياة البشر. إذ وكما أن جزءاً أساساً من الاستمتاع بالفنون، ينبع من رغبة الإنسان، اللاشعورية أحياناً، في أن يتلصص على حياة الآخرين، كذلك فإن جزءاً أساساً آخر من ذلك الاستمتاع ينبع من رغبة هذا الإنسان، اللاشعورية كذلك، في سبر أغوار داخله. فتماماً كما أن الإنسان ما كان في وسعه أن يدرك صورته الحقيقية لو لم يخترع المرآة – أو يكتشفها إذا أردتم -، كذلك كان من الصعب جداً على هذا الإنسان أن يدرك ماهيته وداخله وحقيقة عواطفه وردود فعله لولا تلك المرآة الذاتية التي شكلها الأدب والفن.



                        من هنا، لم يكن غريباً أن يستعمل كثر من الأدباء والمفكرين رمزية المرآة واسمها في أعمالهم، عنونةً وتلخيصاً، بدءاً من تلك الموسوعة الضخمة المتعلقة بكل المعارف والتي وضعها الفرنسي فنسان دي يونيه في القرن الثالث عشر الميلادي بعنوان المرآة الكبيرة واعتبرت دائماً أهم وثيقة وضعت عن أفكار وثقافات القرون الوسطى..

                        وهناك إلى جانب هذا العمل الكبير أعمال عديدة تحمل في عنوانها كلمة مرآة . وقد يكون مفيداً أن نذكر في هذا المجال أن الموسيقي الفرنسي موريس رافيل (1875 – 1938م) وضع كلمة مرايا عنواناً لخمس مقطوعات للبيانو ألفها في العام 1905م. وهو فسر العنوان بقوله أنه إنما أراد منه أن يشرد على الطابع الرمزي لعمله هذا، حيث يقدم العالم بوصفه تمثيلاً لحياة الفنان، الداخلية، والمشهد، ككل كانعكاس لأسلوبه في الوجود، وأخيراً الشيء المموش بوصفه صورة منعكسة على مرآة حساسية الفنان الذاتية. والعنوان نفسه اختاره الفنان السوري ياسر العظمة لسلسلة حلقات تلفزيونية ساخرة عرفت شهرة عربية واسعة.



                        تعليق


                        • #13




                          ما الذي يمكننا أن نستخلصه من هذا كله؟

                          ببساطة أن نرسيس حقق، في النهاية وعلى مدى آلاف السنين انتصاره، حتى وإن كان المسكين قد مات حزناً لأنه لم يعثر أبداً على صاحب الوجه الجميل الذي شاهده منعكساً ذات يوم حين انحنى فوق صفحة بركة ماء ليشرب، فأتاه الوجه من داخل الماء ليشغله بقية حياته. فهل معنى انتصار نرسيس، أننا نحن بدورنا انتصرنا، وعثرنا على ذاتنا وفرديتنا، في ذلك المكان (الوحيد؟!) الذي يمكن فيه أن تظهر صورة الذات؟


                          ليس الأمر مؤكداً، طالما أن الأدب (والفن)، إذا كان قد احتفل دائماً بالإنسان مكتشفاً صورته عبر المرآة، فإنه لم يفته أبداً أن يصور كم كان ذلك الاكتشاف مرعباً. من ناحية لأن الرغبة في العبور إلى الجانب الآخر من المرآة لم تحقق إلا كغاية وفي الخيال، وثانياً لأن الإنسان بقدر ما راح يحدّق في المرآة يوماً بعد يوم ويطرح عليها أسئلته وضروب قلقه وخوفه، بقدر ما كان يحصل منها على إجابات تزيد من حدة القلق والخوف.



                          وحتى دوريان غراي، لم ينته به الأمر إلا وقد خسر رهان مرآته (لوحته).. فإذا كانت هذه قد شاخت بدلاً منه، ليبقى هو شاباً، اندفعت ذات يوم لاستعادة شبابها، مرجعة إليه السنين التي كان هرب منها، مغرقة إياه في شيخوخة لم تنته إلا بالموت.

                          وإذا كانت سيلفيا بلايت قد حدثتنا في قصيدتها عن الصورة الشابة التي تبقى، من مرور العجوز، منطبعة عليها، فإن الحقيقة تبدو أشد قسوة: الحقيقة هي أن المرآة لم تتمكن أبداً من الاحتفاظ بأية صورة.. إلا في الفن.. أي في الخيال، الملجأ الوحيد من الفناء، من الموت ومما ينتظرنا بعدهما.
                          ومن هنا كانت مرآة الفن دائماً، أكثر حرية وجمالاً من مرآة الحقيقة.





                          المرآة في الشعر العربي

                          يروي جلال الدين الرومي في كتابه المتنوي أن أحد ملوك الصين القدماء أراد أن يقيم مباراة في النقش والتصوير بين مهندسي فارس واليونان وفنانيهما. وقد دعا لأجل ذلك نخبة المبدعين من البلدين وبنى قاعة طويلة وواسعة ثم جعل كلاً من الطرفين في جانب وأمرهم أن يشرعا في العمل فاصلاً بينهما بستائر سميكة بحيث لا يرى أحدهما ما يفعل الآخر. وفي حين استنفر مهندسو اليونان كل مواهبهم لصنع أروع الزخارف والنقوش اكتفى مهندسو فارس بصناعة مرايا عظية ثبتوها على جدران المنطقة المخصصة لهم وعمدوا إلى تلميعها وصقلها لتصبح في منتهى الصفاء والشفافية. حتى إذا أمر الملك بأن ترفع الستائر بين الفريقين بدت نقوش اليونان في مرايا فارس أكثر روعة وجمالاً مما هي عليه في الأصل، وحكم الملك لفارس على اليونان في نهاية المباراة.




                          قد تكون هذه الحكاية التي رواها جلال الدين الرومي هي المدخل الحقيقي للتطلع إلى المرآة لا من حيث كونها تعكس الموجودات الظاهرة فحسب، بل من حيث قدرتها على الإضافة والإدهاش والتفاعل مع الظواهر التي تعكسها. فقد ألهبت المرايا مخيلات الفلاسفة والفنانين والشعراء فرآها بعضهم رمزاً للنفس البشرية التي يمكن لها أن تخشن وتصدأ وتعجز بالتالي عن رؤية جمالات العالم ووجوهه الخيِّرة والنبيلة. ويمكن لها بالمقابل أن تشف إلى الحد الذي يجعلها قادرة على استكناه روح الأشياء وسبر أغوارها العميقة، كما هو الحال مع الشعراء والمبدعين. وكما عند جلال الدين كذلك عند فريد الدين العطار، تتخذ المرآة بعداً صوفياً إشرافياً حين تكتشف جماعة الطيور الباحثة عن الطائر الذي يقودها إلى الحقيقة أن السيمرغ ليس سوى انعكاس صورتها في مرآة الحق وأنهم جميعاً تجليات لجوهر واحد.
                          في الشعر القديم
                          لم تغب صور المرآة بالمقابل عن الشعر العربي قديمه وحديثه. ولكن هذه الصور تتفاوت كثيراً تبعاً لرؤية الشاعر وعمق تجربته وللزاوية التي ينظر من خلالها. ففي حين يكتفي امرؤ القيس بالبعد الحسي الظاهري للمرآة حين يشبه صدر حبيبته بالسجنجل، أي المرآة، يقيم ابن الرومي العباسي تناظراً أكثر عمقاً وشمولية بين المرآة وبين نفسه التي تعرف بدورها كيف تميز بين الوجوه وكيف تعامل كل شخص بما يستحق. أما أبو عبادة البحتري فقد رأى في المرآة حقيقة المصير المأساوي للإنسان الذي يؤول سريعاً إلى الشيخوخة والزوال. وتمنى لو أنه لم يصقل مرآته بما يكفي لكي يحول الصدأ بينه وبين اكتشاف الحقيقة.



                          ويقدم ابن المعتز بالمقابل صورتين متغايرتين عن المرآة إحداهما تعكس براعته الوصفية حين يشبه بركة المتوكل بمرآة الجارية المصقولة ويشبه الخليج بمقبض لها، والأخرى تشبّه الذكريات بالمرآة المتحوّلة التي تستعيد لحظات الحياة المفقودة.

                          ثمة شعراء آخرون ربطو بين المرآة والنرجسية المرضية كما فعل شاعر مغمور اسمه حمد ياسين حيث النرجسي يرى العالم بأسره مرايا لشخصه. وكذلك الأمر مع ابن تميم الأسمروي الذي يتحدث عن شخص ما طلب معشوقاً جميلاً لم يجده فآثر أن يعشق نفسه ويحيطها بالمرايا من كل جانب. وفي العصور المتأخرة يتماهى منجك الدمشقي مع وجه حبيبته الذي يتحول إلى مرآة خالصة يتزاوج فيها وجها العاشق والمعشوق. وإذ يرى أحمد البربير، على طريقة أبي العلاء، أن النفس البشرية هي المرآة الحقيقية التي تكشف أسرار السماوات والأرض يرى خليل مطران في الغروب وزوال النهار مرآة لغروبه الشخصي.

                          احتفظت المرآة بمكانتها في الشعر العربي الحديث متخذة مع أدونيس دلالات وأبعاداً رمزية بالغة الكثافة والتنوع، سواء في ديوانه المسرح والمرايا أو في دواوينه الأخرى. والمرآة عند أدونيس ليست مجرد ناقل ببغائي للعالم بل هي طريقة في النظر إلى الأشياء والوقائع. لذلك فهو قد اتخذ من المرآة ذريعة لتفسير الظواهر وإعادة تسميتها كما في نصيه مرآة للقرن العشرين و مرآة السياف .


                          أما صلاح عبد الصبور فيرى وجهه في المرآة مجدوع الأنف ويعبر بسخرية طافحة بالمرارة عن مأزق الإنسان المعاصر بين سندان السلطة ومطرقة الاستلاب. والأمر نفسه يعبر عنه الشاعر اليمني عبدالله البردوني حيث المرايا لا تعكس سوى غربة الإنسان وانفصامه. وإذ ينشطر علي جعفر العلاق بين عطر الروح وضوء الجسد يرى بين المرأة والمرآة ما يتجاوز الجناس البديعي وينسحب على وجوه أكثر حيرة والتباساً. أما الفلسطيني محمد القيسي والعراقي هاشم شفيق فيريان في المرآة صورة المنافي التي تجمعهما معاً وتجعلهما نهباً للبرد والوساوس والغربة القاسية.


                          تعليق


                          • #14



                            تعتبر المرايا عدوة المسرح إذا نظرنا إليها من وجهة نظر مصممي الديكور المسرحي، وذلك لأن عمل المرآة يتطلب أولاً إنارة الهدف، وهذا يعني في عالم المسرح إنارة الجمهور، وثانياً لأن المرآة تعكس الضوء، واستعمالها في الديكور سيؤدي إلى انعكاس الضوء على المشاهدين مما يشوش عليهم متابعة المشهد المسرحي.

                            ومع ذلك، فإن المرآة حاضرة أينما كان في ظلام المسارح، بدءاً من نشوء فن المسرح وصولاً إلى الإبداع الحديث في فن العرض المسرحي مروراً بكونها رفيقة لا يستغني عنها الممثل في الكواليس.





                            صندوق الدنيا الذي كان يتابع من خلاله المشاهد صوراً جميلة متتابعة وهو يستمع إلى حكواتي يعلق عليها، كان يعتمد على تقنية مجهولة المبتكر، وهي تقنية الضوء والمرآة العاكسة التي راجت عالمياً لردح طويل من الزمن قبل أن تنكسف لصالح أجهزة فن العرض السينمائي.

                            وحتى تاريخ اختراع المصابيح الكهربائية، كانت العروض المسرحية تقدم في الهواء الطلق وخلال النهار. ولكن اختراع المصابيح المركزة للضوء في اتجاه واحد (Projector) بواسطة المرايا، يمكِّن العروض المسرحية من الانتقال إلى الصالات المقفلة. وصار هناك البروجكتور المنفلش الضوء أو ذو الضوء المحصور، أو متعدد الدرجات، وكل ذلك بحسب درجة تقعر أو تكور المرآة داخله، التي تعكس ضوء المصباح وتحدد تركزه حسب كل حاجة على حدة.


                            والمرآة هي رفيقة الممثل، وآخر ما ينظر إليه في الكواليس قبل الخروج إلى الخشبة. والمرايا في كواليس المسرح محاطة بإنارة توازي في قوتها وسطوعها إنارة خشبة المسرح، يستطيع الممثل أن يرى نفسه فيها بعد إتمام عملية التخضيب (الماكياج) وارتدائه اللباس الخاص بدوره. وبناءً على ذلك تضع المسارح بين أيدي مستخدميها كتيباً يحتوي على معلومات عن مواصفاتها وما تستطيع أن تقدمه لهم لا تغفل فيه ذكر المرايا وعددها في الكواليس. فعلى سبيل المثال، يورد المسرح الملكي في إنجلترا مواصفات غرف الممثلين، وفيها أن غرفة المجموعة أو الكورس (11 شخصاً) تحتوي على 15 مرآة. وكل غرفة من غرف الممثلين تحتوي على ثلاث مرايا، أي ما يسمح للممثل برؤية نفسه من مختلف الزوايا.



                            نادراً ما لجأ مصممو السينوغرافيا المسرحية لاستخدام المرايا في ديكوراتهم، وذلك عائد لما ذكرناه. لكن وفي بعض الحالات يطلب المخرجون، ولإظهار فكرة ما، أن تستخدم المرايا في مشهد ما، وبالتالي على مصمم الديكور إيجاد الحلول المناسبة، كما في مسرحية ألسنة تتكلم التي قدمت في أحد مسارح نيويورك (2001م) واستمدت قوتها، بحسب الناقد أندرو بوفيل من كون مصمم السينوغرافيا ريتشارد هوفر قد اختار المرايا لعكس صورة الجمهور طوال مدّة العرض، وكأنه يقول هذا أنتم . كما استخدمها المخرج اللبناني يعقوب الشدراوي في مسرحية جبران والقاعدة (1983م) لإظهار مناخين في وقت واحد. فداخل غرفة جدرانها من ورق المرايا العاكسة، مضاءة فقط من الداخل، تدور أحداث تمثل الحقيقة الداخلية للشخصيات، بينما حين ينار خارجها، تنعكس صورة الجمهور على الجدران ويبدأ الدجل الاجتماعي.





                            وتعتمد عروض مسرح لاترنا ماجيكا ، التشيكي على استخدام وسائل تقنية متعددة لإخراج العرض المسرحي. وترتكز الرؤية المشهدية على استخدام الأنوار وآلات العرض السينمائية والمرايا العاكسة التي ترتب بشكل يجعل المشاهد وكأنه في عالم خيالي يختلط فيه أمامه، الممثلون بالأطياف التي تبثها آلات العرض أو المرايا العاكسة، فبالكاد يستطيع التمييز بين ما هو حقيقي وبين ما هو طيف خيال.




                            برز شكل العرض هذا سنة 1959م، خلال المعرض العالمي لفن العرض في مدينة بروكسل ، البلجيكية، وذلك في الجناح التشيكي تحت اسم لاترنا ماجيكا أي الفانوس السحري. كان العرض من تصميم جوزف سفوبودا وإخراج ألفرد رادوك ، اللذين عادا إلى براغ بعد نجاح العرض ليؤسسا مسرح لاترنا ماجيكا في العاصمة التشيكية. ولا يزال هذا المسرح يعمل حتى الآن بالتقنيات المبهرة ذاتها، ولا يزال بعضها سرّاً خاصّاً بتقنيي هذا المسرح.

                            المرآة في المنزل
                            هي أساس من أسس الديكور المنزلي، تدعم الإحساس بالأناقة والإشراق، وطالما تطلّب اختيار المكان الملائم لها عناية ودِراية. وخير ما يدل على ذلك الفلسفة الصينية المعروفة بـ فينج شوي ، التي ترى أن استخدام المرآة في المنزل يطرد الطاقة السلبية من المكان!




                            يمكن اختيار حائط يواجه أحد المشاهد الطبيعية الجميلة، لوضع المرايا بحيث تعكس هذا المنظر ويصبح أحد القِيم الجمالية في البيت، وربما استخدمت في المطبخ أو في غرفة الطعام لتعكس صورة مماثلة للأطباق وأصناف الطعام الشهية.

                            قد تستخدم المرآة في تحويل حجرة غير متوازنة في مقاييسها ونِسَب مساحتها إلى حجرة متناسقة تماماً، وتَخلق وَهماً باتساع المكان مما يمنع الشعور بالضيق لدى الأشخاص الذين يعانون اكتئاباً من الأماكن الضيقة. كما أن وَضعها في مدخل المنزل يُضفي اتساعاً عليه وانشراحاً، ومن الناس من يحبّذ وضع مرآة على سطح طاولة في وسط القاعة بحيث تعكس أشعة الشمس القادمة من النافذة، فتوفّر مصدراً للإنارة غير المباشرة.




                            ويستحسن، عند وجود نافذتين متجاورتين على الحائط نفسه، وضع مرآة طويلة في المساحة التي تتوسطه فتصبح هي بؤرة جذب الانتباه عن شكل النافذتين المتجاورتين غير المستحبّ. كما أن استخدام المرايا يبث حيوية في الجدران الصامتة، فتبدو أكثر حيوية وأناقة.

                            إطار المرآة
                            جمال الإطار من جمال المرآة، وأحياناً كثيرة تكون روعتهُ آسرة للعين فنقول: ما أجمل تلك المرآة ، ولا يكون فيها جمال سوى إطارها.




                            بدأت فكرة تأطير المرآة في القرن السابع عشر، وسرعان ما اكتشفت أهمية الإطارات في إضفاء مسحة تجميلية في تزيين الغرف. فأصبحنا نجد المرايا ذات الإطارات العاجية أو الفضية، أو الخشبية من الأبنوس، وأحياناً كانت تطعم بالأصداف أو المعادن.. وإلى جانب ذلك، راجت الإطارات المطرّزة أو المزيّنة بالخرز الملوّن.
                            ومع ازدياد الوعي لأهمية جمال الإطار، بدأ الحرفيون يعتنون عناية فائقة في حفر إطارات المرايا ونقشها وزُخرفتها كي تأتي منسجمة مع طراز الأثاث المنزلي، حتى أصبح من أولويات التزيين المنزلي وجود مرآة جدارية معلّقة. وكانت إطاراتها تُصنع من الزجاج المحفور. ثمّ لجأ بعض كبار مهندسي البناء إلى تصميم وحدات للتدفئة تمتّد من الموقد حتى السقف معتمدين، لإبراز مهارتهم الفنيّة، على استخدام المرايا ذات الإطارات الباهرة.. لذلك أصبحت المرايا من العناصر التي تعكِسُ الذوق العام السائد في أي عصر من العصور، ولم يكن هناك أي عائق يقف في وجه تغيير أسلوب زخرفة الإطارات ونقشها تماشياً مع الطراز السائد، خاصة أنَّ استبدال أُطر المرايا بأطر أخرى كان أكثر سهولة وأقل تكلفة من تغيير المرآة نفسها.



                            وفي القرن الثامن عشر شاع الرسم والنقش على المرايا. وظهرت الأطر المزينة بنقوش خاصة بالأزهار، أو بزخارف كلاسيكية. وبدأ، في فرنسا، إنتاج المرايا المستديرة الشكل التي كانت غالباً ما تُحاط بأُطُر خشبية مذهّبة سرعان ما لاقت رواجاً وانتشاراً واسعاً.

                            العلم والعلماء والمرآة

                            مع النهضة العلمية والصناعية التي انطلقت بقوة بدءاً من القرن الثامن عشر، لم تعد المرايا تستعمل للتبرج والديكور المنزلي فقط، بل دخلت في صميم التطور العلمي والابتكارات التقنية.
                            فالتلسكوبات التي ترصد حركة الكواكب والنجوم مجهزة بمرايا كبيرة تعكس المرئيات البعيدة وفق الزوايا المتساوية. وتزداد قدرات التلسكوبات على الرصد كلما كبرت مراياها.
                            وتستخدم المرايا أيضاً لتقوية الضوء المنبعث من المصابيح الكهربائية في السيارات كما في المنارات البحرية. وهي من الأدوات الأساسية التي لا غنى عنها في الآليات المتنقلة، لتوضيح الرؤيا الجانبية والخلفية. وفي الأفران الشمسية تستخدم المرايا لتجميع أشعة الشمس وانتاج الطاقة.




                            وفي عيادة طبيب الأسنان، تسمح المرآة الصغيرة التي لا يزيد حجمها على قطعة نقدية معدنية، برؤية الأسنان العلوية التي لا يستطيع الطبيب رؤيتها بسهولة، فتؤدي الوظيفة نفسها التي تؤديها المرآة أو المرايا في المخازن الكبرى والأماكن العامة التي تسمح للمشرفين عليها برؤية ما يجري في الزوايا المختلفة من تلك الأماكن.




                            قصص المرايا..


                            في الصين


                            إضافة إلى أنَّ الصينيين يعتبرونها رمزاً للنور، فإن للمرآة في تاريخ الصين قصصاً وحوادث شيقة كثيرة.

                            حَكَمَ البلاد بالمرآة!

                            فقد كان الوزير وي تشنغ ، المعروف بشخصيته النزيهة وثقافته الواسعة، يُسدي النصائح القيّمة إلى الأمبراطور لي شين مين . ولما توفى وي تشنغ ، أصاب الأمبراطور غم كبير. فموت الوزير كان خسارة كبيرة للدولة. وللتعبير عن حزنه لفقدان وزيره، قال الأمبراطور لأعوانه: أمام المرآة أستطيع أن أرتّب وأهندس لباسي، ووفاة وي تشنغ وفاة لمرآتي الغالية .

                            والمقصود أنّ وي تشنغ كان بمثابة المرآة التي يرى فيها الأمبراطور أخطاءه فيصوّبها، وعيوبه فيُعدِّلها.

                            المرآة عادت مجبورةً

                            وفي القرن السادس الميلادي تعرّضت مملكة تشن لفوضى كبيرة إثر احتلال جيش أسرة سوي المملكة، وفرَّ السكان مذعورين، وكان في القصر زوجان عاشقان، الأميرة الجميلة لهتشانغ وزوجها شيوي ده يان . فاضطرا إلى الانفصال، لكنهما شَقّا المرآة البرونزية، وأخذ كلّ منهما نصف المرآة، واتفقا على أن يبيع كلّ منهما نصف مرآته في السوق يوم عيد الفوانيس أملاً في اللقاء. وأُسرت الأميرة وأرسلت إلى القائد الأعلى وأصبحت زوجة ثانية له.




                            وفي عيد الفوانيس السنة التالية، وصل شيوي ده يان إلى السوق ومعه نصف المرآة، ولكنّه لم يلقَ الأميرة، فأصابه الكدر والهم. غير أنّه لمح نصف المرآة في يد خادم في السوق. وأخبر الخادم شيوي ده يان ما حلَّ بالأميرة، فاغرورقت عيناه بالدموع، وكتب أبياتاً من الشعر على نصف مرآة الأميرة وأرسلها لها مع الخادم. وهكذا علمت الأميرة أن زوجها ما زال على قيد الحياة. ولما عرف القائد بقصتهما تأثّر بمشاعر الحب العميق بين هذين الزوجين وأرسل الأميرة إلى بيت شيوي ده بان . وهذه الحكاية هي أصل القول الصيني: المرآة عادت مجبورة .

                            وقديماً كان الصينيون يعلّقون في قاعات الحكم في ولايات الدولة لافتة مكتوب عليها: مرآةٌ صافيةٌ معلقةٌ عالياً . وذلك رغبة في حثّ الموظف العام على أن يكون نزيهاً نظيف اليد واللسان. ويحكى أنَّ الأمبراطور تشين علَّقَ فعلاً مرآةً كان، حسب اعتقاده، يرى فيها قلوب الناس فيميّز الخيّر من الشرير. وكان الموظفون الحكوميون يعتقدون في وجود مرآة تشين هذه، فيُدققون في أعمالهم وأقوالهم.





                            وكان لأحد الموظفين في أسرة سونغ ، في القرن العاشر الميلادي، مرآة برونزية قديمة، قيل أنه كان يستطيع رؤية مئة كيلومتر عبرها. وقد أراد الموظف أن يقدّم المرآة العجيبة إلى الوزير الأعلى طمعاً في توثيق العلاقة بينهما. غير أن الوزير رفض العرض غير الشريف بذكاء قائلاً: ليست بي حاجة للمرآة التي تستطيع أن ترى عبرها مئة كيلومتر، لأن وجهي صغير!


                            تعليق

                            يعمل...
                            X